الفصل الثالث الكنيسة غُرس سماوى لا ينقطع ()

هذا الفصل هو جزء من كتاب: كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ3 – الكنيسة ملكوت الله على الأرض – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى.

الفصل الثالث

الكنيسة غُرس سماوى لا ينقطع ([84])

الكنيسة عروس المسيح

تبنّى الآباء السكندريون بالأخص أوريجينوس، فى تفسيره سفر نشيد الأناشيد، هذا المفهوم الإنجيلى للكنيسة كعروسٍ سماوية للمسيح، إذ وجدوا فيه أساساً صادقاً للعلاقة بين الله والإنسان.

يقول ر. ب. لاوسون: "تبدو الصورة الرائعة التى رسمها السكندرى العظيم لكنيسته المحبوبة نابضة بالحياة، وغنية بالألوان. أفليس من العجيب أن (الكنيسة)، بالنسبة للكثيرين فى هذه الأيام، لا تمثل أكثر من هيئه، على خلاف ما تمثلته فى ذهن أوريجينوس كعروس سرّية لربنا ومخلصنا ([85])".

يقول أوريجينوس: [لا تظن أن العروس، أى الكنيسة، لم توجد إلا بعد قيامة المخلص، فهى موجودة قبل تأسيس العالم (أف1: 4)، أى أن أساسات الكنيسة قد أرسيت منذ البدء ([86])].

  1. هل الكنيسة عروس سماوية أم مؤسسة اجتماعية؟

يرى القديس يوحنا الذهبى الفم أن الكنيسة هى العروس موضوع حب عريسها السماوى المتهلل بها، يبذل حياته ليفتديها. ينزل إليها ليحملها معه إلى سماواته. تجسد وتأنس لكى تنعم بنعمته، فتتمتع بالشركة فى سماته الفائقة. إنها العروس السماوية الفريدة! لا تدخل فى منافسة مع العالم بمؤسساته المختلفة، وفى نفس الوقت لا تقاوم هذه المؤسسات ولا تستخف بها ولا برسالتها، لكنها كعريسها السماوى تطلب أن تغسل أقدام العاملين فيها بروح الحب والقداسة والتواضع.

سرّ القوة فى حياة المؤمن الحقيقى أنه وهو يتحدث بلغة الواقع الذى نعيشه فى العالم، يرتبط بالواقع العملى الذى نعيشه مع الله ومع جميع السمائيين أبدياً، لكن بلا ازدواجية. فالكنيسة هنا على الأرض فى نظره هى "أيقونة السماء"، حياته هى عربون الحياة السماوية، تهب النفس فرحاً هو عربون السماء. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [الكنيسة سماوية! إنها ليست إلاّ السماء ([87])].

[لتكن نفوسنا سماءً... أقصد نتمثل ببولس الذى وهو على الأرض يقضى حياته فى السماء! لنعجب إلى أين رفع الكنيسة؟... أقامها فى الأعالى، وأجلسها على عرش سام، لأنه حيث يكون الرأس هناك يوجد الجسد أيضاً. لا توجد عزلة بينهما، وإلا فلا يعود الجسد جسداً ([88])].

[فى استطاعتنا – إن أردنا – ألا نكون فى الجسد، ولا على الأرض، بل نكون فى الروح، فى السماء. لندخل إلى نفوسنا... إلى السماء، فى الروح! لنمكث فى سلام الله ونعمته، ولنتحرر من الجسديات، فننعم بالصالحات فى المسيح ربنا ([89])]. [يليق بكم وأنتم خارجون من هذا الموضع أن تعلنوا عنه أنه موضع مقدس. تخرجون كأُناسٍ نازلين من السماء عينها، ممتلئين وقاراً وحكمة، ناطقين وعاملين كل شئ بلياقة ([90])]. [تأملوا هذا التقدم العجيب! إنه يرسل ملائكة إلى البشر، ويقود الناس إلى السماويات. هوذا سماء تقام على الأرض لكى تلتزم السماء بقبول الأرضيين ([91])].

[انظروا كيف انطلق بأحاسيسهم إلى السماويات. لأنه كما قلت، إذ يكرر دائماً أن لهم ما للمسيح، وفى كل رسائله يركز على هذا الأمر، ليوضح أنهم شركاء فى كل شئ مع المسيح، لهذا يستخدم الألفاظ رأس وجسد، ويبذل كل ما فى وسعه ليقدم لهم (هذا المعنى) ([92])]. [حين رُفع جسده إلى الأعالى ظهرت الأمور التى فى السماء. يليق بنا أن يكون فكرنا ورجاؤنا وتوقعاتنا هناك (فى السماء) لئلا نفشل ([93])]. [ليس شئ مستقر مثل الكنيسة، إنها خلاصكم وملجأكم! عالية أعلى من السماوات، وقريبة أقرب من الأرض. لا تشيخ، بل تبقى مزدهرة دائماً... آلاف الأسماء تحاول أن تعبّر عن سموها، كما يُلقب الرب بأسماء كثيرة... إنها عروس فى وقت ما، وابنة فى وقت آخر، عذراء وأمة وأيضاً ملكة ([94])].

  1. ما هو دورنا للاستعداد للعريس السماوى؟

يعيش المؤمن كل أيام غربته يتهيأ للعرس الأبدى، سواء فى مفاهيمه الإيمانية أو العبادة الجماعية أو الشخصية أو جهاده الروحى أو شركته مع السمائيين أوعلاقته بإخوته. [كما أن (قيامة السيد المسيح) حطّمت أبواب الجحيم، وفتحت أبواب السماوات، وقدّمت مدخلاً جديداً للفردوس، وهدمت حصون الشيّاطين، فلا عجب إن تغلّبت أيضاً على المواد السامة والحيوانات الكاسرة، وما شابهها ([95])].

  1. هل نتحدث بلغة الكنيسة العروس السماوية؟

الإنسان الكنسى ليس فقط من يتعرف على العبادة الكنسية الجماعية والقوانين الكنسية والتاريخ الكنسى، وإنما يعرف لغة الكنيسة العروس السماوية ويمارسها، كما يعرف إنجيلها وحياتها السماوية. الحب العملى هو لغة السماء، وكما يقول القديس يوحنا الذهبى الفم إن الحب لله وللقريب، هو جواز سفر به يعبر الإنسان خلال كل أبواب السماء دون عائق. هو ثوب العرس الملوكى السماوى، الذى به يدخل المؤمن السماء كعروس سماوية تبلغ إلى العرش الإلهى لتجد الملك يمد لها قضيب الملك كما حدث مع استير الملكة. فتجلس عن يمين الملك السماوى، وهناك تستقر! الحب هو قانون السماء، ولغة التفاهم فيها. من يسلك بالحب، يتشبه بالله السماوى، فهو "الحب" عينه (1يو4: 8). إذ يتحدث القديس يوحنا الذهبى الفم عن الحب خاصة محبة الأعداء كأعلى درجات الفضيلة السماوية يقول: [أرأيتم كيف يصعدنا السيد خطوة خطوة إلى مداخل السماء؟! (مت5: 46) ([96])] وإذ يتحدث عن محبة العطاء، يرفع أنظارنا إلى السماء والسماوى، فيقول: [أدع يسوع إلى وجبة (طعامك) ([97])]. [هذا يجعلنا نصير متشبهين بالله: الرحمة والرأفة ([98])].

