الفصل الرابع أعمال الكنيسة الفريدة

هذا الفصل هو جزء من كتاب: كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ3 – الكنيسة ملكوت الله على الأرض – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى.

الفصل الرابع

أعمال الكنيسة الفريدة

1 - ما هو أهم عمل فى الكنيسة؟

تقدم الكنيسة الحب كأروع عمل من أعمالها. يقول القدّيس إكليمنضس السكندرى: [أفضل شئ أن نقتنى ملكوت الله... بمجتمع المحبّة المقدسة، الكنيسة السماوية، فإن المحبة هى أمر نقى يؤهل لله، عملها الشركة ([136])].

ألقى القديس يوحنا الذهبى الفم عظتين عن أتروبيوس الذى كان الإمبراطور يثق فيه ويستشيره فى كل شئون المملكة استخدم كل وسيلة للتنكيل بالكنيسة، وعندما اكتشف الإمبراطور أنه دبّر مؤامرة لاغتياله، هرب إلى الكنيسة وتمسك بقرون المذبح طالباً تدخل رئيس الأساقفة القديس يوحنا الذهبى الفم ليشفع فيه لدى الإمبراطور.

تجمهر الكثيرون يطلبون أن يسلم القديس يوحنا الذهبى الفم أتروبيوس للسلطات كى تحكامه، فماذا كان موقف القديس؟ لقد وجه حديثه لأتروبيوس، قائلاً:

[الكنيسة التى كنت تعاملها كعدو، تفتح لك حضنها وتستقبلك، بينما المسارح التى كنت تتودد إليها، والتى بسببها كثيراً ما كنت تنازعنى، تخونك وتهلكك.

والآن فإن الملاعب التى سببت لك غنى عظيماً تستل السيف ضدك، أما الكنيسة التى كنت دائماً تغضب عليها، تسرع فى كل اتجاه لإنقاذك من داخل الشبكة.

وإننى لا أنطق بهذا لكى أقلق نفسك وأنت مطروح على الأرض، إنما أرغب فى أولئك الذين لا زالوا قائمين أن يكونوا أكثر أماناً، لا عن طريق تهييج قروح إنسان مجروح، إنما بالحرى لكى أحفظ الذين لم يجرحوا فى صحة كاملة، لا بإغراق إنسان تصدمه الأمواج، بل بتعليم أولئك الذين يبحرون فى جو هادئ حتى لا يهلكون.

وكيف يتم هذا؟ بتأملهم فى التغيير الذى يصيب الشئون البشرية. لأنه (أتروبيوس) هذا الذى وقف مرتعباً من التغيير الذى حدث له، لم يكن له خبرة قبل ذلك، ولم يفلح عن طريق ضميره كما لم يأخذ بمشورات الآخرين. وأنتم يا من تفتخرون بغناكم، أما تستفيدون بما حدث (لأتروبيوس)، إذ لا شئ أوهن من الشئون البشرية.

إننى أعجز عن أن أعبر بدقة عن مدى تفاهة الشئون البشرية (أى سرعة تغيرها).

فإن دعوناها دخاناً أو عشباً أو حلماً أو أزهاراً ربيعية، أو أى لقب آخر، فإنه هكذا هى أمور هالكة بل وأقل من العدم. بل وبالإضافة إلى كونها عدم، فإنها تتسم بعنصر خطير جداً تؤكده (وهو سرعة التغيير).

أى إنسان كان أكثر عظمة من هذا الرجل (أتروبيوس)؟

ألم يفوق العالم كله فى الغنى؟!

ألم يتسلق إلى برج الرفعة ذاته؟!

ألم يكن الكل يخافه ويرتعب منه؟!

آه، ولكنه مع ذلك ألم يصر أكثر بؤساً من السجين؟ ويُرثى له أكثر من العبد الذليل؟ وأكثر إعساراً من الفقير المتضور جوعاً؟! إذ يرى كل يوم منظر السيوف الحادة، ومنظر القاتلين والمعذبين يقودونه نحو موته.

