الأصحاح الخامس – إنجيل يوحنا – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: انجيل يوحنا – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح الخامس

رأينا في إصحاح (1) أن الكلمة صار جسداً، ويوحنا المعمدان يشهد له بأنه حمل الله الذي يرفع خطية العالم. ورأينا تلاميذ يوحنا المعمدان يتحولون إلى المسيح. ويوحنا المعمدان كان آخر أنبياء العهد القديم. والمعنى أن تلاميذ العهد القديم يتحولون للمسيح. وأنهم بدأوا يكتشفون المسيح، حتى لمن كان يشك فيه كنثنائيل. ورأينا في إصحاح (2) المسيح يحول الماء إلى خمر، فهو أتى ليعيد الفرح للإنسان، لكن على الإنسان أن يحاول أن يطهر نفسه، وإن لم يفعل فالمسيح بسوط تجاربه يطهره كما طهر هيكله. وفي إصحاح (3) نرى لزوم المعمودية لنولد من جديد. وفي إصحاح (4) نرى نموذج للتجديد، فالسامرية الخاطئة تحولت لكارزة.. ورأينا أهمية العبادة بالروح والحق. ثم رأينا قصة شفاء إبن خادم الملك بكلمة. وفي بداية إصحاح (5) نرى شفاء مريض بركة بيت حسدا بكلمة من السيد المسيح "قم. إحمل سريرك وأمشى". وفي المعجزتين الأخيرتين نرى قوة الكلمة التي تشفي فوراً. والفرق بين المعجزتين أنه في شفاء إبن خادم الملك نرى أنه يجب أن نأتي للمسيح فيشفينا ويشفي إيماننا. وفي معجزة مريض بركة بيت حسدا نرى المسيح يذهب للمريض إذ هو يائس تماماً. وبعد هذا نتعرف على من هو المسيح، فهو خبز الحياة المشبع إصحاح (6)، وهو ماء الحياة إصحاح (7)، وهو النور إصحاح (8)، وكتطبيق على النور نجد في إصحاح (9) شفاء الأعمى. وفي (10) هو الراعي الصالح.

الإصحاحات الأربعة الأولى تسمى إنجيل التجديد، وفيها رأينا كيف أن المسيح إبن الله أتى ليجدد طبيعتنا وهذا ما رأيناه مع السامرية التي حولها من خاطئة إلى كارزة. هنا نرى صورة لعمل الخطية الذي دمر الإنسانية فمريض بيت حسدا هذا كان مريضاً مدمراً جسدياً ونفسياً وروحياً. والسيد المسيح أتى له من نفسه ليشفيه فهو لهذا أتى للعالم.

معجزة تحريك الماء:

الماء المتحرك يرمز للروح القدس. وتحريك الماء والشفاء كان نبوة وتحريك لأذهان اليهود أن شيئاً ما سيحدث قريباً. كان هذا إشارة للروح القدس (الماء الحي واليهود يسمون الماء المتحرك ماء حي) الذي سيحل على كنيسة المسيح ليشفي طبيعتنا. وكان من ينزل أولاً يشفى. ومن الطبيعي أن من يستطيع النزول أولاً هم الأقوياء، وفي هذا إشارة إلى أن الأقوياء روحياً في العهد القديم كان الروح القدس يتعامل معهم كالأنبياء مثلاً ويشفيهم. أما مريض بركة بيت حسدا فهو يشير لمن ليس له أحد وهو في حالة ضعف، غير فاهم ولا يدري شئ، وهذا كان حال كل البشر قبل المسيح ما عدا قلة. والمسيح أتى لهؤلاء البشر الضعاف ليشفيهم كما أتى لهذا المريض. هذه المعجزة هي إشارة لأن هناك تدخل سماوي سيحدث ليشفي الأمراض (الطبيعة البشرية). وكان الملاك الذي يحرك الماء رمزاً للمسيح الذي سيرسل الروح القدس. فملاك يعني مرسل، والمسيح أرسله الآب. ولكن المسيح كان مرسلا ليس للأقوياء فقط كالأنبياء فى العهد القديم، بل لكل البشر. والمسيح أرسل الروح القدس فحرك المياه لتجديد الخليقة.

وكيف يشفى المسيح موتى الخطية؟

الإبن له حياة في ذاته، وهو يحيي من يشاء (آيات21 + 26) ومن يسمع له يقوم من موت الخطية الآن (آية25) ويقوم إلى قيامة الحياة في الأبدية (آية29). فالمسيح الذي ظهر أمامنا كإنسان هو له قوة حياة، فيه حياة فى ذاته تجسد ليعطيها لكل واحد فيحيا. ولكن الذي يحصل على هذه الحياة هو من يسمع للمسيح، ويؤمن به ويعتمد فيتحد به. ثم يسمع كلامه وينفذه، وإن أخطأ يتوب ويتناول من جسده ودمه، فيظل عضوا حيا فى جسده. والشفاء الذي سنحصل عليه هنا على الأرض سيكون جزئياً بسبب أجسادنا الضعيفة التى تخطئ، أما فى السماء سيكون الإتحاد بالمسيح بلا إنفصال فلا خطية فى السماء. وفي السماء سيكون لنا أجساد ممجدة. هذا هو الشفاء الكامل والحقيقي.

لماذا صنع المسيح المعجزة في يوم السبت؟

ليس هذه المعجزة فقط، بل المسيح غالباً ما كان يشفي يوم السبت. والله منع شعبه من العمل يوم السبت حتى يتفرغوا للعبادة ويذكروا إنتمائهم لله. وقال لهم الله أنه إرتاح يوم السبت. فما معنى راحة الله؟ وهل الله يتعب؟! الله لا يتعب حتى يستريح. ولكن راحة الله هي في خلاص الإنسان. فحين يقول إستراح الله في اليوم السابع فهذا معناه أن الله إستراح حينما تمم خلاص البشر في منتصف اليوم السابع بالصليب. فراحة الله في كمال عمله. فالراحة هي راحة الله في الإنسان وراحة الإنسان في الله. فما كان يفصل بين الله والإنسان هو الخطية التي مات المسيح ليرفعها عنا ويصالحنا على الله.

والله في (حز20) نجده يقول ليدلل على محبته لشعبه أنه أعطاهم الوصية والسبت. فالله لم يذكر خروجهم من مصر ولا شق البحر.. الخ. الله رأى أن أعظم ما قدمه لشعبه هو الوصية (ليحيوا سعداء على الأرض) والسبت (ليذكروا إنتمائهم للسماء فيكون لهم نصيب في السماء). ونص وصية السبت كان "أذكر يوم السبت لتقدسه" (خر20: 8) ومعنى قدسه أنه يوم مخصص للرب، فيكون للصلاة والتسبيح.. فهل شفاء وخدمة مريض يتعارض مع هذا المفهوم. لكن اليهود خرجوا من المعنى الروحي، وفهموا الوصية أو طبقوها بمعنى حرفي فقط فمنعوا أن يحمل إنسان حتى إبرة خياطة يوم السبت. والمسيح أتى ليصحح هذه المفاهيم، ليعيد المعنى الروحي، ففي المسيحية العبادة ستكون بالروح والحق. ففى المسيحية أعطانا المسيح أن نحيا فى السماء إذ "طأطأ السموات ونزل" أى أنه أتى لنا بالحياة السمائية على الأرض (مز18: 9).

وهنا المسيح يشرح الآتي:

  1. الآب يعمل حتى الآن فلماذا تعتبرون الشفاء خطأ يوم السبت. ولو توقف الآب عن العمل لحظة لهلك العالم.
  2. الإبن يعمل في حفظ العالم فلماذا تعتبرون الشفاء خطأ يوم السبت. ولاحظ أن الإبن لا يعمل بالإنفصال عن أبيه فهما واحد، بل هو عامل مع أبيه.
  3. حينما يشفي المسيح فهو يشفي الإنسان كله (يو23: 7) والمعنى أن المسيح شفاه نفساً وجسداً وروحاً. وطالما شفي روحه بأن غفر خطاياه، إستراح هذا الإنسان في الله، والله إستراح فيه، فتحقق مفهوم السبت، فما الخطأ في ذلك؟
  4. إذا تصادف اليوم الثامن لطفل أن كان يوم سبت، كان يختنون الطفل، فالختان في نظرهم عمل مقدس (يو22: 7 - 23) وذلك لأن الختان يجعل الطفل من شعب الله أي إبناً لله. فالختان هو قطع كل رباط للشر ومريض بيت حسدا كان مختوناً ولكنه أخطأ، والمسيح شفاه وغفر خطاياه، فأعاده للعهد مع الله، أعاده كإبن لله. فما الخطأ الذي صنعه المسيح إذ أراح الله بأن غفر خطية المريض وشفى له روحه وأراح الإنسان إذ شفى إنسان يوم السبت.
  5. المسيح في كل عمل يعمله يحقق إرادة الآب (آية19)، فهو لا يقدر أن يعمل شيئاً إلاّ ويكون الآب موافقاً عليه (وهذا لتطابق إرادتهما ومشيئتهما).

ببساطة المسيح يشفي في السبت ليشفي اليهود من المفهوم الحرفي وينقلهم إلى العبادة بالروح والحق. هم فهموا السبت راحة ونوم للجسد. بينما أن إشعياء يشير لأن السبت تلذذ بالرب (13: 58 - 14). إذاً هو فرح بالرب.

ولاحظ أن هذا المريض يعبر عن حال البشر المنحط الذي وصلوا إليه قبل المسيح: -.

  1. محطم جسدياً: بسبب مرضه الذي طال (38سنة) مدة توهان الشعب في البرية وهي ترمز لمدة غربتنا في العالم.
  2. محطم نفسياً: فهو شاعر بأن لا أحد يهتم به ليلقيه في البركة، ولا الملائكة التي تحرك الماء تهتم به. هو فاقد الثقة في السماء والأرض.
  3. محطم روحياً: بسبب خطيته. والخطية فيها إنفصال عن الله.

والمسيح شفاه من هذا كله (23: 7). هو أتى لشفاء البشرية المعذبة.

في هذا تطبيق لما قاله إشعياء "فرأى أنه ليس إنسان وتَحيَّر من أنه ليس شفيع. فخلصت ذراعه (المسيح المتجسد) لنفسه" (إش16: 59).