كلما كان أخونا متواضعاً يأتى المسيح خلاله ويفتقدنا. لأن من يستضيف إنساناً عظيماً غالباً ما يفعل هذا عن مجد باطل... ليتنا لا نطلب القادرين أن يكافئونا، بل نتبع القول: "فيكون لك الطوبى إذ ليس لهم حتى يكافئونك". ليتنا لا نضطرب حينما لا يُرد لنا اللطف باللطف، لأننا إن تقبلناه من الناس لا ننال ما هو أكثر، أما إذا لم يُرد لنا من البشر فالله يرده لنا. يليق بك أن تستقبل (الفقراء) فى أفضل حجراتك، فإن أحجمت عن هذا، فلا أقل من أن تتقبل المسيح فى الحجرات الدنيا حيث يوجد الذين يقومون لك بالأعمال الحقيرة والخدم. ليكن الفقير على الأقل حافظاً بابك، لأنه حيث توجد الصدقة لا يقدر الشيطان أن يقتحمه ويدخل. إن لم تجلس معهم فعلى الأقل أرسل لهم الأطباق من مائدتك ([99])]. [إن كنا نخجل من هؤلاء الذين لا يخجل منهم المسيح، فنحن نخجل من المسيح نفسه بخجلنا من أصدقائه. لتملأ مائدتك من العرج والمشوهين، فإن المسيح يأتيك خلالهم، لا خلال الأغنياء ([100])]. [الصدقة أعظم من الذبيحة... إنها تفتح السماوات! فقد قيل: "صلواتك وصدقاتك صعدت تذكاراً أمام الله" (أع10: 4). إنها أكثر أهمية من البتولية، فقد طُردت عذارى خارج حجال العرس (بعدم الصدقة) بينما دخلت عذارى أخريات داخلاً ([101])].

  1. ما هو الغنى الكنسى السماوى؟

افتقر المسيح الغنى، لكى بالفقر ننعم به فيكون هو نفسه كنزنا. كثيراً ما يتعلق قلب الإنسان بالغنى ويتجاهل واهب الغنى، فنشبه أطفالاً يرتبطون باللعب التى يقدمها الآباء والأمهات ويتجاهلون مقدميها، لذا كثيراً ما تُنزع منهم هذه اللعب لا لكى يُحرموا منها، وإنما لكى تتعلق قلوبهم بمن يحبونهم. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [إننا نشبه طفلاً يملك لعبة لا تفيده شيئاً، ومع ذلك يفضلها عن أشياء أخرى هامة، فينتزعها عنه والده ولو رغماً عنه لكى يوجه فكره إلى عمل جاد. هكذا هو تصرّف الله معنا لكى يقودنا إلى السماء ([102])]. [أنت هنا لست مالكاً، لأنه بمجرد موتك، إن أردت أو لم ترد، سيأخذ آخرون خيراتك، وبدورهم يسلمونها لآخرين ([103])].

5 - ما هو الغنى الذى تشتهيه العروس السماوية؟

يقدم لنا القديس يوحنا الذهبى الفم صورة عجيبة من الغنى الفريد الذى يقدمه الله للمؤمن، فإن الله السماوى فى حبه للإنسان عهد إليه بأعمال فائقة، ليؤهله للحياة السماوية. فما هو هذا الغنى الذى يقدمه العريس السماوى لعروسه؟

أ. صنع لنا جسداً من التراب، ووهبنا بروحه القدوس أن نسموا به إلى السماء.

ب. وهبنا جسداً جميلاً، وأوكل إلينا أن نصنع بروحه القدوس نفساً جميلة.

ج. سمح بوجود الشيطان، ووهبنا أن نسخر به كعصفور لا حول له ولا قوة.

د. أوقد مصابيح السماء، وها هو يوكل إلينا أن نقدم نور معرفته لإخوتنا.

ﻫ. خلق الطغمات السمائية المُمجدة ووهبنا أن نكون شركاء طبيعتة الأمر الذى يدهش السمائيين.

و. أعطانا أن نتناول جسده ودمه ونصير واحداً معه.

6 - كيف تهلل القديس يوحنا المعمدان بالكنيسة عروس المسيح؟

تقدم بعض تلاميذ يوحنا الذين فى محبتهم لمعلمهم وغيرتهم إليه "جاءوا إلى يوحنا وقالوا له: يا معلم، هوذا الذى كان معك فى عبر الأردن، الذى أنت قد شهدت له هو يعمد، والجميع يأتون إليه" (يو3: 26). ظنوا أن ممارسة تلاميذ المسيح للمعمودية إهانة لمعمودية يوحنا، كما لو وجدت منافسة بين الفريقين. لم يرتبك يوحنا ولا اضطرب، بل بروح الفرح والتهليل أعلن أن ما يمارسه يسوع المسيح إنما هو من السماء. لقد وجد الفرصة سانحة لتأكيد وتوضيح شهادته للسيد المسيح ولعروسه الكنيسة.

أجابهم القديس يوحنا: "من له العروس فهو العريس، وأما صديق العريس الذى يقف ويسمعه، فيفرح فرحاً من أجل صوت العريس. إذاً فرحى هذا قد كمل" (يو3: 29). تهلل القديس يوحنا المعمدان لأن العروس تعرفت على عريسها والتصقت به. يعلن القديس يوحنا المعمدان فرحه بمجئ العريس الإلهى والتصاق العروس به، وهو فى هذا يعَّبر عن مشاعر رجال الله فى العهد القديم نحو العُرس. يعبر القديس غريغوريوس أسقف نيصص فى تفسيره نشيد الأناشيد عن هذه الحقيقة، فيقول: [إن الذين يخدمون الخطيبة البكر ويلازمونها هم البطاركة والأنبياء ومعلمى الناموس. إنهم يقدمون للعروس هدايا العرس، كما كانت. (من أمثلة هذه الهدايا: غفران المعاصى، ونسيان الأعمال الشريرة، وغسل الخطايا، وتغيير الطبيعة، أى تصير الطبيعة الفاسدة طاهرة، والتمتع بالفردوس وكرامة ملكوت الله، والفرح اللانهائى). عندما تتقبل العروس كل هذه الهدايا من النبلاء الحاملين لها والذين يقدمونها خلال تعاليمهم النبوية حينئذ تعترف باشتياقاتها، ثم تسرع لتتمتع بامتياز جمال الواحد طالما اشتاقت إليه. يصغى خدام البتول ومرافقوها إليها ويحثونها بالأكثر لاشتياق متزايد. ثم يصل العريس قائداً جوقة من المغنين فيما بينهم أصدقاؤه والذين يترجون خيره. هؤلاء يمثلون الأرواح الخادمة التى تنقذ البشر الأطهار. عند سماعهم صوت العريس يفرحون (يو3: 29)، إذ يتحقق الاتحاد الطاهر وتصير النفس الملتصقة بالرب روحاً واحداً معه كما يقول الرسول (1كو6: 17) ([104])]. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [كأن يوحنا المعمدان قال: إننى كنت أتألم كثيراً لو لم يحدث هذا. لو كانت العروس لم تتقدم إلى عريسها، لكنت أتوجع وأغتم، لكننى لست أغتم الان إذ كملت آمالى، وقد تحقق كل ما تمنيناه وقد عرفت العروس عريسها، وأنتم شهدتم بذلك، وإذ رأيت هذا المطلب قد تحقق لذلك أسرّ وأبتهج].

7 - ما هى العلامات المميزة للعروس السماوية؟

أولاً: الفرح السماوى: الحياة الكنسية الفاضلة أيقونة الحياة السماوية التى لن يتسلل إليها قلق أو اضطراب، بل يحيا المؤمن فى سلام الله الذى يفوق كل عقل، وينعم بالفرح السماوى الذى يسكبه روح الله القدوس على النفس التى تنشغل بعُرسها السماوى. أما الأشرار إذ يحرمون أنفسهم من الحياة الكنسية السماوية، فلا يتمتعون بالشركة مع العريس السماوى، بل يسمعون الصوت النبوى: "لا سلام قال الرب للأشرار" (إش48: 22).

إذ يرفع المؤمن قلبه إلى السماء لن يرى ملاكاً مضطرباً، أو فى خصومة مع آخر بل يعيش الكل معاً فى سلام فائق. هكذا يتشبه بهم، فلا يسمح لقلق ما أو غضب أن يتسلل إلى قلبه أو فكره. بهذا يتأهل للعرس السماوى. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم [الفرح الحقيقى هو فرح الحياة الأخرى، حيث لا تتعذب النفس وتتمزق بالشهوة ([105])]. [ "نحن الذين لنا باكورة الروح، نحن أنفسنا أيضاً نئن فى أنفسنا متوقعين التبنى فداء أجسادناً" (رو8: 23). لأن من لديه هذا الاشتياق لا يمكنه أن ينتفخ بالأمور الصالحة التى تخص هذه الحياة، ولا أن يرتبك بأحزانها، كما لو كان يسكن فى السماوات عينها، ومتحرراً من كل نوع من الاضطراب ([106])].

