تأملات فى حياة وخدمة السيد المسيح – المسيح مشتهى – الأنبا بيشوي مطران دمياط و البراري – الباب الحادى عشر

هذا الفصل هو جزء من كتاب: تأملات فى حياة وخدمة السيد المسيح – المسيح مشتهى – الأنبا بيشوي مطران دمياط و البراري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

[pt_view id=”aa2d703e20″ tag=”تأملات فى حياة وخدمة السيد المسيح – المسيح مشتهى – الأنبا بيشوي مطران دمياط و البراري” field=name]

صعود السيد المسيح

الأوقات التى جعلها الآب فى سلطانه

قبيل صعود السيد المسيح إلى السماء، أوصى تلاميذه أن لا يبرحوا من أورشليم إلى أن ينالوا قوة متى حل الروح القدس عليهم، “أما هم المجتمعون فسألوه قائلين: يا رب هل فى هذا الوقت ترد الملك إلى إسرائيل؟ فقال لهم: ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التى جعلها الآب فى سلطانه” (أع1: 6، 7).

كان السيد المسيح قد أخلى ذاته من المجد الأزلى الخاص به مع الآب والروح القدس، وذلك حينما ظهر فى الجسد.. فى صورة عبد.. فى هيئة إنسان متضع، مطيع للآب السماوى.. لذلك خاطب الآب فى مناجاته قبل الصليب قائلاً: “مجدّنى أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذى كان لى عندك قبل كون العالم” (يو17: 5).

وكان وهو فى دائرة الإخلاء ينسب السلطان والمجد إلى الآب، إلى أن يعود إلى مجده مرة أخرى، بصعوده إلى السماء كقول الكتاب “عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد، تبرر فى الروح، تراءى لملائكة، كرز به بين الأمم، أومن به فى العالم، رُفع فى المجد” (1تى3: 16).

فعندما صعد الابن الوحيد الذى تجسّد، دخل إلى مجده السمائى. ولهذا قيل “رُفع فى المجد”. لهذا قال الكتاب “صعد الله بالتهليل، الرب بصوت البوق” (مز46: 5). وقيل أيضاً “ارفعوا أيها الملوك أبوابكم، وارتفعى أيتها الأبواب الدهرية فيدخل ملك المجد” (مز23: 7). إن ملك المجد هو الذى رفع فى المجد.

حينما صعد السيد المسيح جسدياً، دخل بجسده إلى المجد كسابق لنا، وكرأس للكنيسة، وكرئيس كهنة أعظم .. “دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءً أبدياً” (عب9: 12).

وهناك فى مجده مارس سلطانه الإلهى مثل الآب تماماً بنفس المجد والكرامة ولهذا يصلى الكاهن فى القداس ويقول }وصعد إلى السماوات وجلس عن يمينك أيها الآب ورسم يوماً للمجازاة، هذا الذى يأتى فيه ليدين المسكونة بالعدل. ويعطى كل واحد كأعماله{ (القداس الباسيلى).

فى وجوده على الأرض قبل الصعود قال للتلاميذ: “ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التى جعلها الآب فى سلطانه” (أع1: 7). أما عند دخوله إلى الأقداس السمائية، أى بدخوله إلى مجده فإن سلطان الآب هو سلطانه كما هو منذ الأزل.

ولكنه حينما أخلى نفسه من المجد كان ينسب السلطان الإلهى إلى الآب.

وفى مجيء السيد المسيح الثانى للدينونة قال عن مجيئه عبارتين متساويتين: “متى جاء ابن الإنسان فى مجده وجميع الملائكة القديسين معه” (مت25: 31) و “إن ابن الإنسان سوف يأتى فى مجد أبيه مع ملائكته..” (مت16: 27). فمجده فى مجيئه الثانى للدنيونة هو نفسه مجد أبيه. وليس هذا غريباً عمن قيل عنه أنه هو بهاء مجد الآب (انظر عب 1: 3).

السيد المسيح باتضاع عجيب كان يتكلم عن سلطان الآب أثناء وجوده على الأرض مخلياً ذاته.

وكانت رسالته فى إخلائه لنفسه هى أن يتمم الفداء بطاعة حتى الموت، موت الصليب “لذلك رفّعه الله أيضاً وأعطاه اسماً فوق كل اسم. لكى تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن فى السماء، ومن على الأرض، ومن تحت الأرض. ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب” (فى2: 9-11).

وقيل أيضاً عن السيد المسيح أنه هو “رب المجد” (1كو2 :8).

وبما أنه هو “رب المجد” و “رب لمجد الله الآب”.. كان من الطبيعى جداً بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا، أن يجلس فى يمين العظمة فى الأعالى (انظر عب1: 3)، وأن يحدد بنفسه يوماً للمجازاة، هو يوم مجيئه للدينونة.

وفى رؤيا دانيال النبى تكلّم عن سلطان السيد المسيح ومجده فقال: “كنت أرى فى رؤى الليل وإذا مع سُحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام. فقرّبوه قدّامه. فأعطى سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدى ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض” (دا 7: 13، 14).

لقد أعطى السيد المسيح تلاميذه نموذجاً ومثالاً فى الاتضاع، وفى الخضوع لمشيئة الآب السماوى، وفى التخلى عن مظاهر التباهى بالمعرفة حينما قال لهم: “ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التى جعلها الآب فى سلطانه” (أع1: 7) ناسباً السلطان لأبيه، مع أن سلطان أبيه هو سلطانه، ومجد أبيه هو مجده، وملكوت أبيه هو ملكوته.. بل إن ملكوت الآب يُنسب إلى الابن كقول الكتاب “ملكوت ابن محبته” (كو1: 13).

“خير لكم أن أنطلق” (يو16: 7)

قال السيد المسيح عن صعوده إلى السماء: “لكن لأنى قلت لكم هذا قد ملأ الحزن قلوبكم.. خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم” (يو16: 6، 7).

لم يكن أحد من التلاميذ يتصور أن فى انطلاق السيد المسيح من هذا العالم خيراً بالنسبة لهم. ولكنه بعد أن قضى معهم أربعين يوماً بعد القيامة وهو يظهر لهم ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله (انظر أع 1: 3)، حوّلت القيامة وظهورات السيد المسيح وأحاديثه نفوس التلاميذ إلى التطلع نحو الحياة بعد الموت وإلى الأمور الروحية والأمور السمائية.

فحديثه معهم عن الأمور المختصة بملكوت الله قد شمل ملكوت الله على الأرض فى حياة الكنيسة وأسرارها وملكوت الله فى السماء حيث الأبدية الممتلئة فرحاً وسعادة للقديسين.

لهذا نرى أن التلاميذ بعد ذلك قد فرحوا بصعود السيد المسيح إلى السماء كما ورد فى إنجيل معلمنا القديس لوقا البشير “وأخرجهم خارجاً إلى بيت عنيا، ورفع يديه وباركهم. وفيما هو يباركهم، انفرد عنهم وأُصعد إلى السماء، فسجدوا له ورجعوا إلى أورشليم بفرح عظيم، وكانوا كل حين فى الهيكل يسبحون ويباركون الله. آمين” (لو24: 50-53).

لقد فهم التلاميذ الخير فى انطلاق السيد المسيح إلى السماء كسابق للبشر الذين آمنوا به وقبلوه كمخلِّص لحياتهم.

إنه قد مضى ليعد لهم مكاناً. وسيأتى أيضاً ليأخذهم ليحيوا معه إلى الأبد فى منازل الآب السماوى.

لقد دخل السيد المسيح كرأس للكنيسة إلى أعلى السماوات، وبهذا أَصعد باكورة البشرية إلى السماء (القداس الغريغورى). ورفع رأس البشرية الذى نكّسته الخطية إلى أسفل.. رَفَعَ رأس البشرية ببره وبقبول الآب لذبيحته الكفارية على الصليب.

هذه الصعيدة التى قبلها الآب على الصليب، كان لابد أن تصعد إلى أعلى السماوات. لأنه هكذا كان ينبغى أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده.

لقد تمجّد الحب بصعوده إلى حضن الآب السماوى، الذى هو ينبوع الحب الأزلى.

وهذا ما عبّر عنه معلمنا بولس الرسول بأن الآب قد أكرم الابن المتجسد ومجّده بعد أن قدّم طاعة كاملة لأبيه حتى الموت “وإذ وُجِدَ فى الهيئة كإنسان وضع ذاته وأطاع حتى الموت موت الصليب. لذلك رفَّعهُ الله أيضاً وأعطاه اسماً فوق كل اسم، لكى تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن فى السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب” (فى 2: 8-11).

وبدخول السيد المسيح إلى الأقداس مرة واحدة أرسل الروح القدس المعزى إلى الكنيسة حسب موعد الآب.

