الأصحاح السابع – تفسير الرسالة إلى رومية – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: رسالة بولس الرسول إلى رومية – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح السابع

يحدثنا هذا الإصحاح عن ثلاثة مواضيع.

1. بفداء المسيح، وبالنعمة التي حصل عليها المؤمن إنقطعت صلته بالناموس... الآيات (1 - 6).

  1. لماذا كان الناموس أصلاً؟ كان أداة لكشف الخطية... الآيات (7 - 13).

3. ولماذا أخفق الناموس؟ لأنه لم يستطيع علاج الخطية الساكنة فيَّ... الآيات (14 - 25).

العدد 1

آية (1): -

"1أَمْ تَجْهَلُونَ أَيُّهَا الإِخْوَةُ ­ لأَنِّي أُكَلِّمُ الْعَارِفِينَ بِالنَّامُوسِ ­ أَنَّ النَّامُوسَ يَسُودُ عَلَى الإِنْسَانِ مَا دَامَ حَيًّا؟".

كانت المشكلة الكبيرة في الكنيسة الأولي، أن المسيحيين من أصل يهودي أرادوا أن يتهود الأمم قبل إنضمامهم للكنيسة وأن يلتزموا بالناموس مثل الختان. وبولس لا يريد أن يهاجم الناموس ولكنه يريدهم أن يفهموا أن الفرح الحقيقي هو بفداء المسيح وبره، ويتمسكوا لا بشكليات الناموس بل بالنعمة التي حصلوا عليها. وأن يفهموا أن الناموس كان درجة بدائية في التعامل مع الله، أما النعمة فهي إرتقاء في التعامل مع الله. وهو بهذا يحطم كبرياء اليهود في أنهم أصحاب الناموس، دون أن يهاجم الناموس، لأن الناموس مقدس إذ هو ناموس الله. لكنه كمرحلة أولي سلَّمنا إلي المسيح الذي هو الدرجة الأعلى في التعامل مع الله. وعمل الناموس بهذا قد انتهى إذ سلَّمنا للمسيح. فالناموس كان يفضح الخطية ولكنه لا يعالجها، لذا فهو لا يبرر الخطاة. ووضع أمامنا الرسول مثال عريسين وعروسة واحدة العريسين هما الناموس والمسيح والعروسة هي أنا. وكانت العروسة مرتبطة بالعريس الأول. فإذا مات أحدهما العريس أو العروسة يتحرر الطرف الآخر إذ إنتهى هذا الزواج، ولما كان الرسول لا يريد أن يقول أن الناموس يموت، إذ هو ناموس الله، قال أن العروسة ماتت مع المسيح في المعمودية. ولاحظ أن في إرتباط العروسة مع الناموس كان الناموس يحكم عليها بالموت لأنها خاطئة، والناموس يدين. وها هى قد ماتت مع المسيح فى المعمودية، فخرجت من دائرة الناموس، إذ لا سلطان عليها منه، فأقسى النواميس لا يستطيع إلا أن يقتل الجسد ولا سلطان له بعد ذلك. وبهذا تحررت وصارت من حقها أن ترتبط بآخر الذي هو المسيح. بعد أن تحررت من الناموس.

العدد 2

آية (2): -

"2فَإِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي تَحْتَ رَجُل هِيَ مُرْتَبِطَةٌ بِالنَّامُوسِ بِالرَّجُلِ الْحَيِّ. وَلكِنْ إِنْ مَاتَ الرَّجُلُ فَقَدْ تَحَرَّرَتْ مِنْ نَامُوسِ الرَّجُلِ.".

المرأة مرتبطة برجلها طالما هو حي وفقاً لتعاليم الناموس. فالمرأة هي الأمة اليهودية، أو هي أنا، والأهم أن الأمم لا داعي لتهودهم إذ هم أصلاً متحررين من الناموس وغير مرتبطين به. وموت أحد الطرفين يلغي العقد بين المرأة وحرف الناموس وطقوسه. لكن طبعاً لا يلغى الإلتزام بأخلاقيات الناموس، ولا يُلغى النبوات التي تشهد للمسيح.

العدد 3

آية (3): -

"3فَإِذًا مَا دَامَ الرَّجُلُ حَيًّا تُدْعَى زَانِيَةً إِنْ صَارَتْ لِرَجُل آخَرَ. وَلكِنْ إِنْ مَاتَ الرَّجُلُ فَهِيَ حُرَّةٌ مِنَ النَّامُوسِ، حَتَّى إِنَّهَا لَيْسَتْ زَانِيَةً إِنْ صَارَتْ لِرَجُل آخَرَ.".

الرجل الآخر هو أعمال النعمة الإلهية التي لا تتفق مع حرفيات الناموس، من ذبائح وختان وتطهيرات. ومن يموت زوجها أو إذا سقط العقد (بموتها هي) لا تصير زانية إن صارت لرجل آخر (الذى هو المسيح).

العدد 4

آية (4): -

"4إِذًا يَا إِخْوَتِي أَنْتُمْ أَيْضًا قَدْ مُتُّمْ لِلنَّامُوسِ بِجَسَدِ الْمَسِيحِ، لِكَيْ تَصِيرُوا لآخَرَ، لِلَّذِي قَدْ أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ لِنُثْمِرَ ِللهِ.".

لا يقدر الرسول أن يقول إن الناموس مات، فهو ناموس الله المقدس (رو31: 3 + 14: 7). ولكنه قالقد مُتُّمْ = بالمعمودية تم تنفيذ حكم الناموس فيكم بالموت، فالناموس يحكم بالموت على من يخطئ. والذي مات هو الإنسان العتيق الداخلى، ليحياللمسيح. ولكنه بموته تحرر من حكم الرجل الأول أي الناموس بحرفيته. والمسيح قام حياً بحياة أبدية ليدخل هو كعريس للكنيسة التي حكم عليها العريس الأول الناموس بالموت. أما المسيح العريس الجديد فإتحد بها فى المعمودية ليعطيها حياته الأبدية.

وموتنا للناموس لحساب إتحادنا مع المسيح لا يعني إنهيار الناموس بل تحقيق غايته بتقديمنا للرجل الآخر الذي أقيم من الأموات لنقوم معه "لأن غاية الناموس هي: المسيح للبر لكل من يؤمن" (رو10: 4). بل نفهم من هوشع النبى أن الناموس كان مؤقتا إلى أن يأتى المسيح "إزرعوا لانفسكم بالبر، احصدوا بحسب الصلاح احرثوا لأنفسكم حرثا فإنه وقت لطلب الرب حتى يأتي (المسيح) ويعلمكم البر" (هو10: 12).

قَدْ مُتُّمْ لِلنَّامُوسِ فالناموس قد حكم عليَّ بالموت بسبب خطيتي، ولكني بالمعمودية مُتْ مع المسيح إذ إتحدت بجسد المسيح الممات علي الصليب. لِكَيْ تَصِيرُوا لآخَرَ = لكي ترتبطوا بآخر أي المسيح الذي قام من الأموات = لِلَّذِي قَدْ أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ.

والآن بعد أن إتحدنا بالمسيح فى المعمودية، ما عاد الناموس هو الذى يحكم علينا بالموت أو بالحياة. إنما ما يحكم علينا الآن هو....

هل نحن ثابتين فى المسيح أم لا.

