اَلأَصْحَاحُ الثَّلاَثُونَ – سفر أخبار الأيام الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي

هذا الفصل هو جزء من كتاب: 14- تفسير سفر أخبار الأيام الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

اَلأَصْحَاحُ الثَّلاَثُونَ

حزقيا يدعو المملكتين لعيدي الفصح والفطير.

لم يختبر الشعب الفرح الحقيقي والمحافل المقدسة منذ أيام سليمان بن داود [26]. بالرغم من الظروف التي تبدو صعبة للغاية وطول مدة الحرمان من المحافل المقدسة وانقسام الشعب إلى مملكتين، آمن حزقيا بأن إله المستحيلات لا يصعب عليه شيء. اُحتفل بالفصح بصورة لا مثيل لها.

حقًا لم يكن لدى الكثيرين خبرة هذا العيد المجيد غير أن الله أعلن نعمته ورحمته [6 - 9]. يظهر حنو الله وطول أناته وشوقه لخلاص الجميع إن أمكن، وذلك بعدم الالتزام بالحرف بالنسبة للكهنة الذين لم يتطهروا عن جهلٍ وعدم خبرة، وليس عن استهتارٍ وتهاونٍ. هذا بجانب السماح بامتداد فترة الفرح [26].

في هذا الأصحاح نرى حزقيا ملك يهوذا يدعو المملكتين للمجيء إلى بيت الرب في أورشليم للاحتفال بعيد الفصح.

1. دعوة المملكتين للاحتفال بالعيد 1.

2. تأجيل الاحتفال للشهر الثاني 2 - 5.

3. الحثّ على الاحتفال 6 - 12.

4. إقامة الاحتفال بالعيد 13 - 27.

العدد 1

1. دعوة المملكتين للاحتفال بالعيد

وَأَرْسَلَ حَزَقِيَّا إِلَى جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا،.

وَكَتَبَ أَيْضًا رَسَائِلَ إِلَى أَفْرَايِمَ وَمَنَسَّى،.

أَنْ يَأْتُوا إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ فِي أُورُشَلِيمَ،.

لِيَعْمَلُوا فِصْحًا لِلرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ. [1].

سبق أن شَنَّ أبوه حربًا على المملكة الشمالية، وسقط كثير من يهوذا أسرى، وكان الكل يتوقَّع أن حزقيا سينتقم من إسرائيل. لكن قلب حزقيا المُلتهِب بالحب لله، والرغبة في إعادة فتح أبواب الهيكل بأورشليم، وإزالة العبادة الوثنية دفعه بعد تطهير بيت الرب أن يدعو أبناء المملكة الشمالية ليأتوا ويعبدوا الله. إنها روح عظيمة مُتَّسِعة بالحب لله وللإخوة! بعث برسائل إلى أفرايم ومنسى لأنهما أقرب أسباط مملكة الشمال إلى يهوذا.

يبدو أن ملك إسرائيل في ذلك الوقت هو هوشع بن إيلة، وهو من أحسن ملوكها، تسامح مع دعوة حزقيا عكس الملوك السابقين الذين كانوا يمنعون الشعب من الصعود إلى أورشليم.

الأعداد 2-5

2. تأجيل الاحتفال للشهر الثاني

فَتَشَاوَرَ الْمَلِكُ وَرُؤَسَاؤُهُ وَكُلُّ الْجَمَاعَةِ فِي أُورُشَلِيمَ،.

أَنْ يَعْمَلُوا الْفِصْحَ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي [2].

تَسَلَّم حزقيا العرش، وكان بيت الرب به دنس العبادة الوثنية، لم يتسرَّع بالاحتفال بعيد الفصح في موعده "الشهر الأول"، بل قام بالتشاور مع الرؤساء وكل الجماعة في أورشليم أن يعملوا الفصح في الشهر الثاني بعد تطهير بيت الرب وتقديس الكهنة. لم ينتظر ليُقِيمَ الاحتفال في الشهر الأول للسنة الثانية من تَوَلِّيه العرش للاحتفال به في موعده لئلا يتسلَّل الفتور إلى قلوب الشعب. اعتمد على نص في الناموس يسمح لغير الطاهر في الشهر الأول أن يُقِيمَ الفصح في الشهر الثاني (عد 9: 1 - 13).

سبق حزقيا الملك زمانه، إن صح التعبير، فمع حرصه الشديد على تنفيذ الوصية الإلهية والطاعة لقوانين الشريعة، لم يكن حرفيًّا في التنفيذ. ففي موضوع اختيار ميعاد الاحتفال بعيد الفصح، كان أمامه ثلاثة بدائل، يلزمه اختيار أحدها، وهي:

1. أن يُتَمِّمَ الشريعة حرفيًّا، وهذا يتطلب أمرين، وهما تقديس الكهنة واللاويين والهيكل من كل آثار للوثنية ورجساتها التي تسلَّلت إليهم في السنوات الطويلة المظلمة، والاحتفال في الشهر الأول من السنة. هذا يتحقق بأن يُقِيم الاحتفال في الشهر الأول من السنة الثانية. لكن هذا الانتظار لمدة سنة قد يطفئ غيرة البعض لذلك لم يَقْبَله الملك.

2. يُقِيمَ الاحتفال في الشهر الأول من السنة الأولى، بهذا يتم بدون تقديس اللاويين والكهنة والهيكل، وهذا فيه كسر لوصية جوهرية، وهي الالتزام بالقداسة والطهارة. هذا الرأي لا يليق قبوله، لأن القدوس لا يُسَرُّ بتجاهل القداسة والطهارة.

3. البديل الثالث والذي يتطلب قلبًا سالكًا بالروح، وهو تأجيل الاحتفال للشهر الثاني من السنة الأولى. الانتظار للشهر الثاني وإن كان مخالفًا لحرفية الشريعة وليس لروح الشريعة، مادام التأخير ليس بسبب إهمالٍ أو تراخً، إنما لكي مع الغيرة يوجد التقديس. هذا هو الاختيار الذي أخذ به الملك. بجانب أن الانتظار لمدة شهر تقريبًا يُعطِي فرصة لدعوة الذين في مملكة الشمال للاشتراك في الاحتفال.