الأعداد 1-30

الآيات (يو5: 1– 30): -

"1 وَبَعْدَ هذَا كَانَ عِيدٌ لِلْيَهُودِ، فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ. 2 وَفِي أُورُشَلِيمَ عِنْدَ بَابِ الضَّأْنِ بِرْكَةٌ يُقَالُ لَهَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ «بَيْتُ حِسْدَا» لَهَا خَمْسَةُ أَرْوِقَةٍ. 3فِي هذِهِ كَانَ مُضْطَجِعًا جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنْ مَرْضَى وَعُمْيٍ وَعُرْجٍ وَعُسْمٍ، يَتَوَقَّعُونَ تَحْرِيكَ الْمَاءِ. 4لأَنَّ مَلاَكًا كَانَ يَنْزِلُ أَحْيَانًا فِي الْبِرْكَةِ وَيُحَرِّكُ الْمَاءَ. فَمَنْ نَزَلَ أَوَّلاً بَعْدَ تَحْرِيكِ الْمَاءِ كَانَ يَبْرَأُ مِنْ أَيِّ مَرَضٍ اعْتَرَاهُ. 5 وَكَانَ هُنَاكَ إِنْسَانٌ بِهِ مَرَضٌ مُنْذُ ثَمَانٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً. 6هذَا رَآهُ يَسُوعُ مُضْطَجِعًا، وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ زَمَانًا كَثِيرًا، فَقَالَ لَهُ: «أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟ » 7أَجَابَهُ الْمَرِيضُ: «يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ الْمَاءُ. بَلْ بَيْنَمَا أَنَا آتٍ، يَنْزِلُ قُدَّامِي آخَرُ». 8قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ». 9فَحَالاً بَرِئَ الإِنْسَانُ وَحَمَلَ سَرِيرَهُ وَمَشَى. وَكَانَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ سَبْتٌ. 10فَقَالَ الْيَهُودُ لِلَّذِي شُفِيَ: «إِنَّهُ سَبْتٌ! لاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَحْمِلَ سَرِيرَكَ». 11أَجَابَهُمْ: «إِنَّ الَّذِي أَبْرَأَنِي هُوَ قَالَ لِي: احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ». 12فَسَأَلُوهُ: «مَنْ هُوَ الإِنْسَانُ الَّذِي قَالَ لَكَ: احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ؟ ». 13أَمَّا الَّذِي شُفِيَ فَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مَنْ هُوَ، لأَنَّ يَسُوعَ اعْتَزَلَ، إِذْ كَانَ فِي الْمَوْضِعِ جَمْعٌ. 14بَعْدَ ذلِكَ وَجَدَهُ يَسُوعُ فِي الْهَيْكَلِ وَقَالَ لَهُ: «هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ، فَلاَ تُخْطِئْ أَيْضًا، لِئَلاَّ يَكُونَ لَكَ أَشَرُّ». 15فَمَضَى الإِنْسَانُ وَأَخْبَرَ الْيَهُودَ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الَّذِي أَبْرَأَهُ. 16 وَلِهذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْرُدُونَ يَسُوعَ، وَيَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ عَمِلَ هذَا فِي سَبْتٍ. 17فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ». 18فَمِنْ أَجْلِ هذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ، بَلْ قَالَ أَيْضًا إِنَّ اللهَ أَبُوهُ، مُعَادِلاً نَفْسَهُ بِاللهِ. 19فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَقْدِرُ الابْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا إِلاَّ مَا يَنْظُرُ الآبَ يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهذَا يَعْمَلُهُ الابْنُ كَذلِكَ. 20لأَنَّ الآبَ يُحِبُّ الابْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ، وَسَيُرِيهِ أَعْمَالاً أَعْظَمَ مِنْ هذِهِ لِتَتَعَجَّبُوا أَنْتُمْ. 21لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي، كَذلِكَ الابْنُ أَيْضًا يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ. 22لأَنَّ الآبَ لاَ يَدِينُ أَحَدًا، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلابْنِ، 23لِكَيْ يُكْرِمَ الْجَمِيعُ الابْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الآبَ. مَنْ لاَ يُكْرِمُ الابْنَ لاَ يُكْرِمُ الآبَ الَّذِي أَرْسَلَهُ. 24«اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ. 25اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ، حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللهِ، وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ. 26لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، كَذلِكَ أَعْطَى الابْنَ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، 27 وَأَعْطَاهُ سُلْطَانًا أَنْ يَدِينَ أَيْضًا، لأَنَّهُ ابْنُ الإِنْسَانِ. 28لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هذَا، فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ، 29فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ. 30أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئًا. كَمَا أَسْمَعُ أَدِينُ، وَدَيْنُونَتِي عَادِلَةٌ، لأَنِّي لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي.".

آية (يو5: 1): - "1 وَبَعْدَ هذَا كَانَ عِيدٌ لِلْيَهُودِ، فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ.".

كان عيد = هناك رأيان أولهما أن هذا العيد هو الفصح الرابع للمسيح أثناء مدة خدمته، وثانيهما أنه عيد الخمسين. وأصحاب هذا الرأي يقولون أنه لو كان الفصح لقال العيد وليس عيد غير معرفة، فالفصح أشهر الأعياد. والمسيح يتخذ فرصة تجمع مئات الألوف في أورشليم ليقدم نفسه للجموع. فصعد يسوع إلى أورشليم = كما ذهب الرب إلى السامرة ليقابل السامرية صعد إلى أورشليم ليشفي المريض المقعد، فهو الذي يأخذ المبادرة ليشفي أمراضنا ويلاقينا، فقط نحن نحتاج أن نكتشفه، وهو سيشفى ضعفنا الروحي. ولكن قوله عيد اليهود بدون تحديد وعمل المعجزة في سبت وهو رمز لليهود أن المسيح جاء ليشفي كل من كان تحت الناموس. وقوله أبي يعمل وأنا أعمل فلأن المسيح يخلقنا الآن خلقة جديدة ويكون العيد والسبت هما رمز للراحة الحقيقية والشفاء الحقيقي الذي جاء المسيح ليعمله. وهناك معنى آخر هام لقوله عيد لليهود، أن أعياد اليهود فى نظر يوحنا ما عادت أعيادا للرب، فالرب إنفصل عنهم بعد أن صلبوا المسيح وما عادوا هم شعبا لله. وأضف لذلك أن الفصح كان رمزا للصليب، ومتى جاء المرموز إليه بطل الرمز.

آية (يو5: 2): - "2 وَفِي أُورُشَلِيمَ عِنْدَ بَابِ الضَّأْنِ بِرْكَةٌ يُقَالُ لَهَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ «بَيْتُ حِسْدَا» لَهَا خَمْسَةُ أَرْوِقَةٍ.".

باب الضأن = هو باب في سور أورشليم بجانبه الحظيرة التي يأتون منها بالخراف لتقديمها ذبائح. وحينما فشلت ذبائح الناموس في شفائنا أتى المسيح ليشفينا. بركة بيت حسدا = أي بركة بيت الرحمة. وإسمها هذا راجع للأشفية التي كانت تجري فيها. ولقد طالما هاجم نقاد الكتاب المقدس هذا النص إذ لم يستدلوا على بركة بهذا الإسم إلى أن تم إكتشاف البركة فعلاً ووجدوا لها 5 أروقة ووجدوا أنها إنطمست أثناء غزو الرومان. والأروقة هي دهاليز مسقوفة تستعمل كأماكن إنتظار للمرضى. والبركة طولها 100متر. وعرضها يتراوح بين 50 - 70متر. وحولها أعمدة قسمت المساحة لخمس صالات للإنتظار. وكان اليهود يستخدمون هذه البركة للتطهير الناموسي ويتركون ملابسهم في الأروقة ليغتسلوا فيها. إلى أن حدثت ظاهرة تحريك الماء فتحولت البركة إلى مكان إستشفاء. وكان المرضى يضطجعون في هذه الأروقة. وكانت هذه الظاهرة علامة على قرب مجيء المسيح الشافي الذي كان اليهود ينتظرونه.

معاني الأرقام: 5 أروقة + المقعد له 38سنة. ورقم 5 يشير للنعمة وللمسئولية ورقم 38 يشير لسنوات تيه الشعب في البرية (تث14: 2). والمعنى أن العالم قبل المسيح كان في تيه بلا أمل في الشفاء إلى أن أدركته نعمة المسيح.

آية (يو5: 3): - "3فِي هذِهِ كَانَ مُضْطَجِعًا جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنْ مَرْضَى وَعُمْيٍ وَعُرْجٍ وَعُسْمٍ، يَتَوَقَّعُونَ تَحْرِيكَ الْمَاءِ.".

عُسم = مرضى بأنواع من الشلل. تتيبس فيه المفاصل. عمي وعرج = إذاً هي أمراض عسيرة وقوله عُسم وعمي وعرج فهذا إشارة لحال الناس قبل مجيء المسيح. تحريك الماء = الماء المتحرك هو ماء حي إشارة للماء الحي الذي يعطيه المسيح كما قال للسامرية، وللماء الذي يَلِدْ كما قال لنيقوديموس والماء الذي يتحول إلى خمر كما حدث في عرس قانا الجليل. وهو إشارة للروح القدس الذي يرسله المسيح. والماء المتجدد هو ماء جاري يزيل الأوساخ من مجري النهر، أما الماء الراكد فتتراكم فيه القاذورات. وحين نشير للروح القدس بماء جاري متحرك فهذا لأن عمله إزالة الخطايا من قلوبنا، لذلك نصلي "روحك القدوس جدده في أحشائنا" وراء داود الذي قال "قلباً نقياً إخلق فيَّ يا الله وروحاً مستقيماً جدده في أحشائي" ومن له القلب النقي فهو الخليقة الجديدة (2كو17: 5).

آية (يو5: 4): - "4لأَنَّ مَلاَكًا كَانَ يَنْزِلُ أَحْيَانًا فِي الْبِرْكَةِ وَيُحَرِّكُ الْمَاءَ. فَمَنْ نَزَلَ أَوَّلاً بَعْدَ تَحْرِيكِ الْمَاءِ كَانَ يَبْرَأُ مِنْ أَيِّ مَرَضٍ اعْتَرَاهُ.".

يقول يوحنا ذهبي الفم أن هذا سَبْق تصوير للمعمودية. وتحريك الماء إشارة إلى ما سيعمله الروح القدس. وهنا نرى تدخل سماوي إعجازي في العهد القديم لشفاء أمراض ميئوس من شفائها بنوع من الرحمة الإلهية (هذا معنى بيت حسدا). وفكرة الماء الذي فيه قوة للشفاء والحياة موجودة في العهد القديم (نعمان السرياني + الذين شربوا من المياه النابعة من الصخرة لم يمرضوا 1كو4: 10 + تث4: 8) والمسيح شفى الأعمى بأن صنع له مقلة من طين ثم أمره أن يغتسل في بركة سلوام إشارة لما يعمله الروح القدس. فالملاك الذي يحرك الماء هو إشارة للمسيح السماوي الذي أتى ليرسل الروح القدس.

الآيات (يو5: 5–6): - "5 وَكَانَ هُنَاكَ إِنْسَانٌ بِهِ مَرَضٌ مُنْذُ ثَمَانٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً. 6هذَا رَآهُ يَسُوعُ مُضْطَجِعًا، وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ زَمَانًا كَثِيرًا، فَقَالَ لَهُ: «أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟ ».".

