الإصحاح الرابع – سفر باروخ – القس أنطونيوس فكري

اَلإَصْحَاحُ الرابع

تعزية أورشليم.

(1) التمسك بالشريعة (ع1 - 4):

1 - هذَا كِتَابُ أَوَامِرِ اللهِ وَالشَّرِيعَةُ الَّتِي إِلَى الأَبَدِ كُلُّ مَنْ تَمَسَّكَ بِهَا فَلَهُ الْحَيَاةُ وَالَّذِينَ يُهْمِلُونَهَا يَمُوتُونَ. 2 - تُبْ يَا يَعْقُوبُ وَاتَّخِذْهَا وَسِرْ فِي الضِّيَاءِ تُجَاهَ نُورِهَا. 3 - لاَ تُعْطِ مَجْدَكَ لآخَرَ وَمَزِيَّتَكَ لأُمَّةٍ غَرِيبَةٍ. 4 - طُوبَى لَنَا يَا إِسْرَائِيلُ لأَنَّ مَا يُرْضَى عِنْدَ اللهِ مَعْرُوفٌ لَدَيْنَا.

العدد 1

ع1:

إن كتاب شريعة الله هو الوصايا العشر وشريعة موسى، وهي الحكمة الإلهية المعلنة في كلمات محددة ليحيا بها أولاد الله، فمن ينفذها يحيا (لا18: 4). أما من يهمل شريعة الله فيموت، أي يصبح ميتًا في نظر الله؛ لأنه سيعمل الخطية، والخطية أجرتها موت (رو6: 23).

وهكذا نرى آخر خطوة في موضوع الحكمة، الذي بدأه باروخ في الإصحاح السابق، ومذكور في الخلاصة التي في نهاية الإصحاح، فاكتمال الحكمة في حياة الناس أن يحيوا بكلام الله.

العدد 2

ع2:

ينصح باروخ شعب إسرائيل بثلاثة أمور لينالوا الحكمة عمليًا في حياتهم وهي:

التوبة عن الخطايا التي تغضب الله لنوال غفرانه.

اتخاذ الشريعة، أي العمل بها ليحيوا أمام الله.

السير في ضياء الشريعة لنوال نورها، أي ترشدهم في كل حياتهم، كما يتأكد هذا المعنى في (مز119: 105).

العدد 3

ع3:

مزيتك: تميزك.

ينبه باروخ شعب الله ألا يتنازل عن مجده وميزته عن باقي الشعوب، فمجده هو وجود الله في وسطه في هيكله المقدس، والاقتراب إلى الله وإرضاؤه هو عن طريق التمسك بشريعته وعبادته، وهذا هو كمال الحكمة.

العدد 4

ع4:

يفتخر باروخ مع شعبه بأن الله قد كشف لهم كيف يرضونه، وذلك ليس فقط بالإيمان به، بل بتطبيق كلامه والتمسك بشريعته، فيباركهم الله ويفرح قلوبهم.

† إن ما يميزك يا أخى هو معرفتك لله، وتوبتك، وتناولك من الأسرار المقدسة، فاحرص ألا تهتز هذه الثلاثة في حياتك، ودليلك على ثباتك في الله هو صلواتك المتزايدة نحوه.

5 - ثِقُوا يَا شَعْبِي يَا تَذْكَارَ إِسْرَائِيلَ 6 - فَإِنَّكُمْ لَمْ تُبَاعُوا لِلأُمَمِ لِهَلاَكِكُمْ وَلكِنْ بِمَا أَنَّكُمْ أَسْخَطْتُمُ اللهَ قَدْ أُسْلِمْتُمْ إِلَى أَعْدَائِكُمْ 7 - لأَنَّكُمْ أَغْضَبْتُمْ صَانِعَكُمْ إِذْ ذَبَحْتُمْ لِلشَّيَاطِينِ لاَ للهِ 8 - وَنَسِيتُمْ رَازِقَكُمُ الإِلهَ الأَزَلِيَّ وَحَزَنْتُمْ مُرَبِّيَتَكُمْ أُورُشَلِيمَ.

الأعداد 5-6

ع5 - 6:

:

يظهر هنا إيمان باروخ الذي به يحرك الرجاء في قلوب شعبه، فيعلن ما يلي:

أنكم إسرائيل شعبى الذي قطعت عهدًا معه عن طريق الآباء، فأنا أذكركم دائمًا ولا أتخلى عنكم.