كان السيد المسيح قد أعلن هذا الوعد من الآب قبل أن يتمم الفداء على الصليب. إن الآب سوف يرسل الروح القدس روح الحق المعزى باسم المسيح الفادى بعد أن يقوم بإتمام الفداء.

إنه وعد عظيم أن يسكب روحه على كل بشر، معطياً الحياة الجديدة فى المسيح، مانحاً غفران الخطايا والطبيعة التى تؤهِّل لميراث ملكوت السماوات. وأن يمنح الروح القدس مواهبه وعطاياه لجميع المؤمنين فتتكاثر مواهب الروح القدس إلى جوار ثماره اللازمة لخلاص الإنسان. أما المواهب التى لبنيان الكنيسة فقد مُنحت الكنيسة أن تتمتع بعمل الروح فيها مرشداً إياها إلى جميع الحق.

وبهذا كُتبت الأناجيل وباقى أسفار العهد الجديد فى العصر الرسولى، وصار الروح القدس يقود الكنيسة، ويختار الخدام للكلمة، ويحدد المهام الكنسية للكارزين، ويرسم للكنيسة أنظمتها التى سارت عليها بحسب التقليد الرسولى فيما بعد.

لقد اجتاحت الكنيسة فى العصر الرسولى حركة قوية نقلتها إلى مدى الزمان. فبقوة الدفع التى أُعطيت  للكنيسة استمرت فى حفظ الإيمان المُسلّم مرة للقديسين، ولم تقو عليها بوابات الجحيم حسب وعد السيد المسيح لها.

أين هو بولس الساموساطى ولقيان وأريوس ومقدونيوس وأبوليناريوس وسابيليوس وديدور الطرسوسى وثيئودور الموبسويستى ونسطوريوس وجميع الهراطقة الذين استخدمهم الشيطان لإفساد الإيمان؟

لقد ظلّت الكنيسة بقوة الروح القدس حافظة للإيمان الأرثوذكسى إلى يومنا هذا. وستظل أمينة إلى مجيء الرب بحسب وعده الصادق لها بأن بوابات الجحيم لن تقوى عليها.

ها أنا معكم كل الأيام

قد يتساءل البعض، كيف قال السيد المسيح لتلاميذه قبل صعوده إلى السماء: “ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر” (مت28: 20) ثم بعد ذلك صعد إلى السماء بعد أن قال أنه سوف يعود فى اليوم الأخير فى مجيئه الثانى وأكّد ذلك الملائكة الذين ظهروا للتلاميذ فى يوم صعوده (انظر أع1: 11)؟

وللإجابة على ذلك نقول إن السيد المسيح قد صعد إلى السماء بحسب الجسد أو بحسب إنسانيته ولكن فى نفس الوقت يملأ الوجود كله بحسب لاهوته. لذلك فعند لقائه مع نيقوديموس أثناء خدمته على الأرض قال له: “ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذى نزل من السماء، ابن الإنسان الذى هو فى السماء” (يو3: 13). وهذا يعنى أنه فيما كان يتكلم مع نيقوديموس على الأرض قال عن نفسه إنه هو فى السماء: فهو أمام نيقوديموس بحسب إنسانيته، ومالئ السماء والأرض بحسب لاهوته، وكائن فى حضن الآب كل حين.

عن هذا الصعود يُصلى الكاهن فى قداس القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات فيقول للسيد المسيح: {وعند صعودك إلى السماء جسدياً وأنت مالئ الكل بلاهوتك قلت لتلاميذك القديسين: سلامى أترك لكم سلامى أُعطيكم}.

إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى

أيضاً قصد السيد المسيح إنه إن لم يصعد بجسده المصلوب القائم من الأموات إلى السماء فلن يحل الروح القدس على التلاميذ.

لأنه كان ينبغى أن يدخل إلى قدس الأقداس فى السماء كرئيس كهنة ليشفع فينا أمام الآب كل حين كقول معلمنا بولس الرسول: “دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوَجَد فداءً أبدياً” (عب9: 12).

“كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس بلا شر ولا دنس، قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السماوات” (عب7: 26)، “خادماً للأقداس والمسكن الحقيقى الذى نصبه الرب لا إنسان” (عب8: 2).

ولكن فى كل ذلك لم يقصد السيد المسيح أنه بانطلاقه إلى السماء وجلوسه عن يمين الآب فى المجد سوف يترك الكنيسة، بل أنه سوف يذهب جسدياً وإنسانياً إلى هناك ويرسل الروح القدس المعزى ليبدأ عمله فى منح العطايا والمواهب الناشئة عن استحقاقات الخلاص بدم المسيح، ولتأكيد مشاركة الأقانيم الثلاث فى عمل الخلاص.

ولكن من الجانب الآخر فقد أكد استمرار وجوده مع تلاميذه بحسب لاهوته وليس هو فقط؛ بل هو والآب السماوى “إن أحبنى أحد يحفظ كلامى، ويحبه أبى وإليه نأتى وعنده نصنع منزلاً” (يو14: 23). عن هذا قال القديس أثناسيوس الرسولى: [عندما يصير الروح فينا، عندئذ يأتى الابن والآب، ويصنعون منزلاً فينا] (عن الروح القدس الرسالة الثالثة فقرة 6-صفحة 116).

إن سُكنى الروح القدس فى الإنسان تعنى أيضاً حضور الآب والابن لأنه حيثما يوجد الروح القدس يوجد أيضاً الآب ويوجد الابن. ولكن الروح القدس هو الذى يوصّل لنا بركات الخلاص الممنوحة لنا من الآب والابن، وهو الذى يعمل فى الأسرار فى حضور الآب والابن.

معكم كل الأيام

إن هذه العبارة تملأ قلوبنا طمأنينة، فإن السيد المسيح بالرغم من صعوده إلى السماء فهو معنا كل الأيام وفى كل الظروف.

هو يشعر بنا وبكل ما نعانيه من أجل اسمه، و”لأنه فيما هو قد تألم مجرباً؛ يقدر أن يعين المجربين” (عب2: 18). هو يلاحظ حروب الشيطان ومؤامراته وكل جيوش الشياطين وتجمهرهم حولنا فى الحروب الروحية العنيفة كقول معلمنا بطرس الرسول “إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه هو، فقاوموه راسخين فى الإيمان” (1بط5: 8، 9).

هو يرى موجات الفكر المضاد للإيمان بوجود الله والمضاد للإيمان المستقيم والهرطقات والتعاليم الغريبة ويشعر بخطورتها على الكنيسة.

هو يرى الوسائل التكنولوجية الحديثة وانتشار الخلاعة والعثرات ووسائل الإثارة وخطورة كل ذلك على الشباب وعلى تماسك الأسرة وقداستها وجاذبية الأمور التى تضيع وقت الناس وتشغلهم عن الصلاة والتأمل فى وصايا الله فى الكتب المقدسة. هو يعرف أن إمكانياتنا أقل كثيراً من إمكانيات الشيطان وأعوانه فى وسط عالم يموج بكل هذه الموجات العالمية. وسفينة الكنيسة معذبة من الأمواج.

ولكن بالرغم من هذا كله فالإنجيل يخبرنا أن السيد المسيح -وهو على الجبل- كان يبصر سفينة تلاميذه فى وسط البحر مساءً وهى معذبة من الأمواج. أما هو فكان فى مناجاة مع الآب من أجل الكنيسة، ثم أتاهم ماشياً على البحر فى الهزيع الرابع من الليل وانتهر البحر والريح فخضع له الجميع وانبهر التلاميذ بعد أن أتاهم صوته: “أنا هو لا تخافوا” (مت14: 27). أنت معنا يا رب فلا نخاف.

صعد الله بتهليل

ورد فى المزمور السادس والأربعين “صعد الله بتهليل، والرب بصوت البوق رتلوا لإلهنا رتلوا، رتلوا لمليكنا رتلوا.. الله جلس على كرسيه المقدس” (مز46: 5، 6، 8).

كيف يمكننا فهم هذه العبارات دون الإيمان بظهور الله فى الجسد، أى بتجسد الابن الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح.

هل يمكن أن يصعد الله دون أن يتجسد؟!.. نحن فى القداس الإلهى نقول مخاطبين السيد المسيح: {وعند صعودك إلى السماوات جسدياً وأنت مالئ الكل بلاهوتك} (القداس الغريغورى). أى أننا نفهم أن لاهوت السيد المسيح هو مالئ السماوات والأرض، ولكنه صعد جسدياً فى يوم صعوده بعد قيامته بأربعين يوماً، وشاهده التلاميذ أثناء  هذا الصعود المجيد المحاط بالملائكة الذين ظهر اثنان منهم للتلاميذ وهم يتطلعون نحو السماء بعد أن أخذت الرب سحابة عن أعينهم وقالا لهم: “إن يسوع هذا الذى ارتفع عنكم إلى السماء سيأتى هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء” (أع1: 11).

