الأصحاح الرابع – تفسير رسالة يعقوب الرسول – القمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الرابع

مقدمة: -.

إنتهى الإصحاح السابق بأن ثمر البر يزرع فى السلام، والذى يعيش فى منازعات لن يكون له ثمار. ويسترسل الرسول فى تفكيره... وما الذى يُضيِّع السلام؟ ويجيب أنه الخصومات والحروب. ويعود ويتساءل ومن أين تأتى الخصومات والحروب؟ ويجيب أنه من الشهوات للعالم أو الملذات التى نريد أن نعيش من أجلها. وهذه هى قصة الشهوة مع الإنسان.

ما قبل السقوط: -.

خلق الله الإنسان وله شهوة مقدسة أى مخصصة لله، أى متجهة نحو الله. فكان آدم يحب الله من كل قلبه، ويشتهى لقاءه كما يشتهى الحبيب لقاء حبيبه. فآدم مخلوق على صورة الله. والله محبة. والله يقول "لذاتى مع بنى آدم" (أم 8: 31). وهكذا لأن آدم على صورة الله، كان يحب الله ويقول "لذاتى مع الله". وحيثما توجد المحبة يوجد الفرح. لذلك عاش آدم فى فرح. فى جنة عدن (عَدْنْ تعنى فرح).

ما بعد السقوط: -.

إتجهت نظرة آدم للأرض، فصار يشتهى ملذات الأرض، بل صار مستعبداً لها. ففقد الفرح الذى كان يحيا فيه، ودخل الهم والغم لحياة الإنسان. ودخل تعظم المعيشة، ولم يعد الإنسان مكتفياً بما عنده، بل يريد أكثر، وفى صراعه هذا على ملذات العالم دخلت الخصومات والحروب، ونسى الإنسان الله. ولاحظ أن لاشىء يشبع الإنسان. فتزوج سليمان من1000 من النساء. ولو كان قد شبع من 999 منهم ما تزوج رقم 1000.

ما بعد الفداء: -.

حل الروح القدس الذى سكب محبة الله فى قلوبنا (رو5: 5). وكانت ثمار الروح القدس بهذا "محبة وفرح وسلام..." (غل5: 22، 23) وبهذا أصلح الروح القدس ما أفسده الإنسان، فأعاد للإنسان الحالة الفردوسية الأولى. ألا وهى محبة الله التى ينشأ عنها الفرح. وكل من تذوق محبة الله سيحيا فى هذا الفرح. كل من تذوق هذه المحبة وهذا الفرح إعتبر أن العالم نفاية (فى3: 8). بل تغيرت الشهوة فبدلاً من أن يشتهى الإنسان المال والعظمة والجنس... يقول بولس الرسول "لى إشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جداً" (فى1: 23) ويقول القديس أغسطينوس "جلست فوق قمة العالم عندما صرت لا أشتهى شيئاً".

علاقتنا الآن مع الله: -.

المسيح بعد فدائه لنا صار عريساً لنا ونحن عروسه. حدث إتحاد بيننا وبينه. وهذا الإتحاد سيكمل فى السماء حين نصير إمرأته أى إتحاد نهائى أبدى بلا إنفصال (رؤ19: 7). والمسيح ينتظر هذا اليوم ليفرح بعروسه. وإنتظاراً لهذا اليوم، ونحن مازلنا فى العالم يرسل إلينا تعزياته وذلك لنحتمل ألام هذا العالم (2كو1: 3 - 5). ويحصرنا بمحبته (2كو5: 14). وكل من يحاول أن يحيا مع الله سيتذوق هذه المحبة وهذه اللذة الروحية. وداود يدعونا إلى ذلك قائلاً "ذوقوا وأنظروا ما اطيب الرب" (مز34: 8). أما من إنشغل بالعالم عن الله، وصار لا يدرك أن الرب قادر أن يشبعه ويفرحه فهو يغيظ الله، إلهنا إله غيور، هو عريس نفوسنا. هل يحتمل عريس أن تقول له عروسه أنها متعلقة بآخر ولا تحبه هو. هذا حال كل من تعلق بملذات العالم وشهواته تاركاً الله، لايعرف أن الله قادر أن يشبعه لهذا قيل هنا إن "محبة العالم هى عداوة لله" (يع4: 4). بل إن طبيعة ملذات العالم أنها كماء البحر لا تروى بل تميت من العطش فهى ماء مالح. لذلك فالله يتعجب من الذى تركه هو ينبوع الماء الحى لينقر لنفسه أبار مشققة لا تضبط ماء (أر2: 13). لذلك سمعنا فى الإصحاح الأول أن الله فى محبته يسمح ببعض التجارب حتى نزهد فى محبة العالم ونرتمى فى أحضانه لنكتشف محبته. ولاحظ أن اللذات التى يعطيها العالم هى لذات حسية أما اللذات التى يعطيها الله فهى لذات روحية وهى تفوق بما لا يوصف الملذات الحسية. ولكن هذا لمن يجاهد أن يلتصق بالله فى حياة صلاة وعبادة وتسبيح، مثل هذا الإنسان سيكتشف أن العالم نفاية.

الروح والجسد.

يقول بولس الرسول أن الجسد يشتهى ضد الروح. والروح ضد الجسد (غل5: 17).

والروح هو الروح القدس. الذى يثير فينا شهوات للسماء ولله.

والجسد يجذب للعالم وشهواته بإغراءات الخطية التى فى العالم والتى تسكن فى أجسادنا (رو7: 17). فهناك لذات محاربة فى جسدى.

ولكن أيهما أقوى؟ نسمع هنا أن الله يعطى نعمة أعظم (يع4: 6). فالروح القدس يعطى قوة جبارة تساند وهى أعظم من الشهوة التى فى جسدى. ولكن الروح القدس يعطى لمن يريد فيسأل "إسألوا تعطوا". لذلك يسأل المسيح "أتريد أن تبرأ". حقاً نحن بلا عذر (رو2: 1). ومن إستجاب للروح القدس عاش فى سلام وفرح ولذة روحية لا يريد شيئاً من العالم، جلس فوق قمة العالم. أما من يستسلم لشهوة الجسد يقوده هذا للنزاع والحسد والخصومات والحروب بسبب بسيط هو أنه لا أحد يكتفى بما عنده، فأصل جميع الشرور فى الدنيا هو شهوة الجسد. أما من ينتصر على شهوته يقهر إبليس المحارب له، فسلاح إبليس هو ملذات العالم ومن يرفضها يُفْقِد إبليس سلاحه. فالحرب هى فى الحقيقة هى حرب داخلية، ومن ينتصر فيها ويهذب شهواته متعففاً عن شهوات الجسد يحيا فى سلام.

ونلاحظ أنه قد قيل لإبليس (الحية) تأكلين التراب. وقيل لآدم إنك تراب. فمن يحيا فى التراب خاضعاً لشهوة الجسد سيكون طعاماً لإبليس.

ولاحظ ان إبليس يستعمل سلاح ملذات العالم التى تشبع غرائز الجسد.

والروح القدس يعطي أولا العين المفتوحة التى ترى تفاهة هذه الملذات ويعطى تعفف وهذا من ثمار الروح (غل5: 22، 23) أى هى حالة من الشبع تجد النفس فيها أنها لا تريد هذه الشهوات (النفس الشبعانة تدوس العسل). وأنها فى حالة من الفرح الروحي لا تحتاج معه شيئاً آخر (كمن وجد لؤلؤة كثيرة الثمن فباع ما يملكه من لآلئ)، ولا تريد أي خطأ يحرمها من هذا الفرح. ويعطى الروح معونة تجعل الانسان ينتصر بسهولة على حروب الشهوة، وهذه المعونة هى النعمة. وهذه النعمة أعظم من قوة الشهوة التى تجذب للخطية.

ولكن لنفهم أن إبليس يعرض خدماته حتى دون أن يطلبه الانسان، فهو بلا كرامة وكل همه جذب اكبر عدد ممكن للهلاك معه.

أما الروح القدس فهو يعطى لمن يطلب.... اسألوا تُعطوْا.