إن كان قد حل بكم السبي نتيجة خطاياكم ورفضكم لله، لكن هذا مجرد تأديب وليس المقصود به إهلاككم، أو إفنائكم، ولكنه مجرد تأديب للتوبة حتى ترجعوا لله.

الأعداد 7-8

ع7 - 8:

:

يبين باروخ هنا أسباب التأديب بالسبي، أى ما اضطر الله أن يسمح به لشعبه وهو:

أغضبتم صانعكم وهو الله، بترك وصاياه.

ذبحتم للشياطين: وليس لله، أي قدمتم عبادتكم وذبائحكم للآلهة الوثنية، ورفضتم وأهملتم عبادة الله.

نسيتم رازقكم: أهملتم الله الذي أحبكم منذ الأزل، واعتنى بكم، وأطعمكم ورعاكم، ورزقكم خيرات كثيرة. فهو مصدر حياتكم المادية والروحية.

أحزنتم مربيتكم: وهي أورشليم أمكم المدينة المقدسة، التي سكنتم فيها آمنين، وممجدين، ولكن عندما أغضبتم الله تهدمت بسببكم، فمن يغضب الله يحزن الكنيسة كلها.

9 - إِنَّهَا رَأَتِ الْغَضَبَ الَّذِي حَلَّ بِكُمْ مِنْ قِبَلِ اللهِ فَقَالَتِ اسْمَعْنَ يَا جَارَاتِ صِهْيُونَ إِنَّ اللهَ قَدْ جَلَبَ عَلَيَّ نَوْحًا عَظِيمًا 10 - فَإِنِّي رَأَيْتُ سَبْيَ بَنِيَّ وَبَنَاتِيَ الَّذِي جَلَبَهُ عَلَيْهِمْ الأَزَلِيُّ. 11 - إِنِّي رَبَّيْتُهُمْ بِفَرَحٍ ثُمَّ وَدَّعْتُهُمْ بِبُكَاءٍ وَنَوْحٍ. 12 - لاَ يَشْمَتَنَّ أَحَدٌ بِي أَنَا الأَرْمَلَةَ الَّتِي ثَكِلَتْ كَثِيرِينَ فَإِنِّي قَدْ أُوحِشْتُ لأَجْلِ خَطَايَا بَنِيَّ لأَنَّهُمْ زَاغُوا عَنْ شَرِيعَةِ اللهِ 13 - وَلَمْ يَعْرِفُوا رُسُومَهُ وَلَمْ يَسْلُكُوا فِي طُرُقِ وَصَايَا اللهِ وَلَمْ يَسِيرُوا فِي سُبُلِ التَّأَدُّبِ بِبِرِّهِ. 14 - هَلُمَّ يَا جَارَاتِ صِهْيُونَ فَاذْكُرْنَ سَبْيَ بَنِيَّ وَبَنَاتِيَ الَّذِي جَلَبَهُ عَلَيْهِمْ الأَزَلِيُّ. 15 - فَإِنَّهُ جَلَبَ عَلَيْهِمْ أُمَّةً مِنْ بَعِيدٍ أُمَّةً وَقِحَةً أَعْجَمِيَّةَ اللِّسَانِ 16 - لَمْ تَهَبْ شَيْخًا وَلَمْ تُشْفِقْ عَلَى طِفْلٍ فَذَهَبُوا بِأَحِبَّاءِ الأَرْمَلَةِ وَأَثْكَلُوا الْمُتَوَحِّدَةَ بَنَاتِهَا. 17 - بِأَيِّ شَيْءٍ أَسْتَطِيعُ أَنْ أُغِيثَكُمْ. 18 - الَّذِي جَلَبَ عَلَيْكُمُ الشَّرَّ هُوَ يُنْقِذُكُمْ مِنْ أَيْدِي أَعْدَائِكُمْ. 19 - سِيرُوا يَا بَنِيَّ سِيرُوا. إِنِّي بَقِيتُ مُسْتَوْحِشَةً. 20 - قَدْ خَلَعْتُ حُلَّةَ السَّلاَمِ وَلَبِسْتُ مِسْحَ التَّضَرُّعِ. أَصْرُخُ إِلَى الأَزَلِيِّ مَدَى أَيَّامِي.