وهو مع هذا لا يعرف إن كان قد سبق وفرح ولو مرة واحدة فى الماضى، بل ولا يشعر حتى بأشعة الشمس. إنما فى وسط النهار يكون نظره معتماً كما لو أن ظلاماً دامساً قد اكتنفه. وإننى سأحاول قدر المستطاع، رغم عجز اللغة البشرية أن أعبر عن الآلام التى يخضع لها طبيعياً إذ يتوقع الموت كل ساعة.

ولماذا أعبر عن ذلك بكلمات من عندى، إن كان هو بنفسه قد رسم لنا صورة منظورة. إذ بالأمس لما جاءوا إليه يطاردونه بالقوة، هرب ليلتجئ فى مكان مقدس. وكان وجهه لا يختلف عن هيئة إنسان ميت، وصرير اسنانه وارتجاف كل بدنه ورعدته، واضطراب صوته وتلعثم لسانه، بل وكل مظهره العام يكشف عن روح مضطربة...

بينما الكل يحتقره فى أثناء دماره، إذ بالكنيسة وحدها كأم حنون تخبئه تحت ساعتها ([137]). مهدئة غضب الملك، وهياج الشعب، وكراهيتهم التى تغلى ضده.

هذه هى زينة المذبح (أن تحب الكنيسة من يعاديها ويقاومها). نقول إنه نوع جديد من الزينة (الحلى)، عندما يُسمع للخاطئ المتهم الذى يبغضها، اللص، أن يتمسك بالمذبح.

إن الزانية أمسكت بقدمى يسوع، تلك التى وُصمت بأنجس خطية واكثرها كرهاً. ومع ذلك فإن يسوع لم ينتهر عملها، بل بالحرى أعجب منها ومدحها، لأن المرأة الشريرة لم تؤذ نقاوته بلمسها ذاك البار الذى بلا خطية.

لا تتذمر إذن أيها الإنسان. فإننا خدام للمصلوب القائل: "اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لو23: 34).

لكنك قد تقول: ألم ينزع أتروبيوس حقه فى الالتجاء هنا بواسطة قوانينه وشرائعه المختلفة؟! نعم. لكنه يتعلم بالخبرة ما قد صنعه، وسيكون هو بأفعاله أول من يكسر قوانينه (ضد الكنيسة)، ويصير مشهداً للعالم كله، وبالرغم من صمته فإنه ينطق بصوت عال محذراً الجميع، قائلاً: "لا تفعلوا ما قد فعلته أنا، حتى لا تعانوا مما أعانيه".

إنه فى نكبته يصير ملعماً، وينال المذبح مجداً عظيماً، موحياً برهبة عظيمة فى ذلك الأمر. إذ قد أمسك الأسد (أتروبيوس) أسيراً (بخضوعه للكنيسة)...

هكذا فإن هذا الإنسان يعظ دون أن ينطق بكلمة، ويتكلم بأعماله بصوت أعلى من صوت بوق...

لا يثر أحد ولا يغتظ، بل لنطلب مراحم الله أن تمهله عن الموت، وأن تنقذه من الهلاك المحدق به، حتى يتوب عن خطاياه، وأن نتحد مقتربين من الإمبراطور الرحوم، متوسلين إليه من أجل الكنيسة، من أجل المذبح، مقدماً حياة هذا الرجل كتقدمة للمائدة المقدسة ([138])].

يتحدث أوريجينوس عن الحب الذى يوّحد الأرض مع السماء، قائلاً:

[الآن، حسب كلمة الله، فإن أحد الفضائل العظيمة هى أن نحب بعضنا البعض. ولابد لنا أن نعتقد بأن القديسين الذين رحلوا، لهم تلك المحبة تجاه الذين يجاهدون فى معركة الحياة، بدرجة تفوق بكثير من هم مازالوا خاضعين للضعف البشرى، ومنشغلين بجهاد اخوتهم الأضعف منهم.

