الأصحاح الثالث عشر – إنجيل يوحنا – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: انجيل يوحنا – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح الثالث عشر

(يو1: 13 - 30) غسل الأرجل.

الأعداد 1-30

الآيات (يو1: 13 - 30): -

"1أَمَّا يَسُوعُ قَبْلَ عِيدِ الْفِصْحِ، وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هذَا الْعَالَمِ إِلَى الآبِ، إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ، أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى. 2فَحِينَ كَانَ الْعَشَاءُ، وَقَدْ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قَلْبِ يَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ أَنْ يُسَلِّمَهُ، 3يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ الآبَ قَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ إِلَى يَدَيْهِ، وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَرَجَ، وَإِلَى اللهِ يَمْضِي، 4قَامَ عَنِ الْعَشَاءِ، وَخَلَعَ ثِيَابَهُ، وَأَخَذَ مِنْشَفَةً وَاتَّزَرَ بِهَا، 5ثُمَّ صَبَّ مَاءً فِي مِغْسَل، وَابْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التَّلاَمِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الَّتِي كَانَ مُتَّزِرًا بِهَا. 6فَجَاءَ إِلَى سِمْعَانَ بُطْرُسَ. فَقَالَ لَهُ ذَاكَ: «يَا سَيِّدُ، أَنْتَ تَغْسِلُ رِجْلَيَّ! » 7أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ الآنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ، وَلكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ». 8قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «لَنْ تَغْسِلَ رِجْلَيَّ أَبَدًا! » أَجَابَهُ يَسُوعُ: «إِنْ كُنْتُ لاَ أَغْسِلُكَ فَلَيْسَ لَكَ مَعِي نَصِيبٌ». 9قَالَ لَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «يَا سَيِّدُ، لَيْسَ رِجْلَيَّ فَقَطْ بَلْ أَيْضًا يَدَيَّ وَرَأْسِي». 10قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «الَّذِي قَدِ اغْتَسَلَ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلاَّ إِلَى غَسْلِ رِجْلَيْهِ، بَلْ هُوَ طَاهِرٌ كُلُّهُ. وَأَنْتُمْ طَاهِرُونَ وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّكُمْ». 11لأَنَّهُ عَرَفَ مُسَلِّمَهُ، لِذلِكَ قَالَ: «لَسْتُمْ كُلُّكُمْ طَاهِرِينَ». 12فَلَمَّا كَانَ قَدْ غَسَلَ أَرْجُلَهُمْ وَأَخَذَ ثِيَابَهُ وَاتَّكَأَ أَيْضًا، قَالَ لَهُمْ: «أَتَفْهَمُونَ مَا قَدْ صَنَعْتُ بِكُمْ؟ 13أَنْتُمْ تَدْعُونَنِي مُعَلِّمًا وَسَيِّدًا، وَحَسَنًا تَقُولُونَ، لأَنِّي أَنَا كَذلِكَ. 14فَإِنْ كُنْتُ وَأَنَا السَّيِّدُ وَالْمُعَلِّمُ قَدْ غَسَلْتُ أَرْجُلَكُمْ، فَأَنْتُمْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضُكُمْ أَرْجُلَ بَعْضٍ، 15لأَنِّي أَعْطَيْتُكُمْ مِثَالاً، حَتَّى كَمَا صَنَعْتُ أَنَا بِكُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا. 16اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَلاَ رَسُولٌ أَعْظَمَ مِنْ مُرْسِلِهِ. 17إِنْ عَلِمْتُمْ هذَا فَطُوبَاكُمْ إِنْ عَمِلْتُمُوهُ. 18«لَسْتُ أَقُولُ عَنْ جَمِيعِكُمْ. أَنَا أَعْلَمُ الَّذِينَ اخْتَرْتُهُمْ. لكِنْ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ: اَلَّذِي يَأْكُلُ مَعِي الْخُبْزَ رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ. 19أَقُولُ لَكُمُ الآنَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، حَتَّى مَتَى كَانَ تُؤْمِنُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ. 20اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمُ: الَّذِي يَقْبَلُ مَنْ أُرْسِلُهُ يَقْبَلُنِي، وَالَّذِي يَقْبَلُنِي يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي». 21لَمَّا قَالَ يَسُوعُ هذَا اضْطَرَبَ بِالرُّوحِ، وَشَهِدَ وَقَالَ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ سَيُسَلِّمُنِي! ». 22فَكَانَ التَّلاَمِيذُ يَنْظُرُونَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَهُمْ مُحْتَارُونَ فِي مَنْ قَالَ عَنْهُ. 23 وَكَانَ مُتَّكِئًا فِي حِضْنِ يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ. 24فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ سِمْعَانُ بُطْرُسُ أَنْ يَسْأَلَ مَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ الَّذِي قَالَ عَنْهُ. 25فَاتَّكَأَ ذَاكَ عَلَى صَدْرِ يَسُوعَ وَقَالَ لَهُ: «يَا سَيِّدُ، مَنْ هُوَ؟ » 26أَجَابَ يَسُوعُ: «هُوَ ذَاكَ الَّذِي أَغْمِسُ أَنَا اللُّقْمَةَ وَأُعْطِيهِ! ». فَغَمَسَ اللُّقْمَةَ وَأَعْطَاهَا لِيَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ. 27فَبَعْدَ اللُّقْمَةِ دَخَلَهُ الشَّيْطَانُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «مَا أَنْتَ تَعْمَلُهُ فَاعْمَلْهُ بِأَكْثَرِ سُرْعَةٍ». 28 وَأَمَّا هذَا فَلَمْ يَفْهَمْ أَحَدٌ مِنَ الْمُتَّكِئِينَ لِمَاذَا كَلَّمَهُ بِه، 29لأَنَّ قَوْمًا، إِذْ كَانَ الصُّنْدُوقُ مَعَ يَهُوذَا، ظَنُّوا أَنَّ يَسُوعَ قَالَ لَهُ: اشْتَرِ مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِلْعِيدِ، أَوْ أَنْ يُعْطِيَ شَيْئًا لِلْفُقَرَاءِ. 30فَذَاكَ لَمَّا أَخَذَ اللُّقْمَةَ خَرَجَ لِلْوَقْتِ. وَكَانَ لَيْلاً.".

مقدمة للإصحاح الثالث عشر.

فى ليلة خميس العهد غسل السيد أقدام تلاميذه ثم أسس سر الإفخارستيا الذى كمل بالصليب. فما هى العلاقة بين الحدثين؟

علاقة الآب والإبن.

"الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خَبَّر" (يو1: 18).

إنجيل يوحنا 4
"الآب فىَّ وأنا فيه" (يو10: 38).

"أنا والآب واحد" (يو19: 30).

الإبن.

أزلى بلا بداية. وأبدى بلا نهاية = سرمدى.

وهذا تم التعبير عنه بفم ربنا يسوع المسيح.

"أنا الأول والآخِر" (رؤ1: 11).

الأول الآخِر.

الخليقة.

أراد الله أن يخلق = "فى البدء خلق الله السموات والأرض" (تك1: 1).

الإبن: "كل شئ به كان، وبغيره لم يكن شئ مما كان" (يو1: 3).

حين بدأ الإبن الخلقة فى الزمان أخذ إسم.

البداية.

إنجيل يوحنا 5
.

الإبن بدأ الخليقة التى خرجت منه.

بدأت الخليقة بالملائكة.

ثم خلق الله الإنسان.

ما هى الصورة المثالية التى أرادها الله للخليقة؟

الخليقة خرجت من الإبن. وكان الإبن هو رأس الخليقة، خرجت منه، هو بداءة خليقة الله (رؤ3: 14) أى هو الذى بدأ الخلق. والإبن هو الذى يحفظ خليقته "حامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عب1: 3). "فيه خُلِقَ الكل... الكل به وله قد خلق" (كو1: 16). وجاءت عبارة "كل شئ به كان" (يو1: 3) فى الإنجليزية "All things were made through him".

فكان الوضع المثالى للخليقة أن تكون فى الإبن، والإبن بطبيعته فى الآب. وهذا يعنى.

الوحدة.

لماذا خلق الله الخليقة.

"بكل من دعي باسمي ولمجدي خلقته وجبلته وصنعته" (إش43: 7).

كانت الخليقة هدفها أن تمجد الله، وتظهر مجده. وتعلن عظمته وخيريته وتفرح بعمله وتسبحه عليه كما قال الله لأيوب (أى38: 1 - 7).

أمثلة.

* "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس، لكى يروا أعمالكم الحسنة، ويمجدوا" أباكم الذى فى السموات "(مت5: 16).

* بدون الغلاف الجوى لن يظهر جمال نور الشمس. فالهواء يعكس نور الشمس فتحدث الإنارة. أما من يخرج خارج الغلاف الجوى (كما يحدث فى سفن الفضاء). فنجدهم يرون ظلام محيط، ويرون الشمس قرص مشتعل وسط هذا الظلام.

* لو نظرت للبحر فى مناطق عميقة ستجد ظلام تام بينما لو نظرت فى أعماق ضحلة ستراها منيرة فالأرض تعكس نور الشمس.

* أنظر للخليقة وجمالها، الجبال، البحار، الأنهار، والخضرة، الثلج الذى يغطى قمم الجبال، الطيور المغردة.. كل الخليقة تنطق بجمال وعظمة الخالق. وهذا معنى أن الجبال تسبح والأنهار تصفق كما يقول الكتاب. هى تعلن عن مجد الله.