لذلك يطلب السيد المسيح منا أن نستمر ثابتين فيه "إثبتوا فىَّ وأنا فيكم" (يو15: 4). ونضع بجانب هذه طريقة الثبات فى حياة المسيح "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىَّ" (غل2: 20). فمن يصلب جسده مع الأهواء والشهوات تثبت فيه حياة المسيح فيكون غصنا حياً مثمراً (غل5: 22 - 24).

وكما إتحدنا مع المسيح فى موته نتحد معه فى قيامته "وهو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام" (2كو15: 5). ولكي نحصل بإتحادنا به (كثمرة لهذا الزواج) على حياتهالأبدية. ومن تكون له حياة يثمر ثمار حياة فاضلة يتمجد بها الله = لنثمرلله.

والإنسان الحي يثمر كما يثمر النبات الحي، ونحن صرنا أحياء بحياة المسيح فينا. بينما في علاقتنا بالناموس لم نثمر، لا بسبب نقصفى الناموس بل بسبب طبيعة العصيان التي كانت لنا. والنتيجة أن الناموس حكم عليهم بالموت. فثمار الخطية موت وثمر الحياة مع الله بر وحياة أبدية. والآن إذا كنا عروس للمسيح فهي خيانة له أن نتركه ونكون لغيره، لذلك قيل إن محبة العالم عداوة لله (يع4: 4).

علاقة الإنسان المسيحى الآن بالناموس.

قال بولس الرسول فى الإصحاح السابق أننا لسنا تحت الناموس بل تحت النعمة (آية14) فالناموس كان كمرآة تكشف العيوب دون أن تصلحها، أما النعمة فهى قوة قادرة أن تعين وقادرة أن تدين الخطية (راجع تفسير رو8: 3). والآن ما هى علاقة المسيحى المؤمن بالناموس؟

  1. المسيح أكمل الناموس. لم يكسر وصية واحدة بل أكمله عنا فكان الإنسان الكامل، ثم مات عنا. فالمسيح ما كان من المفروض أن يموت فهو بلا خطية. ولكنه أسلم روحه على الصليب بإرادته عنا. هو كان الإنسان الكامل، وهذا معنى أن المسيح كان مولوداً تحت الناموس (غل4: 4) أي أنه إلتزمبالناموس تماماً. بل هو الوحيد الذي أكمل الناموس. لذلك فكل من يثبت فيه يحسب كاملاً فيه بالرغم من خطاياه (كو1: 28) وبلا لوم (أف1: 3) وبلا دينونة (رو8: 1)، وبهذا يخلص. ولكى نثبت فى المسيح نحتاج المعمودية بمفهومها الصحيح أى نظل مدفونين مع المسيح، وهذا ما نسميه حياة الإماتة أى نظل أمواتا عن الخطية حتى لا نحيى جسد الخطية أى الإنسان العتيق ثانية (رو6: 11) + (كو3: 5). والناموس لا يحكم بالموت على من هو ميت فعلاً. وفى القضاء لو مات المتهم أثناء نظر القضية يقال "تسقط القضية".
  2. وعمل الروح القدس هو أن يثبتنا فى المسيح ولهذا يسمى سر الميرون بسر التثبيت. والروح القدس ظهر بشكل حمامة فالحمام دائما يعود إلى بيته، والروح القدس يثبتنا فى المسيح إبتداء من المعمودية. ثم يستمر معنا بالتبكيت والتعليم والمعونة (رو8: 26) حتى نظل ثابتين فى المسيح وبهذا نحسب كاملين. ولذلك نسمع أن العريس يخاطب عروسه فى سفر النشيد ويقول "إفتحى لى يا أختى يا حبيبتى يا حمامتى يا كاملتى..." (نش5: 2) فهى أخته لأنه صار "بكراً بين إخوة كثيرين" (رو8: 29). وهى حمامته لأنها ترجع إليه دائما بمعونة الروح القدس. وهى كاملة إذ صارت ثابتة فيه. وهذا تفسير أن "الرب تنسم رائحة الرضا" حين قدَّمَ نوح محرقته (تك9: 21)، فالمحرقات تشير لطاعة المسيح حتى الصليب. والله تنسم رائحة الرضا ليس لطاعة المسيح، فالمسيح إرادته هى نفس إرادة أبيه، فالآب والإبن واحد. ولكن لأنه بطاعة المسيح عدنا للآب كأبناء. ونحسب فى المسيح طائعين.
  3. المسيح بموته أكمل الفداء وأكمل حكم اللعنة والموت. ونحن متنا معه فى المعمودية بإنساننا العتيق فتم فينا حكم الناموس، وعلينا أن نظل أمواتا بحياة الإماتة.
  4. نحن لا نموت مع المسيح ونظل أمواتا بل نقوم مع المسيح متحدين معه فتكون لنا حياته الأبدية (لاحظ أن ما يموت بالمعمودية هو الإنسان العتيق). والناموس يحكم بالموت على من يمكن أن يموت. ولكن ما دام لنا حياة المسيح الأبدية التى لا تموت (رو6: 9). فالناموس لا سلطان له علينا ليحكم علينا بالموت. طبعاُ هذا لمن هو ثابت في المسيح.
  5. أما وصايا الناموس فهى لازمة لنا، ونبوات الناموس عن المسيح دليل على صحة كل ما جاء فى العهد الجديد. وطقوس الناموس هى شرح واضح لذبيحة المسيح على الصليب. وقصص الحروب فى العهد القديم نفهمها الآن عن الحروب الروحية التى يحاربنا بها الشيطان (أف6: 12) ومنها نعرف متى نهزمه ومتى يهزمنا. العهد القديم هو وسيلة إيضاح للعهد الجديد.
  6. الإنسان المسيحى المملوء بالروح له ثمار الروح (غل5: 22، 23) ونجد بولس الرسول يقول هنا أن من له هذه الثمار لا يحتاج لوصايا الناموس = "ضد أمثال هذه لا ناموس". فمن يملك ثمرة التعفف لن يشتهى ما للآخرين. ومن إمتلأ قلبه بثمرة المحبة لله لا يحتاج لوصية تقول له أن لا يعبد إله آخر. ومن له ثمرة الحب للناس لا يحتاج لوصية لا تقتل.
  7. للمبتدئ روحيا الذى لم يمتلئ بالروح بعد، يكون الناموس دليل له وعليه أن يحاول الإلتزام بكل وصايا الناموس الأدبية كالوصايا العشرة. كما قال القديس إغريغوريوس "أعطيتنى الناموس عونا".
  8. ومن يحاول أن يلتزم بكل وصايا الناموس يكتشف إحتياجه للمسيح. فكيف أنفذ وصية "حب الرب إلهك من كل قلبك" (تث6: 5). هذه لا يمكن تنفيذها إلا بالروح القدس الذى يرسله المسيح بعد إتمام الفداء وصعوده. فالروح القدس هو الذى يسكب محبة الله فى قلوبنا (يو15: 26 + رو5: 5). وكيف أنفذ وصية "لا تشتهى"؟ فهذه الوصية لا يمكن تنفيذها إلا لمن يشبع بالمسيح. ومن يكتشف إحتياجه للمسيح سيلجأ للمسيح طالبا المعونة ومعرفة شخصه الحلو المشبع. فالناموس يقود للمسيح.
  9. أما الناموس الطقسى فلقد إنتهت العلاقة بين المسيحى وبينه تماما، فما عاد المسيحى يتطهر بالماء، ولكن التطهير بدم المسيح. وما عدنا نقدم ذبائح دموية على طقس هرون بل ذبيحة الإفخارستيا على طقس ملكى صادق. وما عاد الختان شرط لنصبح من أبناء الله، بل يتم هذا بالمعمودية.
  10. "شهادة يسوع هى روح النبوة" (رؤ19: 10 وراجع تفسير الآية فى سفر الرؤيا). فنجد أن الأنبياء لم يكتفوا بكشف خطايا الشعب، بل كانت نبوات الأنبياء تتكلم عن فساد الإنسان مع وعد بمخلص يأتى ليضع حلاً لهذا الفساد. بل نرى فى نبواتهم إستحالة أن يُغَيِّرْ الإنسان طبيعته الخاطئة التى فسدت بدون هذا المخلص. فيقول إرمياء النبى "هل يغير الكوشى جلده أو النمر رقطه؟ فأنتم أيضا تقدرونأن تصنعوا خيرا أيها المتعلمون شرا" (إر13: 23). وكان أن تطلع الأنبياء لمجئ هذا المخلص كما قال إشعياء النبى مثلاً "ليتك تشق السموات وتنزل" (إش64: 1).