فالكلمات: "إن كان عضو واحد يتألم، فجميع الأعضاء تتألم معه. وإن كان عضو واحد يُكرم فجميع الأعضاء تفرح معه" (1كو12: 26) لا تقتصر على من يحب إخوته على الأرض. إن كانت ملائكة الله قد جاءت إلى يسوع، وصارت تخدمه (مت4: 11)، وإذا كنا نؤمن بأن خدمة الملائكة هذه لم تكن قاصرة على الفترة القصيرة التى استغرقتها رحلته الأرضية، فكم يكون عدد الملائكة، فى رأيك، الذين يخدمون يسوع، عندما شرع فى تجميع أبناء إسرائيل واحداً واحداً من الشتات، وفى خلاصهم بخوف، إذ يدعونه ([139])].

2 - ما هو موقف الكنيسة من جهة القوات السماوية؟

يصف أوريجينوس الكنيسة أنها تجمع المؤمنين، أى تجمع الشعب المسيحى، يخدمهم الرب من خلال الكهنوت ([140])، وتنضم إليهم القوات السماوية. فيقول: [تنظم القوات الملائكية إلى جماعات المؤمنين، إلى حيث تحل قوة ربنا ومخلصنا نفسه. وحيث تجتمع أرواح القديسين، الذين سبقوا فرحلوا، ومن هم مازالوا بين الأحياء. ولو أن شرح ذلك ليس بالأمر السهل ([141])].

3 - ما هو دور الكنيسة من جهة قوات الظلمة؟

تحصن الكنيسة أولادها من قوات الظلمة ومن المتاعب. فى العظة الثانية التى ألقاها القديس يوحنا الذهبى الفم بعد أن رفض أتروبيوس الالتجاء إلى الكنيسة وهرب منه، فبدأ يعلن للشعب مفهوم حب الكنيسة لأولادها. إنها ملجأ لهم تهتم بحماية الروح، وتطلب خلاص الروح أولاً، وتوضح لهم طريق الملكوت السماوى.

[عندما تريد أن تحتمى فى الكنيسة لا تطلب ملجأ فى مكان، بل فى روح المكان. لأن الكنيسة ليس حائطاً أو سقفاً بل إيمان وحياة...

لا تقل لى بأن هذا الإنسان (أتروبيوس) الذى استسلم، كان ذلك بواسطة الكنيسة. فإنه لو لم يهجرها ما كان قد استسلم. لا تقل لى بأنه هرب إلى ملجأ والملجأ تركه، فالكنيسة لم تتركه بل هو الذى تركها. إنه لم يستسلم وهو داخل الكنيسة بل وهو خارجها..

هل تريد أن تحمى نفسك؟ تمسك بالمذبح. إنه لا توجد فيه حصون، لكن فيه عناية الله الحارسة. هل كنت خاطئاً؟ الله لا يرفضك، لأنه ما جاء ليدعو أبراراً، بل خطاة إلى التوبة (مت9: 13). فالزانية قد خلصت إذ أمسكت بقدميه...

تمَسَك بالكنيسة، والكنيسة لن تلقى بك فى أيدى العدو. لكنك إن هربت منها، فليست هى السبب فى أسرك. لأنك لو كنت مع القطيع، لا يقدر الذئب أن يدخل. لكن إن خرجت خارجاً فستصير فريسة للوحوش الضارية، ولا يكون للقطيع ذنباً فى ذلك، بل جُبنك هو السبب...

لا تحدثنى عن الحصون والجيوش، لأن الحصون تشيخ بمرور الزمن، أما الكنيسة فلا تشيخ. الحصون يحطمها المتبربرون، لكن الكنيسة لا تقدر حتى الشياطين أن تتغلب عليها. وكلماتى هذه ليست على سبيل المباهاة، بل من الواقع. فكم من كثيرين هاجموا الكنيسة، فهلك الذين هاجموها، أما هى فحلقت فى السماء.

