الأصحاح الأول – سفر يونان – القمص أنطونيوس فكري

مقدمة يونان

  1. انتهى سفر عوبديا بهلاك أدوم (رمزاً لهزيمة الشيطان بالصليب) وإقامة صهيون (أي الكنيسة). وأن الكنيسة سترث الأمم وتمتد شمالاً وجنوباً، رمزاً لدخول الأمم للمسيحية. ويجئ سفر يونان ليعلن الله صراحة قبوله للأمم في شكل إرسالية أحد أنبيائه ليدعو الأمم للتوبة (نينوى).
  2. يُظهر هذا السفر أن الله هو إله الجميع يهوداً وأمم، يحب الجميع ويريد أن الجميع يتوبون فيخلصون. ولكن لأن الكتاب المقدس مكتوب أساساً لليهود، لذلك يركز على تعاملات الله مع الشعب اليهودي. إلا أننا ومن خلال الكتاب المقدس نلمح إهتمام الله وتعامله مع كل الشعوب، وأنه لم يَقْصِرْ تعاملاته على اليهود فقط. وهذا نراه [1] في إرسال يونان لشعب نينوى الوثني [2] الله يتعامل مع بلعام، وبلعام وثني، ولكنه يتنبأ عن المسيح [3] الله يكلم أيوب بل نرى أصدقاء أيوب (وكلهم ليسوا يهوداً) يروا رؤى سماوية [4] الله يتكلم مع أبيمالك ملك الفلسطينيين أيام أبونا إبراهيم [5] ملكي صادق كان كاهناً لله العلي، (بل وبارك إبراهيم). ولم يكن يهودياً [6] الله يكلم فرعون ونبوخذ نصر بأحلام. [7] لم يكن يونان هو النبي الوحيد الذي له تعاملات ورسالة موجهة للوثنيين بل إيليا كان له رسالة مع صيدون، وإليشع مع أرام.
  3. بينما نجد اليهود يقاومون الأنبياء ويضطهدونهم إذ بأهل نينوى يقبلون كرازة يونان. وتكررت هذه الصورة، إذ رفض اليهود المسيح وقبله الأمم.
  4. تنبأ يونان بن أمتاى في أيام يربعام الثاني ملك السامرة (2مل25: 14) وقد تنبأ أن الله يرد حدود السامرة إلى مدخل حماة شمالاً وإلى بحر العربة جنوباً وكان نبياً لإسرائيل (مملكة الشمال) حوالي سنة 825 - 784ق. م. وعاصر عاموس النبي.
  5. جاء في التقليد اليهودي أنه إبن أرملة صرفة صيدا الذي أقامه إيليا النبي (1مل18) ويرى البعض أنه كان مناسباً أن يرسل يونان للأمم حيث أن أمه أممية.
  6. لا يوجد غيره بهذا الاسم ولا غير أبيه باسم أمتاى.
  7. كلمة يونان في العبرية تعني حمامة وتعني أيضاً متألم. وكلمة أمتاى تعنى الحق. وبذلك يكون المعنى الرمزي للسفر أن المسيح المتألم (الذي حل عليه الروح القدس مثل حمامة ليمسحه فيصير رئيس كهنة ليقدم ذبيحة نفسه) والذي دفن في القبر ثلاثة أيام، كبقاء يونان 3أيام في جوف الحوت. والمسيح هو الحق وجاء ليشهد للحق (يو18: 37). ثم كان خروج يونان من جوف الحوت رمزاً لقيامة المسيح.
  8. قد لا توجد نبوة صريحة من فم يونان النبي عن المسيح في هذا السفر إلا أن:
  9. ‌صار يونان بنفسه نبوة عن عمل المسيح الفدائي أي موته وقيامته.
  10. ‌إنذاره لنينوى بخرابها إن لم تتب كان نبوة، لكنها لتوبتها لم تهلك.
  11. ‌ذهابه للأمم الوثنية (نينوى) كان نبوة عن قبول الأمم.
  12. ‌نبوته في (2مل25: 14). كل هذا يجعل منه نبياً عظيماً.
  13. ‌هو من جت حافر في الجليل وهي تبعد مسافة ساعة سيراً على الأقدام عن الناصرة، فهو جليلي كما كان المسيح من الجليل.
  14. نينوى عاصمة مملكة أشور. وهي على نهر دجلة مكان مدينة الموصل حالياً. وكان أهلها أغنياء ويعبدون الإلهة عشتاروت. وسماها ناحوم النبي مدينة الدمار ملآنة كذباً وإختطافاً. عُرف ملوكها بالعنف الشديد. وكانت تسليتهم جذع أنوف الأسرى وقطع أيديهم وأذانهم وعرضهم للسخرية والهزء أمام الشعب. وقد دمر نبوبلاسر ملك بابل نينوى.