* وهكذا خلق الله الإنسان ليعكس مجده. ولنذكر ماذا حدث لوجه موسى حينما رأى جزء من مجد الله ـــ ـــ لقد لمع وجهه. فماذا عن وجه آدم قبل السقوط إذ كان يرى الله بلا مانع. كان آدم قبل السقوط يعكس مجد الله. وكان الله فرحا بآدم وإنعكس فرح الله على آدم فكان آدم فى فرح (جنة عَدْنْ تعنى فرح).

* والمسيح بفدائه لنا أعاد لنا صورة المجد هذه ــــ ــــ (قارن يو17: 5 مع يو17: 22) ويقول أيضا القديس يوحنا أننا "سنصير مثله لأننا سنراه كما هو" (1يو3: 2) وهذا يعنى أننا فى السماء سنعكس مجده. ويفرح بنا الله وينعكس علينا فرحه، فنفرح أبديا.

بدأت الخليقة بالملائكة.

ثم خلق الله الإنسان.

بدأت الخليقة بالملائكة.

بعض الملائكة إستمروا ثابتين فى الإبن والبعض سقطوا وإنفصلوا.

هؤلاء إستمروا ملائكة قديسين هؤلاء صاروا شياطين.

إنجيل يوحنا 6
.

فهل يفشل قصد الله؟!

قطعا لا يمكن أن يفشل قصد الله.

ولهذا تجسد الإبن وقام بفداء الإنسان.

ونجد أن القديس يوحنا يلخص عمل السيد المسيح الخلاصى فى الآية (يو13: 3).

يسوع وهو عالم ان الآب قد دفع كل شيء إلى يديه.

وأنه من عند الله خرج = التجسد.

وإلى الله يمضي = بعد أن تمم الفداء وتمجد الجسد الإنسانى فيه.

إنجيل يوحنا 7
.

كل شئ إلى يديه.

1) الآب أعطى الإبن أن تكون له حياة فى ذاته (يو5: 26) فوهب لنا الإبن حياته.

2) سلطان الدينونة. الآب أعطى كل الدينونة للإبن (يو5: 22) فدان إبليس.

فماذا فعل الإبن لنا؟

1) أدان الخطية فى الجسد (رو8: 3).

2) أدان إبليس وسحقه (لو10: 18، 19 + يو16: 11).

3) مات ليميت فينا الإنسان العتيق "دفنا معه فى المعمودية" (رو6: 4).

4) أعطانا حياته الأبدية "لى الحياة هى المسيح" (فى1: 21 + غل2: 20).

5) غفران الخطايا والتبرير "غسلوا ثيابهم وبيضوها فى دم الخروف" (رؤ7: 14).

قدم المسيح الفداء للإنسان وتمجد بالجسد الإنسانى وطلب منا أن نثبت فيه فنحصل على الجسد الممجد. ومضى المسيح إلى الآب بالجسد الممجد. وطلب منا أن نثبت فيه.

"إثبتوا فىَّ وأنا فيكم" (يو15: 4).

ومن يثبت فيه يحمله المسيح الإبن إلى حضن الآب أبيه.

ولكن كيف نثبت فيه: -.

1) بالمعمودية يموت الإنسان العتيق إذ ندفن مع المسيح، ويقوم فينا إنسان جديد يمكنه أن يثبت فى المسيح. ولكن نحن ما زلنا أحرارا ــــ ـــــ ولذلك نخطئ إذ أن المعمودية لا تقيد حريتنا ــــ ــــ فما هو الحل إذ أن الخطية تفصلنا عن المسيح ــــ ـــــ؟

2) كان الحل فى سر الإفخارستيا الذى أسسه المسيح يوم خميس العهد وبه نتحد ونثبت فى جسد المسيح. ولكن كيف نتحد به ونحن فى خطيتنا ــــ ـــــ؟

3) وكان الحل فى "دم المسيح يطهرنا من كل خطية ولكن لمن يتوب ويعترف" (1يو1: 7 - 9) ــــ ــــ وهذا ما أشار له غسيل الأرجل. وإستمر هذا عمل الكنيسة كل الأيام، أن تدفع شعبها للتوبة والإعتراف، وتقدم لهم سر الإفخارستيا. لذلك قال السيد لتلاميذه "فانتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض... حتى كما صنعت أنا بكم، تصنعون أنتم أيضا" (يو13: 14، 15) + "إصنعوا هذا لذكرى" (لو22: 19).

* والروح القدس هو الذى يعمل فى سرى 1) التوبة والإعتراف 2) والإفخارستيا.

* فالروح القدس فى سر الإعتراف يحمل خطايا المعترف وينقلها للمسيح.

* والروح القدس هو الذى يحول الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه فى سر الإفخارستيا. وذبيحة الإفخارستيا تحمل الخطية فتغفر الخطايا. ولأنها ذبيحة حية فهى تعطى حياة أبدية لمن يتناول منها.

4) والروح القدس يسكن فينا بسر الميرون ويظل العمر كله يعطى معونة ليميت الإنسان العتيق فيقوم الإنسان الجديد ثابتا فى المسيح الإبن. وهذا ما نسميه النعمة.

والثبات النهائى فى المسيح هو لمن يتجاوب مع عمل الروح القدس ولا يقاومه منجذبا للعالم. وهذا يقال عنه أنه يغلب "من يغلب أعطيه أن يأكل من شجرة الحياة" (رؤ2: 7). وهى حياة أبدية فهى حياة المسيح. لذلك يقول الرسول "إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم" (عب3: 7).

وكل من يثبت فى المسيح يحمله المسيح فيه إلى حضن الآب.

لذلك نرى أنه بالفداء تحقق قصد الله فى الخليقة أى: -.

1) الوحدة: - فالإنسان صار فى المسيح الإبن، والإبن فى الآب.

2) الخليقة تمجد الله: - إذ صارت الخليقة تمجد الله فى فرح، إذ صار للإنسان جسد ممجد يعكس مجد الله ويفرح بالله فى سماء مجده فيسبحه ويمجده. ولاحظ أن الله خلق الإنسان فى جنة عَدْنْ (عَدْنْ كلمة عبرية تعنى الفرح) فهذا كان قصد الله أن تفرح خليقته فى مجده. ولاحظ فإن هذه كانت طلبات السيد فى صلاته الشفاعية للآب....

"ليكون الجميع واحدا، كما أنك أنت أيها الآب فىَّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضا واحدا فينا.... وأنا قد أعطيتهم المجد الذى أعطيتنى، ليكونوا واحدا كما أننا نحن واحد. أنا فيهم وأنت فىَّ ليكونوا مكَّملين إلى واحد.... أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتنى يكونون معى حيث أكون أنا لينظروا مجدى الذى أعطيتنى" (يو17: 21 - 24).

وعاد الإنسان للمجد ليمجد الله. لذلك قال المسيح أنه بصليبه مجد الله (يو17: 1، 2).

وبهذا أخذ المسيح إسم.

النهاية.

البداية = الإبن بدأ الخليقة فى الزمن لتمجد الخليقة الله.

النهاية = المسيح بالفداء مجد الله إذ جعل الخليقة تمجد الله للأبد، وهذا كان قصد الله.

* وفى أورشليم السماوية يظهر الله محبته وخيريته وقصده الإلهى فى الخليقة التى أحبته ورفضت شرور العالم وثبتت فيه. بأن تحيا خليقته التى غلبت العالم وشروره "ويبتهجون بفرح لا ينطق به ومجيد" (1بط1: 3 - 8).

* أما عن الشيطان ومن تبعه فمصيرهم جهنم التى قال عنها رب المجد "النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته" (مت25: 41). وقال عنها القديس يوحنا فى سفر الرؤيا "البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذى هو الموت الثانى" (رؤ20: 8).

وهؤلاء الهالكين أى الشياطين ومن تبعهم، فهم أيضا يمجدون الله القدوس الذى يُظْهِر بعقابهم، عدله وقداسته ورفضه لشرورهم.

إنجيل يوحنا 8
.

الله سيتمجد فى النهاية فى كلا الأبرار والأشرار.

فقصد الله لا بد وأن يثبت.

ويأتى بعد هذا مباشرة شرح الإصحاح.

لم يتحدث معلمنا يوحنا عن سر الإفخارستيا فقد سبقه البشيرون وشرحوه وكان الطقس قد أصبح الجميع يمارسونه فلا حاجة لأن يعيد شرحه. وعوضاً عن شرح طقس سر الإفخارستيا نجده يحدثنا عن غسيل الأرجل، أي تطهير تلاميذه قبل أن يناولهم جسده ودمه، وكلمنا أيضاً عن الحب في قلب المسيح والخيانة في يهوذا ولكن يوحنا أيضاً أشار لهذا السر في (يو48: 6 - 59). وغسل الأرجل هو بذل محبة إختياري. إذاً هو مرتبط بالصليب. ولقد سبق السيد وعاتب سمعان الفريسي أن "ماء لرجلي لم تعط" (لو44: 7) لنقص محبة سمعان. أما المسيح فلأجل محبته الكثيرة غسل أرجل تلاميذه. ليطهرهم قبل أن يؤسس الإفخارستيا. وسر الإفخارستيا هو قمة الحب، فالمسيح فيه يكسر جسده ليعطينا حياة.

