لا تخافى يا مريم لأنك وجدت نعمة عند الله – السيدة العذراء مريم أم جميع القديسين – الأنبا يؤانس أسقف الغربية

هذا الفصل هو جزء من كتاب: .

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

لا تخافى يا مريم لأنك وجدت

نعمة عند الله

وجدت نعمة عند ربنا، وابتدأ يبشرها بالحبل الآلهى وحينما تسألت فى دهشة كيف يكون لى هذا؟ أنا لست متزوجة، إن ردها إنما يوضح أنها كانت مصممة على حياة البتولية وأن هذا كان يقينا داخلها وليس مجرد إشتياق كيف يكون لى هذا وأنا لست أعرف رجلاً؟. هنا إبتدء رئيس الملائكة جبرائيل المبشر يفسر لها الكلام وما سوف يتم "الروح القدس يحل عليك قوة العلى تظللك فلذلك أيضاً القدوس المولود نك يدعى ابن الله" (لو 1: 35). وهذا ما نردده فى القداس الآلهى "هذا الذى من الروح القدس ومن العذراء القديسة مريم تجسد وتأنس".

ومع هذه البشارة أعطاها الملاك علامة لكى تفرح "وهوذا اليصابات هى أيضاً حبلى بإبن فى شيخوختها وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقراً لأنه ليس ش غير ممكن لدى الله"... نعم ليس ش غير ممكن لديه... أليصابات العاقر تلد إبن فى شيخوختها... لهذا فهى تشكر ربنا وتقول "هكذا قد فعل بى الرب فى الأيام التى فيها نظر إلى لينزع عارى من بين الناس" (لو 1: 25) كانت العقورية علامة من علامات غضب الله فى العهد القديم لأن البركة كانت بكثرة النسل، "أكثر نسلك كنجوم السماء وكالرمل الذى على شاط البحر" (تك 22: 17) فكثرة النسل كانت علامة من علامات البركة ولذلك فالمرأة التى تحرم من النسل كانت كأن الله غضبان عليها...

"وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقراً لأنه ليس ش غير ممكن لدى الله.." ما هو غير مستطاع عند الناس مستطاع عند الله لأنه ليس ش غير ممكن لديه. فماذا كانت إجابة السيدة العذراء؟ هذه هى النقطة الأولى:

حياة التسليم

الصفة الأولى التى أود أن أقف أمامها هى حياة التسليم... لقد أجابت السيدة العذراء الملاك "هوذا أنا أمة الرب [أمة أى عبدة] ليكن لى كقولك" (لو 1: 38).. ليت هذا الإحساس بالتسليم يكون فى حياتنا... أنا شخصياً عتقاداً جازماً أن حياة الكمال المسيحى هى حياة التسليم الكامل وقد عبر عن ذلك معلمنا بولس الرسول حينما قال "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فى" (غل 2: 20) فما دمت أنا مع المسيح فهو الذى يحيا فىّ يعنى بتصرف كما يريد.. أنا لا أعمل حاجة من عندى.. هذه هى حياة الكمال المسيحى. ولذلك فالذين يتصلون بى لأخذ إرشاد روحى على المستوى الفردى أوصيهم دائماً بحياة التسليم. أوصيهم أن يسلموا للرب حياتهم، لأننا لا نعرف ما هو لخيرنا.. ربما أرى أن هذا الطريق كويس ولكنه ليس مناسب لى.. لذلك يجب أن أرفع كل ش أمام الله فى الصلاة وأسلم حتى لو كان ما سيحدث لى بعد كده ش صعب علىّ، ولكن الأفضل أن أقتبل هذا الش الصعب من يد الله، "فالمر الذى يختاره لى الله خير من الحلو الذى أختاره لنفسى".

"هوذا أنا أمة الرب ليكن لى كقولك".

(لو 1: 38).