ثانياً: الحياة المتواضعة كسلم للسماء. تنطلق نفوس المؤمنين الحقيقيين نحو السماء يوماً فيوماً بروح التواضع ليلتقوا مع عريسهم المتواضع، القائل: "تعلموا منى لأنى وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم" (مت11: 29). يشجعنا القديس جيروم على الجهاد لنوال مجد أعظم فى الحياة الأبدية كبيت الزوجية السماوى بالتواضع، قائلاً: [لو أننا جميعاً نكون متساوين فى السماء، فباطلاً نتواضع هنا لنصير عظماء هناك ([107])]. ويقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [هذا هو ملخص خلاصنا: ذاك الذى يطلب هذه الفضيلة (التواضع)، فإنه وإن كان فى شباك الجسد يقدر أن ينافس القوى غير المادية، وأن يتحرر من أى التصاق بالحياة الحاضرة... فمن يحمل نير المسيح ويتعلم أن يكون وديعاً ومتواضع القلب يقتفى آثار السيد، ويعلن كل فضيلة فى كل طريق ([108])]. كما يقول: [إذا كانت خطية التبرج استلزمت عقاب النساء العالميات فى زمن العبرانيين وتحت الناموس القديم (إش3: 16)، فماذا نقول عن النساء اللواتى يتبعن ناموس النعمة وهن من أهل مدينة السماء، والمفروض فيهن تقليد عيشة الملائكة؟ ([109])].

ثالثاً: الالتزام بروح المسئولية فى كل ما نؤتمن عليه. حياتنا هى مدرسة إلهية خلالها نتعلم ونتدرب على الحياة السماوية الجادة فى كل اتجاهات حياتنا، كعروس سماوية.

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [يليق بنا أن نُظهر ضبطاً للنفس بصورة أعظم لنقترب إلى مثل هذه المائدة، مهتمين بالروحيات، وحاسبين الأمور الملموسة أموراً ثانوية بالنسبة لها ([110])].

كما يقول: [أريدكم أن تحفظوا أذهانكم فى هذه الأمور على الدوام (كو3: 1). فإن اهتمامنا بها يحررنا من الأرض، وينقلنا إلى السماء ([111])]. وأيضاً يقول: [من الممكن حتى ونحن نسكن هنا أن نفعل كل شئ، كما لو كنا قاطنين سلفاً فى الأعالى ([112])].

رابعاً: إدراك من هما طرفى المعركة الروحية. إذ نُدعى للعرس السماوى لنذكر ما قيل عن عريسنا السماوى: "تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار جلالك وبهاءك" (مز45: 3).

إن معركتنا مع إبليس فى الواقع طرفاها هما الله السماوى وإبليس المنحدر إلى الجحيم. الله فى حبه للإنسان يريد أن يرفعه إلى سماواته، واهباً إياه قوة الغلبة والنصرة كجندى صالح (2تى2: 3). ومن جهة أخرى فإن إبليس بروح الحسد يبذل كل جهد ليُحطم الإنسان حتى لا يشتهى السماء، ويحطم رجاءه فيها، مستخدماً كل وسيلة ليستعبده ويسحبه إلى نيران جهنم الأبدية. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [انظروا كيف وضع الشيطان نفسه فى صف ضد الله؟! أو بالأحرى ليس ضد الله غير المحتجب، بل ضد الله المحتجب فى طبيعة الإنسان ([113])].

خامساً: الإلتزم بحياة الصلاة والتسبيح: يليق بالمؤمن أن يكون على علاقة دائماً مع عريس نفسه، أينما وُجد. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [تستطيع أن تضبط أفكارك وتسبح الله دون أن يسمعك آخر، حتى إن كنت فى السوق. فقد صلى موسى هكذا وسُمع له، إذ قال الرب: "لماذا تصرخ إلىّ؟" (خر14: 15) مع أنه لم ينطق بشئ، وإنما صرخ فى فكره بقلب منسحق، حيث سمعه الله وحده، فليس ثمة ما يمنع من أن يصلى الإنسان وهو يسير فى الطريق، فيسكن فى الأعالى ([114])].

كما يقول: [لا شئ يعطى للنفس أجنحة، وينزعها عن الأرض، ويخلصها من رباطات الجسد، ويعلمها احتقار الأمور الزمنية مثل التسبيح بالنغمات الموزونة].

سادساً: حفظ الأعياد بفكر روحى: نحسب يوم الرب كعيد أسبوعى، نلتصق فيه بعريسنا بقوة لنكمل بقية أيام حياتنا كما فى عيد لا ينقطع. كان كل يهودى يلتزم أن يحتفل بالسبت كيوم الرب.

وكما يقول القديس يوحنا الذهبى الفم إن السبت كان عند كثيرين منهم هو مجرد امتناع عن العمل، لكى يدرك المؤمن أنه قد تحرر من عمل العبودية الذى عاناه الشعب قديماً فى مصر، أى انسحاب من عمل اللبن الذى كان نوعاً من الإذلال، أو هو خروج مستمر للانطلاق من العبودية إلى أرض الموعد. أما السبت الجديد عند المسيحى فهو دخول إلى أرض الموعد للتمتع بالعرس والتنعم بالمواعيد الإلهية. إنه ليس توقفاً عن عمل العبودية فحسب، وإنما هو تمتع بقوة القيامة مع المسيح وممارسة العمل الروحى المفرح فى أرض كنعان.

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [يلزمنا ليس فقط أن نخلص من مصر (رمزياً)، وإنما أن ندخل أرض الموعد ([115])]. [الحياة بالنسبة للمسيحيين هى عيد متواصل ([116])].

سابعاً: العبادة الكنسية بفكر روحى: إن كان الإنسان الكنسى الحقيقى يعيش فى سبت دائم أو فى عيد سماوى مستمر، فمن جانب آخر، فإن شركته فى العبادة الكنسية تدخل به إلى خبرة الحياة السماوية. هذه الخبرة وإن تذوقها بالأكثر أثناء القداس الإلهى، لكنها تمتد كل أيام حياته. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [أقام الله رأساً واحدا للملائكة والناس. بتجسده جمع البشر أعضاء فيه، وبكونه كلمة الله جمع الملائكة خلال هذا الرأس الواحد... إذن لنتمثل بحياة الملائكة وفضائلهم ونهتدى بهم ([117])].

ثامناً: احتمال الأحزان الحاضرة من أجل المسيح السماوى: يقول الرسول بولس: "فلنخرج إذاً إليه خارج المحلة حاملين عاره" (عب13: 13). يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [ستكون أحزاننا الحاضرة تافهة ومستقبلنا مجيداً إن حوّلنا نظرنا عن المنظورات، وركزنا على الروحيات عوضاً عنها. أى عذر نقدمه إن اخترنا الأمور الوقتية عوض الأبدية؟ حتى إن كان الحاضر فيه متعة، فإنه لن يدوم، بينما الحزن الذى يسببه يدوم. لا يمكن للذين يتمتعون بعطية عظمية هكذا أن يتذللوا ويسقطوا أمام أمور هذه الأرض ([118])]. كما يقول: [تأملوا أيها الأحبار الأعزاء متاعب الحياة، حتى إن كانت قاسية، فإنها لمدة قصيرة الأمد، أما الصالحات التى تحلّ بنا فى الحياة العتيدة فهى أبدية وباقية... لهذا ليتنا نحتمل ما يعبر دون شكوى، ولا نكف عن الجهاد فى الفضيلة حتى نتمتع بالصالحات الأبدية والباقية إلى الأبد ([119])].

تاسعاً: حفظ بتولية القلب: يقول الأب قيصريوس أسقف آرل: [تُعرف نفوس كل الرجال والنساء أنها عروس المسيح، إن كانوا راغبين فى حفظ الطهارة الجسدية وبتولية القلب. إذ يُفهم المسيح أنه عريس نفوسهم وليس أجسادهم البشرية ([120])].

