الأصحاح الرابع – سفر زكريا – القمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الرابع

لدى عودة اليهود من بابل داهمتهم صعوبات هائلة نشأت من مقاومة جيرانهم لهم، وإفتقارهم للموارد المالية، وعدم قدرتهم، وقدرة قادتهم على مواجهة هذه المشاكل. فيشوع يلبس ملابس قذرة، وزربابل متردد في البناء. وبعد أن وضع حجر الأساس يبدو أن يداه إرتختا في البناء. وقام التشاؤم كجبل وهكذا اليأس أيضاً. ولكن جاء هذا الإصحاح، فبعد أن كشف سابقاً عن دور السيد المسيح الكهنوتي وعمله الخلاصي يبرز هنا دور الروح القدس في إستنارة الكنيسة وقيادتها. في الإصحاح السابق كان يشجع يهوشع الكاهن العظيم للعمل، أما هنا فيسند زربابل الحاكم للعمل، بروح الثقة في روح الله الذي يسانده وليس في ذراع بشري. هنا نرى دور الروح القدس في قيادة الكنيسة، كما رأينا دوره في سفر أعمال الرسل والذي يسمى سفر أعمال الروح القدس. فالكنيسة كهنوت (وهذا دور يشوع) وإدارة (هذا الدور يقوم به زربابل) والروح القدس دوره أن يشدد عزم الرجال مثل زربابل. وقد بدأت أعمال صغيرة في البناء. وفرح الله بها، فالله يفرح بأي عمل لحسابه حتى لو كان صغيراً، وهو يشجعه وينميه بروحه فيصير عظيماً. هنا نجد الرؤيا الخامسة.

العدد 1

آية (1): -

"1فَرَجَعَ الْمَلاَكُ الَّذِي كَلَّمَنِي وَأَيْقَظَنِي كَرَجُل أُوقِظَ مِنْ نَوْمِهِ.".

أيقظني = ربما نام النبي هرباً من الضيقات التي أتعبته وأتعبت زربابل. فكثيرون كانوا يعطلون العمل. وكثيرون كانوا يسخرون منه، إلا أننا نلاحظ أنه قام من النوم ليرى المنارة، والمنارة تمثل الكنيسة (أو شعب اليهود) وهي مملوءة بزيت أي مملوءة من الروح القدس وكونها سباعية، فهي تمثل السبع كنائس (سفر الرؤيا) أي كل كنائس العالم، وأيضاً فعمل الروح القدس فيها كامل (يعبر عنه بسبع أرواح الله في سفر الرؤيا). ونلاحظ أن النبي لم يرى المنارة والزيت (عمل الروح) إلا بعد أن استيقظ من النوم (رمزاً للقيامة). والملاك هو الذي أيقظه. ونحن لا نمتلئ بالروح إلا باختبار قوة القيامة بعد ممارسة موت الجسد عن شهوات الجسد، فثمار الروح لا تظهر إلا فيمن صلب شهواته (ورمز هذا نوم النبي) (غل22: 5 - 24). ومن يصلب نفسه يحيا (غل20: 2) أي يختبر قوة القيامة (ورمز هذا قيام النبي من النوم). وهذا نفس ما حدث مع حزقيال (1: 2، 2).

العدد 2

آية (2): -

"2 وَقَالَ لِي: «مَاذَا تَرَى؟ » فَقُلْتُ: «قَدْ نَظَرْتُ وَإِذَا بِمَنَارَةٍ كُلُّهَا ذَهَبٌ، وَكُوزُهَا عَلَى رَأْسِهَا، وَسَبْعَةُ سُرُجٍ عَلَيْهَا، وَسَبْعُ أَنَابِيبَ لِلسُّرْجِ الَّتِي عَلَى رَأْسِهَا.".