آية (يو1: 13): - "1أَمَّا يَسُوعُ قَبْلَ عِيدِ الْفِصْحِ، وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هذَا الْعَالَمِ إِلَى الآبِ، إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ، أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى.".

لقد تم معنى الفصح اليهودي وأُكمِل الرمز في تقديم المسيح نفسه، جسده ودمه للكنيسة في هذا العشاء الأخير ثم بذبح المسيح فعلاً على الصليب عوضاً عن خروف الفصح بل وفي نفس توقيت تقديم خروف الفصح. ونرى أن سفر الرؤيا قدّم المسيح كحمل الله المذبوح ما يقرب من 15مرّة. وهو عالمٌ = هو يعلم كل شئ بعلمه المطلق. ساعته قد جاءت = هو سيسلم نفسه بإرادته وبسلطانه، فلقد سبق وإجتاز في وسطهم دون أن يمسوه بأذى (يو59: 8). فهو ليس فقط عالمٌ بساعته بل هو يريدها، لأن حُبَّه لخاصته غطى كل مرارة = إلى المنتهى = غاية المحبة التى جعلته يبذل نفسه عنهم وعنا. والمحبة كانت هي السبب في كل ما يصنع حتى غسل الأرجل. خاصته = هم هنا التلاميذ. لينتقل = من هنا أطلقت الكنيسة إسم إنتقال على الموت.

كان قد أحب خاصته.................................. أحبهم إلى المنتهى.

كان فعل ماضي.... فنفهم أن الله.

أحبنا قبل أن يخلقنا بل منذ الأزل الله يحب البشر وإلى الأبد ولا حدود لمحبته.

كنا فى عقل الله منذ الأزل، فالله لايستجد عليه فكر جديد. لكننا كنا فى عقله إرادة وفكرة، كنا فيه منذ الأزل. هو لمحبته أراد أن يخلق الإنسان ويعطيه حياة ليمتع هذا الإنسان بالمجد، هو أحبنا قبل أن يخلقنا فهو محبة، هو أحبنا فخلقنا، أحبنا منذ الأزل وإلى الأبد. هو ينبوع محبة لا يوجد فيه سوى المحبة "الله محبة" (1يو4: 8)، لذلك فأول آية تقابلنا فى الكتاب المقدس هى "فى البدء خلق الله" فالخلق هو إعلان عن خيرية الله أى عن طبيعته الخيرة التى تريد أن تعطى حياة لبشر ليمتعهم معه فى مجده.

ولما جاء ملء الزمان قال الله "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تك1: 26).

نعمل = هنا الثالوث يقوم بعملية خلق الإنسان.

الآب = يريد أن يخلق ويُكوِّن إنسان له حياة ليفرح معه وبه، لماذا؟ هذا لمحبة الله فهذه طبيعته.

الإبن = الذى به كان كل شئ:

"جبل الإنسان ترابا من الأرض وعمل له جسداً" (تك2: 7).

الروح القدس = الروح المحيى.

"نفخ فى أنفه نسمة حياة فصار آدم نفسا حية" (تك2: 7).

إذاً كنا فى عقل الله، وعقل الله هو أقنوم الإبن (1كو1: 24) وحين كوَّن الإبن جسدنا صار رأسا لكل الخليقة = بكر كل خليقة (كو1: 15) = بداءة خليقة الله (رؤ3: 14) فنحن كنا فيه فكرة ثم صرنا كيانا عاقلا حيا.

هو بداية كل خليقة أى به كان كل شئ (يو1: 3).

ووضع الله آدم فى جنة عَدْن (جنة أى مكان جميل جدا، وهكذا كانت الأرض قبل أن تُلعن. أما عَدْن فهى كلمة عبرية بمعنى فرح وبهجة).

فهذا ما أراده الله للإنسان أن يفرح.

وأخطأ الإنسان فإنفصل عن الله القدوس "فلا شركة بين النور والظلمة...".

(2كو6: 14) ولأن آدم إنفصل عن الله الحى مات، وهكذا إجتاز الموت إلى جميع الناس... (رو6: 12).

فلم يتركنا الله المحب لنا "فالله يريد أن الجميع يخلصون" (1تى2: 4).

ولكن للخلاص شروط: -.

1) أن يتطهر الإنسان من خطيته.

2) يعود ليثبت فى المسيح فتكون له حياة فلا يهلك.

وكان أن الله خلقنا خلقة ثانية جديدة بولادة ثانية من الماء والروح = أى المعمودية التى فيها يعطى الروح القدس للخليقة الأولى أن تموت مع المسيح وبهذا تغفر خطاياها. ثم تقوم معه بحياة جديدة. والروح يثبتنا فى المسيح فنحيا، وهذا ما قاله بولس الرسول "لأننا نحن عمله (الخلقة الأولى) مخلوقين فى المسيح يسوع (الخلقة الثانية)" (أف2: 10). ولأن الله لا يريد أن يقيد حرية الإنسان، فهو تركه حرا، إن أراد يظل ثابتا فى المسيح، هو حر فى ذلك، وإن أراد أن يعود للعالم وخطاياه فهو حر أيضا. وهنا يقول الرب للإنسان لو إختار خطايا العالم "أنا مزمع أن أتقيأك من فمى" (رؤ3: 16) أى لاتعود فىَّ، لا تعود ثابتا فىَّ إذ أنت الذى إخترت هذا الإنفصال.

ولكل هذا نرى أسلوب الخلقة الثانية والتى قام بها الثالوث أيضا: -.

الآب = يريد أن الجميع يخلصون.

الإبن = يقوم بعمل الفداء (يموت ويقوم).

الروح القدس = يعطينا فى المعمودية أن نموت ونقوم ثابتين فى المسيح وبهذا تعود لنا الحياة، وهذا ما تم شرحه تماما فى سفر حزقيال (راجع إصحاح 37: 1 – 14).

ويأخذ الروح شكل حمامة ليعلن أنه سيقوم بردنا إلى المسيح بيتنا (عب3: 6) {فطبيعة الحمام أن يعود إلى بيته} وذلك بأن يبكت ويعين حتى نعود ونثبت فى المسيح. ولكن تظل حرية الإنسان مكفولة. بل هذه الحرية كانت لآدم منذ البدء، إذ خيَّره الله بين أن يثبت فيه (الأكل من شجرة الحياة) أو أن ينفصل عنه لو أخطأ.

(وهذا ما أطلق عليه شجرة المعرفة).

واليوم، يوم خميس العهد نرى الرب فى محبة عجيبة يعيد الإنسان إلى الثبات.

فيه ليحيا: -.

يطهر تلاميذه = غسيل الأرجل. وذلك ليُعِّدهم لسر الإفخارستيا (يو13: 10).

يعيدنا للثبات فيه = الإفخارستيا. "من يأكل جسدى ويشرب دمى يثبت فىَّ وأنا فيه" (يو6: 56).

يطهر أولا لأنه لا يكون فيه ولا يثبت فيه إلاّ من كان طاهرا.

هو حب عجيب أزلى منذ كنا فى عقل الله، وإلى المنتهى.

حب عجيب لا ينطق به. فى محبته يخلقنا، لنفرح... نخطئ فيعيد تطهيرنا ويثبتنا فيه فنحيا.

حب عجيب، كنا فيه وخرجنا بإرادتنا، فيقدم لنا فداء عجيبا ليعيدنا فيه، ولكنه لا يقيد حريتنا. حقا..... يدعى إسمه عجيبا مشيرا إلها أبديا رئيس السلام (إش9: 6).

آية (يو2: 13): - "2فَحِينَ كَانَ الْعَشَاءُ، وَقَدْ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قَلْبِ يَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ أَنْ يُسَلِّمَهُ،".

راجع تفسير (لو1: 22 - 6) (يوم الأربعاء).

ألقى الشيطان = الشيطان لا يقدر أن يأخذ منك إلاّ بقدر ما تريد أنت أن تعطيه إياه. لقد تجاوب يهوذا مع الشيطان وذهب وإتفق مع رؤساء الكهنة من قبل، والشيطان لن يكف عن محاولاته مع يهوذا طالما هو يقبل منه. وهذا يعني أنه يظل يقترح عليه الأسوأ دائماً. الشيطان هو مجرد قوة فكرية تقترح السيئ، فإذا قبل الإنسان فهو يقترح عليه الأسوأ.

الآيات (يو3: 13 - 4): - "3يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ الآبَ قَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ إِلَى يَدَيْهِ، وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَرَجَ، وَإِلَى اللهِ يَمْضِي، 4قَامَ عَنِ الْعَشَاءِ، وَخَلَعَ ثِيَابَهُ، وَأَخَذَ مِنْشَفَةً وَاتَّزَرَ بِهَا،".