  15. نرى الله في هذا السفر سيداً على كل الخليقة فهو: [1] يرسل نوءاً عظيماً ثم يوقفه حينما يريد [2] يعد حوتاً ليبتلع يونان ثم يلقيه حين يريد الله [3] ينبت يقطينة ثم يأمر دودة لتأكلها وتتلفها [4] يرسل ريحاً شرقية لتضرب يونان. وقد تبدو هذه الأفعال أنها عنيفة ولكنها كانت لتحقق مصالحة الله مع الإنسان وتعلن محبة الله. ولقد تاب يونان فعلاً وإستفاد من الدروس وهكذا تابت نينوى ولم يهلك شعبها. ربما كان الدواء مراً لكنه يؤتي بنتائج مبهرة. وطرق الله لا تفشل أبدا.
  16. غالباً فقد عاد البحارة إلى الميناء، إذ كانوا لم يبتعدوا عنه، وهم كانوا قد ألقوا بكل أمتعتهم في البحر. ونشروا قصة يونان، وإذا بيونان يظهر ويعرفون منه قصة الحوت ونجاته. وينتشر الخبر ويصل إلى نينوى، ثم يصل يونان إلى نينوى. وقد يكون هذا سر توبتهم العجيبة. حقاً كل الأمور تعمل معاً للخير للذين يحبون الله. لقد حول الله عناد وهرب يونان إلى سبب بركة لأهل نينوى وللبحارة الذين آمنوا. لقد أخرج الله من الجافي حلاوة.
  17. مشكلة يونان هي نفس مشكلتنا، أننا نتذمر على الله حين نرى أن أفكار الله وخطته تختلف عن أفكارنا وخططنا أو أنها ضد إرادتنا. فلنسلم بأن الله لا يخطئ في أفكاره قبل أن يهيج البحر من حولنا أو يبتلعنا حوت لو تخاصمنا مع الله. وليلاحظ كل من دعاه الله لخدمته ألا يهرب أو يعتذر فيحدث له نفس الشئ، اي يبتلعه العالم بملذاته وبأحزانه.
  18. عن إمكانية بقاء يونان ثلاثة أيام في جوف الحوت: نقاد الكتاب المقدس يريدون حذف الآيتين "أعد الرب حوتاً عظيماً ليبتلع يونان" و "أمر الرب الحوت فقذف يونان إلى البر". ولكن على هؤلاء أن يعرفوا أنهم لن يجنون فائدة من تحريف كلمة الله لتطابق معلوماتهم.
  19. أشار السيد المسيح لهذه القصة في (مت39: 12 - 41).
  20. هناك أبحاث عن الحيتان ووجد أن هناك نوع يمكن أن تنطبق عليه هذه القصة. وفيه يكون الحوت ضخماً وبلا أسنان. وهو يسير في الماء فاتحاً فمه على مدى إتساعه. ثم يقفل فكيه ويضغط بلسانه على الماء خلال تجويف في فمه، به ما يشبه الشبكة فيخرج الماء تاركاً الغذاء وراءه. ويبلغ طول هذا النوع (50 - 95قدم) وقد سد أحد حيتان هذا النوع قناة بنما. وتجويفه الأنفي أبعاده تصل إلى (14×7×7 قدم) وإذا ابتلع الحوت شيئاً ووجده كبيراً فإنه يقذفه إلى هذه الحجرة، وإذا شعر أن شيئاً كبيراً في رأسه فإنه يسبح إلى أقرب شاطئ ويقذفه هناك. وقد أخرجوا صياداً من هذا التجويف بعد 48ساعة من ابتلاع الحوت له. وكان حياً، ولكنه في حالة إغماء من تأثير الصدمة، وكان ذلك بعد أن إصطادوا الحوت بقنبلة، وسمى هذا الشخص يونان القرن العشرين. وكان ذلك في القنال الإنجليزي.
  21. الله يكشف لنا خطأ النبي ليكون لنا رجاء. فإذ قبل الله هذا النبي بعد أن هرب منه رافضاً تنفيذ ما أمره به، فإن هذا يعطينا رجاء أن الله سيقبلنا إن قدمنا توبة. ولقد سطر النبي هذه القصة معترفاً بخطاياه. ولكن علينا أن لا نتمادي في اتهاماتنا له، بل نذكر ثقل المهمة التي كلفه الله بها، وهي أن يذهب ليكرز لشعب وثني وعدو.

