الأصحاح الثاني عشر – تفسير رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح الثاني عشر

نرى هنا صورة للعداء الدائم بين إبليس وبين الكنيسة، والحرب التى يثيرها دائما ضد الكنيسة. ولكنه عدو مهزوم ساقط مطرود من السماء بينما أن الكنيسة سمائية.

هنا نرى الكنيسة مشبهة بإمرأة فهى عروس المسيح. وفى إصحاح (17) نرى إمرأة أخرى أسماها الزانية العظيمة وهذه عروس الشيطان. إذاً نحن أمام صورتين فى سفر الرؤيا: -.

الأولى: - هى الكنيسة كعروس وعريسها المسيح (رؤ1: 12 + رؤ2: 21).

الثانية: - هى بابل الزانية العظيمة وعريسها الشيطان (رؤ1: 17 - 7).

العدد 1

آية (1): -

"1 وَظَهَرَتْ آيَةٌ عَظِيمَةٌ فِي السَّمَاءِ: امْرَأَةٌ مُتَسَرْبِلَةٌ بِالشَّمْسِ، وَالْقَمَرُ تَحْتَ رِجْلَيْهَا، وَعَلَى رَأْسِهَا إِكْلِيلٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ كَوْكَبًا،".

امْرَأَةٌ مُتَسَرْبِلَةٌ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرُ تَحْتَ رِجْلَيْهَا = هذه الصورة تذكرنا بسفر نشيد الأناشيد، الذى هو حوار بين العريس (المسيح) والعروس (الكنيسة) وفيه يصف العريس عروسه بأنها "جميلة كالقمر طاهرة كالشمس" وهى جميلة لأنها كالقمر، والقمر يعكس نور الشمس، والشمس إشارة للمسيح شمس البر. فكما هو نور للعالم (يو12: 8) فهى نور للعالم (مت14: 5) هى تستمد جمالها منه، بل هى تعكس جماله. هو سر جمالها. وهى طاهرة كالشمس لأنها مُتَسَرْبِلَةٌ بِالشَّمْسِ. لا يظهر عريها ولا خطاياها، فهى طالما فى عريسها المسيح لا يظهر منها سواه "قد صالحكم الآن فى جسم بشريته بالموت ليحضركم قديسيين وبلا لوم ولا شكوى أمامه" (كو22، 21: 1) لقد لبست المسيح (رو14: 13).

آيَةٌ عَظِيمَةٌ فِي السَّمَاءِ = فهذه العروس سماوية.

  1. تصلى أبانا الذى فى السموات إذاً أباها سماوى.
  2. سيرتها فى السماوات (فى 20: 3). سيرتها أي أن مواطنتها سماوية.
  3. عريسها أقامها معه وأجلسها معه فى السماويات (أف6: 2). وهى آيَةٌ، فكيف تكون وهى أرضية. وتحيا فى نفس الوقت فى السماويات. هذا لأن عريسها فى وسطها "ها أنا معكم كل الأيام إلى إنقضاء الدهر" (مت20: 28) وبحسب وعده "لأنه حيثما إجتمع إثنان أو ثلاثة بإسمى فهناك أكون فى وسطهم" وهذا معنى "طأطأ السموات ونزل" (مز 18: 9).

والإمْرَأَةٌ هى الكنيسة. وهناك من قال أنها العذراء ولا خلاف بين الرأيين، فالعذراء هى أم المسيح، وجسد المسيح هو كنيسته. والكنيسة ليست هى كنيسة العهد الجديد فقط، بل هى كنيسة العهد القديم والعهد الجديد. والمسيح أتى ليجعل الإثنين واحدا (أف14: 2). وعلينا أن نفهم أنه ليس هناك دين يهودى ودين مسيحى، فالدين المسيحى هو إمتداد وتكميل للدين اليهودى والمسيح "ما أتى لينقض بل ليكمل" وكنيسة العهد الجديد هى إمتداد لكنيسة العهد القديم. هما جسد واحد بلا إنفصال. المدخل لهذا الجسد هو رقم 12.

12 = 3 × 4 (كل العالم أو العمومية)، 3 تشير إلى (1) المؤمنين بالله مثلث الأقانيم.

(2) الذين يعمل فيهم الروح القدس الأقنوم الثالث.

(3) الذين لهم قيامة من موت الخطية.

ولذلك نلاحظ أن كنيسة العهد القديم مؤسسة على 12 سبطا. وكنيسة العهد الجديد مؤسسة على 12 تلميذا. وكلاهما جسد واحد تمثله هذه المرأة.