يوحنا ينتقي المعجزات التي تثبت لاهوت المسيح (إش4: 35 - 6، 18: 29 - 19 + إر7: 31 - 8 + مز7: 146 - 8) فهذا ليس شللاً عادياً بل هو مشلول منذ 38سنة.. كما شفى الأعمى منذ ولادته وأقام لعازر بعد أربعة أيام. ولنثق أنه مهما طالت مدتنا تحت الخطية فالمسيح قادر أن يشفينا ويجددنا. هذا الفصل يقرأ قبل أحد التناصير للموعوظين الذين سيتم تعميدهم في أحد التناصير. فالمفلوج يمثل الحياة القديمة، وبالمعمودية يصير الإنسان جديداً ويولد من جديد من الماء، له قوة على الحركة في إتجاه السماء والشفاء من الشلل الروحي.

أتريد أن تبرأ = هناك من لا يريد أن يبرأ فمرضه صار مصدر رزق يتكسب منه. والمسيح يحترم الإرادة الإنسانية وهو لا يقتحم الإنسان، فنحن مخلوقين على صورته في حرية الإرادة. والمسيح يريد أن يظهر أن مناط أمر الإنسان هو بيد الإنسان، والأهم هو شفاء الإنسان من الخطية. ويكون سؤال المسيح معناه هل عندك إرادة أن تترك خطيتك، فنحن فهمنا من أن المسيح قال لهُ لا تعود تخطئ أيضاً (آية14) أن سبب مرضه هو الخطية. والخطية لها نتائج وخيمة على الإنسان ولذلك فبعد توهان 38سنة دخل الشعب لأرض كنعان، وكانوا حينما يخطئون يُسَلَّمون لأيدي الأمم فيذلونهم. والخطية في حياة هذا المقعد هي التي حطمته بعد أن إستعبدته، ولكن المسيح رأي فيه بقايا من إرادة فأتى إليه ليشجع الرجاء الذي فيه، وهذا يعطي رجاء لكل خاطئ فلا ييأس. ولكن لنلاحظ أن الخطية مع الاستمرار فيها فترات طويلة تطمس الإرادة في الإنسان فلا يعود يشعر بأنه يفعل خطأ ولا يريد التغيير. وهذه الحالة غير التي وصفها بولس الرسول حين قال "حينما أريد أن أفعل الحسنى أن الشر حاضر عندي" (رو21: 7). هنا هو يجد قوة تقاومه لكن إرادته تنتصر. والمسيح بسؤاله كان يشفيه ويخلق له إرادة، والإرادة يصحبها همة للتغيير والعمل. ولذلك قال المسيح لليهود "كم مرة أردت.. ولم تريدوا" (مت37: 23) والمسيح لم يسأل المقعد هل تؤمن فهو لم يسمع به من قبل (12: 5 - 13) وهذا كان حال كل البشر، لكن المسيح أتى ليقدم له وللعالم كله الشفاء المجاني. ولاحظ المسيح: - أتى لأورشليم = أتى الى العالم. أتى للبركة وكل من فيها مرضي = الخليقة كلها مريضة، فاقدة لبهائها والرب أتى ليشفيها. أتريد = الشفاء لمن يريد. البركة = ماء للشفاء هو الولادة من الماء والروح.

آية (يو5: 7): - "7أَجَابَهُ الْمَرِيضُ: «يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ الْمَاءُ. بَلْ بَيْنَمَا أَنَا آتٍ، يَنْزِلُ قُدَّامِي آخَرُ».".

ليس لي إنسان = المسيح يسأله عن الإرادة فأجاب بأن ليس له إنسان. هو أسقط الموضوع على الآخرين. كأنه يقول المشكلة ليست فيَّ بل في الآخرين فالخاطئ دائماً يبرر نفسه. لكن عموماً علينا أن نستفيد من هذا بأن نقدم خدمات لكل محتاج حتى لا يشتكي علينا أحد. كم مرة ألقينا همنا على الناس وفشلنا، لكن إذا ألقينا همنا على الله فلن نفشل (1بط7: 5). ويبدو من قول المفلوج أنه كان معروفاً بفظاظته وقسوته حتى في مرضه، حتى لم يبق له إنسان يلقيه في البركة، فقد إنفض عنه كل الناس وكرهوه وهذا عكس الإنسان المفلوج الذي دلاّه أصدقاءه من السقف (مر1: 2 - 11). ولكن المقعد عوضاً عن أن يلقي باللوم على نفسه يلقي باللوم على الآخرين = بينما أنا آتٍ ينزل قدّامي آخر هذه مثل الآخرون يأخذون فرصتي.

الآيات (يو5: 8–9): - "8قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ». 9فَحَالاً بَرِئَ الإِنْسَانُ وَحَمَلَ سَرِيرَهُ وَمَشَى. وَكَانَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ سَبْتٌ.".

هذا حال كل من يصدق المسيح، فكلمة منه تحيي العاجز وتنتهر الخطية فتلاشيها (يو63: 6 + 25: 5) فالمقعد نموذج لموتى الخطية ولكن لو لم ينفذ هذا المفلوج أمر المسيح ما كان قد شُفِىَ. وكان لو أعمل عقله لقال كيف أقوم. لكن هو نفذ. والمسيح الفادي قدَّم شفاؤه للمقعد دون أن يطلب منه شيئاً. وهكذا فدانا دون ثمن؟ والله يعطي القوة وله سلطان عجيب قم / إحمل / إمش. بل إن نقطة الضعف تصبح مصدر قوة ونهضة بعد أن كانت يأساً. أوامر المسيح هي وعود في صورة أوامر ومعها قوة للتنفيذ، وهكذا كل وصايا المسيح (1تس24: 5). فكل وصية تحمل في داخلها قوة على التنفيذ.

فحالاً = عجيب أن يقوم دون أن يسنده أحد وبدون علاج طبيعي بعد كل هذه المدة من الشلل. والمسيح أعطى المقعد حياة جديدة:

قم = ترمز إلى جدة الحياة (أى الحياة الجديدة) التي أعطاها له.

إحمل = ترمز إلى قوة الحياة التي أعطاها له.

إمش = ترمز إلى السلوك في هذه الحياة الجديدة.

سريرك = في أصلها اللغوي هي فَرْشَة الفقير وهي من الحصير. وسريره يمثل ذكرياته المؤلمة عن المرض. وحمل السرير إشارة لطرد الذكريات والخبرات المؤلمة فما عادت تعيق حركته ونموه. هو إشارة لوضع ذكرياتنا المؤلمة وراء ظهورنا لنتقدم.

الآيات (يو5: 10–11): - "10فَقَالَ الْيَهُودُ لِلَّذِي شُفِيَ: «إِنَّهُ سَبْتٌ! لاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَحْمِلَ سَرِيرَكَ». 11أَجَابَهُمْ: «إِنَّ الَّذِي أَبْرَأَنِي هُوَ قَالَ لِي: احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ».".

المسيح هو رب السبت (مر28: 2 + لو5: 6) وهو جاء ليعطي سبتاً أي راحة من نوع جديد عوض الراحة الجسدية القديمة (عب10: 4) وإجابة المقعد تدل على تقدير لشخص المسيح أكثر من تقديره للسبت، أيسمع للناموس الذي لم يشفه أم يسمع للمسيح الذي شفاه. ومشكلة اليهود مع المسيح هي [1] الشفاء في السبت [2] أنه قال للمفلوج أن يحمل سريره. وكان اليهود قد غالوا في موضوع السبت حتى أنهم قالوا إن من حمل إبرة في ثيابه فقد كسر السبت. والسيد المسيح شرح لهم أن الأعمال الصالحة جائزة يوم السبت مثل الختان ورفع خروف من حفرة ليفهموا أن لا يتقيدوا بالحرف (لا3: 12 + يو22: 7 - 24 + مت2: 12 - 8 + 11 - 12 + يو16: 9). ولكن كراهية اليهود للمسيح كانت ليس بسبب كسره السبت، بل لحسدهم لهُ لشهرته بسبب معجزاته.

فقال اليهود = اليهود هم الرؤساء الدينيون. ولكن واضح أن القديس يوحنا ما عاد يعترف بهم كشعب لله كما قال من قبل "كان عيد لليهود" الآية الأولى فى الإصحاح.

آية (يو5: 12): - "12فَسَأَلُوهُ: «مَنْ هُوَ الإِنْسَانُ الَّذِي قَالَ لَكَ: احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ؟ ».".

هذا السؤال هو سخرية من المسيح، فهم يضعونه على أنه إنسان في مقابل الناموس. والله واضع الناموس، أي هل تطيع مجرد إنسان قال لك ولا تطيع الله وناموسه. ومن عمى اليهود أنهم لم يروا قوة المعجزة التي حدثت بل طلبوا رجم المسيح. وللآن وسط كل مراحم الله لا نرى سوى آلام تجربة سمح بها ولفائدتنا. والمسيح حاول جاهداً أن يشرح لهم أن فعل الخير يحل في السبت (الختان / حمل خروف) وما دام يحل فعل الخير في السبت فيحل شفاء إنسان في السبت (مر4: 3 + لو3: 14 - 6).

آية (يو5: 13): - "13أَمَّا الَّذِي شُفِيَ فَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مَنْ هُوَ، لأَنَّ يَسُوعَ اعْتَزَلَ، إِذْ كَانَ فِي الْمَوْضِعِ جَمْعٌ.".

لم يكن من طبع المسيح أن يلفت الأنظار إليه بل يأتي للمحتاج سراً. لم يكن يعلم من هو = هذه مشكلة المفلوج ومشكلتنا أننا نهتم بالعطية ولا نهتم بشخص العاطي أي بالمسيح لنتعرف عليه. بينما أن هدف العطايا أن نتعرف عليه.

آية (يو5: 14): - "14بَعْدَ ذلِكَ وَجَدَهُ يَسُوعُ فِي الْهَيْكَلِ وَقَالَ لَهُ: «هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ، فَلاَ تُخْطِئْ أَيْضًا، لِئَلاَّ يَكُونَ لَكَ أَشَرُّ».".

المسيح الذي حمل خطايانا على الصليب هو حمل خطايا هذا المقعد وغفرها له ليشفيه. حمل خطاياه في جسده الذي سيعلق على الصليب، والمسيح يعطي المقعد نصيحة أن لا يخطئ ثانية حتى لا يعود لنفس الحال. والمسيح أتى للمقعد حتى لا يظل جاهلاً من هو المسيح ليعطيه إمكانية الإيمان به. ولاحظ أن المقعد ذهب للهيكل غالباً ليقدم الشكر لله. ونلاحظ أنه كلما نعود لخطية تركناها يكون لنا أشر، فالضربات تتصاعد حتى نتوب. فهذا جزاء الإستهتار بغني لطف الله وإمهاله. وقوله أشر يشير لأن يحدث مرض أصعب له أو للدينونة على الخطية.

الآيات (يو5: 15–16): - "15فَمَضَى الإِنْسَانُ وَأَخْبَرَ الْيَهُودَ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الَّذِي أَبْرَأَهُ. 16 وَلِهذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْرُدُونَ يَسُوعَ، وَيَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ عَمِلَ هذَا فِي سَبْتٍ.".

