الأصحاح التاسع – تفسير الرسالة إلى العبرانيين – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح التاسع

الأعداد 1-3

الآيات (1 - 3): -

"1ثُمَّ الْعَهْدُ الأَوَّلُ كَانَ لَهُ أَيْضًا فَرَائِضُ خِدْمَةٍ وَالْقُدْسُ الْعَالَمِيُّ، 2لأَنَّهُ نُصِبَ الْمَسْكَنُ الأَوَّلُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ «الْقُدْسُ» الَّذِي كَانَ فِيهِ الْمَنَارَةُ، وَالْمَائِدَةُ، وَخُبْزُ التَّقْدِمَةِ. 3 وَوَرَاءَ الْحِجَابِ الثَّانِي الْمَسْكَنُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ «قُدْسُ الأَقْدَاسِ»".

الخيمة كلها رمز للمسيح ولعمل المسيح. لذلك يذكر أجزاءها ويتكلم عنها بكل الإحترام. ونرى فى حديث الرسول أن الخيمة تنقسم لقسمين، القدس، وقدس الأقداس وهما إشارة للعهدين. فالقدس يشير للعهد القديم وقدس الأقداس يشير للعهد الجديد. القدس يخدمه كهنة كثيرون كل يوم والثانى يشير للسماء لا يدخله إلا رئيس الكهنة مرة واحدة فى السنة كرمز للسيد للمسيح الذى قدم نفسه مرة واحدة ليدخل بنا إلى سمواته. والرسول يرى أن كل ما كان فى الخيمة ويرمز للعهد الجديد هى مقدسات شبه السماويات. والقدس يشير أيضاً لحياتنا الحاضرة المقدسة فى الرب، وقدس الأقداس يشير للحياة السماوية التى قدمها لنا الرب نتذوق الآن عربونها ونستكملها فى الدهر الآتى.

وبدأ الرسول بشرح القدس ليصل إلى قدس الأقداس ليوضح خدمة المسيح الذى دخل السموات بدمه مرة واحدة مثل رئيس الكهنة الذى يدخل الأقداس مرة واحدة فى السنة. بل أن خدمة المسيح غطت على خدمة الكهنة التى هى كل يوم فى القدس وخدمة رئيس الكهنة نفسه.

وَالْقُدْسُ الْعَالَمِيُّ = هو قدس لأن الله يحل فيها وقال عالمى ليفرق بينه وبين الأصل السماوى.

العدد 4

آية (4): -

"4فِيهِ مِبْخَرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَتَابُوتُ الْعَهْدِ مُغَشًّى مِنْ كُلِّ جِهَةٍ بِالذَّهَبِ، الَّذِي فِيهِ قِسْطٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ الْمَنُّ، وَعَصَا هَارُونَ الَّتِي أَفْرَخَتْ، وَلَوْحَا الْعَهْدِ.".

مِبْخَرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ = تستخدم يوم الكفارة فقط وإستخدمها هارون وتركت كتذكار داخل قدس الأقداس. ونلاحظ أن الرسول ذكر كل محتويات الخيمة ما عدا مذبح البخور وذكر مبخرة الذهب بدلاً منه. والسبب أن كل ما فى قدس الأقداس يشير لما هو فى السماء، ومذبح البخور مكانه فى القدس. وهو يريد أن يقول أن المسيح يشفع فينا الآن فى السماء فاستعاض عن مذبح البخور بذكر المبخرة الذهب. والمبخرة الذهب ومذبح البخور كلاهما يقدم بواسطتهما البخور شفاعة فى الشعب وبذلك يشيران للمسيح الشفيع عن جنس البشر. تابُوتُ الْعَهْدِ = ممثل الحضرة الإلهية. ويشير لأن المسيح أخذنا فيه لحضن الآب (راجع تفسير خيمة الإجتماع). الْمَنُّ = إشارة للمسيح المن الحقيقى الذى أعطانا جسده مأكلا حقيقيا ومن يأكله يحيا. عَصَا هَارُونَ = تشير لرعاية المسيح الشخصية لكنيسته. وتشير للحياة التى خرجت من عصا ميتة رمز لعمل المسيح الذى أعطى شعبه حياة بعد أن ماتوا بالخطية. لوْحَا الْعَهْدِ = إشارة لكلمة الله ووصاياه المحيية، وكلمة الله المكتوبة تشير للمسيح كلمة الله.

