الأصحاح التاسع – تفسير إنجيل لوقا – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: انجيل لوقا – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح التاسع

إرسال الإثنى عشر.

الأعداد 1-6

الآيات (لو1: 9 - 6): -

"1 وَدَعَا تَلاَمِيذَهُ الاثْنَيْ عَشَرَ، وَأَعْطَاهُمْ قُوَّةً وَسُلْطَانًا عَلَى جَمِيعِ الشَّيَاطِينِ وَشِفَاءِ أَمْرَاضٍ، 2 وَأَرْسَلَهُمْ لِيَكْرِزُوا بِمَلَكُوتِ اللهِ وَيَشْفُوا الْمَرْضَى. 3 وَقَالَ لَهُمْ: «لاَ تَحْمِلُوا شَيْئًا لِلطَّرِيقِ: لاَ عَصًا وَلاَ مِزْوَدًا وَلاَ خُبْزًا وَلاَ فِضَّةً، وَلاَ يَكُونُ لِلْوَاحِدِ ثَوْبَانِ. 4 وَأَيُّ بَيْتٍ دَخَلْتُمُوهُ فَهُنَاكَ أَقِيمُوا، وَمِنْ هُنَاكَ اخْرُجُوا. 5 وَكُلُّ مَنْ لاَ يَقْبَلُكُمْ فَاخْرُجُوا مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ، وَانْفُضُوا الْغُبَارَ أَيْضًا عَنْ أَرْجُلِكُمْ شَهَادَةً عَلَيْهِمْ». 6فَلَمَّا خَرَجُوا كَانُوا يَجْتَازُونَ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ يُبَشِّرُونَ وَيَشْفُونَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ.".

الآيات (مت 9: 10 - 15): -.

"9لاَ تَقْتَنُوا ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً وَلاَ نُحَاسًا فِي مَنَاطِقِكُمْ، 10 وَلاَ مِزْوَدًا لِلطَّرِيقِ وَلاَ ثَوْبَيْنِ وَلاَ أَحْذِيَةً وَلاَ عَصًا، لأَنَّ الْفَاعِلَ مُسْتَحِق طَعَامَهُ. 11« وَأَيَّةُ مَدِينَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ دَخَلْتُمُوهَا فَافْحَصُوا مَنْ فِيهَا مُسْتَحِق، وَأَقِيمُوا هُنَاكَ حَتَّى تَخْرُجُوا. 12 وَحِينَ تَدْخُلُونَ الْبَيْتَ سَلِّمُوا عَلَيْهِ، 13فَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ مُسْتَحِقًّا فَلْيَأْتِ سَلاَمُكُمْ عَلَيْهِ، وَلكِنْ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا فَلْيَرْجعْ سَلاَمُكُمْ إِلَيْكُمْ. 14 وَمَنْ لاَ يَقْبَلُكُمْ وَلاَ يَسْمَعُ كَلاَمَكُمْ فَاخْرُجُوا خَارِجًا مِنْ ذلِكَ الْبَيْتِ أَوْ مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ، وَانْفُضُوا غُبَارَ أَرْجُلِكُمْ. 15اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: سَتَكُونُ لأَرْضِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ يَوْمَ الدِّينِ حَالَةٌ أَكْثَرُ احْتِمَالاً مِمَّا لِتِلْكَ الْمَدِينَةِ.".

الآيات (مر 7: 6 - 13): -.

"7 وَدَعَا الاثْنَيْ عَشَرَ وَابْتَدَأَ يُرْسِلُهُمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا عَلَى الأَرْوَاحِ النَّجِسَةِ، 8 وَأَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يَحْمِلُوا شَيْئًا لِلطَّرِيقِ غَيْرَ عَصًا فَقَطْ، لاَ مِزْوَدًا وَلاَ خُبْزًا وَلاَ نُحَاسًا فِي الْمِنْطَقَةِ. 9بَلْ يَكُونُوا مَشْدُودِينَ بِنِعَال، وَلاَ يَلْبَسُوا ثَوْبَيْنِ. 10 وَقَالَ لَهُمْ: «حَيْثُمَا دَخَلْتُمْ بَيْتًا فَأَقِيمُوا فِيهِ حَتَّى تَخْرُجُوا مِنْ هُنَاكَ. 11 وَكُلُّ مَنْ لاَ يَقْبَلُكُمْ وَلاَ يَسْمَعُ لَكُمْ، فَاخْرُجُوا مِنْ هُنَاكَ وَانْفُضُوا التُّرَابَ الَّذِي تَحْتَ أَرْجُلِكُمْ شَهَادَةً عَلَيْهِمْ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: سَتَكُونُ لأَرْضِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ يَوْمَ الدِّينِ حَالَةٌ أَكْثَرُ احْتِمَالاً مِمَّا لِتِلْكَ الْمَدِينَةِ». 12فَخَرَجُوا وَصَارُوا يَكْرِزُونَ أَنْ يَتُوبُوا. 13 وَأَخْرَجُوا شَيَاطِينَ كَثِيرَةً، وَدَهَنُوا بِزَيْتٍ مَرْضَى كَثِيرِينَ فَشَفَوْهُمْ.".

لا تقتنوا ذهباً ولا فضة = المقصود عدم الإهتمام بالإقتناء أو أن يحملوا هَمْ الغد، فالله سيرسل لهم ما يكفيهم. الله يريد منهم الإتكال الكامل عليه وأن لا يجدوا فى المال ضماناً للغد، وأن يهتموا فقط بالكرازة. عموماً فمحبة المال أصل لكل الشرور. وكانوا يأكلون فى بيوت تلاميذهم وكان هذا لتزداد المحبة بينهم وبين تلاميذهم. نحاساً = أى النقود، فالنقود كانت من الذهب والفضة والنحاس. فى مناطقكم = هى ثنية فى رداء المنطقة تستعمل كما نستعمل الجيوب الآن. ولا مزوداً = كيس صغير يضعون فيه الطعام أثناء سفرهم.

ولا أحذية = ويقول فى مرقس بل يكونوا مشدودين بنعال = لا يعقل أن السيد يطلب منهم السير حفاة الأقدام، لذلك فليكونوا مشدودين بنعال، ولكن لا يحملوا هماً بزيادة، فيحملوا معهم أحذية لئلا ينقطع الحذاء الذى يلبسونه. حتى الحذاء عليهم أن لا يفكروا فيه، فهو سيدبر لهم كل شئ، بل ألم يكن حذاء مار مرقس المقطوع بداية الكرازة فى مصر. ولا ثوبين.. ولا يلبسوا ثوبين (مرقص) = نفس المعنى أن لا يحملوا هم إنقطاع ثوب فيلبسوا ثوبين، عليهم أن يذكروا أن ثياب بنى إسرائيل ونعالهم لم تبلى مدة 40 سنة (تث 5: 29 - 6)، فلا يحملوا شيئاً مضاعفاً. ولكن لاحظ قوله مشدودين بنعال أى أنهم على إستعداد مستمر للحركة. وكلمة مشدودين فلأن الصنادل المستخدمة كان لها سيور يلفونها حول الساق، ويلزم حلها أولاً قبل خلعها، هذه التى إعتبر المعمدان نفسه غير أهل لحلها. ولا عصا (متى).. غير عصا فقط (مرقس).. لا عصا (لوقا) العصا تستخدم فى السير ليستند عليها السائر، إذ أن الطرق غير ممهدة وهم يسيرون فى جبال ووديان، وتستعمل العصا فى الدفاع ضد الحيوانات. ويبدو من مقارنة الثلاثة أناجيل أن هناك خلاف بسيط فى موضوع العصا ففى متى ولوقا لا يُسمح بحمل عصا وفى مرقس يُسمح بهذا. وطبعاً علينا ألاّ نكون حرفيين وأن نفهم روح الوصية، والمقصود أن من يحتاج لعصا فليأخذها ليستند عليها، ولكن لنفهم أن المهم هو الشعور الداخلى بالإتكال على السيد المسيح فى كل شئ، لا يخاف الكارز من حيوان يهاجمه (خر 7: 11)، ولا من جوع أو عوز، فالله يدبر كل شئ. فلا نفهم عدم حمل العصا حرفياً، أن المسيح يمنع ذلك لكن المسيح يطلب أن نلقى كل همنا عليه وهو يعولنا. عموماً العصا تشير للحماية من عدو. ومعنى وجود نص يقول أحمل عصا ونص يقول لا تحمل عصا فهذا إشارة لإنه أن وجدت حماية إستعملوها (كما حدث مع نحميا "نح 9: 2") وإن لم توجد فلا تحملوا هماً فأنا أحميكم (عز 21: 8 - 23) فعزرا لم يطلب حماية ثقة فى إلهه لكن نحميا إذ عرض عليه الملك جيشاً ليحميه لم يرفض.

وأية مدينة دخلتموها فإفحصوا من فيها مستحق = أى من هو مستحق أن تقيموا عنده، ويكون بيته كنيسة تصلى فيها الصلوات والقداسات. وأقيموا هناك حتى تخرجوا (متى). حيثما دخلتم بيتاً فأقيموا فيه حتى تخرجوا إذاً هم سيبحثون عن بيت سمعته طيبة ليقيموا فيه ولا يتنقلون من بيت إلى بيت حتى لا تتحول خدمة الكلمة إلى خدمة المجاملات، وإنما يركزوا كل فكرهم وجهدهم فى العمل الكرازى وحده. وحتى لا تحدث منافسات بين البيوت فى إكرامهم فينسون الخدمة.

حين تدخلون البيت سلموا عليه = السلام هى عادة يهودية، بل هى عادة فى كل العالم. ولكن المقصود هنا هو منح البركة لهذا المكان. وإن كان أهل البيت مستحقين لهذه البركة ستكون لهم، وإن لم يكونوا مستحقين ترجع هذه البركة وهذا السلام لكم = فليرجع سلامكم إليكم. انفضوا غبار أرجلكم = بمعنى أنهم خرجوا من عندهم لا يريدون أدنى شئ منهم. وكان اليهود يعتقدون أن أرض إسرائيل مقدسة، لدرجة أنهم إذا كانوا يأتون من مملكة وثنية يقفون عند حدود بلادهم من الخارج وينفضون أو يمسحون الغبار من على أرجلهم، حتى لا تتنجس أرضهم بالغبار الذى من أرض وثنية. وهنا مثل حى لأولئك اليهود الذين يرفضون رسالة الإنجيل، فهم لا يعتبرون مقدسين بل يصلون إلى مستوى الوثنيين وعبدة الأصنام إذ رفضوا المسيح غافر الخطايا فإستقرت خطاياهم عليهم (نح 13: 5 + أع 51: 13).

سلموا عليه = بهذا تبدأ كنيستنا صلواتها، بأن يطلب الكاهن البركة والسلام للشعب بقوله "إيرينى باسى أى السلام لجميعكم" وهذا ليس مثل السلام العادى بين الأشخاص العاديين وإلاّ ما معنى قول السيد يرجع سلامكم إليكم، إذاً هو بركة تمنح من الله. سدوم وعمورة = تكون حالتهم أكثر إحتمالاً من هؤلاء الرافضين إذ أن سدوم وعمورة لم ترى المعجزات التى رآها هؤلاء. هنا نرى أن العذاب درجات. والمجد أيضاً درجات "فنجم يمتاز عن نجم فى المجد" (1كو 41: 15).

آية (مر6: 7): -.

"7 وَدَعَا الاثْنَيْ عَشَرَ وَابْتَدَأَ يُرْسِلُهُمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا عَلَى الأَرْوَاحِ النَّجِسَةِ،".

أرسلهم إثنين إثنين = (جا 9: 4 - 12) فواحد منهما يشجع الأخر ويعزيه إن هو ضعف. وهكذا ذهب برنابا مع بولس ثم سيلا مع بولس. أو أحدهما يعظ والآخر يصلى.

الآيات (مر 12: 6 - 13): -.

"12فَخَرَجُوا وَصَارُوا يَكْرِزُونَ أَنْ يَتُوبُوا. 13 وَأَخْرَجُوا شَيَاطِينَ كَثِيرَةً، وَدَهَنُوا بِزَيْتٍ مَرْضَى كَثِيرِينَ فَشَفَوْهُمْ.".

هنا نرى التلاميذ يخرجون فى هذه المهمة التدريبيه فى وجود السيد بالجسد على الأرض، ويمارسوا عمل الكرازة. ونراهم يمارسون سر مسحة المرضى = دهنوا بزيت مرضى كثيرين فشفوهم. وهكذا تتمم الكنيسة هذا السر كما تسلمته من الرسل، وكما إستلمه الرسل من السيد المسيح، وكما أمر معلمنا يعقوب (يع14: 5 - 15). ونلاحظ أن يهوذا كان من ضمن التلاميذ، إذاً فهو قد عَلَّم ودهن بالزيت فشفى مرضى وأخرج شياطين، ولكن هلك إذ لم يقدر قيمة ما أخذ، فإنطبق عليه قول السيد المسيح "إنى لم أعرفكم قط" (مت 22: 7 - 23).

رعب هيرودس.

الأعداد 7-9

الآيات (لو7: 9 - 9): -

"7فَسَمِعَ هِيرُودُسُ رَئِيسُ الرُّبْعِ بِجَمِيعِ مَا كَانَ مِنْهُ، وَارْتَابَ، لأَنَّ قَوْمًا كَانُوا يَقُولُونَ: «إِنَّ يُوحَنَّا قَدْ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ». 8 وَقَوْمًا: «إِنَّ إِيلِيَّا ظَهَرَ». وَآخَرِينَ: «إِنَّ نَبِيًّا مِنَ الْقُدَمَاءِ قَامَ». 9فَقَالَ هِيرُودُسُ: «يُوحَنَّا أَنَا قَطَعْتُ رَأْسَهُ. فَمَنْ هُوَ هذَا الَّذِي أَسْمَعُ عَنْهُ مِثْلَ هذَا؟ » وَكَانَ يَطْلُبُ أَنْ يَرَاهُ.".

الآيات (مت 1: 14 - 12): -.

"1فِي ذلِكَ الْوَقْتِ سَمِعَ هِيرُودُسُ رَئِيسُ الرُّبْعِ خَبَرَ يَسُوعَ، 2فَقَالَ لِغِلْمَانِهِ: «هذَا هُوَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ قَدْ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ! وَلِذلِكَ تُعْمَلُ بِهِ الْقُوَّاتُ». 3فَإِنَّ هِيرُودُسَ كَانَ قَدْ أَمْسَكَ يُوحَنَّا وَأَوْثَقَهُ وَطَرَحَهُ فِي سِجْنٍ مِنْ أَجْلِ هِيرُودِيَّا امْرَأَةِ فِيلُبُّسَ أَخِيهِ، 4لأَنَّ يُوحَنَّا كَانَ يَقُولُ لَهُ: «لاَ يَحِلُّ أَنْ تَكُونَ لَكَ». 5 وَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَهُ خَافَ مِنَ الشَّعْبِ، لأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ مِثْلَ نَبِيٍّ. 6ثُمَّ لَمَّا صَارَ مَوْلِدُ هِيرُودُسَ، رَقَصَتِ ابْنَةُ هِيرُودِيَّا فِي الْوَسْطِ فَسَرَّتْ هِيرُودُسَ. 7مِنْ ثَمَّ وَعَدَ بِقَسَمٍ أَنَّهُ مَهْمَا طَلَبَتْ يُعْطِيهَا. 8فَهِيَ إِذْ كَانَتْ قَدْ تَلَقَّنَتْ مِنْ أُمِّهَا قَالَتْ: «أَعْطِني ههُنَا عَلَى طَبَق رَأْسَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ». 9فَاغْتَمَّ الْمَلِكُ. وَلكِنْ مِنْ أَجْلِ الأَقْسَامِ وَالْمُتَّكِئِينَ مَعَهُ أَمَرَ أَنْ يُعْطَى. 10فَأَرْسَلَ وَقَطَعَ رَأْسَ يُوحَنَّا فِي السِّجْنِ. 11فَأُحْضِرَ رَأْسُهُ عَلَى طَبَق وَدُفِعَ إِلَى الصَّبِيَّةِ، فَجَاءَتْ بِهِ إِلَى أُمِّهَا. 12فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَرَفَعُوا الْجَسَدَ وَدَفَنُوهُ. ثُمَّ أَتَوْا وَأَخْبَرُوا يَسُوعَ.".

الآيات (مر 14: 6 - 29): -.

"14فَسَمِعَ هِيرُودُسُ الْمَلِكُ، لأَنَّ اسْمَهُ صَارَ مَشْهُورًا. وَقَالَ: «إِنَّ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانَ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ وَلِذلِكَ تُعْمَلُ بِهِ الْقُوَّاتُ». 15قَالَ آخَرُونَ: «إِنَّهُ إِيلِيَّا». وَقَالَ آخَرُونَ: «إِنَّهُ نَبِيٌّ أَوْ كَأَحَدِ الأَنْبِيَاءِ». 16 وَلكِنْ لَمَّا سَمِعَ هِيرُودُسُ قَالَ: «هذَا هُوَ يُوحَنَّا الَّذِي قَطَعْتُ أَنَا رَأْسَهُ. إِنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ! » 17لأَنَّ هِيرُودُسَ نَفْسَهُ كَانَ قَدْ أَرْسَلَ وَأَمْسَكَ يُوحَنَّا وَأَوْثَقَهُ فِي السِّجْنِ مِنْ أَجْلِ هِيرُودِيَّا امْرَأَةِ فِيلُبُّسَ أَخِيهِ، إِذْ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَ بِهَا. 18لأَنَّ يُوحَنَّا كَانَ يَقُولُ لِهِيرُودُسَ: «لاَ يَحِلُّ أَنْ تَكُونَ لَكَ امْرَأَةُ أَخِيكَ» 19فَحَنِقَتْ هِيرُودِيَّا عَلَيْهِ، وَأَرَادَتْ أَنْ تَقْتُلَهُ وَلَمْ تَقْدِرْ، 20لأَنَّ هِيرُودُسَ كَانَ يَهَابُ يُوحَنَّا عَالِمًا أَنَّهُ رَجُلٌ بَارٌّ وَقِدِّيسٌ، وَكَانَ يَحْفَظُهُ. وَإِذْ سَمِعَهُ، فَعَلَ كَثِيرًا، وَسَمِعَهُ بِسُرُورٍ. 21 وَإِذْ كَانَ يَوْمٌ مُوافِقٌ، لَمَّا صَنَعَ هِيرُودُسُ فِي مَوْلِدِهِ عَشَاءً لِعُظَمَائِهِ وَقُوَّادِ الأُلُوفِ وَوُجُوهِ الْجَلِيلِ، 22دَخَلَتِ ابْنَةُ هِيرُودِيَّا وَرَقَصَتْ، فَسَرَّتْ هِيرُودُسَ وَالْمُتَّكِئِينَ مَعَهُ. فَقَالَ الْمَلِكُ لِلصَّبِيَّةِ: «مَهْمَا أَرَدْتِ اطْلُبِي مِنِّي فَأُعْطِيَكِ». 23 وَأَقْسَمَ لَهَا أَنْ «مَهْمَا طَلَبْتِ مِنِّي لأُعْطِيَنَّكِ حَتَّى نِصْفَ مَمْلَكَتِي». 24فَخَرَجَتْ وَقَالَتْ لأُمِّهَا: «مَاذَا أَطْلُبُ؟ » فَقَالَتْ: «رَأْسَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ». 25فَدَخَلَتْ لِلْوَقْتِ بِسُرْعَةٍ إِلَى الْمَلِكِ وَطَلَبَتْ قَائِلَةً: «أُرِيدُ أَنْ تُعْطِيَنِي حَالاً رَأْسَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ عَلَى طَبَق». 26فَحَزِنَ الْمَلِكُ جِدًّا. وَلأَجْلِ الأَقْسَامِ وَالْمُتَّكِئِينَ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَرُدَّهَا. 27فَلِلْوَقْتِ أَرْسَلَ الْمَلِكُ سَيَّافًا وَأَمَرَ أَنْ يُؤْتَى بِرَأْسِهِ. 28فَمَضَى وَقَطَعَ رَأْسَهُ فِي السِّجْنِ. وَأَتَى بِرَأْسِهِ عَلَى طَبَق وَأَعْطَاهُ لِلصَّبِيَّةِ، وَالصَّبِيَّةُ أَعْطَتْهُ لأُمِّهَا. 29 وَلَمَّا سَمِعَ تَلاَمِيذُهُ، جَاءُوا وَرَفَعُوا جُثَّتَهُ وَوَضَعُوهَا فِي قَبْرٍ.".

هيرودس هذا هو هيرودس أنتيباس أحد أبناء هيرودس الكبير الذى كان يحكم كل اليهودية والجليل، وبعد ما مات هيرودس الكبير سنة 4 ق. م. إنقسمت مملكته أربعة أجزاء. ومن أولاد هيرودس الكبير.

اريسطوبولوس (لم يكن يحكم) وهو والد هيروديا.

هيرودس فيلبس (مر 17: 6) وقد تزوج من هيروديا بنت أخيه.

هيرودس أنتيباس. وقد تركت هيروديا زوجها فيلبس لتتزوجه فى أثناء حياة زوجها فيلبس وهذا ما عارضه يوحنا المعمدان. ولقد كان مسموحاً، بل مطلباً للناموس أن يتزوج الأخ أرملة أخيه الراحل إذا كان هذا الميت قد مات دون نسل وذلك ليقيم نسلاً بإسم أخيه، لكن أن تترك زوجة زوجها لتتزوج بأخيه فهذا ضد الناموس.

هيرودس رئيس الربع = هو أنتيباس، والربع هو ربع مملكة هيرودس الكبير أبوه. والربع الذى حكمه هو الجليل وبيرية (وهيرودس هذا هو الذى حاكم المسيح عندما أرسلهُ له بيلاطس البنطى).

هو يوحنا المعمدان قد قام من الأموات = رغم أن يوحنا المعمدان لم يعمل معجزات (يو41: 10)، والمسيح كان صانع للمعجزات، إلاّ أن تصور هيرودس أن المسيح هو يوحنا المعمدان وقد قام من الأموات، ما كان سوى إحساساً بالإثم وعذاباً للضمير، "فالشرير يهرب ولا طارد" (أم 1: 28) (وهذا نفس ما حدث مع قايين). وهكذا تنتهى اللذة العابرة بعذاب مستمر وألم دائم. ولاحظ تدرج الشر فى حياة هيرودس 1) فهو أولاً قد إغتصب زوجة أخيه الحى. 2) قتل يوحنا المعمدان. ولاحظ أن مؤامرة القتل قد تم تدبيرها وقت الإستمتاع الوقتى بالخطية. ولقد قتل هيرودس المعمدان ليكتم صوت الحق الذى كان يعذبه، لكن الخوف لم يفارقه، صار بلا سلام، فالخطية تفقد الإنسان سلامه الداخلى، وتفقده أبديته. أماّ الإلتزام بالحق فهو وإن كان ثمنه الإستشهاد لكن لن يفقد المؤمن سلامه على الأرض، وتكون له حياة أبدية. أين هيرودس الآن وأين يوحنا المعمدان؟!