الحقيقة أن السيد المسيح له المجد سلمنا هذا التعليم فيما يعرف باسم الصلاة الربية (صلاة أبانا الذى فى السموات......) والتى نكررها مرات عديدة فى اليوم الواحد ويعرفها الجميع حتى الأطفال فنحن فى مقطع منها نقول "لتكن مشيئتك كما فى السماء كذلك على الأرض" (مت 6: 10) لتكن مشيئتك نافذة كما هى نافذة فى السماء هكذا هنا.. لقد ميزنا الله عن المخلوقات بأن أعطانا حرية الارادة وبحرية الأرادة هذه أستطيع أن أعيش مع ربنا أو أتركه وبها أيضاً أسير فى طريق الخير أو طريق الشر.

الله أعطانا حرية الأرادة لكن للأسف نحن نس إستخدامها أحياناً.. ولذلك يجب ان ندخل فى تدريب قوى وعميق وهو أن نسلم لله كل ش تسليم كامل.

إن حياة التسليم الكامل هى ما كان يفعله القديسين فما كانوا ينطقوا بكلمة من فمهم إلا إذا أحسوا ان الله وضع هذه الكلمة على شفاههم لهذا قال داود النبى "إفتح شفتاى فيخبر فمى بتسبيحك" (مز 51: 15) أنت يا رب الذى تفتح شفتاى...

إن الفارق فيما بيننا وبين القديسين أنهم لم يكونوا يفعلوا شيئاً إلا إذا أحسوا إن الله يريد منهم هذا التصرف.. هذه هى حياة الكمال ونحن نرى هذه الحياه فى السيدة العذراء أمنا جميعاً، فنجدها تقول للملاك "هوذا أنا أمة الرب".

والحقيقة أود أن أقول لكم كلمة ونحن نتكلم عن حياة التسليم.. ليتنا ناخذ بركة التسليم الإرادى، لأن ساعات ربنا بحكمة تنفذ مشيئته فى أمر ما ولهذا فإننا سننال بركة التسليم الإرادى إن قبلنا هذا الأمر بشكر وبفرح.

ومعلمنا بولس الرسول فى رسالته إلى فليمون وهو يتكلم معه بخصوص عبد إسمه أنسيموس ترك فليمون ورجع للقديس بولس ليخدم معه، نجد معلمنا بولس يكتب له: "أطلب إليك من أجل ابنى أنسيموس الذى ولدته فى قيودى، الذى كان قبلاً غير نافع لك ولكن الآن نافع لك ولى. والذى رددته فإقبله الذى هو أحشائى الذى كنت أشاء أن أمسكه عندى لكى يخدمنى عوضاً عنك فى قيود الأنجيل. ولكن بدون رأيك لم أرد أن أفعل شيئاً لكى لا يكون خيرك كأنه على سبيل الاضطرار بل على سبيل الأختيار" (فليمون 10 - 14) لهذا أقول لكم خذوا بركة التسليم الأختيارى، فالله ترك لنا فى كتابه المقدس وصايا لأن الله لا يترك العالم يسير كيفما يتفق ولكن الله الحكيم وحده يدبر كل ش ويسير كل ش فى هذا الكون. والسيدة العذراء حينما تقول "هوذا أنا أمة الرب ليكن لى كقولك" نقرأ بعدها فى الانجيل فمضى من عندها الملاك.. خلاص لعد وصلت رسالة السماء وقبلتها العذراء "ليكن لى كقولك" نقطة ثانية نلاحظها فى العذراء ونريد أن نفتدى بها أيضاً وهى:

المحبة

نلاحظ أنه حينما قال الملاك للسيدة العذراء "هوذا نسيبتك أليصابات هى الأخرى حبلى بإبن فى شيخوختها وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقراً لأنه ليس ش غير ممكن لدى الله" (لو 1: 36) يا سلام.. فرحت فرحاً شديداً جداً إن ربنا أعطى أليصابات نسلاً، فماذا فعلت؟ يقول الكتاب: "فقامت مريم فى تلك الأيام وذهبت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا" (لو 1: 39) والسفر فى ذلك الوقت لم يكن سهلاً خاصة بالنسبة لفتاه صغيرة فى السن كالعذراء. كيف تسافر فى وسط الجبال التى كان يتربص اللصوص فيها كما نقرأ عن ذلك فى مثل السامرى الصالح حينما يقول السيد المسيح "إنسان كان مسافراً من أورشليم إلى أريحا فوقع بين لصوص فعروه وجرحوه ومضوا وتركوه بين ميت وحى" (لو 10: 30) كيف لهذه الفتاه الصغيرة القوة على أن تسير فى الجيل، إن هذا يدل على المحبة الكبيرة التى كانت فى قلبها نحو اليصابات والايمان الكامل إن ربنا معاها.