العدد 5

آية (5): -

"5 وَفَوْقَهُ كَرُوبَا الْمَجْدِ مُظَلِّلَيْنِ الْغِطَاءَ. أَشْيَاءُ لَيْسَ لَنَا الآنَ أَنْ نَتَكَلَّمَ عَنْهَا بِالتَّفْصِيلِ.".

كان مجد الرب يظهر من بين الكاروبان. فالله يوصف بأنه الجالس فوق الشاروبيم. فغطاء التابوت يمثل عرش الله.

العدد 6

آية (6): -

"6ثُمَّ إِذْ صَارَتْ هذِهِ مُهَيَّأَةً هكَذَا، يَدْخُلُ الْكَهَنَةُ إِلَى الْمَسْكَنِ الأَوَّلِ كُلَّ حِينٍ، صَانِعِينَ الْخِدْمَةَ.".

الكهنة يدخلون ولكن الشعب محروم من الوجود فى حضرة الله بسبب الخطية. فقبل خطية آدم كان آدم فى حضرة الله دائماً. وبسبب الخطية إنعزل الشعب عن الله وصار الكهنة وسطاء. بل أن حتى الكهنة محرومون من دخول قدس الأقداس، الذى يدخله رئيس الكهنة مرة واحدة فى السنة، ويدخله بحياة آخر هى الذبيحة الحيوانية.

العدد 7

آية (7): -

"7 وَأَمَّا إِلَى الثَّانِي فَرَئِيسُ الْكَهَنَةِ فَقَطْ مَرَّةً فِي السَّنَةِ، لَيْسَ بِلاَ دَمٍ يُقَدِّمُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ جَهَالاَتِ الشَّعْبِ.".

جَهَالاَتِ الشَّعْبِ = يسميها جهالات بسبب ضعف مستواهم الروحى، والكاهن القبطى اليوم يصلى طالبا غفران خطاياه وجهالات الشعب. ولاحظ أن رئيس الكهنة يقدم أيضاً عن نفسه. وَأَمَّا إِلَى الثَّانِي = يقصد بالثانى قدس الأقداس.

لَيْسَ بِلاَ دَمٍ = فرئيس الكهنة الهاروني لا يدخل لقدس الأقداس إلاّ بعد أن يقدم ذبيحة دموية عن نفسه. فحتى رئيس الكهنة له خطاياه التى يجب أن يقدم عنها ذبيحة قبل أن يشفع فى الشعب. لكن مسيحنا قدم ذبيحة الصليب عنا وليس عن نفسه فهو بلا خطية.

العدد 8

آية (8): -

"8مُعْلِنًا الرُّوحُ الْقُدُسُ بِهذَا أَنَّ طَرِيقَ الأَقْدَاسِ لَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ، مَا دَامَ الْمَسْكَنُ الأَوَّلُ لَهُ إِقَامَةٌ.".

طالما المسكن الأول اليهودى قائم والحجاب بين القدس وقدس الأقداس قائم. إذاً طريق الأقداس مغلق لم يظهر للإنسان. وكان لا بد للحجاب أن ينشق ليظهر الطريق للإنسان. والحجاب قد إنشق بعد موت المسيح على الصليب، إذ حدث الصلح (رو5: 10).

العدد 9

آية (9): -

"9الَّذِي هُوَ رَمْزٌ لِلْوَقْتِ الْحَاضِرِ، الَّذِي فِيهِ تُقَدَّمُ قَرَابِينُ وَذَبَائِحُ، لاَ يُمْكِنُ مِنْ جِهَةِ الضَّمِيرِ أَنْ تُكَمِّلَ الَّذِي يَخْدِمُ.".