  • اليهود هم مثل أولاد تحت إشراف مُعَلِّم. الناموس هو مُعَلِّمنا، يُحضِرنا إلى السيد، والمسيح هو سيدنا... المُعَلِّم نخافه، والسيد يشير إلى طريق الخلاص. الخوف يحضرنا إلى الحرية، والحرية إلى الإيمان، والإيمان إلى الحب، والحب يجلب بنوة، والبنوة تجلب ميراثًا. لذلك حيث يوجد الإيمان تُوجَد حرية، لأن العبد يعمل في خوفٍ، والحر يعمل بالإيمان. الأول تحت الحرف، والثاني تحت النعمة. الأول في عبودية، والآخر في الروح. "وحيث روح الرب فهناك حرية" [323].
  • جاء الرب يسوع، وأحضر العهد الجديد، وما صنعه (قبلاً) صار قديمًا. تَجَدَّد المسيحي وشاخ اليهودي؛ النعمة تجددت، والحرف شاخ. لقد تزحزحت الجبال وانتقلت. نعم لقد زحزح المفهوم الذي بحسب الحرف، وهدمه، وأقام الإدراك الذي بحسب الروح. لهذا فإن فهم الناموس حسب الجسد قد عبر وصار الناموس روحيًا. لهذا يقول الرسول: "فإننا نعلم أن الناموس روحي، وأما أنا فجسدي" (رو 7: 14). ولكن هو نفسه الذي كان جسديًا صار روحيًا، كما يؤكد الرسول، قائلاً: "أظن إني أنا أيضًا عندي روح الله" (1 كو 7: 40). هكذا جعل يسوع هذه الجبال تشيخ، ولم يعلم اليهود ذلك. حقًا لو عرفوا ذلك لما صلبوا رب المجد، ولما اتَّبعوا الخرافات اليهودية[324].

القديس أمبروسيوس.

يُعَلِّق العلامة أوريجينوس على الكلمات: "عيناك حمامتان" (نش 15: 1) بقوله:

  • من المؤكد أن مقارنة عينيها بالحمام، عائد إلى أنها الآن تفهم المكتوب الإلهي، ليس بحسب الحرف بل وفقًا للروح. وتدرك فيه أسرارًا روحانية. فالحمامة رمز للروح القدس (مت 16: 3). يتحقق فهم الناموس والأنبياء بالمعنى الروحي بأن يكون لنا عينا الحمام... النفس التي مثل هذه، تصبو في المزمور لأن يُعطَى لها جناحا حمامة (مز 14: 68)، حتى تصير لها القدرة أن تطير عاليًا في فهمها للأسرار الروحية. وأن تربض في أروقة الحكمة.
  • "ملكوت الله في داخلكم" (لو ٢١: ١٧)... وذلك من أجل التوبة عن الحرف إلى الروح المحيي؛ "إذ يرجع أحد إلى الرب يُرفع البرقع" [325].
  • من يُفَسِّر الناموس حسب الجسد، أي حسب الحرف، لا يأتي إلى المسيح الذي هو الحياة[326].

العلامة أوريجينوس.

  • لقد تسلمتم الناموس، وأنتم تريدون أن تحفظوه، لكنكم عاجزون عن ذلك... اشتاقوا إلى المسيح. اعترفوا له، آمنوا به. لقد أضيف الروح إلى الحرف فتخلصون. فإنك إن نزعت الروح عن الحرف "الحرف يقتل". وإن قتل، فأين الرجاء؟ "أما الروح فيحيي" (٢ كو ٣: ٦) [327].

القديس أغسطينوس.

لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَعْمَلُوهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ،.

لأَنَّ الْكَهَنَةَ لَمْ يَتَقَدَّسُوا بِالْكِفَايَةِ،.

وَالشَّعْبَ لَمْ يَجْتَمِعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. [3].

تأخير الفصح شهرًا أعطى لحزقيا فرصة لدعوة كل إسرائيل بما فيهم البقية التي تبقَّت في مملكة الشمال بعد الدمار الذي فعله الأشوريون في المملكة منذ ست أو سبع سنوات. هذه الدعوة التي وُجِّهت لمملكة الشمال، قوبلت بالرفض من الأسباط الكبرى، لكنها وجدت قبولاً من كثيرين كأفراد. بعد قرنين من الزمان نرى حُجَّاجًا يأتون من الجبل إلى أورشليم.

تحققت الوحدة بين الجليل ويهوذا بفضل مجهودات حزقيا الملك. فقد جاء الجليليون إلى أورشليم للاحتفال بعيد الفصح، وقد ذاقوا مرارة الانقسام الذي دام في ذلك الوقت قرنين من الزمان. لقد وجدوا ترحيبًا من رجال يهوذا، بهذا تأهَّل حزقيا أن يحمل سمة داود واسمه. كانت إحدى نساء حزقيا من الجليل، وأيضًا زوجة ابنه (2 مل 23: 36؛ 21: 19).

اعتاد بعضهم على الذهاب إلى أورشليم للاحتفال بالعيد، حتى أيام السيد المسيح (لو 2: 41 - 42؛ يو 7: 9 - 10). وكان من السهل التعرُّف على الجليليين من لهجتهم فقد عُرِفَ بطرس أنه جليلي (مر 14: 70)، وأيضًا بعض التلاميذ (أع 2: 7).

فَحَسُنَ الأَمْرُ فِي عَيْنَيِ الْمَلِكِ وَعُيُونِ كُلِّ الْجَمَاعَةِ. [4].

فَاعْتَمَدُوا عَلَى إِطْلاَقِ النِّدَاءِ فِي جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ مِنْ بِئْرِ سَبْعٍ إِلَى دَانَ،.

أَنْ يَأْتُوا لِعَمَلِ الْفِصْحِ لِلرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ فِي أُورُشَلِيمَ،.

لأَنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوهُ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ مُنْذُ زَمَانٍ كَثِيرٍ. [5].

"لم يعملوه كما هو مكتوب": يرى البعض أن هذه العبارة تعني أنهم لم يحفظوه في كمال عدده كما هو مكتوب. بمعنى أن اليهود في مملكة الشمال لم يحفظوا هذا الفصح كما تتطلب الشريعة[328]، لأن ملوكهم لم يسمحوا لهم بالذهاب إلى الهيكل في العيد.