8 - كيف حمل زواج يعقوب رمزاً للكنيسة العروس؟

يرى مار يعقوب السروجى أن الأبرار احتفلوا بطريق ابن الله المتجسد ربنا يسوع المسيح بأفعالهم وأخبروا عنه. أحب يعقوب راحيل وخطبها، وهى تمثل الكنيسة العروس الجميلة، كما تزوج ليئة التى تمثل جماعة اليهود، والتى حلت محل راحيل بعد أن خدعه لابان (تك29). أبرز مار يعقوب السروجى الآتى ([121]):

أولاً: تقدست راحيل بنت الوثنيين بخطيبها يعقوب. [(خُطبت) تلك التى تربت بين أصنام الوثنية لهذا الغنى بالبركات وبالإيحاءات. تتقدس المرأة غير المؤمنة بالرجل المقدس كما كتب بولس هذه الحقيقة (1كو7: 14). صارت قديسة بسبب يعقوب، فكم تتبرر كنيسة الشعوب برب يعقوب! كيف أن خبر ليئة بغيضة العينين هو مُهمل، ولماذا يا ترى إلا لأجل السرّ الذى تم فيها؟ كيف أن راحيل أختها تنتصر بين القراءات، لأن جمال الكنيسة اختبأ فيها، ولهذا نصرتها عظيمة! كيف أن خبر يعقوب مملوء عجباً، لأنه يشبه ربه، ولهذا فهو عظيم فى الكتب.

ثانياً: [انظر إلى يعقوب وهو يمشى بالفقر، كم كان يشبه الابن الذى أخلى نفسه وتنازل.. خرج من بلده ليأتى إلى حاران بالفقر، فتبعته الأسرار لتكمل فيه تجلياتها. وصل إلى البئر ليس (بئر) الماء، لكن (بئر) الأسرار، فلو نظرت: فهو مملوء أسراراً أكثر من الماء. وجده مغلقاً ولا يصعد منه السقى ويحيط به قطعان الغنم والرعاة. وجد هناك حجراً عظيماً موضوعاً على فمه، والقطيع عطشان وينتظر أن يُزاح الحجر (تك29: 2)... وقف يعقوب ونظر إلى القطعان التى أحرقها العطش، ولا توجد قوة لرفع الحجر وارتوائها. ولما كان أتت راحيل عند القطيع، وحالما رآها قلب الحجر ليشرب القطيع... كان سرّ الكنيسة موضوعاً فى وجهها كالبلور، وتاق يعقوب خطيبها العادل إلى محياها. جماعة الشعوب رشّت جمالاً على بنت الوثنيين حتى يراها يعقوب ويستيقظ على الانتصار... كل القطعان شربت بسبب راحيل، وبجمالها ومحبتها وبهائها صارت سبباً (للشرب)].

ثالثاً: قبل يعقوب راحيل باكياً ليرمز إلى آلام الابن. [يا ابنى لا تظن بأن يعقوب اشتهاها (تك29: 11) جسدياً، لأنه لما قبّلها كان يبكى بكاء بألم عظيم. لو كانت شهوة لما كان يسكب الدموع هناك، لأن البهجة تلد الشهوة بحرارتها. الألم يلد الحزن والكآبة، وحيثما يوجد البكاء لا توجد الشهوة مطلقاً. إذاً يعقوب لم يكن ملتهباً بالشهوة، لكنه كان يضطرم بألم أسرار الابن].

رابعاً: ساعد سرّ الابن يعقوب ليزيح الحجر الكبير. [لو لم ينزل هذا السرّ مع يعقوب لما كان الرجل العادى يقلب هذا الحجر العظيم... ظِل الراعى العظيم استقر عليه وخاف من قوته جميع الرعاة].

خامساً: استقبل لابان يعقوب واتفقا على الأجرة وهى الزواج من راحيل. [استقبل الوثنى الرجل العادل بقلب صالح، وبدأ يشترط معه على عمله. قال لابان: ما هى أجرتك لتكون معروفة، لأن لا يحسن أن تعمل مجاناً مادمت عندى؟ (تك29: 18) قال يعقوب: اشتغل معك لأجل راحيل، زوجنى ابنتك الصغرى وهذه أجرة صالحة... اشتغل معك سبع سنين لأجل راحيل، ولا تعطنى شيئاً آخر سواها... هنا تحقق كل نمط ربنا لأنه أعطى نفسه للتعب العظيم من أجل الكنيسة. استسلم ابن الله للآلام بمحبته، ليخطب بضرباته الكنيسة التى كانت مُطلقة. تألم على الصليب لأجل هذه الساجدة للأصنام، لتصير خاصته بقداسة. قبل أن يرعى كل أغنام البشر بعصا الصليب العظيم وهو يتألم. قبل أن يرعى الشعوب والعوالم والطغمات والجموع والمواضع ولتُرد إليه الكنيسة فقط].

سادساً: تزوج يعقوب من ليئة بدل راحيل. [انتهى الوقت لتُدفع الأجرة للراعى، فتحايل لابان بالخداع ليكذب عليه... صار عرس ليفرح الختن بالعروس التى خطبها، وبدل راحيل دخلت ليئة بمكر أبيها... فى الصباح انفضحت حيلة لابان، واتضح المنظر البغيض الذى كان مُغطى... أخفى المساء العروس وأعطاها بحيلة، وكشفها الفجر (تك29: 25)، ليراها الختن ويحتقرها... بحيلته وضع اسم الجميلة على القبيحة، فتزينت العروستان بجمال واحد].

سابعاً: اكتشف يعقوب حيلة لابان وطالب براحيل. [أين هى راحيل التى خدمتك لأجلها، أنا لم اطلب ليئة ودخلت عندى دون أن أدرى؟ قال لابان: هذه عادة كل بلدنا: لا تُعطى الصغيرة قبل الكبيرة. لا امنع عنك راحيل أيضاً لو شئت فخذ كلتيهما دون أن يتغير ناموسنا. قبل يعقوب أن يأخذ الاثنتين من بيت لابان... هنا تحقق سرّ الجماعتين بالأختين اللتين كانتا قد أعطيتا لرجل واحد. رُسم الشعب والشعوب بليئة وراحيل، ووُصفت الجماعة والكنيسة بالأختين. دعا الله جميع الشعوب إلى الزيجة معه، إذ لا يوجد شعب على الرض ليس خاصته... بذلك البرقع الذى بسطه موسى على وجهه صُور غطاء ليئة الكبرى... نظرت إلى العجل ودعته رباً، لأنها كانت عمياء ولم يكن لها بصر ليميز الحقائق. هذه المحرومة من البصر دخلت أولاً، وكانت الكنيسة البهية قد تُركت مثل راحيل. كانت مغطاة بموسى ولم يعرف أحد بأنها عمياء وكانت تُرى كأنها جميلة بفضل الغطاء. صاحبة البصر مستترة فى الشعوب وليست معروفة، والقبيحة كلها مغطاة وتدخل إلى بيت الله].

ثامناً: ليئة رمز اليهود التى تعرفت على الله أولاً ثم راحيل رمز كنيسة الأمم. [هذا الشعب كان البكر عند الله، وإذا كانت بنت الشعوب جميلة، قد تُركت. لم يكن يليق أن تدخل الصغيرة قبل الكبيرة، ويشهد لابان الذى أعطى ليئة بدل راحيل. أخرجها موسى من مصر فى منتصف الليل، لئلا يرى أحد كيف أن العروس التى جلبها ليست جميلة. خرجت فى الليل كما أن ليئة دخلت فى الليل، ففضح الصباح الأمر... راحيل الصغيرة والكنيسة الشابة اللتان كانتا جميلتين دخلتا فى النهاية لأن النور اظهر جمالهما. خطب يعقوب صاحبة المنظر، وبهية الجمال، ومحبوبة المحيا، وحسنة الوجه، والمجيدة فى كل شئ. لقد أعطوه قبيحة العينين، وكليلة البصر، ومجعدة المنظر، وكئيبة الوجه، والمملوءة عيوباً. ربنا أيضاً خطب الكنيسة الكبرى بنت الملوك، وعارفة الآب، والساجدة للابن، والقابلة للروح. وأعطوا له أيضاً جماعة الشعب الساجدة للأصنام، وصائغة العجل، وناكرة الآب، وصالبة الابن... راحيل لم تدخل عند البار بالمكر، والكنيسة لا تقوم عند القدوس بحجاب. وجه الكنيسة بهى بجمالها أكثر من راحيل، ودخلت صباحاً ليرى كل واحد كيف أنها بهية ([122])].