المنارة = تمثل الكنيسة المملوءة بزيت النعمة الإلهية وعمل الروح القدس وهي تضئ للجميع، وهي مختلفة عن منارة الهيكل، فهذه قد أحاطت بها زيتونتان. ذهبية = أي سماوية روحية. وهي لها سبع سرج فنورها كامل، كما شبهت معرفة الله الكاملة بسبع أعين (9: 3). إذاً المنارة هي الكنيسة جسد المسيح، الرب المخلص الذي استقر عليه الروح القدس على هيئة حمامة، وذلك لحساب الكنيسة. والروح القدس هو روح الحكمة والفهم.. (إش2: 11). والكنيسة تحمل سمات عريسها، فهي منارة نورها هو نور عريسها، الذي أرسل لها روحه القدوس ينيرها وسط العالم. أما الأنابيب السبع فهي وسائط الخلاص التي يعمل خلالها الروح القدس في الكنيسة أي الأسرار السبعة، أو أن الأنابيب السبع إشارة للكنيسة كلها وهى مملوءة بالزيت فنفهم أن عمل الروح القدس في الكنيسة هو عمل كامل. كوزها على رأسها = الكوز خزان للزيت لا ينقص منه الزيت أبداً فهو متصل بشجرتي الزيتون، الكوز يشير للمسيح رأس الكنيسة المذخر فيه جميع كنوز العلم والحكمة (كو3: 2) "ونحن مملوءون فيه" (كو2: 10). وهو يعطي كنيسته من مصادره غير المحدودة، وما يحدد عطاءه لنا هو إمكانياتنا نحن على أن نستوعب، أي محدوديتنا هي التي تحدد عطاءه لنا. والمسيح يسكب لكل منا من هذا النبع على قدر ما يحتمل الإنسان، وعلى قدر ما يطلب ويحتاج وبقدر جهاده، فنكون كالعذارى الحكيمات.

العدد 3

آية (3): -

"3 وَعِنْدَهَا زَيْتُونَتَانِ، إِحْدَاهُمَا عَنْ يَمِينِ الْكُوزِ، وَالأُخْرَى عَنْ يَسَارِهِ».".

مصدر الزيت هو الزيتونتان، وهو مصدر إلهي وليس بشري، وهذا مصدر مستمر، فالله يمد كنيسته من هذا المصدر اللانهائي والذي لا ينضب.

الأعداد 4-6

الآيات (4 - 6): -

"4فَأَجَبْتُ وَقُلْتُ لِلْمَلاَكِ الَّذِي كَلَّمَنِي قَائِلاً: «مَا هذِهِ يَا سَيِّدِي؟ » 5فَأَجَابَ الْمَلاَكُ الَّذِي كَلَّمَنِي وَقَالَ لِي: «أَمَا تَعْلَمُ مَا هذِهِ؟ » فَقُلْتُ: «لاَ يَا سَيِّدِي». 6فَأَجَابَ وَكَلَّمَنِي قَائِلاً: «هذِهِ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَى زَرُبَّابِلَ قَائِلاً: لاَ بِالْقُدْرَةِ وَلاَ بِالْقُوَّةِ، بَلْ بِرُوحِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ.".

الله يجيب الذين لهم اشتياق للمعرفة "اسألوا تعطوا" والآية (6) آية رائعة ومعزية. فروح الله القدوس هو الذي يدبر كل شئ، والأمر ليس راجعاً لقدراتنا وقوتنا وإمكانياتنا. لذلك أراه الملاك الزيت الذى يملأ المنارة فيطمئن أن الروح القدس الذى يسكن وسط شعبه هو الذى يعمل فى شعبه. هذه الآية = هل يستحيل علي الرب شئ.

العدد 7

آية (7): -

"7مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الْجَبَلُ الْعَظِيمُ؟ أَمَامَ زَرُبَّابِلَ تَصِيرُ سَهْلاً! فَيُخْرِجُ حَجَرَ الزَّاوِيَةِ بَيْنَ الْهَاتِفِينَ: كَرَامَةً، كَرَامَةً لَهُ».".