نينوى المدينة العظيمة: تكرر هذا اللفظ في (1: 1 + 1: 3 + 3: 3 + 11: 4) ونفهم من (تك11: 10، 12) أن هناك عدة مدن أحاطت بمدينة نينوى هي رحوبوت عير وكالح ورسن بين نينوى وكالح. وفي سفر التكوين يسمى هذه المدينة المكونة من الأربع مدن، المدينة الكبيرة (تك12: 10). ويسميها هنا المدينة العظيمة وهذه كما نطلق الآن لفظ القاهرة الكبرى على القاهرة القديمة والجيزة وحلوان والقليوبية فكان هناك نينوى الأصلية، وغالبا فهذه كان لها سور ثم انضمت لها 3مدن وهي كالح ورحوبوت عير ورسن وبنوا حولهم كلهم سور واحد عظيم إحتوى نينوى المدينة العظيمة أو نينوى المدينة الكبيرة كما يسميها سفر التكوين أو كما نسميها الآن نينوى الكبرى.

رحوبوت

عير

وفي يونان (3: 3) نسمع عن نينوى العظيمة مسيرة ثلاثة أيام. وهذا يعني تحديد محيط المدينة الكبيرة، فهذه يقطعها السائر على قدميه في 3أيام أما نينوى الأصلية فمحيطها يقطعه السائر على قدميه في مسيرة يوم واحد. إذاً القول مسيرة يوم أو مسيرة 3أيام هي طريقة لتحديد محيط المدينة.

كيف يتم الحساب؟

تقدر المسافة التى يمكن للرجل العادى أن يقطعها فى الساعة حوالى 5 كيلومتر. ويمكن للرجل أن يسير لمدة 10 ساعات تقريبا فى اليوم. وبالتالى يمكن للرجل أن يسير 50 كيلومتر فى اليوم.

إذاً نينوى مسيرة يوم يصبح محيطها تقريبا 50 كيلومتر.

ونينوى العظيمة مسيرة 3 أيام يصبح محيطها تقريبا 150 كيلومتر.

الإصحاح الأول

الأعداد 1-2

آية (1): -

"1 وَصَارَ قَوْلُ الرَّبِّ إِلَى يُونَانَ بْنِ أَمِتَّايَ قَائِلاً: 2«قُمِ اذْهَبْ إِلَى نِينَوَى الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ وَنَادِ عَلَيْهَا، لأَنَّهُ قَدْ صَعِدَ شَرُّهُمْ أَمَامِي».

الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ: كان محيط نينوى 96كيلو متر وأبعادها 16 × 32 كيلو متر (وهذا معنى مسيرة 3 أيام 3: 3) وارتفاع أسوارها 100قدم وسمك أسوارها بحيث تسير عليه من 3 إلى 4 مركبات حربية. وعلى الأسوار 1500 برج ارتفاع كل برج 200قدم.