دعنا نتكلم عن المحبة... "فقامت مريم".. ويبدو أن قيامها كان فورياً وسريعاً.. قامت مسرعة لأن قلبها كان مملؤ بالمحبة من نحو أليصابات.. قامت لكى تشاركها الفرحة وتهنئها... قامت بسرعة لأن مشاعر المحبة دفعتها لكى تسرع وتذهب عبر الجبال إلى مدينة يهوذا..

والحقيقة يا أحبائى أنا أشعر أن أكثر وقت يحتاج فيه المسيحيين الذين يحملون اسم السيد المسيح إلى تنفيذ وصية المحبة هو هذه الأيام. نعم فإن مشاكل الحياة تزايدت ومشاغلها.. لكن هذا لا يدعونا أن نترك محبتنا بعضنا لبعض. لأن المحبة ليست فقط فى السؤال، ولكن فى الأهتمام بالآخر. نحن كمسيحيين لازم نشعر شعوراً عميقاً إننا أعضاء فى جسد واحد. الجسد الواحد هو جسد السيد المسيح ورأس هذا الجسد هو المسيح نفسه، وكما يقول معلمنا بولس إن تألم عضو تتألم معه سائر الأعضاء إن ألم أى عضو يجعل الجسد كله يئن بالألم، فماذا عن شعورنا بعضنا ببعض الحق انه لو شعرنا ببعض لتغيرت أحوالنا. لقد كان المسيحى قديماً بمجرد أن يسمع عن إنسان خبر س أنه يصلى لأجله بحرارة.. ولا يكف عن الصلاة حتى يرحم الله هذا الانسان. ولكننا فى هذه الأيام نسمع أخباراً مؤلمة ونحن فى تحدى دائم مع قوى الشر لأننا فى الأيام الأخيرة..

يا أحبائى لقد أعطانا السيد المسيح علامة على قرب الأيام الأخير وقال "من كثرة الأثم تبرد محبة الكثيرين" وهنا المقصود أن تبرد محبة الكثيرين لله وبالتالى ان كان من محبتنا لله تنبع محبتنا لبعضنا البعض، فلا يمكن أن إنسان يحب ربنا ولا يحب أخاه فالسيد المسيح له المجد حينما لخص الوصايا العشر لخصهم فى وصية مزدوجة "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك، وقريبك كنفسك" وقد أوضح السيد المسيح من هو القريب حينما ضرب مثل السامرى الصالح وقال أن القريب هو "الذى صنع معه الرحمة" (لو 10: 37).

يا أحبائى لابد أن يكون لنا حب بعضنا لبعض ويكون لنا اهتمام واحد وتكون لنا حياة مقدسة واحدة.

نحن محتاجين يا أحبائى ان نحب بعضنا بعضاً لأن هذه هى وصية السيد المسيح "بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذى أن كان لكم حب بعضكم لبعض" وتلاميذى هنا تعنى مؤمنين، فالكل مطالب بالمحبة.

هذه هى العلامة "ان كان لكم حب بعضكم لبعض" العلامة التى تميزنا عن أهل العالم، وإلا كيف نكون نوراً للعالم ونحن نكره بعضنا بعض. وهذه المحبة لن تكون إلا إذا كان لنا علاقة خاصة بالله ومحبة لشخصه المبارك. هذه المحبة هى التى دفعت القديسة مريم لزيارة أليصابات وكان رد فعل المحبة أن إمتلأت أليصابات من الروح القدس لمجرد دخول العذراء وقالت لها "مباركة أنت فى النساء ومباركة هى ثمرة بطنك فمن أين لى هذا أن تأتى أم ربى إلىَّ. فهوذا حين صار صوت سلامك فى أذنى إرتكض الجنين بإبتهاج فى بطنى" (لو 1: 41 - 44) فيوحنا المعمدان هو أول من سجد للسيد المسيح كما يفسر هذا الأمر الآباء حينما أرتكض فى بطن أمه فهذا الإرتكاض هو سجود بفرح... "فطوبى للتى أمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب" (لو 1: 45).