فلك نوح مثال للمعمودية.

راجع (1بط3: 19 - 21) فنجد أن القديس بطرس رأى أن قصة الطوفان وفلك نوح كانت تمثل المعمودية. فلماذا؟ كان الخطاة خارج الفلك يلهون فى فجورهم غير مصدقين تحذيرات نوح ورفضوا الدخول للفلك.

كيف رأى الخطاة فى لهوهم وفجورهم دخول نوح للفلك هو وأولاده؟ هم قالوا عنهم أنهم حكموا على أنفسهم بالموت داخل هذا الصندوق الخشبى. وفقدوا كل متع العالم.

وكيف رأى نوح مصير هؤلاء؟ نوح لأنه آمن بقول الله أنه سيُهْلِك العالم بسبب خطاياهم. رآهم قد حكموا على أنفسهم بالموت. وهذا هو الإيمان الحى... صدَّق قول الله ونفذ حكم الموت عن العالم فى نفسه، ودخل فى صندوق مقفول هو الفلك فكانت له الحياة. وما فعله نوح هو ما نسميه هنا الإماتة، إذ إنفصل عن شرور العالم وملذاته الخاطئة ودخل الفلك كميت عن العالم فكان له هذا حياة أبدية.

وهذا ما قاله بولس الرسول "وأما من جهتي فحاشا لي أن افتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم" (غل6: 14). وهذا ما نفذه نوح الذى إعتبره العالم قد صلب نفسه إذ إنفصل عن ملذات العالم الخاطئة، وهو بإيمانه بأقوال الله إعتبر العالم مصلوبا أى ذاهباً للموت.

ولكن هذه الإماتة ليست كآبة بل هى صعود مستمر وتذوق للسماويات. ونرى بولس الرسول يوضح هذا أيضا ويقول أن ثمار الروح "المحبة والفرح..." تكون لمن صلب جسده مع الأهواء والشهوات (غل5: 22 - 24). فتذوق السمائيات يعنى الصعود عن الأرضيات، والصعود يتطلب القيامة أولا، والقيامة تتطلب الصلب والموت أولاً.

العدد 5

آية (5): -

"5لأَنَّهُ لَمَّا كُنَّا فِي الْجَسَدِ كَانَتْ أَهْوَاءُ الْخَطَايَا الَّتِي بِالنَّامُوسِ تَعْمَلُ فِي أَعْضَائِنَا، لِكَيْ نُثْمِرَ لِلْمَوْتِ.".

لَمَّا كُنَّا فِي الْجَسَدِ = المقصود بالجسد أنه حينما كان الإنسان العتيق هو الذي يقود ويستعبد أعضائي. ولم يقل لما كنا في الناموس حتى لا يستهين أحد بالناموس. وأيضاً يعني بقوله في الجسد، لما كنا بدون نعمة تساندنا وتدين الإنسان العتيق فتمنع تسلطه.

الْخَطَايَا الَّتِي بِالنَّامُوسِ = أي الخطايا التي كشفها الناموس، فالأمراض كانت موجودة وتميت الناس دون أن يعرفها أحد، ثم جاء الطب وكشفها. لكن الناموس يكشف ويأمر ولكنه لا يعين. تَعْمَلُ فِي أَعْضَائِنَا = لأن السبب في الخطية ليست الأعضاء أصلاً، إنما الأفكار، والخطية الساكنة فيَّ أي الإنسان العتيق الذي يقود الأعضاء وله سلطان. والرسول يريد أن يقول أنه الآن نتيجة لهذا الإتحاد الروحي الجديد مع المسيح صار لنا النعمة التى تدين الخطية، وتكون لنا أيضاً حياة المسيح، لذلك سوف نثمر للحياة الفاضلة ذلك لأنه عندما كنا نحيا حياة جسدية كانت أهواء الخطايا تعمل في أعضاء جسدنا. وكانت تتخذ دافعاً لها لما يحرم الناموس فعله. وكانت لها قوة وتأثير سيئ علي أعضاء جسدنا. نُثْمِرَ لِلْمَوْتِ = نعمل خطايا تقودنا للموت (يع15: 1).

العدد 6

آية (6): -

"6 وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ تَحَرَّرْنَا مِنَ النَّامُوسِ، إِذْ مَاتَ الَّذِي كُنَّا مُمْسَكِينَ فِيهِ، حَتَّى نَعْبُدَ بِجِدَّةِ الرُّوحِ لاَ بِعِتْقِ الْحَرْفِ.".

تَحَرَّرْنَا = الكلمة اليونانية تشير أنه لم يعد هناك أثر أو فاعلية لأننا متنا = إِذْ مَاتَ الَّذِي كُنَّا مُمْسَكِينَ فِيهِ = الذي مات هو الإنسان العتيق الذي كان ممسَكاً بالخطية (وليس الناموس وليس الجسد). مُمْسَكِينَ فِيهِ = في قبضته. كان الإنسان العتيق مُمْسِكاً ومُسْتَعِبْداً أعضاء جسدي ويقودها. والآن فالقيد الذي كنا ممسَكين به إنكَسَر وتبدد (مات) حتى إن الخطية التي كنا ممسَكين بها لا تعود تُمسِك بنا.

حَتَّى نَعْبُدَ بِجِدَّةِ الرُّوحِ = لم نعد بعد نستعبد للحالة القديمة حين كان الناموس الحرفي يسود. إنما صارت لنا عبادة الروح إذ صرنا خليقة جديدة. وفي عبادة الروح صار الروح القدس يعطي للإنسان إمكانيات جديدة فوق مستوي الناموس [لا تزن صارت لا تنظر لتشتهِ، ولا تقتل صارت لا تغضب، وبينما ندر وجود بتوليون في العهد القديم إزداد عددهم بكثرة في العهد الجديد، وزاد عدد الشهداء، وعلَّمنا المسيح أن نحب الأعداء] فلم يَعُدْ ما يحكمنا الآن هو الناموس الذي يدين، بل ما يقودنا الآن الروح الذي يعين (رو26: 8). صرنا لا نعتمد علي الشكليات كاليهود (2كو3: 3، 6).