إذاً كنيسة العهد الجديد هى إمتداد لكنيسة العهد القديم، ولكن من رفض الإيمان بالمسيح من اليهود خرج من الكنيسة ولم يعد يحسب من شعب الله (رو11).

ولاحظ أن الكنيسة مكانها فى السماء، تعيش غريبة على الأرض. والأرض أو العالم شُبِّه بالبحر، فمياهه (ملذاته) مالحة تصيب كل من يشرب منها بالعطش، وأمواج البحر تشبه العالم فى أنه يرفع الإنسان يوما ويخفضه يوما. والعالم مشبه بالبحر، فالإنسان لا يستطيع أن يعيش فى البحر، بل هو سيموت.

مُتَسَرْبِلَةٌ بِالشَّمْسِ = المسيح هو شمس البر (ملا2: 4). وبولس الرسول يقول إلبسوا المسيح (رو14: 13). إذاً الكنيسة لها صورة عريسها أى صورة المسيح.

وَالْقَمَرُ تَحْتَ رِجْلَيْهَا = القمر إشارة للقديسيين، فالقمر يعكس نور الشمس، ويستمد ضياؤه من الشمس، وهكذا القديسين هم نور للعالم إذ يعكسون نور المسيح الذى فيهم. وكونهم تحت قدميها فهذا يشير لموت القديسين سواء بإستشهاد أو موت طبيعى فالموت موضوع لكل إنسان (عب27: 9).

عَلَى رَأْسِهَا إِكْلِيلٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ كَوْكَبًا = هم المؤمنين بالله فى كل الأزمنة، وهم تاج جهاد الكنيسة دائما، هم يضيئون جبين الكنيسة وينشرون نورها فى كل العالم بإيمانهم وقداستهم. وقد يكونوا هم الأسباط أو تلاميذ السيد المسيح (12) ويمكننا فهم الصورة السابقة تاريخيا. فكون المرأة تلد إبنا ذكرا كما سيأتى فى آية (5). فالإبن الذكر هو المسيح، وتكون المرأة هنا هى كنيسة العهد القديم (الشعب اليهودى). وبعد أن تلد الإبن الذكر لا يعود هناك يهودى وأممى، بل الكل كنيسة واحدة هى القمر. وكون القمر تحت رجلى المرأة فهذا يعنى أنه بعد أن أدت كنيسة العهد القديم دورها وولد منها المسيح جاءت الكنيسة، بمعنى أن الكنيسة تاريخيا تأتى بعد الشعب اليهودى، وهذا تم التعبير عنه بأنها تحت رجلى المرأة.

وعلى رأسها إكليل من إثنى عشر كوكبا = هناك رأى آخر وهو غالبا الأدق أن هؤلاء هم قديسى وشهداء الكنيسة سواء من العهد الجديد أو العهد القديم، فكما إتفقنا أن كلا العهدين هما كنيسة واحدة. وهؤلاء الإثنى عشر هم كواكب. والكواكب عالين فى السماء. والقديس بولس الرسول قال عنهم "سحابة من الشهود" (عب12: 1) ولو قلنا أنهم الأسباط الإثنى عشر فهل نضع رأوبين الذى أخطأ والإخوة العشر الذين دبروا المؤامرة على أخيهم يوسف ولا نضع الأنبياء، بل والأباء إبراهيم وإسحق ويعقوب. ولو قلنا هم تلاميذ المسيح فهل لا نضع بينهم بولس الرسول ومارجرجس وكل الشهداء.

العدد 2

آية (2): -

"2 وَهِيَ حُبْلَى تَصْرُخُ مُتَمَخِّضَةً وَمُتَوَجِّعَةً لِتَلِدَ.".

وَهِيَ حُبْلَى = الكنيسة أم ولود، ولكن ولادتها لأبنائها تكون بصعوبة = تَصْرُخُ مُتَمَخِّضَةً وَمُتَوَجِّعَةً لِتَلِدَ = هكذا قال بولس الرسول "يا أولادى الذين أتمخض بكم إلى أن يتصور المسيح فيكم" (غل19: 4). وبالنسبة لكنيسة العهد القديم فقد كانت تصرخ لتلد المسيح قائلة "ليتك تشق السموات وتنزل" (أش1: 64) والمسيح أتى فعلا منهم وبالذات من سبط يهوذا. واليهود كانوا فعلا متلهفين لمجىء هذا المخلص الذى وُعِدوا به زمنا طويلا، بل حتى السامريين كانوا ينتظرونه كما قالت السامرية للسيد "أنا أعلم أن مسيا الذى يقال له المسيح يأتى" (يو25: 1).