تسبحة العذراء

أود أن أنتقل لأتأمل فى بعض كلمات وردت فى التسبحة توضح صفات السيدة العذراء.

"فقالت مريم تعظم نفسى الرب وتبهج روحى بالله مخلصى"..

أود أن تلاحظوا تعبير "تعظم نفسى".. هذه النقطة نلاحظها فى المزامير "إليك يا رب رفعت نفسى"، "لصقت بالتراب نفسى".. النفس فى الكتاب المقدس تعبر عن الروح... وأنتم عارفين إن الإنسان ككائن حى مكون من نفس وجسد وروح... ولذلك نقول فى القداس الآلهى: "إجعلنا مستحقين يا سيدنا أن نتناول من قدساتك طهارة لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا لكى نصير جسداً واحداً".. ولذلك حينما تقول العذراء "تعظم نفسى الرب" فهذا يعبر عن أن الكلام من العمق الداخلى من جوه..

أذكر قصة لا أنساها حين تقابلت مع أحد الأبرار المعاصرين فى جيلنا وهو المرحوم الأستاذ صادق روفائيل وكان من الإسكندرية وحينما تقابلت معه بعد قداس بكنيسة مارجرجس أسبورتنج قال لى كلمة لا أنساها "لما نفقد الروح نبتدى نعبد ربنا بالحناجر" هل الحناجر الصوتية فى القداس هى المطلوبة؟ لا المطلوب أن تكون الصلاة من داخلى من باطنى..

"تعظم نفسى الرب.." نفسى أى أحشائى ولهذا يقول المرنم داود "وكل ما فى باطنى ليبارك أسمه القدوس" (مز 103: 1).

"وتبتهج روحى بالله مخلصى".. تبتهج لأنه فرح عميق يتكلم عنه معلمنا بطرس ويقول "وتبتهجون بفرح لا ينطق به ومجيد" لا ينطق به لأنه لا يعبر عنه.. وما هو موضوع الفرح "نائلين غاية إيمانكم خلاص أنفسكم".

تبتهج روحى بالله مخلصى.. لأنه نظر إلى إتضاع أمته..

هذا الكلام لا تتكلم به السيدة العذراء من نفسها فلا يمكن لإنسان أن يقول عن نفسه أنه متواضع لكن الروح القدس هو الذى نطق بهذه الكلمات... "فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبنى" هذا الكلام صادر عن الروح القدس.

نظر إلى إتضاع أمته

إذا أحببنا أن نعرف الإتضاع، فالتعريف الذى أستريح إليه أن الإتضاع هو أن يعرف الإنسان حقيقة ذاته وأنه حفنة من التراب بتاع الأرض، وأن كل ما فيه من مواهب هى من الله... وليس فى أى إنسان ش صالح، وكما يقول معلمنا بولس الرسول "إنى متيقن أنه ليس ساكن فى أى فى جسدى ش صالح" كل ما فى من مواهب هى من الله..

الإتضاع هو أساس الفضائل كلها. وحسناً يشبهه الآباء بأنه الأساس الذى يحمل بناء الحياة الروحية كلها.

يا أبنائى وأحبائى ليتنا نقتنى الإتضاع ونتمثل بالسيد المسيح الوديع والمتواضع وبأمه التى نحتفل بصومها المقدس.

فليبارك الرب على هذه الكلمات لمجد أسمه وليحفظ كنيسته وليحفظ حياتكم وليبارككم. لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الآبد آمين.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

السلام لك ايتها الممتلئة نعمة الرب معك مباركة أنت فى النساء - السيدة العذراء مريم أم جميع القديسين – الأنبا يؤانس أسقف الغربية

فهرس المحتويات
فهرس المحتويات