“صعد الله بتهليل” لا شك أن السماء قد احتفلت احتفالاً عظيماً بصعود السيد المسيح وجلوسه عن يمين الآب.. لذلك قال المزمور أنه قد صعد بتهليل أى وسط تسابيح الملائكة الذين رافقوا صعوده.

ويضاف إلى ذلك أنه يقول “والرب بصوت البوق” أى أن الله الكلمة قد صعد بتهليل وسط تسابيح الملائكة وبعضهم يضربون فى الأبواق منذرين السماوات كلها بصعود الابن الوحيد المنتصر على الموت والمخلّص لجميع المفديين.

ويؤكّد المزمور أهمية تمجيد الرب وتسبيحه فى صعوده المجيد فيقول “رتلوا لإلهنا رتلوا، رتلوا لمليكنا رتلوا”. وكيف لا وهو ملك المجد؟! ويقول المزمور أيضاً “جلس الله على كرسيه” وبالفعل فإن الله الكلمة يسوع المسيح بعد صعوده قد جلس عن يمين أبيه فى عرشه السمائى.

لذلك يقول القديس مرقس الرسول فى إنجيله: “ثم إن الرب بعد ما كلّمهم ارتفع إلى السماء. وجلس عن يمين الله” (مر16: 19).

ويقول معلمنا بولس الرسول عن السيد المسيح: “بعد ما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس فى يمين العظمة فى الأعالى” (عب1: 3).

وقال أيضاً: “عن الملائكة يقول الصانع ملائكته رياحاً وخدامه لهيب نار. وأما عن الابن كرسيك يا الله إلى دهر الدهور” ( عب 1: 7، 8) وهو فى هذا يقتبس من سفر المزامير (مز44).

كيف يُقال “جلس الله على كرسيه؟” إن لم يكن المقصود هو الابن الكلمة الصاعد إلى السماوات. أما عن الآب فيقال أنه “جالس” لأنه لم يتجسد ولم يصعد ولم يجلس من بعد صعوده كما جلس الابن الوحيد المتجسد.

ارفعوا أيها الملوك أبوابكم

يقول المزمور الثالث والعشرون “ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم، وارتفعى أيتها الأبواب الدهرية فيدخل ملك المجد. من هو هذا ملك المجد؟ الرب العزيز القدير، الرب القوى فى الحروب.. هذا هو ملك المجد” (مز23: 7، 8، 10).

من الواضح جداً أن نفس هذا المزمور يتكلم أيضاً عن صعود السيد المسيح إلى السماوات العليا، إلى القدس السماوى، إلى عرش الله. الموضع الذى لم يدخل إليه من قبل ذو طبيعة بشرية.

لذلك تعجبت الملائكة حراس الأبواب الدهرية، إذ ناداهم الملائكة المصاحبون لصعود ملك المجد قائلين أن ترتفع الأبواب لدخوله الانتصارى المجيد، فتساءلوا قائلين: “من هو هذا ملك المجد؟” فأجابهم الملائكة المصاحبون إنه هو الرب العزيز القدير.. الرب القوى فى الحروب، هذا هو ملك المجد.

وعبارة “الرب العزيز القدير” لا تطلق إلا على الإله الحقيقى فهى تقال عن الآب، كما تقال عن الابن، وعن الروح القدس، الإله الواحد المثلث الأقانيم. وقد قيلت عن الابن فى هذا المزمور ليعرف حراس الأبواب الدهرية من هو الداخل إلى الأقداس بعد أن رأوه متجسداً فى صورة إنسان. وقيل عن الآب السماوى أيضاً “المبارك العزيز الوحيد ملك الملوك ورب الأرباب الذى وحده له عدم الموت ساكناً فى نور لا يُدنى منه. الذى لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه الذى له الكرامة والقدرة الأبدية. آمين” ( 1تى6: 15، 16)، فهو أيضاً له لقب “الرب العزيز القدير”.

ومن الواضح طبعاً أن الآب لم تفتح له الملائكة أبواباً دهرية لكى يدخل وإنما هذا الكلام ينطبق فقط على الابن الوحيد الجنس حينما تجسد ثم صعد إلى السماوات.

بسيطاً فى صعوده

“صعد الله بتهليل. والرب بصوت البوق” (مز46: 5).

مع أن صعوده إلى السماء قد احتفلت به الملائكة أعظم احتفال.. إلا أن المظهر المنظور لصعود السيد المسيح كان بسيطاً للغاية، تماماً مثل مظهر قيامته المجيدة.

بعدما ظهر لتلاميذه مرات كثيرة على مدى أربعين يوماً، “أخرجهم خارجاً إلى بيت عنيا. ورفع يديه وباركهم. وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وأُصعد إلى السماء. فسجدوا له ورجعوا إلى أورشليم بفرح عظيم. وكانوا كل حين فى الهيكل يسبحون ويباركون الله” (لو50:24-53).

لم يصعد الرب مثل إيليا النبى فى العاصفة إلى السماء. ولم تظهر مركبة من نار وخيل من نار لتفصل بينه وبين تلاميذه مثلما حدث مع إيليا وتلميذه أليشع وقت صعوده إلى السماء. ولكن الرب صعد فى هدوء عجيب أمام أعين تلاميذه، بعدما أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم حتى يحل الروح القدس عليهم.

“ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون وأخذته سحابة عن أعينهم. وفيما كانوا يشخصون إلى السماء وهو منطلق، إذا رجلان قد وقفا بهم بلباس أبيض. وقالا أيها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء. إن يسوع هذا الذى ارتفع عنكم إلى السماء، سيأتى هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء. حينئذ رجعوا إلى أورشليم من الجبل الذى يدعى جبل الزيتون الذى هو بالقرب من أورشليم” (أع1: 9-12).

أراد السيد المسيح أن يؤكد حقيقة صعوده إلى السماء “حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا، صائراً على رتبة ملكى صادق رئيس كهنة إلى الأبد” (عب6: 20). لهذا صعد أمام أعين تلاميذه كما سبق أن وعدهم “أنا أمضى لأعد لكم مكاناً. وإن مضيت وأعددت لكم مكاناً آتى أيضاً وأخذكم إلىّ، حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً” (يو14: 2، 3).

وهكذا صعد مَن قدّم نفسه صعيدة مقبولة لله الآب على الصليب.. وكان لابد للصعيدة أن تصعد، وأن يدخل رئيس الكهنة الأعظم إلى قدس الأقداس السماوى. كقول معلمنا بولس الرسول: “وأما رأس الكلام فهو أن لنا رئيس كهنة مثل هذا، قد جلس فى يمين عرش العظمة فى السماوات، خادماً للأقداس والمسكن الحقيقى الذى نصبه الرب لا إنسان” (عب 8: 1، 2).

وحينما صعد السيد المسيح ليدخل إلى مجده السماوى بعد أن صنع الخلاص لأجلنا.. رافقته جماهير من الملائكة، ونادت تلك الملائكة نحو حراس الأقداس السماوية:”ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم، وارتفعى أيتها الأبواب الدهرية، فيدخل ملك المجد”، وحينما سأل الحراس قائلين: “من هو هذا ملك المجد؟” أجابوهم قائلين: “الرب العزيز القدير، الرب القوى فى الحروب.. رب القوات، هذا هو ملك المجد” (مز23: 7-10).

فالسيد المسيح كان داخلاً إلى الموضع الذى لم يدخل إليه ذو طبيعة بشرية من قبل.. فى أعلى السماوات حيث عرش الله القدير.. وقد أعلنت الملائكة المصاحبة لموكب الابن الوحيد أن القادم والمحتفَل بدخوله إلى الأقداس هو ملك المجد.. الرب العزيز القدير، القاهر فى الحروب.. والذى انتصر على مملكة الشيطان، وحرر البشر، وفتح الفردوس، ورد آدم وبنيه إلى هناك، بعدما أعلن محبته على الصليب فى طاعة كاملة للآب السماوى.

ما أروع ذاك المشهد الذى لخصه معلمنا مرقس الإنجيلى بقوله: “ثم إن الرب بعدما كلمهم (أى التلاميذ) ارتفع إلى السماء، وجلس عن يمين الله” (مر16: 19).

لم يشأ السيد المسيح أن يبصر التلاميذ هذه الأمجاد العجيبة والمناظر السمائية وهو يدخل إلى السماء، لأن مشهد المجد هذا سوف يبصرونه فى استعلان مجد ملكوته عند مجيئه الثانى ودخولهم معه إلى الأبدية.

لم يشأ أن ينشغلوا بالمناظر الفائقة للطبيعة.. لكى لا تنسى الكنيسة رسالتها الحقيقية فى حمل الصليب والكرازة بالإنجيل.. ولكى لا ينقادوا إلى الأمور العالية، بل ينقادوا إلى المتواضعين. أما المناظر السمائية الفائقة فلها وقتها المناسب، حينما يلبس القديسون أجساد القيامة الروحانية ليرثوا مع السيد المسيح فى مجده.