الأعداد 9-11

ع9 - 11:

الأزلي: الذي لا بداية له وهو الله.

يتكلم باروخ هنا عن أورشليم التي رأت الغضب الإلهي قد حل على بنيها لأجل خطاياهم، فدُمرت أورشليم، وأُحرق الهيكل، وسُبى البنون إلى المملكة البابلية، وتشتتوا فيها.

ثم كلمت أورشليم جاراتها الدول المحيطة بها، وقالت لها إن الله سمح لى بحزن وبكاء شديد بسبب سبى أبنائى وبناتى وتشتيتهم في أرجاء المملكة البابلية. فقد تمتعت بتربيتهم ونموا أمام عينى، وكانت سعادتى عظيمة، ولكنى فقدتهم الآن، فقد أخذهم العدو عبيدًا، وأبعدهم عنى؛ لذا فأنا حزينة جدًا.

الأعداد 12-13

ع12 - 13:

:

ثكلت: فقدت بنيها وبناتها.

أوحشت: صرت خربة وخالية.

تنبه أورشليم الدول جاراتها ألا يشمتن بها؛ لأنها تثق في محبة الله لها، وأن ما حل من عقاب إلهي لها هو تأديب ليتوب أبناؤها، وبناتها. بل وتعلن أنها فقدت كثيرين من أبنائها وبناتها لما يلي:

زاغوا عن شريعة الله: أي زاغ البنون عن شريعة الله.

لم يعرفوا رسومه: أهملوا رسوم الله، أى شريعته حتى كادوا ينسونها ولا يعرفونها، ولم يعرفوها معرفة التنفيذ، بل كانت معرفة نظرية، بعيدًا عن التطبيق والحياة.

لم يسيروا في طرق التأدب ببره: لم يفهموا تأديب الله لهم من خلال قتل ملوكهم، مثل يهوياقيم، وسبى بعضهم مثل يهوآحاز ويهوياكين. فاضطر الله إلى تأديبهم بشدة عن طريق السبي البابلي الكامل، وتدمير أورشليم؛ حتى يتوبوا، ويعودوا لحياة البر التي علمها لآبائهم.

العدد 14

ع14:

تواصل أورشليم مخاطبة جاراتها لتقودهم للتوبة. فتطلب منهم أن يذكروا سبى بنيها، وهو تأديب إلهي سمح به الله؛ حتى يتوبوا، ولم يقصد أبدًا معاقبتهم بالفناء. فتنبه جاراتها إلى أن الله قد صنع هذا بها؛ أي أورشليم أمام أعين الأمم؛ حتى تخافه الأمم، وتؤمن به، وترجع إليه. فإن كان الله قد أدب شعبه، فكم يكون انتقامه ممن يرفضونه، أي الأمم. وهذا يبين محبة الله للأمم، واهتمامه بتوبتهم، وليس فقط شعبه. وهذه مسئولية الكنيسة في كل جيل أن تكون نورًا للعالم، وملحًا للأرض، وتنبه العالم كله ليتوب ويرجع إلى الله.

الأعداد 15-16

ع15 - 16:

:

أعجمية: غريبة اللغة.

تهب: تخاف.

يستكمل باروخ تنبيهه للأمم المحيطة بأورشليم؛ ليتوبوا؛ ليصف تأديب الله الذي حل بشعبه بوصف شرور بابل الذي أدب الله بها شعبه فقال:

"أمة من بعيد": أي قوية استطاعت أن تعبر فوق بلاد كثيرة وتدمرها.

وقحة: أي غير مهذبة وليس لها مبادئ، وغير خاضعة لله، وبالتالي فهي قاسية لا ترحم أحدًا.

أعجمية اللسان: لا تفهم لغة من تدمر بلادهم، وبالتالي لا يمكن أن يتوسل إليها أحد، أو ترحم إنسانًا.

لم تهب شيخًا: إذ أن ليس لها مبادئ، فلا تحترم كبار السن، وهذا يؤكد قسوتها.

لم تشفق على طفل، لا تشفق على الأطفال، أو الضعفاء لأجل قساوة قلبها.