العدد 1

آية (1): -

"1مِنْ أَيْنَ الْحُرُوبُ وَالْخُصُومَاتُ بَيْنَكُمْ؟ أَلَيْسَتْ مِنْ هُنَا: مِنْ لَذَّاتِكُمُ الْمُحَارِبَةِ فِي أَعْضَائِكُمْ؟".

الحروب = العداء المستمر. الخصومات = المشاجرات. لذاتكم المحاربة = الرغبة فى المسرات الأرضية، وهذه تجذب الإنسان لأسفل عكس الروح الذى يحاول أن يجذب الإنسان للسماويات. وهذه اللذات هى مركز الصراع والحروب بين أمة وأمة وبين إنسان وإنسان بل هى تحارب الإنسان نفسه حرباً داخلية، فهى حين تجذبه بعيداً عن السماويات فهى تفقده سلامه. ولاحظ أن الرسول كان يتكلم فى الإصحاح السابق عن التشويش وعدم السلام. وهنا وضع السؤال، من أين تجئ الخلافات التى تسود بينكم؟ ويرجع الرسول السبب لشهوات الإنسان، وذلك لطبع الشهوة، أنها لا تكتفى بما عندها. فحينما يخضع الإنسان لشهواته ويفسح المجال أمام لذاته، ويعمل على إشباع نزواته تنشأ الخصومات. الرسول يحاول أن يذكرنا أن العلة الأولى للخطية ترجع للإنسان ذاته. فالمنازعات والخصومات تنبع لا عن مضايقات الغير بل عن ضعف الإنسان الداخلى وهزيمته فى الحرب الخفية التى ميدانها النفس.

فالإنسان المستسلم لشهواته هو إنسان مهزوم داخلياً. هناك قاعدة عامة، وهى أنه علينا أن لا نبحث عن سلامنا فى الخارج، بل أساس المنازعات هو حرمان القلب من السلام الداخلى، والسبب هو الإبتعاد عن السماويات والروح القدس الذى يجذب للسماويات. وعدم الإستماع للروح القدس يطفأه فيفقد الإنسان سلامه، فالسلام ثمرة للإمتلاء من الروح القدس. وهذا يأتى بالإستسلام للذات الجسد فيفقد الإنسان حياته. اللذات تهاجم الإنسان الجديد المولود فى المعمودية. أما من يقاوم ولا يستسلم (يقاوم شهوات جسده) فإنه وإن ضايقه الجميع وساءت الظروف المحيطة به وفقد كل شئ فهو لن يفقد سلامه الداخلى ولا يدخل الخوف قلبه، ولن يدخل فى حروب مع أحد، إذ هو لا يريد شيئاً.

المرض والفشل أيضاً ليسوا أسباب لفقدان السلام، فالسلام هو عطية يعطيها الله ويملأ بها القلب بغض النظر عما فى الخارج.

لكن هناك من يتصور أن لذة ما أو حصوله على أموال يضمن بها مستقبله ستأتى له بالسلام، وهذا خطأ. فمن يتصارع مع عائلته وكسب المعركة وأخذ كل الأموال لن يمتلئ سلاماً بهذه الأموال، أما من يترك الأموال لهم، ويرى الفرح فى عيونهم سيمتلئ سلاماً. والسؤال الآن.. هل نأخذ السلام من يد المسيح أو نتصور أن له مصدر آخر أى ما نتصور أن فيه إشباع ملذاتنا.

العدد 2

آية (2): -

"2تَشْتَهُونَ وَلَسْتُمْ تَمْتَلِكُونَ. تَقْتُلُونَ وَتَحْسِدُونَ وَلَسْتُمْ تَقْدِرُونَ أَنْ تَنَالُوا. تُخَاصِمُونَ وَتُحَارِبُونَ وَلَسْتُمْ تَمْتَلِكُونَ، لأَنَّكُمْ لاَ تَطْلُبُونَ.".

تشتهون ولستم تمتلكون: الرسول هنا يحارب شهوة حب الإقتناء، فالإنسان يظل طوال حياته يسعى ويسعى لكى يمتلك. وإن طال لإمتلك الدنيا كلها لكن: -.

  1. لا ديمومة للإمتلاك. فما عندى قد يتركنى يوماً ما أو أتركه أنا وأموت.
  2. الشهوات كالسراب، تجذب الإنسان ليجرى وراءها فيضل الطريق ويزداد عطشاً دون ان ينال شيئاً فهى لذات مخادعة. ولذلك شبه العالم بالبحر بمائه المالح فهو لا يروى أحد ولا يطفئ عطش مهما شرب منه الإنسان.
  3. طبيعة الشهوة أن يشعر الإنسان دائماً بعدم الإكتفاء ويسعى للأكثر. فمثلاً لو أشبع سليمان 999 إمرأة لما سعى لإقتناء المرأة رقم 1000.
  4. التفسير السهل للآية أن الإنسان يشتهى ولكنه غير قادر أن يمتلك ما يشتهيه ربما لنقص المال، فيشعر بالحرمان. والعجيب أنه يظل يعانى لأنه محروم من تفاهات هذا العالم، أما من يشتهى الله فيستطيع أن يمتلكه بسهولة لو طلب ذلك، كما قالت عروس النشيد "أنا لحبيبى وحبيبى لى (نش6: 3). ونجد بطرس يقول للمقعد على باب الهيكل" ليس لى ذهب ولا فضة ولكن الذى لى فإياه أعطيك "(أع3: 6). وما الذى كان لبطرس" بإسم يسوع المسيح الناصرى قم وإمش "والإسم أى قدرة وقوة يسوع. ماالذى يستطيع الذهب والفضة أن يعملاه بجانب إمتلاك قوة يسوع. لو ظهر الرب لأحد الآن وقال له ماذا تشتهى، أخاف أن نطلب شيئاً من نفاية هذا العالم ولا نطلبه هو شخصياً.

تقتلون وتحسدون ولستم تقدرون أن تنالوا = فى محاولتكم أن تمتلكوا ما تشتهون تكونوا على إستعداد أن تتقاتلوا، فالمال مثلاً يتصور البعض أنه حق ينبغى أن نتقاتل عليه. فتتخاصمون وتحاربون بعضكم البعض وتسوء العلاقات بينكم وبين الآخرين وتدخلون معهم فى خصام وشجار وحروب. وإن لم يصل الأمر للقتال تكتفون بأن تحسدوا بعضكم أى تشتهون بمرارة وحقد. ويسترسل الرسول أنه مع كل هذا فأنتم غير قادرين أن تنالوا. ربما لأنه صراع يائس للحصول على شىء صعب الحصول عليه، أو ربما حصلتم على شىء ولكن فقدتم سلامكم وفرحكم وكأنكم ما حصلتم على شىء. وكان هناك طريق سهل للحصول على ما تطلبون، أن تطلبوا من الله ما تريدونه = لستم تمتلكون لأنكم لا تطلبون = فأنتم لا ترفعون صلواتكم إلى الله بما تحتاجون إليه، فالإنسان الذى يفيض قلبه بالكراهية لا يمكن أن يرفع قلبه بالصلاة. ولاحظ أن الله يستجيب لطلباتنا التى نقدمها فى الصلاة إذا طلبناها بإيمان وإذا كانت بحسب مشيئته (1يو5: 14) ومشيئة الله هى خلاص نفوسنا (1تى2: 4) فالله سيعطينا ما لا يمنع خلاص نفوسنا. ما يفرح قلب الله ثقتنا فيه، وأن نطلب بدالة البنين كل ما نريده من الله، ثم إذ لا ندرى الأصلح لنا، نصلي لله بثقة البنين فى أبيهم... لتكن مشيئتك.

فبولس طلب الشفاء بإيمان، والله قال لا.. لأن الشفاء كان يتعارض مع خلاصه. الرسول هنا يعاتب من لا يطلب من الله بل يحاول أن يأخذ حقه بالقوة.

ويحدث ما قاله الرسول فى هذه الآية حينما تقوم خصومات فى ظاهرها أنها من أجل الحق، لكن حقيقة دافعها هى اللذات المحاربة فى الأعضاء أى حب الإقتناء أو الكرامة الزمنية أو أى دوافع أرضية أخرى. وهذه اللذات تدفع للبغضة والحسد. وكلمة تقتلون هنا ربما لا تصل للقتل حقيقة بل تفهم بمعنى الكراهية أو تمنى موت الآخر لأرثه (1يو3: 15) أو قد تصل فعلاً للقتل، كما قتلت إيزابل نابوت اليزرعيلى لتمتلك أرضه... ولكن القصة إنتهت بأن الكلاب نهشتها ولحست دمها.