9 - لماذا دُعيت الكنيسة الابنة المقدسة؟

إن كانت قد دُعيت عروس المسيح لكى يسود فرح الروح حياتها حتى فى وسط آلامها وجهادها، وفى معركتها ضد إبليس، ففى المزمور 45 يدعوها الابنة الملكة، التى تأتى إلى الملك وفى إثرها عذارى صاحباتها. يقول المرتل: "اسمعى يا ابنة وانظرى، وأميلى أذنك وانسى شعبك وبيت أبيك. فيشتهى الملك حُسنك لأنه هو سيدك فاسجدى له. كلها مجد ابنة الملك فى خدرها منسوجة بذهب ملابسها. بملابس مطرزة تحضر إلى الملك فى إثرها عذارى صاحباتها مقدمات إليك. يحضرن بفرح وابتهاج يدخلن إلى قصر الملك" (45: 10، 13 - 15).

كابنة تلتزم بالآتى:

أ. حفظ الوصايا الإلهية.

ب. تميل بأذنها وتطلب أن تنال موهبة الفهم بروح التواضع.

ت. تترك أباها القديم إبليس.

يقول القديس باسيليوس الكبير: [ "اسمعى يا ابنتى وانظرى وأميلى أذنك" (مز45: 11) الدعوة مُقدمة للكنيسة، لتسمع وتحفظ الوصايا، يناديها الله "ابنتى"، لتكون لها دالة عنده، لقد جعلها ابنته من مُنطلق حبه. "اسمعى يا ابنتى وانظرى". "انظرى" تفيد أنه أراد أن يُدرّبها على الفهم والتأمل. يقول لها تمعَّنى فى الخليقة، وانظرى النظام الذى تسير عليه، ومنه ارتفعى للتأمل فى خالق هذه الطبيعة.

ثم يدعوها أن تتخلَّى عن كبريائها فى وضع انحناء رقبتها عندما تميل الأذن لتسمع. فلا تجرى وراء الأساطير الخارجية، ولكن اسمعى للصوت الوديع الذى تحويه كلمة الإنجيل. أميلى أذنك نحو هذه العقيدة، كما هى، لتنسى العادات السيئة وتعاليم أبيك. لذلك: "انسى شعبك وبيت أبيك" (مز45: 10) "لأن من يفعل الخطية هو (المولود) من إبليس" (1يو3: 8). انزعى عنك إذن تعاليم إبليس، وأنسى تقدماته، والجولان فى المساء، والأساطير التى تشعل نار الزنا وكل العادات الباطلة.

دعوتك "ابنتى" لكى تبغضى أباك الأول الذى ولدك لهلاكك، فإن نسيتيه تنفصلى عن آثار تعاليمه الخاطئة وعندئذ تستردين مجدى الأصلى، فيشتهى الملك العريس حُسنك ([123])].

ويقول القديس جيروم: [فى هذا المزمور يتحدث الله عن النفس البشرية أنها إذ تقتدى بإبراهيم يلزمها أن تخرج من ارضها ومن عشيرتها، وأن تترك الكلدانيين أى الشياطين (العبادة الوثنية) وتسكن أرض الأحياء التى يقول النبى عنها فى موضع آخر: "وأنا أؤمن إنى أعاين خيرات الرب فى أرض الأحياء" (مز27: 13). لكن لا يكفى الخروج من أرضكم ما لم تنسوا شعبكم وبيت أبيكم، أى إن لم تحتقروا (شهوات) الجسد، وتلتصقوا بالعريس فى عناق وطيد وثيق ([124])].

ويقول: الأب قيصريوس أسقف آرل: [إننا مدعوون من الله الآب خلال مبادرة مباركة مغبوطة أن نهجر أبانا الشيطان. حقاً إننا نترك أبانا الشيطان شريطة الاستعانة بالله، والجهاد الدائم أن نتحاشى شره المخادع ونهرب منه ([125])]. ويقول الأب بفنوتيوس: [بالنسبة للشخص الذى يقول: "اسمعى يا ابنتى"، يكون لها بمثابة أب. إنه يشهد أن الذى يحثها على نسيان بيتها وشعبها هو أب لابنته، ويتم ذلك بموت الإنسان مع المسيح عن اهتمامات هذا العالم. يقول الرسول: "ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التى تُرى، بل إلى التى لا تُرى. لأن التى تُرى وقتية، وأما التى لا تُرى فأبدية" (2كو4: 18). وإذ ننطلق قلبياً من هذا البيت المنظور الزمنى نوجّه أعيننا وقلوبنا إلى ذاك الذى نبقى فيه إلى الأبد، ونحقق ذلك إذا ما كنا ونحن نتحدث فى الجسد لا نعود بعد فى حرب مع الرب حسب الجسد، معلنين بالقول والفعل حقيقة قول الرسول الطوباوى: "سيرتنا نحن هى فى السماوات" (فى 3: 20) ([126])].

10 - ما هو خاتم الزواج الذى يقدمه العريس السماوى؟ ([127])

يصور لنا القديس يوحنا الذهبى الفم فى العظة الثانية عن أتروبيوس أن مخلصنا يسوع أخذ المرأة الخاطئة (وهى تشير إلى نفوس الخطاة التائبين لو7: 37 الخ)، وخطبها لنفسه ودخل معها فى حوار رائع. وماذا قدّم لها؟ خاتم الزواج. وما هو معدن الخاتم؟ الروح القدس. إذ يقول بولس: "ولكن الذى يثبتنا معكم فى المسيح، وقد مسحنا هو الله، الذى ختمنا أيضاً، وأعطى عربون الروح" (2كو1: 21، 22). قد أعطاها الروح القدس.

[بعد ذلك قال (على لسان العريس): ألم أغرسك فى الفردوس؟، فتجيبه "نعم".

ثم يسأل: وكيف سقطت من هناك؟ تجيبه: "الشيطان جاء، وطردنى من الفردوس".

فيقول لها: "لقد غرستك فى الفردوس والشيطان طردك، انظرى فإننى أغرسك فىّ أنا. إننى أسندك فلا يعود الشيطان يقدر أن يجسر ويقترب إليك. إذ لا أرفعك إلى السماء، بل إلى حيث ما هو أعظم من السماء. أحملك فى نفسى أنا هو رب السماء. الراعى يحملك فلا يقدر الذئب أن يقترب إليك بعد، أو بالحرى لا أسمح له أن يقترب إليك". هكذا حمل الله طبيعتنا وإذا اقترب إليه الشيطان هلك. لذلك يقول لك الرب: ها أنا قد غرستك فىّ، أنا الأصل، وأنتم الأغصان (يو15: 5). لقد غرسها فيه].

11 - كيف ينزع العريس السماوى نجاستها؟ ([128])

[إنها تقول: لكننى خاطئة ونجسة. يقول لها الرب يسوع: لا تضطربى بسبب هذا فإننى طبيب. إننى أعرف الإناء الذى لىّ، وأعرف كيف فسد، فأعيد تشكيلك بواسطة جُرن المعمودية مُسلماّ إياك لعمل النار.

تأمل! لقد أخذ الله تراباً من الأرض وخلق الإنسان وشكله، لكن جاء الشيطان وأفسده. عندئذ جاء الرب وأخذه مرة أخرى وعجنه من جديد وغيّر شكله فى المعمودية، ولم يعد بعد ترابياً بل ذا صلابة شديدة. لقد خضع التراب اللين (الطين) لنار الروح القدس "سيعمدكم بالروح القدس ونار" (مت3: 11). يتعمد الإنسان بالماء لكى يتشكل، وبالنار لكى يتقوى، لذلك فإن النبى يتنبأ بحسب الإرشاد الإلهى قائلاً: "مثل آنية الخزاف يسحقهم" (مز2: 9)...

وحتى تتأكد أننى لا أنطق بكلمات فارغة، اسمع ما يقوله أيوب: "اذكر أنك جبلتنى كالطين" (أى10: 9)، وما يقوله بولس: "ولكن لنا هذا الكنز فى أوان خزفية" (2كو4: 7). لكن تأمل قوة الإناء الترابى، إذ صار قوياً بواسطة الروح القدس.