صَعِدَ شَرُّهُمْ أَمَامِي = في الترجمة السبعينية صعد صراخ شرهم أمامي. وهذا يشبه "صوت دم أخيك صارخ إلىَّ من الأرض" (تك10: 4) وصراخ سدوم وعمورة قد كثر (تك20: 18). وكانت دعوة يونان للكرازة والخدمة في نينوى من نوع فريد. فهو النبي الوحيد الذي دعي لخدمة مدينة أممية لا ليتنبأ عنها بالدمار بل يدعوها للتوبة. ونينوى كانت عاصمة أشور ألد أعداء إسرائيل. وهرب يونان بسبب هذه الصعوبة. لكن الله المحب إستغل حتى هروبه هذا في تحقيق مقاصده الإلهية. فما حدث فى قصة الحوت كان سببا فى توبة أهل نينوى وإيمان بحارة السفينة بالله. ونفس الشئ حدث مع بولس ومرقس، فلقد إستغل الله خلافهما ليرسل مرقس ليبشر في مصر.

العدد 3

آية (3): -

"3فَقَامَ يُونَانُ لِيَهْرُبَ إِلَى تَرْشِيشَ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ، فَنَزَلَ إِلَى يَافَا وَوَجَدَ سَفِينَةً ذَاهِبَةً إِلَى تَرْشِيشَ، فَدَفَعَ أُجْرَتَهَا وَنَزَلَ فِيهَا، لِيَذْهَبَ مَعَهُمْ إِلَى تَرْشِيشَ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ.

لماذا هرب يونان من المهمة التي كلفه بها الله؟

[1] هناك سبب مذكور في (2: 4) وهو أنه عرف أن الله في رحمته سيقبل توبتهم فيصير يونان في أعينهم ككاذب.

[2] يونان كان يتمنى هلاك أشور لأنها ألد أعداء إسرائيل، وليس الصفح عنهم، لذلك خرج بعد أن وجه إنذاره لنينوى وصنع له مظلة أمام المدينة منتظراً خرابها.

[3] ربما خاف يونان من شر الأشوريين فهم دمويون وربما قتلوه لو أنذرهم.

[4] ذهابه لأشور عدو إسرائيل يعتبر خيانة لملك إسرائيل، وربما إتهموه بالتجسس للعدو.

[5] ذهابه لشعب وثني ضد فكر ومزاج شعب إسرائيل الذين يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار، وبذلك سيسقط من نظر شعبه، وكهنة وأنبياء شعبه.

تَرْشِيشَ = ربما تكون في جنوب أسبانيا أو شمال غرب إفريقيا، وهي أبعد بلد معروفة وقتئذ. فهو يريد أن يهرب من الله لأبعد مكان ممكن، وهذا جهل بالله.

وكلمة تَرْشِيشَ تعنى بحر.

وكلمة يَافَا تعني جمال.

نَزَلَ.. نَزَلَ.. نَزَلَ = تتكرر كلمة نزل في هذه الآية مرتين ثم تأتي ثانية في آية (5). فهو نزل إلى يافا ثم إلى السفينة ثم نزل إلى جوف السفينة. وبهذا تكررت كلمة نزل 3مرات، وهكذا لأنه ترك الله وهرب منه نجده في نزول مستمر وبالخطية عموماً نكون في نزول مستمر. وهو نزل إلى يافا أولاً (هذه تشير لمن يترك الله وينجذب لجمال العالم فيافا تعني جمال) ثم نزل إلى السفينة، والسفينة في البحر، وماء البحر مالح، ومن يشرب منه يعطش (وهذه تشير لمن ينجذب لجمال العالم ويبدأ يشبع شهواته من العالم) ثم نزل لقاع السفينة حيث نام نوماً عميقاً، ولم يوقظه هياج البحر (وهذه إشارة لمن عاش في الخطية، ففقد حواسه الروحية، أي أطفأ الروح القدس فيه، ولم يعد يسمع صوت تبكيت الروح وإنذاراته). مثل هذا الخاطئ ماذا يفعل معه الله؟ لا حل سوى تجربة صعبة. وهذا ما حدث فلقد رموه في البحر ومنه إلى جوف الحوت.