هكذا يكون حال الكنيسة عندما يهاجمونها إنها تنتصر وإذ يلقون لها الشباك تغلب، وإذ يشتمونها تزدهر أكثر. إنها تُجرح لكنها لا تخور بسبب جراحاتها، تصدمها الأمواج لكن لا تغرق، تُهاجمها العواصف لكنها لا تهلك، تصارع لكنها لا تُقهر، يحاربونها لكنها لا تنهزم. إذ هى تعانى من هذه الحرب القائمة يظهر بالأكثر سمو نصرتها ([142])].

4 - كيف يتطلع المؤمن للكنيسة كملجأ له؟

تفتح الكنيسة أبوابها كملجأ فريد لروحه إذ ما يشغلها هو أنها تضمه إلى مخلص العالم. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [لا تنعزل عن الكنيسة، لأنه لا شئ أقوى منها (كإيمان وحياة). الكنيسة هى رجاؤك، خلاصك، ملجأك. إنها أعلى من السماء وأوسع من المسكونة. إنها لن تشيخ قط، بل هى دائماً فى كامل حيويتها. لذلك يشير الكتاب عن قوتها وثباتها بدعوتها "جبلاً".

وعن نقاوتها بدعوتها "عذراء"،.

وعن عظمتها بدعوتها "ملكة"،.

وعن علاقتها بالله بدعوتها "ابنة"،.

وعن نموها بدعوتها "العاقر التى لها سبعة بنين".

وبالحقيقة إن الكنيسة لها أسماء كثيرة تعبر عن نبلها فكما أن سيدها له أسماء عدة، فيُدعى أباً، والطريق والحياة (يو14: 6)، والنور (يو1: 8 - 9؛ 18: 12)، والذراع (إش51: 9)، والشفيع (1يو2: 2)، والينبوع (1كو3: 11)، والباب، والكنز (مت6: 21؛ 8: 44)، والرب، والله، والابن، والابن الوحيد، وصورة الله (فى2: 6؛ كو1: 15)... هكذا بالنسبة للكنيسة نفسها، فهل يمكن لاسم واحد أن يكفى للتعبير عن الحقيقة كلها؟!... مستحيل! ([143])].

5 - كيف تقيم الكنيسة من المؤمن بكراً وتسجل اسمه فى السماوات؟

يقول الرسول: قد أتيتم إلى جبل صهيون، وإلى مدينة الله الحى أورشليم السماوية، وإلى ربوات هم محفل ملائكة. وكنيسة أبكار مكتوبين فى السماوات، وإلى الله ديان الجميع، وإلى أرواح أبرار مكملين "(عب12: 22 - 23).

ركز كثير من الآباء على تعبير "كنيسة أبكار مكتوبين فى السماوات"، إذ صرنا أبكاراً فى المسيح يسوع البكر. باكورية السيد المسيح ليست كالباكورية الجسدية، صاحبها يحرم من يولد بعده من التمتع بالباكورية، إنما بالعكس تهب الآخرين شركة فيها. هذه الباكورية التى صارت لنا ليست جسدية، وكما يقول العلامة أوريجينوس: [الذين اعتبروا أبكاراً أمام الله ليس هم الأبكار حسب الميلاد الجسدى، إنما اختارهم الله بسبب استعدادهم. هذا ما حدث بالنسبة ليعقوب الرجل الثانى (أصغر من عيسو ولو بدقائق)، لكن حسبه الله بكراً وبركة الباكورية (تك27: 11). بفضل إصابة أبيه بالعمى بسماح إلهى، وذلك لحسب استعداد قلبه الذى رآه الله فيه، إذ قيل: "وهما لم يولدا بعد ولا فعلا خيراً أو شراً... مكتوب أحببت يعقوب وابغضت عيسو" (رو9: 11، 13؛ ملا1: 2، 3). هكذا لم يكن اللاويون أبكاراً حسب الجسد لكنهم ثبتوا كأبكار ([144])].