العدد 3

آية (3): -

"3 وَظَهَرَتْ آيَةٌ أُخْرَى فِي السَّمَاءِ: هُوَذَا تِنِّينٌ عَظِيمٌ أَحْمَرُ، لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِ سَبْعَةُ تِيجَانٍ.".

آيَةٌ أُخْرَى فِي السَّمَاءِ = فالشيطان أصله من السماء وسقط (إش12: 14 - 15) + (مز11: 28 - 17) هُوَذَا تِنِّينٌ = إشارة لقوته الهائلة وقوته. أَحْمَر = فالسيد المسيح قال عنه كان قتالا للناس من البدء (يو 44: 8). وكان السبب بخداعه لأبوينا الأوليين آدم وحواء فى هلاك البشر. لذلك ففى نفس الآية (يو 44: 8) التى يقول فيها السيد عن الشيطان أنه كان قتالا للناس من البدء، يضيف أنه كذاب وأبو الكذاب وأنه ليس فيه حق، فبخداعه أهلك البشر. ولكم أثار أيضا إضطهادات دموية ضد المؤمنين سال فيها دم كثير. وهو لا يكف عن التخريب والتدمير محاولا إهلاك أولاد الله. فالرأس إشارة للفكر.

لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ = رقم 7 هو رقم الكمال والمعنى أنه دائم التفكير فى القتال. وقد تشير الرؤوس السبعة للسبعة الممالك التى يعمل فيهم إبليس ليضطهدوا شعب الله كما سيأتى ذكره فى إصحاح (17)، وما يؤيد هذا أن عَلَى رُؤُوسِهِ سَبْعَةُ تِيجَانٍ = فهو يتحكم فى ملوك هذه الدول ليثيروا إضطهادا ضد شعب الله. وكون أن له 7 تيجان ففى هذا إشارة إلى أنه ينصب نفسه ملكا فى قلوب الأشرار، ويسيطر على أفكارهم وتصرفاتهم.

وَعَشَرَةُ قُرُونٍ = القرن رمز للقوة، فهو يستخدم كل شدة قوته ضد شعب الله لإفساد الإيمان. وقد تعنى العشرة قرون 10 ملوك يساندون الوحش عند ظهوره لتحطيم الإيمان (رؤ17: 12). وقد يفهم رقم 10 على أن عمل الشيطان دائما هو الحث على كسر الوصايا العشر.

العدد 4

آية (4): -

"4 وَذَنَبُهُ يَجُرُّ ثُلْثَ نُجُومِ السَّمَاءِ فَطَرَحَهَا إِلَى الأَرْضِ. وَالتِّنِّينُ وَقَفَ أَمَامَ الْمَرْأَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَلِدَ، حَتَّى يَبْتَلِعَ وَلَدَهَا مَتَى وَلَدَتْ.".

نُجُومِ السَّمَاءِ = نفهم من هذا أن الشيطان، الملاك الساقط جذب معه ثلث الملائكة فصاروا شياطين (يه 6). وربما تشير لنجاحه فى إسقاط عدد كبير من المؤمنين. فَطَرَحَهَا إِلَى الأَرْضِ = الشيطان وأتباعه من الملائكة الساقطين لم يعودوا بعد فى السماء، وصار مجال عملهم الأرض. وهو حاول أن يبتلع المسيح الذى سيولد، إبتداء من إثارته لهيرودس ليقتل المسيح الطفل، فقتل أطفال بيت لحم. وحتى محاولته أن يقبض على نفس المسيح عند موته على الصليب كما تعود أن يمسك كل نفوس بنى آدم ليأخذهم عند موتهم إلى الجحيم. لكن المسيح الذى بلا خطية إنتصر عليه وأمسكه، وذلك شرحه السيد المسيح حينما قال "رئيس هذا العالم آتٍ وليس له فىَّ شىء" (يو30: 14). فالمسيح لم يَقْبَل من يده أى خطية. ولذلك قام المسيح من الموت منتصرا على الموت وعلى إبليس. ونرى فى الآية الآتية صعود المسيح بجسده للسماء ليعد لنا مكانا.