نهاية هيرودس: - كان هيرودس متزوجاً من إبنة الحارث والى النبطيين وبسبب زواجه من هيروديا طلقها. فقام عليه الحارث وحاربه وسحق جيشه. وتم نفى هيرودس وزوجته إلى فرنسا سنة 39م، ونالت إبنة هيروديا جزاءها إذ سقطت فى بحيرة من الثلج وقطعت رقبتها.

ويضيف معلمنا مرقس على قصة متى أن هيرودس كان يحترم يوحنا ويهابه عالماً أنه رجل بار وقديس. وكان يحفظه (مر 20: 6) = واضح أن هيروديا كانت دائمة التدبير وحبك المؤامرات ضد يوحنا المعمدان (مر 19: 6). ولكنها لم تقدر لأن هيرودس كان يحفظه منها، إذ كان خائفاً من الشعب، ولأنه كان يعلم أنه رجل بار وقديس لكن كان في داخله صراع بين رغبته الآثمة وإعجابه بيوحنا، ولكنه إنهار أخيراً أمام ألاعيب هذه المرأة التى أغوته برقصة إبنتها (سالومى) وهو فى حالة سكر ومجون. لكن لنفهم أن حياة المعمدان إنتهت ليس لسلطان هيرودس أو هيروديا بل لأن الله سمح بهذا.

إذ سمعه فعل كثيراً = (مر 20: 6) وفى الترجمة الأصلية "إذ سمعه إضطرب كثيراً" ولكنه سمعه بسرور. وواضح أن ضميره كان يستيقظ بعض الوقت ويفرح لكلام المعمدان المملوء قوة بالروح القدس، ولكنه أمام شهواته كان يرفض الإذعان لصوت الحق، فكان صوت المعمدان يعذبه. هو كان يتعذب إذ لم يكن مستقيماً فى قلبه وخاضعاً لشهواته.

وتمت جريمة القتل فى جو سُكر وعربدة ومجون، كان مجلس مستهزئين (مر 21: 6) ونجحت مؤامرتهم لأن المعمدان كان قد أنهى مهمته، فالله "خلقنا لأعمال صالحة" (أف2: 10) حين ننتهى منها نذهب لنرتاح، وقد أنهى المعمدان عمله ومهد الطريق للمسيح، وحتى لا توجد منافسة أو حزبين فليصعد يوحنا للسماء بأي وسيلة. وإذ كان يوم موافق = هو كان موافقاً لأغراض هيروديا. وهيرودس هذا سماه السيد المسيح ثعلباً (لو 32: 13). فهيروديا كانت تعلم أن هيرودس كان يسكر في هذا اليوم.

جاءت القصة في متى كتطبيق على قول السيد "ليس نبي بلا كرامة إلاّ في وطنه" (ص13) وجاءت القصة في مرقس عقب إرسالية الرسل بمعنى أنه سيحدث لكم مثل هذا.

وحتى الآن نحن نفعل نفس الخطأ إذ نخاصم ونقاطع من يسمعنا كلمة حق حتى لا يعذب ضميرنا.

الآيات (لو10: 9 - 17) معجزة إشباع الجموع.

المعجزة وردت فى الآربعة الأناجيل.

الآيات (مت 13: 14 - 23): -.

"13فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ انْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ فِي سَفِينَةٍ إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ مُنْفَرِدًا. فَسَمِعَ الْجُمُوعُ وَتَبِعُوهُ مُشَاةً مِنَ الْمُدُنِ. 14فَلَمَّا خَرَجَ يَسُوعُ أَبْصَرَ جَمْعًا كَثِيرًا فَتَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ وَشَفَى مَرْضَاهُمْ. 15 وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ: «الْمَوْضِعُ خَلاَءٌ وَالْوَقْتُ قَدْ مَضَى. اِصْرِفِ الْجُمُوعَ لِكَيْ يَمْضُوا إِلَى الْقُرَى وَيَبْتَاعُوا لَهُمْ طَعَامًا». 16فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لاَ حَاجَةَ لَهُمْ أَنْ يَمْضُوا. أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا». 17فَقَالُوا لَهُ: «لَيْسَ عِنْدَنَا ههُنَا إِلاَّ خَمْسَةُ أَرْغِفَةٍ وَسَمَكَتَانِ». 18فَقَالَ: «ائْتُوني بِهَا إِلَى هُنَا». 19فَأَمَرَ الْجُمُوعَ أَنْ يَتَّكِئُوا عَلَى الْعُشْبِ. ثُمَّ أَخَذَ الأَرْغِفَةَ الْخَمْسَةَ وَالسَّمَكَتَيْنِ، وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى الأَرْغِفَةَ لِلتَّلاَمِيذِ، وَالتَّلاَمِيذُ لِلْجُمُوعِ. 20فَأَكَلَ الْجَمِيعُ وَشَبِعُوا. ثُمَّ رَفَعُوا مَا فَضَلَ مِنَ الْكِسَرِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مَمْلُوءةً. 21 وَالآ كِلُونَ كَانُوا نَحْوَ خَمْسَةِ آلاَفِ رَجُل، مَا عَدَا النِّسَاءَ وَالأَوْلاَدَ. 22 وَلِلْوَقْتِ أَلْزَمَ يَسُوعُ تَلاَمِيذَهُ أَنْ يَدْخُلُوا السَّفِينَةَ وَيَسْبِقُوهُ إِلَى الْعَبْرِ حَتَّى يَصْرِفَ الْجُمُوعَ. 23 وَبَعْدَمَا صَرَفَ الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ مُنْفَرِدًا لِيُصَلِّيَ. وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ كَانَ هُنَاكَ وَحْدَهُ.".

الآيات (مر30: 6 - 44): -.

"30 وَاجْتَمَعَ الرُّسُلُ إِلَى يَسُوعَ وَأَخْبَرُوهُ بِكُلِّ شَيْءٍ، كُلِّ مَا فَعَلُوا وَكُلِّ مَا عَلَّمُوا. 31فَقَالَ لَهُمْ: «تَعَالَوْا أَنْتُمْ مُنْفَرِدِينَ إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ وَاسْتَرِيحُوا قَلِيلاً». لأَنَّ الْقَادِمِينَ وَالذَّاهِبِينَ كَانُوا كَثِيرِينَ، وَلَمْ تَتَيَسَّرْ لَهُمْ فُرْصَةٌ لِلأَكْلِ. 32فَمَضَوْا فِي السَّفِينَةِ إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ مُنْفَرِدِينَ. 33فَرَآهُمُ الْجُمُوعُ مُنْطَلِقِينَ، وَعَرَفَهُ كَثِيرُونَ. فَتَرَاكَضُوا إِلَى هُنَاكَ مِنْ جَمِيعِ الْمُدُنِ مُشَاةً، وَسَبَقُوهُمْ وَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ. 34فَلَمَّا خَرَجَ يَسُوعُ رَأَى جَمْعًا كَثِيرًا، فَتَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ إِذْ كَانُوا كَخِرَافٍ لاَ رَاعِيَ لَهَا، فَابْتَدَأَ يُعَلِّمُهُمْ كَثِيرًا. 35 وَبَعْدَ سَاعَاتٍ كَثِيرَةٍ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ: «الْمَوْضِعُ خَلاَءٌ وَالْوَقْتُ مَضَى. 36اِصْرِفْهُمْ لِكَيْ يَمْضُوا إِلَى الضِّيَاعِ وَالْقُرَى حَوَالَيْنَا وَيَبْتَاعُوا لَهُمْ خُبْزًا، لأَنْ لَيْسَ عِنْدَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ». 37فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا». فَقَالُوا لَهُ: «أَنَمْضِي وَنَبْتَاعُ خُبْزًا بِمِئَتَيْ دِينَارٍ وَنُعْطِيَهُمْ لِيَأْكُلُوا؟ » 38فَقَالَ لَهُمْ: «كَمْ رَغِيفًا عِنْدَكُمُ؟ اذْهَبُوا وَانْظُرُوا». وَلَمَّا عَلِمُوا قَالُوا: «خَمْسَةٌ وَسَمَكَتَانِ». 39فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا الْجَمِيعَ يَتَّكِئُونَ رِفَاقًا رِفَاقًا عَلَى الْعُشْبِ الأَخْضَرِ. 40فَاتَّكَأُوا صُفُوفًا صُفُوفًا: مِئَةً مِئَةً وَخَمْسِينَ خَمْسِينَ. 41فَأَخَذَ الأَرْغِفَةَ الْخَمْسَةَ وَالسَّمَكَتَيْنِ، وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ، وَبَارَكَ ثُمَّ كَسَّرَ الأَرْغِفَةَ، وَأَعْطَى تَلاَمِيذَهُ لِيُقَدِّمُوا إِلَيْهِمْ، وَقَسَّمَ السَّمَكَتَيْنِ لِلْجَمِيعِ، 42فَأَكَلَ الْجَمِيعُ وَشَبِعُوا. 43ثُمَّ رَفَعُوا مِنَ الْكِسَرِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مَمْلُوَّةً، وَمِنَ السَّمَكِ. 44 وَكَانَ الَّذِينَ أَكَلُوا مِنَ الأَرْغِفَةِ نَحْوَ خَمْسَةِ آلاَفِ رَجُلٍ.

الأعداد 10-17

الآيات (لو10: 9 - 17): -

"10 وَلَمَّا رَجَعَ الرُّسُلُ أَخْبَرُوهُ بِجَمِيعِ مَا فَعَلُوا، فَأَخَذَهُمْ وَانْصَرَفَ مُنْفَرِدًا إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ لِمَدِينَةٍ تُسَمَّى بَيْتَ صَيْدَا. 11فَالْجُمُوعُ إِذْ عَلِمُوا تَبِعُوهُ، فَقَبِلَهُمْ وَكَلَّمَهُمْ عَنْ مَلَكُوتِ اللهِ، وَالْمُحْتَاجُونَ إِلَى الشِّفَاءِ شَفَاهُمْ. 12فَابْتَدَأَ النَّهَارُ يَمِيلُ. فَتَقَدَّمَ الاثْنَا عَشَرَ وَقَالُوا لَهُ: «اصْرِفِ الْجَمْعَ لِيَذْهَبُوا إِلَى الْقُرَى وَالضِّيَاعِ حَوَالَيْنَا فَيَبِيتُوا وَيَجِدُوا طَعَامًا، لأَنَّنَا ههُنَا فِي مَوْضِعٍ خَلاَءٍ». 13فَقَالَ لَهُمْ: «أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا». فَقَالُوا: «لَيْسَ عِنْدَنَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةِ أَرْغِفَةٍ وَسَمَكَتَيْنِ، إِلاَّ أَنْ نَذْهَبَ وَنَبْتَاعَ طَعَامًا لِهذَا الشَّعْبِ كُلِّهِ». 14لأَنَّهُمْ كَانُوا نَحْوَ خَمْسَةِ آلاَفِ رَجُل. فَقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: «أَتْكِئُوهُمْ فِرَقًا خَمْسِينَ خَمْسِينَ». 15فَفَعَلُوا هكَذَا، وَأَتْكَأُوا الْجَمِيعَ. 16فَأَخَذَ الأَرْغِفَةَ الْخَمْسَةَ وَالسَّمَكَتَيْنِ، وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ وَبَارَكَهُنَّ، ثُمَّ كَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلاَمِيذَ لِيُقَدِّمُوا لِلْجَمْعِ. 17فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا جَمِيعًا. ثُمَّ رُفِعَ مَا فَضَلَ عَنْهُمْ مِنَ الْكِسَرِ اثْنَتَا عَشْرَةَ قُفَّةً.".

الآيات (يو1: 6 - 15): -.

"1بَعْدَ هذَا مَضَى يَسُوعُ إِلَى عَبْرِ بَحْرِ الْجَلِيلِ، وَهُوَ بَحْرُ طَبَرِيَّةَ. 2 وَتَبِعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ لأَنَّهُمْ أَبْصَرُوا آيَاتِهِ الَّتِي كَانَ يَصْنَعُهَا فِي الْمَرْضَى. 3فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى جَبَل وَجَلَسَ هُنَاكَ مَعَ تَلاَمِيذِهِ. 4 وَكَانَ الْفِصْحُ، عِيدُ الْيَهُودِ، قَرِيبًا. 5فَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ أَنَّ جَمْعًا كَثِيرًا مُقْبِلٌ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِفِيلُبُّسَ: «مِنْ أَيْنَ نَبْتَاعُ خُبْزًا لِيَأْكُلَ هؤُلاَءِ؟ » 6 وَإِنَّمَا قَالَ هذَا لِيَمْتَحِنَهُ، لأَنَّهُ هُوَ عَلِمَ مَا هُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَفْعَلَ. 7أَجَابَهُ فِيلُبُّسُ: «لاَ يَكْفِيهِمْ خُبْزٌ بِمِئَتَيْ دِينَارٍ لِيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا يَسِيرًا». 8قَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، وَهُوَ أَنْدَرَاوُسُ أَخُو سِمْعَانَ بُطْرُسَ: 9«هُنَا غُلاَمٌ مَعَهُ خَمْسَةُ أَرْغِفَةِ شَعِيرٍ وَسَمَكَتَانِ، وَلكِنْ مَا هذَا لِمِثْلِ هؤُلاَءِ؟ » 10فَقَالَ يَسُوعُ: «اجْعَلُوا النَّاسَ يَتَّكِئُونَ». وَكَانَ فِي الْمَكَانِ عُشْبٌ كَثِيرٌ، فَاتَّكَأَ الرِّجَالُ وَعَدَدُهُمْ نَحْوُ خَمْسَةِ آلاَفٍ. 11 وَأَخَذَ يَسُوعُ الأَرْغِفَةَ وَشَكَرَ، وَوَزَّعَ عَلَى التَّلاَمِيذِ، وَالتَّلاَمِيذُ أَعْطَوُا الْمُتَّكِئِينَ. وَكَذلِكَ مِنَ السَّمَكَتَيْنِ بِقَدْرِ مَا شَاءُوا. 12فَلَمَّا شَبِعُوا، قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: «اجْمَعُوا الْكِسَرَ الْفَاضِلَةَ لِكَيْ لاَ يَضِيعَ شَيْءٌ». 13فَجَمَعُوا وَمَلأُوا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مِنَ الْكِسَرِ، مِنْ خَمْسَةِ أَرْغِفَةِ الشَّعِيرِ، الَّتِي فَضَلَتْ عَنِ الآكِلِينَ. 14فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ الآيَةَ الَّتِي صَنَعَهَا يَسُوعُ قَالُوا: «إِنَّ هذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ النَّبِيُّ الآتِي إِلَى الْعَالَمِ! » 15 وَأَمَّا يَسُوعُ فَإِذْ عَلِمَ أَنَّهُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ يَأْتُوا وَيَخْتَطِفُوهُ لِيَجْعَلُوهُ مَلِكًا، انْصَرَفَ أَيْضًا إِلَى الْجَبَلِ وَحْدَهُ.".

معجزة إشباع الخمسة ألاف:

هذه المعجزة هى المعجزة الوحيدة التى يدونها البشيرون الأربعة لأهميتها. فهذه المعجزة، معجزة إشباع الجموع بالخبز هى إشارة لشخص المسيح المشبع الذى به نستغنى عن العالم وهى رمز لسر الإفخارستيا الذى يعطينا السيد فيه جسده على شكل خبز، ويشبعنا كلنا به. لذلك قبل إتمام معجزة إشباع الجمع شفى السيد مرضاهم (مت14: 14) كما غسل السيد أرجل تلاميذه قبل العشاء الربانى وفى هذا إشارة لإلزامنا بالتوبة والإعتراف قبل التناول وذلك لأنه بالتوبة والإعتراف تشفى النفس من مرضها الروحى فتتأهل لتقبل الجسد المقدس ولذلك من يقدم توبة حقيقية يفرح بالتناول. ولما صار المساء = إشارة رمزية لحال العالم من ضيقات وجوع نفسى وروحى قبل مجىء المسيح. لكن جاء المسيح ليقدم الشبع، قدم جسده طعاماً. إصرف الجموع = بالحسابات البشرية لا يمكن إطعام كل هذا الجمع. وكم تقف الحسابات البشرية عائقاً أمام إمكانيات الإيمان. وفى (يو5: 6 - 6) نجد السيد المسيح يسأل فيلبس ليمتحنه "من أين نبتاع خبزاً ليأكل هؤلاء" فالسيد يظهر حجم المشكلة أولاً، ثم يظهر لفيلبس ضعف إيمانه وخطأ أن يلجأ الى حساباته البشرية مع المسيح، إذ أن فيلبس رأى كثيراً من المعجزات الخارقة ومازال غير واثق. وطبعاً فسؤال السيد المسيح لفيلبس سينتج عنه زيادة إيمان فيلبس بعد أن يرى المعجزة وشفاء الإيمان شرط للشبع. وعلينا أن نضع كل إمكانياتنا البشرية بين يدى المسيح طالبين البركة فى الصلاة. وهنا نرى سبباً مهماً حتى تحل البركة وهو جلوس الشعب فى محبة وتآلف، فبدون محبة لا بركة. ونلاحظ أن المسيح يعطى للتلاميذ (الكنيسة بكهنوتها وخدامها) والتلاميذ يعطون الناس. وفى هذه المعجزة نرى النعمة تمتد بالموجود لحدود عجيبة، نرى خلق بصورة جديدة، فالمتاح قليل ولكن مع البركة صار كثيراً جداً. وما هو القليل المتاح: -.

خمس خبزات وسمكتين.

الخبز من الشعير وهو أرخص أنواع الخبز.

ومع من؟ مع غلام صغير (وتصور لو رفض هذا الغلام أن يعطي ما معه، كم كانت ستكون خسارته وهكذا كل خادم يتصور أن إمكانياته ضعيفة فيمتنع عن الخدمة).

فالله يعمل بالقليل ويبارك فيه.

دخل عنصر سماوى للمادة فتحدت الأعداد والكميات وأشبعت الألاف وتبقى منها. كما.

قال الله لبولس "قوتى فى الضعف تُكْمَل" أى مهم وجود الضعف أى القليل الذى عندنا.

وهذا هو مفهوم الكنيسة الأرثوذكسية فى الجهاد والنعمة. أمثلة: -.

الله يأمر نوح ببناء فلك (جهاد) ولكن الله يغلق عليه فيحميه (نعمة) (تك 16: 7) فهل كانت التكنولوجيا أيام نوح قادرة أن تبنى هذا الفلك العجيب، الذى يقاوم مياهاً من فوق ومن تحت.

المسيح يأمر بملأ الأجران فى معجزة تحويل الماء الى خمر، فهل من حول الماء إلى خمر كان غير قادر على تحويل الهواء إلى خمر ولا داعى لشقاء الخدام فى ملء الأجران. (ملء الأجران = جهاد وتحويل الماء لخمر = نعمة).

المسيح يأمر برفع الحجر عن قبر لعازر ثم أقام الميت، فهل من أقام الميت كان غير قادر على زحزحة الحجر. ولكن زحزحة الحجر هى الجهاد.

هنا المسيح يطلب ما معهم، وكل ما معهم، وهذا هو الجهاد. أما النعمة فهى التى حولت هذا القليل لإشباع الكثيرين.

إذاً نعمة المسيح تعمل مع من يجاهد بقدر استطاعته ولا تعمل مع المتكاسل لذلك نسمع أن بولس قد "جاهد الجهاد الحسن" (2تى 7: 4) ونسمع أنه كان يقمع جسده ويستعبده بالرغم من أمراضه الجسدية (1كو 27: 9). ومن هذه المعجزة نفهم معنى رقم 5 فهو رقم النعمة المسئولة فرقم 5 هو رقم الحواس وأصابع اليد والقدمين، وهو رقم النعمة فبخمسة خبزات أشبع المسيح خمسة ألاف. ويكون المعنى أن نعمة المسيح تعمل مع من يحفظ حواسه طاهرة، ويحفظ إتجاهاته (قدميه) ويحفظ أعماله طاهرة (يديه). فالنعمة لا تعمل مع المتهاون. من يقدس حواسه وأعماله وإتجاهاته، أى يكرسها للرب، مانعاً نفسه من التلوث بالعالم يمتلىء نعمة، وهذه النعمة هى التى تعطيه أن يصير خليقة جديدة (2كو 17: 5). وبهذه الخليقة الجديدة أو الطبيعة الجديدة نخلص وندخل السماء (غل6: 15)، إذ أن هذه الخليقة على صورة المسيح (غل 19: 4) لذلك يقول بولس الرسول بالنعمة أنتم مخلصون (أف8: 2) ويكمل ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد (أف 9: 2) وذلك يعنى أن الأعمال ليست هى السبب الرئيسى لحصولنا على الطبيعة الجديدة، ولكن نحصل عليها بالنعمة، ولكن حتى نمتلىء من هذه النعمة علينا أن نعمل ونجاهد فى أعمال صالحة سبق الله وأعدها لكى نسلك فيها (أف 10: 2).

والسيد المسيح كرر هذه المعجزة (مت 32: 15 - 39). وكان عدد الجموع 4000 وعدد السمك (قليل لم يذكر عدده) والخبزات 7 وتبقى 7 سلال والسيد المسيح لم يكرر هذه المعجزات كثيراً حتى لا نطلب فى حياتنا معه أن يشبع إحتياجاتنا الجسدية بطريقة معجزية، لهذا رأيناه يترك تلاميذه الجائعين أن يقطفوا سنابل حنطة يوم السبت ويأكلونها، وترك بولس الرسول فى مرضه دون أن يشفيه. فنتعلم أن نقبل من يده ما يسمح به دون طلب معجزات بصفة مستمرة إشباعاً لإحتياجات الجسد (طعام ومال وصحة) بل نطلب أولاً الروحيات = أطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه تزاد لكم. وعدم طلب معجزات فى حياتنا إنما هو ثقة منا فى أن الرب يختار ويسمح بما هو صالح لنا، فهو صانع خيرات. ولنتعلم من رب المجد طريقة الصلاة "يا رب أنا أريد كذا... ولكن لتكن لا بحسب إرادتى بل حسب إرادتك. ولنختم طلباتنا دائما بقولنا" لتكن مشيئتك "كما علمنا السيد المسيح.