العدد 3

آية (3): -

"3تَطْلُبُونَ وَلَسْتُمْ تَأْخُذُونَ، لأَنَّكُمْ تَطْلُبُونَ رَدِيًّا لِكَيْ تُنْفِقُوا فِي لَذَّاتِكُمْ.".

هنا نرى فئة تطلب لكنها لا تأخذ، فهى تطلب طلبات جسدية، والله لا يستجيب لصلاتهم لأنها ليست بحسب مشيئته وليست للبنيان، بل هى ضارة لمن يطلبها. فهناك من يطلب غنى وكرامة ليزداد تعلقاً بالأرض ولا يرتفع قلبه للسماء. لذلك طلب منا السيد "أطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم". الله يريد أن نهتم بالسماء ونشعر بالغربة فى هذا العالم "إن كنتم قد قمتم مع المسيح فأطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله" (كو3: 1).

العدد 4

آية (4): -

"4أَيُّهَا الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي، أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ مَحَبَّةَ الْعَالَمِ عَدَاوَةٌ ِللهِ؟ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مُحِبًّا لِلْعَالَمِ، فَقَدْ صَارَ عَدُوًّا ِللهِ.".

أيها الزناة = فى العهد القديم سميت عبادة الأوثان بالزنا، فهى زنا روحى أى خيانة عهد الله. والرسول هنا يستعمل نفس التسمية لمن إرتبط قلبه بالعالم تاركاً محبة الله، كل من يسعى وراء إنسان أو شهوة أو مادة رافضاً الإتحاد بالمسيح عريس النفس فهذا يسمى زنا. وبولس الرسول يشبه الكنيسة بعروس مخطوبة للمسيح (2كو11: 2) وهى عذراء عفيفة إذ لا تقبل محبة العالم وشهواته رجلاً لها، مكتفية بالمسيح يسوع عريساً لها. فأى محبة لغير الله هى خيانة لله. وهم زوانى لأنهم أحبوا غير الله. والله قادر أن يشبع النفس لذات روحية، ومن يذهب لغيره يعاديه. الله خلق العالم لنستعمله ولكن لا ننشغل به عن الله نفسه، ويصير هدفاً لنا ونعبده، ونرتبط بمغرياته ساقطين فى فخاخه تاركين الله، ومن يفعل هذا فقد صار عابد وثن.

العدد 5

آية (5): -

"5أَمْ تَظُنُّونَ أَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ بَاطِلاً: الرُّوحُ الَّذِي حَلَّ فِينَا يَشْتَاقُ إِلَى الْحَسَدِ؟".

الكتاب يقول "لأن أنا الرب إلهك غيور" (خر20: 5 + 34: 14) + (تث4: 24 + 5: 9 + 6: 15) + (يش24: 19) + (حز39: 25) + (زك8: 2)، وهذا معنى يشتاق إلى الحسد. فكلمة الحسد صحة ترجمتها الغيرة.

باطلاً = على غير أساس. لكنها حقيقة أن الله يشعر بالغيرة على من أحبهم كعروس له.

الروح الذى حل فينا = هو الروح القدس الساكن فينا. وهو روح الله الغيور.

هنا نرى أن الروح، روح الله عنده رغبة حارة وشوق = يشتاق. هو إشتياق متدفق تجاه الذين إتحدوا بالمسيح. هى محبة تصل إلى حد الغيرة نحو العروس التى خطبها للمسيح. والروح يغير على الإنسان المؤمن من أن يتجه بقلبه للعالم كمنافس للمسيح. الله لو لم يكن محباً للنفس لما غار عليها، ويشعر بالغيرة إن خطف إبليس النفس.

العدد 6

آية (6): -

"6 وَلكِنَّهُ يُعْطِي نِعْمَةً أَعْظَمَ. لِذلِكَ يَقُولُ: «يُقَاوِمُ اللهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً».".

ولكن يعطى نعمة أعظم = العالم يجذبنا بقوة، ولكن الله فى غيرته علينا لا يتركنا وحدنا حتى لا نخور فى أنفسنا، بل يعطينا نعمة أى قوة جبارة أعظم من قوة جذب العالم. "فإنه حيث كثرت الخطية إزدادت النعمة جداً" (رو5: 20). ولكن من الذى يحصل على هذه النعمة؟ هذه لمن يريد ويطلب "أتريد ان تبرأ" + "إسألوا تعطوْا". وهذه النعمة تعطى للمتضعين = أما المتواضعون فيعطيهم نعمة (إش57: 15) + (أم16: 18) + (1صم1: 3، 4، 8، 10).

يقاوم الله المستكبرين = هم الشياطين الذين يحاولون خطف أولاد الله منه.

أما المتكبرين فهم قد إرتبطوا بروح إبليس المعاند وهؤلاء لا يطلبون الله. المتكبرون هم من يشعروا أنهم مصدر النعمة التى هم فيها وليس الله، وهم ليسوا فى احتياج لله، فلا يسألوا الله شيئاً.

ماذا نعمل اذاً؟ يضع الرسول برنامجاً.

  1. إخضعوا لله: أطيعوا وصايا الله.
  2. قاوموا: إهربوا من الخطية وأماكنها.
  3. إقتربوا: التصقوا بالله فى الكنيسة وفى مخادعكم.
  4. نقوا أيديكم.. طهروا قلوبكم.. نوحوا: التوبة.
  5. إسألوا تعطوْا: فلنسأل الله من قلوبنا. ولنفهم أن الشيطان هو بلا كرامة يعرض خدماته ويعرض خطاياه وإغراءات العالم على البشر حتى لو رفضناه، أما الروح يعطى نعمة أعظم لمن يطلب من قلبه. لذلك سأل المسيح مريض بيت حسدا "أتريد ان تبرأ".

العدد 7

آية (7): -

"7فَاخْضَعُوا ِللهِ. قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ.".

فإخضعوا لله = بإنسحاق وإنكسار كما خضع الإبن الضال. ومن يخضع لله، لا يكون لإبليس سلطان عليه بل يهرب منه. ولكى ننتصر على إبليس نحتاج أمرين: -.

  1. أمر سلبى بأن نقاومه بقدر الإستطاعة بالهروب من أماكن الخطية = قاوموا إبليس.
  2. أمر إيجابى بأن نقترب لله فنتقوى (أية 8).

ويشبه ذهبى الفم الشيطان بكلب لا يبرح ملتصقاً بمائدة صاحبه مادام يلقى إليه بين حين وآخر شيئاً منها. لكن إن كف عن ذلك فسيبقى إلى حين ثم ينقطع رجاؤه ويهرب من المائدة ليبحث عن مائدة أخرى، هكذا يلزمنا أن نقاوم إبليس على الدوام ولا نعطيه مكاناً فينا (أف4: 27).

يهرب منكم = هذه تشير لضعف إبليس إذا قاومناه بإيمان.

العدد 8

آية (8): -

"8اِقْتَرِبُوا إِلَى اللهِ فَيَقْتَرِبَ إِلَيْكُمْ. نَقُّوا أَيْدِيَكُمْ أَيُّهَا الْخُطَاةُ، وَطَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ يَا ذَوِي الرَّأْيَيْنِ.".

إقتربوا إلى الله = بالصلاة والتسابيح ودراسة الكتاب وإلتصقوا بالرب سواء فى مخادعكم أو فى الكنيسة. فيقترب إليكم = سامعاً لطلباتكم ومستجيباً لصلواتكم (لنلاحظ أنه يمكننا القول إقتربوا من إبليس يقترب منكم ويسهل لكم طريق الخطية) والإقتراب إلى الله يبدأ بالتوبة نقوا أيديكم.. طهروا قلوبكم ثم بالعشرة والحياة المقدسة المباركة مع الله. وما إن نرجع إلى الله يرجع الله إلينا (زك1: 3) + (رؤ3: 2) والله لا يسمع إلا لمن أيديه طاهرة، وقدم توبة وإستمر فى قداسته. وراجع (1تى 2: 8) + (مز24: 4) + (أش 1: 15).