قد يحدث فى بعض الأوقات أن تظهر بعض الإعلانات السماوية لضرورة خاصة. ولهذا أرسل السيد المسيح ملاكين من الملائكة المصاحبين له ليؤكدوا للتلاميذ أنه قد انطلق إلى السماء، وأنه سوف يعود مرة أخرى. ولينصحوهم بالذهاب إلى أورشليم انتظارًا لحلول الروح القدس، وبداية عمل الكرازة المؤيّد بمواهب الروح.

لقد صار الصعود حقيقة مؤكَدة فى وجدان الكنيسة، ولكن ليس مشهداً تنشغل به عن رسالتها الحقيقية فى خلاص البشر.

اختفى السيد المسيح عن أعين التلاميذ إذ أخذته سحابة عن أعينهم.. ولكنه كان قد وعدهم قائلاً: “ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر” (مت28: 20).

هو حاضر بلاهوته فى كل زمان ومكان.. هو حاضر بروحه القدوس وفاعل فى المؤمنين.

يستطيع القديسون فى الروح أن يروه بأعين الإيمان.. بأعين القلب النقى.. بشركة الروح كما سبق فوعد قائلاً: “الذى عنده وصاياى ويحفظها.. أنا أحبه وأظهر له ذاتى” (يو14: 21).

كما طوّب السيد المسيح القديسين وقال: “طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله” (مت5: 8).

لم تعد رؤية السيد المسيح منظراً عادياً ينشغل به البشر.. ولكنها صارت حياة تتدفق فى قلوب الذين باعوا العالم، وأحبوا البر الذى فى السيد المسيح، وحملوا الصليب من خلف فاديهم( )، مرددين قول معلمنا بولس الرسول: “لى الحياة هى المسيح” (فى1: 21).

وتحقق فيهم قول المرنم عن الكنيسة وأعضائها “كل مجد ابنة الملك من داخل” (مز44: 13).

“وأخذته سحابه عن أعينهم” (أع1: 9)

عند صعود السيد المسيح إلى السماء بعدما أوصى تلاميذه “ارتفع وهم ينظرون، وأخذته سحابة عن أعينهم” (أع1: 9).

كان السيد المسيح فى قمة مجده بين تلاميذه بعد القيامة.. وحينما كان يظهر لهم كانوا يفرحون بصورة غير عادية، إلى جوار الرهبة العميقة التى كانوا يشعرون بها فى حضرته الإلهية.

حينما ظهر للتلاميذ فى الأحد التالى لأحد القيامة، قال لتوما: “هات إصبعك إلى هنا وأبصر يدىَّ، وهات يدك وضعها فى جنبى، ولا تكن غير مؤمنٍ بل مؤمناً، أجاب توما وقال له: ربى وإلهى” (يو20: 27، 28)

أى أن جميع التلاميذ قد اعترفوا بألوهيته، وأيقنوا ذلك.. وكانت القيامة هى الإعلان الدافع إلى ذلك، كقول معلمنا بولس الرسول: “وتعيّن ابن الله بقوة، من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات” (رو1: 4).

فى قمة هذا المجد الذى قال عنه السيد المسيح: “أما كان ينبغى أن المسيح يتألم بهذا، ويدخل إلى مجده” (لو24: 26)، اختار السيد المسيح أن يترك العالم، ويمضى إلى الآب حيث المجد السماوى.

ترك السيد المسيح تلاميذه بحسب الجسد حينما “انفرد عنهم وأُصعد إلى السماء” (لو24: 51)، ولكنه لم يتركهم بحسب لاهوته بحسب وعده “ها أنا معكم كل الأيام إلى إنقضاء الدهر” (مت28: 20).

هكذا اتضع السيد المسيح فى خدمته.. لأنه ترك العالم.. ولم يعد تلاميذه ينظرونه حسب الجسد.. وقد فعل ذلك وهو فى قمة مجده على الأرض بعد القيامة.. لأنه لم ينظر إلى المجد الأرضى.. بل كان المجد الحقيقى فى نظره، هو أن يصنع مشيئة الآب الذى أرسله.. وأن يمضى إلى الآب ليدخل إلى الأقداس السماوية، باعتباره رئيس الكهنة الأعظم “خادماً للأقداس والمسكن الحقيقى الذى نصبه الرب لا إنسان” (عب8: 2).

المجد الأرضى الذى ناله السيد المسيح بعد القيامة، لم يجتذبه عن رسالته السمائية.. فغادر الأرض.. واختفى عن أعين تلاميذه. وأخذته سحابة عن أعينهم.

صعود إيليا

“ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون. وأخذته سحابة عن أعينهم” (أع1: 9).

كان ينبغى أن يصعد السيد المسيح أمام أعين تلاميذه، ليجتذب أنظارهم نحو السماء حيث جلس هو عن يمين العظمة.

صعود السيد المسيح يذكرنا بصعود إيليا النبى على مرأى من تلميذه أليشع. فقد حدث “عند إصعاد الرب إيليا فى العاصفة إلى السماء، أن إيليا وأليشع ذهبا من الجلجال.. إلى بيت إيل.. إلى أريحا.. إلى الأردن.. وأخذ إيليا رداءه ولفه وضرب الماء فانفلق إلى هنا وهناك، فعبرا كلاهما فى اليبس. ولما عبرا قال إيليا لأليشع: اطلب ماذا أفعل لك قبل أن أُوخذ منك. فقال أليشع ليكن نصيب اثنين من روحك علىّ. فقال صعّبت السؤال. فإن رأيتنى أُوخذ منك يكون لك كذلك وإلاّ فلا يكون” (2مل2: 1-10).

لقد طلب أليشع أن يكون له نصيب البكر فى البركة التى ينالها من قبل الرب بواسطة سيده ومعلمه إيليا وكان نصيب البكر هو نصيب اثنين من الأبناء فى توزيع الميراث.

وعبارة “نصيب اثنين من روحك علىّ” تعنى روح النبوة، أى مواهب الروح القدس التى نالها إيليا النبى، مثلما قيل عن يوحنا المعمدان -أعظم مواليد النساء من الأنبياء- أنه يتقدم أمام السيد المسيح “بروح إيليا وقوته” (لو1: 17).

لقد طلب أليشع مواهب الروح القدس، لأنه لا يستطيع أن يمارس رسالته كنبى بدون قوة الروح القدس. وإرشاده وفعله.

كان أليشع فى ذلك رمزاً إلى الكنيسة التى كانت تنتظر موعد الآب، الذى أشار إليه السيد المسيح فى حديثه مع تلاميذه، كما هو مدون فى سفر الأعمال “وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم، بل ينتظروا موعد الآب الذى سمعتموه منى. لأن يوحنا عمد بالماء وأما أنتم فستتعمدون بالروح القدس ليس بعد هذه الأيام بكثير” (أع1: 4، 5).

رداء إيليا

“وفيما هما يسيران ويتكلمان إذا مركبة من نار وخيل من نار ففصلت بينهما، فصعد إيليا فى العاصفة إلى السماء. وكان أليشع يرى وهو يصرخ يا أبى يا أبى مركبة إسرائيل وفرسانها. ولم يره بعد. فأمسك ثيابه ومزقها قطعتين. ورفع رداء إيليا الذى سقط عنه، ورجع ووقف على شاطئ الأردن. فأخذ رداء إيليا الذى سقط عنه وضرب الماء، وقال: أين هو الرب إله إيليا، ثم ضرب الماء أيضاً، فانفلق إلى هنا وهناك فعبر أليشع. ولما رآه بنو الأنبياء الذين فى أريحا قبالته، قالوا قد استقرت روح إيليا على أليشع” (2مل2: 11-15).

إن رداء إيليا الذى حمله أليشع، بعد إصعاد إيليا إلى السماء، وشق به مياه الأردن، يرمز إلى بر المسيح الذى يلبسه المعمد المؤمن بالمسيح فى المعمودية. كقول معلمنا بولس الرسول: “لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح” (غل3: 27).

والعجيب أن لهذا الرداء قصة: إذ أن إيليا النبى كان قد طرح على أليشع هذا الرداء فى أول لقاء بينهما، حينما أمره الرب أن يمسح أليشع نبياً “امسح أليشع بن شافاط من آبل محولة نبياً عوضاً عنك.. فذهب من هناك ووجد أليشع بن شافاط يحرث واثنا عشر فدان بقر قدامه، وهو مع الثانى عشر، فمر إيليا وطرح رداءه عليه” (1مل19: 16-19).

كان طرح الرداء على أليشع هو علامة دعوة الرب له عن يد إيليا النبى، ليدخل فى نصيب الرب وليتشح برداء النبوة.

نرى فى هذه القصة أن أليشع كان “مع الثانى عشر” ولا يخفى ما فى ذلك الرقم من إشارة إلى تلاميذ السيد المسيح الاثنى عشر الذين دعاهم ليكونوا معه وأرسلهم لبشارة الملكوت.