والسؤال لماذا صنع السيد هذه المعجزة مرتين ومامعنى الأرقام؟ أشبع السيد الجموع مرتين إنما ليعلن أنه جاء ليشبع المؤمنين كلهم يهوداً وأمم. فالكنيسة اليهودية يمثلها الـ5000 إذ سبقت النعمة وعملت معهم خلال الناموس والأنبياء. وكنيسة الأمم يمثلها الـ4000 فرقم 4 يمثل كل العالم بإتجاهاته الأربعة. ولكن كلاهما بإيمانهما بالمسيح صار سماوياً. فرقم 1000 هو رقم السمائيين، فالملائكة ألوف ألوف وربوات ربوات. ورقم 1000 = 10 × 10 × 10 ولاحظ فرقم 10 هو رقم الوصايا، وتكرارها ثلاث مرات إشارة للكمال المطلق الموجود فى السماء، إذ لا يدخلها نجس (رؤ21: 27). وتبقى من المعجزة الأولى 12 قفة ورقم 12 يشير لشعب الله المؤمن فى العهد القديم أو العهد الجديد. أى أن الشبع الذى يعطيه السيد هو لكل المؤمنين، هناك ما يكفى لكل مؤمن فى كل زمن.

وفى المعجزة الثانية تبقى 7 سلال إشارة للكنائس السبع أى كل كنائس العالم. فالشبع بشخص المسيح متاح للجميع فالكنيسة ستكرر إشباع الجموع بجسد المسيح عبر الزمن وإلى نهاية الدهور. سمكتين = السمكة ترمز للمسيح (سمكة = إخثيس باليونانية وهذه الكلمة من خمسة حروف تشير لقولنا يسوع المسيح إبن الله مخلصنا. وكونهم إثنتين لأن رقم 2 يشير للتجسد فهو الذى جعل الإثنين واحداً (أف14: 2). وهو أشبعنا بجسده الذى قدمه لنا طعاماً.

وفى المعجزة الثانية نسمع عن 7 أرغفة ورقم 7 هو عمل الروح الكامل (إش 2: 11) فالروح يعلن شخص المسيح للمؤمنين (يو 14: 16) وهذا يشبعهم. وصغار السمك إشارة للرسل البسطاء المتواضعين الذين تأسست الكنيسة عليهم، أى على الإيمان بالمسيح الذى كرزوا به (أف 20: 2) فالتلاميذ هم الذين أعلنوا شخص المسيح المشبع ولم يحدد عددهم إشارة لأن الله يرسل للعالم خداماً في كل زمان وكل مكان، 7 خبزات = قد يشير رقم 7 لعمل الروح القدس فى الكنائس السبع ليشبع الجميع بشخص المسيح.

فَلَمَّا شَبِعُوا، قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: «اجْمَعُوا الْكِسَرَ الْفَاضِلَةَ لِكَيْ لاَ يَضِيعَ شَيْءٌ». فَجَمَعُوا وَمَلأُوا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مِنَ الْكِسَرِ، مِنْ خَمْسَةِ أَرْغِفَةِ الشَّعِيرِ. (يو6: 12، 13).

إجمعوا الكسر = ويقصد الخبز فكلنا جسد واحد، خبز واحد (1كو10: 16، 17)، فالمسيح هو الخبز الحى النازل من السماء، من يأكله يحيا به للأبد، وقد إتحدنا به فى المعمودية ونستمر فى الإتحاد به عن طريق سر الإفخارستيا (يو6).

لِكَيْ لاَ يَضِيعَ شَيْءٌ = فالمسيح يهتم بكل نفس (يو39: 6) بكل المؤمنين الذين يأكلون جسده، أن لا يتلفوا وينحلوا بل تكون لهم قيامة. ونلاحظ فى سر الإفخارستيا بعد قسمة الجسد أن الجسد أصبح = الإسباديقون + 12 جزء. الإسباديقون يشير إلى جسد المسيح والـ 12 جزء يشيرون للكنيسة. فنحن فى المسيح صرنا جسد واحد، خبز واحد. إذا نفهم أن الخبز المتبقى يشير للكنيسة جسد المسيح الذى يهتم بأن لا يهلك أحد منها. وهذا هو موضوع الإصحاح السادس من إنجيل يوحنا الذى وردت به معجزة الخمس خبزات.

وفى المعجزة الثانية، معجزة الأربعة ألاف وجدنا مع الجموع سبعة أرغفة وقليل من صغار السمك (مت15: 34) فالأرغفة السبعة تشير لكنيسة المسيح فى كل العالم (7 كنائس وجه لهم الرب يسوع رسائله فى سفر الرؤيا إشارة للكنيسة فى كل مكان وعبر كل زمان). ثُمَّ رَفَعُوا مِنَ الْكِسَرِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مَمْلُوَّةً، وَمِنَ السَّمَكِ. (إنجيل مرقس آية43) هنا نجد أن القديس مرقس إهتم بذكر أن هناك سمك مع الخبز. وهذا يشير لإهتمام المسيح بأن يرسل خداما لكنيسته لرعايتها لكى لا يضيع منها أحد.

معجزة الخمسة أرغفة تبقى فيها بعد أن شبع الجميع 12 قفة مملوءة وهذا إشارة لأن جسد المسيح فيه شبع لكل شعبه عبر الزمان والمكان (رقم 12 يشير لشعب الله).

ومعجزة السبع خبزات تبقى فيها 7 سلال مملوءة ورقم 7 رقم كامل يشير لأن جسد المسيح فيه شبع لكل كنيسة فى العالم عبر الزمان والمكان (رسائل سفر الرؤيا موجهة لسبع منارات هم 7 كنائس إشارة لأن هذه الرسائل موجه لكل كنيسة وكل مسيحى).

المسيح يقدم نفسه كسر الشبع للكنيسة.

ونسمع أن السيد أراد أن ينفرد مع تلاميذه، فى موضع خلاء (مت 13: 14). ونحن نحتاج لهذه الخلوة الهادئة نسمع فيها صوت يسوع فى هدوء، فصوته لا يمكننا سماعه فى ضوضاء العالم (1مل 12: 19 - 13). فى إنجيل معلمنا يوحنا بعد هذه المعجزة مباشرة نسمع المسيح يتحدث عن نفسه كخبز الحياة، هو كأنه يشرح معنى المعجزة (يو6) وإلى ماذا ترمز.

القفة = من أين أتوا بالقفف التى وضعوا فيها الكسر؟ كان اليهودى يحمل معه قفة بها طعامه حتى لا يضطر لشراء طعام من الأمم أو السامريين.

خمسة ألاف رجل ما عدا النساء والأولاد = بولس الرسول يقول لأهل كورنثوس (رجالاً ونساء) كونوا رجالاً (1كو13: 16) فى حديثه حتى يثبتوا فى الإيمان. فالنساء يرمزن للتدليل والأطفال يرمزون لعدم النضج، أما شعب الله فيأخذ أموره الروحية بجدية وهم ناضجين يستوى فى هذا الرجال أو النساء أو الأطفال (أبانوب الشهيد كان عمره 12 سنة) الشبع = من أشبع البطون قادر أن يشبع النفوس والعواطف وقادر أن يشبع الروح وهذا هو الأهم، فمن يشبع روحياً يشبع نفسياً بالتبعية والشبع النفسى أى العاطفى، فيه يحتاج الإنسان أن يُحَّبْ وأن يُحِّبْ أى يتبادل الحب مع الآخرين سواء زوجة أو أطفال. ولكن الله الآب يعطينا الحب الأبوى والمسيح عريس نفوسنا قادر أن يشبعنا عاطفياً والروح القدس يسكن المحبة فى قلوبنا وإلاّ كيف عاش الرهبان القديسين وكيف يعيش إنسان بلا أهل؟ الله يشبع نفوسنا. ولاحظ بولس يقول "محبة المسيح تحصرني" + "من يفصلني عن محبة المسيح" إذاً هي محبة متبادلة. بل من يشبع روحياً بمعرفة المسيح تشبع بطنه. فكم من أباء سواح إكتفوا بعشب الأرض طعاماً لهم عشرات السنين. مشكلة العالم أنه يبحث عن الشبع الجسدى والعاطفى وينسى أن لهُ روحاً لا تشبع إلاً بعلاقتها مع خالقها. هذا سبب إنهيار الغرب وكثرة حالات الإنتحار والتعامل مع الأطباء النفسيين أمر الجموع أن يتكئوا على العشب = والسمك الذى أكلوه كان سمكاً مملحاً (فسيخ) وكانت هذه عادة لسكان السواحل، فهم يملحون الأسماك الباقية من طعامهم، ويأخذونها معهم فى مناسبة كهذه. وهذا المنظر هو ما تعود الأقباط أن يعملوه بعد عيد القيامة أى فى يوم شم النسيم إذ يخرجوا إلى الحدائق الخضراء ويأكلون الفسيخ تذكاراً لهذه المعجزة، خصوصاً بعد عيد القيامة، الذى فيه أخذنا قيامه وحياة مع المسيح لندخل إلى موضع الخضرة على ماء الراحة فى فردوس النعيم (أوشية المنتقلين) فالخضرة رمز للحياة، والقيامة حياة وشبع بشخص المسيح. وهذا ما نفعله فى شم النسيم بعد القيامة. الذهاب للحدائق مع البيض = فالخضرة هى إشارة للفردوس حيث نذهب بعد القيامة. والبيض يرمز لخروج حياة (الكتكوت) من مائت (البيضة التى لها هيئة الحجر)،. ولاحظ قول يوحنا أن الموضع كان به عشب كثير = فهو الراعي الصالح الذي يقودنا لمراعي خضراء مشبعة "فالرب راعيَّ فلا يعوزني شئ" "في مراعي خضر يسكنني".

الآيات (مر 39: 6 - 40): -.

"39فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا الْجَمِيعَ يَتَّكِئُونَ رِفَاقًا رِفَاقًا عَلَى الْعُشْبِ الأَخْضَرِ. 40فَاتَّكَأُوا صُفُوفًا صُفُوفًا: مِئَةً مِئَةً وَخَمْسِينَ خَمْسِينَ.".

أمرهم بأن يجلسوا خمسين خمسين.. فإلهنا إله نظام وليس إله تشويش (1كو33: 14). وهذا النظام حتى لا ينسوا أحداً فى التوزيع.

لاحظ الكلمات رفع نظره نحو السماء وبارك وكسَّر وأعطى = وهذا هو ما عمله عند تأسيس سر الإفخارستيا، فهو يُعلن عن نفسه كسر شبع لنا والمسيح يشرح في هذه المعجزة معنى الشبع باللغة التي نفهمها أي شبع البطن. الشبع = الذي إمتلأت بطنه طعاماً لا يحتاج لطعام آخر والذي عرف المسيح وأحبه لا يحتاج لأي شئ في العالم. ففي المسيح الكفاية. وكلمة بارك هى نفسها كلمة شكر (بارك = عبرية وشكر = يونانية).

إشباع الأربعة ألاف: - هذه المعجزة تمت فى محيط العشر المدن (مر7: 31) حيث غالبية الناس من الوثنيين. إذاً هذه المعجزة تمت فى نهاية خدمة المسيح وسط الأمم. بينما كانت معجزة إشباع الخمسة ألاف فى نهاية خدمة المسيح فى الجليل وسط اليهود الآتين من كفرناحوم وبيت صيدا. ونلاحظ أن المسيح فى نهاية خدمته فى كل مكان يقوم بإشباع تابعيه. أما فى نهاية خدمته فى اليهودية فقد أشبع خاصته على مائدة العشاء الربانى بجسده ودمه. فالمسيح أتى لإشباع الجميع، أما لخاصته فالشبع يكون بالإتحاد بجسده ودمه. * المسيح فى المعجزة الأولى (الـ 5000) كان كملك وسط من أرادوا أن يملكوه عليهم. وفى المعجزة الثانية (الـ4000) كان إبن الإنسان. أما فى ليلة العشاء السرى كان رئيس كهنة يقدم نفسه ذبيحة بجسده ودمه. مع اليهود كان الشعب يجلس على عشب أخضر كثير، فاليهود كانوا داخل الحظيرة الإلهية، كانوا شعب الله. * ومع الأمم كان العشب قد جف وجلس الشعب على أرض برية جافة (مر8: 4). وكان هذا هو حال الأمم فهم بعيدين عن الله. أما فى العشاء السرى فكان تلاميذه على مائدة صارت مذبحاً. وترتيب الثلاث له معنى فكل واحدة تقود للأخرى. أتى المسيح إلى خاصته اليهود وخاصته لم تقبله، فذهب للأمم. ومن قبله من اليهود أو من الأمم صار من خاصته وهؤلاء يُوَحِّدهم بجسده ودمه. ولاحظ مع إشباع اليهود تكرار رقم 5 وهو عدد أسفار التوراة، أما رقم 12 فهو عدد أسباط إسرائيل. ومع معجزة إشباع الأمم نجد رقم 4 وهو رقم العالم، ورقم 7 رقم المقادس فالعالم كله صار مدعوا ليكون من خاصته، هذه هى الكنائس السبع فى سفر الرؤيا.

الآيات (لو 10: 9 - 11): -.

"10 وَلَمَّا رَجَعَ الرُّسُلُ أَخْبَرُوهُ بِجَمِيعِ مَا فَعَلُوا، فَأَخَذَهُمْ وَانْصَرَفَ مُنْفَرِدًا إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ لِمَدِينَةٍ تُسَمَّى بَيْتَ صَيْدَا. 11فَالْجُمُوعُ إِذْ عَلِمُوا تَبِعُوهُ، فَقَبِلَهُمْ وَكَلَّمَهُمْ عَنْ مَلَكُوتِ اللهِ، وَالْمُحْتَاجُونَ إِلَى الشِّفَاءِ شَفَاهُمْ.".

والمحتاجون إلى الشفاء شفاهم = لماذا لم يقل والمرضى شفاهم؟ هناك من يستخدم الله المرض لشفائه روحياً (أيوب وبولس) هؤلاء هم المحتاجين للمرض، هناك من يحتاج لمعجزة شفاء ليؤمن، والسيد يعطيه الشفاء ليجذبه للإيمان، ولكن بعد ذلك قد يسمح ببعض الألام ليكمل إيمان هذا الشخص وينضج روحيا، فإن كان قد قيل عن المسيح أنه تكمل بالألام فكم وكم نحن الضعفاء (عب 10: 2 + عب5: 12 - 11 + ابط 1: 4).

والكنيسة تقرأ هذا الفصل فى الأحد الخامس من الشهر (لو تصادف وكان هناك أحد خامس) وتسميه إنجيل البركة. فرقم 5 يذكرنا بالمعجزة (خمس خبزات). وأكبر بركة حصلنا عليها هى القيامة. فإذا تصادف وجود خمس أحاد (والأحد هو يوم القيامة) تحتفل الكنيسة بهذه المناسبة وتقرأ إنجيل البركة.

بطرس يعترف بالمسيح.

الأعداد 18-21

الآيات (لو18: 9 - 21): -

"18 وَفِيمَا هُوَ يُصَلِّي عَلَى انْفِرَادٍ كَانَ التَّلاَمِيذُ مَعَهُ. فَسَأَلَهُمْ قِائِلاً: «مَنْ تَقُولُ الْجُمُوعُ أَنِّي أَنَا؟ » 19فَأَجَابُوا وَقَالوا: «يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ. وَآخَرُونَ: إِيلِيَّا. وَآخَرُونَ: إِنَّ نَبِيًّا مِنَ الْقُدَمَاءِ قَامَ». 20فَقَالَ لَهُمْ: « وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ أَنِّي أَنَا؟ » فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَقَالَ: «مَسِيحُ اللهِ! ». 21فَانْتَهَرَهُمْ وَأَوْصَى أَنْ لاَ يَقُولُوا ذلِكَ لأَحَدٍ،".

الآيات (مت 13: 16 - 20): -.

"13 وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى نَوَاحِي قَيْصَرِيَّةِ فِيلُبُّسَ سَأَلَ تَلاَمِيذَهُ قِائِلاً: «مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟ » 14فَقَالُوا: «قَوْمٌ: يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ، وَآخَرُونَ: إِيلِيَّا، وَآخَرُونَ: إِرْمِيَا أَوْ وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ». 15قَالَ لَهُمْ: « وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟ » 16فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ: «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ! ». 17فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. 18 وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضًا: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا. 19 وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاوَاتِ». 20حِينَئِذٍ أَوْصَى تَلاَمِيذَهُ أَنْ لاَ يَقُولُوا لأَحَدٍ إِنَّهُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ.".

الآيات (مر 27: 8 - 30): -.

"27ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ وَتَلامِيذُهُ إِلَى قُرَى قَيْصَرِيَّةِ فِيلُبُّسَ. وَفِي الطَّرِيقِ سَأَلَ تَلاَمِيذَهُ قِائِلاً لَهُمْ: «مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا؟ » 28فَأَجَابُوا: «يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ. وَآخَرُونَ: إِيلِيَّا. وَآخَرُونَ: وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ». 29فَقَالَ لَهُمْ: « وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟ » فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ الْمَسِيحُ! » 30فَانْتَهَرَهُمْ كَيْ لاَ يَقُولُوا لأَحَدٍ عَنْهُ.".

الرب يسأل تلاميذه من يقول الناس إنى أنا إبن الإنسان …. أنت هو المسيح إبن الله الحى.. طوبى لك = لاحظ أن المسيح هنا يؤكد ناسوته، والآب يعلن لبطرس لاهوت المسيح وهذا هو إيمان الكنيسة أن إبن الله تجسد وتأنس، الله ظهر فى الجسد (1تى 16: 3). وهذا ما قاله بولس الرسول "لا أحد يستطيع أن يقول المسيح رب إلاّ بالروح القدس" (1كو3: 12).

وهذا الإيمان الذى أعلنه بطرس طَوَّبَهٌ المسيح عليه، فهو أعلن دستور الإيمان القويم، والمخلص يعلن أنه يقيم كنيسته على هذا الإيمان، ويعطى كنيسته سلطان الحل والربط، ليس لبطرس فقط بل لكل الرسل (مت 19: 16 + مت 18: 18). ولما سأل السيد سؤاله ردد التلاميذ ما يقوله الناس، فمثلاً هيرودس قال أنه يوحنا المعمدان = (مت 2: 14). وهناك من قالوا أنه إيليا أى أنه السابق للمسيح (ملا 5: 4) وآخرون تصوروا أنه واحد من الأنبياء لأن موسى تنبأ بأن نبيا مثله سيأتى لهم (تث15: 18).

وأنتم من تقولون إنى أنا = فالسيد المسيح يهتم جداً بكيف نعرفه نحن خاصته فماذا لو سألك المسيح.. من أنا.. هل سيكون ردك عن معرفة نظرية عرفتها من الكتب، أو من خبرات شخصية إختبرت فيها حلاوة شخصه وحلاوة عشرته، وتعزياته إذ يقف بجانبك فى الضيقات بل وقوته الغير محدودة، هل عرفته أم سمعت عنه. فبطرس لم يُكَوِّن رأيه عن المسيح من كلام الناس، بل الله أعلن لهُ، إذاً فلنصرخ إلى الله ليفتح أعيننا لنعرف المسيح ونختبره فنقول مع أيوب، بسمع الأذن قد سمعت عنك والآن رأتك عينى (أى 5: 42) لنصلى حتى يعلن لنا الروح القدس عمن هو المسيح، وليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلاّ بالروح القدس (1كو 3: 12 + يو 14: 16) إيماننا بالمسيح، ومعرفتنا بالمسيح هو إعلان إلهى يشرق به الآب بروحه القدوس.

وتم تسليم هذا الإيمان خلال التلاميذ والكنيسة، وإستلمناه نحن، ولكن لنصلى حتى لا يبقى هذا الإيمان مجرد خبرة نظرية ولكن خبرة عملية بشخص السيد المسيح، فنحبه إذ ندرك لذة العشرة معه، ومن يُدرك هذا سوف يحسب كل الأشياء نفاية (فى 8: 3).

أنت هو المسيح = المسيح هو المسيا الذى كان اليهود ينتظرونه مخلصاً. وكلمة المسيح تعنى الممسوح من الله. وكانت المسحة فى العهد القديم هى للملوك ورؤساء الكهنة والأنبياء فقط (رؤ 5: 1 + ابط 4: 5 + لو 76: 1) وفى هذه الآيات نرى المسيح ملكاً ورئيساً للكهنة ونبياً.

إبن الله الحى = لقد سبق نثنائيل وقال هذا قبل بطرس، أن المسيح إبن الله ولكن نثنائيل كان يقصدها بطريقة عامة كما يقولون إسرائيل إبن الله. ولذلك لم نسمع أن السيد طوب إيمان نثنائيل كما فعل مع بطرس (يو 47: 1 - 51).

أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبنى كنيستى = المسيح لا يبنى كنيسته على إنسان مهما كان هذا الإنسان. ولكن معنى الكلام أن الكنيسة ستؤسس على هذا الإيمان الذى نطق به بطرس، أن المسيح هو إبن الله الحى. وبإتحادنا به خلال المعمودية نصير أولاد الله، وندخل إلى العضوية فى الملكوت الروحى الجديد وننعم بحياته فينا، نحمله داخلنا كسر حياة أبدية. والخلاص يعني أيضاً إستعادة الحياة الفردوسية بأفراحها ونحن على الأرض ويكون لنا سلطان على إبليس وعلى الخطية.

ولاحظ قول الكتاب أَنْتَ (مذكر) بطرس وعلى هَذِهِ (مؤنث) الصخرة إذاً الصخرة هى ليست بطرس، لأن الصخرة التى تبنى عليها الكنيسة هى المسيح نفسه (1كو4: 10). والمسيح هو حجر الزاوية (1بط 6: 2). وكلمة بطرس مشتقة عن اليونانية Petra بترا أى صخرة، فالمسيح أسس كنيسته على صخرة هى الإيمان به كإبن الله والمسيح لم يقل له أنت Petra. بل قال له أنت Petrus.

أبواب الجحيم لن تقوى عليها = أبواب الجحيم هى إشارة لقوى الشر وهذه لن تنتصر على الكنيسة، بل ولا الموت قادر أن يسود على المؤمنين، بل هم سيقومون من الموت فى الأبدية (هذا إذا كان إيمانهم صحيحاً كإيمان بطرس) وهى أيضاً تشير للتجارب والحروب ضد الكنيسة والمؤمنين سواء كان مصدرها الشيطان أو بشر يحركهم شياطين. فإبن الله الصخرة وحجر الزاوية هو بنفسه الذى يسند كنيسته فلن تنهار.

وتشير لأن الكنيسة التى يقودها المسيح هى كنيسة بصلواتها وتسابيحها تهاجم أبواب الجحيم، تهاجم الشيطان الذى هزمه المسيح، والكنيسة تكمل عليه. وهناك مثال لذلك، فيوآب حينما كان يحارب جيش إبشالوم، وتعلق إبشالوم فى الشجرة ضربه يوآب وطلب من جيشه أن يجهزوا عليه فضربه كل واحد بسهم. وهكذا نجد أن المسيح بصليبه ضرب الشيطان فصار عدو مهزوم، وصلوات الكنيسة تكمل عليه ولن يقوى عليها.

وأعطيك مفاتيح.. + مت 18: 18 + يو 21: 20. فالمسيح أعطى لكنيسته سلطان الحل والربط وغفران الخطايا وإمساكها، القبول فى شركة الكنيسة أو إخراج وفرز المخالفين من الشركة المقدسة، السيد أعطي لكنيسته سلطان الحكم على أولادها وتأديبهم. المسيح من خلال كنيسته يحل ويربط. والربط هو لمن يصر على خطيته، فتحرمه الكنيسة من التناول. والحل هو لمن يتوب ويعترف بخطاياه.