ذهبوا بأحباء الأرملة واثكلوا المتوحدة بناتها: أي قتلوا أبناء الأرملة وإخوتها الرجال، الذين يحبونها ويدافعون عنها. والتي ليس لها رجال وبقى معها بناتها فقط - وهي المتوحدة - يقتلون بناتها أيضًا.

إن بابل ترمز للشيطان القاسى القلب الذي يأتي من بعيد ليهجم على البشر، وهو قاسى ولغته غريبة عنهم، فيهاجم الشيخ، أي الضعيف في جهاده الروحي، والطفل، أي المبتدئ في الحياة الروحية، والأرملة أي النفس التي ليس لها استنادًا على أب روحي ومرشد، والمتوحدة وهي التي تبتعد عن الكنيسة، فيقتل بناتها، أي فضائلها القليلة الباقية. فهو قاسى قسوة تفوق العقل، ولا يشفق على أي إنسان؛ لأن لغته غريبة عن الحب الإلهي الذي وضعه الله في البشر.

الأعداد 17-19

ع17 - 19:

:

أغيثكم: أنجدكم وأساعدكم.

تعلن أورشليم عجزها عن أن تساعد بنيها المسبيين، وتوجه قلوبهم إلى الله القادر وحده أن يخلصهم من السبي. فهو سمح بتأديبهم، وهو القادر أن يرفع عبودية الأعداء عنهم. وتطلب منهم أن يسيروا في طريق التوبة؛ لينالوا مراحم الله، ويعودوا إليها، فإنها خربة وخالية وفى انتظار بنيها ليعمروها. وتؤكد على أبنائها ضرورة السير في طريق التوبة بتكرار كلمة سيروا.

العدد 20

ع20:

في الختام تعلن أورشليم التي ترمز للكنيسة أنها إن كانت قد فقدت سلامها الخارجي بتأديب بنيها، لكن ليس أمامها الآن إلا أن:

تحيا في زهد وتقشف وتذلل أمام الله (مسح).

تتضرع في صلوات كثيرة إلى الله ليرحمها ويعيد إليها بنيها.

تداوم على الصلاة طوال عمرها.

† إن الصلاة باتضاع أمام الله هي مظهر التوبة الذي يحبه الله. فلا تهمله يا أخي، ليفيض عليك الله بمراحمه، ويعيد إليك بركاته المؤقتة على الأرض، ثم البركة التي لا توصف، وهي الحياة الأبدية.

21 - ثِقُوا يَا بَنِيَّ وَاسْتَغِيثُوا بِاللهِ فَيُنْقِذَكُمْ مِنْ أَيْدِي الأَعْدَاءِ الْمُتَسَلِّطِينَ عَلَيْكُمْ 22 - فَإِنِّي قَدْ رَجَوْتُ بِالأَزَلِيِّ خَلاَصَكُمْ وَحَلَّتْ بِي مَسَرَّةٌ مِنْ لَدُنِ الْقُدُّوسِ بِالرَّحْمَةِ الَّتِي تُؤْتَوْنَهَا عَمَّا قَلِيلٍ مِنْ عِنْدِ الأَزَلِيِّ مُخَلِّصِكُمْ. 23 - قَدْ وَدَّعْتُكُمْ بِبُكَاءٍ وَنَوْحٍ لكِنَّ اللهَ سَيَرُدُّكُمْ لِي بِفَرَحٍ وَمَسَرَّةٍ إِلَى الأَبَدِ. 24 - فَكَمَا تَرَى الآنَ جَارَاتُ صِهْيَوْنَ سَبْيَكُمْ هكَذَا عَمَّا قَلِيلٍ سَيَرَيْنَ خَلاَصَكُمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ تُؤْتَوْنَهُ بِمَجْدٍ عَظِيمٍ وَبِبَهَاءِ الأَزَلِيِّ. 25 - يَا بَنِيَّ احْتَمِلُوا بِالصَّبْرِ الْغَضَبَ الَّذِي حَلَّ بِكُمْ مِنَ اللهِ. قَدِ اضْطَهَدَكَ الْعَدُوُّ لكِنَّكَ سَتَرَى هَلاَكَهُ عَنْ قَلِيلٍ وَتَطَأُ رِقَابَهُمْ. 26 - إِنَّ مُتْرَفِيَّ سَلَكُوا طُرُقًا وَعْرَةً وَسِيقُوا كَغَنَمٍ نَهَبَتْهَا الأَعْدَاءُ. 27 - ثِقُوا يَا بَنِيَّ وَاسْتَغِيثُوا بِاللهِ فَإِنَّ الَّذِي جَلَبَ عَلَيْكُمْ هذِهِ سَيَتَذَكَّرُكُمْ. 28 - وَكَمَا كُنْتُمْ تَهْوَوْنَ أَنْ تَشْرُدُوا عَنِ اللهِ فَبِقَدْرِ ذلِكَ عَشْرَ مَرَّاتٍ تَلْتَمِسُونَهُ تَائِبِينَ 29 - وَالَّذِي جَلَبَ عَلَيْكُمُ الشَّرَّ يَجْلُبُ لَكُمُ المَسَرَّةَ الأَبَدِيَّةَ مَعَ خَلاَصِكُم. 30 - ثِقِي يَا أُورُشَلِيمُ فَإِنَّ الَّذِي سَمَّاكِ بِاسْمِهِ سَيُعَزِّيكِ.