الأعداد 6-12

3. الحثّ على الاحتفال

فَذَهَبَ السُّعَاةُ بِالرَّسَائِلِ مِنْ يَدِ الْمَلِكِ وَرُؤَسَائِهِ فِي جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا،.

وَحَسَبَ وَصِيَّةِ الْمَلِكِ كَانُوا يَقُولُونَ:

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، ارْجِعُوا إِلَى الرَّبِّ إِلَهِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَإِسْرَائِيلَ،.

فَيَرْجِعَ إِلَى النَّاجِينَ الْبَاقِينَ لَكُمْ مِنْ يَدِ مُلُوكِ أَشُّورَ. [6].

السعاة: هم رسل حاملون رسائل يتَّسمون بسرعة الحركة ويلزم أن يكونوا موضع ثقة الراسل إيَّاهم. كان هؤلاء السعاة يُمَثِّلون فريقًا من حُرَّاس الملك[329].

واضح من هذه العبارة أن هذه الرسالة بُعِثَ بها بعد السبي الأشوري لإسرائيل.

وَلاَ تَكُونُوا كَآبَائِكُمْ وَكَإِخْوَتِكُمُ الَّذِينَ خَانُوا الرَّبَّ إِلَهَ آبَائِهِمْ،.

فَجَعَلَهُمْ دَهْشَةً كَمَا أَنْتُمْ تَرُونَ. [7].

الآنَ لاَ تُصَلِّبُوا رِقَابَكُمْ كَآبَائِكُمْ،.

بَلِ اخْضَعُوا لِلرَّبِّ وَادْخُلُوا مَقْدِسَهُ، الَّذِي قَدَّسَهُ إِلَى الأَبَدِ،.

وَاعْبُدُوا الرَّبَّ إِلَهَكُمْ، فَيَرْتَدَّ عَنْكُمْ حُمُوُّ غَضَبِهِ. [8].

لأَنَّهُ بِرُجُوعِكُمْ إِلَى الرَّبِّ يَجِدُ إِخْوَتُكُمْ وَبَنُوكُمْ رَحْمَةً أَمَامَ الَّذِينَ يَسْبُونَهُم، ْ.

فَيَرْجِعُونَ إِلَى هَذِهِ الأَرْضِ،.

لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهَكُمْ حَنَّانٌ وَرَحِيمٌ وَلاَ يُحَوِّلُ وَجْهَهُ عَنْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِ. [9].

صورة رائعة عن ارتباط التوبة بمحبة الإخوة، فإنه إذ يرجع الإنسان إلى الله لا يتمتع وحده برحمة الله وحنانه وتطلُّع وجه الله إليه، إنما يتمتع معه إخوته وبنوه. فعندما رفع نحميا قلبه لله طالبًا مراحم الله ومُعترِفًا باسمه وباسم بيت آبائه بخطاياهم تمتع الشعب بالرحمة الإلهية. فلا نعجب إن رفع المؤمن قلبه طالبًا أن يهبه الله التوبة، قائلاً: "اجذبني وراءك فنجري... نبتهج ونفرح بك" (نش 1: 4). فبصيغة المفرد يقول اجذبني، وبصيغة الجمع يقول "فنجري، نبتهج ونفرح بك". حين يرتفع قلب المؤمن إلى الله، يجذب معه قلوب الكثيرين للتمتع بالشركة مع الله.

هذا هو سرُّ الصليب وفاعليته، إنه يحمل قوة الشهادة والجاذبية، وسرُّ البهجة والفرح! إذ تتمتع نفسي بك، وتكون أنت في داخلي، وأصير أنا فيك، يتعرَّف الناس عليك خلالي ويطلبونك، حينئذ تمتلئ قلوبنا بهجة وفرحًا حتى السمائيين يفرحون أيضًا معنا!

انجذب زكا العشار وراء السيد المسيح، فجمع الخطاة والعشارين ليلتقوا به ويفرحون، وإذ جلست السامرية معه، نادت أهل المدينة ليجالسوه وينعموا بحديثه الفعال.

هذا هو سرّ الكنيسة... قوة الصليب الجذَّابة، أما إن نسيت الكنيسة هذا الصليب، واهتمت بطرق العالم، لا تقدر أن تسابق العالم فيما يخصه، إنما تغلبه بالحب العامل في حياة أولادها. بالصليب وحده تنجذب النفوس إلى الكنيسة خلال التوبة، أما وسائل العالم المُغرِية، فتُحَطِّم صورة الكنيسة حتى في عيني العالم نفسه[330].

"لا يحول وجهه عنكم": كثيرًا ما يكشف الكتاب المقدس بعهديه عن شوق الله للحضور فينا وفي وسطنا، ورغبته في تطلُّعه إلينا لنكتشف في عينيه حبه وحنانه ورحمته ورعايته.

كثيرًا ما يُكَرِّر الرب قوله: "أنا معكم". "لأني أنا معكم لأُخَلِّصكم وأنقذكم من يده" (إر 42: 11). "أنا معكم يقول الرب" (حج 1: 13). "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر. آمين" (مت 28: 20).

  • إذ وضع على عاتقهم عملاً عظيمًا هكذا... قال "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر"، وكأنه يقول: لا تقولوا إن العمل المُلقَى عليكم صعب، فإنّني أنا الذي أستطيع كل شيء بسهولة معكم. لم يقل إنه يوَد أن يكون معهم وحدهم، بل ومع المؤمنين الذين يأتون بعدهم، لأن الرسل لا يعيشون حتى انقضاء الدهر، لكنّه يكلِّم كل الذين سيؤمنون به كمن هم جسد واحد.

القدّيس يوحنا الذهبي الفم.

  • حُمِلَ جسده إلى السماء، لكنّه لا يسحب عظمته عن العالم. لا يستطيع ملاك ولا رئيس ملائكة أن يغفر الخطيّة، إنّما الرب نفسه هو وحده القادر أن يقول: "أنا معكم"، إن أخطأ أحد لا يغفر له إلا إذا تاب[331].

القدّيس أمبروسيوس.

فَكَانَ السُّعَاةُ يَعْبُرُونَ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ،.

فِي أَرْضِ أَفْرَايِمَ وَمَنَسَّى حَتَّى زَبُولُونَ،.