انظر كيف أكد الرسول أنه إناء ترابى، قائلاً عنه: "خمس مرات قبلت أربعين جلدة إلا واحدة، ثلاث مرات ضربت بالعصى، مرّة رُجمت" (2كو11: 24 الخ). ومع هذا فإن الإناء الترابى لم ينكسر. "ليلاً ونهاراً قضيت فى العمق". لقد كان فى العمق، لكن الإناء لم يفسد. عانى من انكسار السفينة، لكن الكنز لم يُفقد. كانت السفينة تغرق، لكن الحمولة طفت. يقول: "ولكن لنا هذا الكنز"... يسنده الروح القدس والبرّ والتقديس والخلاص.

وما طبيعته؟ "باسم يسوع الناصرى قم وامش" (أع3: 6). "يا اينياس يشفيك يسوع المسيح" (أع9: 34). "أنا آمرك باسم يسوع المسيح أن تخرج منها" (أع16: 18).

هل رأيت كنزاً كهذا أكثر بريقاً من الكنوز الملكية؟! هل تقدر جواهر الملك أن تفعل مثلما تفعل كلمات الرسول؟!... "ولكن لنا هذا الكنز". يا له من كنز ليس فقط محفوظاً، إنما يحفظ المسكن الذى يوجد فيه. هل تفهم ما يقول؟ إن ملوك الأرض وحكامها عندما يكون لهم كنوز يجهزون لها أماكن عظيمة للتخزين: من حصون عظيمة وقضبان وأبواب وحواجز للوقاية، ومزلاج... هذا كله لكى يحفظوا الكنوز. أما المسيح فصنع العكس، إذ لم يضع الكنز فى آنية حجرية (حتى تحميه)، بل فى إناء خزفى (لكى يحميه الكنز). إن كان الكنز عظيماً، فهل لهذا السبب يجعل الإناء ضعيفاً؟! لا... بل لأن االكنز لا يحفظه الإناء، بل هو الذى يحفظ الإناء.

إننى أودع الكنز (فى الإناء الضعيف)، فمن يقدر أن يسرقه من هناك؟! الشيطان يأتى، والعالم يأتى، والجموع تأتى، ومع ذلك لا يسرقون الكنز، فالإناء قد يُنكل به، أما الكنز فلا يٌفقد. قد يغرق الإناء (الجسد) فى البحر، لكن الكنز لا يغرق. الإناء قد يموت، أما الكنز فيحيا، لذلك فهو يعطى حرارة الروح].

12 - ما هو مهر العروس؟ ([129])

[تأمل! "الذى يثبتنا معكم فى المسيح وقد مسحنا هو الله الذى... أعطى عربون الروح فى قلوبنا" (2كو1: 22). أنتم تعلمون أن العربون هو جزء صغير من الكل، دعونى أخبركم معنى العربون.

قد يذهب شخص ليشترى منزلاً بثمن عال، فيقول له البائع "أعطنى عربوناً حتى أثق فيك". وواحد يذهب ليتخذ له زوجة فيدفع لها مهراً. فحيث أن المسيح قد عمل عقداّ معنا (إذ سيقبلنا عروساً له) لذلك عين المهر لى، لا بمال بل من الدم. ولكن هذا المهر الذى عينه هو عربون لأشياء صالحة "ما لم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على بال إنسان" (1كو2: 9).

لقد عيّن هذه كمهر وهى: الخلود، وتسبيح الملائكة، والتخلص من الموت، والتحرر من الخطية، وميراث الملكوت الذى ثروته عظيمة هذا مقدارها، والبرّ، والتقديس، والخلاص من الشرور الحاضرة، واكتشاف البركات المقبلة، عظيم هو مهرى!

جاء يأخذ الزانية، لأنه هكذا أدعوها أنها نجسة، حتى تدرك مقدار حب العريس. لقد جاء وأخذنى وعين لى مهراً، قائلاً: "أعطيك غناى". كيف ذلك؟ يقول: هل فقدت الفردوس؟ خذه مرة أخرى. خذ كل هذه الأمور، ومع ذلك فإنه لا يُعطى لى كل المهر هنا].

13 - أما يعطينا هنا شيئاً من المهر؟ ([130])

[تأمل...! فإنه كفَّل لى فى المهر قيامة الجسد، والخلود. لأن الخلود لا يتبع دائماً القيامة. بل إن الاثنين متمايزان، فكثيرون قاموا، لكنهم رقدوا مرة أخرى، مثل لعازر وأجساد القديسين (يو11؛ مت27: 52). لكن الوعد هنا ليس كذلك، بل وعد بالقيامة والخلود والتمتع بشركة الملائكة، واللقاء بابن الإنسان على السحاب، وتحقيق القول: "وهكذا نكون كل حين مع الرب" (1تس4: 17)، والتخلص من الموت، والتحرر من الخطية، والتخلص التام من الهلاك.

من أى نوع هذا المهر الذى "ما لم تر عين، وما لم تسمع أذن، ولم يخطر على بال إنسان، ما أعده الله للذين يحبونه" (1كو2: 9). هل تعطينى أشياء حسنة لا أعرفها؟! نعم، فقط لتُخطب لى ها هنا، ولتحبنى فى هذا العالم.

ولماذا لا تعطينى المهمر هنا؟ سأعطيه لك عندما تأتى إلى أبى، وتدخل المكان الملكى. فهل أنت أتيت إلىّ، لا بل أنا (يسوع) جئت إليك. لقد أتيت إليك، لا لتقطن عندك، بل لكى آخذك معى وأرجعك. فلا تطلب منى المهر عندك فى هذه الحياة بل لتكن معتمداً على الرجاء والإيمان.

أما تعطينى شيئاً فى هذا العالم؟ يجيب: أعطيك هنا "الغيرة" حتى تثقى فىّ فيما يختص بالأمور المقبلة، وأعطيك خاتم الخطبة وهدايا الخطبة. لذلك يقول بولس: "لأنى خطبتكم" (2كو11: 2). أما هدايا الخطبة فهى البركات الحاضرة التى تشوقنا إلى البركات المقبلة. أما المهر بكماله فيُعطى فى الحياة الأخرى.

كيف ذلك؟ هنا أصير كهلاً، هناك لا أشيخ قط.

هنا أموت، هناك لا أموت. هنا أحزن، هناك لا أحزن.

هنا يوجد فقر ومرض ومكائد، هناك لا يوجد شئ من هذا القبيل.

هنا توجد عبودية، أما هناك فحرية... هنا توجد حياة لها نهاية، أما هناك فحياة بلا نهاية.

هنا توجد خطية، أما هناك فيوجد برّ... هنا يوجد حسد، أما هناك فلا شئ من هذا.

قد يقول قائل: "أعطنى هذه الأمور هنا"، لا. بل انتظر حتى يخلُص أيضاً العبيد رفقاؤك. وأقول أيضاً انتظر ذاك الذى يثبتنا ويعطينا عربون الروح. وأى عربون هذا؟ الروح القدس وعطاياه.

دعنى أتكلم عن الروح القدس.

لقد أعطى خاتم الخطبة للآباء الرسل قائلاً: "خذوا هذا، وأعطوه للجميع"، فهل خاتم الخطبة يوزع على كثيرين ومع ذلك لا ينقسم؟! نعم هكذا. دعنى أعلمكم معنى عربون الروح القدس.

أخذ بطرس عربون الروح القدس وكذلك بولس. فبطرس (بالروح القدس) جال فى العالم، وغفر الخطايا، وشفى مقعدين، وكسى عراة، وأقام موتى، وطهّر برص، وأخرج شياطين، وتحدث مع الله، وعمل فى الكنيسة. ازال المعابد، وهدم المذابح، وأباد رذائل، وأقام من البشر ملائكة!... كل هذه الأمور أخذناها فملأ عربون الروح العالم كله...

وعندما أقول العالم كله، أقصد من جهة المكان... لقد ذهب بولس إلى هنا وهناك كطائر ذى أجنحة. وبفم واحد (بالتبشير) حارب العدو... كان الخياَم (بولس) أقوى من الشيطان... إذ نال العربون وحمل خاتم الزواج.