فَدَفَعَ أُجْرَتَهَا = إتكاله الآن على موارده الذاتية إذ إنفصل عن الرب أما من يكلفه الرب بعمل ما يقوم الرب بتسديد كل إحتياجاته. والخادم الذي يخدم الله بأمانة تجده يتكلم بكلمات هي من الروح القدس يعطيها له. أما الخادم المنفصل عن الله بسبب خطاياه تجده يتكلم من فلسفاته البشرية.

العدد 4

آية (4): -

"4فَأَرْسَلَ الرَّبُّ رِيحًا شَدِيدَةً إِلَى الْبَحْرِ، فَحَدَثَ نَوْءٌ عَظِيمٌ فِي الْبَحْرِ حَتَّى كَادَتِ السَّفِينَةُ تَنْكَسِرُ.

فَأَرْسَلَ الرَّبُّ رِيحًا شَدِيدَةً = كان خطأ يونان أنه ظن أنه بهروبه سيهرب من الله، ولم يدري أن الله في كل مكان. هذا ما عبر عنه داود في مز139 وبالذات الآية (7، 8) "أين أذهب من روحك ومن وجهك أين أهرب.." (مز1: 139 - 12). وبسبب هروبه من الله وجهله بالله، جلب على نفسه هذه العواصف. كان يليق به أن يهرب إلى الله، لا أن يهرب منه. هو هرب من الله، فما عاد يسمع صوت الله الهادئ المنخفض الخفيف الذي سمعه إيليا (1مل12: 19) (فهذا لا يسمعه إلا من كان قريباً من الله). ولأن يونان إبتعد وهرب من الله حدثه الله بلغة أخرى هي لغة الضيقات المتوالية (ريح شديدة - نوء عظيم - حوت..) ليكشف عما في داخله من ريح عصيان عنيف واضطراب داخلي. هذا ما حدث أيضاً للإبن الضال، فحين ترك أبوه جاءت عليه المجاعة. فإنه متى يكون الرب غير راضٍ، لا يكون شئ في أمان. فحين صلب المسيح اضطرب نظام الكون وصارت هناك ظلمة. علينا إذاً أن نعرف سبب أي ضيقة تمر بنا فقد يكون وراءها خطية جعلتنا نبتعد عن الله فما عدنا نسمع صوت تبكيته المنخفض.

العدد 5

آية (5): -

"5فَخَافَ الْمَلاَّحُونَ وَصَرَخُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى إِلهِهِ، وَطَرَحُوا الأَمْتِعَةَ الَّتِي فِي السَّفِينَةِ إِلَى الْبَحْرِ لِيُخَفِّفُوا عَنْهُمْ. وَأَمَّا يُونَانُ فَكَانَ قَدْ نَزَلَ إِلَى جَوْفِ السَّفِينَةِ وَاضْطَجَعَ وَنَامَ نَوْمًا ثَقِيلاً.

فَخَافَ الْمَلاَّحُونَ: هم خبراء بالبحر، ولكن سبب خوفهم أنهم شعروا أن وراء العاصفة شئ غير عادي، فهي هبَّت فجأة وبدون مقدمات وكانت عنيفة جداً.

وَصَرَخُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى إِلهِهِ = هم شعروا بأن هناك شئ غير عادي فلجأوا لآلهتهم بينما.

يونَانُ نَامَ نَوْمًا ثَقِيلاً = كأنه لا يريد أن يرى أمواج غضب الله عليه، هو نوم الهروب وليس نوم السلام، هو يهرب من واقعه. وتضيف السبعينية أن غطيط نوم يونان هو الذي لفت أنظار الربان إليه.