عِتْقِ الْحَرْفِ = عتق = قِدَمْ أي الحرفية التي يريد اليهود أن يعيشوا بها. الْحَرْفِ = أي الشريعة. ووردت القصة الآتية في جريدة الأهرام وهي تعبر عن حرفية اليهود ومظهريات عبادتهم دون روح. فالناموس يمنع العمل يوم السبت، فكان أن اليهود يستأجرون عمال مسلمين من الفلسطينيين ليعملوا لهم، حتى في إضاءة الأنوار وإطفائها. أما عبادتنا نحن المسيحيين فهي بالروح والحق (يو24: 4).

العدد 7

آية (7): -

"7فَمَاذَا نَقُولُ؟ هَلِ النَّامُوسُ خَطِيَّةٌ؟ حَاشَا! بَلْ لَمْ أَعْرِفِ الْخَطِيَّةَ إِلاَّ بِالنَّامُوسِ. فَإِنَّنِي لَمْ أَعْرِفِ الشَّهْوَةَ لَوْ لَمْ يَقُلِ النَّامُوسُ: «لاَ تَشْتَهِ».".

بعد أن أعلن فرحته إذ تحرر من الناموس يتساءل مع السامع، هل الناموس به عيب = هَلِ النَّامُوسُ خَطِيَّةٌ = هل هو شريعة للشر، وكيف يكون كذلك والله هو الذي وضعه. حَاشَا = أبداً، فبدونه كان الإنسان قد إنحط للحيوانية. وما يجب أن نفهمه أن الناموس كالمرآة فاحص للإنسان هو يفضح الخطية ولكن لا يعالجها، هو يفتح الجرح ويعده للشفاء الذي كان بالمسيح. هو عاجز عن أن يعطي معونة للإنسان، هذه التي تعطيها النعمة. فالمرآة (الناموس) تظهر العيوب فنبحث عن طبيب، والنعمة هي طبيب التجميل الذي يعالج. كان الناموس مؤدبنا إلي المسيح (غل24: 3) بل يجعلنا نبحث عنه وننتظره. ولكن الناموس كشف طبيعة العصيان التي فيَّ. وبهذه الطبيعة صار كل ممنوع مرغوب. وكان هذا ليس عيباً في الناموس ولكن في طبيعة الإنسان، الذي عندما يشتهي شيئاً ويُمْنَعْ عنه تلتهب الشهوة فيه بالأكثر. لاَ تَشْتَهِ = هذه هي الوصية العاشرة.

العدد 8

آية (8): -

"8 وَلكِنَّ الْخَطِيَّةَ وَهِيَ مُتَّخِذَةٌ فُرْصَةً بِالْوَصِيَّةِ أَنْشَأَتْ فِيَّ كُلَّ شَهْوَةٍ. لأَنْ بِدُونِ النَّامُوسِ الْخَطِيَّةُ مَيِّتَةٌ.".

الخطية كانت ميتة بالنسبة لإنتباه الإنسان، أي أن الإنسان لم يكن منتبهاً إليها كعنصر شرير مفسد وقاتل. ولكنها كانت موجودة بالفعل يمارسها الإنسان دون أن يعيها أو يعي خطورتها، وكانت تقتله دون أن يدري. هذه الآية تشبه ما قاله السيد المسيح "لو لم أكن قد جئت وكلمتهم لم تكن لهم خطية" (يو22: 15).

بِدُونِ النَّامُوسِ الْخَطِيَّةُ مَيِّتَةٌ = لا يعني الرسول أن الخطية لم يكن لها وجود بدون الناموس، بل يعني أن عملها ونشاطها كان أشبه بحالة من الموت بدون الناموس: - مثال ثعبان في الشتاء يكون متجمداً ويكون أشبه بميت وحينما تسطع الشمس بحرارتها (الناموس) يتحرك الثعبان ويعود للحياة. هنا يُشْكَرْ الناموس الذي يفضح إستعداد الإنسان للخطية، لقد أظهر الطبيعة المتمردة التي فيَّ، وزادت خطية العناد. هذا معني الممنوع مرغوب. هذا ما جعل الوصية تثير فيَّ شهوة الخطية. ويُلام الإنسان الذي حَوَّل إستعداد الخطية إلي فعل تعدٍ بإرادته وحب إستطلاعه للشر. وَلكِنَّ الْخَطِيَّةَ وَهِيَ مُتَّخِذَةٌ فُرْصَةً بِالْوَصِيَّةِ = متخذة فرصة تعني أنها قد أعلنت الحرب ضدي وأثارت فيَّ شهواتي بدافع أن كل ممنوع مرغوب (هذه هي طبيعة العصيان والتمرد التي صارت في الإنسان بعد السقوط) كما أقول لإنسان إفتح كل هذه الدواليب، ما عدا هذا الدولاب، ستجده يفتحه وربما أول دولاب يقوم بفتحه. وهذا ما جعل سليمان يقول أن المياه المسروقة حلوة (أم17: 9). ولنعلم أن الإنسان بالناموس الطبيعي أي الضمير كان يعرف أن الخطية خاطئة، وجاء الناموس يحددها ويحدد الشهوة بدقة. وكان الإنسان يعرف الشهوة قبل الناموس (سدوم وعمورة / زوجة فوطيفار..) لكن الناموس كشفها للخارج وقننها (صارت لها قوانين). ولنلاحظ أن بولس الذي كان بلا لوم من جهة البر الذي في الناموس كان شاعراً بأن فيه كُلَّ شَهْوَةٍ. كانت الخطية الساكنة فيه هي التي أنشأت فيه كل شهوة بسبب الطبيعة الفاسدة. والخطية إنتهزت فرصة بالوصية، هذه إقتبسها بولس الرسول من تصرف الحية مع حواء أي يمكن تعديل الآية ووضع كلمة إبليس بدلاً من الخطية. ومنذ سقط آدم صار كل ممنوع مرغوب بسبب طبيعة التمرد والعصيان التي صارت في آدم.

ولكن هل يُعاب الناموس = أبداً ولنقارن بين الشعب اليهودي والأمم الذين وصلوا لإنحطاط غير عادي. إذ قال فلاسفتهم أن الشذوذ الجنسي هو ميزة للسادة لا يجب أن يتمتع بها العبيد، وبهذا إنحطوا بدرجة أقل من الحيوانات، أمّا الناموس فحفظ اليهود وقلل خطاياهم بقدر الإمكان وسيطر عليهم نسبياً فصاروا أفضل من الأمم، وهذا معني أعطيتني الناموس عوناً. فاليهود بلا ناموس كانوا سينحطون لدرجة أقل من الحيوانات كالأمم.

العدد 9

آية (9): -

"9أَمَّا أَنَا فَكُنْتُ بِدُونِ النَّامُوسِ عَائِشًا قَبْلاً. وَلكِنْ لَمَّا جَاءَتِ الْوَصِيَّةُ عَاشَتِ الْخَطِيَّةُ، فَمُتُّ أَنَا،".

كُنْتُ عَائِشًا قَبْلاً = لم يقل حياً. فقوله عائشاً هذه تشبه قول إنسان فقير لا يعرف ملذات الحياة، أو إنسان مريض لا يستمتع بشيء "أهي عيشة وبس". هو كان يتصور في أوهامه أنه حي وفي حالة جيدة ولكنه كان ميتاً بسبب الخطية حتى مع عدم وجود وصية، فالخطية قاتلة. ولكن لما ظهر نور الشمس (الناموس) داخل الحجرة (قلبي) ظهرت القذارة التي في الداخل، وإنتعش الثعبان المتجمد بسبب حرارة الشمس، هذا معني عَاشَتِ الْخَطِيَّةُ = أي إنتعشت بعد أن كانت غير ظاهرة لي. ومُتُّ أَنَا = علمت أنه بسبب الخطية وإنحرافي الداخلي الذي إكتشفته أنني سأموت.