العدد 21

ع21:

تنبه أورشليم التي ترمز للكنيسة أبناءها المستعبدين لبابل، التي ترمز إلى الخطيئة، أن يرجعوا إلى الله بأمرين هما:

الإيمان بالله، فليس بغيره الخلاص.

بالصلاة والاستغاثة، أي الصراخ من كل القلب ليتدخل الله وينقذهم. حينئذ ينالون الخلاص من عبودية بابل المتسلطة عليهم.

العدد 22

ع22:

لدن: عند.

تؤتونها: تنالونها.

تعلن الكنيسة أنه بعد صلاتها إلى الله الذي ترجوه ليخلص أبناءها من العبودية (ع19) شعرت براحة واطمئنان أنه حتمًا سيتدخل، بل شعرت بفرح بأن أبناءها سيعودون إليها؛ لذا فهي تبشرهم بأنهم سينالون رحمة من الله. وهذه الرحمة ستتم قريبًا، ويتخلصون من عبودية بابل، ويعودون إلى بلادهم ليعبدوا الرب.

وتصف الله في هذه الآية بثلاث صفات هي:

الأزلي: أي الوحيد الذي ليس له بداية، وبالتالي فهو أيضًا الأبدي. ولذا تثبت بنيها في الإيمان بالله القادر على كل شيء. ونلاحظ أن كلمة الأزلي تكررت سبع مرات في هذا الأصحاح.

القدوس: الذي يشترط في كل من ينال مراحمه أن يحيا بنقاوة وتوبة، ليستطيع أن يقترب إلى القدوس.

مخلصكم: القادر أن يخلصهم من كل ذل العبودية.

الأعداد 23-24

ع23 - 24:

:

تعبر أورشلم عن بهجتها بعد صلواتها بأنها كانت تبكى وتنوح عندما ودعت أبناءها الذين سباهم البابليون، وصارت خربة وخالية بعدهم. ولكنها ستفرح عن قريب بعودتهم إليها؛ حتى أنها تعلن أن الدول جاراتها اللواتى رأين سبى اليهود، سينظرن عن قريب عودتهم، وخلاصهم من السبي، بل سينظرن بهاء وعظمة بنيها، عندما يعودن ويبنون أورشليم وهيكلها، ويفرحون بتدشينها في موكب عظيم. فيرون مجد الله مخلص شعبه في قوة وعظمة الراجعين من السبي، الذين يحملون أوامر من الملك ببناء أورشليم، فيُسكت جارات أورشليم، الذين يغيرون منها ويحسدونها.

وعودة بنى إسرائيل من السبي، وخلاصهم من عبودية بابل هو رمز لخلاص البشرية، وعودتها إلى الله، عندما تؤمن بالمسيح المخلص، المصلوب من أجلها.

العدد 25

ع25:

تطأ: تدوس.

تشجع أورشليم بنيها ليصبروا على آلام الاستعباد، والذل لبابل. وتبشرهم بأنهم سيخلصون قريبًا من هذه العبودية. وقد تم هذا الخلاص بواسطة مادي وفارس، التي هجمت على بابل، وقتلت البابليين، وداستهم بوحشية، بل وباعت بعضهم، واشترى اليهود بعضًا منهم كعبيد.