إن قصة إصعاد إيليا إلى السماء ومقدماتها وملابساتها وما نتج عنها، تمتلىء بالرموز الخاصة بالسيد المسيح وكنيسته المجيدة وإرسال الروح القدس إلى الكنيسة فى يوم الخمسين بألسنة موزعة كأنها من نار. الأمور التى لا يتسع المجال أن نتكلم عنها بالتفصيل ولكنها جميعها تبرز روعة الإعلان الإلهى فى الكتاب المقدس بعهديه.

بين الصعود وحلول الروح القدس

قال السيد المسيح لتلاميذه: “خير لكم أن أنطلق. لأنه إن لم أنطلق، لا يأتيكم المعزى” (يو16: 7).

فكان انطلاق السيد المسيح إلى السماء هو العلامة التى انتظرت على أساسها الكنيسة حلول الروح القدس فى يوم الخمسين.

لذلك قال إيليا لأليشع “صعبت السؤال. فإن رأيتنى أوخذ منك يكون لك كذلك، وإلا فلا يكون”. أى أن شرط أن يستقر روح النبوة الذى لإيليا على أليشع، أن يراه وهو صاعد إلى السماء.

بمعنى أن التلامس مع حقيقة الصعود هو الذى يؤهل لنيل قوة ومواهب الروح القدس.

قال السيد المسيح لتلاميذه قبيل صعوده: “أقيموا فى مدينة أورشليم إلى أن تُلبسوا قوة من الأعالى” (لو24: 49).

صعد السيد المسيح “بعد ما أوصى بالروح القدس الرسل الذين اختارهم” (أع1: 2) الذين أراهم أيضاً نفسه ببراهين كثيرة بعد قيامته من الأموات.

ارتفع بصورة منظورة، جسدياً، أمام أعين تلاميذه.. تماماً مثلما ارتفع فى أعينهم ببذله نفسه عنهم على الصليب، وظهوره لهم بعد القيامة ليمسح أحزانهم، وعودته إلى الآب تاركاً الأرض بعدما رفض المُلك الأرضى عليها.

كان السيد المسيح جديراً أن يصير هو ملك ملوك الأرض، بعد انتصاره على الموت الذى لم ينتصر عليه أى إنسان مهما كانت عظمته.

ولكن السيد المسيح غادر الأرض وهو فى قمة انتصاره ومجده.. فيا لروعة التخلّى عن كل أمجاد العالم.! أليس هو الذى سبق فقال: “مملكتى ليست من هذا العالم” (يو18: 36). وأيضاً سبق فقال لتلاميذه: “خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم، وأيضاً أترك العالم وأذهب إلى الآب” (يو16: 28).

حقاً ارتفع السيد المسيح أمام أعينهم، كما ارتفع فى أعينهم وهو يغادر الأرض فى بساطة شديدة دون أن يطلب مجداً من الناس.. لأن المجد الحقيقى كان فى وجوده مع الآب الذى أرسله.

لقد اجتذب السيد المسيح مشاعر تلاميذه نحو السماء.. وصارت نبضات قلوبهم تعزف أجمل الألحان مع أناشيد السمائيين كما يقول المزمور “صعد الله بتهليل. والرب بصوت البوق. رتلوا لإلهنا رتلوا. رتلوا لمليكنا رتلوا. لأن الرب هو ملك الأرض كلها. رتلوا بفهم. فإن الرب ملك على جميع الأمم. الله جلس على كرسيه المقدس” (مز46: 5-8) وبهذا ملك الرب..

ملك السيد المسيح على قلوب محبيه، واجتذب مشاعرهم نحو كرسيه الذى فى السماوات. وهذا ما أوجزه القديس مرقس فى إنجيله بقوله: “ثم إن الرب بعدما كلَّمهم ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله” (مر16: 19).

لهذا قال معلمنا بولس الرسول: “إن كنتم قد قمتم مع المسيح، فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله..” (كو3: 1).

وقال أيضاً: “فإن سيرتنا نحن هى فى السماوات التى منها أيضاً ننتظر مخلصاً هو الرب يسوع المسيح. الذى سيغيِّر شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده” (فى3: 20، 21).

متى صعد السيد المسيح؟

يقول البعض إن السيد المسيح قد صعد بعد قيامته مباشرةً، أى بعد لقائه فى البستان مع مريم المجدلية، وأنه عاد إلى الأرض ليظهر لتلاميذه بعد ذلك. وأنه استمر طوال الأربعين يوماً التالية للقيامة يتردد بين السماء والأرض، إلى أن صعد بصفة نهائية فى اليوم الأربعين بعد قيامته، أى فى خميس الصعود.

وهذا القول يتعارض مع تعليم الكتاب المقدس ومع تقليد الكنيسة. لأن الكنيسة تحتفل بعيد الصعود باعتبار أن السيد المسيح قد دخل فيه إلى الموضع الذى لم يدخل إليه ذو طبيعة بشرية من قبل.

وقد ورد فى قسمة قداس سبت البصخة المقدسة عن السيد المسيح [الذى صعد إلى السماوات وصار فوق السماوات. ودخل داخل الحجاب موضع قدس الأقداس الموضع الذى لا يدخل إليه ذو طبيعة بشرية، وصار سابقاً لنا، صائراً رئيس كهنة إلى الأبد على رتبة ملكى صادق] (انظر عب6: 20).

وفى مزمور قداس عيد الصعود؛ تُقال العبارات الهامة التالية: “ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم وارتفعى أيتها الأبواب الدهرية، فيدخل ملك المجد. من هو هذا ملك المجد؟ الرب العزيز القدير، الرب القوى فى الحروب. ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم وارتفعى أيتها الأبواب الدهرية، فيدخل ملك المجد. من هو هذا ملك المجد؟ رب القوات هذا هو ملك المجد” (مز23: 7-10).

وهذا معناه أن الأبواب الدهرية لم تُفتح إلا عند دخول السيد المسيح إلى الأقداس السماوية ليظهر أمام الآب لأجلنا باعتبار أنه هو الشفيع الذى به ننال المغفرة من قِبل الآب كقول معلمنا يوحنا الرسول: “إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار، وهو كفارة لخطايانا” (1يو2: 1، 2). وكذلك قول معلمنا بولس الرسول: “لأن المسيح لم يدخل إلى أقداس مصنوعة بيد أشباه الحقيقية، بل إلى السماء عينها ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا” (عب9: 24).

وما معنى احتفالنا بعيد الصعود المجيد بعد أربعين يوماً من عيد القيامة إن كان السيد المسيح قد صعد مرارًا وتكرارًا طوال الأربعين يوماً ؟!!..

دخول السيد المسيح إلى المقدس السماوى

كان رئيس الكهنة فى العهد القديم يدخل إلى قدس الأقداس فى الهيكل مرة واحدة فى السنة فى يوم الكفارة العظيم ليكفر عن خطايا نفسه وعن خطايا الشعب بواسطة دم الذبائح الحيوانية المناسبة.

وكان الهيكل مقسماً إلى قسمين: القسم الأول هو القدس حيث مائدة خبز الوجوه ومذبح البخور والمنارة ذات السبعة سرج. والقسم الثانى هو قدس الأقداس حيث كَروبا المجد وكرسى الرحمة أى تابوت العهد. ويفصل بين القسم الأول والقسم الثانى الحجاب.

وقد شرح معلمنا بولس الرسول فى رسالته إلى العبرانيين كيف كان الهيكل الأرضى رمزاً للهيكل السماوى، وكيف دخل السيد المسيح إلى الأقداس، ومعنى دخوله هذا، وقارن بين كهنوت العهد القديم الهارونى، وكهنوت العهد الجديد على طقس ملكى صادق باعتبار أن السيد المسيح هو الكاهن إلى الأبد على رتبة ملكى صادق حسب الإعلان الإلهى فى الكتب المقدسة.

قال عن خدمة السيد المسيح السمائية: “وأما رأس الكلام فهو أن لنا رئيس كهنة مثل هذا قد جلس فى يمين عرش العظمة فى السماوات، خادماً للأقداس والمسكن الحقيقى الذى نصبه الرب لا إنسان” (عب8: 1، 2).

وقال عن تقسيم الهيكل ونظام الخدمة فيه فى العهد القديم: “ثم العهد الأول كان له أيضاً فرائض خدمة والقدس العالمى. لأنه نصب المسكن الأول الذى يقال له القدس الذى كان فيه المنارة والمائدة وخبز التقدمة. ووراء الحجاب الثانى المسكن الذى يقال له قدس الأقداس، فيه مبخرة من ذهب وتابوت العهد مغشى من كل جهة بالذهب الذى فيه قسط من ذهب فيه المن وعصا هرون التى أفرخت ولوحا العهد. وفوقه كروبا المجد مظللين الغطاء.. ثم إذ صارت هذه مهيأة هكذا يدخل الكهنة إلى المسكن الأول كل حين صانعين الخدمة. وأما إلى الثانى فرئيس الكهنة فقط مرة فى السنة ليس بلا دم يقدّمه عن نفسه وعن جهالات الشعب” (عب9: 1-7).