العظمة الحقيقية ليست عائقاً في سبيل الإتضاع، إنما هي خير باعث له. فهذه الصورة التي أمامنا نرى فيها مقدار التنازل الذي تنازله المسيح. الآب دفع كل شئ إلى يديه = فهاتان اليدان اللتان تمسكان بكل السماء والأرض يغسل بهما السيد أرجل تلاميذه بكل وسخهما، إشارة لأن المسيح أتى ليغسل قذارة الإنسان، ثم يوحدنا به في سر الإفخارستيا ليعود بنا إلى حضن الله أبيه. والمسيح يعمل هذا بقوة وإقتدار = فلقد دفع الآب كل شئ إلى يديه، ليجمع خاصته ويجعل منهم أعضاء جسده (أف5: 30). ولا يقدر أحد أن يخطفهم من يديه (يو10: 28 - 30). بقوته وإقتداره هزم الشيطان والموت والخطية، ويفتح أبواب الجحيم للأبرار فاتحا لهم الفردوس، وواضعا الشيطان تحت أقدام المؤمنين. وها هو يعلن أنه يطهر تلاميذه بغسل الأرجل إستعدادا لتثبيتهم فى جسده، "فلا شركة للنور مع الظلمة" (2كو6: 14). وكذلك سيفعل مع كل من يؤمن به بعد ذلك عن طريق الكنيسة، ولذلك طلب السيد من التلاميذ أن يفعلوا ما فعله معهم للكل (يو13: 14). ثم عن طريق الإفخارستيا يثبت أفراد الكنيسة كأعضاء جسده الواحد.

إذاً وهو عالم بكل ما له من سلطان يتصرف كخادم يغسل الأرجل. فهو من عند الله خرج وإلى الله يمضي، ومادام هو الطريق فسيأخذنا إلى حضن الله. وعادة غسل الأرجل كانت عمل العبيد لسادتهم بعد رجوعهم للبيت لغسل أرجلهم من الأتربة العالقة بها. خلع ثيابه = خلع ثيابه الخارجية وهذا لا يفعله سوى العبيد (وغالباً فقد كانت هذه الثياب الخارجية فاخرة فقد ألقى الجند قرعة عليها) وهو قد تراءى لتلاميذه بهذه الصورة. وأخذ منشفة وإتزر بها = أيضاً فهذا عمل العبيد. ما صنعه المسيح هنا يشير لأنه أخلى ذاته آخذاً صورة عبد، فهو خرج من عند الله = أي تجسد وصار في صورة عبد، ثم يمضي إلى الله = ليأخذنا فيه إلى الله. فالمسيح نزل لصورة العبد ليرفع الإنسان للكرامة والمجد، وهذا بأن يطهره (غسل الأرجل) ويوحده فيه (التناول). فغسل الأرجل هنا هو من صميم عمل الفداء أي التطهير والتقديس. والعجيب أن المسيح غسل رجلي يهوذا وهو عالم أنه سيسلمه.

آية (يو5: 13): - "5ثُمَّ صَبَّ مَاءً فِي مِغْسَل، وَابْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التَّلاَمِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الَّتِي كَانَ مُتَّزِرًا بِهَا.".

غسل الأرجل له مفهوم يهودي ومفهوم روماني. والمفهوم اليهودي أن الكاهن يغتسل ويستحم في المرحضة في الهيكل عند بدء تكريسه وخدمته ككاهن عندما يبلغ من العمر 30سنة. ثم يغسل يديه ورجليه فقط في المرحضة كلما دخل للخدمة. أما المفهوم الروماني، فقد كانت هناك حمامات عامة يستحم فيها الشخص ولكنه يغسل قدميه من الأتربة فقط بعد عودته للمنزل. وهذا فيه إشارة لسرى المعمودية (الغسل الكلي) والتوبة والإعتراف (غسل القدمين). وبالنسبة إلى التلاميذ فهم كانوا قد آمنوا وتطهروا بإيمانهم ومعمودية المسيح لهم (يو3: 26 + يو4: 1، 2) وهذه المعمودية للتلاميذ هى (الغسل الكلي)، لذلك قال المسيح في (آية10) وأنتم طاهرون. والآن وهم قادمون إلى سر التناول لا يحتاجون سوى لغسل الأرجل فقط. ونلاحظ أن من إغتسل لا يحتاج لأن يغتسل ثانية وفي هذا إشارة لعدم تكرار المعمودية. أمّا التوبة فتتكرر مع كل إحتكاك بالعالم وهذا مثل كل إنسان يخرج فتتسخ قدميه ويحتاج لغسلها. فالتراب اللاصق بالأرجل إشارة للخطية التي تأتي من الإحتكاك بالعالم.

آية (يو6: 13): - "6فَجَاءَ إِلَى سِمْعَانَ بُطْرُسَ. فَقَالَ لَهُ ذَاكَ: «يَا سَيِّدُ، أَنْتَ تَغْسِلُ رِجْلَيَّ! ».".

كان التلاميذ لهم فكر عالمي ويريدون أن يكونوا على يسار وعلى يمين المسيح في ملكه الذي تصوروه ملكاً أرضياً، ولذلك تشاجروا على من هو الأعظم. وبغسيل الأرجل أعطاهم الله درساً عملياً في الإتضاع (مت20: 20 - 28 + لو24: 22 - 27 + لو46: 9 - 48). وكان هذا الفكر المتضع بعيداً عن بطرس، وعن الباقين أيضا الذين تشاجروا عمن هو الاعظم.

آية (يو7: 13): - "7أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ الآنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ، وَلكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ».".

كان الفداء يتطلب الإتضاع الكامل وأن يأخذ المسيح صورة العبد، وهذا لن يفهمه بطرس الآن، لذلك أخذ المسيح على عاتقه أن يقوم بدور العبيد ويغسل أقدام تلاميذه إعلاناً لإتضاعه الكامل، وهذا سيفهمه التلاميذ فيما بعد، حين يدركون ألوهيته فيدركوا كم كان إتضاعه. وهم قد.

تعلموا بذلك أن الإتضاع هو سر الإرتفاع. وهكذا فكثير من أعمال المسيح وما يسمح به في حياتنا لن ندركه الآن ولكننا سنفهمه فيما بعد، لذلك علينا فقط أن نحبه ونطيعه ونثق فيه وبكل ما يسمح به، ودون تساؤلات فهو لا يخطئ في أحكامه، بل الأمور أعقد مما نتصورها بعقولنا المحدودة زمنيا اذ لا نعرف المستقبل، ومحدودة مكانيا اذ لا نعرف ما يدور حولنا، ومحدودة في ادراكها، وهناك الكثير مخفي عن عيوننا، لكن علينا أن نسلم أن كل الأشياء تعمل معاً للخير.. (رو28: 8).

آية (يو8: 13): - "8قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «لَنْ تَغْسِلَ رِجْلَيَّ أَبَدًا! » أَجَابَهُ يَسُوعُ: «إِنْ كُنْتُ لاَ أَغْسِلُكَ فَلَيْسَ لَكَ مَعِي نَصِيبٌ».".

إن كنت لا أغسلك = فالذي يغسل حقيقة هو السيد المسيح وبدمه الذي يغفر ويطهر. وهو ليس غسيل عادي بل تطهير للقلب. إذاً غسل الأرجل هو عمل تأهيلي لنوال نصيب مع الرب. فهو عمل يتعلق بقضية الخلاص، فهو يشير لتطهير النفوس. وهذا هو عمل الخدام أيضاً، دفع النفوس للتوبة والإعتراف ثم التناول الذي يعطي لمغفرة الخطايا. والكنيسة تحث أولادها على الجهاد ليحيوا في طهارة. معنى كلام السيد لبطرس، إن كنت لا تتطهر من خطاياك فلن يكون لك معي نصيب. لا تغسل رجليَّ = كثيراً ما نعمل مثل بطرس، إذ نصر على أن آرائنا أفضل مما يفعله الله فنتذمر عليه.

آية (يو9: 13): - "9قَالَ لَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «يَا سَيِّدُ، لَيْسَ رِجْلَيَّ فَقَطْ بَلْ أَيْضًا يَدَيَّ وَرَأْسِي».".

بطرس ظن الموضوع تطهيراً بحسب العقلية اليهودية التي تفهم أن التطهير يكون بالماء. فطلب غسل جسمه كله وهنا أيضاً نجد بطرس يريد تغيير فكر المسيح ولكن التطهير في المفهوم المسيحي هو بدم المسيح وهنا نحصل على مفاعيله في سري المعمودية والتوبة وكلاهما غسيل.

الآيات (يو10: 13 - 11): - "10قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «الَّذِي قَدِ اغْتَسَلَ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلاَّ إِلَى غَسْلِ رِجْلَيْهِ، بَلْ هُوَ طَاهِرٌ كُلُّهُ. وَأَنْتُمْ طَاهِرُونَ وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّكُمْ». 11لأَنَّهُ عَرَفَ مُسَلِّمَهُ، لِذلِكَ قَالَ: «لَسْتُمْ كُلُّكُمْ طَاهِرِينَ».".

هناك كلمتين في اليونانية بمعنى يغسل وكلاهما إستخدما في هذه الآية.

الذي قد إغتسل.. غسل رجليه.

تشير للإستحمام الكلي تشير لغسل اليدين والقدمين.

المعمودية التوبة والإعتراف.

الذى قد إغتسل = هذه إذن تشير لأن المسيح كان قد عمد تلاميذه من قبل. راجع تفسير (يو3: 22).

ولكن ليس كلكم = هذا تحذير أخير ليهوذا فهو يقصد يهوذا، الذي لم يجدى معه كل ما صنع المسيح. وعجيب مع كل محبة المسيح هذه ليهوذا أن تستمر الخيانة في قلب يهوذا.. ومع هذا غسل المسيح رجلي يهوذا. وهذا ينطبق عليه قول المزمور "لكى تتبرر فى أحكامك وتغلب إذا حوكمت"، فالمسيح لم يمنع عن يهوذا أى بركة أخذها الباقون.