كل الكهنوت اللاوى والهيكل والذبائح هى رَمْزٌ لِلْوَقْتِ الْحَاضِرِ = أى بعد مجئ المسيح. والرسول هنا يكلم من يريد أن يرتد للعبادة اليهودية فيقارن بين الخدمتين. وهو رأى أن خدمة العهد القديم تركز على تطهير الجسد كالغسل بالماء وكان هذا يعنى غفران الخطية بالذبائح الدموية، لكن الضمير ما زال مثقل بحبه للخطية. أما خدمة العهد الجديد فتمس الضمائر وأعماق النفس الداخلية أى خدمة الروح الفعالة التى تقيم ملكوت الله فى داخلنا. أما طقوس العهد القديم فلم تكن لها هذه القدرة.

مِنْ جِهَةِ الضَّمِيرِ = 1) لو فكرنا بضمير نقي هل نقبل أننا نَكْمُل بذبائح حيوانية!!

2) لو تطهر الجسد كيف يتطهر الضمير. أي كيف يتطهر القلب أي الداخل. والكمال هو في تطهير الداخل.

العدد 10

آية (10): -

"10 وَهِيَ قَائِمَةٌ بِأَطْعِمَةٍ وَأَشْرِبَةٍ وَغَسَلاَتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَفَرَائِضَ جَسَدِيَّةٍ فَقَطْ، مَوْضُوعَةٍ إِلَى وَقْتِ الإِصْلاَحِ.".

هذه القرابين مع الفرائض المختلفة التى كانت تصحبها كانت تهدف لتطهير الجسد فقط وكان هذا حتى يجئ وَقْتِ الإِصْلاَحِ = أى الوقت الذى يأتى فيه المسيح ليصلح النفوس ويطهرها حين يقدم لنا جسده كسر تقديس لنا. فيه نختفى وبه نتحد، نحمله فى داخلنا ونحن فيه. إذاً الإصلاح لن يكون بشرائع جديدة بل بإمكانيات جديدة أى بإتحادنا به ولذلك تغيرت أو تكملت وصية لا تزن وصارت "أن من ينظر ليشته فقد زنا" فى قلبه ولا تقتل صارت... لا تغضب. ونلاحظ أن الأطعمة والغسلات ليست عيباً بل هى ألف باء يعلمها الأب لأولاده حتى يكملوا فى الوقت المناسب. (كان من يلمس ميت يتطهر بالإغتسال بالماء والكاهن لا يدخل للقدس إلا بعد الإغتسال بالماء).

العدد 11

آية (11): -

"11 وَأَمَّا الْمَسِيحُ، وَهُوَ قَدْ جَاءَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ لِلْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ، فَبِالْمَسْكَنِ الأَعْظَمِ وَالأَكْمَلِ، غَيْرِ الْمَصْنُوعِ بِيَدٍ، أَيِ الَّذِي لَيْسَ مِنْ هذِهِ الْخَلِيقَةِ.".

رَئِيسَ كَهَنَةٍ لِلْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ = جاء رئيس كهنة ليمنحنا الخيرات الأبدية وميراثنا السماوى هذه التى كانت بالنسبة لأزمنة العهد القديم تعتبر عتيدة أي ستحدث في المستقبل.

فَبِالْمَسْكَنِ الأَعْظَمِ = أى هيكل جسد المسيح ونحن أعضاءه. وهنا نرى بوضوح أن الرسول يرى أن الخيمة ترمز للمسيح هى وكل طقوسها. غَيْرِ الْمَصْنُوعِ بِيَدٍ = الخيمة صنعت بيد ولكن جسد المسيح لم يتم بزرع بشرى بل بالروح القدس الذى حل فى مريم العذراء، فهو لم يكن من هذه الخليقة = ليس من زرع بشر، بل من خليقة روحية = بالروح القدس. وبعد القيامة صار جسداً جديداً ليجعلنا كلنا خليقة جديدة. ونلاحظ أن تشبيه المسيح بالمسكن يشير لأن جسده البشرى هو الهيكل الجديد، كنيسته (يو2: 20، 21) وجسده يحل فيه كل ملء اللاهوت (كو2: 9) ليكون لنا مصدر حياة أبدية وقداسة ومجد = نحن مملوءون فيه (كو2: 10).