أوصى تلاميذه أن لا يقولوا لأحد = اليهود تصوَّروا أن المسيح آتٍ كمخلص يخلصهم من الرومان. وهم فهموا بعض الآيات فى سفر المزامير مثل تحطمهم بقضيب من حديد (مز 9: 2 + مز6: 79) بطريقة خاطئة، لذلك حرص المسيح أن لا ينتشر خبر أنه المسيا حتى لا يفهم الشعب أنه آتٍ ليحارب الرومان لذلك كان يوصى تلاميذه أن لا يقولوا أنه المسيا، وأيضاً المرضى وكل من أخرج منهم شياطين أمرهم أن لا يقولوا لأحد، وإنتهر الشياطين حتى لا تقول وتتكلم وتكشف هذه الحقيقة أمام الجموع (لو 41: 4) لأن الجموع كان لها مفهوم سياسي وعسكري لوظيفة المسيا.

ولكن حينما أعلن بطرس أن المسيح هو إبن الله فرح المسيح وطوبه، لكنه وجه تلاميذه للفهم الحقيقي السليم للخلاص، وأن هذا لا يتم بالانتصار على الرومان، بل بموته وقيامته (مت 21: 16) إذاً نفهم أن المسيح يود أن يعرف الناس حقيقته، ولكن ليس كل واحد، بل لمن له القدرة على فهم حقيقة الخلاص. وفى أواخر أيام المسيح على الأرض إبتدأ يعلن صراحة عن كونه إبن الله (مت 63: 26 - 64). لكن نلاحظ أنه تدرج فى إعلان هذه الحقيقة بحسب حالة السامعين. فإن من له سيعطى ويزاد (مت 12: 13) فبقدر ما ينمو السامع فى إستيعاب أمور وأسرار الملكوت يرتفع التعليم ويزيد وينمو ليعطى الأكثر والأعلى. فمستوى السامع فى نموه هو الذي يحدد مستوى التعليم الذى يقدمه المسيح، أما النفس الرافضة فينقطع عنها أسرار الملكوت والحياة مع الله. فالله إذاً يعطينا أن نكتشف أسراره بقدر ما نكون مستعدين لذلك. وراجع حوار المسيح مع السامرية لترى التدرج فى إعلان حقيقته ومع تجاوبها كان يعلن لها ما هو أكثر عنه.

إذاً الهدف الأول من أن لا يقولوا لأحد أن لا تطالبه الجماهير بأن يكون ملكاً زمنياً أرضياً فتحدث ثورة شعبية ضد الرومان، ولهذا أثاره الرهيبة. بل ستتعطل خدمة المسيح وتعليمه.

السبب الثانى حتى لا يحرص الكتبة والفريسيون أن يقتلوه قبل الوقت، أى قبل أن ينهى كل تعاليمه وأعماله.

لا يصح أن يتكلم التلاميذ عنه كإبن الله دون أن تظهر ألوهيته بالدليل الساطع وذلك بقيامته فعلاً بعد موته.

متى (13: 16) قيصرية فيلبس = أسسها هيرودس فيلبس، وسميت بإسمه تميزاً لها عن قيصرية التى على البحر. وهى عند سفح جبل حرمون بجانب منبع نهر الاردن وفيما هو يصلى (لو 18: 9) وفى الطريق (مر 27: 8).

لوقا وحده أشار لصلاة المسيح وربطها بهذا الإعلان السمائى لبطرس بحقيقة المسيح، إذ بصلاة المسيح يُعلن الآب بروحه القدوس لبطرس هذا السر. ومعنى صلاة المسيح هو شفاعة المسيح عنّا أمام الآب. وهذا معناه أننا مقبولين أمام الآب فيه. لذلك نطلب بإسمه أى شىء نطلبه من الآب (يو 23: 16 - 24). فالمسيح صلّى على إنفراد (لو 18: 9) ثم سار معهم إلى نواحى قيصرية فيلبس وفى الطريق سألهم هذا السؤال فالمسيح بشفاعته عنا يقبلنا الآب ويعمل فينا بروحه القدوس، وأول ما يعمله فينا الروح القدس أنه يثبتنا فى المسيح إبن الله (بالمعمودية والتوبة والإعتراف والتناول) ثم يعلن لنا عمن هو المسيح فنفهم حقيقة علاقتنا بالله، هو يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله (رو 16: 8). لوقا يشير لصلاة المسيح هنا لأنه يدرك خطورة ما سيعلنه بطرس الآن، ويشير أننا لا يمكننا فهم هذه الحقائق إلاّ بشفاعة المسيح الكفارية = صلاته أى صلته هو بالآب فهم واحد وصلته بنا فنحن صرنا جسده وهذا ما كان أيوب يشتهيه وقد حققه المسيح "ليس بيننا مصالح يضع يده على كلينا" (أى9: 33). وكيف صرنا جسده؟ الرد فى آية 21.

ولاحظ أن نص إعتراف بطرس يختلف من إنجيل لآخر، ولكن بجمع النصوص يتكامل المعنى.

متى: - المسيح إبن الله الحي: - هذه إشارة للاهوته فهو الله المتجسد.

مرقس: - المسيح: - هو المسيح أى الممسوح كرئيس كهنة سيقدم ذبيحة نفسه.

لوقا: - مسيح الله: - هو مسيا النبوات الموعود به فى الكتاب، الذى ينتظرونه.

يسوع ينبئ بموته - حمل الصليب شرط التلمذة للمسيح.

الأعداد 22-27

الآيات (لو22: 9 - 27): -

"22قَائِلاً: «إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَتَأَلَّمُ كَثِيرًا، وَيُرْفَضُ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ». 23 وَقَالَ لِلْجَمِيعِ: «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي. 24فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي فَهذَا يُخَلِّصُهَا. 25لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ، وَأَهْلَكَ نَفْسَهُ أَوْ خَسِرَهَا؟ 26لأَنَّ مَنِ اسْتَحَى بِي وَبِكَلاَمِي، فَبِهذَا يَسْتَحِي ابْنُ الإِنْسَانِ مَتَى جَاءَ بِمَجْدِهِ وَمَجْدِ الآبِ وَالْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ. 27حَقًّا أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ اللهِ».".

الآيات (مت 21: 16 - 28): -.

"21مِنْ ذلِكَ الْوَقْتِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلاَمِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيرًا مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ. 22فَأَخَذَهُ بُطْرُسُ إِلَيْهِ وَابْتَدَأَ يَنْتَهِرُهُ قَائِلاً: «حَاشَاكَ يَارَبُّ! لاَ يَكُونُ لَكَ هذَا! » 23فَالْتَفَتَ وَقَالَ لِبُطْرُسَ: «اذْهَبْ عَنِّي يَاشَيْطَانُ! أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي، لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ». 24حِينَئِذٍ قَالَ يَسُوعُ لِتَلاَمِيذِهِ: «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي، 25فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا. 26لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أَوْ مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟ 27فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يَأْتِي فِي مَجْدِ أَبِيهِ مَعَ مَلاَئِكَتِهِ، وَحِينَئِذٍ يُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِهِ. 28اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوُا ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي مَلَكُوتِهِ».".

الآيات (مر31: 8 - 33) - "31 وَابْتَدَأَ يُعَلِّمُهُمْ أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيرًا، وَيُرْفَضَ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُومُ. 32 وَقَالَ الْقَوْلَ عَلاَنِيَةً. فَأَخَذَهُ بُطْرُسُ إِلَيْهِ وَابْتَدَأَ يَنْتَهِرُهُ. 33فَالْتَفَتَ وَأَبْصَرَ تَلاَمِيذَهُ، فَانْتَهَرَ بُطْرُسَ قَائِلاً: «اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا ِللهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ».".

آية (مر1: 9): -.

"1 وَقَالَ لَهُمُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ اللهِ قَدْ أَتَى بِقُوَّةٍ».".

المسيح أوضح لتلاميذه من هو وأنه أتى ليؤسس كنيسته، وها هو يعلن ثمن تأسيس الكنيسة أى الصليب. وقبل أن يتوهم تلاميذه إذ سمعوا أنه إبن الله المسيا المنتظر، أنهم سيملكون معه إذ يصير ملكاً وقائداً عظيماً، ها هو يشرح لهم أنه حقاً سيملك ولكن سيملك على قلوب كنيسته بصليبه، حاملاً الرياسة على كتفه (إش6: 9) فالرياسة كانت بصليبه الذى به ملك على قلوبنا، هو بصليبه هدم مملكة الخطية ومملكة إبليس وأقام ملكوته. وقوله هذا يشير لأنه يعلم سابقاً وبدقة ما سيحدث له، إذاً فما سيحدث له هو بسلطانه.

آية (مت 23: 16): -.

"23فَالْتَفَتَ وَقَالَ لِبُطْرُسَ: «اذْهَبْ عَنِّي يَاشَيْطَانُ! أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي، لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ».".

رفض بطرس للصليب هذا لهو نابع من ذاته، أماّ إعترافه بأن السيد هو المسيح إبن الله الحى فهو من الله. إذهب عنى ياشيطان = بطرس ليس شيطاناً ولكنه يردد ما وسوس به الشيطان لهُ، فالشيطان دائماً يصور لنا رفض الصليب الموضوع علينا. ويبدو أن بطرس كان رافضاً لفكرة الصليب حتى النهاية، لذلك حين سألهُ السيد أتحبنى … أتحبنى.. أتحبنى صرح له السيد بعد ذلك انه سيموت مصلوباً، ولعلم السيد أن بطرس رافض لفكرة الصليب كرر له كلمة إتبعنى = أى لا ترفض الصليب إن كنت حقيقة تحبنى (يو 15: 21 - 22). ويقال أن نيرون حين أراد قتل بطرس أقنعه المؤمنون فى روما بالهرب، فهرب بطرس، وعلى أبواب روما رأى السيد المسيح متجهاً لروما فسأله إلى أين؟ فقال أنا ذاهب لأصلب بدلاً منك. فعاد بطرس وسلم نفسه وطلب أن يصلب منكس الرأس.

ولاحظ ما قاله المسيح أنت معثرة لى.. إذهب عنى يا شيطان.. لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس.

فالسيد جاء ليقيم مملكته خلال صليبه وطلب ممن يريد أن يكون له تلميذاً أن يحمل صليبه ويتبعه، فمن يرفض الصليب يرفض الفكر الإلهى آية (24).

معثرة = تعمل على تعطيل الصليب والفداء.

شيطــــان = ولا يوجد من يهتم بتعطيل الفداء سوى الشيطان، والشيطان هو الذي يوسوس في داخلنا برفض الصليب.

لا تهتم بما لله = الترجمة الحرفية لكلمة تهتم، أن عندك وجهة نظر معينة فهناك من لهم وجهة نظر لا تتفق مع وجهة نظر الله (مثل بطرس هنا) وهى أننا نقبل أن نسير مع المسيح فى الصحة والمجد العالمى والغنى المادى.. الخ، أما لو وُجِدَ صليب، نرفض المسيح ونتصادم معهُ. ويكون هذا بإيعاز من الشيطان. لذلك قال السيد لبطرس إذهب عنى يا شيطان، لأن بطرس كان يكرر فكر الشيطان. والشيطان الخبيث دائماً يسعى لأن يقنع أولاد الله بأنه لو أن الله يحبهم لأعطاهم خيرات زمنية (مال وعظمة وقوة وسلطان..) ولكن لنعلم أنه كرئيس لهذا العالم (يو 30: 14) يغرينا بما تحت يديه، لكن أولاد الله يرفضون العالم بما فيه حتى لو وصلوا لأن يُصلبوا، ويقبلون من يد أبيهم السماوى ما يسمح به سواء خيرات زمنية أو صليب، فما يسمح به أبوهم السماوى فيه حياتهم الأبدية، ولكن شرط الشيطان أن يعطينا من خيرات العالم أن نخر ونسجد لهُ (مت 9: 4). والمسيح أعطانا مثلاً حتى نفهم هذا فقال متسائلاً هل لو سأل إبن أباه أن يعطيه خبزاً فهل يعطيه أبوه حجراً … فإن كنتم تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا صالحه فكم وكم أبوكم السماوى. من هنا نعلم أن ما يسمح به الله سواء خيرات زمنية (مال / صحة..) أو ما يسمح به من تأديبات، هو لصالح أولاده، هو لخلاص نفوسهم وهو طريقهم للسماء (رو28: 8) + (1كو 21: 3 - 22) + مرض أيوب وتجربته كانت لخلاص نفسه وكذلك مرض بولس.

آية (مت 24: 16): -.

"24حِينَئِذٍ قَالَ يَسُوعُ لِتَلاَمِيذِهِ: «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي،".

ينكر نفسه = يرفض فكرة أن له حق فى الخيرات الزمنية، وهذا ما يقنعنا به إبليس لنتصادم مع الله. مثل الأخ الأكبر للإبن الضال، إذ تخاصم مع أبيه من أجل أنه لم يعطه جِدْياً يفرح به مع أصدقائه، وقارن مع محبة أبيه الذى يقول له كل شىء هو لك، والله أعطانا أن نرثه أى نرث مع المسيح (رو17: 8) فهل نتصادم معه من أجل أشياء تافهة. يحمل صليبه = يقبل بما سمح به الله واثقاً فى محبة الله، وأن ما سمح به هو للخير حتى وإن لم نفهم الآن (يو 7: 13). إن أراد أحد = إرادة حرة. ويتبعنى = طاعة كاملة لكل ما يسمح به الله. ولنلاحظ أن الصليب هو بذل المسيح ذاته حبا فينا دون أن يطلب أحد منه هذا ودون أن يطلب هو منا أى مقابل. وهذه هى أعلى درجات المحبة، والتى يطلب الرب من كل من يريد أن يكون تلميذا حقيقيا له أن يصل لهذه الدرجة. ولذلك تضع كنيستنا الشهداء فى أعلى الدرجات فهم بذلوا حياتهم حبا فى المسيح.

الآيات (مت 25: 16 - 26): -.

"25فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا. 26لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أَوْ مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟".

يخلص نفسه = يهرب من الإستشهاد / يهرب من الشدائد فى الخدمة مثلاً ليتمتع بملذات الدنيا / يرفض الصلاة والصوم لمتع دنيوية.

يهلك نفسه = يتقدم للإستشهاد / يقدم جسده ذبيحة حية / يقمع جسده ويستعبده / يصلب أهواءه وشهواته.

لو ربح العالم كلهُ = هذا مثل من يضيع عمره فى عمله تاركاً الله، مثل هذا فليعلم أن العالم زائل بطبعه. وخسر نفسه = وهى الباقية ولاحظ أن السيد قال هذه الآية رداً على رفض بطرس للصليب. إذاً رفض الصليب فيه ربح للعالم وخسارة أبدية.

ماذا يعطى الإنسان فداء عن نفسه = الأموال إن ضاعت فجائز أن تعود، أما النفس فهلاكها خسارة لا تعوض. وكيف أقدم فدية عن إنسان تم قتله فعلاً. فإن هلكت النفس، أى ذهبت للجحيم بعد موتها فلا فداء لها.

آية (مت 27: 16): -.

"27فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يَأْتِي فِي مَجْدِ أَبِيهِ مَعَ مَلاَئِكَتِهِ، وَحِينَئِذٍ يُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِهِ.".

من يرضى بأن يهلك نفسه، مقدما نفسه ذبيحة حية (رو12: 1) وصالبا أهواءه مع شهواته (غل5: 24) ستكون مجازاته سماوية فى مجد سماوي هو إمتداد للملكوت الداخلى الذى نعيشه هنا على الارض، ننعم بسلام يفوق كل عقل، وفرح حقيقى بالرغم من ألام هذا العالم (فى 7: 4 + يو 22: 16) أما الملكوت الأخروى فبلا ألم (رؤ 4: 21).

أماّ من ترك المسيح ليجرى وراء لذات العالم فنصيبه معاناة وحزن على الأرض، ونار متقدة أبدية. وفى هذه الآية يتكلم المسيح عن مجده = يأتى فى مجد. فهو بعد أن تحدث عن ألامه يتحدث هنا عن مجده. ولنلاحظ قول بولس الرسول أن كل من يتألم معهُ يتمجد أيضاً معهُ (رو 17: 8). فمن إحتمل صليبه بشكر سيتمجد معهُ.

القول الوحيد المسجل للقديس الأنبا بولا "أن من يهرب من الضيقة يهرب من الله" فالضيقة هى شركة ألم وصليب مع المسيح، ومن يشترك معه فى الصليب سيشترك معه فى المجد.

الآيات (لو 27: 9) + (مت 28: 16) + (مر 1: 9).

آية (مت 28: 16): -.

"28اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوُا ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي مَلَكُوتِهِ».".

آية (مر 1: 9): -.

"1 وَقَالَ لَهُمُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ اللهِ قَدْ أَتَى بِقُوَّةٍ».".

آية (لو 27: 9): -.

"27حَقًّا أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ اللهِ».".

بعد الآية السابقة والتى تحدث فيها السيد المسيح عن المجد، أصبح إشتياق التلاميذ شديداً أن يروه أو حتى يعرفوا ما هو. والسيد فى هذه الآية يطمئنهم بأن بعضاً منهم لن يذوقوا الموت قبل أن يروا ملكوت إبن الإنسان. فما هو ملكوت إبن الإنسان؟

ملكوت إبن الإنسان هو حين يجلس عن يمين أبيه، ويكون فى صورة مجد الآب. ويجلس ليدين. ويملك على الأبرار وهم يخضعون لهُ، ويطأ إبليس وتابعيه ويحبسهم فى البحيرة المتقدة بالنار فيكفوا عن مقاومتهم لملكه. كل هذا سيكون فى يوم الدينونة وما بعده.. ولكن نلاحظ أن كل من إستمع للسيد المسيح وهو يقول هذا الكلام، الكل ماتوا أو إستشهدوا قبل مجىء السيد المسيح فى مجده ليدين الجميع. فما معنى أن منهم من لا يموت قبل أن يرى إبن الإنسان آتياً فى ملكوته؟

نلاحظ أن بعد هذه الآية مباشرة، وفى الأناجيل الثلاثة تأتى قصة تجلى المسيح على الجبل. وفى التجلي رأى بعض التلاميذ بعضاً من مجد السيد المسيح بقدر ما كشفه لهم، وعلى قدر ما إحتملوا، وهم تمتعوا بمجده، وكان هذا إعلاناً عن بهائه الإلهي، وهؤلاء لم يموتوا حتى رأوا هذا المجد وآخرون ممن سمعوا كلمات المسيح هذه رأوا قيامته وصعوده وحلول الروح القدس على الكنيسة وبدء ملكوت الله داخل قلوب المؤمنين، رأوا آلاف تترك آلهتها الوثنية (بل وتبيع ممتلكاتها كما رأينا فى سفر أعمال الرسل) ويحرقوا كتب السحر ويتبعوا المسيح ويملكوه على قلوبهم، ورأوا آلاف الشهداء يبيعون حياتهم حباً فى المسيح، كل هؤلاء كان ملكوت الله فى داخلهم (لو 21: 17). لقد رأوا ملكوت الله معلناً فى حياة الناس ضد مجد العالم الزائل.

كل هؤلاء الشهداء والذين باعوا العالم لأجل المسيح تذوقوا حلاوة ملك المسيح على قلوبهم، وكان هذا عربون المجد الأبدي إلى أن يحصلوا على كمال مجد الملكوت المعد لهم. وهناك ممن سمعوا قول المسيح هذا لم يموتوا حتى رأوا خراب أورشليم وحريقها الهائل سنة 70م، لقد رأوا صورة للمسيح الديان، ورأوا عقوبة رافضى المسيح. ولاحظ أن الله دبر هروب المسيحيين كلهم من أورشليم قبل حصارها النهائي.

لا يذوقون الموت = هذه لا تقال إلاّ على الأبرار فهم لا يموتون بل ينتقلون، وكما قال المسيح عن الموت أنه نوم (عن إبنة يايرس وعن لعازر). أماّ الأشرار فهم يموتون وهم مازالوا على الأرض "إبنى هذا كان ميتاً فعاش" + "لك إسم أنك حى وأنت ميت" (لو 24: 15 + رؤ 1: 3). وذاق الموت قيلت عن المسيح (9: 2) فتذوق الموت هو موت بالجسد، أما الروح فتذهب إلى الله فى انتظار القيامة. ومن يتذوق عربون المجد الأبدى هنا على الأرض لا يموت بل يتذوق الموت فقط. ويكون معنى كلام السيد أن من الموجودين، من لن ينتقل قبل أن يتذوق حلاوة ملكوت الله فى داخله، وهذا ما حدث بعد يوم الخمسين حينما حل الروح القدس فملأهم سلاماً وفرحاً، وكان المسيح يحيا فيهم (غل 20: 2).

آتياً في ملكوته = هذا حدث يوم قيامة المسيح ويوم صعوده، ويوم تجليه، ويوم آمن من عظة بطرس 3000 نفس وإعتمدوا.. وإنتشار الكنيسة التي ملَّكَت المسيح على قلبها، وإندحار أعداؤه الذين صلبوه وهذا حدث في حريق أورشليم.

التجلى.

الأعداد 28-36

الآيات (لو 28: 9 - 36): -

"28 وَبَعْدَ هذَا الْكَلاَمِ بِنَحْوِ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ، أَخَذَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا وَيَعْقُوبَ وَصَعِدَ إِلَى جَبَل لِيُصَلِّيَ. 29 وَفِيمَا هُوَ يُصَلِّي صَارَتْ هَيْئَةُ وَجْهِهِ مُتَغَيِّرَةً، وَلِبَاسُهُ مُبْيَضًّا لاَمِعًا. 30 وَإِذَا رَجُلاَنِ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ، وَهُمَا مُوسَى وَإِيلِيَّا، 31اَللَّذَانِ ظَهَرَا بِمَجْدٍ، وَتَكَلَّمَا عَنْ خُرُوجِهِ الَّذِي كَانَ عَتِيدًا أَنْ يُكَمِّلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ. 32 وَأَمَّا بُطْرُسُ وَاللَّذَانِ مَعَهُ فَكَانُوا قَدْ تَثَقَّلُوا بِالنَّوْمِ. فَلَمَّا اسْتَيْقَظُوا رَأَوْا مَجْدَهُ، وَالرَّجُلَيْنِ الْوَاقِفَيْنِ مَعَهُ. 33 وَفِيمَا هُمَا يُفَارِقَانِهِ قَالَ بُطْرُسُ لِيَسُوعَ: «يَامُعَلِّمُ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا. فَلْنَصْنَعْ ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةً، وَلِمُوسَى وَاحِدَةً، وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةً». وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ. 34 وَفِيمَا هُوَ يَقُولُ ذلِكَ كَانَتْ سَحَابَةٌ فَظَلَّلَتْهُمْ. فَخَافُوا عِنْدَمَا دَخَلُوا فِي السَّحَابَةِ. 35 وَصَارَ صَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلاً: «هذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ. لَهُ اسْمَعُوا». 36 وَلَمَّا كَانَ الصَّوْتُ وُجِدَ يَسُوعُ وَحْدَهُ، وَأَمَّا هُمْ فَسَكَتُوا وَلَمْ يُخْبِرُوا أَحَدًا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَبْصَرُوهُ.".