قبل الناموس كانت الخطية موجودة والشهوة موجودة، وبسببهما أهلك الله العالم بالطوفان وأحرق سدوم وعمورة، ثم جاء الناموس ليضيف للإنسان إتهاماً أشد. فمن لا يطيع الوصية يسقط في التعدي. وصار الإنسان يعلم أنه سيموت بسبب التعدي، ولكنه كان غير قادر علي إصلاح حاله، ولا إصلاح إنحرافه الفاسد وميله للإرتداد.

العدد 10

آية (10): -

"10فَوُجِدَتِ الْوَصِيَّةُ الَّتِي لِلْحَيَاةِ هِيَ نَفْسُهَا لِي لِلْمَوْتِ.".

هنا الرسول يبرئ الوصية من أي عيب والدليل أن كثيرين صارت لهم حياة بسببها من أبرار العهد القديم. ولكن العيب كان في من يخالفها.

العدد 11

آية (11): -

"11لأَنَّ الْخَطِيَّةَ، وَهِيَ مُتَّخِذَةٌ فُرْصَةً بِالْوَصِيَّةِ، خَدَعَتْنِي بِهَا وَقَتَلَتْنِي.".

بإستبدال كلمة الخطية بكلمة إبليس، نجد أن هذا ما فعله إبليس حين خدع حواء بواسطة الوصية، وكان ذلك بمزج جزء من الحق بجزء من الكذب. وهكذا يفعل إبليس دائماً (فمن يريد أن يحلل لنفسه شرب الخمر يدَّعي أن بولس الرسول قال أن قليل من الخمر يصلح المعدة، وهذا لم يقله بولس أبداً راجع 1تي23: 5). والشيطان أيضاً إتخذ منع الوصية لبعض الخطايا بأنه أثار الإنسان ليعملها. الخدع مستمرة منذ قالت الحية لحواء لن تموتا فخدعتهم وقتلتهم. لقد قادتني الوصية إلي الموت لأن الخطية التي كانت ساكنة فيَّ إتخذت دافعاً من الوصية وخدعتني فأماتتني. كما أثارت الحية في حواء شهوة أن تصير مثل الله متخذة فرصة بوصية الله لآدم وحواء.

العدد 12

آية (12): -

"12إِذًا النَّامُوسُ مُقَدَّسٌ، وَالْوَصِيَّةُ مُقَدَّسَةٌ وَعَادِلَةٌ وَصَالِحَةٌ.".

هو يبرر الناموس ويلقي التهمة على الإنسان. ويقول أن الناموس مقدس وكل وصية من وصاياه هي مقدسة وعادلة وصالحة. والله أعطي هذا الناموس الصالح لأجل إصلاح الإنسانية. وكل أهدافه خيرة.

العدد 13

آية (13): -

"13فَهَلْ صَارَ لِي الصَّالِحُ مَوْتًا؟ حَاشَا! بَلِ الْخَطِيَّةُ. لِكَيْ تَظْهَرَ خَطِيَّةً مُنْشِئَةً لِي بِالصَّالِحِ مَوْتًا، لِكَيْ تَصِيرَ الْخَطِيَّةُ خَاطِئَةً جِدًّا بِالْوَصِيَّةِ.".

فَهَلْ صَارَ لِي الصَّالِحُ مَوْتًا؟ هل صارت الوصية الصالحة سبباً لموتي؟ قطعا لا، بل الخطية هى سبب موتى وليست الوصية. وهل القاضي العادل الذي يحكم بالموت على مجرم يصبح قاتلاً؟

بَلِ الْخَطِيَّةُ. لتَظْهَرَ خَطِيَّةً = الخطية إختفت وراء الوصية، تخدع الإنسان وتصور له الخطية بلذتها أنها خيراً، وتخفي عنه أن عقوبتها حزن وغم وعبودية والنهاية موت. مُنْشِئَةً لِي بِالصَّالِحِ (الوصية) مَوْتًا = إذ تخدعني فأنجذب من شهوتي فأموت.

ظهر أمامنا الآن مدى بشاعة الخطية إذ أنها مخادعة، فهى تصور لنا أن مخالفة الوصية الصالحة ستعطى لذة ولكن تخفى عنى أن مخالفة الوصية تؤدى للموت.

لِكَيْ تَصِيرَ الْخَطِيَّةُ خَاطِئَةً جِدًّا بِالْوَصِيَّةِ = لقد ظهرت بشاعة الخطية من نتائجها (الموت واللعنة والحزن والخراب والألم…). ظهر كم هي رديئة هذه الخطية إذ أنها بواسطة الناموس الذي هو مقدس وصالح، قد حملت لي الموت. وذلك بسبب:

[1] طبيعة التمرد التي صارت فيَّ وولدت بها. [2] مخالفة الوصية صارت تعدي.

لكن العيب ليس في الوصية بل في من تسلم الوصية ولم يصدق أنها لصالحه.

فالشمس تخرج من بستان الزهر رائحة جميلة وتخرج من كومة القاذورات رائحة عفنة. الشمس نفسها التي تذيب الشمع تقسي اللَبِنْ. كلمة واحدة تكون فرصة حياة لشخص وسبب موت لآخر. بل قيل عن المسيح نفسه أنه قد وضع لسقوط وقيام كثيرين (لو34: 2).

الآيات (14 - 25): -.

"14فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ النَّامُوسَ رُوحِيٌّ، وَأَمَّا أَنَا فَجَسَدِيٌّ مَبِيعٌ تَحْتَ الْخَطِيَّةِ. 15لأَنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ مَا أَنَا أَفْعَلُهُ، إِذْ لَسْتُ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُهُ، بَلْ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ. 16فَإِنْ كُنْتُ أَفْعَلُ مَا لَسْتُ أُرِيدُهُ، فَإِنِّي أُصَادِقُ النَّامُوسَ أَنَّهُ حَسَنٌ. 17فَالآنَ لَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُ ذلِكَ أَنَا، بَلِ الْخَطِيَّةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ. 18فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنٌ فِيَّ، أَيْ فِي جَسَدِي، شَيْءٌ صَالِحٌ. لأَنَّ الإِرَادَةَ حَاضِرَةٌ عِنْدِي، وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى فَلَسْتُ أَجِدُ. 19لأَنِّي لَسْتُ أَفْعَلُ الصَّالِحَ الَّذِي أُرِيدُهُ، بَلِ الشَّرَّ الَّذِي لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ. 20فَإِنْ كُنْتُ مَا لَسْتُ أُرِيدُهُ إِيَّاهُ أَفْعَلُ، فَلَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُهُ أَنَا، بَلِ الْخَطِيَّةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ. 21إِذًا أَجِدُ النَّامُوسَ لِي حِينَمَا أُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى أَنَّ الشَّرَّ حَاضِرٌ عِنْدِي. 22فَإِنِّي أُسَرُّ بِنَامُوسِ اللهِ بِحَسَبِ الإِنْسَانِ الْبَاطِنِ. 23 وَلكِنِّي أَرَى نَامُوسًا آخَرَ فِي أَعْضَائِي يُحَارِبُ نَامُوسَ ذِهْنِي، وَيَسْبِينِي إِلَى نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ الْكَائِنِ فِي أَعْضَائِي. 24 وَيْحِي أَنَا الإِنْسَانُ الشَّقِيُّ! مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ جَسَدِ هذَا الْمَوْتِ؟ 25أَشْكُرُ اللهَ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا! إِذًا أَنَا نَفْسِي بِذِهْنِي أَخْدِمُ نَامُوسَ اللهِ، وَلكِنْ بِالْجَسَدِ نَامُوسَ الْخَطِيَّةِ.".