نقوا أيديكم = من الأفعال القبيحة. هذه التى يراها الناس.

طهروا قلوبكم = هذه عن الأفعال الداخلية كالشهوات والأفكار الرديئة.

يا ذوى الرأيين = هذه عن من قلوبهم منقسمة بين محبة الله ومحبة العالم (ساعة لقلبك وساعة لربك) بينما الله يطلب القلب كله غير منقسم "ياإبنى إعطنى قلبك". إذاً طهارة القلب تعنى وحدة الهدف وأن يكون الهدف هو الله. أما المنقسم قلبه بين محبة الله ومحبة العالم فهو من يعرج بين الفرقتيين (1مل 18: 21).

الأعداد 9-10

الأيات (9 - 10): -

"9اكْتَئِبُوا وَنُوحُوا وَابْكُوا. لِيَتَحَوَّلْ ضَحِكُكُمْ إِلَى نَوْحٍ، وَفَرَحُكُمْ إِلَى غَمٍّ. 10اتَّضِعُوا قُدَّامَ الرَّبِّ فَيَرْفَعَكُمْ.".

هذه دعوة للتوبة والبكاء بسبب خطايانا وبسبب عدم الأمانة مع الله، ولا شك أن التوبة تتحول إلى بركة، والدموع هى سلاح نحصل به على طلباتنا من الله (مز6: 6) + (نش 6: 5). وهذه الآية ليست دعوة لأن نحيا فى غم، وهى ليست متعارضة مع دعوة بولس الرسول لأن نفرح "إفرحوا فى الرب كل حين وأقول أيضاً إفرحوا" (فى4: 4). بل التوبة بدموع هى طريق الفرح الحقيقى، فنحن لا نفتعل الفرح، بل حينما نبكى على خطايانا يسكب الله الفرح فى قلوبنا. الله يفرح بالتائب ويملأه فرحاً، يحول أحزانه إلى أفراح "فأنتم كذلك عندكم الآن حزن. ولكنى سأراكم أيضاً فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو16: 22). إذاً البكاء والحزن على الخطية هما الطريق للفرح الحقيقى الذى يعطيه الرب.

والحزن ليس على شئ مادى نفقده، بل حزن توبة، حزن نابع من أن خطايانا سببت حزناً لله. وبدون مشاعر الحزن والنفور من خطايانا لن نتركها. ونحن نحزن إذ نشعر وندرك نتائج خطايانا السيئة. ولاحظ أننا حين نشعر بخطايانا علينا أن ننسحق أمام الله = إتضعوا قدام الرب. فيرفعكم = فى الحياة الحاضرة يهب لنا القدرة على عمل الفضائل ونرتفع عن الرذائل. وفى الحياة الآتية نرث مجداً معداً لنا. والدعوة للتواضع رأيناها فى (آية 6) فالتواضع والإنسحاق هما الطريق لله.

الأعداد 11-12

الأيات (11 - 12): -

"11لاَ يَذُمَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ. الَّذِي يَذُمُّ أَخَاهُ وَيَدِينُ أَخَاهُ يَذُمُّ النَّامُوسَ وَيَدِينُ النَّامُوسَ. وَإِنْ كُنْتَ تَدِينُ النَّامُوسَ، فَلَسْتَ عَامِلاً بِالنَّامُوسِ، بَلْ دَيَّانًا لَهُ. 12 وَاحِدٌ هُوَ وَاضِعُ النَّامُوسِ، الْقَادِرُ أَنْ يُخَلِّصَ وَيُهْلِكَ. فَمَنْ أَنْتَ يَا مَنْ تَدِينُ غَيْرَكَ؟".

نصيحة الرسول السابقة أن نتضع قدام الرب، ومن علامات عدم الإتضاع إدانة الإخوة وذمهم. فمن يدين الآخرين يأخذ وظيفة الله وحقه فهو الديان. والإدانة تحمل فى طياتها الكبرياء والكراهية. لذلك فلأنسحق وأدين نفسى لا الآخرين. الذى يذم أخاه يذم الناموس ويدين الناموس = لأن الناموس يوصى بمحبة القريب، فكأنكم بتصرفكم هذا تحكمون على الناموس بأنه خطأ، أو كأن وصية الناموس بالمحبة ليست وصية سليمة. فهل ندين الناموس الذى وضعه الله. وقوله أيها الإخوة = حتى يدركوا أنه علينا أن نحتمل ضعفات بعضنا البعض. ومن يرفض الناموس ويدينه فهو يرفض واضعه لأنه واحد هو واضع الناموس = فلا يصح أن أضع أنا ناموساً خاصاً بى وأنا تراب. واضع الناموس قال أنه علىَّ أن أحب الأخرين، فلأحبهم ولا أدينهم. ونلاحظ أنه لو ترك للإنسان أن يدين الآخرين فسيهلك الخطاة، ولكن الله بسابق علمه يرحمهم فهو يعرف أنهم سيقدمون توبة فى المستقبل، ومن يضع الناموس هو وحده الذى له الحق أن يدين من يخالف هذا الناموس.

الأعداد 13-16

الأيات (13 - 16): -

"13هَلُمَّ الآنَ أَيُّهَا الْقَائِلُونَ: «نَذْهَبُ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا إِلَى هذِهِ الْمَدِينَةِ أَوْ تِلْكَ، وَهُنَاكَ نَصْرِفُ سَنَةً وَاحِدَةً وَنَتَّجِرُ وَنَرْبَحُ». 14أَنْتُمُ الَّذِينَ لاَ تَعْرِفُونَ أَمْرَ الْغَدِ! لأَنَّهُ مَا هِيَ حَيَاتُكُمْ؟ إِنَّهَا بُخَارٌ، يَظْهَرُ قَلِيلاً ثُمَّ يَضْمَحِلُّ. 15عِوَضَ أَنْ تَقُولُوا: «إِنْ شَاءَ الرَّبُّ وَعِشْنَا نَفْعَلُ هذَا أَوْ ذَاكَ». 16 وَأَمَّا الآنَ فَإِنَّكُمْ تَفْتَخِرُونَ فِي تَعَظُّمِكُمْ. كُلُّ افْتِخَارٍ مِثْلُ هذَا رَدِيءٌ.".

سر إنجذابنا للشهوات وإنشغالنا بالأرضيات هو عدم إدراكنا لحقيقة غربتنا على الأرض أو تناسينا لها. بل أن حياتنا هى بخار يظهر قليلاً ثم يضمحل.

ولضعفنا ولأننا مخلوقين علينا أن نحيا حياتنا فى إعتماد وإتكال على الله. ولاحظ أن الرسول يدعو للإتكال على الله وليس التواكل. هنا نرى شهوة الغنى وتعظم المعيشة دون تسليم لإرادة الله. ونلاحظ أنه ليس من الخطأ أن يذهب تاجر ليتاجر ويربح، ولكن الخطأ أنه يكون معتمداً على قدراته وفكره وليس على الله مثل الغنى الغبى (لو12: 16). مثل هؤلاء يتصرفون كما لو كانوا قد أمسكوا زمام المستقبل بأيديهم. ولقد كانت عادة التجار أن يذهبوا إلى مدن أخرى ويقضون حوالى عام ليتاجروا ويربحوا ثم يعودوا إلى بلادهم. والرسول يطلب منهم أن لا يعتمدوا ويتكلوا على ذواتهم بل يعتمدوا على بركة الرب ويقولوا إن شاء الرب وعشنا وعليهم وعلينا نحن أيضاً أن نقول هذا بالقلب لا بالفم (1كو4: 19). وذلك بتسليم الإرادة والمستقبل لله قلبياً. فكثيرين منا صاروا يقولون عبارة "إن شاء الله" بالفم دون تسليم المشيئة لله فعلاً، ودون الإتكال عليه بكل القلب.

العدد 17

آية (17): -

17فَمَنْ يَعْرِفُ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنًا وَلاَ يَعْمَلُ، فَذلِكَ خَطِيَّةٌ لَهُ. ".