كم يعلق على كلمات الرسول السابقة (عب12: 22 - 23)، قائلاً إنه يوجد فى السماء التى ننعم بها أربع رتب هى:

جبل صهيون،.

مدينة الله أورشليم السمائية،.

ربوات هم محفل ملائكة،.

كنيسة أبكار مكتوبين فى السماوات.

أعلى هذه الدرجات هى العضوية فى كنيسة الأبكار حيث ينعمون بالشركة مع المسيح البكر. [اجتهد بكل قوتك أن تنمو وتتقدم فى أعمالك وحياتك وعاداتك وإيمانك وطريقة تصرفاتك حتى تبلغ كنيسة الأبكار المكتوبين فى السماوات، فإن لم تستطع ذلك فلتبلغ إلى درجة أقل... وإن كنت لا تقدر أن تقترب من الربوات الذين هم محفل ملائكة وتصعد إلى هذه الدرجة فعلى الأقل تبلغ مدينة الله الحىّ أورشليم السماوية، وإن كنت غير قادر على بلوغ هذه فحاول على الأقل أن تتجه نحو جبل صهيون لكى تخلص على الجبل (تك19: 17). يكفى أنك لا تبقى على الأرض ولا تسكن الوديان ولا تبطئ فى المناطق المطمورة ([145])].

كان لليهود أبكارهم الروحيون أى سبط لاوى، يتقبلهم الله عن كل الجماعة المقدسة عوض الأبكار حسب الجسد. أما الآن كل المؤمنين كنيسة أبكار، خلال اتحادهم مع الابن البكر الحقيقى.

6 - كيف تقيم الكنيسة من المؤمن جبلاً عالياً، ترفع نفسه فوق الزمنيات وتحلّق فى السماويات؟

يقول القدّيس أغسطينوس [يُشير (الجبل) إلى النفس العالية، هذه التى ترتفع فوق الأمور الزمنيّة محلقة فى السماويات. على هذا الجبل تظهر مدينة الله المقدّسة التى لا يمكن إخفائها، فتظهر الكنيسة المقدّسة مزينة فى حياة القدّيسين. وعلى هذا الجبل المقدّس يصعد الرب بنفسه ليتحدث مع شعبه، فيكون الجبل شاهد حق له خلال الحياة المقدّسة العملية].

7 - كيف يُمارس الإنسان دوره كعضو حىّ فى الكنيسة؟

يليق بالمؤمن أن يسأل نفسه هل يود أن يخطف من الأخرين كالغراب، أم أن يعمل عمل الرب أى يقدم عطاء على الدوام لإخوته. يقول القديس أغسطينوس: [يحوى الفلك كلا النوعين، فإن كان الفلك هو رمز الكنيسة، ترون بالحقيقة فى الطوفان الحاضر الذى للعالم الكنيسة تضم بالضرورة النوعين، فكما تضم الغراب هكذا تضم الحمامة. ما هى الغربان؟ الذين يطلبون ما هو لأنفسهم. وما هو الحمام؟ الذين يطلبون ما هو للمسيح ([146])]. كما يقول: [للكنيسة ذهب لا لكى تخزنه، وإنما لتوزّعه وتنفقه على المحتاجين ([147])].

8 - ماذا يعنى: الكنيسة هى أبواب صهيون؟

يعتبر أوريجينوس أن الكنيسة هى باب البرّ، من خلاله يدخل يسوع المسيح. وتقع أبواب الكنيسة فى الاتجاه المضاد لأبواب الموت. يقول العلامة أوريجينوس: [الآن يمكن فهم أبواب صهيون بصفتها مضادة لأبواب الموت. يوجد إذن باب واحد للموت والإثم، أما باب صهيون فهو ضبط النفس. وهذا ما يقصده النبى القائل: "هذا باب الرب والصديقون يدخلون فيه" (مز118: 21). كما يُوجد الجُبن، وهو باب للموت، إلا أن الشجاعة هى باب صهيون. نقص التعقل هو باب الموت، وعلى العكس، التعقل هو باب صهيون. وفى مقابل جميع أبواب "العلم الكاذب الاسم" (1تى6: 20). يوجد باب واحد أمامها، وهو باب المعرفة الخالى من الكذب. ولكن إذا وضعنا فى الاعتبار أن "مصارعتنا ليست مع دم ولحم" (أف6: 12)، فإنه يمكن القول أن كل قوة ورئيس عالم هذه الظلمة، وكل واحد من "أجناد الشر الروحية فى السماويات" (أف6: 12)، هو باب للجحيم والموت ([148])].