فَكَانُوا يَضْحَكُونَ عَلَيْهِمْ، وَيَهْزَأُونَ بِهِمْ. [10].

لم يَصِلوا إلى دان ونفتالي، لأنهما كانتا ساقطتين في يد أشور.

فكانوا يضحكون: لأنهم لم يُصَدِّقوا أن الله قادر أن يُخَلِّصَهم، فقد دخلوا تحت حصار أشور، وبعد سنتين أو ثلاث سنوات تَمَّ السبي.

إِلاَّ إِنَّ قَوْمًا مِنْ أَشِيرَ وَمَنَسَّى وَزَبُولُونَ تَوَاضَعُوا،.

وَأَتُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. [11].

في كل جيلٍ وفي كل موضع نجد قلة مستعدة للرجوع إلى الله. خمسة أسباط من العشرة أرسلوا ممثلين لهم [11، 18] وهم أشير وأفرايم ومنسى ويساكر وزوبولون.

سبطان وهما رأوبين وجاد كانا في السبي، سبط واحد وهو دان انضم إلى يهوذا. سبطان وهما شمعون ونفتالي الباقيان، وكانا أكثر من عابدي أوثان عاديين[332].

وَكَانَتْ يَدُ الله فِي يَهُوذَا أَيْضًا فَأَعْطَاهُمْ قَلْبًا وَاحِدًا.

لِيَعْمَلُوا بِأَمْرِ الْمَلِكِ وَالرُّؤَسَاءِ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ. [12].

كان سعاة الملك يعبرون من مدينة إلى مدينة في المملكة الشمالية. قوبلت الدعوة من البعض بالرفض والسخرية، ومن الآخرين بالقبول بروح التواضع، وجاءوا إلى أورشليم للاشتراك في العيد مع إخوتهم.

الأعداد 13-27

4. إقامة الاحتفال بالعيد

فَاجْتَمَعَ إِلَى أُورُشَلِيمَ شَعْبٌ كَثِيرٌ لِعَمَلِ عِيدِ الْفَطِيرِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي،.

جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا. [13].

وَقَامُوا وَأَزَالُوا الْمَذَابِحَ الَّتِي فِي أُورُشَلِيمَ،.

وَأَزَالُوا كُلَّ مَذَابِحِ التَّبْخِير، ِ وَطَرَحُوهَا إِلَى وَادِي قَدْرُونَ. [14].

واضح أن وجود مذابح وثنية في أورشليم حتى ذلك الوقت يكشف على أن الملك حزقيا بدأ أولاً بالجانب الإيجابي الخاص بإعادة العبادة لله الحيّ في هيكل الرب. وترك إزالة هذه المذابح وكل ملحقاتها الخاصة بالارتداد عن الرب كخطوة ثانية.

وَذَبَحُوا الْفِصْحَ فِي الرَّابِعِ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي.

وَالْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّونَ خَجِلُوا وَتَقَدَّسُوا،.

وَأَدْخَلُوا الْمُحْرَقَاتِ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ [15].

يتحدث هنا عن الكهنة واللاويين الذين تقاعسوا عن التطهير والتخلُّص من العبادة الوثنية، بسبب عدم غيرتهم على عودة العبادة لله الحيّ. هؤلاء إذ رأوا غيرة الشعب وجديتهم، التهبت قلوبهم هم أيضًا وخجلوا وتَقدَّسوا وقَدَّموا المُحرَقات للربِّ. حقّا إن دور الكهنة واللاويين هو قيادة الشعب وتعليمهم ومساندتهم في التمتُّع بالخلاص، غير أن الأتقياء من الشعب بغيرتهم المقدسة يلهبون قلوب الكهنة واللاويين بالغيرة.

هذا ويليق بالكاهن كما بكل مؤمنٍ ألا يكف عن الشوق إلى التعلُّم المستمر.

الله وحده مُطْلَق الكمال، يُعَلِّم المسكونة ولا يحتاج إلى التعلُّم. أمَّا نحن ككهنة أو خدام، إذ نخدم بالله الساكن فينا، يلزمنا أن يتَّسع القلب دائمًا ليأخذ من الله، وتفوح بالأكثر رائحة المسيح فينا، لأنَّه مهما عظم اتِّساع قلبنا فهو نقطة صغيرة بالنسبة لِلُجَّة محبَّة الله.

فالراعي – ولو كان بطريركًا – إن لم يكن دائم التعلُّم يقف نموه ويظهر جموده، ويمنع شعبه عن النمو الروحي. وبقدر ما يخشع عند أقدام الرب، ويفتح قلبه له في الصلاة والدراسة في الكتاب المقدَّس، وبقدر ما يصغي دائمًا ليتعلَّم أحكام الله، ينمو في شركته وتنمو معه رعيَّته أيضًا. لهذا يوصي بولس الرسول تلميذه الأسقف تيموثاوس بضرورة القراءة باستمرار. ويُوصى الأسقف الكاهن عند سيامته، "واستضيء بالمطالعة، مواظبًا على القراءة والتعاليم بمعاني كتب البيعة" [333].

  • إنَّني لا أقدر على الهروب من عمل التعليم مادام الكهنوت قد ألقي على عاتقي، رغم محاولتي الهروب منه. وإنَّني أرغب في الجهاد في التعلُّم، حتى أكون قادرًا على التعليم. لأنَّه يوجد سيِّد واحد (الله) الذي وحده لا يتعلَّم ما يعلِّمه للجميع. أمَّا البشر فعليهم أن يتعلَّموا قبل أن يُعَلِّموا، ويتقبَّلوا من الله مُعَلِّمهم ما يُعَلِّمون به الآخرين.
  • لماذا لا تقضي وقتك بعد انتهاء عملك في الكنيسة في القراءة (التَعَلُّم).

لماذا لا تعود ثانية لترى المسيح؟ لماذا لا تخاطبه وتنصت إلى صوته؟ فنحن نخاطبه بالصلاة، ونسمع صوته عندما نقرأ وحي الله المقدَّس. إن وظيفة خدمة مذبح المسيح هي أن نأخذ...

القدِّيس أمبروسيوس.