العدد 12

آية (12): -

"12 وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُول، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيًّا.".

كان رؤساء الكهنة يدخلون لقدس الأقداس بدم تيوس وعجول عن نفسهم وعن الشعب، أما المسيح فدخل السماء بدم نفسه عنا فهو بلا خطية. لكى بواسطته ندخل نحن أيضاً (عب10: 19).

دخل مرة واحدة إلى الأقداس = المسيح دخل مرة واحدة ولم ولن يخرج ليشفع فينا وهو ينتظرنا إذ ذهب ليعد لنا مكانا، وكان دخول رئيس الكهنة اليهودى لقدس الأقداس مرة واحدة فى السنة رمزا لذلك وليس لأحد أن يدخل لقدس الأقداس.

الأعداد 13-14

الآيات (13 - 14): -

"13لأَنَّهُ إِنْ كَانَ دَمُ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ وَرَمَادُ عِجْلَةٍ مَرْشُوشٌ عَلَى الْمُنَجَّسِينَ، يُقَدِّسُ إِلَى طَهَارَةِ الْجَسَدِ، 14فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ ِللهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَال مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ!.".

دَمُ ثِيرَانٍ = هذا يقدم عن خطايا رئيس الكهنة (لا16: 14، 16). وَتُيُوسٍ = دم التيوس يقدم عن جهالات الشعب. وَرَمَادُ عِجْلَةٍ = راجع فريضة البقرة الحمراء (عدد 19) وهذا الرماد يستخدمونه لتطهير من تلامس مع نجاسة ميت (هناك معادلة نستنجها من الكتاب أن الخطية = موت ولكى يشرحها الناموس قال أن من يتلامس مع جثة يتنجس رمزا لنجاسة النفس إذا تلامست مع خطية، فالموت نتيجة للخطية). كل هذه التطهيرات تؤدى لطهارة الجسد فقط حتى يستطيعوا الإشتراك فى الخدمة. وتعبير طهارة الجسد يعنى به غفران الخطية والتطهير من الخارج لكن الضمير ما زال ملوثا مثقلا بحب الخطية.

فكم بالحرى دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ = أى الله، فالله روح. هنا نرى لاهوت المسيح الذى أعطى لجسده الإمكانيات اللانهائية لغفران خطايا كل المؤمنين الثابتين فيه عبر الأزمان. ولأنه روح حى أزلى فلاهوته الغير محدود متحد بناسوته، فبموت المسيح تصالحنا مع الآب وغفرت خطايانا إذ قدم كفارة لا نهائية، وبقيامة المسيح صارت لنا حياة أبدية (رو5: 10). والدم يرمز للحياة. وقوة الحياة التى فى المسيح هى قوة حياة أزلية، وهذه القوة تحيى من الموت وتحيى من موت الخطية فتهبنا الضمير الروحى الجديد الرافض للخطية. وهنا يضع الرسول عبارة روح أزلى فى مقابل طبيعة الذبائح التى كانت تقدم فى العهد القديم، فهذه كانت لها طبيعة أرضية فانية ميتة، أما المسيح فله طبيعة روحية سرمدية لانهائية. وهذا ما يعطى لتقدمته قيمتها ويجعلها أفضل من التقدمات الحيوانية. قَدَّمَ نَفْسَهُ = وهذه تشير لفعله الإرادي الحر. وهو قدم نفسه دون أن يكون فيه نقص أو عيب. يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ = من أعمال الخطية التى تحمل الموت للنفوس = طهارة الضمير تعنى رفض وكراهية الخطية من الداخل، وهذه كانت مستحيلة على الذبائح الحيوانية. وهكذا نستطيع أن نعبد الله الحي بفرح. فإذن كما كانت طهارة الجسد فى العهد القديم تبيح للإنسان أن يشترك فى العبادة بعد أن يتخلص من النجاسات، فهكذا أيضاً المسيح يخلصنا من كل نجاسة الخطية ويطهر نفوسنا وضمائرنا، فيجعلنا مستحقين للإشتراك فى عبادته وخدمته = لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ.