9 - ماذا يعنى: الكنيسة هى إسرائيل الجديد؟

يقول العلامة أوريجينوس إنه لم يعد الإسرائيليون بحسب التاريخ هم إسرائيل، فى حين تحوّل مؤمنوا الأمم إلى إسرائيل الجديد، هذا يستلزم إعادة تعريف إسرائيل ([149]).

10 - ما هو دور الكنيسة كمفسر للكتاب المقدس؟

يقول العلامة أوريجينوس: [يجب أن نشرح للمؤمنين كيف أن الأسفار المقدسة ليست من أعمال الناموس، بل وَضعت وأنزلت إلينا بوحى الروح القدس، بمشيئة أب المسكونة، بيسوع المسيح. هذا بالإضافة إلى طرق التفسير المختلفة التى تظهر وتُجرى بحق طبقا لقانون الكنيسة السماوية ليسوع المسيح، من خلال تعاقب الرسل ([150])].

يعتقد أوريجينوس أن وجود ربنا يسوع المسيح نفسه فى وسط شعبه فى الكنيسة ينير أعينهم الداخلية، إذ يقول: [والآن إذا ما رغبتم فى ذلك، فى هذه الكنيسة، وفى هذه الجماعة، ستعاين أعينكم الرب. فعندما ترفعون أسمى أفكاركم للتأمل فى الحكمة والحق، التى هى الابن الوحيد للآب، فسترى أعينكم يسوع. طوبى لجماعة كُتب عنها ان أعين الجميع، من مؤمنين وموعوظين، رجال ونساء وأطفال، قد رأت يسوع، لا بأعين الجسد، بل بتلك التى للروح ([151])].

هذا ويقول أوريجينوس إن الكنيسة هى زينة العالم ونوره. [زينة العالم هى الكنيسة المُزينة بيسوع الذى هو نور العالم ([152])]. كما يقول: [ستأتى النهاية عندما يفقد الملح مذاقه، ويتوقف عن التمليح وحفظ الأرض (وليس حفظ الكنيسة)، وعندما يتضاعف الإثم و "تبرد المحبة" على الأرض (مت24: 12)، حتى عبَر المخلص نفسه، عن شكه فيما يتعلق بمن يشهدون عن مجيئه، فقال: "ولكن متى جاء ابن الإنسان، ألعلّه يجد الإيمان على الأرض؟!" (لو18: 8). عندئذ يأتى انقضاء الدهر ([153])].

ويدعو أوريجينوس معارضيه، إلى عقد مقارنة بين البلاد الوثنية والكنائس المسيحية التى نشأت فيها ([154]). [إذا قورنت الكنائس التى شكّلها المسيح بتجمعات المدن التى توجد بها، فسوف تظهر كمشاعل مضيئة فى العالم. فمن منا لا يعترف بأن عدد الأعضاء القليل من الكنائس غالباً ما يكون أفضل من كثيرين الذين يظهرون فى التجمعات المدنية؟! فنجد كنيسة الله فى أثينا وديعة وثابتة، تبذل كل جهدها لإرضاء الله العلى، بينما نجد التجمعات الأثينية صاخبة مضطربة، ولا مجال لمقارنتها بالكنيسة بأى حال].