العدد 5

آية (5): -

"5فَوَلَدَتِ ابْنًا ذَكَرًا عَتِيدًا أَنْ يَرْعَى جَمِيعَ الأُمَمِ بِعَصًا مِنْ حَدِيدٍ. وَاخْتُطِفَ وَلَدُهَا إِلَى اللهِ وَإِلَى عَرْشِهِ،".

فَوَلَدَتِ ابْنًا ذَكَرًا = هو المسيح وهو ذكر لأنه عريس الكنيسة. عَتِيدًا = مزمعا أَنْ يَرْعَى جَمِيعَ الأُمَمِ بِعَصًا مِنْ حَدِيدٍ = رمز العدل والقوة والإقتدار، وهذا ما قيل فى (مزمور 9، 8: 2) عن المسيح الذى أراد إبليس إفتراسه، والمسيح هو الراعى الذى يضم إلى حظيرته جميع الأمم. أما الشيطان ومن يتبعه من كل قوى الشر يسحقهم بعصا من حديد. وَاخْتُطِفَ وَلَدُهَا إِلَى اللهِ = هذا إشارة لصعود المسيح بالجسد للسماء ليرفع البشرية الساقطة للأعالى. وقوله اخْتُطِفَ إشارة لأن لاهوته المتحد بناسوته هو الذى رفع الناسوت للسماء.

العدد 6

آية (6): -

"6 وَالْمَرْأَةُ هَرَبَتْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، حَيْثُ لَهَا مَوْضِعٌ مُعَدٌّ مِنَ اللهِ لِكَيْ يَعُولُوهَا هُنَاكَ أَلْفًا وَمِئَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَوْمًا.".

الْمَرْأَةُ هَرَبَتْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ = هى الكنيسة التى تعيش فى العالم كأنه برية، حاسبة إياه أنه برية، غير مهتمة بملذاته، بعيدا عن ضجيج العالم، شاعرة بغربة فى هذا العالم، كما نصلى فى القداس قائلين "ونحن الغرباء فى هذا العالم". وهذه الكنيسة التى تحيا فى العالم حاسبة أنه خراب بالنسبة لها (شرور العالم) يلاطفها الله قائلا "لكن هأنذا أتملقها وأذهب بها إلى البرية وألاطفها" (هو14: 2) وهذه عن تعزيات الله لمن يحيا فى العالم كغريب.

حَيْثُ لَهَا مَوْضِعٌ مُعَدٌّ مِنَ اللهِ = فالله يعد لكل منا مكانا يعيش فيه وله عمل يشهد به لله. لِكَيْ يَعُولُوهَا = روحيا وماديا بل ورعاية كاملة، كما عال بنى إسرائيل بالمن فى سيناء وإحدى صور الهروب هى صورة هروب الرب يسوع مع أمه العذراء إلى أرض مصر. وقيل أنهم أقاموا فى مصر ثلاث سنوات ونصف. فمن يريد أن يهرب من التنين يذهب إلى البرية.

أَلْفًا وَمِئَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَوْمًا = أى 5,3سنة. وهذا الرقم يعنى أنه وضع مؤقت لأن الهروب للبرية هو وضع مؤقت غير دائم، فالكنيسة ستحيا فى صراع لكن ليس على الدوام، بل ستأتى النصرة فى النهاية... وكأن المسيح مازال يردد "أما قدرتم أن تسهروا معى ساعة واحدة" (مت40: 26). ونلاحظ أن الـ1260 يوما هى مدة سيطرة ضد المسيح أو مدة حكمه (رؤ2: 11) لذلك قد تفهم هذه الآية أن الكنيسة ستهرب من وجه ضد المسيح فعلا إلى الجبال والبرارى من شدة الضيق وهناك يعولها الله. ولكن هذا لن يتضح الآن وإنما سيعلن فى وقته، ووقتها سنفهم ما علينا عمله، بل سنكتشف من كلمات سفر الرؤيا التى سيتضح معناها وقتها فهى مكتوبة الآن بصورة شفرية، وستنحل الشفرة وقتها وسنفهم إلى أين نهرب. وهناك فى البرية سيَعُولُوهَا = لأن فى وقت الضيقة العظيمة الله سيعول كنيسته (بواسطة ملائكته) بطريقة ما. ولاحظ كما سنرى فى إصحاح (13) أن أولاد الله لن تكون لهم سمة الوحش التى بها يبيعون ويشترون، فهم سيكونون غير قادرين على أن يحيوا وسط المجتمع. وهنا يظهر تدبير الله لطريقة بها يعول شعبه فى البرية كما كان يعول القديس الأنبا بولا بواسطة غراب، فالله لابد أنه سيحفظ كنيسته وسط هذه الضيقة العظيمة. إذاً الآية تفهم بطريقتين: -.