كل البشر رأوا الله قد خطب طبيعتنا والشيطان رأى ذلك وتقهقر. رأى العربون (الروح القدس) وارتعب منسحباً، رأى ملابس الرسل فهرب (أع19: 11). يا لقوة الروح القدس. لقد أعطى سلطاناً لا للجسد فحسب بل وللثوب أيضاً، وليس فقط للثوب بل وللظل أيضاً. ظله كان يشفى الأمراض (أع5: 15) ويخرج الشياطين ويقيم الموتى.

بولس جال فى العالم نازعاً أشواك الشر، باذراً بذار الصلاح على نطاق واسع، مثل صاحب محراث حكيم ممسك بمحراث التعاليم... لقد غيّر هؤلاء (الأمم). وكيف ذلك؟ بواسطة العربون (الروح القدس). هل كان بولس كفؤا لهذا العمل كله؟ لا بل بواسطة الروح... إذ كان يسنده، إذ نال عربون الروح. لذلك يقول: "ومن هو كفؤا لهذه الأمور؟" (2كو2: 16)، لكن "كفايتنا من الله الذى جعلنا كفاة لأن نكون خدام عهد جديد لا الحرف بل الروح" (2كو3: 5، 6).

تأمل ماذا فعل الروح؟ لقد وجد الأرض مملوءة من الشياطين فجعلها سماء. فقبل ذلك (قبل التجسد الإلهى) كان فى كل مكان مراثٍ ومذابح للأوثان. وفى كل موضع يصعد دخان الأصنام وبخوره، وفى كل منطقة تُقام فرائض نجسة وأسرار وثنية وذبائح، فى كل مكان تعمل الشياطين على الهتك بالشرف، فى كل مكان توجد حصون للشيطان.. ومع هذا كله وقف بولس وحده... فكيف قدر أن يبشر؟! لقد أسرّ البشر (فى الإيمان). دخل قصر الملك وتلمذ على يديه ([131]). دخل دار القضاء، فقال له الوالى: "بقليل تقنعنى أن أصير مسيحياً (أع26: 28). وهكذا صار القاضى تلميذاً. دخل السجن، فأسر حافظ السجن (فى الإيمان) (أع16: 3). زار جزيرة البرابرة، واستخدم الأفعى وسيلة للتعليم (أع28: 9). زار الرومان وجذب الوالى (السناتور) لتعاليمه. زار الأنهار والصحارى فى المسكونة...

إن الله يعطى للطبيعة البشرية عربون خاتم الزواج الذى له، وعندما يعطيه يقول لها: أمور كثيرة أعطيها لك الآن، أما بقية الأشياء الأخرى فأعدك بها].

14 - ما هو ثوب الملكة العروس؟ ([132])

[يقول النبى: "قامت الملكة عن يمينك بثوب موشى بالذهب" (مز45). لا يقصد ثوباً حقيقياً بل الفضيلة، إذ يقول الكتاب المقدس فى موضع آخر للذى حضر الوليمة بغير لباس العرس: "يا صاحب، كيف دخلت إلى هنا وليس عليك لباس العرس؟ فسكت (مت22: 12). هنا لا يقصد عدم لباسه ثوباً ما، بل أن حياته مملوءة زنا ونجاسة. وكما أن الثوب النجس يشير إلى الخطية، هكذا الثوب الموشى بالذهب يشير إلى الفضيلة وهذا الثوب يُنسب للملك وهو وهبها إياه، لأنها كانت عارية وقبيحة...

انظر إلى التعبير "ثوب موشى بالذهب"، فإنه يحمل معنى سامياً، إذ لم يقل ثوباً ذهبياً، بل "موشى بالذهب"... الثوب الذهبى يكون ذهباً بكامله، أما الموشى (المنسوج) بالذهب، فإن جزء منه ذهب والآخر حرير... إنه يعنى أن حال الكنيسة فى مظهرها متعدد، فحالنا جميعاً ليس على نمط واحد، فمنا من هو بتول، ومن هو أرمل، ومن هو مُكَّرس... هكذا ثوب الكنيسة يعنى حالها. فبقدر ما عرف سيدنا أنه لو رسم لنا طريقاً واحداً فقط يضل كثيرون، رسم لنا طرقاً كثيرة. إن لم تقدر أن تدخل الملكوت عن طريق البتولية، ادخله بزواج واحد (لا تقبل طرفاً أخر بعد وفاة الطرف الثانى)، وربما بالزواج الثانى (بعد وفاة الأولى)... إن كنت لا تستطيع استخدام طريق ما (لأسباب قهرية) استخدم الطريق الآخر... إن لم تكن أنت جزءاً من الذهب، كن حريراً، فإننى أقبلك فقط إن كنت منسوجاً فى ثوبى. هكذا يقول بولس: "إن كان أحد يبنى على هذا الأساس ذهباً فضة حجارة كريمة" (1كو3: 12). إن لم تقدر أن تكون ذهباً كن فضة، إن ما يلزمك هو أن تكون مستقراً على الأساس. وفى موضع آخر يقول: "مجد الشمس شئ، ومجد القمر آخر، ومجد النجوم آخر" (1كو15: 41). إن لم تقدر أن تكون شمساً كن قمراً... وإلا فكن نجماً. اقبل أن تكون أصغر شئ ولكن المهم أن تكون فى السماء. إن لم تقدر أن تكون بتولاً، كن عفيفاً فى زواجك، إنما ارتبط بالكنيسة.

إن لم تقدر أن تبيع ممتلكاتك كلها، قدّم صدقة، إنما ارتبط بالكنيسة لابساً الثوب اللائق، خاضعاً للمملكة (الكنيسة)... فى الفردوس زهور كثيرة وأشجار متنوعة... لكنه فردوس واحد...

هناك الجسد والعين والأصبع، لكنها هذه كلها معاً إنسان واحد! هناك أيضاً الصغير والعظيم والأقل... البتول تحتاج إلى المتزوجة، لأن البتول ولدتها أم متزوجة، فلا تحتقر البتول الزواج.

هكذا يرتبط الكل ببعضه البعض، الصغير مع العظيم والعظيم مع الصغير].

15 - ما هو بيت الزوجية؟ ([133])

[ "اسمعى يا ابنتى" (مز45: 10)... إنه خطبها زوجة، وأحبها كابنة له، ويعولها كخادمة، ويحافظ عليها كعذراء، ويسيج حولها كحديقة، ويدللها كعضو فى جسد هو رأسه، إنه هو كأصل (جذر) يهبها النمو، وكراعِ يطعمها، وكعريس يقترن بها، وكفادِ يغفر لها، وكحمل يُذبح لأجلها، وكعريس يحفظها فى جمال، وكزوج يعولها...

"اسمعى يا ابنتى" لقد كنت قبلاً ابنة الشيطان، ابنة أرضية، غير مستحقة للأرض، والآن صرت ابنة للملك (الله). وهذا ما يريده الذى يحبها. لأن من يحب أحداً لا يستقصى عنه، فالحب يجعله لا يبالى بنجاستها القديمة (بل يقدسها)... هكذا صنع الرب يسوع. فقد رآها نجسة، وأحبها وجعل منها ابنة له بلا عيب ولا دنس. يا له من عريس يزين بالنعمة العروس النجسة.

"اسمعى يا ابنتى وانظرى وأميلى أذنك". يقول أمرين: اسمعى، انظرى. أمران تعتمدين فيهما على نفسك: عيناك، أذناك. الآن مهرها يعتمد على السمع (إذ لم ترّ بعد ملكوت السماوات)... فالإيمان جاء بالسمع. الإيمان يناقض ما هو بالعيان، أى ما يحدث وتم حالياً.

لقد سبق فقلت بأن خاتم الزواج قد قٌسم إلى قسمين: نصيب أعطاه للعروس هنا كعربون، والآخر وعد به فى المستقبل... أعطى الأول، أما الثانى فيعتمد على الرجاء والإيمان... لننصت إلى ما أعطانا... وما وعدنا به... افهم ما يُقال حتى لا تفقد شيئاً... إن خاتم العرس قد قُسمَ إلى قسمين: أشياء حاضرة، وأشياء آتية، أشياء تُرى، وأمور يُسمع عنها، أشياء تُعطى هنا، وأخرى نثق أننا سنأخذها، أشياء نستخدمها هنا، وأخرى نتمتع بها هناك، أشياء تخص الحياة الحاضرة، وأخرى تأتى بعد القيامة. الأشياء الأولى نراها، والأخيرة نسمع عنها... "اسمعى يا ابنتى وانظرى وأميلى سمعك"... ها أنا أعطيك الآن بعض الأشياء وأعدك بالأخرى. هذه الأخرى تعتمد على الرجاء، أما الأولى فتقَّبلها كهدايا للعرس وعربون ودليل يؤكد نوال الأمور المُقبلة].