الآيات (مت 1: 17 - 8): -.

"1 وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَخَاهُ وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَل عَال مُنْفَرِدِينَ. 2 وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ. 3 وَإِذَا مُوسَى وَإِيلِيَّا قَدْ ظَهَرَا لَهُمْ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ. 4فَجَعَلَ بُطْرُسُ يَقُولُ لِيَسُوعَ: «يَارَبُّ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا! فَإِنْ شِئْتَ نَصْنَعْ هُنَا ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةٌ، وَلِمُوسَى وَاحِدَةٌ، وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةٌ». 5 وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذَا سَحَابَةٌ نَيِّرَةٌ ظَلَّلَتْهُمْ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلاً: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا». 6 وَلَمَّا سَمِعَ التَّلاَمِيذُ سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَخَافُوا جِدًّا. 7فَجَاءَ يَسُوعُ وَلَمَسَهُمْ وَقَالَ: «قُومُوا، وَلاَ تَخَافُوا». 8فَرَفَعُوا أَعْيُنَهُمْ وَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا إِلاَّ يَسُوعَ وَحْدَهُ.".

الآيات (مر 2: 9 - 8): -.

"2 وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَل عَال مُنْفَرِدِينَ وَحْدَهُمْ. وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، 3 وَصَارَتْ ثِيَابُهُ تَلْمَعُ بَيْضَاءَ جِدًّا كَالثَّلْجِ، لاَ يَقْدِرُ قَصَّارٌ عَلَى الأَرْضِ أَنْ يُبَيِّضَ مِثْلَ ذلِكَ. 4 وَظَهَرَ لَهُمْ إِيلِيَّا مَعَ مُوسَى، وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ مَعَ يَسُوعَ. 5فَجَعَلَ بُطْرُسُ يَقولُ لِيَسُوعَ: «يَا سَيِّدِي، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا. فَلْنَصْنَعْ ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةً، وَلِمُوسَى وَاحِدَةً، وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةً». 6لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ إِذْ كَانُوا مُرْتَعِبِينَ. 7 وَكَانَتْ سَحَابَةٌ تُظَلِّلُهُمْ. فَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلاً: «هذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ. لَهُ اسْمَعُوا». 8فَنَظَرُوا حَوْلَهُمْ بَغْتَةً وَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا غَيْرَ يَسُوعَ وَحْدَهُ مَعَهُمْ.".

فى الآية السابقة وعد السيد تلاميذه أن منهم من سوف يرون إبن الإنسان آتياً فى ملكوته، ها هو هنا يريهم عربون المجد الأبدى فى الملكوت.

أخذ السيد معه 3 تلاميذ ليشهدوا على ما حدث، ورقم 3 كافٍ جداً كشهود بحسب الناموس. وكان الثلاثة دائماً يرافقونه فى الأحداث الهامة مثل إقامة إبنة يايرس وفى بستان جثسيمانى، وهم بطرس ويعقوب ويوحنا. وبطرس لم ينسى ما رآه وسجله فى رسالته (2 بط 16: 1 - 18) وهكذا يوحنا (يو14: 1).

يقول تقليد الكنيسة أن الجبل كان هو جبل تابور. وهو جبل عالٍ يشير للسمو، سمو قدر المسيح الذى سيرونه الآن متجلياً.

التجلي هو إعلان لمجد المسيح ولاهوته بخروجه عن مستوى الأرض والزمن. فيه أعطى السيد لتلاميذه أن يتذوقوا الحياة الأخروية، معلناً أمجاده الإلهية بالقدر الذى يستطيع التلاميذ أن يحتملوه وهم بعد فى الجسد.

السيد حدث تلاميذه عن آلامه وموته، فكان لابد له أن يظهر لهم ما سيكون عليه مجده عند ظهوره، وإذ رأوا مارأوه كان هذا قوة لهم وسنداً على إحتمال الآلام والاضطهادات التى سيواجهونها دون أن يتعثروا فيه. والله دائماً يعزى كل متألم ليحتمل ألمه.

صعدوا أولاً على جبل لكى يتجلى أمامهم. ولكى نعاين نحن مجد الرب يجب أن ندرب أنفسنا أن نحيا فى السماويات، وتكون لنا خلوة هادئة باستمرار نتأمل فيها فى الكتاب المقدس، ونرتفع فوق شهوات العالم ورغبات الذات لنحقق وصية بولس الرسول "فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق.. إهتموا بما فوق لا بما على الأرض.. أميتوا أعضاءكم التى على الأرض" (كو1: 3 - 5). وتأملنا فى كلمة الله المكتوبة فى الكتاب المقدس تكشف لنا عن كلمة الله أى المسيح، وكلما عاشرناه نحيا فى السماويات كمن يرتفع فوق جبل.

التجلي محسوب للإنسان، فنحن سنحصل على جسد ممجد (فى 21: 3 + 1يو 2: 3).

آية (مت 1: 17): -.

"1 وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَخَاهُ وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَل عَال مُنْفَرِدِينَ.".

وبعد ستة أيام.. ويقول لوقا وبعد هذا الكلام بنحو ثمانية أيام وحل هذه المشكلة بسيط فالقديس لوقا أحصى اليوم الذى فيه أعلن الرب وعده وأحصى يوم التجلى، أما متى ومرقس فأحصوا الأيام الستة التى بين يوم الوعد ويوم التجلي.

ولكن وجود رقم 6 ورقم 8 له معنى مقصود، فرقم 6 هو رقم النقص الإنساني، فالإنسان خلق فى اليوم السادس وسقط فى اليوم السادس. ورقم 8 هو رقم الأبدية. لذلك نجد أن رقم الوحش 666 (كمال النقص) ورقم إسم يسوع 888 (الحياة الأبدية). والمعنى أن الإنسان الناقص (6) صار له بالمسيح مجد أبدى (8). وما بين اليوم السادس واليوم الثامن يوم الأبدية المجيد يأتى اليوم السابع يوم الراحة. فمن ينتقل الآن يذهب للراحة فى إنتظار المجد. ولكن يمكننا أيضاً أن نقول أن رقم 6 التصق بالمسيح الذى صلب فى اليوم السادس والساعة السادسة وكانت البشارة به فى الشهر السادس، فهو الذى بلا خطية صار خطية لأجلنا. هو الذى له كل المجد (8) صار له جسد إنسان (6). هو الحى الأبدى (8) صار له جسد ليموت (6). ولكن هذا الجسد سيتمجد ثانية.

المسيح أخذ الذى لنا (الموت فى اليوم السادس والساعة السادسة 6).

ليعطينا الذى له (الحياة الأبدية فى المجد 8).

منفردين = الخلوة اليومية فيها الروح القدس يعطينا أن نرى صورة للمسيح في مجده، وبدون هذه الخلوة تضعف خدمة الخادم.

كان الإعتراف الذى نطق به بطرس هو الأساس الذى تُبنى عليه الكنيسة. ومن ناحية أخرى رفع التلاميذ إلى أعلى نقطة إيمانيا لم يصلوا إليها ثانية غير بعد القيامة، لأن تعليم المسيح عن موته والذى قاله بعد إعتراف بطرس مباشرة أصابهم بخيبة أمل. فتوقعاتهم بحسب فكرهم اليهودى عن عظمة ومجد المسيا تصادمت مع فكرة موت المسيح. فكانوا كمن إرتفع للقمة ثم هوى لأسفل. وكان على المسيح أن يقضى معهم ستة أيام ليشرح لهم ويعلمهم الحقائق عن ضرورة موته وقيامته فى اليوم الثالث. ويقول القديس لوقا ثمانية أيام فهو ضم الستة أيام على يوم الإعتراف العظيم لبطرس ويوم التجلى. وكان هذا التعليم والتجلى بعيدا عن إزعاج الفريسيين والكتبة فى هدوء ليفهم تلاميذه.

وكان التجلى هو الشرح العملى الذى عرفوا منه حقيقة المسيح وذلك لتثبيت إيمانهم.

آية (مت 2: 17): -.

"2 وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ.".

تغيرت هيئته = هذا التغير هو كشف لأمجاده المختفية وراء الجسد، لقد إضطر أن يخفيها حتى يمكننا أن نراه ونسمعه دون خوف، ودون أن نموت وأضاء وجهه كالشمس = هو شمس البر (ملا 2: 4)، ينعكس نوره علينا فننير لذلك تشبه الكنيسة بالقمر. نوره هو نور لاهوته وكان يشع من جسده صارت ثيابه بيضاء = الثياب تشير للكنيسة الملتصقة به. ويقول مرقس لا يقدر قصار على الأرض أن يبيض مثل ذلك = الثياب بيضاء لأن المسيح برر كنيسته، غسلها بدمه (رؤ 14: 7 + 1يو7: 1) وهذا التبرير لا يستطيع أحد أن يعطيه للكنيسة = لا يقدر قصار. المسيح فقط بدمه يبرر الكنيسة فتقول "تغسلنى فأبيض أكثر من الثلج" + (إش 18: 1). قصّار = مبيض ثياب. ولاحظ أن المسيح إحتفظ بملامح وجهه وجسده فهو لن يتخلى عن جسده أبداً، وجسده هو الذى تمجد. وهو جلس بجسده عن يمين الآب. وهذا يعنى أيضاً أننا سنتمجد بجسدنا، إذ يقوم الجسد ولكن يكون جسد نورانى له نفس ملامح الجسد القديم. وبياض ثيابه ولمعانها إشارة لبر جسده وليس مجد لاهوته، فمجد لاهوته ظهر فى وجهه الذى أضاء كالشمس، أما بر ناسوته فظهر فى بياض ثيابه، وناسوته أى جسده الذى هو الكنيسة (أف 30: 5). بر ناسوته أى أنه كان بلا خطية.

تأمل آخر فى (مت 6، 8): -.

نلاحظ أنه قبل حادثة التجلى تكلم المسيح مع تلاميذه عن صليبه (مت 21: 16) وبعد حادثة التجلى تكلم ثانية عن صليبه (مت 12: 17) والصليب كان فى اليوم السادس والساعة السادسة، والقيامة كانت يوم الأحد أى اليوم الثامن (بداية الأسبوع الجديد). فالصليب (6) هو طريق المجد (8). ومن يتألم معه يتمجد أيضاً معهُ (رو 17: 8). وكان قول لوقا وبعد ثمانية أيام من حديث المسيح فى قيصرية فيلبس عن صليبه. فبعد الصليب لابد وسيكون هناك مجد. ولاحظ أنه حتى فى لحظات التجلى كان موسى وإيليا يتكلمان معه عن "خروجه الذى كان عتيداً أن يكمله فى أورشليم آية (31). هكذا يلتحم الصليب بالمجد، والصليب سيكون موضوع تسبيحنا فى المجد، فحتى الملائكة يفعلون هذا (رؤ5: 9). ونحن لا يمكننا أن ننعم بمجد المسيح فينا وتجليه فينا الآن ما لم نقبل وصية الصليب معه، ولن ننعم بالمجد الأبدى بدون صليب.

خروجه = مغادرة أورشليم للمرة الأخيرة حاملاً صليبه.

وتكلما عن خروجه الذى كان عتيدا أن يكمله فى أورشليم = كان اليهود ينتظرون خروجا جديدا إلى أرض جديدة يجتمع فيها كل إسرائيل المشتتين فى كل الأرض والموجودين فى أرض إسرائيل تحت حكم الرومان. وهؤلاء المشتتين هم من تشتتوا بعد سبى أشور سنة 722 ق. م، وسبى بابل سنة 586 ق. م، وهم متغربين فى كل أنحاء العالم. واليهود الذين فى أورشليم خاضعين للرومان وليسوا أحرارا. والمسيا الجديد الذى ينتظرونه، يتطلعون أن يصنع لهم هذا الخروج ليتحرروا. ولكن نرى هنا أن موسى وإيليا يتكلمان عن أن هذا الخروج الجديد سيكمله فى أورشليم عن طريق الصليب الذى به نتحرر من عبودية الشيطان والخطية إلى حرية مجد أولاد الله. (راجع التفاصيل فى كتاب الجذور اليهودية فى سر الإفخارستيا وتجده فى مقدمة كتاب الأسرار الكنسية السبعة).

وكان حديث موسى وإيليا مع المسيح عن "خروجه الذى كان عتيدا أن يكمله فى أورشليم" (لو9: 31). وتعبير خروجه يُستخدم للتعبير عن الموت (2بط1: 15). فهم بهذا تأكد لهم من هو المسيح وأنه يجب أن يموت فى أورشليم، وأن كل هذا حسب خطة أزلية تنبأ بها الأنبياء. لذلك ظهر معه الأنبياء وتكلموا عن خروجه كأنهم يعرفون بحكم نبواتهم التى قالوها. أو كأنهم يُذَكِّرون التلاميذ بأن التعليم الذى قاله المسيح عن أنه يجب أن يموت هو تعليم كتابى وبحسب النبوات، وهذا نفس ما عمله الرب مع تلميذى عمواس أن شرح لهم من النبوات أن المسيا المنتظر كان يجب أن يموت ويقوم.

ونلاحظ أيضا أن اليهود كانوا منتظرين أن المسيا سيكون صورة أخرى من موسى ويكرر ما صنعه موسى وبصورة أعظم. وهنا نجد أن المسيح يضئ كالشمس، وموسى وجهه أضاء. وكما قادت موسى سحابة فى البرية هكذا ظهرت سحابة نورانية أمام التلاميذ. [ومن قبل سار المسيح على الماء كما شق موسى الماء وساروا فوق اللجج، وأيضا كان للربيين رأيا أن كما عمل موسى لإسرائيل خروجا من عبودية مصر هكذا المسيا موسى الثانى سيخرجهم من الهوان الذى هم فيه. ولذلك كان كلام موسى وإيليا مع المسيح عن خروجه. ولم يفهم التلاميذ وقتها أن خروج العالم كله من الهوان سيكون بخروج المسيح أى موته بالجسد].

ولاحظ أيضاً لوقا آية (29) وفيما هو يصلى صارت هيئة وجهه متغيرة يتميز إنجيل لوقا بالتركيز على الصلاة. ولوقا لاحظ من قبل أن المسيح كان يصلى قبل أن يسألهم "من يقول الناس إنى أنا إبن الإنسان" وها هو يلاحظ أنه كان يصلى قبل التجلى. فبالنسبة للمسيح فالصلاة هى حديث الشركة مع الآب الواحد معهُ فى اللاهوت، وأن هذا المجد الظاهر فى التجلى ناشىء عن الوحدة بين الآب والإبن فى اللاهوت. أما أهمية الصلاة لنا نحن البشر، فعن طريق الصلاة يتغير شكل الإنسان. وبها ننفذ وصية الرسول "تغيروا عن شكلكم" (رو2: 12) فمن تطول وقفته مع الله يفرح بالله ويكتشف لذة العلاقة مع الله فيبدأ يتخلى عن إهتماماته الدنيوية، بل تظهر عليه نعمة الله.

التجلى عيد سيدى = الكنيسة تهتم بالتجلى، وتحتفل به كعيد سيدى بكونه شهادة حق للاهوت السيد المسيح المختفى فى حجاب الجسد، أعلنه السيد لبعض من تلاميذه قدر ما يحتملوا ليدركوا ما تنعم به الكنيسة فى الأبدية بطريقة فائقة لا ينطق بها.

في إحتفالنا بعيد التجلي نفرح بما سنحصل عليه أي الجسد الممجد.

موسى وإيليا آية (3): -.

هنا نرى صورة رائعة للملكوت، فالله ليس إله أموات بل إله احياء. وفى المجد سننعم كلنا بهذه العشرة الحلوة مع المسيح، هو فى مجده ونحن معه فى المجد فى فرح أبدى، هو يفرح بالبشرية ونحن نفرح به. هناك حوار بين موسى وإيليا وبين المسيح، وهذا ما سيحدث لنا فى السماء، فلن نكون منعزلين عنه، بل فى علاقة حب وحوار ومعاملات حلوة وأبدية. وهذا ما يمكننا أن نختبره من الآن، فالحياة الأبدية تبدأ هنا والملكوت هو فى داخلنا، نحن نحصل الآن على العربون، عربون عشرة المسيح المفرحة.

إيليا لم يمت بالجسد بينما موسى مات بالجسد. ولكن كلاهما حول المسيح فليس موت لعبيدك يا رب بل هو إنتقال، هو نوم، ولكن العلاقة مع المسيح لا يقطعها موت الجسد الذى نتذوقه حالياً.

موسى ممثل الناموس وإيليا ممثل الأنبياء، وبهذا نفهم أن المسيح هو غاية الناموس ومركز النبوات (رو 4: 10 + رؤ 10: 19) فكل طقوس الناموس الموسوى كانت رمزاً للخلاص الذى تم بالصليب وكل النبوات كان هدفها المسيح والخلاص الذى تممه.

موسى كان حليماً وإيليا كان نارياً فى غيرته، وملكوت المسيح هو ملكوت الوداعة ولكن بغيرة. ووجود موسى وإيليا أمام التلاميذ الآن يعطيهم صورة لما يجب أن تكون عليهم خدمتهم في المستقبل.

لاحظ إجتماع المسيح مع ممثلى العهد القديم موسى وإيليا ومع ممثلى العهد الجديد بطرس ويعقوب ويوحنا، فالكل صار واحداً فيه (أف 14: 2 - 16).

قال بعض الناس عن المسيح أنه إيليا أو أحد الأنبياء. والتلاميذ الآن رأوا الفارق بين إيليا وموسى وبين المسيح الرب.

ظهور موسى مع المسيح يظهر أن المسيح ليس بناقض للناموس.

كان موسى فى غلبته على فرعون وتحرير الشعب من عبودية فرعون، وكان إيليا فى غلبته على أخاب وعبادة البعل، رموزاً للمسيح فى غلبته على الشيطان والوثنية، وتحريره لأولاده من سلطان الشيطان.

رفض السيد المسيح تقديم آية للفريسيين لأنهم لا يستحقون، أما لتلاميذه، فها هو يريهم آية سمائية ليثبت إيمانهم فهم يستحقون.

موسى الآن روح وقد ظهر بشكل نورانى، أماّ إيليا فقد ظهر بجسده لأنه لم يمت. وهذا يظهر سلطان المسيح فهو رب الأحياء والأموات. ولاحظ أن موسى مات بالجسد لكن الروح موجودة.

ويقول لوقا أنهما ظهرا بمجد. وهذا ما سيحدث لكل الكنيسة فى الأبدية أنها ستكون فى مجد لأنه سينعكس عليها مجد المسيح الذى ستراه ممجداً.

ألا تتكرر هذه الصورة يومياً فى المخدع حين نقف لنصلى ونتشفع بالقديسين، وكأننا نعقد اجتماع صلاة بيننا وبين القديسين، وحسب وعد المسيح إذا إجتمع إثنين أو ثلاثة بإسمى أكون فى وسطهم.

آية (مت 4: 17): -.

"4فَجَعَلَ بُطْرُسُ يَقُولُ لِيَسُوعَ: «يَارَبُّ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا! فَإِنْ شِئْتَ نَصْنَعْ هُنَا ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةٌ، وَلِمُوسَى وَاحِدَةٌ، وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةٌ».".

يا رب جيد أن نكون ههنا = إذا تجلى الرب للنفس البشرية فإنها تود لو ظلت متمتعة به للأبد تاركة الدنيا وما فيها. وهذا يتذوقه من يتقابل مع المسيح فى الصلاة (لا يصلى بروتينية وسرعة) فإنه يود ألاّ تتوقف الصلاة.

ثلاث مظال = لقد تصوَّر بطرس أن المسيح سيؤسس ملكوته الآن على الجبل، فأراد ان يصنع ثلاث مظال للمسيح ولموسى ولإيليا، وربما تصوَّر أن هذه المظال، (وأن يمكثوا فى الجبل أمام هذا المنظر البهى) ستمنع المسيح من النزول ليتألم كما أخبرهم، ولكن كما قال مرقس أن بطرس ما كان يعلم ما يتكلم به، وهكذا قال لوقا. لقد إنبهر بطرس بما رآه فدخل فى حالة تشبه الهذيان، فهل الأرواح مثل موسى تحتاج لمظال. وهل يتساوى المسيح وموسى وإيليا فيكون لكل واحد مظلة، وهل مظلة واحدة لا تكفى، وهل بعد ان أخبرهم المسيح بأنه يجب أن يتألم ويموت، هل سيغير المسيح خطته ويقبل أن يهرب إلى مظلة فى الجبل؟

والمظلة عادة لتقى الإنسان من نور وحرارة الشمس، ولكن النور يخرج الآن من جسد المسيح فما فائدة المظلة. واضح أن كلام بطرس بلا معنى والسبب إنبهاره بما رأى.

ونلاحظ أن المسيح نزل معهم بعد ذلك لميدان الخدمة، فالخدمة ليست هى البقاء فى الجبل للتمتع بالمسيح فى مجده فقط، بل هى تمتع بالمسيح للإمتلاء ثم نزول للعالم للخدمة، هكذا قالت عروس النشيد (نش 11: 7 - 12) نزول للعالم حاملين صليب الخدمة والكرازة. لقد إشتهى بطرس أن يبقى على الجبل، لكن السيد ألزمهم بالنزول ليمارسوا الحب العامل الباذل.

آية (مت 5: 17): -.

"5 وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذَا سَحَابَةٌ نَيِّرَةٌ ظَلَّلَتْهُمْ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلاً: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا».".

إذا سحابة نيرة ظللتهم = هى الحضرة الإلهية، لقد تصور بطرس أنه سيقيم مظلة من قش وبوص للمسيح. ولكن الآب بمجده يظلل عليه وها هو يعلن هذا. فكما ملأ مجد الرب الهيكل أيام سليمان وخيمة الإجتماع أيام موسى على شكل سحاب، ها هو بمجده يظلل على المسيح.

هذه الصورة ستتكرر فى المجىء الثانى حين يأتى المسيح فى مجد أبيه وهذه السحابة ظللت أيضاً على التلاميذ وعلى موسى وإيليا، فالآب يود لو يشعر كل أولاده بأنه يرعاهم ويظللهم ويشملهم بدفء محبته. ولكن الآب يوصى أولاده هذا هو إبنى الحبيب.. له إسمعوا إذاً حتى نتمتع بهذه المحبة الأبوية علينا أن نسمع وننفذ وصايا المسيح. موسى بظهوره يشهد للمسيح أنه هو النبى الذى تنبأ عنه، وإيليا بالنيابة عن الأنبياء بظهوره الآن يقدم المسيح على أنه هو محور النبوات، وها هو الآب يشهد بحقيقة المسيح أنه إبنه.