بالإضافة إلى أن هذه نبوة عن الرجوع من السبي، فهي نبوة أيضًا عن انتصار المؤمنين في العهد الجديد على الشيطان، كما نصلى في صلاة الشكر ونقول "ندوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو". ويؤكد مرقس الرسول في نهاية إنجيله سلطان المؤمنين على الشياطين (مر16: 17، 18). وبعد هذا تكمل النصرة على الشيطان في نهاية الأيام، عندما يلقى في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت (رؤ20: 10).

العدد 26

ع26:

مترفى: بنو إسرائيل الذين عاشوا في تنعم بلذات الحياة، ونسوا الله.

وعرة: غير ممهدة.

سيقوا: ساقتهم بابل كما يسوق الراعى غنمه.

لأن بنى إسرائيل انغمسوا في ترف ولذات الحياة، وابتعدوا عن عبادة الله، منشغلين بعبادة الأوثان، والشهوات المرتبطة بها؛ كل هذا هو طرق وعرة بعيدة عن الله، لذا أدبهم بأن سمح لبابل أن تسوقهم كالغنم، وتستعبدهم، وتشتتهم في البلاد التابعة لها.

الأعداد 27-28

ع27 - 28:

:

تهوون: تشتهون.

تشردوا: تضلوا وتبتعدوا.

تعود أورشليم، فتؤكد على بنيها أهمية الإيمان بالله، والتضرع إليه لكي ينقذ شعبه، كما سبق وذكرت في (ع21)، خاصة بعد أن تغير شعب الله. فإن كانوا قد أحبوا الخطية وعبادة الأوثان، فالآن بعد أن ذاقوا نتائج الخطية، وهي مرارة العبودية وذلها، يشتهون، ويشتاقون لله أضعاف ما اشتاقوا للخطية. وتقول أورشليم هنا عشرة أضعاف؛ لتعبر عن كمال الاشتياق للعودة إلى الحياة الروحية وعبادة الله. هذه كانت مشاعر بني إسرائيل العائدين من السبي.

العدد 29

ع29:

يعلن باروخ هنا أن الله هو ضابط الكل، الذي أدب شعبه بالسبي ليتوب، هو أيضًا الذي إذ يرى توبة شعبه يخلصه من عبودية السبي، ويعيده إلى بلاده ليبنى الهيكل ويعبده، والأكثر من هذا يهبه الفرح الأبدي في ملكوت السموات.

ومازال الله حتى الآن يسمح بتأديب كنيسته لتتوب، ثم يخلصها عندما ترجع إليه، ويهبها الفرح الأبدي في السماء.

العدد 30

ع30:

يبشر باروخ في النهاية أورشليم، التي تسمت باسم الرب، إذ هي مدينته المقدسة؛ أنه سيعزيها، ويعيد إليها أبناءها ليبنوا هيكلها ويعمروها.

وكل نفس تسمت باسم الرب حتى الآن تثق أنه ما دامت متمسكة به، فحتى لو أخطأت ثم عادت إليه، فهو في النهاية سيعزيها بأفراح لا يعبر عنها؛ ليس فقط في الأرض، بل وأيضًا في السماء.

† إن الله هو مخلصك فلا تنزعج من الضيقات؛ حتى لو كنت أنت السبب فيها. ولكن إرجع إليه بالتوبة، وهو يخلصك، بل يعوضك عن أحزانك ببركات لا يعبر عنها، وأفراح في الأرض، وفى السماء.

31 - وَيْلٌ لِلَّذِينَ جَارُوا عَلَيْكِ وَشَمِتُوا بِسُقُوطِكِ. 32 - وَيْلٌ لِلْمُدُنِ الَّتِي اسْتَعْبَدَتْ بَنِيكِ. وَيْلٌ لِلَّتِي أَخَذَتْ أَوْلاَدَكِ. 33 - فَإِنَّهَا كَمَا شَمِتَتْ بِسُقُوطِكِ وَفَرِحَتْ بِخَرَابِكِ كَذلِكَ سَتَكْتَئِبُ عِنْدَ دَمَارِهَا 34 - وَأُبْطِلُ مُفَاخَرَتَهَا بِكَثْرَةِ سُكَّانِهَا وَأُحَوِّلُ مَرَحَهَا إِلَى نَوْحٍ 35 - لأَنَّ نَارًا تَنْزِلُ عَلَيْهَا مِنْ عِنْدِ الأَزَلِيِّ إِلَى أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ وَتَسْكُنُهَا الشَيَّاطِينُ طُولَ الزَّمَانِ.