16 - بماذا تُساهم العروس؟ ([134])

[وأى إمكانيات أقدر أن أساهم بها؟ قل لىّ؟ ساهمى بإرادتك وإيمانك. "اسمعى يا ابنتى وانظرى". ماذا تريد منى أن أفعل "انسى شعبك ([135])"... وأى نوع هو هذا الشعب؟ إنه الشياطين وعبادة الأوثان ودخان الذبائح والدم... "انسى شعبك وبيت أبيك" اتركى أباك وتعالِ اتبعينى... إننى كما لو كنت تركت (بلا انفصال) أبى وجئت إليك، أفلا تتركى أباك؟ وعندما نقول إن الابن ترك الآب لا نفهم أنه ترك حقيقى يعنى الانفصال، بل بمعنى "إننى نزلت ووفقت بينى وبينك واتخذت لىّ جسداً. هذا هو واجب العريس والعروس...".

"فإن الملك قد اشتهى حُسنك". سيكون الرب هو حبيبك، وإذ يكون حبيباً لك، فكل ما له يكون لك... الآن دعنا نجول داخلنا فى الروح... انظر إلى ذلك الجمال الروحى، أو بالحرى أصغ إليه، لأنك لا تقدر أن تراه طالما هو غير منظور. أصغ إلى هذا الجمال. ما هو جمال الروح؟ إنه العفة واللطف والصدقة والحب والحنان الأخوى والعطف والطاعة لله وتنفيذ الوصايا والبرّ وانسحاق القلب. هذه الأمور هى جمال الروح. هذه الأمور لا تنجم عن الطبيعة... بل إن كل من ليس لديه هذه الأمور يقدر أن يمتلكها، ومن يمتلكها إن أهمل فيه يخسرها... من كان أكثر جحوداً من روح بولس عندما كان مجدفاً ومضطهداً، وأى روح مملوءة نعمة أكثر منه عندما يقول: "قد جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعى، حفظت الإيمان" (2تى4: 7). أى روح فاسدة كروح اللص، وأى روح مملوءة نعمة أكثر منه، عندما سمع: "الحق أقول لك: إنك اليوم تكون معى فى الفردوس" (لو23: 43). من كان أكثر شرا من العشار عندما كان مُغتصباً، ومن صار أكثر نعمة منه عندما أعلن عن ثبات تغيره (لو19: 8). انظر إذن إنك لا تقدر أن تغيّر فى جمال الجسد، لأنه نتيجة حتمية الطبيعة لا نتيجة تصرُف الإنسان. أما جمال الروح فيأتى حسب اختيار تصرفنا...

"اسمعى يا ابنتى... وانسى"... إنه يتكلم عن جمال روحى، إذ يقول لها: "اسمعى وانسى"، أمور لها حق الاختيار فيها... إنه يقول للمرأة الخاطئة: "فإذا أطاعت فسترى أى نوع من الجمال يُوهب لها. فحيث أن قُبح العروس لم يكن قبحاً جسدياً بل روحياً لأنها عصت الله ولم تطعه... فإنه بالطاعة تصير مملوءة نعمة... يلزمك أن تتعلمى أنه لا يقصد أى معنى منظور عندما يقول" حُسنك ". لا تفكرى فى العين والأنف والفم والرقبة، بل فى العطف والإيمان والحب والأمور الداخلية، لأن" كل مجد ابنة الملك من داخل ". والآن من أجل هذه الأمور نُقدم التشكرات لله المعطى، لأن له وحده يليق المجد والكرامة والقدرة إلى أبد الآبدين. آمين.


[84] [] راجع للكاتب ماذا يقول القديس يوحنا الذهبى الفم عن الكنيسة، 2007.

[85] [] R. P. Lawson: Origen, The Song of Song, Commentary and Homilies, 7.

[86] [] Comm. On Cant. 8: 11 (ACW 149: 26; tr. R. P. Lawson).

[87] [] In Hebr. Hom 3: 14.

[88] [] In Eph. Hom. 3.

[89] [] In Eph. Hom. 5.

[90] [] To those who had not Attended the Assembly.

[91] [] Sunday Sermons of the Great Fathers, vol. 1, p. 113.

[92] [] Homilies on Col. , Hom. 7.

[93] [] In Hebr. Hom 1: 7.

[94] [] P. G. 402: 52.

[95] [] In Matt. Hom 7: 54.

[96] [] In Matt. Hom. 8: 18.

[97] [] In 1 Cor. Hom. , 5: 27.

[98] [] In 2 Tim. Hom. 5: 6.

[99] [] In Acts hom 45.

[100] [] In 1 Thess. Hom. 11.

[101] [] In Luc Ser 81.

[102] [] In 1 Tim. Hom 1. (ترجمة سعاد سوريال المحامية).

[103] [] In 1 Tim hom 11. (ترجمة سعاد سوريال المحامية).

[104] [] نشيد الأناشيد للقديس غريغوريوس أسقف نيصص، تعريب الدكتور جورج نوار، 1993، عظة 1.

[105] [] In 1 Tim hom 2. (ترجمة سعاد سوريال المحامية).

[106] [] In Matt. Hom. 7: 19.

[107] [] Adv Jovan 33: 2.

[108] [] Baptismal Instructions, 30: 1, 31.

[109] [] فى الكهنوت، أحاديث عن الزواج والرسائل إلى أولمبياس تعريب الأسقف استفانوس حداد، 1982، ص225.

[110] [] In Matt. Hom. 4: 49.

[111] [] Baptismal Instructions, 14: 7.

[112] [] In Matt. Hom. , 7: 19.

[113] [] In Matt. Hom. , 1: 2.

[114] [] St. Chrysostom: In Colos. Hom 9.

[115] [] In Matt. Hom. , 4: 39.

[116] [] In 1 Cor. Hom. , 3: 15.

[117] [] In Eph. Hom. 1.

[118] [] In 2 Cor. Hom. 3: 9.

[119] [] Homily on Genesis 24: 25 (FC 143: 82).

[120] [] Sermon 4: 155, On the Ten Virgins.

[121] [] راجع الميمر 75 على ربنا ويعقوب وعلى الكنيسة وراحيل وعلى ليئة والجماعة (راجع نص بول بيجان والدكتور بهنام سونى).

[122] [] راجع الميمر 75 على ربنا ويعقوب وعلى الكنيسة وراحيل وعلى ليئة والجماعة (راجع نص بول بيجان والدكتور بهنام سونى).

[123] [] تفسير المزمور 45 (44).

[124] [] Epistle 1: 22.

[125] [] Sermon 3: 81.

[126] [] Cassian: Conf. 6: 3.

[127] [] راجع للكاتب: القديس يوحنا الذهبى الفم العظة الثانية عن أتروبيوس.

[128] [] راجع للكاتب: القديس يوحنا الذهبى الفم العظة الثانية عن أتروبيوس.

[129] [] راجع للكاتب: القديس يوحنا الذهبى الفم العظة الثانية عن أتروبيوس.

[130] [] راجع للكاتب: القديس يوحنا الذهبى الفم العظة الثانية عن أتروبيوس.

[131] [] ربما يقصد سرجيوس بولس (أع13: 12).

[132] [] راجع للكاتب: القديس يوحنا الذهبى الفم العظة الثانية عن أتروبيوس.

[133] [] راجع للكاتب: القديس يوحنا الذهبى الفم العظة الثانية عن أتروبيوس.

[134] [] راجع للكاتب: القديس يوحنا الذهبى الفم العظة الثانية عن أتروبيوس.

[135] [] يفسر القديس يوحنا الذهبى الفم الشعب هنا ليس الناس الذين نتعامل معهم بل الشر الذى نحيا فيه.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الفصل الرابع أعمال الكنيسة الفريدة

الفصل الثاني رئيس الكهنة السماوى والكنيسة

فهرس المحتويات
فهرس المحتويات

المحتويات