وَأَقَامُوا عَلَى مَقَامِهِمْ حَسَبَ حُكْمِهِمْ كَنَامُوسِ مُوسَى رَجُلِ الله.

كَانَ الْكَهَنَةُ يَرُشُّونَ الدَّمَ مِنْ يَدِ اللاَّوِيِّينَ. [16].

جاء في المشناه Mishna أن العادة المُتَّبعة للكهنة أن يقفوا في صفِّيْن يبدأن من المذبح إلى الدار الخارجية حيث يجتمع الشعب. فيقوم الذي يُقَدِّم الحَمَل بذبحه ووضع دمه في طست، ويُسلم الطست إلى أقرب كاهن، فيُسلمه الكاهن إلى آخر بجواره ثم الكاهن التالي له وهكذا، والأخير ينقله إلى المذبح. بينما تعبر الطسوت صاعدة من كاهن إلى كاهن، إذا بالطسوت الفارغة تنتقل بواسطة الصف الثاني لتنزل من عند المذبح بدون تأخير[334].

من يد اللاويين: لما كان كثير من الذين يُقَدِّمون الذبائح غير مستعدين (غير طاهرين)، لذا يقوم اللاويون بذبح الحيوانات المُقَدَّمة ويُسَلِّمونها للكهنة[335].

لأَنَّهُ كَانَ كَثِيرُونَ فِي الْجَمَاعَةِ لَمْ يَتَقَدَّسُوا،.

فَكَانَ اللاَّوِيُّونَ عَلَى ذَبْحِ الْفِصْحِ عَنْ كُلِّ مَنْ لَيْسَ بِطَاهِرٍ،.

لِتَقْدِيسِهِمْ لِلرَّبِّ. [17].

لا ندهش إن كان كثيرون جاءوا للاحتفال دون أن يَتَقَدَّسوا. فقد عاش هؤلاء في مملكة الشمال، وتَسَلَّموا عن آبائهم وأجدادهم العبادة الوثنية، ولا يعرفون شيئًا عن الشريعة. ومع هذا فكان لديهم اشتياق أن يرجعوا إلى الرب. لهذا قام اللاويون بذبح الفصح. في جهالة أكلوا الفصح دون أن يَتَقَدَّسوا، وإذ سمع الملك "صلى عنهم، قائلاً: الرب الصالح يُكَفِّر عن كل من هيَّأ قلبه لطلب الرب إله آبائه وليس كطهارة الرب" [18 - 19]، وقبل الرب صلاته عنهم.

لأَنَّ كَثِيرِينَ مِنَ الشَّعْبِ كَثِيرِينَ مِنْ أَفْرَايِمَ وَمَنَسَّى وَيَسَّاكَرَ وَزَبُولُونَ،.

لَمْ يَتَطَهَّرُوا، بَلْ أَكَلُوا الْفِصْحَ لَيْسَ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ.

إِلاَّ إِنَّ حَزَقِيَّا صَلَّى عَنْهُمْ، قَائِلاً: الرَّبُّ الصَّالِحُ يُكَفِّرُ عَنْ [18].

حزقيا الملك باتِّساع قلبه وعدم الاستعباد للحرف، سمح للقادمين من أفرايم ومنسّى ويسّاكر وزبولون أن يشتركوا في الاحتفال بالعيد، بالرغم من أنهم لم يتطهَّروا، لأنه كان يُشفِق عليهم، إذ جاءوا من مجتمعات خضعت تمامًا للعبادة الوثنية. ففي رفضهم قد يرجعون إلى بلادهم منكسري القلوب، وفي يأسٍ يرجعون إلى العبادة الوثنية.

إن حزقيا وهو في ظل الناموس كان أكثر حبًا وروحانية واتِّساع قلب ونضوجًا من بعض الحرفيين في العهد الجديد بغير فهمٍ ولا حبٍ.

في حزمٍ لم يسمح للكهنة واللاويين أن يبدأوا بتقديس بيت الرب إلا بعد أن يتقدَّسوا، ولا سمح للشعب أن يحتفلوا بالعيد ما لم يتطهَّروا، أما بالنسبة للقادمين من بلاد سادتها الوثنية، ففتح أمامهم باب الرجاء. إنه يؤكد: الرب الصالح يكفّر عن (كل أحدٍ).

بهذه الروح كتب القديس أمبروسيوس رسالتيْن عن التوبة، الأولي وَجَّهها إلى أتباع نوفاتيوس الذين رفضوا قبول توبة الذين أنكروا الإيمان نتيجة الخوف من العذابات أو غيرهم ممن ارتكبوا خطايا لا تقبل التوبة عنها في نظرهم، وهي رسالة تكشف لنا جميعًا عن مقدار حب الله للخطاة، وفتحه أبواب الرجاء بلا حدود، وسهولة طريق التوبة والرجوع إلى الله. والثانية وَجَّهها إلينا نحن الخطاة لئلا نستهين بمراحم الله، ونُحَوِّل الرجاء في التوبة إلى فرصة للتراخي والتأجيل. جاء في رسالتيه[336]:

  • يقولون إنه يجب ألاَّ نَقْبَل مُنكِري الإيمان في الجماعة مرة أخري، إذ دنَّسوا المقدسات، الأمر الذي يستثنيهم من نوال الغفران. وبالتالي يجب أن نقسو عليهم.

إنهم بهذا الزعم ينقضون الوحي الإلهي، مُتمسكين بتعاليم خاصة، لأن الرب إذ غفر الخطايا، لم يستثنِ منها شيئًا.

لقد حسبوا بعلمهم هذا أنهم يعطون الرب مهابة عظيمة... لكن الحقيقة أنه لن يوجد من يُسيء إلى الله مثلهم، إذ أساءوا إلى وصاياه، وازدروا بوظيفتهم (ككهنة لله). لأنه إذ قال الرب يسوع نفسه في الإنجيل: "اقبلوا الروح القدس. من غفرتم خطاياه تُغفَر له. ومن أمسكتم خطاياه أُمسكِتْ" (لو 20: 22، 23)، لذلك فمن يكرم الرب يطيع هذه الوصية ولا يعصاها...

ماذا أقول أيضًا عن عجرفتهم المتزايدة؟! فإن إرادتهم تناقض روح الرب الذي يميل إلى الرحمة لا إلى القسوة... إنهم يفعلون ما لا يريده. لأنه وهو الديان ومن حقه أن يعاقب، نجده برحمته يعفو...!