المقعد ذهب ليبشر بالمسيح الذي صنع المعجزة أو ليبرر تهمة حمل السرير ويلقيها على المسيح. ومن هنا حدث التصادم بين المسيح واليهود. والمسيح رد عليهم في الآيات (17 - 21 - 23 - 24.. الخ). طلبوا أن يقتلوه = من أول هنا ستتكرر محاولات اليهود لقتل يسوع. لكنهم لن يقدروا حتى تأتي ساعته. وهذا يثبت أنه سلم نفسه بإرادته. هو كان قادراً أن لا يصلب. لكن هو أتى لهذا بإرادته.

وصل جنون اليهود في موضوع السبت أنهم قالوا أن الله نفسه ملتزم بالوصية فلا يعمل يوم السبت خارج حدود مسكنه الذي هو السماء والأرض، ولا يسير مسافة أطول من قامته لذلك فعمل الله هو في الحدود المسموحة. وإبتداء من (آية17) نجد رد المسيح على أعضاء أو رسل أرسلهم السنهدريم للتحقق منهُ.

آية (يو5: 17): - "17فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ».".

إبتداء من هذه الآية يبدأ المسيح في الرد على إتهامات الفريسيين لأنهم إتهموه بكسر الناموس إذ عمل المعجزة يوم سبت. فأخذ يوضح لهم نوعية العمل ويوضح لهم شخصه وعلاقته بالآب. ولأن الله يستريح في خلاص الإنسان فلا يمكن أن يكف عن العمل، فهو يعمل على حفظ الخليقة ولعلاج الأخطاء الموجودة حتى لا يهلك الإنسان. الله خلق الخليقة بكلمته (اللوغوس) وهو أي اللوغوس مازال يحفظها ويدبرها، فهو حامل كل الأشياء بكلمة قدرته (عب3: 1). وراحة الله ليست في التوقف عن العمل، فلو توقف الله عن عمله لتوقفت الحياة. ويتضح من كلام المسيح هنا أنه يضع نفسه مع الآب في موضوع الخلقة ومسئوليته عنها من جهة قيامها ودوامها وحفظها فهو ضابط الكون. وهذه الآية تشير أن المسيح يتساوى مع الله وفي وحدة كاملة معه فإذا كان له هذا السلطان فله سلطان على السبت وله أن يقول ماذا ينبغي أن يُعمل فيه أو لا يُعمل فيه.

أبي يعمل وأنا أعمل = هذه مساواة في المقام فهو لم يقل أنا أعمل من تحت الآب. والمسيح في (مر27: 2 - 28) شرح لهم أن السبت جُعِلَ لأجل الإنسان وليس العكس وكون المسيح يشفي يوم السبت فبهذا هو يكمل عمل الخلق، المسيح أراد أن يظهر بمعجزات الشفاء التي يصنعها في يوم السبت أنه يكمل نقص خليقته، نقصها الذي حدث بسبب الخطية، يكمله بفدائه الذي أتى لأجله، لذلك فعمل الفداء هو من صميم عمل الخالق. المسيح بهذا يشير أنه مسئول عن الخليقة كما أن الآب مسئول عنها. ويكون سبت المسيح الحقيقي هو بعد أن يكمل عمل الفداء وخلاص الإنسان. فراحة الله وراحتنا هي في خلاص نفوسنا. وصار سبتنا الحقيقي هو حياتنا الأبدية. وقارن هذه الآية مع (عب10: 4 - 11) نجد أن العمل والراحة لدى الآب والابن متوازيان.

حتى الآن = أي بدون توقف ومنذ الأزل. هذه تشير لوجوده مع الآب قبل التجسد. وإن كان الله يعمل فشرف للإنسان أن يعمل (تك15: 2 + 2تس7: 3 - 10 + 1تس10: 4 + أف28: 4).

آية (يو5: 18): - "18فَمِنْ أَجْلِ هذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ، بَلْ قَالَ أَيْضًا إِنَّ اللهَ أَبُوهُ، مُعَادِلاً نَفْسَهُ بِاللهِ.".

فهم اليهود من رد المسيح المختصر أنه ألغى وصية السبت علناً وإصراراً، بل ألغى بالتالي سلطة الناموس. وأنه يفعل هذا إعتماداً على علاقته بالآب، وأنه ساوى نفسه بالله الآب (يو30: 10) وأنه إبنه وله علاقة بنوة متميزة لله (كلمة أبوه أتت في اليونانية بمعنى أنه لا يوجد بشر يشاركه في هذه الأبوة بمعنى أنه (أبي أنا). لذلك فهم رأوا في كلامه هذا تجديف. والمسيح لم يتراجع فيما قاله ولم يناقض ما فهموه، بل أخذ يشرح فيما يلي علاقة الآب بالإبن وإمتياز الإبن بكونه مساوياً لله الآب، ولذلك فمن يكرم الآب عليه أن يكرم الإبن أيضاً. يطلبون أكثر أن يقتلوه = فهو [1] كاسر للسبت [2] جعل المفلوج يحمل سريره في السبت [3] ساوى نفسه بالآب.

آية (يو5: 19): - "19فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَقْدِرُ الابْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا إِلاَّ مَا يَنْظُرُ الآبَ يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهذَا يَعْمَلُهُ الابْنُ كَذلِكَ.".

حينما تذمروا على قوله أن الآب أبيه بدأ يشرح بالأكثر علاقته بالآب وأن الآب أرسله ليعطي حياة للبشر ولاحظ أن المسيح لم يقل لهم أنتم فهمتم خطأ، فأنا لست مساوياً لله، بل تدرج بهم ليثبت لهم أنه الله. لا يقدر = لا يفهم منها العجز بل كما نقول أن الله لا يقدر أن يكذب، أو لا يقدر أن ينكر نفسه (2تي13: 2). فمن مستلزمات طبيعة الله الابن المطابقة التامة لطبيعة الله الآب وإرادته، ولا يقدر أن يفعل ما يخالف الآب فهذا يصبح ضد طبيعته. فالابن يستطيع كل شئ إلاّ شيئاً واحداً وهو أن تكون له إرادة مخالفة للآب. بل مهما عمل الإبن فهو متمشي مع عمل الآب. والآب والابن يعملان معاً في وحدة. هما متفقان تماماً بلا خلاف فهم في وحدة. فالآب هو الله غير المنظور والابن هو الله المنظور، ويعمل الأعمال المنظورة. والابن لا يعمل شيئاً ما لم يكن الآب يريده فإرادتهما واحدة. كما يكون في قلبي مشاعر تترجمها يدي إلى خطاب مكتوب. فالقلب واليد يعملان معاً. المسيح هنا يشرح علاقته بالآب إذ حنقوا عليه عندما قال "أبي" في (آية17) عسى أن تنفتح قلوبهم. والمسيح يتدرج مع الفريسيين في موضوع علاقته بالآب حتى يعلن نفسه بوضوح (آية24 - 30). ولنلاحظ أن وحدة العمل تتمشى مع وحدة الإرادة، وهذا يشير لجوهر الوحدة المطلق. وبالتالي فالمسيح لن يكسر السبت ما لم يكن الآب موافقاً على عمله = الابن لا يقدر أن يعمل من نفسه شيئاً إلاّ ما ينظر الآب يعمل = أي أعمال الابن غير منفصلة عن أعمال الآب. هذا القول لا يلغي سلطان الابن بل يعلن وحدة الإرادة التي لا تنفصم. ينظر = يرى فكر الآب فهو فكره وعقله، فهو يرى أي يعرف ما يريده الآب فيعمله. تعني المعرفة المستمرة والرؤية الواضحة للآب فهما واحد. وجاءت في المضارع. فالمسيح يتكلم هنا وهو في الجسد. أمّا حينما يقول وأنا ما سمعته منه (38: 8) أو أتكلم بما رأيت (26: 8) فهذه تشير لان ما يعمله المسيح هو قرار وتخطيط أزلى. وقوله رآه وسمعه إشارة لإتحادهما الفريد فلا أحد يعرف الآب أو يراه أو يسمعه سوى الابن الذي هو في حضن الآب (يو18: 1) وهو واحد معه (يو30: 10). وقارن مع (36: 5، 42: 8) لتعرف أن المسيح له وجود سابق على تجسده. والمسيح يقول هذا لنصدق بلا ريبة كل ما يقوله والإيمان بلا فحص، فالآب والابن واحد وكل ما يعمل الآب يراه الابن وحده أي يعرفه معرفة التطابق، وبإعتباره الله المتجسد يعمل بمقتضاه لأن إرادتهما واحدة، بل الابن يستعلن إرادة الآب. مهما عمل ذاك (الآب) يعمله الإبن كذلك = هنا تظهر قوة الابن المطلقة واللانهائية. هو يعمل مع الآب في شركة عمل بلا إنفصال. يعمل معه في إنسجام وإتفاق. يمكن القول أن أقنوم الآب يريد وأقنومى الإبن والروح القدس ينفذان. كما نقول أنا أريد ويدى تنفذ ولكن أنا ويدى واحد. وبنفس المنطق يقول المسيح "واما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم الى جميع الحق لانه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بامور اتية" (يو16: 13).

وعموما فحين يتكلم المسيح عن أعمال يقول ما أراه، وحين يتكلم عن أقوال يقول ما أسمع أو ما يسمعه الروح القدس. والأعمال عند الآب هى إرادة غير منظورة، أعمال يريدها الآب، والإبن يعملها فتصبح منظورة ونراها.

وبنفس الأسلوب فلكي يقول السيد المسيح لليهود أنهم في توافق مع فكر الشيطان ويعملون ما يريده الشيطان قال لهم "أنتم تعملون ما رأيتم عند أبيكم" (يو38: 8). وكان المسيح يقصد أن أبيهم هو إبليس القتال (يو44: 8) لأنهم يريدون أن يقتلوا المسيح (يو40: 8) إذاً عبارة "تعملون ما رأيتم" أو "أعمل ما رأيت" تشير للتطابق التام في الفكر والعمل. وبنفس المفهوم "أعمل ما أسمع أو أقول ما أسمع".

آية (يو5: 20): - "20لأَنَّ الآبَ يُحِبُّ الابْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ، وَسَيُرِيهِ أَعْمَالاً أَعْظَمَ مِنْ هذِهِ لِتَتَعَجَّبُوا أَنْتُمْ.".