وَطَرَحُوا الأَمْتِعَةَ = لم تكن أمتعتهم مهما كانت عزيزة عليهم، أغلى من حياتهم، فهم رموا ما كان غالياً عليهم ليشتروا حياتهم الجسدية، فهل نقبل أن نلقي ملذاتنا العالمية لنشتري حياتنا الأبدية وهي الأهم.

العدد 6

آية (6): -

"6فَجَاءَ إِلَيْهِ رَئِيسُ النُّوتِيَّةِ وَقَالَ لَهُ: «مَا لَكَ نَائِمًا؟ قُمِ اصْرُخْ إِلَى إِلهِكَ عَسَى أَنْ يَفْتَكِرَ الإِلهُ فِينَا فَلاَ نَهْلِكَ».

هنا رَئِيسُ النُّوتِيَّةِ يوبخ يونان، بل يطلب إليه أن يصلي. وهذا شئ مخجل أن يطلب هذا الوثني من نبي الله أن يصلي. فبسبب هروبه فقد مركزه كنبي مرسل ليوبخ ملك أشور العظيمة، وجلس يتلقى التعليم من هذا الوثني.

عَسَى أَنْ يَفْتَكِرَ الإِلهُ فِينَا = كانوا كوثنيين يشعرون أن آلهتهم الكثيرة هي واسطة بينهم وبين الإله الأعظم الذي لا يعرفونه. ومازال ليومنا هذا كثير من الناس يبحثون مضطربين وسط عقائد كثيرة ولا يعرفون أين يوجد الله ولا كيف يجدونه. ولكن الله يتكلم محاولاً أن يصل صوته لكل واحد. فهو كلم يونان برؤيا، ولما هرب منه كلمه بالطبيعة الثائرة. ثم ها هو يكلمه عن طريق بحار وثني. فياليتنا نسمع صوته ومن له أذنان للسمع فليسمع.

العدد 7

آية (7): -

"7 وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «هَلُمَّ نُلْقِي قُرَعًا لِنَعْرِفَ بِسَبَبِ مَنْ هذِهِ الْبَلِيَّةُ». فَأَلْقَوا قُرَعًا، فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى يُونَانَ.

نُلْقِي قُرَعًا = الله يكلم كل واحد بحسب ما يفهمه. فالله كلم المجوس بالنجم مثلاً وهو لا يوافق على طريقتهم. وهنا الله لا يوافق على القرعة ولكنه كلمهم بها فهم لا يفهمون سواها.

فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى يُونَانَ = وربما كان في السفينة من هو أشر من يونان ولكن الله أرسل العاصفة قاصداً يونان، فالله يؤدب أولاده "الذي يحبه الرب يؤدبه".

العدد 8

آية (8): -

"8فَقَالُوا لَهُ: «أَخْبِرْنَا بِسَبَبِ مَنْ هذِهِ الْمُصِيبَةُ عَلَيْنَا؟ مَا هُوَ عَمَلُكَ؟ وَمِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ؟ مَا هِيَ أَرْضُكَ؟ وَمِنْ أَيِّ شَعْبٍ أَنْتَ؟ ».

كل هذه الأسئلة ليريحوا ضمائرهم. كانت أسئلتهم بطريقة لطيفة وأثبتوا أنهم حكماء. وكانت أسئلتهم توبيخاً لطيفاً ليونان. ففيما هم يسألونه كان يليق بيونان أن يراجع نفسه في كل تصرفاته ويعترف بلسانه بخطيته وعصيانه. وهم في حكمتهم لم يشاؤوا أن يظلموه، لذلك ها هم يستفهون منه.

العدد 9

آية (9): -

"9فَقَالَ لَهُمْ: «أَنَا عِبْرَانِيٌّ، وَأَنَا خَائِفٌ مِنَ الرَّبِّ إِلهِ السَّمَاءِ الَّذِي صَنَعَ الْبَحْرَ وَالْبَرَّ».