يقولون إنه باستثناء الخطايا الكبيرة، تعطي حِلاً عن الخطايا الصغيرة... الله لم يصنع مثل هذا التمييز، بل وعد بمراحمه للجميع، واهبًا كهنته سلطانًا أن يحلوا جميع الخطايا بلا استثناء... فأي ضلال هذا، أن تدعوا لأنفسكم ما يمكن أن تَحِلَّوه من الخطايا، ناسبين إلى الرب الخطايا التي لا تُحَل. بهذا تنسبون لأنفسكم الرحمة وللرب القسوة...!

يجب أن نعرف أن الله إله رحمة، يميل إلى العفو لا إلى القسوة. لذلك قيل: "أريد رحمة لا ذبيحة" (هو 6: 6)، فكيف يَقْبَل الله تقدماتكم يا من تنكرون الرحمة، وقد قيل عن الله إنه لا يشاء موت الخاطئ مثل أن يرجع (حز 18: 32)؟! وتفسيرًا لهذه الحقيقة يقول الرسول: "فالله إذ أرسل ابنه في شِبْه جسد الخطية ولأجل الخطية دان الخطية في الجسد، لكي يتم حُكْم الناموس فينا" (رو 8: 3، 4)...

يقول داود النبي: "هل إلى الدهور يرفض الرب؟!... هل انتهت إلى الأبد رحمته؟!... هل نسى الله رأفته أو نزع برجزه مراحمه؟!" (مز 77: 7 - 9). هذا هو ما يعلنه لنا النبي، بينما يصر أولئك عن إنكار مراحم الله!

القدّيس أمبروسيوس.

كُلِّ مَنْ هَيَّأَ قَلْبَهُ لِطَلَبِ الله الرَّبِّ إِلَهِ آبَائِهِ وَلَيْسَ كَطَهَارَةِ الْقُدْسِ. [19].

فَسَمِعَ الرَّبُّ لِحَزَقِيَّا وَشَفَى الشَّعْبَ. [20].

لم ينتقد أحد حزقيا، لأنه جاء بأناس لم يحتفلوا من قبل بالعيد، وليس لهم معرفة بطقوسه. أكلوا الفصح وهم غير طاهرين، لأن هذا الشعب لم يدخل أورشليم، ولا مارس الأعياد منذ قرنين. على العكس عندما صلَّى الملك من أجلهم قبل الرب صلاته عنهم.

وَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْمَوْجُودُونَ فِي أُورُشَلِيمَ عِيدَ الْفَطِيرِ،.

سَبْعَةَ أَيَّامٍ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ،.

وَكَانَ اللاَّوِيُّونَ وَالْكَهَنَةُ يُسَبِّحُونَ الرَّبَّ يَوْمًا فَيَوْمًا بِآلاَتِ حَمْدٍ لِلرَّبِّ. [21].

وَطَيَّبَ حَزَقِيَّا قُلُوبَ جَمِيعِ اللاَّوِيِّينَ الْفَطِنِينَ فِطْنَةً صَالِحَةً لِلرَّبِّ،.

وَأَكَلُوا الْمَوْسِمَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ يَذْبَحُونَ ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ،.

وَيَحْمَدُونَ الرَّبَّ إِلَهَ آبَائِهِمْ. [22].

تحمل شخصية حزقيا سمات القائد الروحي المحب، إذ قيل: "وطَيَّب حزقيا قلب جميع اللاويين الفطنين فطنة صالحة للرب". ففي هذه الظروف تَطَلَّع حزقيا كقائدٍ روحي لا بعيني النقد وإصدار الأوامر، إنما شعر بتعب الكهنة واللاويين الذين ينحتون كما في الصخر، بسبب ما حلَّ بالهيكل والشعب عبر عصور الملوك الأشرار. إنه استخدم أسلوب التشجيع، مُتطلِّعًا إليهم أنهم فطنون، يُقَدِّمون معرفة الله للشعب بحكمةٍ.

يليق بالمسيحي أينما وُجِدَ، وفي أي وضع أن يُشَجِّعَ ويسند. يقول الرسول بولس: "شَجِّعوا صغار النفوس، اسندوا الضعفاء، تأنّوا على الجميع" (1 تس 5: 14).

من الأمور الرئيسية في حفظ العيد هو أكل الخبز غير المُختمِر. كما كان اللاويون يحفظونه بتقديم التسابيح اليومية مع تقديم ذبائح السلامة.

وَتَشَاوَرَ كُلُّ الْجَمَاعَةِ أَنْ يَعْمَلُوا سَبْعَةَ أَيَّامٍ أُخْرَى،.

فَعَمِلُوا سَبْعَةَ أَيَّامٍ بِفَرَحٍ. [23].

فرح القادمون بخبرة جديدة للعيد لم يعرفوها ولا عاشوها قبلاً، لذلك امتدت فترة الاحتفال أسبوعًا آخر، ربما بعد تشاور الملك مع الرؤساء، إذ لاحظوا فرح الشعب العجيب بالعيد. تشاور الشعب الذي حُرِمَ من الاحتفال بعيد الفصح كل هذه الأجيال، سواء القادمين من مملكة الشمال أو من يهوذا أن يعملوا سبعة أيام أخرى، فعملوا ذلك بفرح. وفرح الجميع، الكهنة والشعب، بالله.

لأَنَّ حَزَقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا قَدَّمَ لِلْجَمَاعَةِ أَلْفَ ثَوْرٍ وَسَبْعَةَ آلاَفٍ مِنَ الضَّأْنِ،.

وَالرُّؤَسَاءُ قَدَّمُوا لِلْجَمَاعَةِ أَلْفَ ثَوْرٍ وَعَشَرَةَ آلاَفٍ مِنَ الضَّأْنِ،.

وَتَقَدَّسَ كَثِيرُونَ مِنَ الْكَهَنَةِ. [24].

وَفَرِحَ كُلُّ جَمَاعَةِ يَهُوذَا وَالْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّونَ،.

وَكُلُّ الْجَمَاعَةِ الآتِينَ مِنْ إِسْرَائِيلَ،.