مطابقة أعمال الابن لأعمال الآب راجعة للصلة المكينة بين الآب والابن والمبنية على المحبة. فالله محبة والوحدة بين الآب والإبن تم التعبير عنها بأن الآب يحب الإبن. فالله محبة، هذه هي طبيعته، ينبع محبة تنسكب في الإبن فيصبح الآب في الإبن والإبن في الآب. والأعمال التي يعملها المسيح هي إعلان دائم عن محبة الآب للإبن والتي صارت لنا، والابن يعلن محبته في خضوعه التام لإرادة الآب (يو34: 4) فالآب والإبن واحد، الآب فى الإبن والإبن فى الآب، لذلك فإرادتهما واحدة وفكرهما واحد ولكن الآب أقنوم الإرادة والإبن أقنوم التنفيذ، وليشرح المسيح هذا عبَّر بقوله "ما أراه عند الآب" أعمله، وهل يوجد من يرى ما عند الآب وما فى عقل الآب إلا الإبن الذى هو فى الآب. والابن المتجسد يقول إن الآب يُريه وسيُريه من واقع الزمن البشري الذى تعمل فيه الاعمال. فمعجزة تفتيح عيني الأعمى التي حدثت بعد ذلك هي أعجب ثم إقامة لعازر أعجب وأعجب. والمسيح يسمى هذه المعجزات أعمال. فهي بالنسبة لنا خوارق ومعجزات أما بالنسبة له فهي مجرد أعمال. لتتعجبوا = فهو يعلم أنهم لن يؤمنوا وسيكتفوا بالتعجب، أمّا المؤمن فهو يؤمن حتى دون أن يرى. فالتعجب إن لم يتحول إلى إعجاب والإعجاب إلى إيمان يتبخر التعجب. والفعلان يحب ويريه جاءا بصيغة الحاضر المستمر فهما عملان مستمران لا ينقطعان. والآب يحب الإبن = أي إرتباط ووحدة في المحبة فطبيعة الله المحبة. هذه تعبير عن الوحدة بلغة المحبة التي هي طبيعة الله.

من هنا نرى أن الوحدة بين الآب والإبن تم التعبير عنها بعدة طرق:

راجع تفسير يوحنا 9: 15.

آية (يو5: 21): - "21لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي، كَذلِكَ الابْنُ أَيْضًا يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ.".

المسيح أراهم سلطانه في شفاء المقعد، وهنا يشرح أن سلطانه يصل لأن يحيي. إذاً الأعمال الأعظم التي تكلم عنها سابقاً هي الإقامة من الأموات.

آية (يو5: 22): - "22لأَنَّ الآبَ لاَ يَدِينُ أَحَدًا، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلابْنِ،".

لأن = إذاً ما سيأتى مترتب على ما سبق، فالإبن له سلطان أن يحيى من يشاء لأنه هو الذى يدين ومن يدين، له أن يهب الحياة لمن يستحق، أو أن يمنعها عن غير المستحق.

والمسيح هو الديان لأن الآب لا يدين أحد فقد ترك الدينونة للإبن الذي تجسد وشعر بضعف البشر وهو أتى ليعطينا حياة، (مت31: 25 - 46 + أع41: 10 - 42 + رو10: 14 + 2كو10: 5 + 2تي1: 4) فالذي يعطي الحياة يكون له أيضاً سلطان أن يحكم عليها، ومن يقيم الموتى له أن يحاسبهم، ومن يحيي قادر أن يميت أيضاً. وكما خلق الآب العالم بالابن فهو يدين العالم أيضا بالإبن. كل الدينونة = يدين كل مخلوق، فهو خالق الجميع، ولأنه نور فمن يرفضه يُدان. وهو له أن يدين على الأرض وفي السماء. والدينونة هي من الأعمال الأعظم.

هذه تشبه أنه في أيام نوح، من رفض دخول الفلك لم يبق أمامه سوى الهلاك. والفلك يرمز لجسد المسيح الذي هو الكنيسة.

آية (يو5: 23): - "23لِكَيْ يُكْرِمَ الْجَمِيعُ الابْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الآبَ. مَنْ لاَ يُكْرِمُ الابْنَ لاَ يُكْرِمُ الآبَ الَّذِي أَرْسَلَهُ.".

الذي أرسله = ليؤكد لهم صلته بالله الآب. وأرسلهُ هذه كما ترسل الشمس أشعتها بدون إنفصال عنها. وهنا المسيح يعلن مساواته للآب في لاهوته بغير مواربة. وهذا راجع للوحدة بينهما. لكي = أي لأن الابن يحيي ويدين تحتم أن يكرم الناس بل كل الخليقة، الابن، كما يكرمون الآب. الإيمان بأحد الأقنومين يستلزم الإيمان بالآخر فهما واحد وكذلك إكرام أحدهما. في الآيات (21 - 22 - 23) يعلن المسيح لاهوته علانية.

المسيح هنا يريد من الكل أن يعرفه، لأن من عرفه سيعرف الآب، فهو صورة الآب، وهو واحد مع الآب. وبالتالي من يكرم المسيح يكرم الآب أي عرف الآب، ومن يرفض المسيح فهو يرفض الآب. ومن يدعى أنه يعبد الآب ولا يكرم المسيح فهو يعبد صورة للآب رسمها هو لنفسه. فمن رآني فقد رأي الآب (يو9: 14) المسيح هنا لا يطلب أو يسعى لأن يكرمه الناس، بل هو يطلب خلاص الناس.

آية (يو5: 24): - "24«اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ.".

الحياة الأبدية = هي حياة الله ذاته يعطيها الله للإنسان، ونأخذها من الآن بإيماننا بالمسيح. فهي ليست حياة بشرية. هذا هو الخلود الحقيقي. ابتداء من هذه الآية يتكلم المسيح بصيغة المتكلم بعد أن كان يتكلم بصيغة الغائب وكأن المعنى أن ما قلته لكم من قبل عن العلاقة بين الآب وإبنه ينطبق علىَّ فأنا الإبن الوحيد. الحق الحق أقول لكم = هذه تشبه القسم في العهد القديم، فهو إعلان رسمي إلهي. وهنا نرى الوحدة بين الآب والإبن، فشرط الحياة أن نسمع كلام الإبن ونؤمن بالآب، فالخلاص هو بالآب والابن.

يسمع كلامي = أي يدخل لأعماقه ويحرك قلبه ويصدق وينفذ ويستمد قوة من الوصية على تنفيذها. ويسمع كلامي = كلامي جاءت هنا لوغوس ويكون المعنى أن يقبلني أنا الكلمة المتجسد. يؤمن بالذي أرسلني = الإيمان بأحد الأقنومين يستلزم الإيمان بالآخر فهما واحد وكذلك إكرام أحدهما = أي يؤمن بكل ما قلته عن الآب كما إستعلنته أنا، وبالذات أنه أرسل المسيح. فالإيمان بالآب يستلزم الإيمان بالمسيح والإيمان بالمسيح يستلزم الإيمان بالآب. يؤمن بالذي أرسلني = حتى لا يشعروا أنه يفضل نفسه عن الله. عموماً هو والآب واحد وهو لا يريدهم أن يتشككوا فيه. لا يأتي إلى دينونة = أي الهلاك فالمسيح سيحمل الدينونة عن الإنسان الذي يؤمن به (التائب طبعاً).

إنتقل من الموت = الموت هنا هو موت الخطية لأن الذي يؤمن ويسمع تغفر خطاياه. لقد إنتهت خطورة الموت الجسدي، ولكن الموت الأخطر هو موت الخطية وعدم الإيمان، لذلك يقول يوحنا في (1يو2: 1 + 4) أن الحياة أظهرت. والإنتقال من الموت إلى الحياة يعني بداية الحياة الأبدية. وهذه تبدأ بالمعمودية وتستمر بالتوبة "إبني هذا كان ميتاً فعاش". والحياة الأبدية هي حياة المسيح الأبدي (يو11: 25)، ونحصل عليها بالإتحاد معه في المعمودية (رو3: 6 - 5) ونستمر نحياها بحياة التوبة.

يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني = يسمع كلامي لا تعني فقط أن ننفذ وصايا المسيح، بل أن نعرفه ونؤمن به ونتذوق حلاوة عشرته. ومن يفعل يسهل عليه أن يصل لمعرفة الآب الذي أرسله. وهذا يشبه كلام عروس النشيد التي بعد أن فرحت بعريسها (المسيح) طلبت قبلات الآب.. "ليقبلني بقبلات فمه" (هذه عن الآب) "لأن حبك أطيب من الخمر" (هذه عن الإبن) (نش2: 1).

آية (يو5: 25): - "25اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ، حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللهِ، وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ.".

هنا نرى أن التوبة هي شرط للحياة الأبدية. فمن يسمع صوت إبن الله أي يؤمن به ويتوب وهؤلاء يحيون. في هذه الآية يتحدث المسيح عن قيامة النفس من موت الخطية. ولكن هناك قيامة ثانية للجسد يشير لها في آية (28). الآن = هذه الآية تشير للواقع الحاضر. يسمع الأموات = أي موتى الخطية الابن الضال كان ميتاً فعاش + (أف5: 2 + أف14: 5) فالميت فقد الإحساس ببشاعة الخطية وصار يشرب الإثم كالماء. هذا فقد تبكيت الروح القدس. وكانت إقامة المقعد رمزاً لإقامة موتى الخطية وأيضاً تشير لمقدرة الرب على قيامة الجسد. والآن = هو وقت التوبة (إش8: 49 + 2: 61). فالقوة القادرة أن تقيم من الموت مستعدة الآن أن تقيم كل من يريد. ومن يسمع تكون له حياة ومن لا يسمع ويسلك وراء شهواته يكون له دينونة.

آية (يو5: 26): - "26لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، كَذلِكَ أَعْطَى الابْنَ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ،".

الطبيعة الإلهية للآب هي نفسها الطبيعة الإلهية للإبن. والحياة هي من صميم خواص الطبيعة الإلهية. فالله حي بذاته أي الحياة ليست ممنوحة له. لذلك نصلي "قدوس الحي الذي لا يموت".