ونلاحظ هنا أن المسكن الثانى هو الملقب بقدس الأقداس وهو الذى يدخله رئيس الكهنة مرة واحدة فى السنة. وقد شرح القديس بولس الرسول المقارنة بين ما يفعله رئيس الكهنة فى العهد القديم وما فعله السيد المسيح عند إتمام الفداء.

دخل مرةً واحدة إلى الأقداس

قال بولس الرسول عن دخول السيد المسيح إلى السماويات: “وأما المسيح وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة فبالمسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيد، أى الذى ليس من هذه الخليقة. وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءً أبدياً” (عب9: 11، 12). ويتضح هنا أن السيد المسيح فى دخوله إلى السماء قد دخل إلى قدس الأقداس ليس مرة واحدة فى السنة، ولكنه دخل مرة واحدة إلى الأبد، ولم يتكرر كما يدّعى أصحاب الرأى الذى نوهنا عنه سابقاً. وفى ضوء هذا النص الصريح لا يبقى مكان للجدل حول هذا الموضوع لأنه لا حاجة إلى تكرار الذبيحة كل عام.

كما أنه لم يدخل بدم ذبائح أخرى بل دخل بدم نفسه أى بالذبيحة الحقيقية المقبولة عند الآب السماوى.

وقال عن عدم تكرار الذبيحة الخلاصية: “لا ليقدم نفسه مرارًا كثيرة كما يدخل رئيس الكهنة إلى الأقداس كل سنة بدم آخر. فإذ ذاك كان يجب أن يتألم مرارًا كثيرة منذ تأسيس العالم، ولكنه الآن قد أظهر مرة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه” (عب9: 25، 26).

وقال عن الحجاب: “فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع طريقاً كرّسه لنا حديثاً حياً بالحجاب أى جسده. وكاهن عظيم على بيت الله” (عب10: 19-21).

عندما صُلب السيد المسيح وذُبح جسده بالصليب، انشق حجاب الهيكل إلى اثنين من فوق إلى أسفل (انظر مت 27: 51)، وحجاب الهيكل هو الفاصل بين القدس وقدس الأقداس. ومعنى ذلك أن السيد المسيح قد فتح الطريق إلى أحضان الآب السماوى بذبيحته الخلاصية على الصليب. وهذا ما قاله معلمنا بولس الرسول عن دخول المؤمنين إلى الأقداس بدم يسوع “طريقاً كرسه لنا حديثاً حياً بالحجاب أى جسده” (عب10: 20) فالسيد المسيح هو الطريق المؤدى إلى الحياة الأبدية.

كان صعود السيد المسيح إلى السماء هو تأكيد منظور لقبول ذبيحته الكفارية عند الآب السماوى. لذلك ربط القديس بولس الرسول بين ذبيحة الصليب وبين دخول السيد المسيح إلى الأقداس السماوية؛ فقال عنه: “بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءً أبدياً”.

وقد أكد هذه المعانى فى النصوص التالية عن السيد المسيح:

“وأما هذا فمن أجل أنه يبقى إلى الأبد له كهنوت لا يزول. فمن ثم يقدر أن يُخلّص أيضاً إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله إذ هو حى فى كل حين ليشفع فيهم. لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السماوات” (عب 7: 24-26).

“أما رأس الكلام فهو أن لنا رئيس كهنة مثل هذا قد جلس فى يمين عرش العظمة فى السماوات. خادماً للأقداس والمسكن الحقيقى الذى نصبه الرب لا إنسان” (عب 8: 1، 2).

“وأما هذا فبعد ما قدّم عن الخطايا ذبيحة واحدة جلس إلى الأبد عن يمين الله” (عب 10: 12).

إلى المسكن الثانى وليس الأول

بهذا كله يتضح بجلاء أن السيد المسيح بعدما أكمل خدمته الخلاصية على الأرض قد صعد إلى السماوات ودخل إلى قدس الأقداس فى السماء وليس إلى القدس، لأنه يقول: “دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءً أبدياً” (عب9: 12). ولا مجال إطلاقاً للقول بأنه دخل إلى القدس فى السماء أولاً ثم انتقل بعد ذلك إلى قدس الأقداس فى موعد لاحق بعد مئات السنين ليطهّر الأقداس السماوية. وكيف يُقال ذلك بينما قال معلمنا بولس الرسول: “لأن المسيح لم يدخل إلى أقداس مصنوعة بيد أشباه الحقيقية، بل إلى السماء عينها ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا، ولا ليقدم نفسه مرارًا كثيرة كما يدخل رئيس الكهنة إلى الأقداس كل سنة” (عب9: 24، 25).

علاقة الكنيسة بالمقدس السماوى

إن الكنيسة على الأرض لا يمكنها أن تحيا بدون حضور المسيح بذبيحته الخلاصية فى سر الإفخارستيا.

وليست الإفخارستيا تكرارًا لذبيحة الصليب التى قدمت مرة واحدة، ولكنها امتدادًا لها على طقس ملكى صادق الذى قدّم قربانه من الخبز والخمر.

وبالإفخارستيا ترتبط الكنيسة برأسها ورئيس كهنتها الأعظم الرب يسوع الجالس عن يمين عرش الآب فى السماء، خادماً للأقداس السمائية (انظر عب 8: 1، 2). وتلقب الكنيسة الإفخارستيا بأنها الذبيحة الناطقة السمائية.

فالكنيسة والحال هكذا هى سلم يعقوب المنصوب على الأرض ورأسه فى السماء والملائكة صاعدة ونازلة عليه والرب واقف على قمته بمجد عظيم.

أى أن الكنيسة تحيا فى غربة على الأرض ورأسها فى السماء. وفى مسيرتها على الأرض تسير متطلعة دائماً نحو السماء حيث المسيح جالس عن يمين العظمة.

وقد أقام الرب فى الكنيسة وكلاء أسرار الله للاحتفال بالأسرار المقدسة على الأرض. فالأسقف كوكيل الله (انظر تى1: 7) يحتفل بسر الإفخارستيا بكهنوت على طقس ملكى صادق يخدم به الأسرار المقدسة. ويقدّم مفاعيل الخلاص لشعب المسيح بسلطان الروح القدس، الذى به منح السيد المسيح الكهنوت لرسله القديسين بعد قيامته من الأموات، وذلك ليغفروا الخطايا على الأرض.

ما أجمل هذا الارتباط بين السيد المسيح الرأس وبين الكنيسة التى هى جسده (هى جسده ليس بالمعنى الحرفى ولكن بالمعنى الاعتبارى).. هى العروس، والمسيح الإله الكلمة المتجسد هو عريسها.

لماذا صعد السيد المسيح؟

قد يتساءل البعض، لماذا صعد السيد المسيح إلى السماء بعد أربعين يوماً من قيامته من الأموات؟ ولماذا لم يبقَ فى وسط تلاميذه على الأرض يشجعهم ويقويهم ويرشدهم ويقودهم إلى حين نهاية العالم؟

ونود أن نلخص بعض الأسباب كما يلى:

أولاً: لأن السيد المسيح قد جاء من السماء، كان ينبغى أن يصعد إلى السماء.

بمعنى أن الصعود هو إثبات على ألوهية السيد المسيح وولادته من الآب قبل كل الدهور بحسب ألوهيته، وأنه هو نفسه الله الكلمة الذى صار جسداً فى ملء الزمان من أجل خلاصنا. وهو نفسه قد قال: “خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم وأيضاً أترك العالم وأذهب إلى الآب” (يو16: 28).

لهذا قال المزمور “صعد الله بتهليل، والرب بصوت البوق” (مز46: 5). أى أن الله الكلمة هو الذى صعد إلى أعلى السماوات جسدياً.

وقال عنه يوحنا المعمدان: “الذى يأتى من السماء هو فوق الجميع” (يو3: 31). وقال السيد المسيح عن نفسه لليهود: “أنتم من أسفل أما أنا فمن فوق. أنتم من هذا العالم أما أنا فلست من هذا العالم” (يو8: 23).

ثانياً: أراد السيد المسيح أن يرُدْ إلى الإنسان كرامته بعد طرده من الفردوس حينما أخطأ الإنسان الأول.

لقد طُرِد الإنسان الأول من الفردوس حينما خالف الوصية الإلهية، وجاء السيد المسيح -باعتباره آدم الثانى أو آدم الجديد- وقدّم طاعة كاملة لله الآب. وبهذا استحقت البشرية أن تسترد كرامتها المفقودة فى شخص الرب المتجسد يسوع المسيح باعتباره رأس الكنيسة. لهذا قال معلمنا بولس الرسول عن الرب “أقامنا معه وأجلسنا معه فى السماويات فى المسيح” (أف2: 6).