هنا إجاباته على أسئلتهم. وعن سؤالهم ما هو عملك قال "وَأَنَا خَائِفٌ مِنَ الرَّبِّ. والرب الذي أعبده هو خالق البحر والأرض والسماء. وليس كما تظنون أن هناك آلهة كثيرة. وربما أخبرهم أنه نبي.

العدد 10

آية (10): -

"10فَخَافَ الرِّجَالُ خَوْفًا عَظِيمًا، وَقَالُوا لَهُ: «لِمَاذَا فَعَلْتَ هذَا؟ » فَإِنَّ الرِّجَالَ عَرَفُوا أَنَّهُ هَارِبٌ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ، لأَنَّهُ أَخْبَرَهُمْ.

فهم عرفوا أن إله البحر غاضب فَخَافَوا خَوْفًا عَظِيمًا فهم رأوا ماذا يستطيع هذا الإله أن يفعل. وكان سؤالهم "إذا كان إلهك هكذا قوياً وأنت نبياً له فلماذا فعلت هذا.

العدد 11

آية (11): -

"11فَقَالُوا لَهُ: «مَاذَا نَصْنَعُ بِكَ لِيَسْكُنَ الْبَحْرُ عَنَّا؟ » لأَنَّ الْبَحْرَ كَانَ يَزْدَادُ اضْطِرَابًا.

وإذ عرفوا أنه نبي سألوه عن علاج لهذه المصيبة التي هم فيها، فإضطراب البحر بهذه الصورة يشهد عن غضب الله.

العدد 12

آية (12): -

"12فَقَالَ لَهُمْ: «خُذُونِي وَاطْرَحُونِي فِي الْبَحْرِ فَيَسْكُنَ الْبَحْرُ عَنْكُمْ، لأَنَّنِي عَالِمٌ أَنَّهُ بِسَبَبِي هذَا النَّوْءُ الْعَظِيمُ عَلَيْكُمْ».

ربما قال يونان هذا بعد أن صلي وأرشده الله. وهو قال هذا الحل بصراحة وشجاعة، فهو لا يريد أن يهلك أحد بسببه. وقوله هذا يشير لتسليمه الكامل لحياته في يد الله.. فهو فهم أن الله يريد أن يؤدبه. وهنا يونان بإلقائه في البحر فيهدأ كان ممثلاً للسيد المسيح، الذي كان لابد أن يُلقَي به على الصليب ويُسَلَّم للقبر لينعم المؤمنون به الذين كانوا في اضطراب كالبحر، ينعمون بالسلام، هكذا نجا البحارة بإلقاء يونان في البحر، وهكذا نخلص بموت المسيح.

الأعداد 13-14

الآيات (13 - 14): -

"13 وَلكِنَّ الرِّجَالَ جَذَفُوا لِيُرَجِّعُوا السَّفِينَةَ إِلَى الْبَرِّ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا، لأَنَّ الْبَحْرَ كَانَ يَزْدَادُ اضْطِرَابًا عَلَيْهِمْ. 14فَصَرَخُوا إِلَى الرَّبِّ وَقَالُوا: «آهِ يَا رَبُّ، لاَ نَهْلِكْ مِنْ أَجْلِ نَفْسِ هذَا الرَّجُلِ، وَلاَ تَجْعَلْ عَلَيْنَا دَمًا بَرِيئًا، لأَنَّكَ يَا رَبُّ فَعَلْتَ كَمَا شِئْتَ».

لم يرد هؤلاء البحارة الطيبون إلقاء يونان في البحر، بل حاولوا إنقاذه برجوعهم إلى البر فلم يستطيعوا. لاحظ تصرفاتهم الطيبة فهم لم يستعملوا خبرتهم أولاً بإلقاء الأمتعة، لكنهم صلوا أولاً. وهم بعد وقوع القرعة على يونان لم يوبخوه بكلمة ولا جرحوا مشاعره مع أنه السبب في كل خسائرهم. وهم لم يطرحوه مباشرة بل حاولوا إنقاذه. ألم تكن تصرفات هؤلاء لتخجل يونان الذي رفض أن يذهب لأمثالهم الوثنيين في نينوى!! لقد أظهر الله له أنه لا يوجد في إسرائيل إيمان مثل هذا ولا رقة مشاعر مثل هذه. بينما شعب إسرائيل ولهم الناموس والأنبياء يتمادون في خطاياهم. وكان تصرفهم مثل بيلاطس الذي غسل يديه قائلاً: "أنا برئ من دم هذا البار".