أعطى الإبن أيضاً = أغسطينوس يقول أن أعطى تساوي وَلَدَ، وفى الترجمة الإنجليزية الـ KJV جاءت كلمة أعطى given. وجاء فى قاموس Strongs الأمريكى لأصول كلمات الكتاب المقدس فى لغاتها الأصلية، أن الكلمة تأتى بمعنى to bring forth أى يلد. فتكون الآية بمعنى أن الإبن مولود من الآب وله حياة فى ذاته، وهذه هى طبيعته. فالإبن مولود وله حياة في ذاته من آب له حياة في ذاته. ليس أنه أعطاه شيئاً من خارجه فهو لأنه مولود منه بالطبيعة، فله نفس ما للآب كولادة النور من الشمس. هو لم يعطه حياة في ذاته، بل أعطى الإبن أن تكون له الحياة في ذاته. هو لم يقل (الآب أعطى للإبن حياة في ذاته) فهذا يعني أن الإبن لم يكن له حياة في ذاته، والآب أعطى له حياة. ولكن قال (أعطى الإبن أيضاً أن تكون له حياة في ذاته) فالإبن فيه الحياة التي في الآب. الحياة الذاتية التي لا تموت. ولأن له الحياة في ذاته يستطيع أن يحيي من يسمع صوته. والآية تشير للتساوي التام والتطابق التام بين الآب والابن خصوصاً أن لفظ أيضاً يشير لهذا، فكل ما هو للآب هو للإبن (يو10: 17). ويقصد بالآية أن هناك تقسيم للعمل داخل الثالوث القدوس. وهو يذكر هذه الآية هنا بعد آية (25) لكي يشير أن للإبن سلطان أن يعطي حياة لمن يسمع صوته ويتوب ويؤمن. ويقولها قبل آية (29): فللإبن سلطان أن يعطي حياة للأموات. وقد رأينا توزيع الأعمال أيضاً في آية (22) فالدينونة هي للإبن. فالآب له حياة في ذاته والإبن له حياة في ذاته. ولكن كلمة أعطى تفيد التمايز بين الآب والإبن. وكما أن الآب لا يستمد وجوده من آخر كذلك الإبن لا يستمد وجوده من آخر. والإبن بإتحاده بالآب هو أيضاً واهب حياة بسلطانه المطلق الناتج عن هذا الإتحاد. ولكن بحكم أن المسيح كان تجسده في فكر الله منذ الأزل فإن الآب أعطى أن تكون للإبن الحياة في ذاته ليعطيها بكونه فادياً، وبكونه إلهاً ذا جوهر واحد مع الآب فهو له الحياة في ذاته، هو نبعها ومعطيها. ويمكن بتشبيه بسيط أن نقول أن الآب أعطى الإبن كذا = أنني مثلاً خصصت ذراعي اليمنى لكذا.. والإبن مشبه فعلاً بذراع الله (إش9: 51). بإختصار فالمعنى أن الآب له حياة في ذاته، ومولود منه إبن له نفس طبيعته، أي له حياة في ذاته. ولأن الآب يريد أن يعطي حياة للبشر يكون هذا عمل الإبن. فالإبن ينفذ إرادة الآب. وإرادة الآب والإبن واحدة لأنهما واحد. لكن الآب يريد والإبن ينفذ.

ولكن لماذا قالها المسيح هكذا ولم يقل "أنا لي الحياة في ذاتي أهبها لمن أشاء": -.

[1] المسيح يستعلن الآب فهو الإبن الذي في حضن أبيه الذي يخبرنا عن الآب ومحبته وإرادته أن تكون لنا حياة أبدية، فتجسد الإبن المسيح وقدم الفداء ليعطيها لنا فهو فيه الحياة فى ذاته، وله السلطان أن يعطيها لمن يشاء (يو18: 1) + (يو27: 16) فالابن أتى ليعطى حياة لنا، وهذه إرادة الآب، الآب يريد والابن أتى لينفذ.

[2] هو يربط بينه وبين الآب حتى لا يشكوا فيه.

آية (يو5: 27): - "27 وَأَعْطَاهُ سُلْطَانًا أَنْ يَدِينَ أَيْضًا، لأَنَّهُ ابْنُ الإِنْسَانِ.".

كما أن الآب يخلق العالم بالإبن هكذا هو يدين العالم بالإبن. سبق المسيح وأعلن لاهوته وهو هنا يعلن ناسوته وإنه إبن الإنسان وأنه هو يدين كإنسان. فالديان صار من جنسنا وهذا منتهى العدل الإلهي (عب17: 2 - 18 + 15: 4 - 16). وما يميزه كقاضٍ للبشرية أنه شفيع للبشرية أيضاً (عب24: 7 - 25). وبولس جمع بين الصفتين في (رو34: 8) ومن يرفض المسيح كشفيع لا يتبقى له سوى المسيح الديان. إبن الإنسان (دا 13: 7 - 14 + 1كو21: 15) والمسيح بقوله إبن الإنسان كان ينبه الحاضرين ليتذكروا نبوة دانيال فيعرفوا شخصه.

الآيات (يو5: 28–29): - "28لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هذَا، فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ، 29فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ.".

المسيح هنا يتكلم عن الموتى بالجسد حين يقومون في نهاية الزمان للدينونة. لا تتعجبوا = من إقامة مخلع فستروا أعظم وأنني إبن الله وأنني إبن الإنسان. ولي هذا السلطان وسترونني دياناً للكل يوماً ما ومعطي حياة جديدة وأعيد خلقة البشر. فعلوا الصالحات = تشمل الإيمان بالمسيح. وعملوا السيئات = تشمل رفض الإيمان بالمسيح.

هنا المسيح إستخدم فعلين مختلفين فعلوا وعملوا. وإستخدام فعلوا للصالحات وعملوا للسيئات. فعلوا = تشير لأن الإنسان الصالح فعل ما سمعه من صوت الروح القدس أفعالاً كانت ثماراً للروح الذي في داخله. عملوا = أعمالاً سيئة ناشئة عن طبيعة سيئة عاصية متمردة. فعلوا هي ثمار الروح القدس وعملوا هي ناتج الجسد الطبيعي.

ومن يؤمن بالمسيح تكون أعماله صالحة، فهو صار يعيش للمسيح والمسيح يحيا فيه. ومن لا يؤمن سيدان (يو18: 3 + 1يو9: 5 - 12). ومن أعماله غير صالحة سيدان (رو2: 2 - 10 + 2كو10: 5). وهناك يوم محدد للدينونة (أع30: 17 - 31). وهذا اليوم هو يوم ظهور المسيح (2تي1: 4). وأن المسيح هو الديان (أع40: 10 - 42). والمسيح طالما له سلطان أن يحيي فهو سيعطي الحياة الأبدية لمن ليس عليهم دينونة (يو39: 6 - 40). وهو أعطانا جسده ودمه لتكون لنا حياة (يو54: 6).

ولاحظ أنه هنا قال جميع. فالبشر كلهم لهم قيام. ولكن يوجد طريقان (الحياة والدينونة) بينما في آية (25) لم يقل جميع، فالبشر أحرار الآن أن يستجيبوا أو يرفضوا.

آية (يو5: 30): - "30أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئًا. كَمَا أَسْمَعُ أَدِينُ، وَدَيْنُونَتِي عَادِلَةٌ، لأَنِّي لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي.".

هذه الآية وصلة بين ما سبق الذي تحدث فيه يسوع عن مساواته مع الآب وبين بقية الإصحاح الذي يتكلم فيه عن الشهادة له. المسيح هنا لأول مرة يقول أنا. فظهر بوضوح أنه يقصد نفسه بكل ما سبق كما أسمع أدين = تعنى إستحالة الإنفصال بين الأقنومين في الرأي أو العمل وتشير للإتفاق التام. هي إشارة لمعرفة تامة لفكر الآب لذلك يقول دينونتي عادلة = فهو لا يطلب شيئاً لنفسه. ما دام هناك تساوي مطلق فهذه تشير أن لهما إرادة واحدة فالآب يريد والإبن ينفذ ويعلن لنا أي يستعلن إرادة الآب، فهو وحدهُ الذي يعرف مشيئة الآب. ولا توجد خليقة ما مهما كانت تستطيع أن ترى الله وتسمعه وتعرفه وتعرف إرادته إلاّ الإبن الذي هو من طبيعة الآب، لذلك فهذه الآية تشير لطبيعة المسيح الإلهية (يو18: 1). لا أطلب مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني = مشيئة الإبن أن يعمل مشيئة الذي أرسله (يو34: 4) ومشيئة الآب نجدها في (يو39: 6 - 40) وبهذا نرى أن مشيئة الآب والإبن في إنسجام تام ووحدة، فمشيئة الله أن الجميع يخلصون. هذه الآية تكرار للآية (19) ولكن هنا يوضح أن الإبن في آية (19) هو يسوع نفسه، لذلك يقول هنا "أنا" وهو لا يعمل شيئاً بدون شركة مع الآب. فالبنوة فيها إتصال الآب بالإبن.

الآيات (19 - 23) نرى فيها تسلسل لطيف جداً. ففي آية (19) نرى الإبن يعمل ما يعمله الآب. وفي آية (20) يشرح لماذا فيقول لأن الآب يحب الإبن. ثم يقول وسيريه أعمالاً أعظم. وفي آية (21) يقول لأن الابن يحيي. إذاً إقامة الأموات هي الأعمال الأعظم. والإبن سيحيي من يشاء لأنه له الدينونة آية (22) ولكن ما معنى يريه جميع ما هو يعمله.. وسيريه.. وكما أسمع أدين (آية30).

نرى في آية (19) التساوي المطلق بين الآب والإبن = مهما عمل ذاك فهذا يعمله الإبن كذلك. والسبب في آية (20) هو المحبة. فالله محبة، ينبع محبة. والإبن هو المحبوب (أف6: 1). والروح القدس هو روح المحبة. هي وحدة أساسها المحبة. وبسبب هذه الوحدة والمحبة، فالإبن يعمل كل ما يعمله الآب، وله كل ما للآب ويريه جميع ما هو يعمله = يريه تعني المعرفة الكاملة بما يريد الآب. فلا يعرف الآب إلا الإبن ولا أحد يعرف الإبن إلاّ الآب (لو22: 10). هي معرفة التطابق الناشئ عن الوحدة. ولكن داخل المشورة الثالوثية لكل أقنوم عمله [ونسمع فى سفر إشعياء هذا النص عن المشورة الثالوثية "الآن السيد الرب ارسلني وروحه" (إش48: 16)]. فالآب يريد. والإبن ينفذ. فالآب يريد أن الجميع يخلصون، والإبن يقدم التجسد والفداء. والروح القدس يجدد الخليقة. الآب يريد أن يعطي حياة للبشر، وهذا ما يعمله الإبن. والآب خلق العالم بالإبن، ويفعل كل الأشياء بالإبن، فالإبن به كان كل شئ. بل الإبن سيقوم بتجميع البشر في جسده ليقدم الخضوع للآب، ويعطي البشر حياة فهو له حياة في ذاته. بل هو الوحيد الذي بجسده أطاع كل الوصايا. والمسيح له أعمال، هذه قال عنها أن الآب أراه إياها أو يريه إياها. وله أقوال وتعاليم ودينونة قال عنها أنه سمعها من الآب. وبنفس المفهوم يقال هذا عن الروح القدس "كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية" (يو13: 16). فهي معرفة التطابق الناشئ عن المعرفة نتيجة الوحدة، الوحدة التي في طبيعة الله بالمحبة. والآب يريد والإبن يَعْمَلْ ويُعَلِّمْ. والروح القدس يُخْبِرْ.

وبهذا المفهوم فالمسيح يقول لهم.. وإن شفيت في السبت فأنا لم أخالف وصايا الآب. وكيف أخالفها إن كان هناك هذه الوحدة وهذا الحب.

وإذا قال المسيح يريها فهو يقصد الأعمال التي يعملها الآن. وإذا قال سيريه فهو يقصد الأعمال التي سيعملها في المستقبل كإقامة أموات، بل قيامته هو شخصياً. وإذا قال رأيت فهذا إشارة لسابق وجوده قبل التجسد.