الآيات (يو12: 13 - 15): - "12فَلَمَّا كَانَ قَدْ غَسَلَ أَرْجُلَهُمْ وَأَخَذَ ثِيَابَهُ وَاتَّكَأَ أَيْضًا، قَالَ لَهُمْ: «أَتَفْهَمُونَ مَا قَدْ صَنَعْتُ بِكُمْ؟ 13أَنْتُمْ تَدْعُونَنِي مُعَلِّمًا وَسَيِّدًا، وَحَسَنًا تَقُولُونَ، لأَنِّي أَنَا كَذلِكَ. 14فَإِنْ كُنْتُ وَأَنَا السَّيِّدُ وَالْمُعَلِّمُ قَدْ غَسَلْتُ أَرْجُلَكُمْ، فَأَنْتُمْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضُكُمْ أَرْجُلَ بَعْضٍ، 15لأَنِّي أَعْطَيْتُكُمْ مِثَالاً، حَتَّى كَمَا صَنَعْتُ أَنَا بِكُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا.".

المسيح يشرح لهم أن قوة الخدمة في أن نتشبه به في إتضاعه ومحبته وبذل نفسه وخدمة الأكبر للأصغر (راجع آية 1 أحب خاصته) والفهم هنا يكون بإستنارة من الروح القدس. وإذا فهمنا أن غسل الأرجل إشارة للتطهير فهذا عمل سر الكهنوت وسر الإعتراف الذي أعطاه السيد لتلاميذه (يو21: 20 - 23). فعمل سر الكهنوت هنا هو غسل وتطهير الخطاة = تصنعون أنتم أيضاً أي مساعدة الناس ودفعهم للتوبة ليتقدسوا أي يحيوا في قداسة، ويكون هذا العمل بإتضاع.

الآيات (يو16: 13 - 17): - "16اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَلاَ رَسُولٌ أَعْظَمَ مِنْ مُرْسِلِهِ. 17إِنْ عَلِمْتُمْ هذَا فَطُوبَاكُمْ إِنْ عَمِلْتُمُوهُ.".

المسيح يضع نفسه كمثال. وعلى التلاميذ أن يصنعوا نفس الشئ. لذلك تصلي الكنيسة طقس اللقان يوم خميس العهد (يوم صنعه المسيح) ويوم عيد الرسل فهذا عمل الرسل أن يكملوا ما عمله المسيح. وفي (17) حسنٌ أن نعلم والأفضل أن ننفذ (ويوجد طقس اللقان أيضاً يوم عيد الغطاس ولكن هذا إشارة للمعمودية ولا علاقة له بغسل الأرجل). والسيد يطوبهم هنا لو عملوا نفس الشئ ليشجعهم في طريق خدمتهم. أي من يفعل سيكافأ في السماء. إن عملتم = هو إحساس داخلي بالحقيقة وإستيعاب داخلي للدرس (البذل والإتضاع) ومن يتضع كالسيد يكون تلميذاً حقيقياً له ورسولاً حقيقياً له.

آية (يو18: 13): - "18«لَسْتُ أَقُولُ عَنْ جَمِيعِكُمْ. أَنَا أَعْلَمُ الَّذِينَ اخْتَرْتُهُمْ. لكِنْ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ: اَلَّذِي يَأْكُلُ مَعِي الْخُبْزَ رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ.".

يهوذا لن يتقبل ولن يفهم ما أقوله فليست له محبة في داخله. الله يختار خدامه بحسب اللياقة الفردية للعمل المطلوب أداؤه، ويزود خدامه بالمعونة والتأييد، ويكمل نقائصهم إن كانوا خائفين إسمه القدوس (2كو9: 12). ولكن كل إنسان حر، ولو إختار الله القديسين فقط لخدمته ينعدم مفهوم الحرية والإرادة، وينعدم مفهوم الجزاء والإجتهاد. والله إختار يهوذا كشخص متميز في الشئون المالية وظل يعلمه ويفيض عليه من محبته ثلاث سنوات وأكثر وجعله من خاصته ولكنه كان ناكراً للجميل. وبنفس الطريقة فالله إختارني فماذا أنا فاعل. وإستشهد المسيح بمزمور (9: 41)، وما فيه قد قيل عن أخيتوفل الذي يرمز ليهوذا. وهو كان قريباً جداً لداود كما كان يهوذا. ورفع العقب بعد الأكل هو من عمل الحيوان الناكر للجميل الذي بعد أن يأكل العلف يرفس صاحبه. وقارن مع قول الكتاب "فسمن يشورون ورفس..." + "الثور يعرف قانيه... أما إسرائيل فلا يعرف..." (تث32: 15 + إش1: 3). أكل الخبز تعني من يحيا مع الشخص ويلتصق به.

العقب = وهو القدم. إخترتهم = لا يعني إختيارهم للخلاص بل كتلاميذ.

آية (يو19: 13): - "19أَقُولُ لَكُمُ الآنَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، حَتَّى مَتَى كَانَ تُؤْمِنُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ.".

قبل أن يكون = قبل تسليم يهوذا وقبل الصلب، حتى متى كان تؤمنون = بعد القيامة تنفتح عيونهم ويزداد إيمانهم بالمسيح الذي سيدركون وقتها أنه كان عالماً بكل شئ حتى خيانة تلميذه، وبالتالي سيفهمون أنه سلَّم نفسه بإرادته. إني أنا هو = يهوه العالم بكل شئ وأنه سلم نفسه بإرادته.

آية (يو20: 13): - "20اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمُ: الَّذِي يَقْبَلُ مَنْ أُرْسِلُهُ يَقْبَلُنِي، وَالَّذِي يَقْبَلُنِي يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي».".

هنا يكلمهم المسيح عن إرساليتهم للعالم ليكونوا خداماً لتطهير العالم. وهذا تشجيع لهم ليتحملوا مشاق الكرازة. بل أن يقبلوا غسيل أرجل من يضطهدهم كما غسل هو أرجل يهوذا.

آية (يو21: 13): - "21لَمَّا قَالَ يَسُوعُ هذَا اضْطَرَبَ بِالرُّوحِ، وَشَهِدَ وَقَالَ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ سَيُسَلِّمُنِي! ».".

المسيح هنا ينظر إلى داخل الضمائر. وإضطرابه يشير لطبيعته الإنسانية التي تعرف المعركة التي ستحدث، وصراع النور والظلمة، والتي سيكون هو مركزها أي مركز هذه المعركة جسده هو. وهو إضطرب أيضاً لأنه رأي أن الشيطان قد ملأ قلب تلميذه، بل تقمصه فخانه هذا التلميذ. ولقد سبق المسيح وإضطرب أمام قبر لعازر وها هو يضطرب أمام يهوذا الميت، فهو لا يرضى عن الشر. هو إضطراب التنافر بين الحب والخبث، بين النور والظلمة. وإضطرابه ايضا يشير لطبيعته فـ "الله محبة" والله خلقنا على صورته وهو يتألم بشدة إذ نتحول الى صورة الكراهية والخيانة هذه.

وسائد

الآيات (يو22: 13 - 24): - "22فَكَانَ التَّلاَمِيذُ يَنْظُرُونَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَهُمْ مُحْتَارُونَ فِي مَنْ قَالَ عَنْهُ. 23 وَكَانَ مُتَّكِئًا فِي حِضْنِ يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ. 24فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ سِمْعَانُ بُطْرُسُ أَنْ يَسْأَلَ مَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ الَّذِي قَالَ عَنْهُ.".

كان نظام الجلوس على المائدة بحسب الرسم. ويجلس المسيح في الوسط (هذا مكان رب البيت بالنسبة للأسرة) ويجلس عن يمينه أكبرهم سناً ثم الأصغر منه وهكذا إلى أن يجلس عن يساره أصغرهم وهو يوحنا. ويبدو أن مشاجرتهم كانت بخصوص الجلوس عن يمين المسيح. فمنهم من إعتبرها بحسب سنه ومنهم من إعتبرها بحسب مقامه. وهم حين سمعوا الرب يقول "واحداً منكم يسلمني" (آية21) ومن تأكيد المسيح لهذه الحقيقة بدأوا يتساءلون. ولما أُغِلقَ عليهم فهم كلام المسيح، أومأ بطرس ليوحنا ليسأل المسيح، إذ كان يوحنا عن يسار المسيح وهم كانوا متكئين على يدهم اليسرى (هذه كانت العادة عندما يجلسون ليأكلوا متكئين) ونتصور أن يوحنا لو مال برأسه ليكلم المسيح لصار في حضنه. وربما كان يهوذا هو أكبرهم سناً وهو الذي جلس عن اليمين (لذلك لم يسمع أحد الحديث بين السيد ويهوذا) لذلك كان أقرب المحبوبين للمسيح هو الجالس عن يساره أي يوحنا.

الآيات (يو25: 13 - 26): - "25فَاتَّكَأَ ذَاكَ عَلَى صَدْرِ يَسُوعَ وَقَالَ لَهُ: «يَا سَيِّدُ، مَنْ هُوَ؟ » 26أَجَابَ يَسُوعُ: «هُوَ ذَاكَ الَّذِي أَغْمِسُ أَنَا اللُّقْمَةَ وَأُعْطِيهِ! ». فَغَمَسَ اللُّقْمَةَ وَأَعْطَاهَا لِيَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ.".