الأعداد 31-32

ع31 - 32:

:

جاروا: ظلموا.

يعلن الله عقابه للدول المجاورة لشعبه، وذلك بسبب الشرور التي صنعوها وهي:

جاروا عليك: بمساعدتهم لبابل في تدمير، وقتل بني إسرائيل.

شمتوا بسقوطك: ظهر شرهم في مشاعر الشماتة بخراب أورشليم، واليهودية، إذ كانوا يتمنون الشر لأورشليم من أجل مجد الله الذي كان فيها، وقوتها.

استعبدت بنيك وأخذت أولادك: عندما هرب اليهود من أورشليم، واليهودية من وجه بابل، لم ترحب بهم هذه الدول، بل أمسكتهم، وباعتهم كعبيد، فساعدت بابل في إذلال اليهود.

الأعداد 33-35

ع33 - 35:

:

يقرر الله العقاب الإلهي الآتي على جارات أورشليم، وهي:

الاكتئاب عندما يسمح الله بتدمير هذه الدول.

يبطل في هذه الدول الافتخار بكثرة عدد السكان، ويبطل أيضًا الفرح والانطلاق، والسعادة، إذ يتحول كل هذا إلى أحزان.

يحرق الله هذه الدول بالنار التي تنزل من عند الله.

تسكن هذه الدول الشياطين لكثرة عبادة الأوثان بها، ولكثرة شهواتها الشريرة، وتظل الشياطين مستقرة فيها على مدى الايام؛ لانغماسها في الشر.

هذه العقوبات تأتي أيضًا على الشياطين التي تحارب الكنيسة، فتعيش هذه الشياطين في حزن، وتلقى في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت إلى الأبد.

† لا تدين غيرك، ولا تشمت به، لئلا يعاقبك الله، وعلى قدر ما تكون رحيمًا تنال مراحم الله.

36 - تَطَلَّعِي يَا أُورُشَلِيمُ مِنْ حَوْلِكِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَانْظُرِي الْمَسَرَّةَ الْوَافِدَةَ عَلَيْكِ مِنْ عِنْدِ اللهِ. 37 - هَا إِنَّ بَنِيكِ الَّذِينَ وَدَّعْتِهِمْ قَادِمُونَ. يَقْدَمُونَ مُجْتَمِعِينَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ بِكَلِمَةِ الْقُدُّوسِ مُبْتَهِجِينَ بِمَجْدِ اللهِ.

الأعداد 36-37

ع36 - 37:

:

في نهاية الإصحاح يبشر باروخ أورشليم أنه سيأتى قريبًا اليوم الذي يعود إليها بنوها من السبي. ويطلب من أورشليم أن تنظر نحو المشرق؛ لأن بنيها سيعودون من بابل والبلاد المحيطة بها، والتي تقع كلها شرق أورشليم. وستكون عودتهم بأمر الله وكلمته، كما تنبأ أشعياء النبى أنهم سيعودون في عهد كورش الفارسى، ويكون فرح عظيم لأورشليم بعودة بنيها (اش44: 28).

وعودة بنى إسرئيل من السبي ترمز لعودة الكثيرين من الأمم إلى الله والإيمان بالمسيح، الذي هو كلمة الله الممجد من الملائكة وتفرح الكنيسة بعودة بنيها إليها بعد أن سباهم الشيطان فترة طويلة.

وعودة المسبيين إلى أورشليم ترمز لعودة الابن الضال إلى حضن أبيه.

† إن مكانك الطبيعي هو في حضن ِأمك الكنيسة، فلا تدع مشاغل العالم، أو مشاكله، أو شهواته تشغلك عن كنيستك؛ لأن فيها حياتك، من خلال الأسرار المقدسة وكل تعاليمها الروحية.

No items found

الإصحاح الخامس - سفر باروخ - القس أنطونيوس فكري

الإصحاح الثالث - سفر باروخ - القس أنطونيوس فكري

تفاسير سفر باروخ الأصحاح 4
تفاسير سفر باروخ الأصحاح 4