السبب أن معرفته تكون شاهدة عليه يوم الدين. وهنا الرسول يعطى تعليماً لمن يسمعه أن يسعى لأن يعرف ويعمل الأعمال الحسنة لا أن يكتفى بالمعرفة فقط. الرسول يشرح هنا أن الخطية ليست فقط هى فعل الشر بل الإمتناع عن فعل الخير. وهذه توجه لمن يعتذر عن القيام بخدمة الله. هذه هى المسيحية الإيجابية. الرسول هنا كأنه يقول "لقد علمتكم حسناً. فلتعملوا حسنا وخيرا لكل واحد بقدر إستطاعتكم حتى لا تخطئوا بسلبيتكم.

الإصحاح الخامس.

الأعداد 1-3

الأيات (1 - 3): -

"1هَلُمَّ الآنَ أَيُّهَا الأَغْنِيَاءُ، ابْكُوا مُوَلْوِلِينَ عَلَى شَقَاوَتِكُمُ الْقَادِمَةِ. 2غِنَاكُمْ قَدْ تَهَرَّأَ، وَثِيَابُكُمْ قَدْ أَكَلَهَا الْعُثُّ. 3ذَهَبُكُمْ وَفِضَّتُكُمْ قَدْ صَدِئَا، وَصَدَأُهُمَا يَكُونُ شَهَادَةً عَلَيْكُمْ، وَيَأْكُلُ لُحُومَكُمْ كَنَارٍ! قَدْ كَنَزْتُمْ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ.".

يكتب يعقوب للأغنياء الذين ظلموا الفقراء والمزارعين الذين يعملون في مزارعهم، وكلامه هنا يحمل معني الانذار بالويل أكثر من دعوة للتوبة، وذلك لأنهم نسوا تدبير حياتهم الأبدية وظنوا أنهم سيستمتعون بثرواتهم إلي الأبد، هذه التى جمعوها من ظلم الفقراء، فإن الله سيدين الذي أخفي وزنته فكم بالأولي الذي جمع ثروته من ظلم إخوته الفقراء، وكان الرسول يتكلم كما لو كان قد رأى ما حدث علي يد تيطس الرومانى بعد سنوات من كتابة الرسالة. فلقد أخرب تيطس أورشليم وسلب كل شىء. بل قبل أيام الحصار قامت ثورة يهودية ضد قيصر، وهذه الثورة كانت سبباً فى حصار تيطس لأورشليم. وقرر الثوار فى أورشليم مصادرة كل أموال وكنوز الأغنياء لإستعمالها فى الحرب، وإعتبروا أن إخفاء الأموال والكنوز جريمة لا تغتفر. وكانوا يذبحون الأغنياء ليستولوا على أموالهم متعللين بتهم باطلة. فكل من إكتنز أموالاً ذهبت كلها للثوار بل ذبحوه بسببها. ثم ذهب كل هذا للرومان بعد أن سقطت أورشليم. أليس من الغباء أن يظلم إنسان أخيه ليجمع ثروة يأخذها الآخرين.

وهذا الكلام موجه أيضاً لكل من يجمع أموالاً واضعاً فى قلبه أن يعتمد على هذا المال لضمان المستقبل، ولضمان سعادته ناسياً حياته الأبدية. لذلك قال السيد المسيح عن المتكلين على أموالهم أن دخولهم للسماء أصعب من دخول جمل من ثقب إبرة (مر10: 17 – 25).

شقاوتكم قادمة = كلمة قادمة لا تعنى المستقبل البعيد، إنما تعنى أنها على الأبواب.

غناكم قد تهرأ = كان غنى القدماء يتركز أساساً فى مخازن القمح والثياب. وكان لهم مخازن للثياب يضعون فيها روائح طيبة. ويُفهم كلام الرسول على أن هؤلاء الأغنياء فضلوا أن يأكل العث أموالهم ومقتنياتهم عن أن يتصدقوا بها للفقراء. ومما يزيد من شقاوة هؤلاء الأغنياء أنهم سيشاهدون بأعينهم فساد ثروتهم.

ذهبكم وفضتكم قد صدئا = فقدا قيمتهما وبريقهما. هذا حدث بالفعل أيام حصار أورشليم. بل قد وصل الحال أن الأمهات أكلن أولادهن إذ ليس طعام. فماذا كانت قيمة الذهب والفضة وقتئذ. كانوا بلا ثمن ولا قيمة فماذا يشترون بهم وليس طعام. حدث مثل هذا فى مصر فى أيامنا. فقد ألغت الحكومة المصرية عام 1952 مع بداية الثورة الأوراق النقدية فئات 100 جنيه، 50 جنيه، وحددت تاريخاً ينتهى بعده إستبدال هذه الأوراق. فمن ذهب بعد هذا التاريخ وهو يمتلك ثروة من الأوراق فئة الـ 100 جنيه كان كأنه يمتلك ورقاً ملوناً بلا قيمة. وفى أيامنا هذه إنخفضت فى يوم واحد قيمة الجنيه إلى النصف فكان كل من كان له نقود فى البنوك، كأنه قد خسر نصفها. لقد صدئا.

هل يمكن أن يعلق أى عاقل أماله على مثل هذه الأشياء، وليس على الله الذى يعول الجميع. صدأهما يكون شهادة عليكم ويأكل لحومكم كنار = هذه الأموال التى جمعتموها وقد صارت بلا فائدة ستكون شاهدة على كل ما إرتكبتموه من أخطاء، فالله سيسأل لماذا لم تتصرفوا فى أموالكم بطريقة صحيحة.

يأكل لحومكم كنار = من ألامكم على فقدانكم كل ممتلكاتكم ومن غيظكم ستكونون كمن يحترق لحمه بالنار. وأبدياً سيتعذب الجسد مع النفس. عموماً محب المال لا يستريح هنا ولو إقتنى العالم، ولن يستريح فى الأبدية، إذ لن يعاين الله.

قد كنزتم فى الأيام الأخيرة = بينما كان عليكم أن تستعدوا للرحيل.

العدد 4

آية (4): -

"4هُوَذَا أُجْرَةُ الْفَعَلَةِ الَّذِينَ حَصَدُوا حُقُولَكُمُ، الْمَبْخُوسَةُ مِنْكُمْ تَصْرُخُ، وَصِيَاحُ الْحَصَّادِينَ قَدْ دَخَلَ إِلَى أُذْنَيْ رَبِّ الْجُنُودِ.".

أربع فئات يصعد صراخهم لله: -.

  1. المقتول عمداً (تك 4: 10).
  2. صراخ المسكين (خر 2: 23).
  3. صراخ الخطية (تك 18: 20).
  4. صراخ الأجير المظلوم (هذه الآية).

ونلاحظ أن حب الإقتناء يفقد الإنسان رحمته بأخيه بل يدفعه لظلم الأجير. وموضوع أجرة الأجير منصوص عليه فى (لا 19: 13).

العدد 5

آية (5): -

"5قَدْ تَرَفَّهْتُمْ عَلَى الأَرْضِ، وَتَنَعَّمْتُمْ وَرَبَّيْتُمْ قُلُوبَكُمْ، كَمَا فِي يَوْمِ الذَّبْحِ.".

لقد خلق الله العالم لنستخدمه لا لكى نلهو فيه وبه عن الخالق. وحياة الإنغماس فى الترف تحرم الإنسان من ضبط نفسه. وبالتنعم يتربى القلب لكى يُذبح يوم الدينونة. وهؤلاء بالذات من عاشوا فى جشع (هو 13: 6) + (مت 6: 25) + (1 تى 5: 6) + (لو 21: 34). إن من لم يستمع لصوت المظلوم هنا لن يسمعه الله ولن يسمع صرخاته يوم الدينونة. ومعنى الآية أنه كما أن الحيوان يُسَمَّن لأجل الذبح، إذ يُعِدّونه للذبح، هكذا أنتم وقد إتُخِمْتُم من كثرة ما قدمتموه لملذاتكم وشهواتكم تعدون أنفسكم لحكم الدينونة.

يوم الذبح =.

  1. نهاية تخمة الحيوان الذبح هكذا أيضاً تخمة الأغنياء وترفههم وهذا ما حدث حين ذبحوا أغنياء أورشليم، وهذا تكرر فى كثير من الثورات الدموية كما حدث فى روسيا وفى فرنسا.
  2. هو إشارة ليوم الدينونة فالمظلوم يصعد صراخه إلى الله.