  1. الـ 5,3 سنة هى مدة رمزية تشير لكل أيام غربة الكنيسة على الأرض.
  2. وتفهم حرفيا أنها مدة فعلية تهرب فيها الكنيسة للبرارى أيام ضد المسيح.

الأعداد 7-8

الآيات (7 - 8): -

"7 وَحَدَثَتْ حَرْبٌ فِي السَّمَاءِ: مِيخَائِيلُ وَمَلاَئِكَتُهُ حَارَبُوا التِّنِّينَ، وَحَارَبَ التِّنِّينُ وَمَلاَئِكَتُهُ 8 وَلَمْ يَقْوَوْا، فَلَمْ يُوجَدْ مَكَانُهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي السَّمَاءِ.".

قبل أن يبدأ الصراع بين الشيطان والكنيسة أى أبناء الله، دار صراع قديما قبل خلقة الإنسان بين الشيطان وبين الله نفسه وإشترك الملائكة فى هذا الصراع. وما صراع الشيطان مع الكنيسة الآن إلاّ إمتداد لذلك الصراع القديم. وهذا الصراع لن ينتهى سوى بإلقاء الشيطان فى البحيرة المتقدة بالنار فى نهاية الزمان (رؤ10: 20) والشيطان كان ملاكا سماويا من طغمة الكاروبيم، ولكنه نسب جماله وقوته ونوره إلى نفسه وقال أصير مثل العلى (إش14: 14). فهو تصور أنه يمكنه أن ينير من نفسه، وذلك بالإنفصال عن الله، ولكن الملاك ميخائيل قاومه قائلا من مثل الله = مى كا ئيل (بالعبرية) ومن هنا أخذ إسمه ميخائيل الذى يعنى من مثل الله.

ولما إرتفع الشيطان فى قلبه وتكبر وقاوم الله وحاول أن يتساوى مع الله إنقطع تيار النور من حياته فإظلم كله وحصل على لقب سلطان الظلمة وإستحالت توبته وإستمرت ظلمته. وهناك فرق بين سقوط الإنسان وسقوط الشيطان. فالملائكة عموما مسئولين عن تصرفاتهم مسئولية كاملة وهم لا يترددوا فى قرار يتخذونه. وهذا تم التعبير عنه فى سفر حزقيال هكذا "أرجلها أرجل قائمة وأقدام أرجلها كقدم رجل العجل.. لم تدر عند سيرها" (حز9، 7: 1) والشيطان هو ملاك ساقط له هذه المواصفات نفسها فهو لا يتردد فى قرار يتخذه، فلما إتخذ قراره بالإنفصال عن الله لم يتردد ولم يندم ولن يقدم توبة مهما حدث، أما الإنسان فنجد كثيرين بعد أن يسقطوا يبكون ويندمون. أضف لهذا أن الشيطان بعد سقوطه هو الذى أغوى الإنسان على السقوط، أما الشيطان نفسه فلم يغوه أحد.

بل بعد السقوط إستمر الشيطان فى غواية الإنسان لإسقاطه ثم الشكاية ضده (أى9: 1) وهو لم يكتفى بمضايقة الإنسان بل ضايق الملائكة أنفسهم (دا13: 10). وكان يقبض على أرواح الأشرار والأبرار قبل المسيح ويلقيهم فى الجحيم. وحاول إستعمال نفس الأسلوب مع المسيح على الصليب إلا أن المسيح هزمه بقداسته المطلقة فى حياته إذ لم يقبل من يده أى خطية وقال "من منكم يبكتنى على خطية" لذلك إستطاع أن يقول "رئيس هذا العالم يأتى وليس له فىَّ شىء". بل أن المسيح بموته هزم الشيطان تماما لذلك قال المسيح قبل ذلك "رأيت الشيطان ساقطا مثل البرق من السماء". وكل من هو ثابت فى المسيح الآن يستطيع أن يقول "رئيس هذا العالم يأتى وليس له فىَّ شىء" لذلك يقول المسيح "إثبتوا فىَّ وأنا فيكم". وواضح طبعا أن سبب تردد الإنسان وضعفه هو جسده أما الشيطان فهو روح بلا جسد فهو غير قابل للندم.