ولاحظ أن الله قاد شعبه فى البرية عن طريق سحابة فالله يحب أن يظلل على شعبه ويحميهم ويعزيهم من شمس التجارب، والسحابة نيرة لأن الله نور وساكن فى النور، ولكى يظلل علينا، يجب أن نترك الخطية فالخطية ظلمة ولا شركة للنور مع الظلمة.

ونلاحظ أن له إسمعوا قيلت هنا والمسيح في صورة مجده حتى نخاف وننفذ الوصايا فهي وصايا إلهية. هذا قول الآب للتلاميذ ولنا، أن كل كلمة يقولها المسيح هى كلمة إلهية من يسمعها يحيا. وهذه أيضا كانت وصية العذراء "مهما قال لكم فافعلوه" (يو2: 5).

الآيات (مت 6: 17 - 7): -.

"6 وَلَمَّا سَمِعَ التَّلاَمِيذُ سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَخَافُوا جِدًّا. 7فَجَاءَ يَسُوعُ وَلَمَسَهُمْ وَقَالَ: «قُومُوا، وَلاَ تَخَافُوا».".

سقوط التلاميذ وخوفهم يعبر عن عجز البشرية عن الإلتقاء بالله بسبب خطاياها وفقدان سلامها. ولمسة يسوع لتلاميذه ودعوته لهم للقيام تشير أنه لهذا أتى وتجسد ليقيمنا من التراب الذى نحن فيه ويعطينا أن نتقابل مع الآب. لا تخافوا = هذه يقولها بسلطان أى أنه يعطى مع كلماته هذه سلاماً يملأ القلب. فالمسيح أتى ليعيدنا للأمجاد السماوية ولنتقابل مع الآب وليقيمنا من التراب الذى كنا فيه وليملأ القلب سلاماً فهو ملك السلام.

آية (مت 8: 17): -.

"8فَرَفَعُوا أَعْيُنَهُمْ وَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا إِلاَّ يَسُوعَ وَحْدَهُ.".

إختفاء موسى وإيليا وبقاء المسيح وحده يحمل معنى أهمية أن تتركز الأنظار على المسيح وحده كمخلص، فلا الناموس ولا الأنبياء يستطيعان أن يخلصا، ولكنها يقودان فقط للمسيح المخلص.

يقول لوقا وحده فى آية (32) أن التلاميذ تثقلوا بالنوم، ويبدو أنه ليس نوماً عادياً ولكن عدم إحتمال لهذا المجد الذى يرونه، وهم ناموا أيضاً فى بستان جثسيمانى فنحن فى جسد بشريتنا لا نحتمل الألم ولا المجد. لذلك سيلبس هذا الفاسد عدم فساد لنحتمل أن نرى مجد الله. عموماً حتى نشاهد مجد المسيح علينا أن نستيقظ من نوم الخطية (أف 14: 5) ويقول لوقا أما هم فسكتوا ولم يخبروا أحداً… وكان هذا تنفيذاً لأوامر المسيح (مت 9: 17 + مر 9: 9).

شفاء صبى به روح نجس.

الأعداد 37-42

الآيات (لو 37: 9 –43): -

"37 وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي إِذْ نَزَلُوا مِنَ الْجَبَلِ، اسْتَقْبَلَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ. 38 وَإِذَا رَجُلٌ مِنَ الْجَمْعِ صَرَخَ قِائِلاً: «يَا مُعَلِّمُ، أَطْلُبُ إِلَيْكَ. اُنْظُرْ إِلَى ابْنِي، فَإِنَّهُ وَحِيدٌ لِي. 39 وَهَا رُوحٌ يَأْخُذُهُ فَيَصْرُخُ بَغْتَةً، فَيَصْرَعُهُ مُزْبِدًا، وَبِالْجَهْدِ يُفَارِقُهُ مُرَضِّضًا إِيَّاهُ. 40 وَطَلَبْتُ مِنْ تَلاَمِيذِكَ أَنْ يُخْرِجُوهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا». 41فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: «أَيُّهَا الْجِيلُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ وَالْمُلْتَوِي إِلَى مَتَى أَكُونُ مَعَكُمْ وَأَحْتَمِلُكُمْ؟ قَدِّمِ ابْنَكَ إِلَى هُنَا! ». 42 وَبَيْنَمَا هُوَ آتٍ مَزَّقَهُ الشَّيْطَانُ وَصَرَعَهُ، فَانْتَهَرَ يَسُوعُ الرُّوحَ النَّجِسَ، وَشَفَى الصَّبِيَّ وَسَلَّمَهُ إِلَى أَبِيهِ. 43فَبُهِتَ الْجَمِيعُ مِنْ عَظَمَةِ اللهِ. وَإِذْ كَانَ الْجَمِيعُ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ كُلِّ مَا فَعَلَ يَسُوعُ، قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ:".

الآيات (مت 14: 17 - 21): -.

"14 وَلَمَّا جَاءُوا إِلَى الْجَمْعِ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ رَجُلٌ جَاثِيًا لَهُ 15 وَقَائِلاً: «يَا سَيِّدُ، ارْحَمِ ابْني فَإِنَّهُ يُصْرَعُ وَيَتَأَلَّمُ شَدِيدًا، وَيَقَعُ كَثِيرًا فِي النَّارِ وَكَثِيرًا فِي الْمَاءِ. 16 وَأَحْضَرْتُهُ إِلَى تَلاَمِيذِكَ فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَشْفُوهُ». 17فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: «أَيُّهَا الْجِيلُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ، الْمُلْتَوِي، إِلَى مَتَى أَكُونُ مَعَكُمْ؟ إِلَى مَتَى أَحْتَمِلُكُمْ؟ قَدِّمُوهُ إِلَيَّ ههُنَا! » 18فَانْتَهَرَهُ يَسُوعُ، فَخَرَجَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ. فَشُفِيَ الْغُلاَمُ مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ. 19ثُمَّ تَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ إِلَى يَسُوعَ عَلَى انْفِرَادٍ وَقَالُوا: «لِمَاذَا لَمْ نَقْدِرْ نَحْنُ أَنْ نُخْرِجَهُ؟ » 20فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لِعَدَمِ إِيمَانِكُمْ. فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ. 21 وَأَمَّا هذَا الْجِنْسُ فَلاَ يَخْرُجُ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ».".

الآيات (مر 14: 9 - 29): -.

"14 وَلَمَّا جَاءَ إِلَى التَّلاَمِيذِ رَأَى جَمْعًا كَثِيرًا حَوْلَهُمْ وَكَتَبَةً يُحَاوِرُونَهُمْ. 15 وَلِلْوَقْتِ كُلُّ الْجَمْعِ لَمَّا رَأَوْهُ تَحَيَّرُوا، وَرَكَضُوا وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ. 16فَسَأَلَ الْكَتَبَةَ: «بِمَاذَا تُحَاوِرُونَهُمْ؟ » 17فَأَجَابَ وَاحِدٌ مِنَ الْجَمْعِ وَقَالَ: «يَا مُعَلِّمُ، قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكَ ابْنِي بِهِ رُوحٌ أَخْرَسُ، 18 وَحَيْثُمَا أَدْرَكَهُ يُمَزِّقْهُ فَيُزْبِدُ وَيَصِرُّ بِأَسْنَانِهِ وَيَيْبَسُ. فَقُلْتُ لِتَلاَمِيذِكَ أَنْ يُخْرِجُوهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا». 19فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «أَيُّهَا الْجِيلُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ، إِلَى مَتَى أَكُونُ مَعَكُمْ؟ إِلَى مَتَى أَحْتَمِلُكُمْ؟ قَدِّمُوهُ إِلَيَّ! ». 20فَقَدَّمُوهُ إِلَيْهِ. فَلَمَّا رَآهُ لِلْوَقْتِ صَرَعَهُ الرُّوحُ، فَوَقَعَ عَلَى الأَرْضِ يَتَمَرَّغُ وَيُزْبِدُ. 21فَسَأَلَ أَبَاهُ: «كَمْ مِنَ الزَّمَانِ مُنْذُ أَصَابَهُ هذَا؟ » فَقَالَ: «مُنْذُ صِبَاهُ. 22 وَكَثِيرًا مَا أَلْقَاهُ فِي النَّارِ وَفِي الْمَاءِ لِيُهْلِكَهُ. لكِنْ إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ شَيْئًا فَتَحَنَّنْ عَلَيْنَا وَأَعِنَّا». 23فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُؤْمِنَ. كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لِلْمُؤْمِنِ». 24فَلِلْوَقْتِ صَرَخَ أَبُو الْوَلَدِ بِدُمُوعٍ وَقَالَ: «أُومِنُ يَا سَيِّدُ، فَأَعِنْ عَدَمَ إِيمَانِي». 25فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أَنَّ الْجَمْعَ يَتَرَاكَضُونَ، انْتَهَرَ الرُّوحَ النَّجِسَ قَائِلاً لَهُ: «أَيُّهَا الرُّوحُ الأَخْرَسُ الأَصَمُّ، أَنَا آمُرُكَ: اخْرُجْ مِنْهُ وَلاَ تَدْخُلْهُ أَيْضًا! » 26فَصَرَخَ وَصَرَعَهُ شَدِيدًا وَخَرَجَ. فَصَارَ كَمَيْتٍ، حَتَّى قَالَ كَثِيرُونَ: «إِنَّهُ مَاتَ! ». 27فَأَمْسَكَهُ يَسُوعُ بِيَدِهِ وَأَقَامَهُ، فَقَامَ. 28 وَلَمَّا دَخَلَ بَيْتًا سَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ عَلَى انْفِرَادٍ: «لِمَاذَا لَمْ نَقْدِرْ نَحْنُ أَنْ نُخْرِجَهُ؟ » 29فَقَالَ لَهُمْ: «هذَا الْجِنْسُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ بِشَيْءٍ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ».".

كان التجلى مساء وفى الصباح نزل الرب يسوع مع تلاميذه الثلاثة من على الجبل. وعندما وصلوا للتسعة الباقين وجد التلاميذ الثلاثة منظرا مناقضا لمنظر المجد الذى رأوه فوق الجبل. فقد إنتهز الكتبة فرصة غياب المسيح وأتوا بهذا الولد الذى به الروح النجس وتحاوروا مع التسعة التلاميذ وأحرجوهم إذ لم يكن لهم سلطان على الروح النجس. وهنا نجد المسيح يثور على التسعة بسبب ضعف إيمانهم مما جعل الكتبة يشعرون بلحظات إنتصار على التلاميذ. ضعف الإيمان هنا يظهر فى أنهم ما زالوا يطلبون آيات ليعرفوا أن معلمهم هو المسيا المنتظر، وهذا هو خمير الفريسيين الذى حذر منه الرب. بالإضافة لأحلامهم فى أمجاد أرضية حينما يملك المسيح. من هنا نفهم لماذا لم يأخذ الرب معه التسعة، ونفهم بالأكثر بقايا الفكر اليهودى عن المسيا المنتظر من مشاجرتهم عمن هو الأعظم. وهذه هى القصة التالية بعد شفاء الغلام.

هنا يشفى السيد ولداً يصرعه الشيطان ويخرجه منه. وتأتى هذه المعجزة مباشرة وراء حادثة التجلى. ونفهم أنه ليس معنى أن يعطينا الله ونحن مازلنا على الأرض بعض التعزيات السماوية أن نكف عن الجهاد ضد الشيطان. ونلاحظ دعوة السيد لتلاميذه لأن يصوموا ويصلوا ليهزموا إبليس. إذاً الحياة الروحية هى جهاد ضد مملكة إبليس بصوم وصلاة وخدمة النفوس التى يعذبها الشيطان بل يستعبدها، وجَذْبَ هذه النفوس المعذبة للمسيح، وهى أيضاً تعزيات سماوية مفرحة. ولننظر لخادم مثالى هو بولس الرسول، وقارن تعزياته (2كو3: 1 - 7) (كم مرة يذكر كلمة تعزية) مع جهاده فى خدمته (2كو 23: 11 - 33). ولكن هناك من يخطىء ويظن أن الحياة الروحية هى خلوة مع الله فقط، وأيضاً هناك من يخطىء ويظن أنه قادر على الخدمة المتواصلة بدون خلوة مع الله.

يُصرع ويتألم شديداً = أصل الآية يُصرع فى رؤوس الأهلة وبعض الترجمات ترجمتها يُصرع بالقمر (رؤوس الشهور القمرية) وهذا خداع شيطانى ليوحى للناس علاقة صرع الولد بالكواكب. عموماً فلنلاحظ أن كل من يُستعبد لإبليس يفقد سلامه ويعيش فى ألام حقيقية. وهكذا يحدث لمن يؤمن بالحسد وأن عين فلان تسبب الأذى، فحينما يزورنا هذا الفلان يسبب الشيطان مشكلة لنصدق هذا الموضوع.

يقع كثيراً فى النار وكثيراً فى الماء = وهذا ما يفعله إبليس مع كل واحد منا فهو يحاول أن يدفعنا لنيران الشهوات أو نيران الغضب أو يدفعنا لبرودة الفتور. إن من يخضع للخطية يفقد سلامه ويتشتت فكره ويتألم جسده، ويندفع فى خصام بل قتال عنيف مع من حوله، أماّ عن حياته الروحية فهى فتور كامل.

تلاميذك لم يقدروا أن يشفوه = المسيح منع عنهم الموهبة حتى يفهموا أهمية الصلاة (الصراخ لله باستمرار) وأهمية الصوم (الزهد فى ملذات الدنيا) ويكون لديهم شعور مستمر بالإحتياج. فيبدو أنهم بعد التجلى وما رأوه شعروا بنشوة وإكتفاء جعلهم ينسون الصلاة والصوم. والصوم هو سحب السلاح الذي في يد إبليس الذي هو ملذات العالم. والصلاة هي سلاح في يدي أضرب به إبليس. فالصلاة هي صلة مع الله القوي الذي يرعب إبليس.

أيها الجيل غير المؤمن = 1) ضعف إيمان التلاميذ 2) ضعف إيمان الوالد وهو صرح بهذا أعن عدم إيماني (مر 24: 9) 3) ضعف بل عدم إيمان الجمع، جلسوا يحاورونهم فى إستخفاف وقساوة قلب وعدم إيمان. هنا نلمس فى كلمات الرب رنة عدم الرضا ونفاد الصبر فالمسيح أراد أن يرى تلاميذه ولهم صلوات قوية وأصوام يصرع أمامها الشيطان. ولنعلم أن الإيمان ينمو حتى ولو كان مثل حبة خردل، لذلك فالتلاميذ طلبوا مرة من السيد قائلين "زد إيماننا" (لو 5: 17) وبولس يمدح أهل تسالونيكى أن إيمانهم ينمو (2تس 3: 1). والله يعمل مع كل واحد من أولاده ليزيد إيمانه، تارة بعطايا حلوة وتارة بتجارب نرى فيها يد الله. ولكن من يأخذ عطايا حلوة فليشكر ويسبح، ومن تأتى عليه تجارب فليسلم الأمر لله ويصلى فيرى يد الله. أماّ من يأخذ عطايا فينشغل بها عن الله أو من تأتى لهُ تجارب فيتذمر ويترك صلواته، فمثل هذا لن يرى يد الله ولن ينمو إيمانه. ونرى هذا الأب أتى للمسيح وإعترف بأن إيمانه ضعيف أو معدوم، لكن المسيح لم يرفضه إذ أتى إليه، بل شفى له إبنه وبهذا زاد إيمانه. فلنصرخ لله بدون تذمر شاكرين على كل حال فينمو إيماننا وما يساعد على نمو الإيمان. أيضاً الصلاة الكثيرة والأصوام المصاحبة لها.

ولكن فى الحقيقة فإن القديس مرقس يقدم إجابة واضحة لسبب غضب الرب على تلاميذه فى (مر9: 33 - 37) فبعد رجوع السيد مع تلاميذه للبيت سألهم عما كانوا يتكالمون فيما بينهم فى الطريق، وهم تحاجوا فيمن هو أعظم. والسيد الذى يعرف ما فى القلوب عرف ما فى قلوبهم. وكانت سقطتهم وهى البحث عن العظمة الدنيوية، هى سبب فشلهم فى إخراج الشيطان من الولد. ولذلك كانت إجابة السيد أن هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة والصوم. ولاحظ أن الصوم هو الزهد الكامل عن كل ملذات الدنيا، أما البحث فيمن هو أعظم فهو على النقيض تماما، أى البحث عن أمجاد الدنيا.

تقولون لهذا الجبل إنتقل = الجبل هو أى خطية محبوبة او شهوة نستعبد لها أو عقبة مستحيلة أو أى صعوبة بحسب الظاهر تواجه المسيحى، كل هذا يمكن أن يتزحزح بالصلاة والصوم مع الإيمان. ولقد تم نقل جبل المقطم فعلاً بحسب هذه الآية.

جاء المسيح للتلاميذ فى الوقت المناسب، فهم فشلوا فى إخراج الروح والكتبة والجمع يحاورونهم فى إستهزاء. ودائماً يأتى المسيح لكنيسته فى الوقت المناسب ليرفع عنها الحرج ويبكم المقاومين "الله فى وسطها فلا تتزعزع" (مز 5: 46). وهذا هو وعده (مت 19: 10 - 20) فهو المسئول عن الكنيسة والمدافع عنها، فهى عروسه.

مفهوم السيد المسيح هنا عن الصلاة والصوم ولزومهم لطرد الأرواح الشريرة إلتقطته كنيستنا ووضعت أصواماً كثيرة مع صلوات وتسبيحات عديدة، حتى تعطى شعبها قوة فى حربه ضد إبليس. والله يعطى مواهب (كما أعطى التلاميذ سلطان إخراج الشياطين) لكن لنحافظ على هذه الموهبة لابد من الصلاة والصوم.

(مر 15: 9): -.

تحيروا = ربما لأنه كان نازلاً من الجبل مبكراً، أو لأنهم فوجئوا به، وهم أرادوا أن يستمر حديثهم السافر مع تلاميذه، وهم يعلمون أنهم لا يستطيعون شيئاً أمامه هو شخصياً، فإن حضر لن يستطيعوا السخرية من عجز التلاميذ. أو هل كان وجهه مازال يشع نوراً من أثار التجلى!! عموماً فالسيد لاحظ تكتل الكتبة ضد تلاميذه فسألهم بماذا تحاورونهم (مر 16: 9) فلم يجيبوا. ثم صرخ هذا الأب طالباً الشفاء. ولاحظ أن هناك من يفضل الحوار غير الهادف بدلاً من الإيجابيات كالصلوات والتسابيح وهذا ما أسماه بولس الرسول "المباحثات الغبية" (2تي23: 2).

(مر 20: 9) للوقت صرعهُ الروح = إن طرد روح الشر من حياتنا يصحبه صراع شديد، ولكن بعد أن تتقابل النفس مع المسيح وتدخل فى عشرة معه تموت عن العالم ثم يمسك بيدها ويقيمها فتقوم مستندة على ذراعه.

أومن يا سيد فأعن عدم إيماني = أعلن الوالد إيمانه = أومن.. ولكن خشى أن لا يكون كافياً فصرخ متذللا = أعن عدم إيمانى … فهو إعتبر إيمانه كالعدم، وطلب من الرب أن يعينه فى حالته. فمهما كان إيماننا فهو مازال ناقصاً، وإذا قيس بما يجب أن تكون عليه ثقتنا فى المسيح فهو عدم. ولكى يقوى إيماننا يجب أن نصرخ أؤمن يا سيد فأعن عدم إيمانى. والله دائماً يستجيب لهذه الصرخة وإستجابته تزيد إيماننا. ولاحظ أن السيد لم يرفضه إذ اعترف بعدم إيمانه بل شفى له ابنه وبالتالى شفى له إيمانه.

قول المسيح إلى متى أكون معكم = فيه إشارة لصعوده، فإن كان تلاميذه ضعفاء وهو فى وسطهم يسندهم، يرونه ويسألونه ويكلمونه، فماذا سيحدث لهم بعد الصعود إذ لا يجدونه.. هذا يحتاج لإيمان، لأننا بالإيمان نسلك لا بالعيان.

كم من الزمن منذ أصابه هذا (مر21: 9) = هذا السؤال يوجه لكل من طال زمانه فى الخطية (زمان بقائه مستعبداً لها) وطال زمان بقائه فى أسر إبليس. وسؤال المسيح معناه لماذا لم تأتى إلىَّ لأشفيك منذ زمان. ويشير السؤال لتأثر المسيح لاستعباد الشيطان للبشر كل هذا الزمان.

(مر 26: 9) فصار كميت = من يخرج منه روح شرير يصير كميت عن العالم (مر27: 9) فأمسكه يسوع وأقامه = هو ميت عن العالم حى مع المسيح، وهذه = مع المسيح صلبت فأحيا (غل 20: 2).

السيد أعطى تلاميذه الموهبة على الشفاء وإخراج الشياطين ولكن يلزم إضرام أى موهبة بالصلاة والصوم (2تى 6: 1).

نفهم من (لو 37: 9) أن هذه القصة كانت فى اليوم التالى للتجلى.

إلى متى أكون معكم وأحتملكم = واضح تكرار الأناجيل الثلاثة لهذه الجملة. إن أكثر ما يحزن الرب يسوع هو أن يرى أولاده مهزومين أمام الشياطين. لقد أعطانا سلطاناً أن ندوس الحيات والعقارب (لو 19: 10) فلماذا لا نستخدمه، لماذا نستسلم ونقول "الشيطان شاطر" هذه الجملة تحزن رب المجد جداً.

إن كنت تستطيع شيئا كان هذا قول الأب. وهو خطأ فالرب لا يستحيل عليه شئ. إن كنت تستطيع أن تؤمن... كان هذا تصحيح الرب لقول الأب. والمطلوب الإيمان بقدرة الرب. إذاً مع المسيح لا يقال ماذا يستطيع هو - ولكن هل نحن نؤمن. ومن لا يؤمن فليأتى كما فعل هذا الأب جاثيا أمامه (مت17: 14)، وليقل مع هذا الأب... أعن عدم إيمانى. والرب أيضا قادر على شفاء الإيمان.

يسوع ينبئ بموته.

الأعداد 43-45

الآيات (لو 43: 9 - 45): -

"43فَبُهِتَ الْجَمِيعُ مِنْ عَظَمَةِ اللهِ. وَإِذْ كَانَ الْجَمِيعُ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ كُلِّ مَا فَعَلَ يَسُوعُ، قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: 44«ضَعُوا أَنْتُمْ هذَا الْكَلاَمَ فِي آذَانِكُمْ: إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ». 45 وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا هذَا الْقَوْلَ، وَكَانَ مُخْفىً عَنْهُمْ لِكَيْ لاَ يَفْهَمُوهُ، وَخَافُوا أَنْ يَسْأَلُوهُ عَنْ هذَا الْقَوْلِ.".