نلاحظ هنا رقة المسيح، فهو للآن لا يريد أن يجرح مشاعر يهوذا. ونلاحظ أن غمس اللقمة في صحن به مزيج من عصير الفواكه (را 13: 2 - 14) الممزوج بالنبيذ هو تقليد فصحي. كان رب البيت يُكَرِّم الإبن الأكبر بغمس لقمة فيه ويعطيها له. فالمسيح حتى الآن يُكَرِّم يهوذا ولم يجرحه بكلمة، ويعطيه آخر فرصة. ولكن في (مت23: 26) نرى أن يهوذا هو الذي مدَّ يده في الصحفة ولكن العلامة أعطيت ليوحنا فقط. وتفسير هذا إمّا أن المسيح وجده يمد يده في الصحفة، فبادره هو بتقديم لقمة مغموسة إليه، ربما لأن الصحفة أقرب للمسيح أو بعد أن كرّمه المسيح وأعطاه لقمة مغموسة من الصحفة تجرأ هو ومدّ يده ورآه التلاميذ يمد يده. لاحظ رقة السيد المسيح فهو لم يرد أن يفضح يهوذا بالإسم، فإستخدم علامة الغمس في الصحفة حتى لا يجرح مشاعره. وهي علامة تدل على إكرام الشخص (الإبن الأكبر أو الضيف العزيز) وربما لو أدرك شخص مندفع كبطرس ما يحدث، ربما كان سيقتل يهوذا.

الآيات (يو27: 13 - 29): - "27فَبَعْدَ اللُّقْمَةِ دَخَلَهُ الشَّيْطَانُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «مَا أَنْتَ تَعْمَلُهُ فَاعْمَلْهُ بِأَكْثَرِ سُرْعَةٍ». 28 وَأَمَّا هذَا فَلَمْ يَفْهَمْ أَحَدٌ مِنَ الْمُتَّكِئِينَ لِمَاذَا كَلَّمَهُ بِه، 29لأَنَّ قَوْمًا، إِذْ كَانَ الصُّنْدُوقُ مَعَ يَهُوذَا، ظَنُّوا أَنَّ يَسُوعَ قَالَ لَهُ: اشْتَرِ مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِلْعِيدِ، أَوْ أَنْ يُعْطِيَ شَيْئًا لِلْفُقَرَاءِ.".

كان الأكل من اللقمة هو آخر شعاع من نور الحب وجهه المسيح ليهوذا الخائن. ولماّ رفضه دخله الشيطان ودخل هو للظلمة.

هل كان ما أعطاه المسيح ليهوذا هو سر الإفخارستيا، أي هل أعطاه جسده؟

الإجابة لا. فاللقمة كانت لقمة عادية والسر تأسس بعدما خرج يهوذا لأن: -.

  1. التناول ليس فيه غمس.
  2. كيف يسمح السيد لهذا التلميذ الذي دخله الشيطان أن يتناول وهو الذي قال لا تلقوا درركم قدام الخنازير (مت6: 7).
  3. الكنيسة لا تناول إلاّ من كان مستعداً تائباً، وقد تعلمت هذا من معلمها المسيح، والرسل الذين قالوا في الدسقولية أن الكنيسة يجب أن تمنع المصر على خطاياه.
  4. يقول معلمنا بولس الرسول في (1كو27: 11) إن الذي يتناول بدون إستحقاق يصبح مجرماً في جسد الرب ودمه فهل كان يهوذا يعلم أن ما يعطيه له المسيح يجعله مجرماً، وهل طلب يهوذا التناول أم أن المسيح هو الذي أعطاه، لو كان يهوذا يعلم وتقدم للتناول بإرادته بإستهتار إذ كان مصراً على خطيته ومصراً على تسليم المسيح، في هذه الحالة يصبح مجرماً في جسد الرب ودمه ويدخله الشيطان بسبب هذا الإستهتار. ولكن هذا لم يحدث، بل المسيح هو الذي عرض عليه وأعطاه اللقمة، فهل يعطي المسيح جسده لمن لا يستحق!

وبالرجوع إلى (مت20: 26 - 25) نجد أن السيد يكشف للتلاميذ من الذي يسلمه بعلامة الأكل من الصحفة، ونرى يهوذا في جرأة يسأل السيد هل أنا هو يا سيدي والسيد يرد عليه سراً حتى لا يجرحه قائلاً أنت قلت. وفي إنجيل يوحنا الذي نحن بصدده نرى أن يهوذا خرج فوراً بعد قصة اللقمة. ثم في (مت26: 26) نجد أن السيد يؤسس سر الإفخارستيا بدون وجود يهوذا الذي كان قد خرج. ونفس الترتيب نجده في إنجيل مرقس فيهوذا حضر العشاء العادي وأعطاه السيد من الصحفة وأعلن أن يهوذا يسلمه ثم يؤسس السر بعد أن خرج يهوذا بحسب ما قال يوحنا. أمّا إنجيل لوقا فالغالب أنه لم يتتبع نفس التسلسل الزمني كما فعل متى ومرقس ثم يوحنا لكنه عرض أولاً العشاء العادي وأن المسيح شرب آخر كأس من كئوس الرمز اليهودي وألحق هذا بتأسيس السر ليعلن أن الطقوس اليهودية قد بطلت وإنتهت بتأسيس هذا السر (لو14: 22 - 23) وبعد أن إنتهى من سرد الرمز والمرموز إليه أورد نبوة المسيح عن تسليم يهوذا له، فبتسليم يهوذا له تبدأ مراحل الصلب الذى سر الافخارستيا هو إمتداد له. ولكن يهوذا كان قد خرج، فيكون قول المسيح "ولكن هوذا يد الذي يسلمني هي معي على المائدة" (لو21: 22) قد قصد به أنه سوف يسلم للموت بواسطة من كان معه على المائدة. وتأكيداً لهذا نجد أن لوقا لم يورد قصة إعطاء اللقمة ليهوذا إذ كان قد خرج. ويكون لوقا بهذا لم يهتم بقصة اللقمة التي أعطاها السيد ليهوذا ليركز على إنتهاء رموز العهد القديم.

ملحوظة: الصورة الطقسية للعشاء الرباني يكون فيها السيد المسيح مع (11) تلميذ إذ أن يهوذا كان قد خرج.

(آية27) يبدو أن يهوذا بدأ يفكر في الخروج وقبل أن يستأذن سمح له المسيح بذلك، هو أعطاه سؤل قلبه. (مز4: 20). وموافقة المسيح على ذلك هي موافقة على الصليب فهو له سلطان أن يضعها (يو18: 10). ما أنت تعمله = أي تكميل خيانته. هذه العبارة ربما بها يراجع يهوذا ضميره. ولكن هذه العبارة تشير أن ما يحدث من يهوذا هو بموافقة السيد المسيح. وقوله هنا دخله الشيطان = أي أحكم القبضة على إرادته. فهو جلس مع الرب للأكل وقبل اللقمة بشكل ودي والقلب مملوء خبثاً وهذا فتح الباب للشيطان ليدخل ويمتلك القلب. ولاحظ أن المسيح وتلاميذه بالرغم من فقرهم كانوا يعطون الفقراء.

(آية28): أما هذا = لم يذكره يوحنا بإسمه فقد سقط من عداد التلاميذ إذ خرج. وقد تعني هذا الكلام الذي قاله يسوع ليهوذا. وهذا الكلام لم يفهمه أحد.

(آية29): إشتر ما نحتاج إليه للعيد = هذا يؤكد أن الفصح كان يوم الجمعة وأن عشاء الخميس لم يكن هو عشاء الفصح.

آية (يو30: 13): - "30فَذَاكَ لَمَّا أَخَذَ اللُّقْمَةَ خَرَجَ لِلْوَقْتِ. وَكَانَ لَيْلاً.".

وكان ليلاً = هذا ليس إشارة للتوقيت الزمني فقط بل لحالة الظلمة الروحية التي كان فيها يهوذا (يو35: 12) هو خرج من دائرة النور للظلمة الخارجية. إذ خرج وترك يسوع. أخذ اللقمة = اللقمة ليست من سر الإفخارستيا بل طعام عادي.

الأعداد 31-32

الآيات (يو31: 13 - 32): -

"31فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ يَسُوعُ: «الآنَ تَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ وَتَمَجَّدَ اللهُ فِيهِ. 32إِنْ كَانَ اللهُ قَدْ تَمَجَّدَ فِيهِ، فَإِنَّ اللهَ سَيُمَجِّدُهُ فِي ذَاتِهِ، وَيُمَجِّدُهُ سَرِيعًا.".

فلما خرج = قول الكتاب فلما، فيه إشارة لأن المسيح فتح قلبه لأحبائه بعد خروج يهوذا الخائن.. وأعلن إعلانات لم يعلنها من قبل (أناجيل الباراقليط) ففيها المسيح يعزي أولاده وأنه لن يتركهم وحدهم بل يرسل لهم الروح المعزي ويقول لهم يا أولادي.

الآن تمجد = فبخروج يهوذا بدأت حقيقةً أحداث الصلب التي تمجد بها المسيح. حقاً هذه الأمور محددة أزلياً، لكنها الآن دخلت التنفيذ لذلك ففي بداية القداس يمسك الكاهن الحمل ويقول (مجداً وإكراماً..) فالمجد هنا بدأ بالصليب. ويقول تمجد (في الماضي) كأن الأحداث قد وقعت وهذه عادة الكتاب المقدس حينما يتكلم عن أحداث ستحدث يقيناً.