لقد رفع الله الآب رأسنا حينما استقبل رئيس خلاصنا بكل الفرح فى الأمجاد السمائية.

ثالثاً: صار السيد المسيح باكورة الداخلين إلى الأمجاد السمائية، كما كان باكورة للراقدين بقيامته المجيدة من الأموات.

لقد صار السيد المسيح بجسده الخاص باكورة ومتقدماً فى كل شئ بالنسبة للكنيسة التى هى جسده الاعتبارى.

صار سابقاً لنا فى قيامته التى لا يقوى عليها الموت وعربوناً للحياة الأبدية التالية.

ولهذا صار أيضاً سابقاً لنا فى صعوده إلى أعلى السماوات وفى دخوله إلى الأقداس التى نصبها الرب لا إنسان “دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوَجَد فداءً أبدياً” (عب9: 12).

لهذا قال لتلاميذه: “أنا أمضى لأعد لكم مكاناً وإن مضيت وأعددت لكم مكاناً آتى أيضاً وآخذكم إلىّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً” (يو14: 2، 3).

رابعاً: أراد السيد المسيح أن يؤكد فكرة الملكوت السمائى.

أى أن الحياة الأبدية بعد القيامة هى فى السماء وليست على الأرض. ولكى نُدرك أن “ليس لنا هنا مدينة باقية، لكننا نطلب العتيدة” (عب13: 14).

أراد أن يجعلنا نشتاق إلى السماء.. إلى حياة الوجود مع الآب السماوى وأن نشعر بغربتنا هنا على الأرض، متذكرين قوله المبارك: “حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضاً” (مت 6: 21).

إن محبتنا للمسيح واشتياقنا إليه تجتذبنا باستمرار نحوه حيثما هو موجود. لهذا قال معلمنا بولس الرسول: “إن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله ” (كو3: 1).

خامساً: كان فى صعود السيد المسيح إلى السماء جسدياً إثبات أن التقدمة التى قدّمها على الصليب نيابة عن البشرية قد قُبلت أمام الآب السماوى.

أى أن الصعيدة التى قُدمت على الصليب كان ينبغى أن تصعد إلى الآب، ليكون ذلك علامة منظورة على قبول الآب وسروره بها.

ما أمجد هذا اللقاء بين الابن الوحيد الغالب المنتصر فى جسم بشريته والآب السماوى الذى أعلن مرارًا وتكرارًا سروره. بل هو موضوع سروره من قبل إنشاء العالم وإلى دهر الدهور بلا أى انقطاع.

سادساً: أراد السيد المسيح أن يوجّه تلاميذه إلى أحضان الآب السماوى. أى إلى إيجاد علاقة حب ودالة وصلاة بينهم وبين الآب.

كانت كل طلبات التلاميذ منحصرة فى السيد المسيح أثناء وجوده وسطهم. وأراد بصعوده إلى السماء أن يجعلهم يطلبون من الآب مباشرة باسم المسيح.

لهذا قال لهم: “إلى الآن لم تطلبوا شيئاً باسمى؛ اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملاً” (يو16: 24). “فى ذلك اليوم تطلبون باسمى ولست أقول لكم إنى أنا أسأل الآب من أجلكم لأن الآب نفسه يحبكم لأنكم قد أحببتمونى، وآمنتم أنى من عند الله خرجت” (يو16: 26، 27).

كان السيد المسيح يريد أن يربط التلاميذ بعلاقة حب مع أبيه السمائى. لهذا قال للآب “أنا مجدتُك على الأرض.. أنا أظهرتُ اسمك للناس.. وعرفتُهم اسمك وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذى أحببتنى به وأكون أنا فيهم” (يو17: 4، 6، 26).

سابعاً: أراد السيد المسيح أن يربط تلاميذه بعلاقة وثيقة مع الروح القدس ليتذوّقوا محبته ومواهبه وينقادوا به “لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله” (رو8: 14).

أعطاهم السيد المسيح وعداً بأن يرسل لهم الروح القدس الذى هو روح الحق الذى من عند الآب ينبثق. وقال لهم: “أنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد” (يو14: 16).

وحدثهم حديثاً طويلاً عن الروح القدس وقال: إنه “يعلمكم كل شئ ويذكركم بكل ما قلته لكم.. ويخبركم بأمور آتية” (انظر يو14: 26، يو16: 13). وقال: “ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم” (أع 1: 8).

وقال لهم: “متى جاء المعزى.. روح الحق.. فهو يشهد لى وتشهدون أنتم أيضاً لأنكم معى من الابتداء” (يو15: 26، 27).

ووعدهم بأن ينطق الروح القدس على أفواههم: “لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم” (مت10: 20)، “أعطيكم فماً وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها” (لو21: 15).

بل قال السيد المسيح لهم: “خير لكم أن أنطلق (أى أصعد) لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى” (يو16: 7).

كان من الضرورى أن يصعد السيد المسيح ويمارس خدمته الشفاعية الكفارية كرئيس كهنة فى المقادس السمائية لكى يشفع كل حين فينا أمام الآب ولكى يرسل الآب موعد روحه القدوس الذى يعمل فى الكنيسة بالأسرار الإلهية لننال الخلاص والمغفرة.

“أنا أمضى لأعد لكم مكاناً” (يو14: 2)

بعد أن أعطى السيد المسيح جسده ودمه الأقدسين للتلاميذ فى العشاء الربانى، بدأ يكلمهم عن انطلاقه إلى

الآب وعن إرسال الروح القدس.

كل تلك الأحاديث كانت فى ليلة آلامه وصلبه، ليفهم التلاميذ طبيعة إرساليته من الآب، وعلاقة ذلك بالروح القدس فى الكنيسة. فقال لهم: “وأما الآن فأنا ماضٍ إلى الذى أرسلنى” (يو16: 5). وقال أيضاً: “لو كنتم تحبوننى لكنتم تفرحون لأنى قلت أمضى إلى الآب” (يو14: 28).

وقال: “أنا أمضى لأعد لكم مكاناً” (يو14: 2). وأيضاً قال “خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم، وأيضاً أترك العالم وأذهب إلى الآب” (يو16: 28).

وحينما حزن التلاميذ بسبب انطلاق السيد المسيح من هذا العالم، ابتدأ يعلن لهم: “أقول لكم الحق إنه خير لكم أن أنطلق. لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى” (يو16: 7).

إن إرسالية الابن الوحيد وظهوره فى الجسد، ليست عزلاً للكنيسة عن الآب السماوى، بل مصالحة لها معه.

وانطلاق السيد المسيح إلى الآب يؤكد هذه الحقيقة، كما أن إرسال الروح القدس “روح الحق الذى من عند الآب ينبثق” (يو15: 26)، هو تأكيد لنفس هذه الحقيقة الخالدة.

فالخلاص بصفة عامة هو عمل الثالوث القدوس، وليس عمل الابن فقط..

الابن هو الذى قدَّم نفسه على الصليب فداءً عن العالم.

والآب هو الذى “بذل ابنه الوحيد الجنس، لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة” (يو3: 16).

والروح القدس هو الذى يلدنا فى المعمودية، التى فيها نُدفَنْ مع المسيح ونقوم معه، وننال الطبيعة الجديدة، والتبنى ومغفرة الخطايا الجِدية والفعلية.. وهو العامل فى جميع الأسرار، وهو الذى يقود الكنيسة ويمنحها قوة الكرازة والشهادة للمسيح.. أى أن الروح القدس هو الذى يوصّل إلينا كل استحقاقات الفداء الذى صنعه السيد المسيح لأجلنا.

الآب هو الذى أرسل الابن فادياً ومخلصاً. ولهذا يقول الكتاب: “ولكن الكل من الله الذى صالحنا لنفسه بيسوع المسيح.. أى إن الله كان فى المسيح مصالحاً العالم لنفسه” (2كو5: 18، 19).

وهو أيضاً الذى أرسل الروح القدس ليوصل إلينا كل بركات الفداء ونعمة العهد الجديد.

كل عمل قام به الابن، لم يكن بمعزل عن الآب السماوى. ولهذا قال السيد المسيح لتلاميذه: “الكلام الذى أكلمكم به لست أتكلم به من نفسى، لكن الآب الحال فىّ هو يعمل الأعمال. صدقونى أنى فى الآب والآب فىّ. وإلا فصدقونى لسبب الأعمال نفسها” (يو14: 10، 11).

فى اتضاع عجيب قال السيد المسيح لتلاميذه: “خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى” (يو16: 7).

الأقانيم الثلاث يعملون معاً.. ولهذا فالروح القدس هو الذى سيوصل إلينا بركات الفداء الذى صنعه الابن على الصليب.

الآب والروح القدس أَرسلا الابن “والآن السيد الرب أرسلنى وروحُهُ” (إش48: 16).