الآيات (مت 22: 17 - 23): -.

"22 وَفِيمَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ فِي الْجَلِيلِ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «ابْنُ الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ 23فَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ». فَحَزِنُوا جِدًّا.

السيد يخبر تلاميذه بالصليب وهذا يأتى بعد 1) التجلى 2) إخراج الروح الشرير.

وهذا يعنى 1) مع أهمية التجلى وأفراحه وتعزياته لكن حتى ننعم بهذا أبدياً لابد من الصليب.

2) حتى يُهزم عدو الخير نهائياً فلابد من الصليب (كو 14: 2 - 15).

3) ولاحظ أن أحداث الصليب كانت تقترب لذلك كان السيد المسيح ينبه تلاميذه حتى لا يفاجئهم ما سوف يحدث. ولكن كون السيد يخبرهم بما حدث إذاً هو يذهب للصليب بسلطانه إذ هو أتى لذلك.

4) السيد لا يريد أن تلاميذه يذهب فكرهم إلى الأمجاد الزمنية خصوصاً بعد التجلى وبعد معجزة إخراج الروح النجس، وبالذات بعد جدالهم فيمن هو الأعظم، فيعود ويحدثهم عن أهمية الصليب فالعالم هنا طالما كنا فى الجسد هو عالم ألم وصليب أماّ المجد فهناك. لم يفهموا = فهم فى ذهنهم الأمجاد العالمية، فما علاقة الأمجاد العالمية التى ينتظرونها بالصليب. ولم يفهموا أن الصليب هو طريق المجد. هم لم يفهموا لأنهم لم يريدوا أن يفهموا لأن لهم رأي مخالف.

5) لاحظ البعض أن السيد فى بعض الأحيان كان يطلب إخفاء أخبار مجده كما حدث فى موضوع التجلى، وهنا فى (لو44: 9) يطلب من تلاميذه كتمان موضوع ألامه.

فضعوا أنتم هذا الكلام فى أذانكم = فكلا الأمرين غير منفصل فالمسيح تمجد بألامه وأيضا بقيامته وبتجليه وبصعوده.

من هو الأعظم.

الأعداد 46-48

الآيات (لو46: 9 - 48): -

"46 وَدَاخَلَهُمْ فِكْرٌ مَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ أَعْظَمَ فِيهِمْ؟ 47فَعَلِمَ يَسُوعُ فِكْرَ قَلْبِهِمْ، وَأَخَذَ وَلَدًا وَأَقَامَهُ عِنْدَهُ، 48 وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ قَبِلَ هذَا الْوَلَدَ بِاسْمِي يَقْبَلُنِي، وَمَنْ قَبِلَنِي يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي، لأَنَّ الأَصْغَرَ فِيكُمْ جَمِيعًا هُوَ يَكُونُ عَظِيمًا».".

الآيات (مت 1: 18 - 5): -.

"1فِي تِلْكَ السَّاعَةِ تَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ إِلَى يَسُوعَ قَائِلِينَ: «فَمَنْ هُوَ أَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ؟ » 2فَدَعَا يَسُوعُ إِلَيْهِ وَلَدًا وَأَقَامَهُ فِي وَسْطِهِمْ 3 وَقَالَ: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. 4فَمَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مِثْلَ هذَا الْوَلَدِ فَهُوَ الأَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. 5 وَمَنْ قَبِلَ وَلَدًا وَاحِدًا مِثْلَ هذَا بِاسْمِي فَقَدْ قَبِلَنِي.".

الآيات (مر33: 9 - 37): -.

"33 وَجَاءَ إِلَى كَفْرِنَاحُومَ. وَإِذْ كَانَ فِي الْبَيْتِ سَأَلَهُمْ: «بِمَاذَا كُنْتُمْ تَتَكَالَمُونَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فِي الطَّرِيقِ؟ » 34فَسَكَتُوا، لأَنَّهُمْ تَحَاجُّوا فِي الطَّرِيقِ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ فِي مَنْ هُوَ أَعْظَمُ. 35فَجَلَسَ وَنَادَى الاثْنَيْ عَشَرَ وَقَالَ لَهُمْ: «إِذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَكُونَ أَوَّلاً فَيَكُونُ آخِرَ الْكُلِّ وَخَادِمًا لِلْكُلِّ». 36فَأَخَذَ وَلَدًا وَأَقَامَهُ فِي وَسْطِهِمْ ثُمَّ احْتَضَنَهُ وَقَالَ لَهُمْ: 37«مَنْ قَبِلَ وَاحِدًا مِنْ أَوْلاَدٍ مِثْلَ هذَا بِاسْمِي يَقْبَلُنِي، وَمَنْ قَبِلَنِي فَلَيْسَ يَقْبَلُنِي أَنَا بَلِ الَّذِي أَرْسَلَنِي».".

كان الفكر اليهودى مسيطرا على التلاميذ، فبالرغم من سمعهم أن المسيح سيتألم ويموت، لكن أحلامهم فى المجد الأرضى لم تكن قد ماتت بعد. وهذه قصة تشير لطريقة التفكير اليهودى. مرض إبن أحد كبار الربيين يوحانان بن زكاى مرضا خطيرا، وشُفِى بصلوات حانينا بن دوزا. وقال أبو الولد لزوجته "لو قضيت اليوم واضعا رأسى بين قدمىَّ لما إكترث بى أحد" فسألته وهل حانينا أفضل منك أمام الله؟ فتحركت كبرياءه داخله وأجابها "لا بل هو كخادم أمام الله أما أنا فكأمير أمام الله، هو كخادم موجود دائما أمام الله فله فرص كثيرة أكثر منى، أما أنا كسيد فلا أتمتع بهذه الفرص". ونفس هذا الفكر فى العظمة كان موجودا فى التلاميذ. بل حتى اللحظات الأخيرة قبل الصليب جاءت أم إبنى زبدى تطلب مراكز عظيمة لأولادها. وقال التلاميذ عن يوحنا "التلميذ الذى كان يسوع يحبه" وكان هذا شعورا بالغيرة وأن المسيح سيعطى ليوحنا نصيبا أعظم منهم. وحينما قال الرب لبطرس عن أن بطرس سيموت مصلوبا إستدار ونظر ليوحنا وسأل المسيح وماذا عن يوحنا (هذا الذى تحبه أكثر منا).

فكر التلاميذ المتأثر بالفكر اليهودى، أن المسيا حين يأتى، سيأتى لكى يملك على الأرض، جعلهم يشتهون أن يجلسوا واحداً عن يمينه وواحداً عن يساره (مت 21: 20 - 22).. هذا الفكر إستمر حتى ليلة العشاء السرى (لو24: 22 - 27) ولكن المسيح كان يتكلم عن ملكوت السموات أمامهم دائماً، فإختلط عليهم الأمر، وظنوا أن ملكوت السموات هذا يمكن أن يكون على الأرض، وبنفس الفكر بدأوا يحلمون بمراكز أرضية حين يملك المسيح فى ملكوت السموات هذا، ودخلهم تساؤل عمن يكون الأعظم فى هذا الملكوت. وبمقارنة ما حدث فى إنجيلى متى ومرقس نجدهم وقد شغل هذا الموضوع ذهنهم تماماً يتحاورون فى الطريق عمن هو الأعظم فيهم، بالتالى سيكون هو مثلاً الوزير الأول فى مُلك المسيح. ولما أتوا إلى البيت فى كفر ناحوم سألهم الذى لا يُخفى عليه شئ عمّا كانوا يتكلمون فيه، فسكتوا (مر34: 9) ثم تساءلوا علناً ولم يستطيعوا أن يستمروا ساكتين (مت 1: 18)، فإذا دب فكر العظمة والكبرياء فى القلب فهو لا يهدأ. وحتى يكسر السيد كبريائهم أتى بولد ودعاهم أن يتشبهوا بالأولاد ومن يفعل فهو الأعظم.. قطعاً ليس فى السن بل: -.

فى حياتهم المتواضعة الوديعة كالأطفال (1كو 20: 14).

فى الثقة فى كلام أبيهم السماوى والإتكال عليه وطاعته.

البساطة وتقبل الحقائق الإيمانية والروحية، فالطفل يصدق ما يقال له من والده.

الأطفال لا يشعرون أنهم أفضل من الآخرين فالغنى يلعب مع الفقير.

لاحظ أن الأطفال لا يشعرون بأنهم متواضعين، فمن يشعر أنه متواضع، أو أنه يتواضع حين يكلم إنساناً فقيراً فهو ليس متواضع.

التسامح المطلق فالطفل لا يحتفظ فى قلبه بأى ضغينة.

إذا أحزن إنسان طفلاً فهو لا ينتقم لنفسه بذراعيه بل يلجأ لوالديه.

الطفل بلا شهوات، بلا طلب للمجد الباطل، بلا حسد للآخرين.

إذا تشاجر الأطفال فهم سريعاً ما يتصالحون ويعودون للعب معاً.

ملكوت الله الذى يؤسسه المسيح لا وجود فيه لمن يبحث أن يكون الأقوى والأعظم بل من يدخله هو من يحس بضعفه وأنه لا شئ، ولكن قوته وعظمته هى فى حماية الله له (2كو 9: 12 - 10). وهذه طبيعة الأطفال فهم يحتمون بوالديهم.

بلغة التعليم المعاصر، فهذا الولد فى حضن المسيح هو وسيلة إيضاح.

الطفل يطلب ما يريده واثقاً فى أخذه من أبيه، وهو لا يفكر فى أن أبوه يعطيه لأنه يستحق، بل هو يطلب بدالة المحبة.

قال السيد من قبلني يقبل الذي أرسلني أي الآب وهذا لإتحاده بالآب (كما جاء في إنجيل لوقا). ولاحظ قول السيد المسيح هنا من قبل ولداً واحداً مثل هذا بإسمى فقد قبلنى فالمسيح هنا وحَّد نفسه بالأطفال والبسطاء والضعفاء.. بإسمى = أى من أجل المسيح، فمن يقبل طفلاً يكون كمن قبل المسيح نفسه. والحقيقة فإن المسيح حين يقول إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فهو يقصد نفسه، أى إن لم ترجعوا وتستعيدوا صورتى التى حصلتم عليها فى المعمودية فلن تدخلوا ملكوت السموات. فنحن نولد بالمعمودية على صورة المسيح. نحن خلقنا أولاً على صورة الله (تك 26: 1 - 27) وفقد الإنسان الصورة الإلهية باختياره لطريق العصيان والخطية. وأتى المسيح وفدانا وأعطانا سر المعمودية وفيها ندفن ونموت ونقوم مع المسيح وبصورة المسيح. ولكننا مع إحتكاكنا بالعالم نفقد هذه الصورة الإلهية ثانية، وكلام السيد المسيح هنا، أن هناك إمكانية لإستعادة هذه الصورة = إن لم ترجعوا = إذاً هناك إمكانية للرجوع ولكن كيف؟ هذا هو عمل النعمة، التى تعيدنا للصورة الإلهية، والنعمة تحتاج لجهاد، لذلك نسمع بولس الرسول يقول "يا أولادى الذين أتمخض بكم (ألام الجهاد والخدمة) إلى أن يتصور المسيح فيكم (عمل النعمة)". وعمل النعمة يعطينا أن نصير خليقة جديدة على صورة المسيح (غل19: 4 + 2كو 17: 5) لذلك نحن نخلص بالنعمة (أف 8: 2) التى بها نعود للصورة الإلهية. والأولاد هم المولودين من الماء والروح وقد خرجوا بدون خطية، والمسيح هو الذى قال عن نفسه "من منكم يبكتنى على خطية"، لذلك كان هذا الولد فى حضن المسيح إشارة للمسيح نفسه. ولداً بإسمي = ولو فهمنا أن الإسم يشير لقدرة وقوة المسيح فيكون قول السيد بإسمي أن المسيح قادر أن يعيدني بقوته إلى صورة المعمودية الأولى أي كطفل. إذاً يمكننا فهم قول السيد ولداً واحداً بإسمي أنه عاد كولد بقوتي. ونحن إن لم نحصل على صورة المسيح لن ندخل ملكوت السموات. هذه تشابه أن لكل بلد فى العالم عملة يتم التعامل بها داخل حدود هذا البلد، لكن إن حاولت التعامل بعملة عليها صورة ملك آخر لن يُسمح لك بأن تتعامل بها. فنحن نصبح عُملة قابلة للتداول فى السماء لو إنطبعت علينا صورة الملك السماوى. فإن كان المسيح قد تواضع وترك مجده السمائى لأجلنا، أفلا نتخلى نحن عن أفكار العظمة الأرضية مثل ما فعل هو ونتصاغر أمام الناس وأمام أنفسنا، إذا كان المسيح قد صار عبداً أفلا نقبل أن نتصاغر مثله أمام إخوتنا. خصوصاً أن النعمة تسندنا، وبالمسيح نستطيع كل شئ (يو 5: 15 + فى 13: 4) فهل نقبل؟ والسيد يشرح كيف تساندنا النعمة.... هذا يكون بالجهاد.. وكيف نجاهد؟

إذا أراد أحد أن يكون أولاً فيكون آخر الكل وخادماً للكل (مر 35: 9) من أراد أن يصير فيكم عظيماً يكون لكم خادماً (مر 43: 10).

من أراد أن يصير فيكم أولاً يكون للجميع عبداً (مر 44: 10) والسيد ضرب بنفسه المثال فقال عن نفسه أنه أتى ليَخدم لا ليُخدم (مر45: 10).

وهو غسل أرجل تلاميذه وطلب أن نفعل ذلك (يو 12: 13 - 17).

ومن يفعل تسانده النعمة ليرجع ويكون كالأولاد أى يستعيد صورة المسيح ولاحظ قول السيد من وضع نفسه مثل هذا الولد = كلمة وضع نفسه تعنى أنه لا يَدَّعى الإتضاع طلباً لمديح الناس، فما أخطر أن تدعى النفس الإتضاع. بل هو عليه أن يفهم الحقيقة "اننا لا شئ.. تراب.. بخار يظهر قليلاً ثم يضمحل. ولكن نحن بالمسيح، وليس من أنفسنا، قد أصبحنا أولاداً لله. فقيمتنا ترجع لا لأنفسنا بل للمسيح الذى فينا. لذلك فالتواضع الحقيقي هو ما عمله المسيح إذ أخلى ذاته. أما التواضع بالنسبة لنا فهو أن نفهم حقيقتنا أننا لا شئ وأن قيمتنا هي في المسيح الذي فينا فكيف أنتفخ عليك والمسيح الذي فيَّ هو الذي فيك. ولاحظ أن عمل المسيح فى أن يأتى بطفل ويعمل ما عمله، بأن يحتضنه ويُوَحِّد نفسه به، ويقول ما قاله. هذا كان عجيباً فى أيامه، فقد إحتقر الرومان الطفولة، ولم يكن للطفل أى حق من الحقوق، ويستطيع الوالدان أن يفعلا بطفلهما ما يشاءا بلا رقيب، وتعرضت الطفولة فى اليونان لمتاعب كثيرة، فكانوا يتركون الأطفال فى العراء أياماً حتى يموت الضعيف ويبقى القوى. واليهود فى أى حصر أو تعداد ما كانوا يحصون النساء ولا الأطفال. ولكننا هنا نجد السيد يشير للطفل بأنه مثال يجب أن نتشبه به. الرومان واليونان كانوا يفتخرون بالقوة والعظمة لذلك إحتقروا الأطفال لضعفهم، أماّ المسيح فيطالبنا بالتشبه بهم فى ضعفهم وأن نعتبر أن قوتنا هو الله نفسه" الله لا يسر بقوة الخيل. لا يرضى بساقى الرجل "(مز147: 10).. هذا هو ملكوت الله.

من ليس علينا فهو معنا.

الأعداد 49-50

الآيات (لو49: 9 - 50): -

"49فَأجَابَ يُوحَنَّا وَقَالَ: «يَا مُعَلِّمُ، رَأَيْنَا وَاحِدًا يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِكَ فَمَنَعْنَاهُ، لأَنَّهُ لَيْسَ يَتْبَعُ مَعَنَا». 50فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لاَ تَمْنَعُوهُ، لأَنَّ مَنْ لَيْسَ عَلَيْنَا فَهُوَ مَعَنَا».".

الآيات (مر38: 9 - 41): -.

"38فَأَجَابَهُ يُوحَنَّا قِائِلاً: «يَا مُعَلِّمُ، رَأَيْنَا وَاحِدًا يُخْرِجُ شَيَاطِينَ بِاسْمِكَ وَهُوَ لَيْسَ يَتْبَعُنَا، فَمَنَعْنَاهُ لأَنَّهُ لَيْسَ يَتْبَعُنَا». 39فَقَالَ يَسُوعُ: «لاَ تَمْنَعُوهُ، لأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَصْنَعُ قُوَّةً بِاسْمِي وَيَسْتَطِيعُ سَرِيعًا أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ شَرًّا. 40لأَنَّ مَنْ لَيْسَ عَلَيْنَا فَهُوَ مَعَنَا. 41لأَنَّ مَنْ سَقَاكُمْ كَأْسَ مَاءٍ بِاسْمِي لأَنَّكُمْ لِلْمَسِيحِ، فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لاَ يُضِيعُ أَجْرَهُ.".

يا معلم رأينا واحداً يخرج شياطين بإسمك = طالما يستخدم إسم المسيح فهو مؤمن وهو ليس يتبعنا = أى ليس من الإثنى عشر أو السبعين. ولنلاحظ أنه ما كان ممكناً لهذا الإنسان أن يخرج شياطين إن لم يكن مؤمناً بالمسيح. لكن يوحنا تعجب أنه ليس من تلاميذ المسيح إذ ظن يوحنا أن المعجزات هى للتلاميذ فقط. لكن هذا الإنسان كان يعمل لحساب المسيح بإيمان صادق وإن لم تكن له فرصة للتبعية الظاهرة ونفهم من درس المسيح أن الكنيسة كنيسة واحدة ولا معنى فيها للتعصب لشخص ما أو جماعة ما، وهذا قطعاً لا يعنى قبول تعاليم مخالفة لتعاليم وعقيدة الكنيسة. ولكن على الكنيسة أن تفهم أنها متسعة القلب للجميع، لها وحدة ومحبة تجمع الكل خلال إيمان مستقيم. أماّ من يعمل قوات وأيات من خارج إطار الإيمان المستقيم فهؤلاء ينطبق عليهم قول السيد إذهبوا عنى يا فاعلى الإثم (مت 22: 7 - 23). من ليس علينا = الذى ليس مخالفاً لنا ولكنيستنا فى الإيمان = فهو معنا فى وحدة ومحبة.

وهذه الأيات أوردها القديس مرقس مباشرة بعد مشاجرة التلاميذ فمن هو الأعظم فيهم. ومن هذا نفهم أن العثرة تأتى فى الكنيسة من مفهوم من هو الأعظم. فيوحنا إعتبر أن هذا الشخص طالما ليس من مجموعتهم فهو أقل منهم وليس من حقه أن يحصل على نفس مواهبهم فى إخراج الشياطين. والسيد يعلمهم مفهوم آخر، يُفهم أن من ليس ضدنا (ضدنا = يعلم تعاليم مخالفة للإيمان) وهو يحب المسيح ويستخدم إسمه فهو معنا، فالكل جسد واحد والكل فى مملكة المسيح لهم سلطان على إبليس. ومن هذا نفهم أن.

قرية للسامريين ترفض يسوع.

الأعداد 51-56

الآيات (لو51: 9 - 56): -

"51 وَحِينَ تَمَّتِ الأَيَّامُ لارْتِفَاعِهِ ثَبَّتَ وَجْهَهُ لِيَنْطَلِقَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، 52 وَأَرْسَلَ أَمَامَ وَجْهِهِ رُسُلاً، فَذَهَبُوا وَدَخَلُوا قَرْيَةً لِلسَّامِرِيِّينَ حَتَّى يُعِدُّوا لَهُ. 53فَلَمْ يَقْبَلُوهُ لأَنَّ وَجْهَهُ كَانَ مُتَّجِهًا نَحْوَ أُورُشَلِيمَ. 54فَلَمَّا رَأَى ذلِكَ تِلْمِيذَاهُ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا، قَالاَ: «يَارَبُّ، أَتُرِيدُ أَنْ نَقُولَ أَنْ تَنْزِلَ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتُفْنِيَهُمْ، كَمَا فَعَلَ إِيلِيَّا أَيْضًا؟ » 55فَالْتَفَتَ وَانْتَهَرَهُمَا وَقَالَ: «لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مِنْ أَيِّ رُوحٍ أَنْتُمَا! 56لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ أَنْفُسَ النَّاسِ، بَلْ لِيُخَلِّصَ». فَمَضَوْا إِلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى.".

حين تمت الأيام لإرتفاعه = إنتهى زمن التعليم وصنع المعجزات وأتى وقت الصليب. وكلمة تمت تشير أن كل شئ يسير وفق خطة إلهية أزلية، فلا مجال للصدفة في الأحداث. فكم مرة حاولوا قتله ولم يمكنهم. إرتفاعه = تشير لإرتفاعه على الصليب، وتشير أيضاً لصعوده إلى السماء. فهذا التعبير إرتفاع إستخدم مع إيليا عند إرتفاعه إلى السماء.

ثبت وجهه = تعبير عبري يعني العزيمة القوية أمام صعوبات قائمة (حز2: 6 + إر10: 21 + خر14: 33). فالمسيح قصد أن يتوجه إلى أورشليم وهو عالم بأن أعدائه يتآمرون عليه وأنه هناك سيحاكم ويصلب ويموت، ولكنه قد جاء لهذه الساعة ليخلص البشر. وكان كأنه مشتاق لهذه الساعة حباً فينا، وبنفس المعنى قال "قوموا ننطلق من ههنا" (يو31: 14). والسيد إذ كان متوجهاً لأورشليم كان لابد له أن يمر بالسامرة فإنتهزها فرصة ليكرز ويبشر أهلها، فأرسل تلاميذه يعدون له ليستريح من عناء السفر وليكرز لهم، لكن أهل السامرة لعدائهم لليهود رفضوه إذ كان متجهاً لأورشليم أي لأنه يهودي ومعروف العداوة بين السامريين واليهود. وقطعاً هذه البلدة غير بلدة المرأة السامرية. (السامريون هم خليط من اليهود الذين تبقوا في أرض العشر أسباط أي مملكة إسرائيل الشمالية بعد أن أخذ ملك أشور معظم اليهود إلى أشور.. مع النازحين من بلاد بابل وأشور في ذلك الوقت.. لذلك كانت عبادة السامريين هي خليط من اليهودية والوثنية. كانوا لا يعترفون سوى بأسفار موسى الخمسة، ولا يعترفون بأورشليم كمدينة مقدسة ولا بالهيكل فيها، إنما يعتبرون أن جبل جرزيم الذي في أرضهم هو الجبل المقدس.. لذلك إحتقر اليهود السامريين، وكره السامريون اليهود) وكان من العسير أن يمر يهودي في أرض السامرة خصوصاً لو كان متجهاً لأورشليم، والسبب أن السامريون كانوا يعتدون عليه ويضربونه.