تمجد = أي إنتصر على أعدائه وهم الشيطان والخطية والموت. فأي ملك يتمجد حين يهزم أعدائه. وبالصليب هزم المسيح هؤلاء الأعداء الثلاثة. وتمجد الله فيه = الله يتمجد حين يسلم إنسان نفسه للموت لأجله. هنا يوحنا يظهر أن المسيح قدًّم نفسه ذبيحة على الصليب للآب ليتمجد الآب (آية32) بطاعة الإبن له، وبرجوع الناس إليه. لقد فشل البشر في طاعة الآب وهذا عمله المسيح الذي أتى بنا فيه طائعين للآب. والمسيح كرر كلمة المجد في الآيات (31 - 32) خمس مرات ليعلن قبول الآب لذبيحته، وبهذه الذبيحة تمجد الله فيه وبسببه. والمجد يعلنه المسيح هنا لإبن الإنسان الذي سريعاً ما سيتمجد أيضاً بجلوسه عن يمين الآب. فبخروج يهوذا تبدأ أولى خطوات الصليب الذي يذبح المسيح عليه لتتم إرادة الآب وإرادة الإبن في خلاص الإنسان وينجح الإبن في تحقيق الهدف، والنجاح إنتصار والإنتصار مجد. وإذ تمجد إبن الإنسان تمجد الله الآب أيضاً فبه ظهرت محبة الله الآب للبشر (يو16: 3). وإن كان الآب قد تمجد في إبنه فإن الآب سيمجد إبنه في ذاته = فهو متحد به إتحاداً كاملاً وبالتالي فمجد الآب هو مجد الإبن ومجد الإبن هو مجد الآب، وقوله في ذاته أي في ذات الله (تفسير هذا نجده في 4: 17 - 5) أي دخوله لعرش الآب وسيكون له نفس مجد الآب فهو في الآب والآب فيه. وهذا يقال عن الناسوت. ونلاحظ أنه في (31) تمجد = هذه تشير للتمجيد العلني للمسيح أمام الناس، فإن الله سيمجده = بقيامته وصعوده وجلوسه عن يمين الآب وخضوع البشر له، ويوم يأتي للدينونة مع ملائكته. هذا تمجيد سري خاص، فيه يرفع إبن الإنسان ويقبل إلى المجد الذي يتمتع به الآب ذاته فيكون الجو المحيط به مجداً في مجد. وقوله يمجده في ذاته هو إصطلاح لاهوتي يفيد وحدة الآب والإبن، لذلك يقول خرجت من عند الآب فهما كيان واحد، يخرج منه ليتجسد ويعود إليه ليتمجد دون إنقسام، فهما لا يتجزآن (راجع تفسير يو28: 16).

لاهوتيا الآب فى الإبن والإبن فى الآب، ومجد الآب هو مجد الإبن هو مجد الروح القدس، فالآب والإبن والروح القدس إله واحد. وحين تجسد الإبن وإتخذ له جسدا من العذراء مريم كان هذا الجسد مشابه لجسدنا تماما، إذاً كان جسد المسيح هذا بلا مجد وهو على الأرض.

وحين صعد المسيح بجسده أخذ هذا الجسد صورة المجد وهذا معنى "جلس عن يمين أبيه". وقول المسيح هنا اللهَ سَيُمَجِّدُهُ فِي ذَاتِهِ يعنى أن جسد المسيح حين تمجد كان هذا ليس بالإنفصال عن الآب. وصار المسيح بجسده كما بلاهوته فى حضن الآب أى فى الآب (يو1: 1، 18).

وهذا يعنى بالنسبة لنا أن كل من يثبت فى المسيح سيكون له مكان فى حضن الآب أى فى الإبن وفى الآب وهذا ما طلبه المسيح فى صلاته الشفاعية للآب (يو17: 21). وهذا ما سيقوله المسيح فى الآيات القادمة أننا لا يمكن أن نأتى إلى الآب إلا به فهو الطريق.

بين داخل العلية مع المسيح وخارجها.

وخرج يهوذا وكان ليلاً. هذه الآية تجعلنا نتأمل فى المقارنة بين خارج العلية وداخل العلية.

خارج العلية: كان ليل (ظلام الخطية واليأس والحرمان من رؤية نور المسيح ومحبته) هذه قيل عنها الظلمة الخارجية (مت30: 25).

خارج العلية: لا شركة فى جسد المسيح، إذاً هناك موت فالمسيح هو الحياة، لذلك من يأكل جسده يحيا. ويهوذا بإصراره على الإنفصال عن من فى العلية إختار طريق الموت. ويهوذا دخل فى حالة يأس دفعه للإنتحار.

خارج العلية: كانت الخيانة والمؤامرات ضد المسيح فى حلف مع الشيطان.

خارج العلية: يأس من غفران الخطية، وثقل الخطية لا يُحتمل لذلك إنتحر يهوذا.

خارج العلية: كان يهوذا طامعاً فى مال أو مراكز دنيوية، ولا يُفكر فى حياته الأبدية وهذا هو ظلام الليل خارجاً.

داخل العلية: نور، فالمسيح نور العالم، ورمز هذا كان النور مُضاء داخل العلية. والكنيسة تحرص على إضاءة الأنوار فى أثناء القداس الإلهى رمزاً لوجود المسيح والملائكة النورانيين (أع8: 20). إذاً فى العلية نور داخلى والتلاميذ يخطئون ويشتهون المراكز العالمية والجلوس عن اليمين واليسار، لكن هناك غسيل للأرجل وغفران للخطية.

داخل العلية: شركة حُبْ صنعها المسيح بمحبته (يو1: 13). وهذه المحبة جعلت المسيح يُدلِّل تلاميذه قائلاً: يا أولادى (يو33: 13) ويُعزيهم ويَعِدْهُم بالمجد المُعَدْ لهم.

داخل العلية: إفخارستيا أى شركة فى جسد المسيح أى حياة. فى الداخل شبع وسلام وفرح لوجود المسيح معهم. الشبع المادى (هم تعشوا) ثم الشبع الروحى (إفخارستيا).

داخل العلية: نور، ومن له النور لا يضل فى الطريق وتكون له العين المفتوحة لمعرفة المسيح وطريق المجد فى السماء.

داخل العلية: حياة سماوية فهم كانوا فى علية (مر15: 14). والعلية مُرتفعة عن المنزل كله رمزاً للسماء. فهى تُشير لأورشليم السماوية التى يُنيرها المسيح (رؤ5: 22). وكعربون لهذا تحيا الكنيسة حياة سماوية على الأرض (فى20: 3) والمسيح وسطها مجداً (زك5: 2). ولكنه مجد سيُستعلن أخيراً (رو18: 8).

إذاً كيف نختار العالم تاركين المسيح؟! ففى المسيح الحياة والغفران والسلام والفرح والتعزية وسط ضيقات العالم، وفى المسيح الشبع فلن نحتاج لسواه. بينما خارج المسيح لا يوجد سوى اللذات الشهوانية سلاح إبليس وهذه لا تشبع، فهى كالمياه المالحة، لا بل يصاحبها إنعدام السلام والفرح الحقيقى والتخبط فى العالم.

الشبع = لا حظ انه مهما حصل الإنسان على المجد والمال... الخ، فى العالم فلسوف يظل يشتهى ويطلب أكثر. ولا شئ يُشبعنا سوى شخص المسيح اللانهائى... ولكن المسيح تمجد بالصليب وكانت نهاية هذا الجلوس عن يمين الآب. والقصة بدأت برفض كل إغراءات الشيطان فى التجربة على الجبل. فهل تقبل أن ترفض إغراءات الخطية التى فى العالم وتقبل الصليب حتى الموت والإستشهاد؟

خطب المسيح الوداعية.

الفصل الأول (يو31: 13 - 14: 25).

الأعداد 33-38

الآيات (يو31: 13 - 38): -

"31فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ يَسُوعُ: «الآنَ تَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ وَتَمَجَّدَ اللهُ فِيهِ. 32إِنْ كَانَ اللهُ قَدْ تَمَجَّدَ فِيهِ، فَإِنَّ اللهَ سَيُمَجِّدُهُ فِي ذَاتِهِ، وَيُمَجِّدُهُ سَرِيعًا. 33يَا أَوْلاَدِي، أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا قَلِيلاً بَعْدُ. سَتَطْلُبُونَنِي، وَكَمَا قُلْتُ لِلْيَهُودِ: حَيْثُ أَذْهَبُ أَنَا لاَ تَقْدِرُونَ أَنْتُمْ أَنْ تَأْتُوا، أَقُولُ لَكُمْ أَنْتُمُ الآنَ. 34 وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. 35بِهذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ». 36قَالَ لَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «يَا سَيِّدُ، إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ؟ » أَجَابَهُ يَسُوعُ: «حَيْثُ أَذْهَبُ لاَ تَقْدِرُ الآنَ أَنْ تَتْبَعَنِي، وَلكِنَّكَ سَتَتْبَعُنِي أَخِيرًا». 37قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «يَا سَيِّدُ، لِمَاذَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَتْبَعَكَ الآنَ؟ إِنِّي أَضَعُ نَفْسِي عَنْكَ! ». 38أَجَابَهُ يَسُوعُ: «أَتَضَعُ نَفْسَكَ عَنِّي؟ اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: لاَ يَصِيحُ الدِّيكُ حَتَّى تُنْكِرَنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.".