والآب والابن أرسلا الروح القدس. “وأما المعزى الروح القدس الذى سيرسله الآب باسمى، فهو يعلمكم كل شئ ويذكركم بكل ما قلته لكم” (يو14: 26). “ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذى من عند الآب ينبثق” (يو15: 26).

وبالرغم من أن السيد المسيح قد قال باتضاع :”خير لكم أن.. يأتيكم المعزى” (يو16: 7). إلا أن هذا لا يعنى إطلاقاً عدم المساواة بين الابن والروح القدس.. أو أن الروح القدس أعظم من الابن. الدليل على ذلك قول السيد المسيح عن الروح القدس: “الذى سأرسله أنا إليكم” (يو15: 26) وقوله: “إن ذهبت أرسله إليكم” (يو16: 7) وقوله عن عمل الروح القدس: “ذاك يمجدنى لأنه يأخذ مما لى ويخبركم” (يو16: 14) و”يشهد لى” (يو15: 26).

إن شهادة الثالوث هى واحدة. والحق المُعلَنْ من الثالوث، هو حق واحد. لهذا قال السيد المسيح: “متى جاء ذاك روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية. ذاك يمجدنى لأنه يأخذ مما لى ويخبركم. كل ما للآب هو لى لهذا قلت إنه يأخذ مما لى ويخبركم” (يو16: 13-15).

إن كل شهادة وكل نعمة فوقانية، هى صادرة من الآب، وهى باستحقاقات الابن، وهى تُمنح بالروح القدس. هى نعمة ثالوثية واحدة يتمايز فيها دور كل أقنوم. ولكن فى مجملها هى عطية الثالوث القدوس الآب والابن والروح القدس.

لهذا يقول معلمنا يعقوب الرسول: “كل عطية صالحة، وكل موهبة تامة هى من فوق نازلة من عند أبى الأنوار الذى ليس عنده تغيير ولا ظل دوران. شاء فولدنا بكلمة الحق لكى نكون باكورة من خلائقه” (يع1: 17، 18).

كان السيد المسيح فى إرساليته على الأرض يعمل دائماً لإتمام مقاصد الآب السماوى، التى بعينها هى مقاصد الثالوث القدوس أى الأقانيم الإلهية معاً.

لهذا قال للآب فى صلاته قبل الصليب: “أنا مجدتك على الأرض، العمل الذى أعطيتنى لأعمل قد أكملته” (يو17: 4).

ولهذا أيضاً قال لتلاميذه: “خير لكم أن أنطلق. لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى ولكن إن ذهبت أرسله إليكم” (يو16: 7).

“وأما أنتم فتعرفونه” (يو14: 17)

“روح الحق الذى لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه. وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم” (يو14: 17).

كما قام السيد المسيح بتعريف الآب لتلاميذه، هكذا قام أيضاً بتعريفهم بالروح القدس لهذا قال لهم عنه: “وأما أنتم فتعرفونه”. وبهذا تكمل رسالته فى تعريفهم بالثالوث القدوس.. أى أن تعرف الكنيسة الآب والابن والروح القدس.

فى مناجاته للآب، قال السيد المسيح فى ليلة آلامه: “أيها الآب البار، إن العالم لم يعرفك أما أنا فعرفتك. وهؤلاء عرفوا أنك أنت أرسلتنى. وعرفتهم اسمك وسأعرفهم، ليكون فيهم الحب الذى أحببتنى به وأكون أنا فيهم” (يو17: 25، 26).

وقال لتلاميذه: “تأتى ساعة حين لا أكلمكم أيضاً بأمثال، بل أخبركم عن الآب علانية” (يو16: 25).

وعن الروح القدس قال: “متى جاء ذاك روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق.. يأخذ مما لى ويخبركم” (يو16: 13، 14).

وقال أيضاً: “وأما المعزى الروح القدس الذى سيرسله الآب باسمى، فهو يعلمكم كل شئ، ويذكركم بكل ما قلته لكم” (يو14: 26).. “ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الآب، روح الحق الذى من عند الآب ينبثق، فهو يشهد لى” (يو15: 26).

قام السيد المسيح بتعريف تلاميذه بالآب وكذلك بالروح القدس.. ووعدهم أن الروح القدس سيقوم بتعليمهم كل ما يختص بالآب والابن والروح القدس، أى أنه سيكشف لهم الأمور المختصة بالله، وسيسكب فيهم محبة الله، ليكون فيهم مثال الحب المتبادل بين الأقانيم، وأنه سوف يرشدهم إلى جميع الحق.. وأنه سيمكث معهم ويكون فيهم.. وأنه سيمكث مع المؤمنين إلى الأبد.

الأقانيم الثلاث يعملون معاً بغير انفصال. وبالرغم من تمايز دور كل أقنوم، إلا أن الأقنوم الواحد من الثالوث يعمل من أجل الأقنومين الآخرين، بصورة تشهد للحب العجيب غير الموصوف بين الأقانيم.

اختفى السيد المسيح بحسب الجسد عن أعين تلاميذه.. ولكن الروح القدس جاء ليتصور المسيح فى الذين يقبلون عمله ومحبته.

وانسحب السيد المسيح من موقف المجد بين التلاميذ.. ولكن الروح القدس جاء لكى يمجده ويشهد له “ذاك يمجدنى لأنه يأخذ مما لى ويخبركم. كل ما للآب هو لى” (يو16: 14، 15).

وهكذا تحقق فى السيد المسيح أن من يترك الكرامة تجرى خلفه وتخبر الناس عنه. فبالرغم من تركه العالم وصعوده إلى الآب، إلا أن الآب قد أرسل الروح القدس ليشهد للابن، وليمجد الابن الذى أكمل رسالته بأروع مثال. حتى فى صعوده إلى السماء كان متجلياً باتضاعه. لهذا استحق كل التكريم كما فى السماء كذلك على الأرض “لكى تجثو باسم يسوع كل ركبة، ممن فى السماء ومَنْ على الأرض ومَنْ تحت الأرض. ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب” (فى2: 10، 11).

ما أجمل أن يصعد الاتضاع.. هذا هو دستور الحياة مع الله.. فليس غريباً للاتضاع أن يصعد كما أنه ليس بغريب للكبرياء أن تهبط.. “لأن الله يقاوم المستكبرين، وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة” (1بط5: 5).

عشرة أيام

فى تلك الأيام العشر التى عاشتها الكنيسة فى انتظار موعد الروح القدس، اختبرت الكنيسة الأشواق السمائية.

كانت أفراح الصعود تعمل فى قلب الكنيسة بمنتهى القوة.. وتهزها بصورة فائقة، حتى صارت الكنيسة مهيأة تماماً لهبوب ريح الله وناره المقدسة التى ملأتها من المواهب الفائقة للطبيعة، وفجّرت فيها ينابيع الماء الحى.

لم يكن ممكناً للروح القدس أن يغمر الكنيسة بهذه الصورة إلا بعد أن تتم أيام كاملة من تطلعها نحو ينبوع الماء الحى. وكانت هذه الأيام هى بالعدد عشرة حتى كملت الأيام وتحقق الوعد. فرقم عشرة هو رقم الكمال العددى.

إن انتظار مواعيد الله يحتاج إلى صبر وإيمان ورجاء كقول الكتاب “أما الصبر فليكن له عمل تام” (يع1: 4).

إن ما يرجوه الإنسان فإنه يتوقعه بالصبر “وأما الإيمان فهو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا تُرى” (عب11: 1).

كان هناك وعد صريح من السيد المسيح، وهو هو نفسه ما أسماه موعد الآب: بحلول الروح القدس على الكنيسة.. وكما وعد الله إبراهيم بالخلاص أى الفداء، وحقق وعده، هكذا وعد السيد بإرسال الروح القدس وتحقق الوعد. وكما آمن إبراهيم بالله فحُسب له إيمانه براً. هكذا آمن أبناء إبراهيم (كنيسة المسيح)، فحُسب لهم إيمانهم براً ونالوا الوعد الذى وعدهم به الآب.

يوم الخمسين كان هو أول الأسبوع الثامن بعد القيامة (السبعة أسابيع تساوى تسعة وأربعين يوماً). وكما حدثت القيامة يوم الأحد فى أول الأسبوع الجديد أى فى اليوم الثامن من بداية أسبوع الآلام. هكذا ولدت الكنيسة فى أول الأسبوع الثامن من بعد القيامة المجيدة. فرقم ثمانية يشير دائماً إلى الحياة الجديدة فى مفهوم الكتاب المقدس. كقول الكتاب عن نوح الذى جدد الحياة على الأرض مرة أخرى “حفظ نوحاً ثامناً كارزاً للبر” (2بط2: 5). وكان فى الفلك ثمانية أنفس خلصوا بالماء من الطوفان.

ليت الرب يمنحنا أن نحيا فى جدة الحياة بقوة قيامته وبعطية روحه القدوس.

 

 

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found