دم المسيح يطهر الداخل فلا نريد الخطية ونشتهيها داخلياً، عكس تطهير الجسد الذى إكتفى بتطهير خارجى ولكن الشهوة الخاطئة إستمرت تعذب الضمير.

العدد 15

آية (15): -

"15 وَلأَجْلِ هذَا هُوَ وَسِيطُ عَهْدٍ جَدِيدٍ، لِكَيْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّونَ ­ إِذْ صَارَ مَوْتٌ لِفِدَاءِ التَّعَدِّيَاتِ الَّتِي فِي الْعَهْدِ الأَوَّلِ ­ يَنَالُونَ وَعْدَ الْمِيرَاثِ الأَبَدِيِّ.".

لأَجْلِ هذَا هُوَ وَسِيطُ عَهْدٍ جَدِيدٍ = إذ توقفت فاعلية الناموس على طهارة جسدية دون الوصول لراحة الضمير وإصلاح الفساد الداخلى إحتاج الأمر لوسيط عهد جديد غير دم الذبائح الحيوانية العاجزة. لأن دم المسيح له قوة أن يطهر ضمائرنا فنخدم الله صار المسيح وسيطاً بين الإنسان وبين الله لكى يقيم عهداً جديداً غير العهد الأول. فكان الناموس فى العهد الأول يتعامل مع التعديات بالعقوبات والتأديبات ولكنه لم يعالجها لذلك أخفق الإنسان أن يتقدم لخدمة الله بالكمال الروحى المنشود. أما العهد الجديد فهو عهد غفران وصفح (عب8: 12) وتطهير الضمير (آية 14) يطهر الإنسان ليؤهله لخدمة جديدة لله روحية وكاملة وبلا عيب. المسيح صار وسيط ليحررنا من خطايا التعديات = ربما غفرت الخطية ولكن ماذا عن الشهوة الموجودة فى الداخل، هى أيضا تعديات، وهذه يصلحها دم المسيح إِذْ صَارَ مَوْتٌ لِفِدَاءِ التَّعَدِّيَاتِ. وفى العهد الجديد يطالب المسيحى بالثبات فى المسيح أى إستمرار الجهاد فى أن يظل متمسكا بالمسيح فى صلوات وتسابيح ومحاولات مستمرة للبعد عن الخطية والروح يبكت ويعين، فلو حدث وتحركت شهوة وقدمنا عنها توبة فدم المسيح يغطينا. لذلك يقول الرب "إثبتوا فىَّ". وبهذا فإن المدعوون (يهوداً وأمم) يحصلون على الْمِيرَاثِ الأَبَدِيِّ.

الأعداد 16-17

الآيات (16 - 17): -

"16لأَنَّهُ حَيْثُ تُوجَدُ وَصِيَّةٌ، يَلْزَمُ بَيَانُ مَوْتِ الْمُوصِي. 17لأَنَّ الْوَصِيَّةَ ثَابِتَةٌ عَلَى الْمَوْتى، إِذْ لاَ قُوَّةَ لَهَا الْبَتَّةَ مَا دَامَ الْمُوصِي حَيًّا.".

هذه قاعدة أو قانون رومانى. فطالما الموصى حى فهو قادر أن يسحب وصيته ويغيرها. لذلك فالوصية تتثبت وتصبح سارية إذا مات الموصى. والله قدم وصيته فى العهد القديم (ميراث كنعان). وإذ لم يكن ممكناً أن يموت الله الموصى فى العهد القديم كان دم الذبائح يقوم بهذا الدور. وفى العهد الجديد قدم الله وصيته (الميراث السماوى) وإذ مات المسيح بالصليب تثبتت الوصية وصارت فاعليتها أكيدة لنتمتع بالميراث السماوى. "من يؤمن بى فله حياة أبدية". هذه هى الوصية المختومة بجسده المبذول ودمه المسفوك عنا. لذلك كان الدم هو علامة ثبوت الوصية فى العهدين القديم والجديد. ودم الذبائح هو رمز لدم المسيح.