ما هو الخطأ فى موضوع المال؟

  1. أن يتكل الإنسان على أمواله فبهذا صارت له إلهاً (مر 10: 17 – 25). وبسبب هذا يحدث الصراع.
  2. الظلم، أى يصرخ إنسان لله لأنه لم يحصل على حقه، والإنسان وكيل على ما بين يديه من أموال وسوف يسأله الله كيف تصرف فيها.

العدد 6

آية (6): -

"6حَكَمْتُمْ عَلَى الْبَارِّ. قَتَلْتُمُوهُ. لاَ يُقَاوِمُكُمْ!".

هذه الآية جعلت بعض المفسرين يرون أن أقوال الرسول فى (5: 1 - 6) موجهة لأغنياء اليهود الذين قتلوا المسيح البار (أع 7: 52)، وقتلوا المؤمنين من المسيحيين مثل إسطفانوس ويعقوب بن زبدى. وربما كانت هذه الآية نبوة عنه هو شخصياً، إذ كان إسمه البار. وكان الشهداء لا يقاومون. بل أن اليهود جرّوا إلى المحاكم المساكين الأبرياء وحكموا عليهم بالموت ظلماً. وحدث هذا بعد ذلك مراراً عبر التاريخ، مثلاً أثناء إضطهاد الرومان. وقيل عن المسيح أنه "ظُلِمَ أما هو فتذلل ولم يفتح فاه، كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه" (إش 53: 7) وعدم فتح الفم إشارة لأنه لم يقاوم أبداً.

الأعداد 7-8

الأيات (7 - 8): -

"7فَتَأَنَّوْا أَيُّهَا الإِخْوَةُ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ. هُوَذَا الْفَّلاَحُ يَنْتَظِرُ ثَمَرَ الأَرْضِ الثَّمِينَ، مُتَأَنِّيًا عَلَيْهِ حَتَّى يَنَالَ الْمَطَرَ الْمُبَكِّرَ وَالْمُتَأَخِّرَ. 8فَتَأَنَّوْا أَنْتُمْ وَثَبِّتُوا قُلُوبَكُمْ، لأَنَّ مَجِيءَ الرَّبِّ قَدِ اقْتَرَبَ.".

هو يكلم هنا المضطهَدين من المسيحيين والمظلومين الذين يعانون من اليهود والوثنيين ويقول لهم أن عليهم أن يثبتوا بصبر واضعين أمام أعينهم أن الرب سيأتى ليجازى كل واحد بحسب عمله. فالثابت فى الإيمان سينال أكاليل فى ذلك اليوم.

أما الظالمين سيسمعون قول الرب "لى النقمة أنا اجازى يقول الرب". هذا الظالم يخسر على الأرض تعزيته ويخسر المجد فى السماء. ومجئ الرب يبعث فى المؤمنين طول الأناة والإحتمال، وهكذا إذ يتطلع المؤمن إلى يوم الرب يشتهيه عاملاً ومثابراً بنعمة الرب كالفلاح الذى يترجى يوم الحصاد.

المطر المبكر = يأتى فى بداية شهر نوفمبر بعد الزرع مباشرة. وهذا يساعد على تفتيح البذرة. والمطر المتأخر = يأتى قرب نهاية أبريل والسنابل على وشك الإمتلاء وذلك يساعد على نضج المحصول. والمطر فى فلسطين يأتى فى ميعاده تماماً. إذاً الإشارة إلى المطر المبكر والمتأخر هو قول زراعى يشير لفرحة الفلاح بالمطر، حتى يكون هناك محصول فى نهاية الموسم.

وروحياً فالأمطار والأنهار والينابيع تشير للروح القدس الذى يعطينا التعزيات خلال رحلة حياتنا، فى مقابل البحار التى تشير لملذات العالم بمياهها المالحة التى لا تروى. أما المياه الحلوة فهى تروى وتفرح وتشير لأفراح مؤكدة فى نهاية الموسم الزراعى بالمحصول الوفير.

الله يقول عن نفسه أنه ينبوع المياه الحية (إر2: 13).

الروح القدس يقول عنه السيد المسيح أنه أنهار (يو7: 37 - 39).

الروح القدس مشبه بماء وسيول (أمطار) يسكبه الله (أش 44: 3، 4).

ولاحظ أن الفلاح فى صبره إذ يراقب حقله كل يوم، يرسل له المطر ليساعد على نمو الزرع وهذا يملأ قلبه فرحاً. ليس هذا فقط بل إن المطر يضمن محصولاً أكيداً وفيراً فى نهاية الموسم. وهكذا هو عمل الروح القدس، يعطى تعزية خلال رحلة آلام هذه الحياة ويقودنا فى رحلة الحياة ونفرح بثمار الروح فينا ويضمن لنا أبدية سعيدة. ويلهب أشواقنا خلال رحلة حياتنا لهذا اليوم. الروح القدس هو الذى يجعلنا نجاهد محتملين الألام بفرح فى إنتظار هذا اليوم. محتملين الضيق بقلب ثابت (مز 126: 5).

المطر المبكر = يشير لعمل الروح القدس فى المعمودية، التى هى موت وحياة مع المسيح، وهى إتحاد بالمسيح، فتزرع فينا حياته (رو6) = تفتيح البذرة.

المطر المتأخر = يشير لمعونة الروح القدس أى عمل النعمة التى تعطى قوة لكى نستمرفى حالة موت عن خطايا العالم وننمو روحياً = نمو النبات.

هذا التشبيه يُعطى معنى أننا الأرض فنحن مأخوذين من تراب الأرض، والبذرة هى حياة المسيح التى زرعت فينا بالمعمودية، والروح القدس مشبه بالمطر الذى يُروى الأرض فتنمو حياة المسيح فينا، حتى نأخذ صورة المسيح (غل4: 19). وما يُساعد على نمو البذرة كما رأينا بعض التجارب، وهذه تشبه بالشمس الحارقة، وتعزيات الروح القدس هى كندى مرطب على الزرع فلا يحترق (إش18: 4).

ويقول البابا أثناسيوس الرسولى أن طريق الملكوت ضيق وكرب، فهو = تقديم أجسادنا ذبائح حية، وصلب الجسد مع الأهواء والشهوات. ولكن من دخل من هذا الطريق أى الباب الضيق يرى إتساعاً بلا قياس وعذوبة وعزاء، وهذا هو عمل الروح القدس.

العدد 9

آية (9): -

"9لاَ يَئِنَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ أَيُّهَا الإِخْوَةُ لِئَلاَّ تُدَانُوا. هُوَذَا الدَّيَّانُ وَاقِفٌ قُدَّامَ الْبَابِ.".

كثرة الضيقات الخارجية والإضطهاد قد تجعل الإخوة فى حالة تذمر، لذلك ينصحهم الرسول أن يترابطوا بالمحبة. لا يئن بعضكم على بعض = أى لا تتذمروا وتضجوا أحدكم على الآخر بل ليكن فيكم الصبر. لا تدينوا بعضكم البعض ولا تطلبوا الإنتقام من بعضكم فيوم الرب قد إقترب، وهو الديان وحده، ومن يدين إخوته سيتعرض هو نفسه للدينونة. فهذا ليس وقت ندين بعضنا البعض بل وقت نبحث فيه عن إخوتنا الساقطين فى الخطية ونصلى لأجلهم. وقوله واقف قدام الباب = أى الأيام إقتربت للمجىء الثانى للمسيح.

العدد 10

آية (10): -

"10خُذُوا يَا إِخْوَتِي مِثَالاً لاحْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ وَالأَنَاةِ: الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِاسْمِ الرَّبِّ.".

لقد حدثتكم يا إخوتى عن وجوب الصبر والإحتمال للألام، ويجب عليكم أن تعلموا أن هذه هى سمات المؤمنين دائماً. فكل الأنبياء السابقين إحتملوا الألام بصبر لأنهم تكلموا بإسم الرب... إرميا وإيليا وإشعياء... بل المسيح نفسه.

العدد 11

آية (11): -

"11هَا نَحْنُ نُطَوِّبُ الصَّابِرِينَ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ. لأَنَّ الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ.".