وَالْغُرَبَاءُ الآتُونَ مِنْ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، وَالسَّاكِنُونَ فِي يَهُوذَا. [25].

الغرباء هم الوثنيون الذين تهوَّدوا وعاشوا وسط الشعب واختتنوا، لأنه لم يكن يُسمَح لغرباء لم يُختَنوا من أن يأكلوا من الفصح.

الاحتفال بالفصح الرمزي في العهد القديم ملأ الجميع فرحًا. تهلل الملك والرؤساء والكهنة واللاويون وشعب يهوذا والقادمون من بين أسباط الشمال حتى الغرباء الذين قبلوا الإيمان، حتى امتدَّ العيد أسبوعًا ثانيًا. لو سألنا المُشترِكين في الاحتفال عن مشاعرهم لأجابوا: إننا نشتهي أن يمتدَّ العيد كل أيام حياتنا. ماذا نقول عن الاحتفال بالفصح الحقيقي، حيث أَحَبَّنا ربنا يسوع وسَلَّم نفسه للصلب والموت عنَّا، بكونه حمل الله حامل خطية العالم، وقام ليُقِيمَنا معه.

حقًا إن فصح الحمل الحقيقي يُحَوِّل حياة المؤمنين به إلى عيدٍ لا ينقطع.

فيما يلي لقطات سريعة عن فصح المسيح المُفرِّح القلوب، كما سَجَّلها لنا القديس مار يعقوب السروجي.

  • صرخ إشعياء: استيقظي، استيقظي، والبسي قوة؛ وهتف زكريا: ابتهجي جدًا، وافرحي بالملك الآتي (إش 51: 9؛ زك 9: 9).

صرخ الأطفال: مبارك الآتي باسم الرب، وأرعد التسبيح الكثير في طريق الملك (مت 21: 9).

لكن لم تشاء الأُمة العبرانية أن تسمع لإشعياء، ولا لزكريا، ولا للأطفال.

لم تنصت إلى الأنبياء، ولا إلى الأطفال، وحزنت وغضبت من أناشيدهم.

بعنادها اهتمت كثيرًا أن يصمتوا، وبحثت عن ذرائع لها لتسكتهم.

لم يسكت المُسَبِّحون من التسبيح، لأن الحق الظاهر حرَّكهم على التسبيح[337]...

حان وقت أداء التسبيح للابن، ولو أنكروا ذلك عليه، توفيه الحجارة التسبيح.

إن لم يُسَبِّحه الأطفال بأغصان الزيتون، تُسَبِّحه الحجارة الصماء بالعود الذي لها (يو 12: 13؛ لو 19: 40).

ركب رب الملوك جحشًا ابن أتان، وتحرَّكتِ الطبيعة لتُسَبِّحه لتواضعه.

وكان يليق بالكهنة والكتبة ورؤساء الشعب أن ينطقوا بذلك التسبيح اللازم.

وإذ أنكر الشيوخ التسبيح الذي حان وقته، ارتج الأطفال ليُسَبِّحوا بشعانينهم.

ولو سكت هؤلاء، لا يتوقف التسبيح هناك، فالحجارة تُرَتِّل ذلك التسبيح برعدةٍ.

تجتهد الطبيعة أن تُسَبِّح ربها؛ وإن لم يتكلم الناطقون، يتكلم الخرس.

إذ سكت المُعَلِّمون تكلم البسطاء، وإن سكت هؤلاء أيضًا لاستعدَّت الحجارة للتسبيح.

لم يكن ممكنًا في ذلك الوقت أن يتوقَّف التسبيح، فإما ينطق به الناس أو الحجارة.

دُهِشَتِ الخليقة من تواضع ابن الله، واهتمت أن تُسَبِّحه بصوتٍ عالٍ.

لو لم يُرَتِّلْ الأطفال بفرحٍ، لنطقت الحجارة، لأنه لم يكن حينئذ ممكنًا أن يتوقَّف التسبيح[338].

  • في يومك العظيم الذي فيه تبتهج كل الخليقة، اسمح لي أن أتكلم بإسهاب عن قيامتك.

في العيد الذي أبهج كل من الملائكة والتلاميذ، أبهجني أنا أيضًا بموهبتك لأُسَبِّحَ لك.

أيها الجبار الذي صعد من القبر بهيًا، بك أتكلم عن غلبتك المملوءة عجبًا.

في عيدك الكبير، السماء مبتهجة، والأرض متهللة، ففيه تصالحت السماء والأرض اللتان كانتا في عداوةٍ[339].

القديس مار يعقوب السروجي.

وَكَانَ فَرَحٌ عَظِيمٌ فِي أُورُشَلِيمَ،.

لأَنَّهُ مِنْ أَيَّامِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، لَمْ يَكُنْ كَهَذَا فِي أُورُشَلِيمَ. [26].

أي من أيام تدشين الهيكل بفرحٍ في عصر سليمان، فكان العيد في أيام حزقيا كعيد سليمان في طول مدة العيد وكثرة المشتركين فيه.

منذ حدث انقسام المملكة، وانشقَّت عشرة أسباط تحت قيادة يربعام، لم يُمارِس الغالبية العظمى من هذه الأسباط العبادة في هيكل سليمان، ولا اشتركوا في الأعياد.

وَقَامَ الْكَهَنَةُ اللاَّوِيُّونَ وَبَارَكُوا الشَّعْبَ،.

فَسُمِعَ صَوْتُهُمْ،.

وَدَخَلَتْ صَلاَتُهُمْ إِلَى مَسْكَنِ قُدْسِهِ إِلَى السَّمَاءِ. [27].

ما أحلى أن يجتمع الإخوة معًا في الرب، فقد انفتحت أبواب السماء، لتتهلل بهذا الشعب المجتمع معًا، وسمعت لمباركة الكهنة الشعب.

انعكست نقاوة قلب الملك على الكهنة اللاويين وعلى جموع المشتركين، وقَبِلَ الرب الإله عبادتهم، وسكب روح الفرح والتهليل في قلوبهم. مع دخان ذبائحهم، صعدت صلواتهم وطلباتهم وشكرهم وتسابيحهم إلى السماء، مع مباركة الكهنة بكل قلبهم للعشب. جاء في الترجوم: "صعدت صلواتهم إلى مسكن الشكينة المقدسة التي في السماء[340]".