قال البعض أن بولس الرسول في هذه الآيات يعبر عن حالته ما قبل النعمة. وفي إصحاح 8 يعبر عن حالته ما بعد النعمة. وهذا كلام غير صحيح. فما الداعي لأن يكتب بولس الرسول عن حالته ما قبل النعمة. ويقولون هل يعقل أن بولس الرسول بعد النعمة يقول الخطية الساكنة فيَّ!! ونقول أن بولس كتب لتيموثاوس عن نفسه قائلاً "الخطاة الذين أولهم أنا" (1تي15: 1)، ويطلب من تيموثاوس أن يهرب من محبة المال (1تى6: 11) ويطلب منه أن يهرب من الشهوات الشبابية (2تى2: 22) وتيموثاوس هذا له درجة أسقفية ويرسم أساقفة (1تى5: 22). ويكتب لأهل غلاطية أن الجسد يشتهي ضد الروح، والروح ضد الجسد وهذان يقاوم أحدهما الآخر حتى تفعلون ما لا تريدون (غل17: 5). وهذا الصراع سيستمر طالما نحن في الجسد. ولكن لأن بولس الرسول كان ممتلئاً من الروح وعينه مفتوحة رأي خطايا إشمئز منها، لا نراها نحن فقال الخطاة الذين أولهم أنا. الموضوع ببساطة أن هناك درجات للمؤمنين. فكلما قدم الإنسان توبة يسلك في النور فتقل خطاياه وتزداد النعمة داخله، ولكن لابد من وجود خطايا مهما كانت صغيرة، وهذه تحدد كمية الفرح والسلام اللذان يتمتع بهما المؤمن، ويئن المؤمن مشتاقاً للخلاص من هذا الجسد ليتخلص من أهواء الخطايا الموجودة وبذلك يحصل علي الفرح الكامل ولذلك يقول الرسول "ويحي أنا الإنسان الشقي. من ينقذني من جسد هذا الموت" (رو24: 7) وبنفس المفهوم في رسالة فيلبي يقول "لي إشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح فهذا أفضل جداً" (في23: 1) وهذا أفضل جداً لأن الفرح سيكون كاملاً، ويكون الإنسان قد تخلص تماماً من أهواء الخطية، فهل كان بولس في رسالة فيلبي أيضاً يعبر عن حالته ما قبل النعمة. ويقول القديس يوحنا "إن قلنا إنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا... ونجعله كاذبا" (1يو1: 8 – 10).

جهنم والعذاب الأبدي.. شقاء تام

.

فالمتأخر روحياً كثير السقوط، نادراً ما ينتصر، إنسان شهواني، قلَّما يتذوق الفرح. أما المتقدم روحياً يقل سقوطه ويكثر إنتصاره، ويكون إنساناً روحياً، أي خاضعاً للروح القدس، مملوءاً نعمة، خطاياه من النوع البسيط لكنه بسببها محروم من الفرح الكامل. فالروحاني تزعجه أي خطية وأي شر، بل وشبه شر، ويئن بإستمرار من وجود هذا داخله. وراجع قول يوحنا "إن قلنا أن ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا" (1يو8: 1). فهل كان يوحنا حينما قال هذا يعبر عن حالة ما قبل النعمة. لابد وأن توجد خطايا، ولكن الناس درجات. فالإنسان كلما ينمو روحياً يضمحل إنسانه العتيق وينمو الإنسان الجديد والعكس صحيح. وكلما نما الجديد صار هذا الإنسان إنساناً روحياً. أي خاضعاً بدرجة عالية للروح القدس.

ناموس الخطية هذا مغروس في طبيعتنا البشرية، يقف دائماً عائقاً عن التأمل في ذلك الصلاح الذي يسحر أنظار القديسين، وهو يعوقنا عن رؤية الله. ولنذكر أن الله علمنا أن نصلي قائلين أبانا الذي في السموات… وإغفر لنا ذنوبنا.. "وهذه يصليها حتى القديسون، فمن هو الذي يدعي أنه غير خاطئ وبلا ناموس للخطية. وفي القداس نقول" يعطي لمغفرة الخطايا "، فهل وصل إنسان إلى أنه غير محتاج للتناول لأنه بلا خطية. ولنرى بكاء الأنبا أنطونيوس وحزنه الشديد إنه إستيقظ بعد طلوع الشمس فتأخر عن الصلاة، وإعتبر هذا خطية. إذاً الناس درجات.

العدد 14

آية 14: -

"14فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ النَّامُوسَ رُوحِيٌّ، وَأَمَّا أَنَا فَجَسَدِيٌّ مَبِيعٌ تَحْتَ الْخَطِيَّةِ.".

فَإِنَّنَا نَعْلَمُ = إذاً ما هو آتٍ مرتبط بالآية السابقة، وكانت تقول إن الخطية سببت الموت وليس الناموس. فالنَّامُوسَ رُوحِيٌّ = أي أوحَى به الروح القدس. ولو أطاعه إنسان لصار روحي يسلك في حياة روحية فاضلة.

وَأَمَّا أَنَا فَجَسَدِيٌّ = أي من التراب، وتسكن فيَّ الخطية، الإنسان العتيق يستعبد أعضائي. مَبِيعٌ تَحْتَ الْخَطِيَّةِ = الإنسان العتيق يستعبد أعضائي فأنا مولود بالخطية، هذه الحالة ليست ما قبل المسيح فقط، بل ما قبل التوبة أيضاً. وفيها يكون الإنسان مستعبد لسيد هو الخطية، وشهوات جسده. الخطية تمتلكه كما يمتلك السيد عبده. إذاً الخطية مني أنا وليست من الناموس. لقد سعيت وراء الشهوات البشرية الجسدية وإستعبدت للخطية فصرت ساقطاً تحت ناموسها فحُسِبْتُ جسدياً. هذا الإنسان لا تحركه سوي شهوات جسده (حقد / حسد / مال / إمتلاك / جنس…).

النَّامُوسَ رُوحِيٌّ = أي بوحي من الروح القدس ويقود الإنسان في الاتجاه الروحي، ولكنه فقط يدين ويظهر الفساد الداخلي، أوامر دون معونة. أمّا النعمة فالروح القدس يسكن فينا ليعين ضعفاتنا، لذلك فالناموس يدين، أما النعمة فتعين.

ماذا فعل فيَّ ناموس الخطية؟

1. شوه معرفتي: - آية15 هي شوهت التمييز بين الخير والشر من كثرة السقوط والإعتياد عليه، فصار الزنا يسمي حباً والرشوة تسمي هدية هذه حالة عمي روحي. صار الإنسان مسلوب التفكير، صار كمن لا يعرف، غير قادر علي الإحجام عن الخطية وعمل البر عوضاً عن الشر.

2. أفقدتني الإرادة الصالحة العاملة: - آية15 "ما أبغضه فإياه أفعل" هي شوهت البصيرة أولاً، وسيطرت علي الإرادة فصارت شهوة جسدي هي التي تقودني. ولاحظ أن قوله "ما أبغضه فإياه أفعل". أي لست مجبراً ولذلك سأحاسب علي عملي إذ لست مجبراً.