الصابرين = الذين إحتملوا الألام بصبر. ومن مثال أيوب نرى أنه إحتمل التجربة بصبر، فهو إفتقر أكثر من الشحاذين إذ صار عرياناً ونلاحظ أنه كان قد إعتاد حياة الغنى، وإحتمل أمراضاً رهيبة حتى صارت رائحته كريهة. وإحتمل موت أولاده فى شبابهم فى كارثة طبيعية، وإحتمل سخرية البشر، وحتى أصدقاءه هربوا منه، بل من جاءوا يعزونه كانوا متعبون، بل إن زوجته لم ترحمه. ومع كل هذا إحتمل فنال الضِعْفْ. وهكذا لأى منا، فمن يحتمل الألم الآن تزداد تعزيته، ومجده فى السماء (2كو 1: 5) + (2كو 4: 17) + (رو 8: 17).

العدد 12

آية (12): -

"12 وَلكِنْ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ يَا إِخْوَتِي، لاَ تَحْلِفُوا، لاَ بِالسَّمَاءِ، وَلاَ بِالأَرْضِ، وَلاَ بِقَسَمٍ آخَرَ. بَلْ لِتَكُنْ نَعَمْكُمْ نَعَمْ، وَلاَكُمْ لاَ، لِئَلاَّ تَقَعُوا تَحْتَ دَيْنُونَةٍ.".

هذا التعليم هو تعليم الرب نفسه (مت 5: 33 – 37). ولماذا لا نقسم؟

  1. من إعتاد على القسم يصير لا يميز بين القسم الحق والقسم الباطل.
  2. المهم إستخدام إسم الله بكل توقير وإحترام، فنحن لسنا أقل توقيراً له من اليهود إذ كان الكتبة الذين ينسخون الكتاب المقدس يستحمون قبل كل مرة يكتبون فيها إسم الله، وكانوا يخافون من إستعمال إسم الله.
  3. القسم معناه إشهاد الله على عمل معين أو تعهد معين أو أنك تقول الصدق. وإذ كل الخليقة من أعلى السماء إلى أسفل الأرض، من عرش الله إلى الشعرة التى فى رأس الإنسان جميعها تحكمها العناية الإلهية، لذلك فمن يقسم بالسماء أو الأرض أو بأى شىء فهو يرتبط بالقسم أمام الله. ومن منا يستطيع أن يرتبط بشىء، أو من منا متأكد من شىء. فقد أقسم بأن أفعل شيئاً وأموت قبل أن أفعله. بل إن الشيطان يستغل القسم خصوصاً أثناء الغضب، فنقسم على أشياء قد تكون خاطئة مثل الإنتقام من أحد. أو كما حدث مع هيرودس إذ أقسم وهو غارق فى لذته وسكره فأصبح ملتزماً، وكان لا يريد أن يفعل ما فعله ويقتل يوحنا المعمدان.
  4. لا يليق أن نقسم بإسم الله أو بأى قسم كما قلنا فى أمور زمنية.
  5. ليكن كلامنا صادقاً حتى بدون قسم لكى لا نتعرض للدينونة.

العدد 13

آية (13): -

"13أَعَلَى أَحَدٍ بَيْنَكُمْ مَشَقَّاتٌ؟ فَلْيُصَلِّ. أَمَسْرُورٌ أَحَدٌ؟ فَلْيُرَتِّلْ.".

أعلى أحد بينكم مشقات فليصل = من هو فى ضيقة أمامه طريقان: -.

  1. يظل يفكر ويفكر فى حل، وإذ لا يوجد حل يدخل فى يأس وكآبة لعجزه عن الحل.
  2. يشرك الله معه فى التفكير بالصلاة، فيقول يارب حل مشكلتى، هل تتركنى وتتخلى عنى يارب، أنت لا تتخلى أبداً عن أولادك.. وهكذا. وبهذه الطريقة نسمع صوت الله "أنا بجانبك يا إبنى" ويكون هذا مصدر عزاء حتى لو لم تحل المشكلة ويقول القديسون "إنشغل بالمسيح (فى الصلاة) ينشغل المسيح بأمورك الخاصة". فبدون صلاة نبحث عن حلول بشرية لمشاكلنا فنتوه. ولكن الصلاة تدخل إلى مقادس الله وتقتدر، وتعطى عزاء وسلام إلى حين يحل الله المشكلة.

أمسرور أحد فليرتل = ماذا نفعل فى أفراحنا. ما أحلى ما قيل عن عرس قانا الجليل "وكانت أم يسوع هناك. ودعى أيضاً يسوع وتلاميذه إلى العرس" (يو2: 1، 2) ولما حدثت مشكلة، كانت أم يسوع هى التى حلت المشكلة بشفاعتها. أما أفراحنا لو كانت بطريقة عالمية ويسوع ليس فيها، فإذا حدثت مشكلة فمن يحلها. يجب أن يكون الرب يسوع المسيح هو المركز الذى تتجه إليه أنظارنا فى كل الظروف، أضيق أم فرح، مرض أم صحة، نجاح أم سقوط. علينا فى أفراحنا أن نسبح ونشكر الله الذى أعطانا هذا السرور. والكنيسة تعلمنا التسبيح دائماً، وغالباً ما نستخدم المزامير التى تثير فينا روح الصلاة فتسكن الشهوات وتهدأ. لأن عدو الخير يستغل فترات الفرح لإثارة الشهوات، ولإثارة المشاكل. أما المسرور الذى يرتل يتقدس فرحه ولا يكون فرحه سروراً عالمياً مادياً، فلا يتدنس بلذة الخطية.

عموماً الله يحب أن يكون شريكاً لنا فى أحزاننا وفى أفراحنا، والبديل أن عدو الخير يدخل فيها فيحول أحزاننا إلى مرار وصدام مع الله، ويحول أفراحنا إلى خلاعة ومساخر. فالمؤمن المتعقل يحول ألامه وأفراحه للقاء مع الرب. والصلاة تعطى عزاء وقوة للمتألم ولكل من هو فى شدة، وتعطى ثباتاً لمن هو مسرور.

الأعداد 14-15

الأيات (14 - 15): -

"14أَمَرِيضٌ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ؟ فَلْيَدْعُ شُيُوخَ الْكَنِيسَةِ فَيُصَلُّوا عَلَيْهِ وَيَدْهَنُوهُ بِزَيْتٍ بِاسْمِ الرَّبِّ، 15 وَصَلاَةُ الإِيمَانِ تَشْفِي الْمَرِيضَ، وَالرَّبُّ يُقِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ خَطِيَّةً تُغْفَرُ لَهْ.".

قسوس (مترجمة خطأ شيوخ). بحسب القاموس فالكلمة اليونانية المستخدمة هى إبريسفيتيروس وتعنى شيوخ أى كبار فى السن. ولكن فى بداية الكنيسة، استحدثت وظائف للخدمة مثل القسيس والأسقف وكلمة كنيسة نفسها. فمن أين يأتون بكلمات لهذه الوظائف. وجدوا فى الكلمات اليونانية ما هو مناسب فإستخدموا لكلمة قسيس الكلمة اليونانية ابريسفيتيروس، وللأسقف الكلمة اليونانية التى تعنى ناظر، وللكنيسة كلمة اككليسيا وهى تعنى جماعة. ومع مرور الزمن أصبحت هذه الكلمات لها معانيها التى نعرفها الآن. بل لأن القسيس وظيفته أن يصلى عن الشعب، إشتق من كلمة ابريسفيتيروس كلمة ابريسفيا وتعنى شفاعة. فهل نعود بعد قرون من الزمان لنعود بكلمة ابريسفيتيروس لتصبح كبار السن.