آية (يو33: 13): - 33يَا أَوْلاَدِي، أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا قَلِيلاً بَعْدُ. سَتَطْلُبُونَنِي، وَكَمَا قُلْتُ لِلْيَهُودِ: حَيْثُ أَذْهَبُ أَنَا لاَ تَقْدِرُونَ أَنْتُمْ أَنْ تَأْتُوا، أَقُولُ لَكُمْ أَنْتُمُ الآنَ.

في الآيات السابقة تكلم المسيح عن مجده العتيد، وهنا نجده ينتقل سريعاً إلى التفكير في تلاميذه بكل حنو وعطف قائلاً يا أولادي = أصلها أولادي الصغار أو المحبوبون وتشير لعنايته بهم ورعايته لهم ومعرفته بآلامهم. ولم نسمع المسيح يقول هذه الكلمة سوى هنا لأنه شعر أن التلاميذ سيكونون مثل اليتامى حين يفارقهم وهذه لم يسمعها يهوذا فهو لا يستحقها. أنا معكم زماناً قليلاً بعد = فبعد ساعات سيصلبه اليهود ويموت وكما قلت لليهود.. = سبق المسيح وقال نفس الشئ لليهود (34: 7 + 21: 8) لأن المسيح حين يترك العالم لن يعود أحد يراه بالجسد سواء من اليهود أو من التلاميذ. ولكن هناك فارق فاليهود لن يروا المسيح بسبب عدم إيمانهم، أمّا التلاميذ فسوف يرونه بالروح. وحين يذهب للصلب فسيذهب وحده فهذا عمله وحده لا يقدر عليه سواه (أش3: 63) فالصليب معركة مع إبليس والخطية والموت لا يقدر عليها أحد سوى المسيح. وحين يصعد إلى مجده لن يستطيع الآن سواء اليهود أو التلاميذ أن يذهبوا. ستطلبونني = كان المسيح هو المحامي عنهم وكان كأب لهم. وبعد أن يصعد وتبدأ الإضطهادات والضيق سيطلبونه في آلامهم ولكنهم لن يستطيعوا الذهاب إليه في مجده، هم تعودوا أن يذهبوا إليه في ضيقاتهم وهو معهم في الجسد ولكن الوضع سيتغير بعد القيامة. ولكن المسيح لن يتركهم يتامى بل سيرسل لهم الروح المعزي بل سيكون معهم كل حين (مت20: 28) يرونه بالإيمان وفي الإفخارستيا. ولكن بعد المجئ الثانى سنراه وجها لوجه.

الآيات (يو34: 13 - 35): - "34 وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. 35بِهذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ».".

سمعنا عن وصية المحبة في (لا18: 19) فلماذا يسميها المسيح جديدة؟ هي جديدة لأنها على نفس نمط محبة المسيح، محبة باذلة حتى الموت. وكان اليهود يعلمون أن يحب الإنسان قريبه ولكن المسيح علمنا أن نحب أعداءنا، بل نحب الآخرين أكثر من ذواتنا، وهذا ما عمله المسيح على الصليب. وصية المحبة وصية قديمة لله وللقريب وكانت بالتغصب يمارسونها كأمر، لكن الصليب قدمها لنا بأعماق جديدة.

وصارت وصية جديدة لأن المسيح الذي فينا هو الذي يعطينا هذه المحبة حتى لأعدائنا فجوهر المسيح الذي فينا هو المحبة، فالله محبة ولذلك فالمحبة هي أول ثمار الروح القدس. صارت من نتائج الطبيعة الجديدة، ولكي نقتنيها علينا نبدأ بالتغصب أولا، ثم تأتى كثمرة للخليقة الجديدة التى نأخذها. صارت وصية المحبة ليست فرضاً يفرض على الإنسان من خارج، بل هي حياة وهي قوة محبة باذلة تعمل فيه بإمكانيات المسيح الذي فيه. وصارت هذه المحبة دليل وجوده فينا. وصارت هذه المحبة التي فينا كرازة بها يستعلن المسيح نفسه للعالم فعلينا أن لا نندهش إذ لا نجد المحبة في الآخرين، فهم لا يسكن الروح القدس فيهم، والروح القدس يسكب فينا محبة الله (رو5: 5). ومن ثمار الروح القدس، بل أولها، المحبة (غل22: 5 - 23). لذلك ظل يوحنا الحبيب يكرز بهذه الوصية عمره كله، فهذه الكلمات ظلت ترن في أذنيه العمر كله. وبعد أن أصبح شيخاً كانوا يحملونه للكنيسة فيقول يا أولادي أحبوا بعضكم بعضاً، ولما سألوه لماذا تكرر هذا الكلام قال "أليست هذه تعاليم السيد المسيح وفيها كل الكفاية لو نفذتموها. تلاميذي = هي تسمية تشير للعلاقة الخاصة بين المسيح وتلاميذه، وهي علاقة سامية عاشروا المسيح فيها فترة طويلة. ومن عشرة المسيح صارت لهم نفس صفاته.

آية (يو36: 13): - 36قَالَ لَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «يَا سَيِّدُ، إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ؟ » أَجَابَهُ يَسُوعُ: «حَيْثُ أَذْهَبُ لاَ تَقْدِرُ الآنَ أَنْ تَتْبَعَنِي، وَلكِنَّكَ سَتَتْبَعُنِي أَخِيرًا».

فهم بطرس من كلام الرب أنه سيغادرهم وأنه أي بطرس لا يقدر أن يتبعه ولماذا لا يستطيع بطرس أن يتبعه؟

  1. لأن بطرس لم يتمم بعد عمله الذي إختاره له الله، فهو له رسالة عليه أن يتممها. نحن مخلوقين لنتمم أعمال صالحة سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها (أف10: 2) ولن نموت قبل أن نتممها.
  2. هو الآن غير مستعد للصليب والدليل أنه أنكر بعد دقائق بل إن الصليب والفداء هو عمل المسيح وحده.
  3. كان الفداء لم يتم. لذلك فإن مكان بطرس في المجد غير معد، كما أن بطرس كان غير معد لهذا المجد. بل إن بطرس لم يدرك من كلام السيد أنه ذاهب للصلب والمسيح سبق وأنبأ تلاميذه بأنه سيسلم للموت ويهان ويموت ويقوم في اليوم الثالث إلاّ أنهم لم يفهموا هذا تماماً (راجع مت21: 16 - 28 + 18: 20 - 19 + مر31: 8 + 31: 9 + لو44: 9 + 25: 17 + 31: 18 - 33) وربما كان سؤال بطرس هنا للرب كيف تذهب بعيداً وأنت سوف تملك على أورشليم.

آية (يو37: 13): - 37قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «يَا سَيِّدُ، لِمَاذَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَتْبَعَكَ الآنَ؟ إِنِّي أَضَعُ نَفْسِي عَنْكَ! ».

نرى هنا بطرس في غرور يتصوًّر نفسه فادياً للفادي. ولكن ليس بالحماس وحده فقط نضع أنفسنا عن المسيح بل بالنضج الروحي ونمو المحبة.

آية (يو38: 13): - 38أَجَابَهُ يَسُوعُ: «أَتَضَعُ نَفْسَكَ عَنِّي؟ اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: لاَ يَصِيحُ الدِّيكُ حَتَّى تُنْكِرَنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.

عتاب مسبق من المسيح لبطرس. وبطرس وضع نفسه في هذا الموقف المحرج لأنه لم يقبل كلمات السيد المسيح "لا تقدر الآن أن تتبعني" إذاً الأليق بنا أن نقبل كلمات السيد المسيح ووصاياه دون مناقشة.

نرى في الإصحاح الثالث عشر غسل الأرجل الذي سبق التناول ثم نرى وصية المحبة الباذلة. وهكذا بعد كل قداس نتناول وتغفر خطايانا ونخرج من الكنيسة لنعيش وسط الناس نخدمهم بمحبة باذلة في حياة خدمة متواضعة.

ملحوظة:

كلام السيد المسيح للتلاميذ هنا مشابه لكلامه لليهود.

قارن آيات (33، 36) هنا مع (يو34: 7) ولكن هناك فروق: -.

  1. "ستطلبونني ولا تجدونني" هذه قيلت لليهود فهم لن يروه بسبب عدم إيمانهم. أما للتلاميذ، "ستطلبونني ولا تقدرون أنتم أن تأتوا أقول لكم أنتم الآن" فهذا وضع مؤقت.
  2. كان وضع مؤقت وسينتهي ويذهب التلاميذ للمجد "ولكنك ستتبعني أخيراً" وهذا لم يقوله الرب لليهود.
  3. يعطي الرب وصية المحبة لتلاميذه بعد قوله "لا تقدرون أنتم أن تأتوا أقول لكم أنتم الآن" (آية33) مباشرة في (آية34) والسبب أنه بدون محبة لن يدخل أحد إلى المجد.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الرابع عشر - تفسير إنجيل يوحنا - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح الثاني عشر - تفسير إنجيل يوحنا - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير إنجيل يوحنا الأصحاح 44230
تفاسير إنجيل يوحنا الأصحاح 44230
No items found