3. أفسد جسدي: -.

في 1. رأينا ناموس الخطية يشوه المعرفة الروحية.

وفي 2. رأيناه يحطم الإرادة القوية.

وهنا نراه في آية17 يعطي سكني الخطية في الإنسان، في داخله، ويصير ناموسها عاملاً في أعضائه، فصارت الأعضاء آلات إثم تعمل لحسابه.

وماذا عن عهد النعمة؟

  1. المعمودية هي إستنارة (نقرأ إنجيل الأعمى يوم أحد التناصير. عموماً الروح القدس يفتح الحواس ويدربها (عب14: 5). عموماً الحواس الروحية تنفتح علي السماء، فأنقياء القلب يرون الله ويميزون صوته (مت8: 5 + يو4: 10).
  2. الله يعين الإرادة الضعيفة: - فالروح القدس يعين (رو26: 8). والله هو العامل فينا أن نريد وأن نعمل (في13: 2). ولكن هي تدعيم وليس إجبار.
  3. صرنا هياكل للروح القدس ليسكن فينا.. هذه هي الخليقة الجديدة.

العدد 15

آية15: -

"15لأَنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ مَا أَنَا أَفْعَلُهُ، إِذْ لَسْتُ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُهُ، بَلْ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ.".

كما قلنا فهذه حالة عمي روحي، كما يقول أحد "مش عارف أنا بأعمل كده ليه" هو مستعبد بالكامل للذته. هو يعرف أن هذا خطأ لكنه كأنه لا يعرف، فهناك دافع داخلي يدفعه ليخطئ، مثل من أتوا به للمسيح، وكان عليه شيطان يرميه في النار وفي الماء. الخطية صيرته كمجنون.

لأَنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ = ليست المعرفة النظرية، فإنه بناموس الطبيعة يعرف الإنسان الخطية، ولكنه يقصد "صرت كمن بلا معرفة" غير قادر أن أمتنع عن الخطية، مثل السكير الذي يشرب الخمر وهو يعرف ضررها، كما قال الشاعر "داوني بالتي كانت هي الداء". أفعل ما أفعله بعماء وأنا سَكِر بأهواء الخطية. فأنا لا أفعل هذا الذي أريده من أعماق قلبي، بل أفعل هذا الذي أبغضه لأنني واقع تحت ظلام الخطية (هذا هو حال المدمن، أو من يعرف أن السيجارة ستقتله ومازال يدخن). إذاً من ذا الذي يفعل فيَّ ما لا أريده. فالنفس تكره ما أنا فاعله ولا تريده، وهذا يشهد للناموس أنه حسن. إذاً هي الخطية الساكنة فيَّ، التي تكوِّن في الإنسان ذاتاً أخري غير ذاته، إنسان آخر يثير حرباً، ويستعبد أعضائي، وأنصار هذا الإنسان الشهوات الزائفة، هو روح الشهوة التي إن زاغت عن ما هي معدة له أثارت حرباً علي الإنسان وإستمالت حواسه.

وبالنسبة للمتقدمين روحياً فهذه الآية تفسَّر علي الأفكار وليس الأفعال، فالأفكار لا إرادية (2كو5: 10). وهذا نفس ما إشتكي منه داود (مز19: 12، 13). ونلاحظ أننا لا نقدر أن نمنع الفكر عن أن يأتينا من الخارج إلي ذهننا، لكننا قادرون أن نمتنع عن طاعته أو ممارسته. والإنسان الجسداني حينما يبدأ تحوله ليصبح إنساناً روحياً يسقط أولاً في ممارسة بعض الأعمال الخاطئة، ثم يمتنع عن الأعمال ويتبقي بعض الشهوات، ثم يقتصر الأمر علي بعض الأفكار.

العدد 16

آية16: -

"16فَإِنْ كُنْتُ أَفْعَلُ مَا لَسْتُ أُرِيدُهُ، فَإِنِّي أُصَادِقُ النَّامُوسَ أَنَّهُ حَسَنٌ.".

مَا لَسْتُ أُرِيدُهُ = أي ما يشهد لي الناموس الطبيعي (عقلي وضميري) بفساده. فإذا كنت أشعر بعدم الرضي وعدم الإرتياح لما أفعله من إثم، فأنا إذاً أتفق مع وصايا الناموس. وهناك سؤال.. إذا كان عقلي يصادق الناموس فلماذا أفعل عكس ما يقوله ويشهد به عقلي؟ السبب أن الإنسان العتيق لم يمت بالكامل، أو أكون أنا أثرته وجعلته يستيقظ وأكون أهملت تغذية الإنسان الجديد بكلمة الله.

العدد 17

آية17: -

"17فَالآنَ لَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُ ذلِكَ أَنَا، بَلِ الْخَطِيَّةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ.".

الخطية الساكنة فيَّ هي كدكتاتور مستبد، هي التي تفعل ما أفعله وتلزمني به. فما أفعله ليس راجعاً لإرادتي وعقلي، وإنما من أصل الشهوة الراسبة فيَّ والتي إنحرفت وورثتها أنا من آدم. ولكن الله قادر أن يدعم إرادتي (في13: 2).

العدد 18

آية18: -

"18فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنٌ فِيَّ، أَيْ فِي جَسَدِي، شَيْءٌ صَالِحٌ. لأَنَّ الإِرَادَةَ حَاضِرَةٌ عِنْدِي، وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى فَلَسْتُ أَجِدُ.".

أي إني أعلم أنه لا يوجد في داخلي شئ صالح. بعد أن صرت تحت سيطرة وسلطان إنساني العتيق الذي ينجذب بسهولة إلي الخطية. وليس فيَّ شئ صالح لأنه من ناحية إرادتي للخير ولعمل الفضيلة، هذه الإرادة تحت سلطاني وفي مقدوري، إلاّ أن فعل الصلاح وفعل الخير والفضيلة أمر ليس في متناولي. هنا نري أن الرسول يميز بين الإرادة والفعل، فالإرادة تقابل الرغبة والإختيار. ومن عمل النعمة في المسيحية تقوية الإرادة "الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن.." (فى2: 13).

العدد 19

آية19: -

"19لأَنِّي لَسْتُ أَفْعَلُ الصَّالِحَ الَّذِي أُرِيدُهُ، بَلِ الشَّرَّ الَّذِي لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ.".

المشكلة في العجز عن تنفيذ الرغبة الصالحة وفعل الإرادة الصالحة، هي في الخطية الساكنة فيَّ وليست في جسدي، فجسدي الذي صنعه الله هو جسد صالح، ولكن سكنت فيه الشهوة الخاطئة، وصارت تستميله لصنع الشر، وتضعف إرادته لصنع الخير. ولما جاء المسيح أعطانا النعمة وهى قوة تدين الخطية، ويسكن هو فيَّ، في داخلي فأقول "أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ" (غل20: 2). فإن كنا قد سبق وسلمنا أعماقنا للخطية، فلنحسب أنفسنا أمواتاً، فلنمت مع غالب الخطية فيملك هو فينا ونستتر نحن فيه (كو3: 3، 4).

العدد 20

آية20: -

"20فَإِنْ كُنْتُ مَا لَسْتُ أُرِيدُهُ إِيَّاهُ أَفْعَلُ، فَلَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُهُ أَنَا، بَلِ الْخَطِيَّةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ.".