إذاً صراع الشيطان ليس قاصرا على العالم المادى بل هو صراع روحى قديم مكانه السماء. والشيطان سقط أولا حين قال "أصير مثل العلى" فأسقطه الله من مكانته وإرتفع ميخائيل الذى قال من مثل الله (راجع آية 4: 13).

وبسقوط الشيطان َلَمْ يُوجَدْ مَكَانُهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي السَّمَاءِ = أى لم يوجد فى دائرة الخضوع الإلهى. ولم يعد يحيا فى السماء بنورها وفرحها ومجدها، بل صار ظلمة وفقد نوره وفرحته بالحضور الإلهى. ولكن الله فى سماحته كان يسمح له بأن يوجد وسط بنى الله أى الملائكة. ولكنه كان متى وُجِد أمام الله يشتكى ضد أولاد الله كما سمعنا فى قصة أيوب.

ثم سقط ثانيا فى معركة الصليب، بل أعطى للمؤمنين أن يدوسوه (لو19، 18: 10) + (رو20: 16). وبعد معركة الصليب تم تقييد الشيطان. وسيكون تقييده لمدة ألف سنة رمزية (رؤ1: 20 - 3).

ونلاحظ أن بعد سقوطه من السماء حاول بكل طاقاته أن يبث سمومه لإفساد البشر، ولكن بعد تقييده فقد سلطانه، إلا أن الله سيطلقه فى نهاية الأيام، وعند ذلك سيطلق كل طاقاته للإنتقام فيما تبقى له من وقت ليجذب معه للجحيم أكبر عدد ممكن. وسيكون هذا بأن الشيطان يضع كل قوته فيمن يسمى الوحش.

العدد 9

آية (9): -

"9فَطُرِحَ التِّنِّينُ الْعَظِيمُ، الْحَيَّةُ الْقَدِيمَةُ الْمَدْعُوُّ إِبْلِيسَ وَالشَّيْطَانَ، الَّذِي يُضِلُّ الْعَالَمَ كُلَّهُ، طُرِحَ إِلَى الأَرْضِ، وَطُرِحَتْ مَعَهُ مَلاَئِكَتُهُ.".

التِّنِّينُ = نظرا لقوته الهائلة وقسوته فالتنين ضخم ومرعب.

الْحَيَّةُ الْقَدِيمَةُ = له خبرة طويلة فى الخداع بمكر وخبث وفى عداوة للبشر.

إِبْلِيسَ = المفترى ظلما.

الشَّيْطَانَ = المعاند.

العدد 10

آية (10): -

"10 وَسَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا قَائِلاً فِي السَّمَاءِ: «الآنَ صَارَ خَلاَصُ إِلهِنَا وَقُدْرَتُهُ وَمُلْكُهُ وَسُلْطَانُ مَسِيحِهِ، لأَنَّهُ قَدْ طُرِحَ الْمُشْتَكِي عَلَى إِخْوَتِنَا، الَّذِي كَانَ يَشْتَكِي عَلَيْهِمْ أَمَامَ إِلهِنَا نَهَارًا وَلَيْلاً.".

الآن بعد الصليب تكشف للسمائيين ضعف إبليس. وَسَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا = تعبيرا عن صوت تسابيح السمائيين لعظم أفراحهم بسقوط الشيطان. صَارَ خَلاَصُ إِلهِنَا = بالدم الثمين سيخلص البشر. إِخْوَتِنَا = الملائكة قيل عنهم بنى العلى ونحن البشر صرنا بالفداء أبناء الله، وبذلك صرنا إخوة للملائكة، والمسيح صار رأسا للسمائيين والأرضيين (كنيسته التى ما زالت تجاهد على الأرض أف1: 10).

الَّذِي كَانَ يَشْتَكِي = فهو كان يضل ثم يشتكى.

العدد 11

آية (11): -

"11 وَهُمْ غَلَبُوهُ بِدَمِ الْخَرُوفِ وَبِكَلِمَةِ شَهَادَتِهِمْ، وَلَمْ يُحِبُّوا حَيَاتَهُمْ حَتَّى الْمَوْتِ.".

لَمْ يُحِبُّوا حَيَاتَهُمْ حَتَّى الْمَوْتِ = هم آثروا الموت على الحياة محبة فى المسيح.