وأمام هذا الرفض يطلب يعقوب ويوحنا ناراً تنزل وتحرق وتفني، لذلك أسماهم المسيح بوانرجس أي إبني الرعد (مر17: 3). وربما لغيرتهما الشديدة وحماسهما. ولكن هذه الغيرة التي تطلب الإنتقام إذ تقدست في المسيح صارت غيرة مقدسة لمجد الله، ولخدمة إسمه.

لستما تعلمان من أي روح أنتما = أي أنتم قد تغافلتم عن ماهية الروح الذي فيكم، والذي أريده لكم، والذي يقود للسلام والوداعة والمحبة وعدم مقاومة الشر بالشر، والرغبة في خلاص الأشرار وليس روح النقمة والإفناء. أما روح الإنتقام والإفناء فهي من عدو الخير وليس من روح الله القدوس الذي يسكب المحبة في قلوبنا.

ثمن التبعية.

الأعداد 57-62

الآيات (لو57: 9 - 62): -

57 وَفِيمَا هُمْ سَائِرُونَ فِي الطَّرِيقِ قَالَ لَهُ وَاحِدٌ: «يَا سَيِّدُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي». 58فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ، وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ». 59 وَقَالَ لآخَرَ: «اتْبَعْنِي». فَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، ائْذَنْ لِي أَنْ أَمْضِيَ أَوَّلاً وَأَدْفِنَ أَبِي». 60فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «دَعِ الْمَوْتَى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ، وَأَمَّا أَنْتَ فَاذْهَبْ وَنَادِ بِمَلَكُوتِ اللهِ». 61 وَقَالَ آخَرُ أَيْضًا: «أَتْبَعُكَ يَا سَيِّدُ، وَلكِنِ ائْذَنْ لِي أَوَّلاً أَنْ أُوَدِّعَ الَّذِينَ فِي بَيْتِي». 62فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْمِحْرَاثِ وَيَنْظُرُ إِلَى الْوَرَاءِ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ اللهِ». ".

الآيات (مت 18: 8 - 22): -.

"18 وَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ جُمُوعًا كَثِيرَةً حَوْلَهُ، أَمَرَ بِالذَّهَاب إِلَى الْعَبْرِ. 19فَتَقَدَّمَ كَاتِبٌ وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي». 20فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِلثَّعَالِب أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ». 21 وَقَالَ لَهُ آخَرُ مِنْ تَلاَمِيذِهِ: «يَا سَيِّدُ، ائْذَنْ لِي أَنْ أَمْضِيَ أَوَّلاً وَأَدْفِنَ أَبِي». 22فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اتْبَعْنِي، وَدَعِ الْمَوْتَى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ».".

يقدم القديس لوقا هنا ثلاث عينات لثلاث أشخاص أرادوا أن يتتلمذوا للسيد المسيح. وذكر القديس متى مثلين منهم فقط. ومتى يورد هذا بعد شفاء حماة بطرس ليقول أن الخدمة ليست إمتيازات فقط (كما شفى المسيح حماة بطرس) بل لها تبعاتها.

الأول: - هذا الإنسان رأى المسيح وأحبه، نمت مشاعره تجاه السيد، لكنه لم يفهم أن تبعيته للمسيح فيها حمل للصليب، لقد فرح بالمعجزات وبسلطان المسيح وربما تصوَّر أن تبعية المسيح فيها مجد أرضى، لذلك أفهمه المسيح أنه حتى المسيح وهو السيد ليس له مكان يسند رأسه فيه. ونلاحظ أنه فى الحالات الثلاث كان السيد يجيب ليس بحسب قول الشخص ولكن بحسب ما فى فكره الداخلى. كثيرون يشتهون الخدمة لإمتيازاتها ولا يعرفون صليبها فيسرعون بدخول الخدمة، وما أن تصادفهم مشاكل الخدمة يسرعون بالهرب لذلك نجد السيد هنا يُظهر هذا لذلك الشخص، أن هناك تكلفة للتلمذة.

أوجرة = كهوف. أوكار = مآوى.

وهناك تفسير موازٍ، أن المسيح لا يجد فى قلب هذا الشخص مكاناً يسند رأسه فيه وذلك لرفضه الصليب، بينما وجدت الطيور رمز الكبرياء لإرتفاعها والثعالب رمز الخبث أمكنة داخل قلب هذا الشخص. إذاً نفهم من كلمات المسيح هنا أن هذا الشخص كان يطلب تبعية المسيح فى خبث ليحصل على إمتيازات كشفاء المرضى، أو المناصب العالمية، وقطعاً فهو رافض الصليب. هو ظن المسيح سيملك ملكاً عالمياً وسيملك هو معهُ (مثل سيمون الساحر) وكون السيد ليس له أين يسند رأسه فذلك لأنه سماوى، لا مكان لهُ ولا راحة لهُ على الأرض، ومن يتبعه فعليه أن يقبل هذا الوضع فيجد المسيح مكاناً في قلبه، ولكن قلب هذا الشخص كان به أماكن للطيور والثعالب فقط والسبب أن هذا القلب رافض للصليب الذي إستند عليه المسيح. ومن يقبل هذا الوضع عليه أن يتجرد من محبة المال والمجد الأرضى.

الثانى: - هذا الشخص كان يفكر فى أن يتبع المسيح لكنه مرتبك ببعض الأمور فلربما كان له والد شيخ وكان ينتظر موته ليدفنه ثم يتبع المسيح. فهو حسن النية مشتاق للتلمذة، لكن عاقته الواجبات العائلية. مثل هذا يشجعه المسيح ليتخذ قراره، لذلك نسمع السيد يقول له إتبعنى وهنا يصرح بمشكلته، فيقول له السيد دع الموتى يدفنون موتاهم = أى دع الموتى روحياً (الذين يرفضون أن يتبعوننى وينتظرون تقسيم الميراث ويتصارعوا عليه) يدفنون الموتى جسدياً. (أى يدفنوا أباك حين يموت بالجسد طبيعياً). والمسيح هنا لا يدعو للقسوة مع الوالدين، بل معنى قوله أن هناك كثيرين سيقومون بهذا الواجب ولكن إتبعنى أنت. ومن شفى حماة بطرس قادر أن يدبر كما قلنا كل إحتياجات تلاميذه بما فيها دفن موتاهم. ولربما لو بقى لدفن والده تنطفأ الأشواق المباركة للتلمذة التى كانت داخله ويعوقه العالم. كثيراً ما منعت العواطف البشرية كثيرين من تبعية المسيح. دعوة المسيح لهذا الشخص تعنى أنا أريدك لأعمال أعظم من دفن الموتى. من يريد أن يصير تلميذاً للرب عليه أن يترك أهل العالم يعيشون حياتهم العادية، أما هو فيكرس نفسه لخدمة الملكوت. فتلميذ المسيح كرس حياته لخدمة الأحياء، ليس لخدمة الموتى، هو بخدمته يقود الناس للحياة وهذا أهم. قطعاً السيد لن يمنعه من دفن والده إذا مات، لكن المقصود عدم التعطل عن الخدمة بسبب التعلقات العاطفية الزائدة، والإنشغال بميراث الميت وتقسيمه.. الخ. ومراسيم العزاء اليهودية تمتد لشهور.

الثالث: - هذا له نظرة مترددة، قلبه موزع بين المسيح والعالم. وكل من يهتم بهموم العالم أو يخشى الإضطهادات أو خسارة المال، مثل هذا لا يستطيع خدمة الإنجيل أو أن يتبع يسوع، فيسوع لا يقبل من قلبه موزع بينه وبين العالم. هذا الشخص الثالث يشبه إمرأة لوط. هذا الثالث يطلب التلمذة ولكنه بقلبه مع عواطفه البشرية تجاه أهل بيته، مثل هذا يبدأ الطريق مع المسيح لكنه لا يكمل. من يضع يده على المحراث، لابد وأن ينظر للأمام ليسير فى خط مستقيم غير ملتو، ومن ينظر للخلف يلتوى منه خط السير. وهكذا من يرتد ليهتم بالمشاعر الإنسانية ويترك خدمة المسيح بسببها، تفشل خدمته. لاحظ أن المسيح لا يمنع من أن يذهب هذا الشاب لوداع أهله لكن إذ يذهب هو سيبقى معهم فترة ربما تمنعه من تبعية يسوع بعد ذلك. بل هناك من يترك المسيح إذا صادفه مرض فهو يحب نفسه ونفس الشئ إذا فقد قريب له أو مرض أحد أحباءه.

ونلاحظ فى إنجيل لوقا أن لوقا وضع هذه الشروط للتلمذة مباشرة قبل إرساليته السبعين رسولاً لتكون لهم دستور حياة.

تسلسل الأحداث.

بحسب إنجيل القديس يوحنا نجد المسيح بعد أن شفى مريض بيت حسدا فى أورشليم إتجه إلى الجليل. وكانت نهاية أعماله فى الجليل إشباع الـ5000 وكان ذلك قبل عيد الفصح مباشرة. وعيد الفصح يأتى فى اليوم الخامس عشر من الشهر الأول من السنة الدينية عند اليهود. ثم إتجه إلى شرق البحيرة وهناك أنهى خدمته بإشباع الـ4000. وظل فترة يتردد على الجليل (يو7: 1) وهذه الفترة لم يسجل الكتاب عنها شئ. ثم إتجه الرب يسوع إلى أورشليم فى عيد المظال وهذا يأتى فى اليوم الأول من الشهر السادس من السنة الدينية. وكانت مواكب الحج إلى أورشليم إستعدادا لعيد المظال قد بدأت. ولنلاحظ الوضع بعد عمل المسيح وخدمته مدة 3 سنين. * فشل تلاميذه فى تقبل حقيقة صلبه وموته أو التشكك فيه إذ لم يقدم آية من السماء للكتبة (خمير الفريسيين). * بل حتى إخوته لم يؤمنوا به وطلبوا منه أن يصعد إلى أورشليم ليظهر آياته فيؤمن به الناس. وهذا كان له أحد تفسيرين إما يقتله اليهود فيتخلصوا منه لحسدهم، أو يملك فعلا ويكون لهم نصيب فى أمجاده. ولكن المسيح لم يأتى ليعيد ويحيى مملكة أرضية، بل ليقيم مملكة سماوية على الأرض ويحطم أعمال عدو الخير. ولم يصعد المسيح إلى أورشليم مع مواكب الحجاج الصاخبة بل صعد وحده فى هدوء بعدهم مع تلاميذه (يو7).

ترتيب الأحداث الأخيرة.

أحداث هذه الفترة الأخيرة يصعب ترتيبها فلم ترد سوى فى إنجيل لوقا فقط (9: 51 - 18: 14) ولم يذكر القديس لوقا للأحداث التى ذكرها لا مكانها ولا زمنها. ولكن هناك إتفاق واضح بين ما جاء بإنجيل يوحنا مع ما جاء بإنجيل لوقا. فإنجيل يوحنا يذكر ثلاث ظهورات للرب فى أورشليم هى * عيد المظال (يو7 - 10) * وعيد التجديد (يو10: 22 - 42) وأخيرا * دخول المسيح الأخير إلى أورشليم. ونجد القديس يوحنا يأتى بتفاصيل الأحداث فى أورشليم. ونجد أن إنجيل يوحنا يورد خبر مغادرة الرب لأورشليم متجها إلى شرق الأردن مرتين خلال الثلاث مرات التى تواجد بها الرب فى أورشليم (10: 19 - 21 + 10: 39 - 43). ومن الآية (يو10: 39) يقول القديس يوحنا أنهم حاولوا أيضا أن يمسكوه فقوله أيضا تشير أن هناك محاولة سابقة لأن يمسكوه هى غالبا بعد الخلاف الأول (10: 19 - 21). وسجل القديس يوحنا أيضا ذهاب الرب إلى بيت عنيا ليقيم لعازر. وبعد هذه المعجزة نجد إجتماعا لتدبير قتل الرب يسوع وإنسحاب الرب إلى مقاطعة بجانب البرية. ويسجل القديس لوقا ثلاث رحلات للمسيح إلى أورشليم (9: 51 + 13: 22 + 18: 31). ومن الصعب تحديد مكان مدينة إفرايم وهى بقرب البرية. وبالتالى نجد إتفاق القديس لوقا مع القديس يوحنا فى أن المسيح غادر إلى أورشليم ثلاث مرات (لوقا) وظهوره فى أورشليم ثلاث مرات (يوحنا).

ونجد أن القديس لوقا يقدم 3 رحلات مستقلة للمسيح إلى أورشليم على أنها رحلة طويلة واحدة. وكانت عين القديس لوقا فى كتابته موجهة على صعود المسيح إلى السماء بجسده "وحين تمت الأيام لإرتفاعه ثبت وجهه لينطلق إلى أورشليم" (لو9: 51) وختم إنجيله بصعود المسيح فعلا للسماء. وكأن القديس لوقا فى تقديمه يأخذنا فى رحلة واحدة يخرج فيها المسيح من الجليل ليدخل دخوله النهائى إلى أورشليم ثم يصلب ويموت ويقوم ليصعد للسماء.

وأراد الرب يسوع أن يتجه إلى أورشليم متخذا الطريق المختصر عبر السامرة مع تلاميذه وليس طريق الحجاج عبر بيرية، فرفضته السامرة لكراهيتها لليهود ورفضهم للمسيح. وإتجه الرب لقرية أخرى ونجد شخص فى حماس يطلب أن يتبع المعلم. وكان تعبير "يتبع المعلم" هو تعبير معروف فى تلك الأيام ويتضمن التلمذة للمعلم. وكان هذا يعتبر شيئا مقدسا. وآخر يطلب المعلم منه أن يتبعه (لو9: 59)، فالسيد كان يكون مجموعة السبعين رسولا وكان يريد ضم هذا التلميذ لهم.

إرسال السبعين رسولا: - فى أثناء إرتحال الرب يسوع جنوبا متجها إلى أورشليم إختار 70 من تلاميذه ليرسلهم أمامه ليبشروا كل قرية ومدينة سيذهب إليها. وكانت وصايا الرب لهم مشابهة لوصاياه للإثنى عشر فى معظمها ولكن مختلفة فى أشياء أخرى. والقديس لوقا هو الذى أشار لهذه الإرسالية وأن الرب أرسلهم فى رحلته الأخيرة إلى أورشليم. وكان ذلك قبل عيد المظال الذى كان من نتيجة حوار المسيح مع اليهود خلاله فى أورشليم أن بدأ إضطهاد اليهود للمسيح (يو7: 44، 8: 59)، وأيضا ما عاد المسيح يمشى علانية بين اليهود (يو11: 54). إذاً إرسالية السبعين كانت بعد مغادرته الجليل نهائيا، وأيضا مغادرته شرق البحيرة حيث العشر المدن، وقبل عيد المظال وفى أثناء رحلته الأخيرة إلى أورشليم.

كان للإثنى عشر الدرجة الرسولية وهذه لها قوتها وسلطانها. أما السبعين فلم تكن لهم قوة وسلطان هذه الدرجة الرسولية، كان الإثنى عشر مرسلين لكل العالم أما السبعين فمهمتهم مؤقتة فى حدود إعداد الطريق للمسيح فى كل مدينة أو قرية كان مزمعا أن يزورها فى طريقه لأورشليم. [رأينا بعد ذلك من التاريخ أن كثيرين من الـ 70 إنطلقوا يبشرون فى كل مكان]. وكانت إرسالية السبعين إثنين إثنين بينما الإثنى عشر كلٌ إنطلق بمفرده. كان عمل السبعين إعداد من يذهبوا إليهم ليستقبلوا المسيح الملك كما عمل يوحنا المعمدان تماما. ولم يحذر الرب الـ 70 من دخول مدينة للسامريين، فمهمتهم ستكون فى بيرية ولن يمروا بالسامرة. وغالبا خلال عمل السبعين رسولا فى إعداد الطريق للمسيح تعرفوا على عائلة لعازر وأختيه. (وربما حدث بعد ذلك شفاء والدهما سمعان الأبرص) وكانت زيارة الرب يسوع لهذا البيت المبارك (لو10: 38 - 42).

ترتيب الأحداث: - ما بين مثل الغنى ولعازر (لو16: 19)، ومثل قاضى الظلم (لو18: 1) وقت طويل. فبعد مثل الغنى ولعازر ذهب الرب إلى بيت عنيا ليقيم لعازر، وبعدها عقدت الرئاسات الدينية مجمعا ضد المسيح. وبعدها ذهب الرب إلى مدينة إفرايم (يو11: 54) وقضى مدة يعظ ويعلم من حدود الجليل إلى أورشليم، وبدء الإستعداد لرحلته الأخيرة إلى أورشليم (لو17: 11). وخلال هذه المدة كانت أحداث إصحاح17 وحديثه عن مجيئه الثانى، وعن أيام النهاية، وهذا ما جعل الفريسيين يسألونه "متى يأتى ملكوت الله".

كان شفاء المولود أعمى فى نهاية أيام عيد المظال (يو7، 8). وطردوه بعدها من المجمع ووجده يسوع كراع صالح بعد أن طرده الفريسيين الرعاة اللصوص. ونجد الرب يسوع بعدها يتكلم عن معنى الراعى الصالح والرعية الواحدة (يو10). وأنهى الرب يسوع كلامه فى أورشليم بكلمات كلها محبة كراع صالح لرعيته التى يبذل نفسه عنها. وإنقسموا على أنفسهم حول شخص الرب يسوع. وأصبح واضحا أن تعليم هؤلاء مستحيلا. لذلك ترك الرب أورشليم إلى بيرية لفترة 3 شهور ثم عاد إلى أورشليم لزيارة خاطفة أثناء عيد التجديد. وعاد بعدها ليكمل خدمته فى بيرية لمدة ثلاث شهور أخرى. ثم كانت زيارة الرب لبيت عنيا ليقيم لعازر (يو11: 1 - 54)، وهذه الزيارة تقسم الفترة ما بين عيد التجديد فى أورشليم (يو10)، وبين دخول الرب إلى أورشليم للمرة الأخيرة فى الفصح ليصلب. وكانت إقامة لعازر هى المعجزة الكبرى التى قام بها المسيح ورأينا فيها لاهوته مع ناسوته. وهى السبب المباشر الذى من أجله إتخذ السنهدريم قراره بأن يموت المسيح، وبدأ التخطيط لذلك.

عاد بعدها قبل الفصح الأخير له على الأرض بالجسد، وذلك ليتمم الفداء ويصلب ويقوم.

ما بين عيد المظال وعيد الفصح حوالى ستة شهور، فعيد المظال (يأتى ما بين سبتمبر وأكتوبر) وعيد الفصح (يأتى ما بين مارس وأبريل). أما عيد التجديد فيأتى فى ديسمبر. فيكون المسيح قد قضى بعد شفاء المولود أعمى ثلاثة أشهر فى بيرية. عاد بعدها فى زيارة خاطفة لأورشليم أثناء عيد التجديد (يو10: 22). ثم ترك أورشليم إلى بيرية لمدة ثلاثة أشهر عاد بعدها قبل الفصح مباشرة ليدخل أورشليم فى موكب ملوكى إنتهى بصلبه وقيامته. لذلك فخدمة الرب فى بيرية كانت لمدة ستة أشهر على فترتين كل منهما 3 أشهر. وما تم تسجيله عن هذه الفترة هو ما ورد فى (مت12: 22 - 45 + لو11: 13 - 17: 11). أما الأحداث التى حدثت فى اليهودية وأورشليم أورده القديس يوحنا (يو10: 22 - 42 + 11: 1 - 45 + 11: 46 - 51). أما بقية الأحداث فنجدها فى أناجيل متى ومرقس ولوقا. عموما ما تم تسجيله عن فترة بيرية قليل ربما لأنه مشابه لما حدث فى الجليل.

فيما يلى بعض الرسوم التوضيحية لتشرح خط خدمة الرب بالجسد على الأرض.

بدء خدمة المسيح.

* ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *.

1 2 3 4 5 6.

1 معمودية المسيح. ويوحنا يعرف أنه المسيح من علامة حلول الروح.

2 يوحنا المعمدان يحول تلاميذه يوحنا وأندراوس للمسيح.

3 المسيح يتجه للجليل ويختار تلميذيه فيلبس ونثنائيل (يو1: 43).

4 فى اليوم الثالث لإختيار فيلبس كان عرس قانا الجليل.

5 الرب يسوع يذهب هو وأمه ومعه تلاميذه إلى كفر ناحوم.

6 الرب يذهب إلى أورشليم فى الفصح ويطهر الهيكل للمرة الأولى (يو2).

المدة من 1 - 2 أربعين يوما (صوم المسيح والتجربة).

المدة من 3 - 4 ثلاثة أيام (يو2: 1).

فى أورشليم.

فى أورشليم يتم الحوار مع نيقوديموس (يو3).

الرب يسوع يتجه إلى الجليل وفى طريقه يتقابل مع السامرية (يو4).

فى الجليل يشفى إبن خادم الملك (يو4: 43 - 54).

الرب يسوع يقضى مدة فى الجليل.

الرب يسوع يصعد إلى أورشليم فى عيد لليهود ويشفى مريض بيت حسدا (يو5).

الرب يعود للجليل بعد حواره مع اليهود (يو5).

الخط العام لخدمة الرب يسوع.

* ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *.

1 2 3.

1 الرب يسوع يبدأ خدمته فى الجليل. (من 1 - 2 مدة 3 سنوات فى الجليل).

2 بداية خدمة الرب يسوع فى بيرية بعد أن ترك الجليل.

3 دخول أورشليم يوم أحد الشعانين.

المسيح يقضى 3 سنوات فى خدمة الجليل وتخللها عدة زيارات لأورشليم.

إنتهت خدمة الرب يسوع فى الجليل بإشباع الــ 5000.

إتجه بعد ذلك الرب يسوع لمدة 6 أشهر للخدمة فى بيرية شرق الأردن.

أحداث الفترة الأخيرة.

* ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *.

1 2 3.

إقامة لعازر.

1 عيد المظال (ما بين سبتمبر وأكتوبر).

2 عيد التجديد (ديسمبر).

3 دخول أورشليم يوم أحد الشعانين.

الفترة من (1 - 2) 3 أشهر.

الفترة من (2 - 3) 3 أشهر تخللها إقامة لعازر عاد بعدها الرب لبيت عنيا.

* بعد نهاية خدمة الجليل وقبل عيد المظال كانت إرسالية السبعين.

* فى عيد المظال جرت أحداث (يو7، 8، 9، 10: 1 - 21).

* فى نهاية مدة خدمة بيرية كانت معجزة إشباع الــ 4000.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح العاشر - تفسير إنجيل لوقا - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح الثامن - تفسير إنجيل لوقا - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير إنجيل لوقا الأصحاح 9
تفاسير إنجيل لوقا الأصحاح 9