وبنفس الطريقة، بعد مقارنات مشابهة بخصوص الكنائس التى فى كورنثوس والإسكندرية مع هذه المدن، يضيف: [إذ ما قارنا مجلس كنيسة الله بمجلس المدينة، نجد أن بعضاً من أعضاء مجالس الكنائس جديرون أن يكونوا مشرفين على مدينة إلهية، إذا ما وجدت مثل هذه المدينة فى العالم. فى حين نجد الأعضاء المدنيين غير أهل بأخلاقياتهم للمراكز البارزة التى يشغلونها بين مواطنيهم. وعلى نفس هذا النمط، إذا قارنت بين رأس كل كنيسة مع رؤوس تلك المدن، فستجد أن الشاغلين، حتى لأدنى الدرجات فى كنيسة الله، متفوقين على كل الحكام المدنيين، إذا ما وضعنا فضائل الفئتين جنباً إلى جنب].

11 - ما هى حدود الشهادة لإنجيل المسيح؟

لا تكف الكنيسة عن الكرازة بإنجيل المسيح فى جميع أنحاء العالم، ولا يُحد عمل المؤمن الخاص بالشهادة لعمل الخلاص الإلهى بمنطقة معينة.

الكنيسة التى يراها أوريجينوس ويحبها، تظل دائماً جماعة من تلاميذ المسيح المنتشرين فى أنحاء الأرض. ولا يمكن الخلط بين تلك الجماعة العظيمة وبقية الجنس البشرى، رغم عدم توقفها عن اجتذاب المحتاجين إلى الإيمان، ورغم شوق الجموع التى تصغى إلى ندائها، والتى تحيط بها كما لو كانت تبعث عليهم إشعاعاً ([155]). فمنذ بدء الكنيسة، تُعلن رسالة الإنجيل بواسطة المؤمنين، أينما كانوا يعيشون، وأينما ارتحلوا. فى مقاله ضد صلسس، يكتب أوريجينوس أن المسيحيين يبذلون دائماً كل ما فى وسعهم لنشر الإيمان فى جميع أنحاء العالم. بل ويرى البعض أن رسالة حياتهم هى التجوال، ليس فقط من مدينة إلى ميدنة، بل من بلدة إلى أخرى، ومن قرية إلى أخرى، فى سبيل كسب مُتحولين جدد إلى الرب ([156]).


[136] [] Psedsgogus. 1: 2;

[137] [] ربما يشير إلى المذبح حيث توضع الساعة أمام المذبح.

[138] [] مقتطفات من العظة الأولى عن أتربيوس.

[139] [] On Prayer 2: 11.

[140] [] Against Celsus 75: 8; in Jer. Hom. 3: 11.

[141] [] On Prayer, 5: 31; Rowan A. Greer: Origen, p. 27.

[142] [] مقتطفات من العظة الثانية.

[143] [] مقتطفات من العظة الثانية.

[144] [] In Num. hom 1: 3.

[145] [] In Num. hom 3.

[146] [] On the Gospel of St. John, tr. 2: 6.

[147] [] Duties of Clergy 28: 2 (137).

[148] [] Commentary on Matthew, Book 13: 12 (cf. ANF).

[149] [] N. R. M De Lange: Origen and the Jews: Studies in Jewish – Christian Relations in Third – Century Palestine, 1976, Cambridge, p. 80.

[150] [] De Principiis 2: 4 (Henri De Lubac).

[151] [] In Luc. Hom. 6: 32 (Thomas k. Carroll; Messages of the Fathers of the Church).

[152] [] Comm. On John, book 38: 6.

[153] [] Comm. On John, book 38: 6.

[154] [] Contra Celsum 27: 3.

[155] [] R. Cadiou: Origen, Herder Book Co. , 1944, p. 313.

[156] [] Against Celsus, 9: 3; Carl A. Volz: Life and Practice in the Early Church, Minneapolis, 1990, p97.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الفصل الخامس الكنيسة بيت الخلاص

الفصل الثالث الكنيسة غُرس سماوى لا ينقطع ()

فهرس المحتويات
فهرس المحتويات

المحتويات