وهذه هى أنشودة بولس الرسول (رو35: 8 - 39)، ورأينا الشهداء الذين لم يحبوا حياتهم حتى الموت بالملايين عبر تاريخ الكنيسة. وهذا هو أعظم إنتصار على إبليس، فإبليس سلاحه هو محبة العالم وملذاته. أما من أحب حياة الأرض فسيهلك "فويل لساكنى الأرض" (آية 12) فإبليس سيدمر الأرض (إصحاح 18).

وَبِكَلِمَةِ شَهَادَتِهِمْ = أى يشهدوا للمسيح فى حياتهم، أى مسيحيين قلبا وقالبا.

العدد 12

آية (12): -

"12مِنْ أَجْلِ هذَا، افْرَحِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ وَالسَّاكِنُونَ فِيهَا. وَيْلٌ لِسَاكِنِي الأَرْضِ وَالْبَحْرِ، لأَنَّ إِبْلِيسَ نَزَلَ إِلَيْكُمْ وَبِهِ غَضَبٌ عَظِيمٌ! عَالِمًا أَنَّ لَهُ زَمَانًا قَلِيلاً».".

مِنْ أَجْلِ هذَا افْرَحِي = الفرح بالخلاص الذى تم، والفرح لأن الأيام قد إقتربت، ووصولنا للسماء صار قريبا. ولاحظ فرح السمائيين بأننا نحن الأرضيين سنصير معهم فى السماء، حقا لقد صرنا كنيسة واحدة، وهذا ما عمله المسيح بفدائه، لقد جمع فيه كل شىء، ما فى السموات وما على الأرض (أف10: 1). وبهذا نفهم قول السيد المسيح. "يصير فرح فى السماء بخاطىء واحد يتوب" ونفهم لماذا حملت الملائكة نفس لعازر المسكين حين مات، فهم فرحون بوصوله للسماء... ولكن وَيْلٌ لِسَاكِنِي الأَرْضِ = فالشيطان لن يكف عن صراعه مع الكنيسة المجاهدة التى على الأرض، وعلينا أن نفهم أننا لابد وسنجتاز هذا الصراع. ولكن لنفهم أن الذى يحارب فعلا هو المسيح، هو يحارب فينا، وما نحن سوى فرس أبيض، ما علينا سوى الإلتصاق به والثبات فيه وعدم رفض قيادته. فكل ما هو مطلوب من الفرس أن يظل ملتصقا بالفارس. لذلك يقول السيد المسيح "إثبتوا فىَّ وأنا فيكم". وبهذا مع الآلام التى سنراها لابد وسننتصر لأن المسيح قال ثقوا أنا قد غلبت العالم (يو33: 16). وذروة هذه الألام التى ستعانى منها الكنيسة ستكون فى أيام ضد المسيح.

العدد 13

آية (13): -

"13 وَلَمَّا رَأَى التِّنِّينُ أَنَّهُ طُرِحَ إِلَى الأَرْضِ، اضْطَهَدَ الْمَرْأَةَ الَّتِي وَلَدَتْ الابْنَ الذَّكَرَ،".

هنا نرى التنين يشن هجوما شيطانيا ضد الكنيسة. والمسيح هو الإبن الذكر.

العدد 14

آية (14): -

"14فَأُعْطِيَتِ الْمَرْأَةُ جَنَاحَيِ النَّسْرِ الْعَظِيمِ لِكَيْ تَطِيرَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ إِلَى مَوْضِعِهَا، حَيْثُ تُعَالُ زَمَانًا وَزَمَانَيْنِ وَنِصْفَ زَمَانٍ، مِنْ وَجْهِ الْحَيَّةِ.".