تعني أن زربابل بعمل وقوة الروح القدس سيضع حجر الزاوية ويكمل البناء وسط هتاف الشعب الذين يسبحون الله على عمله ومساندته للبناء. ولقد كانت المقاومة لزربابل كالجبل، وهكذا الصعوبات أمام التلاميذ، ولكن التلاميذ كانوا يذكرون قول المسيح "ستنالون قوة من الأعالي" متى حل الروح القدس عليهم (أع4: 1). فكانت الكرازة وسط اليهود عثرة ووسط الأمم جهالة، ولكن كل الصعوبات زالت بالروح القدس. بل هتف الناس كرامة للحجر. فعمل الروح القدس جعل كلا اليهود والأمم يقولون كرامة للمسيح، ولذلك تكررت كلمة كرامة لأنها صادرة من اليهود ومن الأمم. ولأن المسيح وحد السمائيين والأرضيين أيضاً فلذلك قد يكون تكرار الكلمة صادر من كليهما.

الأعداد 8-9

الآيات (8 - 9): -

"8 وَكَانَتْ إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قَائِلاً: 9«إِنَّ يَدَيْ زَرُبَّابِلَ قَدْ أَسَّسَتَا هذَا الْبَيْتَ، فَيَدَاهُ تُتَمِّمَانِهِ، فَتَعْلَمُ أَنَّ رَبَّ الْجُنُودِ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ».".

زربابل هنا يرمز للمسيح رئيس إيماننا ومكمله (عب2: 12). فما يبدأه المسيح، فمن المؤكد أنه سيكمله.

العدد 10

آية (10): -

"10لأَنَّهُ مَنِ ازْدَرَى بِيَوْمِ الأُمُورِ الصَّغِيرَةِ. فَتَفْرَحُ أُولئِكَ السَّبْعُ، وَيَرَوْنَ الزِّيجَ بِيَدِ زَرُبَّابِلَ. إِنَّمَا هِيَ أَعْيُنُ الرَّبِّ الْجَائِلَةُ فِي الأَرْضِ كُلِّهَا.".

يمكن إعادة صياغة الآية لتكون "تفرح أعين الرب السبع الجائلة في الأرض كلها حينما ترى الزيج في يد زربابل" أي أن الله الذي يرى كل شئ ويفحص القلوب والكلى، هو سيفرح بعملكم مهما كان صغيراً. فاليهود ازدروا بأساسات الهيكل الثاني ظانين أن الهيكل سيكون تافهاً. ولكن الله يفرح بأي عمل مهما كان صغيراً، فالله يفرح بالحب والغيرة التي في قلوبهم فيبارك هذا العمل الصغير فيصير كبيراً، لا يستطيع ن يزدري به أحد. (وكثيرين إزدروا بالإمكانيات المتوفرة وظنوها صغيرة وقليلة وأن البناء لن يقوم). فتفرح أولئك السبع = أي الله كلي المعرفة وهذه معبر عنها بأعين الرب السبع أي التي ترى كل شئ ولها كمال المعرفة حتى إلى فحص القلوب والكلى. وهي جائلة في الأرض كلها = [1] تشرف على كل الخليقة وعلى كل أعمالها. [2] وتعطي الحماية والتدبير والإرشاد والإلهام فهو ضابط الكل "وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عب1: 3). وهي تفرح بكل من يعمل عمل الرب بأمانة. وهي تفرح بزربابل لأنها ترى الزيج بيد زربابل = الزيج هو خيط في آخره قطعة رصاص ويسمى المطمار ويستخدم في البناء لضمان أن الحائط رأسي وغير مائل. وإذا كان زربابل ماسكاً الزيت، فهو إذاً يبني بيت الرب، وهذا يفرح الرب. فرحة الآب هذه ببناء بيته = فرحته برجوع الإبن الضال = "هذا هو إبنى الحبيب الذى به سررت" = فرحة الآب برجوع أولاده إلى حضنه بعمل الفداء الذى قام به إبنه وأكمله روحه القدوس فقامت الكنيسة كجسد لإبنه وعادت إلى حضن الآب.

العدد 11

آية (11): -

"11فَأَجَبْتُ وَقُلْتُ لَهُ: «مَا هَاتَانِ الزَّيْتُونَتَانِ عَنْ يَمِينِ الْمَنَارَةِ وَعَنْ يَسَارِهَا؟ ».".