العدد 18

آية (18): -

"18فَمِنْ ثَمَّ الأَوَّلُ أَيْضًا لَمْ يُكَرَّسْ بِلاَ دَمٍ.".

طالما أنه لا بد من موت حتى تثبت الوصية، فكان الحل فى العهد القديم تقديم الذبائح الحيوانية. ولذلك فإن العهد الأول أيضاً (القديم) لم يأخذ قوته بغير دم بل بدم الذبائح. وهذه كانت كرمز، فلما أتى المرموز إليه بطل الرمز.

الأعداد 19-22

الآيات (19 - 22): -

"19لأَنَّ مُوسَى بَعْدَمَا كَلَّمَ جَمِيعَ الشَّعْبِ بِكُلِّ وَصِيَّةٍ بِحَسَبِ النَّامُوسِ، أَخَذَ دَمَ الْعُجُولِ وَالتُّيُوسِ، مَعَ مَاءٍ، وَصُوفًا قِرْمِزِيًّا وَزُوفَا، وَرَشَّ الْكِتَابَ نَفْسَهُ وَجَمِيعَ الشَّعْبِ، 20قَائِلاً: «هذَا هُوَ دَمُ الْعَهْدِ الَّذِي أَوْصَاكُمُ اللهُ بِهِ». 21 وَالْمَسْكَنَ أَيْضًا وَجَمِيعَ آنِيَةِ الْخِدْمَةِ رَشَّهَا كَذلِكَ بِالدَّمِ. 22 وَكُلُّ شَيْءٍ تَقْرِيبًا يَتَطَهَّرُ حَسَبَ النَّامُوسِ بِالدَّمِ، وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!.".

هذه الآيات شرح للآية (18) وكيف أن العهد كان بالدم، دم الذبائح. راجع رش الدم (خر24: 4–8). والتطهير بالماء والدم (لا 14) هنا نجد الماء يمتزج بالدم. والماء والدم يذكرنا بالماء والدم اللذان خرجا من جنب المسيح + (1يو5: 6) + (يو34: 19) فالماء يشير للمعمودية والدم يشير لذبيحة الصليب. ولم يشر العهد القديم لأن موسى قد رش الكتاب ولكنه طالما رش كل شئ فهو رش الكتاب أيضاً. هو كان يرش كل شئ بالدم ليتطهر بالدم، ولكنه رش الكتاب بالدم، لأن الكتاب أخذ معنى العهد بالدم. وقد يشير لرش أذهاننا التى كتبت فيها الوصية وهكذا لرش قلوبنا بنفس المعنى. ورش الخيمة هو رشنا نحن فنحن صرنا خيمته (2كو6: 16). وكان رش الدم على كل شئ رمز لأن رش دم المسيح لا يطهر الجسد من الخارج فقط بل يطهر النفس ويغسلها فيؤهل لدخول الهيكل السماوى.

العدد 23

آية (23): -

"23فَكَانَ يَلْزَمُ أَنَّ أَمْثِلَةَ الأَشْيَاءِ الَّتِي فِي السَّمَاوَاتِ تُطَهَّرُ بِهذِهِ، وَأَمَّا السَّمَاوِيَّاتُ عَيْنُهَا، فَبِذَبَائِحَ أَفْضَلَ مِنْ هذِهِ.".

أمثلة الأشياء خيمة الاجتماع وما فيها فهى كانت مثال للعهد الجديد. السَّمَاوِيَّاتُ = هى كنيسة المسيح جسد المسيح، والمؤمنين أنفسهم هم هيكل الله، وهم بدم المسيح صاروا مقدسين أى مخصصين لله.