لأَنَّكَ يَا رَبُّ فَعَلْتَ كَمَا شِئْتَ = أنت يا رب ألزمتنا أن نفعل هكذا. وما نحن سوى أدوات في يدك. فلتكن مشيئتك.

العدد 15

آية (15): -

"15ثُمَّ أَخَذُوا يُونَانَ وَطَرَحُوهُ فِي الْبَحْرِ، فَوَقَفَ الْبَحْرُ عَنْ هَيَجَانِهِ.

هم طرحوه بكل احترام وإكرام = ثُمَّ أَخَذُوا يُونَانَ. لنلق عنا خطايانا فتهدأ حياتنا.

العدد 16

آية (16): -

"16فَخَافَ الرِّجَالُ مِنَ الرَّبِّ خَوْفًا عَظِيمًا، وَذَبَحُوا ذَبِيحَةً لِلرَّبِّ وَنَذَرُوا نُذُورًا.

في التقليد اليهودي أن البحارة حينما عادوا للبر آمنوا بإله إسرائيل واختتنوا وإنضموا لشعب الله. فَخَافَ الرِّجَالُ مِنَ الرَّبِّ = هذا معناه أنهم آمنوا به.

وَذَبَحُوا ذَبِيحَةً لِلرَّبِّ = هذا يرمز لتقديم الذبيحة الآن بعد موت المسيح. فلقد صار من حقنا تقديم ذبيحة المسيح بعد موت المسيح وقيامته.

وَنَذَرُوا نُذُورًا = غالباً نذورهم كانت أن يؤمنوا بالله إله إسرائيل ويقدموا له ذبيحة لو نجوا من هذه العاصفة.

يخرج من الجافي حلاوة: - الجافي هو هروب يونان من الله... وانظر كيف إستعمله الله في ان يجعل هؤلاء البحارة الوثنيون يؤمنون به، بل إنتشار القصة ووصولها إلى نينوى، إذ وجد البحارة يونان على الشاطئ، جعل أهل نينوى يؤمنون.

العدد 17

آية (17): -

"17 وَأَمَّا الرَّبُّ فَأَعَدَّ حُوتًا عَظِيمًا لِيَبْتَلِعَ يُونَانَ. فَكَانَ يُونَانُ فِي جَوْفِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال.

الأمور تسير بتدبير إلهي فها هو الحوت ينتظر يونان في الماء ليهبه مبيتاً آمناً لا موتاً. فالله لا يريد الانتقام من يونان بل أن يصلحه لكي يرسله من جديد. وهكذا كل تجربة يسمح بها الله لنا، هو أن ينصلح حالنا ونكمل عملنا الذي خلقنا الله لأجله (أف10: 2) ونصلح لملكوت السموات. وكما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالي هكذا كان المسيح في القبر ثلاث أيام وثلاث ليالي. والمسيح مات يوم الجمعة وقام فجر الأحد أي أنه قضى في القبر جزء من يوم الجمعة ويوم السبت كاملاً وجزء من يوم الأحد. ولكن هذه المدة تحسب ثلاث أيام وثلاث ليالي.. لماذا؟ [1] يعتبر اليهود أجزاء اليوم يوماً كاملاً في حسابهم [2] يُعبِّر اليهود عن اليوم بقولهم صباح ومساء (تك إصحاح 1 + دا 14: 8 + تث19: 9 + 1مل8: 19).

No items found

الأصحاح الثاني - سفر يونان - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير سفر يونان الأصحاح 1
تفاسير سفر يونان الأصحاح 1