  1. ولماذا إذا كان معنى الكلمة شيوخ، نترجمها مرة شيوخ ومرة قسوس كما جاء فى (أع20: 17) السبب أنه لو كانت الكلمة تتحدث عن وظيفة أو خدمة كما فى (أع20: 17) نترجمها قسوس. وإذا كانت الكلمة تتحدث عن صلاة الكاهن عن الآخرين نترجمها شيوخ مثل هذه الأية + رؤ 24: 4 وهذا واضح من الفكر البروتستانتى الذى يرفض فكرة أن الكهنوت فيه شفاعة فالقسيس خادم واعظ ولا يصلى عن أحد.
  2. هل يقبل البروتستانت أن نسمى كنائسهم (جماعات): فالكلمة اليونانية تعنى جماعة. فلماذا يسمونها كنيسة إلا لأن المعنى تغير مع الزمن. إذاً قسوس صارت من بداية الكنيسة تشير للكهنة الذين يصلون عن الشعب ويقومون بخدمة الأسرار كما فى هذه الآية. وإذا فهمنا الآية بمعنى شيوخ فتصير الآية بلا هدف، فإذا كان كما يقول البروتستانت (الذين ترجموها هكذا ليلغوا الكهنوت) أن الكل كهنة، فلماذا يدعو المريض شيوخ الكنيسة، ألا يصلح أى فرد من أفراد الأسرة لكى يدهنه بالزيت. وأى زيت هذا الذى سيدهن به، هل هو زيت عادى!!

الرسول هنا يحدثنا عن سر مارسته الكنيسة وهو سر مسحة المرضى ومازالت الكنائس الرسولية تمارسه. وعلى المريض أن يدعو الكاهن (القسيس) لممارسة هذا السر.

والكاهن هنا سيمارس سرين: -.

  1. سر الإعتراف: - لأن الخطية أحياناً تكون سبب المرض الجسدى أو التعب النفسى، والتوبة عنها والإعتراف بها شىء أساسى (آية 16).
  2. سر مسحة المرضى: - يدهن المريض بعد أن يعترف بزيت مصلى عليه، كما أمر المسيح تلاميذه (مر 6: 12) والصلاة تقتدر فى فعلها. والأهم من شفاء الجسد شفاء الروح والخلاص الأبدى. وهى ليست هبة مطلقة للكنيسة، فبولس لم يستطع شفاء نفسه (2 كو 12: 7 – 9). ولا شفاء ابفرودتس الحبيب (فى 2: 27) ولا تروفيموس (2 تى 4: 20). مع أن الخرق التى كانت على جسد بولس كانت تشفى المرضى.

ويعقوب هنا يتكلم عن أسرار تمارس، لكن الذى أسس السر هو الرب يسوع نفسه. وقد تسلمنا عن آباء الكنيسة صلوات سر مسحة المرضى التى يصليها الكهنة من أجل المريض، وفيها يبتهل الكاهن من أجل غفران خطايا المريض ومن معه من الحاضرين وخطايا الكاهن نفسه وجهالات كل الشعب. والكنيسة تطلب شفاء المريض ولكنها تقدم مشيئة السيد المسيح على مشيئتها، فقد يكون المرض لخير الشخص، ورغم مغفرة خطاياه يبقى فى المرض لأجل تأديبه أو تزكيته أو لحكمة أخرى، كما ترك بولس الرسول فى مرضه حتى لا يرتفع. لذلك تصلى الكنيسة فى سر مسحة المرضى بفم الكاهن "أقم عبدك هذا من موت الخطية وإن أمرت بإقامته إلى زمان آخر فإمنحه مساعدة ومعونة لكى يرضيك فى كل أيام حياته. وإن أمرت بأخذ نفسه فليكن هذا بيد ملائكة نورانيين …". إذاً هى صلاة لشفاء كلى للإنسان، أى الشفاء للجسد والنفس والروح. فقد تكون إرادة الله من المرض شفاء الروح.

ويدهنون بزيت بإسم الرب = فالسر هنا لا يعتمد على بر وقداسة الكاهن وصلاحه بل على "إسم الرب" فالعامل فيه هو الروح القدس. غير أن إيماننا فى السر شرط أساسى = صلاة الإيمان تشفى المريض والرب يقيمه = وما يجب ملاحظته أن صلوات سر مسحة المرضى التى وضعها الأباء بإرشاد الروح القدس توجه أنظار المؤمنين المرضى جسدياً إلى خلاص نفوسهم، والإهتمام بالشفاء الروحى أى غفران الخطايا. وهذا يتفق مع قول الرسول = وإن كان قد فعل خطية تغفر له = وسلطان غفران الخطية لم يعط سوى للكهنة (يو 20: 22، 23).

العدد 16

آية (16): -

"16اِعْتَرِفُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ بِالزَّلاَتِ، وَصَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ، لِكَيْ تُشْفَوْا. طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا.".

يصاحب سر مسحة المرضى سر الإعتراف، وواضح أن الذى سيعترف هو المريض وليس الكاهن، المريض يعترف للكاهن وليس الكاهن هو الذى سيعترف للمريض.

ويقول القديس أغسطينوس تعليقاً على ذلك، أنه لو قلنا علِّموا بعضكم بعضاً فالمعلم هو الذى سيعلم االتلميذ وليس العكس. والإعتراف هنا يكون لكاهن له سلطان أن يحل ويغفر (يو 20: 22، 23). والسؤال هنا كيف يمكن أن نفهم قول المسيح هذا "من غفرتم خطاياه تغفر له. ومن أمسكتم خطاياه أمسكت" هل من حق أى إنسان أن يمسك خطايا الآخرين، وهل لا يوجد تعارض بين هذا القول فى (يو 20: 22، 23) مع قول السيد "إن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضاً زلاتكم" (مت 6: 15).

قطعاً لا يوجد تعارض فالمسيح لا يناقض نفسه. فالقول (يو 20: 22، 23) موجه للرسل وخلفائهم من طغمة الكهنوت. أما قول السيد فى (مت 6: 15) فهو موجه لكل المؤمنين.

الأعداد 17-18

الأيات (17 - 18): -

"17كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ. 18ثُمَّ صَلَّى أَيْضًا، فَأَعْطَتِ السَّمَاءُ مَطَرًا، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ ثَمَرَهَا.".

هنا نرى أن صلواتنا يجب أن تكون بإيمان حتى يستجيب الله. فالله إستجاب لإيليا وهو إنسان تحت الآلام مثلنا فلماذا لا يستجيب لنا. ثلاث سنين وستة أشهر = فى (1مل 18: 1) نسمع "وبعد أيام كثيرة كان كلام الرب إلى إيليا فى السنة الثالثة..." إلا أن التقليد اليهودى يذكر أن مدة إنقطاع المطر كانت ثلاث سنين وستة أشهر، وهذا أيده السيد المسيح (لو 4: 25). وقال يعقوب هنا نفس الشىء. والحل بسيط جداً، أن المطر كان منقطعاً قبل كلام إيليا، وجاء إيليا وأوقف نزوله، وكانت الفترة الإجمالية ثلاث سنين وستة أشهر. وإيليا لم يصلى لينقطع المطر إنتقاماً لنفسه بل تأديباً للملك وللشعب بسبب وثنيتهم. القصد أن علينا أن نؤمن أن الصلاة قوة روحية جبارة وهبها الله للإنسان بها يستطيع أن يفعل المعجزات.

الأعداد 19-20

الأيات (19 - 20): -

"19أَيُّهَا الإِخْوَةُ، إِنْ ضَلَّ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ عَنِ الْحَقِّ فَرَدَّهُ أَحَدٌ، 20فَلْيَعْلَمْ أَنَّ مَنْ رَدَّ خَاطِئًا عَنْ ضَلاَلِ طَرِيقِهِ، يُخَلِّصُ نَفْسًا مِنَ الْمَوْتِ، وَيَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا.

يختتم الرسول رسالته بأنه يدعوهم للإهتمام بالبحث عن الخروف الضال، والسبب أن من يفعل هذا يخلص نفساً من الموت = هى نفس الذى كان ضالاً ويستر كثرة من الخطايا = الضال الخاطىء الذى يعود بالتوبة: -.

  1. سيمتنع عن الخطية بل عن كثرة من الخطايا إذ عرف المسيح.

إذ تاب وعاد وإعترف بخطاياه تستر خطاياه السابقة إذ أن دم المسيح يكفر عنها. فكلمة كفارة تعنى COVER أى غطاء وستر.

No items found

الأصحاح الخامس - تفسير رسالة يعقوب الرسول - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح الثالث - تفسير رسالة يعقوب الرسول - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير رسالة يعقوب الأصحاح 4
تفاسير رسالة يعقوب الأصحاح 4