الزيتونتان = هما نعمة الله (الروح القدس) والأنابيب تحمل الزيت للكنيسة.

الأعداد 12-14

الآيات (12 - 14): -

"12 وَأَجَبْتُ ثَانِيَةً وَقُلْتُ لَهُ: «مَا فَرْعَا الزَّيْتُونِ اللَّذَانِ بِجَانِبِ الأَنَابِيبِ مِنْ ذَهَبٍ، الْمُفْرِغَانِ مِنْ أَنْفُسِهِمَا الذَّهَبِيَّ؟ » 13فَأَجَابَنِي قَائِلاً: «أَمَا تَعْلَمُ مَا هَاتَانِ؟ » فَقُلْتُ: «لاَ يَا سَيِّدِي». 14فَقَالَ: «هَاتَانِ هُمَا ابْنَا الزَّيْتِ الْوَاقِفَانِ عِنْدَ سَيِّدِ الأَرْضِ كُلِّهَا».".

الأنابيب = هما زربابل (يمثل الملك والتدبير) ويشوع (يمثل الكهنوت) وكل منهما يكمل الآخر. فهما ممسوحان، الواحد لوظيفة الملك والقيادة السياسية وهو من نسل داود الملكي. والثاني لوظيفة الكهنوت. وكلاهما أي زربابل ويشوع كانا يقومان ببناء الهيكل.

وهذان الوظيفتان إتحدتا في شخص المسيح الذي ملك على قلوبنا بصليبه الذي قدم نفسه عليه ذبيحة كرئيس كهنة، وذلك ليبني الكنيسة هيكل جسده.

وبناء جسد المسيح أي الكنيسة هو عمل الثالوث القدوس. فالآب يريد الخلاص، وعن طريق عمل المسيح هذا إنسكب فينا الروح القدس (الزيت) لذلك هما رمز للمسيح والروح القدس. وقوله المفرغان من أنفسهما = بالنسبة للمسيح فهي تشير أنه أخلى ذاته آخذاً صورة عبد (في7: 2). وبالنسبة للروح القدس فهذا يشير لأن الروح القدس لا يشهد لنفسه بل للمسيح (يو 16: 13، 14). وتشير لأن القوة ليست في شخص زربابل أو يهوشع بل هي في عمل الروح القدس فيهما. والمنارة عموماً تشير للكنيسة ككل، والكنيسة تمتلئ بزيت النعمة إذا تواضعت وإنسحقت (إش15: 57). هذه تشبه "تكفيك نعمتي فإن قوتي في الضعف تُكْمَل". وكلمة الذهبي = في ترجمات أخرى "الذي ينساب منهما الزيت الذهبي. فهذا الزيت رمز للروح القدس وهو سماوي، والذهب رمز للسماويات. عموماً المسيح حل عليه الروح القدس بالجسد ليملأنا نحن. فنحن من ملئه أخذنا، والشرط أن نمتلئ هو التواضع.

الواقفان عند سيد الأرض كلها = كان المسيح لم يتجسد بعد ولا ظهر عمله الملوكي ولا عمله الكهنوتي، لكن قوله الواقفان إشارة لأنه كان مستعداً لهذا العمل أي تجسده، والروح القدس أيضا كان مستعدا أنه حين يتمم الإبن عمل الفداء، يبدأ الروح عمله في تجديد الخليقة. وقوله واقفان = تشير لان الإبن والروح القدس ينتظران بإشتياق إلى أن يأتى ملء الزمان حتى يبدءا عملهما فى تكوين الكنيسة، فهما اللذان ينفذان إرادة الآب في خلاص جنس البشر. فالآب يريد والابن والروح القدس ينفذان هذه الارادة. وهذا هو معني ظهور الثلاثة أقانيم يوم معمودية السيد المسيح. فكانت هذه المعمودية هي تأسيس لسر المعمودية الذي به يتم تجديد الخليقة.

No items found

الأصحاح الخامس - سفر زكريا - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح الثالث - سفر زكريا - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير سفر زكريا الأصحاح 4
تفاسير سفر زكريا الأصحاح 4