وقول السيد المسيح هنا أنه يحيي من يشاء فهذا إشارة لأنه هو يهوه، فهذه مقدرة الله فقط (تث29: 32 + 2مل7: 5 + 1صم6: 2). وهذا ما يفهمه اليهود الذين يكلمهم المسيح. ويعلن المسيح أيضاً بوضوح أنه يهوه إذ هو الديان، وكان يغفر الخطايا. هو ينقلهم بالتدريج ليفهموا من هو.

وإذا فهموا من هو فيكرموه كما يكرموا الآب آية (23). ومن يرفضه ولا يؤمن به أو لا يكرمه فمصيره الدينونة آية (24).

في هذه الآيات نرى العلاقة بين الآب والإبن:

فهما مشيئة واحدة: فالإبن لا يقدر أن تكون له إرادة منفصلة في العمل عن إرادة أبيه.

غير منفصلين: فالإبن ينظر كل ما للآب ويسمع كل ما عند الآب (وهكذا الروح القدس).

نفس القدرة: كل ما يفعله الآب يفعله الإبن.

الحب يربط بينهما: فالإبن يعرف كل أسرار الآب.

كل ما للآب هو للإبن: فالإبن يحيي من يشاء وهذا عمل الآب. وهذه عبارة لم تقال عن إيليا أو غيره حين أقاموا أموات.

الإبن هو الديان: وهذا عمل الآب "أديان الأرض كلها.." (تك25: 18).

لهما نفس الكرامة: فكما يكرمون الآب عليهم أن يكرموا الإبن أيضاً.

ملخص للآيات السابقة (17 - 30).

قام السيد المسيح بعمل معجزة إبراء المقعد يوم سبت فثار اليهود عليه، بل طلبوا أن يقتلوه. وأجابهم يسوع بهذه الآيات التي يمكن تلخيصها في الآتي:

  • المسيح أتى للشفاء وليظهر الآب ومحبة الآب للبشر، هو يستعلن الآب.
  • لماذا تتعجبون أنني أعمل يوم السبت وأبي (الله) لا يكف عن العمل، وأنا أيضاً (17).
  • هناك تطابق تام في الفكر والإرادة بيني وبين الآب (19).
  • العمل الذي يريد الآب أن يعمله أن لا يترك البشر في حالة موت ومرض بل هو يريد أن يحيي البشر، لذلك أرسلني لأعمل هذا العمل وأعطي حياة للموتي (21).
  • الإبن يعطي الحياة لمن يقبله ويؤمن به ويتحد به، فالإبن يُكَوِّن الكنيسة التي هي جسده لكل من يقبل. ومن يرفض فقد حكم على نفسه بالهلاك. وهذا معنى دينونة الإبن للبشر (22).
  • الفرصة أمامكم فإقبلوني فأنا صورة الآب. ومن يكرمني يكرم الآب (23).
  • من يقبلني فقد آمن بالآب بالطريقة الصحيحة وتكون له حياة أبدية (24).
  • دعوتي الأساسية هي التوبة، وكل من يفعل يتحد بي فتكون له حياة (25).
  • أنا لي الحياة في ذاتي، لذلك أنا قادر أن أحيي (26).
  • لذلك من لا يقبلني لن تكون له حياة = هذا معنى أن للإبن سلطان أن يدين (27).
  • الحياة تبدأ هنا لمن يتوب، لكن الحياة ستستمر للأبد (29).
  • الآن ليس وقت الدينونة، هذا لا يريده الآب الآن، لذلك لن أدين أحد، فإرادتي ومشيئتي هما تماماً كإرادة ومشيئة الآب. أنا الآن أجمع الكنيسة، فإنتهزوا الفرصة (30).
  • الآن ما معنى إعتراضكم على ما قمت به من شفاء للمريض فهذه إرادة الآب وراحة الآب، ولهذا أرسلني الآب لأشفي وأحيي ولأن الكلام الذي قيل كان صعباً تكلم الرب فيما يلي عن الشهود الذين يشهدون له.

الأعداد 31-47

الآيات (يو5: 31– 47): -

"31«إِنْ كُنْتُ أَشْهَدُ لِنَفْسِي فَشَهَادَتِي لَيْسَتْ حَقًّا. 32الَّذِي يَشْهَدُ لِي هُوَ آخَرُ، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ الَّتِي يَشْهَدُهَا لِي هِيَ حَق. 33أَنْتُمْ أَرْسَلْتُمْ إِلَى يُوحَنَّا فَشَهِدَ لِلْحَقِّ. 34 وَأَنَا لاَ أَقْبَلُ شَهَادَةً مِنْ إِنْسَانٍ، وَلكِنِّي أَقُولُ هذَا لِتَخْلُصُوا أَنْتُمْ. 35كَانَ هُوَ السِّرَاجَ الْمُوقَدَ الْمُنِيرَ، وَأَنْتُمْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَبْتَهِجُوا بِنُورِهِ سَاعَةً. 36 وَأَمَّا أَنَا فَلِي شَهَادَةٌ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا، لأَنَّ الأَعْمَالَ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ لأُكَمِّلَهَا، هذِهِ الأَعْمَالُ بِعَيْنِهَا الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا هِيَ تَشْهَدُ لِي أَنَّ الآبَ قَدْ أَرْسَلَنِي. 37 وَالآبُ نَفْسُهُ الَّذِي أَرْسَلَنِي يَشْهَدُ لِي. لَمْ تَسْمَعُوا صَوْتَهُ قَطُّ، وَلاَ أَبْصَرْتُمْ هَيْئَتَهُ، 38 وَلَيْسَتْ لَكُمْ كَلِمَتُهُ ثَابِتَةً فِيكُمْ، لأَنَّ الَّذِي أَرْسَلَهُ هُوَ لَسْتُمْ أَنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِهِ. 39فَتِّشُوا الْكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي. 40 وَلاَ تُرِيدُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَيَّ لِتَكُونَ لَكُمْ حَيَاةٌ. 41«مَجْدًا مِنَ النَّاسِ لَسْتُ أَقْبَلُ، 42 وَلكِنِّي قَدْ عَرَفْتُكُمْ أَنْ لَيْسَتْ لَكُمْ مَحَبَّةُ اللهِ فِي أَنْفُسِكُمْ. 43أَنَا قَدْ أَتَيْتُ بِاسْمِ أَبِي وَلَسْتُمْ تَقْبَلُونَنِي. إِنْ أَتَى آخَرُ بِاسْمِ نَفْسِهِ فَذلِكَ تَقْبَلُونَهُ. 44كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تُؤْمِنُوا وَأَنْتُمْ تَقْبَلُونَ مَجْدًا بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَالْمَجْدُ الَّذِي مِنَ الإِلهِ الْوَاحِدِ لَسْتُمْ تَطْلُبُونَهُ؟ 45«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي أَشْكُوكُمْ إِلَى الآبِ. يُوجَدُ الَّذِي يَشْكُوكُمْ وَهُوَ مُوسَى، الَّذِي عَلَيْهِ رَجَاؤُكُمْ. 46لأَنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَ مُوسَى لَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونَنِي، لأَنَّهُ هُوَ كَتَبَ عَنِّي. 47فَإِنْ كُنْتُمْ لَسْتُمْ تُصَدِّقُونَ كُتُبَ ذَاكَ، فَكَيْفَ تُصَدِّقُونَ كَلاَمِي؟ ».".

آية (يو5: 31): - "31«إِنْ كُنْتُ أَشْهَدُ لِنَفْسِي فَشَهَادَتِي لَيْسَتْ حَقًّا.".

المسيح هنا يلجأ لثلاثة شهود فاليهود شكوا فيه إذ قال عن نفسه أنه إبن الله وهو قرأ فكرهم وهنا المسيح يلجأ للشهود الآخرين [1] هو نفسه (آية31 + يو14: 8) [2] الآب (آية32) [3] يوحنا المعمدان (آية33). فالمسيح يؤكد شهادته لنفسه بشهادة إثنين آخرين. وبحسب الناموس اليهودي فالشهادة تقبل على فم شاهدين (تث6: 17 + 15: 19 + عد30: 35). قطعاً شهادة المسيح عن نفسه كافية فهو الحق. وهو قال هذا (يو14: 8) ولكن اليهود بحسب تفكيرهم وبحسب ناموسهم يحتاجون لشهود (يو13: 8) هنا يقول إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي ليست حقاً = هذا بحسب المنطق البشري. وفي (13: 8) قال "شهادتي حق" = فهذا منطق الله، فالله غير خاضع للمعايير البشرية.

آية (يو5: 32): - "32الَّذِي يَشْهَدُ لِي هُوَ آخَرُ، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ الَّتِي يَشْهَدُهَا لِي هِيَ حَق.".

آخر = هو الآب لأن الفعل يشهد أتى في زمان المضارع الدائم، وهذا لا يستقيم في حالة أي إنسان، لأن أي إنسان تكون شهادته مؤقتة أما شهادة الآب فدائمة وصادقة. والآب شهد للمسيح أنه إبنه يوم العماد ويوم التجلي وشهد له بالنبوات (آيات 38 - 39) وشهد له بالأعمال التي يعملها المسيح والتي تظهر أن الآب فيه (36). والمسيح يعرف شهادة الآب عنه بسبب علاقته الأقنومية به. واليهود لا يعرفون بسبب خطاياهم وكبريائهم (38).

الآيات (يو5: 33–34): - "33أَنْتُمْ أَرْسَلْتُمْ إِلَى يُوحَنَّا فَشَهِدَ لِلْحَقِّ. 34 وَأَنَا لاَ أَقْبَلُ شَهَادَةً مِنْ إِنْسَانٍ، وَلكِنِّي أَقُولُ هذَا لِتَخْلُصُوا أَنْتُمْ.".

هنا المسيح يقول لهم أنا أشهد لنفسي ويشهد لي الآب وأنتم لا تصدقون، وأرسلتم وسألتم يوحنا فشهد لي، والمسيح يقول هذا لا ليطلب شهادة المعمدان لأنه محتاج إليها فهو لا يحتاج لشهادة إنسان، فمن يحتاج لشهادة إنسان فهو يعتمد على هذا الإنسان ويحتاج لهذا الإنسان والله لا يحتاج لأحد. بل إذ كانوا فرحين بالمعمدان وواثقين فيه ويكرمونه (على أن كثيرين رفضوه أيضاً لو29: 7 - 30) لجأ المسيح لشهادته ليجعلهم يؤمنون به فيخلصون. المسيح يلجأ لشهادة المعمدان ليرضيهم بحسب منطقهم فيجذبهم للخلاص. ولكن من غير المقبول أن يتوقف صدق الله على شهادة إنسان.

سؤال: - إذا كان المسيح لا يحتاج لشهادة المعمدان فما معنى أنه السابق الذى يعد الطريق للمسيح؟ المعمدان لم يأتى ليشهد للمسيح بل ليدعو للتوبة ومن يتنقى ستنفتح عيناه ويعرف المسيح. فالنور لا يحتاج لمن يشهد له أنه نور، بل يحتاج لعين مفتوحة تراه. والتوبة تنقى القلب فتنفتح الأعين فنعرف الرب ونعاينه.