لقد برز في هذا الاحتفال ليس فقط حب الله مع الناس، بل وحب الإخوة معًا في الرب. يقول المرتل: في المزمور قبل الأخير من مزامير المصاعد: "هوذا ما أحسن وما أجمل أن يسكن الإخوة معًا" (مز 133: 1).

  • في بيت الله، كنيسة المسيح، يسكن البشر بفكرٍ واحدٍ، يستمرون في انسجام وبساطة[341].

القديس كبريانوس.

  • الحب هو الباب الذي يدخل بنا إلى السماء عينها[342].
  • توجد أمور كثيرة حسنة (صالحة)، لكن تنقصها البهجة (الجمال). من جهة أخرى توجد أمور تهب شبعًا، لكن ينقصها الصلاح. إنه ليس بالأمر السهل أن يجتمع الاثنان معًا... لاحظوا أنه لم يشر إلى مجرد السُكنَى، ولا المأوى في موضع واحدٍ، إنما السكنى في وحدةٍ، أي في تناغم وحبٍ، هذا يجعل الشعب بروحٍ واحدةٍ[343].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

  • "ما أحلى مساكنك يا رب الجنود!" هذه إذن هي المخازن التي فيها تكتنز الحنطة الروحية. "اصنعوا لكم أصدقاء من مال الظلم، حتى يقبلوكم في المساكن الأبدية" (راجع لو 16: 9). "ما أحلى مساكنك يا رب الجنود!"... خلالها يُحَوِّل الإنسان إقامته من الأرض إلى السماء! [344].

القديس جيروم.

من وحي 2 أي 30.

فرِّح قلوب شعبك بك!

  • لك المجد يا الله مُفرِّح قلوب المؤمنين بك.

هَبْ لي ما وهبته لحزقيا الملك.

أن ينشغل قلبي بقداسة شعبك وكنيستك.

وتتهلل نفسي برضاك علينا، كهنةً وشعبًا!

  • كانت مسرَّة حزقيا هي أن يُسر كل المؤمنين.

أن يَتَقَدَّسوا بك، وتسكن بينهم، وتحملهم إليك.

انفتح قلبه على الأسباط قدر المستطاع.

سأل الجميع أن يشتركوا معًا في العبادة،.

وأن يتهللوا بالله الساكن وسط النفوس المحِبَّة.

  • هَبْ لي يا رب القلب المُتَّسِع للجميع!

والفكر الروحي الذي لا يُستعبَد للحرف القاتل!

هَبْ لي أن أُسر بخلاص البشرية كلها!

متى يتحوَّل كل البشر إلى ملائكة؟!

متى تتحوَّل الأرض كلها إلى أيقونة للسماء؟!

  • ليتحوَّل قلبي إلى عيدٍ دائم بقوة صليبك.

قَدَّمتَ ذاتك فصحًا، عن البشرية كلها.

لتُعلِنَ حبك لكل العالم، ولتُفرِّح قلوب كل البشر.

أنت هو عيدنا وفرحنا وتهليلنا المُقَدَّس.

  • لتُحَرِّرَ بصليبك العالم كله من عبودية الخطية.

ولتسكب برَّك على كل مؤمنٍ.

ولتحمل كل مؤمنٍ كما إلى سماواتك،.

فيختبر الحياة السماوية المتهللة.

ولينضم إلى خورُس الطغمات العلوية.

  • في محبة الملك حزقيا لشعبه،.

تشاور مع الرؤساء ليمد العيد أسبوعًا آخر.

ونحن نسألك خلال صليبك وقيامتك،.

أن يمتد عيد القيامة المجيد طول رحلة حياتنا.

ليتمتع العالم كله ببهجة فصحك المجيد،.

وليقل الكل مع الرسول بولس:

أقامنا معه، وأجلسنا معه في السماويات.


[323] Letters to Laymen, 69.

[324] The Prayer of Job and David, Book 1, 5: 12.

[325] Commentary on Matthew, 10: 14.

[326] Commentary on Romans (8: 6).

[327] Sermon on N. T. Lessons, 86: 5.

[328] Barnes' Notes.

[329] Barnes' Notes.

[330] راجع تفسير نش 1: 4.

[331] Ep. 57: 11.

[332] Barnes' Notes.

[333] الحب الرعوي، 2006، ص 183 الخ.

[334] Barnes' Notes.

[335] Barnes' Notes.

[336] المؤلف: ترفقوا بالخطاة! للقديس أمبروسيوس، الكتاب الأول 2005.

[337] راجع الميمر 18 على أحد الشعانين (راجع نص بول بيجان ترجمة الدكتور بهنام سوني)، الميمر 45 (بالتصحيح الوارد في نهاية الكتاب الميمر 46)، على أحد الشعانين (القبطي)، "ميمر لأجل ركوب ربنا الجحش" دير القديس مقاريوس بوادي النطرون، نسخ الراهب مينا المقاري، مختارات من قصائد مار يعقوب أسقف سروج الملفان 521 + ، ترجمها من السريانية إلى العربية مار ملاطيوس برنابا، متروبوليت حمص وحماة وتوابعها للسريان الأرثوذكس، دار الرها 1993؛ Thomas Kollamparampil.

[338] المرجع السابق.

[339] الميمر 54 لأحد القيامة الكبير (راجع نص بول بيجان والدكتور بهنام سوني)؛ قصائد القديس مار يعقوب السروجي، الميمر 53 (54 بالتصحيح)، على قيامة ربنا، يقرأ باكر الأحد العظيم، قبطي.Thomas Kollamparampil: Jacb of Sarug's Homilies on the Resurrection, Gorgias Press, 2008.

[340] Adam Clarke Commentary.

[341] Treat. 1: 8.

[342] On Ps. 133.

[343] On Ps. 133.

[344] On Psalms, homily 63.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

اَلأَصْحَاحُ الْحَادِي وَالثَّلاَثُونَ - سفر أخبار الأيام الثاني - القمص تادرس يعقوب ملطي

اَلأَصْحَاحُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ - سفر أخبار الأيام الثاني - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفاسير أخبار الأيام الثاني الأصحاح 30
تفاسير أخبار الأيام الثاني الأصحاح 30