لنعلم أن الإنسان طالما هو في الجسد، في زمن الجهاد، لن يُعصَم من الخطأ، بل عليه أن يستمر في جهاده ليعينه الله في ضعفه حتى يكمل أيام غربته بسلام.

العدد 21

آية21: -

"21إِذًا أَجِدُ النَّامُوسَ لِي حِينَمَا أُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى أَنَّ الشَّرَّ حَاضِرٌ عِنْدِي.

أَجِدُ النَّامُوسَ = الناموس هنا هو قانون حياتي، أو نظام حياتي. ونتيجة لسكني الخطية فيَّ، أجد في نفسي التي تريد أن تفعل الخير. أجد أن هناك قانوناً في داخلي يجعل الشر أقرب إلي الخير. علي الأقل سيحدث في الداخل أفكار خاطئة علي الرغم من عدم التنفيذ. مثال: - بولس حينما ضُرِب قال لرئيس الكهنة ليضربك الله أيها الحائط المبيض. ففي داخله إرادة أن لا يشتم لكنه وجد الشتيمة قد خرجت، أما المسيح الكامل فلم يفعل هذا.

العدد 22

آية22: -

"22فَإِنِّي أُسَرُّ بِنَامُوسِ اللهِ بِحَسَبِ الإِنْسَانِ الْبَاطِنِ.".

علي أنه من الواضح أنه علي الرغم من سلطان الشر، فإن عقلي وقلبي اللذان يمثلان.

الإنسان الباطن يشعران بسرور بما يوصي به ناموس الله. علي الرغم من أن ناموس الخطية يطلب العكس. والإنسان الباطن لبولس ولأي مؤمن تائب هو الإنسان الجديد المولود بالمعمودية (2كو16: 4 + أف16: 3) هو الإنسان الذي يقوده الروح القدس والمتصل بالله.

العدد 23

أية23: -

"23 وَلكِنِّي أَرَى نَامُوسًا آخَرَ فِي أَعْضَائِي يُحَارِبُ نَامُوسَ ذِهْنِي، وَيَسْبِينِي إِلَى نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ الْكَائِنِ فِي أَعْضَائِي.".

علي إني أشعر بأن هناك ناموساً آخر وقوة أخري تسيطر عليَّ وتتحكم في أعضائي، هذه القوة، وهذا الناموس هما ناموس الخطية وقوتها. هذا الناموس يقف موقف المعارض والمقاوم لكل ما يقتنع به عقلي وقلبي وضميري، كناموس صالح.

نَامُوسَ ذِهْنِي = هو ضميري (مازال في ضمير كل إنسان بصيص من نور) ولاحظ رقة البحارة مع يونان، ونري فيهم صورة للضمير الذي وضعه الله في العالم كله. وهو ناموس (قانون) لأننا لو طلبنا من أي إنسان في العالم كله وصايا لتحكم مجتمعه، فناموس الخطية العامل فيه (شهوته) قد تجعله يضع قانوناً يبيح الزنا، ولكن ذهنه سيقول لا لئلا يحدث هذا مع زوجته أو إبنته… لذلك سنجده يضع قانوناً يقول "لا تزن" وبهذا سيتفق مع الوصايا العشرة. إذاً العقل بلا شك يسيطر علي جموح الشهوة.

العدد 24

آية24: -

"24 وَيْحِي أَنَا الإِنْسَانُ الشَّقِيُّ! مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ جَسَدِ هذَا الْمَوْتِ؟".

هذه الآية تعني أن الرسول يريد أن يتحرر من هذا الجسد الحالي الذي هو خاضع لناموس الخطية، ليحصل علي الجسد الممجد، وليعيش في كمال الحرية وكمال البر والفرح والمجد. وهو يجد أن جسده هذا يعوقه عن كل هذا وعن رؤية السماء بأفراحها. فيئن ويشتاق للحصول علي هذا الجسد الممجد والطريق الوحيد، هو موت هذا الجسد الحالي (1كو15: 42، 43) وهذه الآية متطابقة مع الآية "لي إشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جداً". لذلك فهذه الآية "وَيْحِي أَنَا الإِنْسَانُ الشَّقِيُّ! مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ جَسَدِ هذَا الْمَوْتِ" قيلت من بولس وهو في عهد النعمة، فلا يمكن لإنسان مهما كان أن يشتهي الموت فيما قبل عهد النعمة. ونفس المعني نجده في (رو23: 8) أنه يئن متوقعاً التبني، أي يشتاق أن يغادر جسده الحالي ليلبس الممجد، ويعيش في عشرة القديسين ويري الله.

العدد 25

أية25: -

"25أَشْكُرُ اللهَ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا! إِذًا أَنَا نَفْسِي بِذِهْنِي أَخْدِمُ نَامُوسَ اللهِ، وَلكِنْ بِالْجَسَدِ نَامُوسَ الْخَطِيَّةِ.".

إني أقدم الشكر لله الذي خلصني بواسطة يسوع المسيح ربنا. هو يشكر وسط شكواه، فالشكر والتسبيح يعطيان لذة وعلاج ضد المخاوف والأحزان. وهنا نري ناموسين يعملان في بولس: -.

ناموس ذهنه (ما هو مقتنع به عقليا)، وناموس الخطية (الخطية الداخلية تستعبد أعضاءه) فبالنعمة الإلهية تقدست حياته. ولكن مازالت الخطية تحاربه، لأنه مازال في الجسد. وهذا هو مفهوم النصرة الإلهية، فالنصرة مرتبطة بالجهاد الذي لا ينقطع ضد الخطية الساكنة فينا (عب4: 12). وخلال هذا الجهاد يسندنا الرب الساكن فينا ومن يغلب سينال مكافأته (رؤ2، 3) وحسب جهاده. فبولس نفسه كان يقمع جسده ويستعبده. ولاحظ أن الله لم يخلق إنساناً قديساً وإنساناً شريراً، فحتى رسوله بولس يقول أن هناك أهواء خطية تجذبه وتبعده عن الأمور السماوية لينشغل بذهنه في أشياء أرضية. وهو بناموس ذهنه يفرح بالله ويسعي علي الدوام أن يكون متحداً به وحده، ويقول أن ناموس الخطية هذا لم يستطع أن يمنع فرحه بناموس الله. ولكن الفرح ليس كاملاً فناموس الخطية الكائن في أعضائنا يمنعنا عن الفرح الكامل، وهذا سر شهوة القديسين للإنطلاق.

ولاحظ أن الرسول هنا يشكر علي أشياء روحية، أنه بذهنه يخدم ناموس الله، هذا لأن عينه مفتوحة، فهو يشكر علي أشياء روحية (المجد المعد لنا والتبني…) أما ذوي العيون المغلقة فهم يشكرون علي أشياء مادية، وما الذي فتح عين الرسول؟ أنه ثابت ومتحد بالمسيح = أَشْكُرُ اللهَ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا. وهذه تعني أنه ثابت في المسيح. ومن يثبت في المسيح يمتلئ بالروح، ومن يمتلئ بالروح تنفتح عيناه فيدرك عطايا الله الروحية.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الثامن - تفسير الرسالة إلى رومية - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح السادس - تفسير الرسالة إلى رومية - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير الرسالة إلى رومية الأصحاح 7
تفاسير الرسالة إلى رومية الأصحاح 7