العدد 24

آية (24): -

"24لأَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يَدْخُلْ إِلَى أَقْدَاسٍ مَصْنُوعَةٍ بِيَدٍ أَشْبَاهِ الْحَقِيقِيَّةِ، بَلْ إِلَى السَّمَاءِ عَيْنِهَا، لِيَظْهَرَ الآنَ أَمَامَ وَجْهِ اللهِ لأَجْلِنَا.".

المسيح لم يدخل إلى قدس أقداس الخيمة، بل دخل إلى الأقداس الحقيقية فى السماء ظهر أمام الآب ليشفع فينا. وهو فى السماء نحن منقوشين عليه، على قلبه وعلى يده، كما كان فى العهد القديم يضع رئيس الكهنة أسماء الأسباط منقوشة على صدره وعلى كتفه. وكان رئيس الكهنة اليهودى يظهر أمام الله، أمام التابوت وهو يحمل هذه الأسماء وفى المقابل حملنا المسيح فيه ودخل للسماء لنستطيع نحن أن نوجد فى حضرة الله.

العدد 25

آية (25): -

"25 وَلاَ لِيُقَدِّمَ نَفْسَهُ مِرَارًا كَثِيرَةً، كَمَا يَدْخُلُ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ إِلَى الأَقْدَاسِ كُلَّ سَنَةٍ بِدَمِ آخَرَ.".

ذبيحة العهد القديم كانت تتكرر كل سنة لتتأكد الحقيقة فى ذهن اليهود. بِدَمِ آخَرَ = دم الحيوانات. ولكن المسيح قدم نفسه مرة واحدة. ونلاحظ أننا فى التناول من جسد المسيح ودمه لا نقدم ذبيحة صليب جديدة ولا نكررها، بل هى إمتداد لذات الذبيحة القائمة الأبدية غير الدموية التى لا تتوقف. فالمسيح الذبيح الحى القائم من الأموات هو بعينه يقدم جسده ودمه دون تكرار أو تغيير.

العدد 26

آية (26): -

"26فَإِذْ ذَاكَ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَتَأَلَّمَ مِرَارًا كَثِيرَةً مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلكِنَّهُ الآنَ قَدْ أُظْهِرَ مَرَّةً عِنْدَ انْقِضَاءِ الدُّهُورِ لِيُبْطِلَ الْخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ.".

لو هم ترجوا رئيس كهنة أو مسيحاً على رتبة هرون كان لا بد أن يصلب كل سنة فرئيس الكهنة اليهودى يقدم ذبيحته كل سنة.

الأعداد 27-28

الآيات (27 - 28): -

"27 وَكَمَا وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ الدَّيْنُونَةُ، 28هكَذَا الْمَسِيحُ أَيْضًا، بَعْدَمَا قُدِّمَ مَرَّةً لِكَيْ يَحْمِلَ خَطَايَا كَثِيرِينَ، سَيَظْهَرُ ثَانِيَةً بِلاَ خَطِيَّةٍ لِلْخَلاَصِ لِلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُ.".

الإنسان يموت وحتماً بعد الموت تأتى الدينونة. ولكن المسيح مات ليرفع الدينونة ويأتي بالخلاص من كل الخطايا. ولكننا لا نرى ولن نرى هذا الخلاص إلا فى المجيء الثاني. ولكن لنعلم أن المجيء الأول كان للغفران، أما المجيء الثاني فهو للدينونة. أما بالنسبة لمن يثبتوا في المسيح ويغلبوا فقد جاء المسيح فى مجيئه الأول حاملاً الغفران وسيأتي فى مجيئه الثاني حاملاً بركات كثيرة لا نعرفها، فإن كان كل ما حصلنا عليه فى المجيء الأول هو عربون ما سنحصل عليه فى المجيء الثاني، فكم تكون بركات المجيء الثاني. آمين تعال أيها الرب يسوع.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح العاشر - تفسير الرسالة إلى العبرانيين - القمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الثامن - تفسير الرسالة إلى العبرانيين - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير الإلى العبرانيين الأصحاح 9
تفاسير الإلى العبرانيين الأصحاح 9