النَّسْرِ الْعَظِيمِ = راجع (خر4، 3: 19) + (تث12، 11: 32) لترى أن النسر العظيم هو الله الذى حمل شعبه من مصر إلى برية سيناء. والنسر من عاداته أنه يضع أفراخه على جناحيه ويطير بهم عاليا ثم يتركهم ليسقطوا فيتعلموا الطيران، ولكنهم إذا تعبوا يستقروا على جناحى وجسم الأب الطائر تحتهم ليحميهم ولا يتركهم يسقطون. وهكذا فى حربنا مع إبليس قد يتظاهر الله بأنه تركنا ولكن ذلك حتى نتعلم وسائل وفنون الحرب ضد ابليس، لكن الله دائما هو هناك، عينه علينا دائما ويعطينا جناحيه ليسندنا ويرفعنا للسماء عاليا، ويظلل علينا وقت التجارب. والله يجدد كالنسر شباب أولاده (إش31: 40). والمؤمن بالمسيح يعلمه المسيح محبة السماويات والإستهانة بالأرضيات، ويعلمه الهروب للبرية، أى يحيا غريبا على الأرض زاهدا فيها متلذذا بالسماويات. ومرة ثانية وثالثة نسمع عن الزمان والزمانين والنصف زمان أى (5,3) بمعنى أن هذا الوضع هو وضع مؤقت علينا إحتماله بصبر. وربما هو أيضا إشارة لفترة الـ1260 يوما التى ستهرب فيها الكنيسة إلى البرية من وحشية ضد المسيح. فنحن الآن ومنذ صعود المسيح نعيش فى غربة برية هذا العالم، نحارب الشيطان بتقشفنا وزهدنا فى ملذات هذا العالم، ثم فى نهاية الأيام قد نهرب فعلا إلى مكان يعده لنا الله.

العدد 15

آية (15): -

"15فَأَلْقَتِ الْحَيَّةُ مِنْ فَمِهَا وَرَاءَ الْمَرْأَةِ مَاءً كَنَهْرٍ لِتَجْعَلَهَا تُحْمَلُ بِالنَّهْرِ.".

كَنَهْرٍ = النهر يشير لنعم وخيرات الروح القدس (يو37: 7 - 39) ولكن ما يلقيه إبليس يقال عنه كَنَهْرٍ = أى تعاليم زائفة مخادعة يخدع بها الأبرياء = وهذا النهر المخادع هو لذات وشرور هذا العالم، ومن ينخدع يموت. وهو تعاليم الهراطقة والفلسفات المخادعة وهذه تبدو كنهر ولكنها مرة كالإفسنتين وقاتلة كالسم. وهذا النهر لن يضر المرأة فلها جناحي النسر العظيم أى تحيا فى السمائيات والروحيات. النسر أعطاها إمكانية أن تهرب من فم التنين.

العدد 16

آية (16): -

"16فَأَعَانَتِ الأَرْضُ الْمَرْأَةَ، وَفَتَحَتِ الأَرْضُ فَمَهَا وَابْتَلَعَتِ النَّهْرَ الَّذِي أَلْقَاهُ التِّنِّينُ مِنْ فَمِهِ.".

فَأَعَانَتِ الأَرْضُ الْمَرْأَةَ = هذه تعنى أن هناك أحداثا تجرى على الأرض أى فى العالم خارج الكنيسة وهى بسماح من الله، وبسببها ينقذ الله الكنيسة. أمثلة: - إنتصار فارس على بابل وقيام دولة الفرس، كان سببا فى تحرر شعب الله من يد بابل ورجوعه لأورشليم وبناء الهيكل.

مثال آخر من العصر الحديث. فلقد إضطهدت الدول الشيوعية المسيحيية إضطهادا رهيبا. وفى السنوات الأخيرة سمح الله بأحداث بسببها سقطت الشيوعية وأنقذ الله شعبه وكنيسته. وقد تنقذ الأرض المرأة من ملذات العالم بإثارة حروب ينسى معها الناس ملذات هذا العالم ويلجأون لله وهكذا. وقد يكون إنتشار الأوبئة والأمراض فى الأرض هو بسماح من الله، هذه الأرض قدمت هذه الأمراض لشعب الله ليزهد فى أمور هذه الدنيا ويرجع لله. وكم من مريض رجع لله وتحول إلى قديس وخلصت نفسه. وهذا ما قاله بطرس الرسول "فإن من تألم فى الجسد كُفَّ عن الخطية" (1بط1: 4). وربما فى أيام ضد المسيح تكثر الحروب مما يضعف ويفسد قوة ضد المسيح.

العدد 17

آية (17): -

"17فَغَضِبَ التِّنِّينُ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَذَهَبَ لِيَصْنَعَ حَرْبًا مَعَ بَاقِي نَسْلِهَا الَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَا اللهِ، وَعِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.".

التنين يغضب ممن يحفظ وصايا الله. ولكن بحفظنا وصايا الله نثبت فى المسيح، وحينما يثير التنين حربا علينا، يغلبه المسيح الذى نحن ثابتون فيه.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الثالث عشر - تفسير رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح الحادى عشر - تفسير رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير رؤيا يوحنا اللاهوتي الأصحاح 12
تفاسير رؤيا يوحنا اللاهوتي الأصحاح 12