آية (يو5: 35): - "35كَانَ هُوَ السِّرَاجَ الْمُوقَدَ الْمُنِيرَ، وَأَنْتُمْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَبْتَهِجُوا بِنُورِهِ سَاعَةً.".

يوحنا المعمدان كان سراج = ربما كان المعمدان قد إستشهد وقتها أو كان في السجن وبهذا توقفت خدمته أي نوره قد توقف، ومهما كان المعمدان فهو كمصباح لابد وأن وقوده سينفد في وقتٍ ما. ولكنه كان سراج موقد من الداخل بالمحبة والغيرة ومنير من الخارج في قداسته. أنتم أردتم أن تبتهجوا بنوره = هللوا له وقت ظهوره إذ ظنوه هو المسيا، ولكن المعمدان ظهر لفترة وجيزة = ساعة = وقت قصير أي عدة شهور، بينما أن بهجة خلاص المسيح فأبدية. أمّا اليهود الذين فرحوا بيوحنا المعمدان وتركوا المسيح، فهم إختاروا البركة المؤقتة وتركوا نعمة الملكوت الدائمة. ويوحنا كان سراجاً ينيره آخر أي الله (يو8: 1). لكن المسيح هو النور الحقيقي فالنور طبيعته (يو9: 1). وقوله السراج عن المعمدان فلأن المعمدان كان يشهد للمسيح وينير الطريق لليهود حتى يروا المسيح فيؤمنوا به. وهذا معنى يعد الطريق أمام المسيح.

آية (يو5: 36): - "36 وَأَمَّا أَنَا فَلِي شَهَادَةٌ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا، لأَنَّ الأَعْمَالَ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ لأُكَمِّلَهَا، هذِهِ الأَعْمَالُ بِعَيْنِهَا الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا هِيَ تَشْهَدُ لِي أَنَّ الآبَ قَدْ أَرْسَلَنِي.".

الأعمال = المعجزات + تعاليمه وأقواله التي كانت بسلطان. كل هذا يشير للقوة الإلهية التي تعمل فيه. أعمال المسيح هي برهان صدق إرساليته (25: 10 + 32 + 37 - 38) + (10: 14 - 11) + (24: 15). أعمال المسيح تستعلن الله الآب في شخص المسيح. ولنلاحظ أن من يقبل إبن الله في قلبه يكون له شهادة في داخله له ولا يحتاج معها شهادة من خارج، فالإيمان بالمسيح يحمل تأكيده فيه لأنه هو شهادة صدق الله.

أعطاني = المسيح يركز على أن الآب يعطي الإبن (35: 3) + (3: 13) + (22: 5 + 26 - 27) + (39: 6) + (2: 17 + 4 + 6 + 12 + 24) + (49: 12) ومعنى أن الآب يعطي الإبن فهذا لأن كل شئ وكل عمل وكل مشيئة عند الآب هي غير منظورة والآب يعطيها للإبن ليظهرها، أو يعطي الإبن أن يظهرها ويعلنها على مستوى الفعل والواقع المنظور. فالأعمال عند الآب والإبن هي واحدة، غير منظورة عند الآب، ومنظورة بالإبن، فالآب يعمل بالإبن، الآب يريد، والإبن ينفذ فهو قوة الآب (1كو24: 1). وبنفس المفهوم نفهم لماذا قال المسيح انه لا يعرف الساعة؟ فالآب لا يريد إعلانها. ودور الابن إظهار هذه الإرادة التى هى أيضا إرادته فهما واحد. وأيضا هكذا نفهم (رؤ1: 1) إذاً العطاء من الآب للإبن يفيد أن الإبن يكمل عمل الآب أى ينفذه أو يظهره. لأكملها = يكملها هنا تفيد التكميل حتى النهاية أو حتى الكمال "العمل الذي أعطيتني قد أكملته" + "قد أكمل".

يوحنا كان مجرد سراج يظهرني لكم. هو يدعو للتوبة، ومن فعل عرف المسيح. لكن المسيح جاء ليعمل أعمال هي شفاء وإعطاء حياة وتجديد الخليقة. وهذه هي الراحة. هذا هو السبت الحقيقي راحة الله هي في راحة البشر.

الآيات (يو5: 37–38): - "37 وَالآبُ نَفْسُهُ الَّذِي أَرْسَلَنِي يَشْهَدُ لِي. لَمْ تَسْمَعُوا صَوْتَهُ قَطُّ، وَلاَ أَبْصَرْتُمْ هَيْئَتَهُ، 38 وَلَيْسَتْ لَكُمْ كَلِمَتُهُ ثَابِتَةً فِيكُمْ، لأَنَّ الَّذِي أَرْسَلَهُ هُوَ لَسْتُمْ أَنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِهِ.".

المسيح هنا ينتقل من شهادة الأعمال له وهي نفس أعمال الآب إلى شهادة الآب نفسه (16: 8 + 18 + 29). فالآب شهد للإبن يوم العماد ويوم التجلي وبالأنبياء وبروحه الذي يخاطب القلوب ولكنهم لا يريدون أن يسمعوا، وبأعماله التي يعملها. فالآب والإبن يعملوا الأعمال. وبأقواله وتعاليمه، فالآب كلمنا في إبنه. ولاحظ أن أعمال الإبن: [1] كثيرة جداً (لا يسعها كل كتب العالم) [2] عظيمة ومبهرة (ما رأينا مثل هذا قط) [3] جهراً أمام الكل [4] كلها للخير (هو لم يميت أحد) أما أقواله فبهرت الكل. وكان كل هذا ليستعلن الآب. فالآب يشهد للإبن شهادة كامنة في الإبن، لأن الإبن هو كلمة الآب وصوت الآب وصورة الآب، وهذا ندركه بالإيمان، بالعين الروحية التي ترى الله في المسيح والأذن الروحية التي تسمع الله في المسيح "من رآنى فقد رأى الآب". لذلك فاليهود الذين رفضوا المسيح رفضوا صوت الله.

لم تسمعوا صوته = فالمسيح يقول عن نفسه أنه صوت الآب. ولا أبصرتم هيئته = فالمسيح هو هيئة الآب.. فأذانهم الروحية وعيونهم الروحية مغلقة. ومعنى كلام الرب أنتم لم تعرفوني فأنا صورة الآب. ولو عرفوا الآب لعرفوا المسيح والعكس. والآب يشهد للمسيح بفم أنبيائه وآخرهم المعمدان، كلهم تنبأوا عن المسيح، ولو أخلص اليهود فهم ناموسهم لعرفوا المسيح = ليس لكم كلمته ثابتة فيكم = أي النبوات. بل أن أبائهم الذين سمعوا صوت الله على الجبل أيام موسى ورأوا البروق، فهم أطاعوا الله أياماً قليلة لكنهم عادوا وإرتدوا، كلام الله علق بذاكرتهم دون قلوبهم. لكن ايضا القول ينطبق على اليهود السامعين الرب الان. فمن سمع كلام الله فى ناموسه وقرر ان يلتزم بها وفعل لكانت الكلمة قد ثبتت فيه وعرف الآب، وبالتالى سيعرف ابنه المسيح. مشكلة اليهود مع الناموس أنهم لم يبحثوا عن الله فى الناموس، بل هم بحثوا عن أنفسهم وتفاخروا ببرهم، لذلك قال المسيح عن تلاميذه أنهم بسطاء، فهم بعيدين عن هذا البر الذاتى، يخافون الله وينفذون وصاياه، وحينما أتى المعمدان طالبا التوبة قدموا توبة، فإنفتحت عيونهم وعرفوا المسيح وأحبوه وتبعوه. أما اليهود فلم ينشغلوا بمعرفة الله بل بحثوا عن كيف ينتفخون بمعرفة متزايدة وبر ذاتى منتفخ فلم يروا خطاياهم بل رأوا أنفسهم فقط فرفضوا المسيح. هم إستخدموا الناموس لإثبات برهم فهم محبون لذواتهم، ولم يستخدموا الناموس ليعرفوا الله فيحبونه.

آية (يو5: 39): - "39فَتِّشُوا الْكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي.".

هنا المسيح يلومهم فهم يَدَّعون الخبرة في الكتب المقدسة ولكنهم بعد كل هذه السنين لم ينفتح ذهنهم على سر الحياة الأبدية الكائن في الأسفار، ليدركوا منها الأمور المختصة بالمسيح (لو27: 24). فالأسفار المقدسة هي إستعلان للمسيح، مملوءة نبوات عنه، في كل خطوة من خطوات حياته (2بط17: 1 - 21 + 1بط10: 1 - 11) هم كانوا يظنون أن فهمهم الحرفي للأسفار المقدسة سيعطيهم حياة أبدية، وكانوا يظنون أن مجرد حفظها أو تلاوتها سيعطيهم حياة أبدية. ولكنهم لو فهموها بعمق لإكتشفوا المسيح واهب الحياة الأبدية. لكنهم درسوها لمجرد المعرفة والتفاخر بما يعرفونه وليس بحثا عن الله. ولماذا لم يفهموها؟ الاجابة فى الآية السابقة... إن كلمة الله ليست ثابتة فيهم. ولماذا؟

1 * وكيف تثبت فيهم وعيونهم تبحث عن مجد ذواتهم وليس مجد الله؟! (يو5: 44).

2 * التنفيذ الحرفى دون فهم المعنى الروحى ليظهروا أبرارا أمام الناس. "كل اعمالهم يعملونها لكي تنظرهم الناس. فيعرضون عصائبهم ويعظمون أهداب ثيابهم" (مت23: 5).

ولو كانوا قد بحثوا عن الله فعلا ونفذوا الوصية لإرضاء الله وليس لإرضاء غرورهم وكبريائهم لكانوا قد عرفوا الله ولكانوا قد تعرفوا على ابنه المسيح بسهولة اذ هو صورة الآب.

{وهذا معنى مثل السيد المسيح (مت 7: 24 - 27)}.

فتشوا = تدل على الفحص الشديد المثابر للأسفار. ومن يفعل سيكتشف المسيح وسيعرفه ويؤمن به. أنتم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية = وهذا حق ولكن كيف نقرأ؟ هل لمجرد المعرفة مثل اليهود أو لنرى ونبحث عن شخص المسيح ونعرفه، فنحبه ونؤمن به ونثق فيه فتكون لنا حياة. من يريد أن يجد المسيح سوف يجده (كما حدث مع المجوس). ملحوظة: - الله أعطي سليمان الحكمة فإنشغل بالعطية دون العاطي. مثل اليهود كان الكتاب في أيديهم فإنشغلوا بالمعرفة، وإنشغلوا بتساؤلات لا جدوى منها مثل أية وصية هي الأعظم. لذلك قال لهم المسيح "فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة" (يو5: 39). أما داود فإنشغل بشخص الله فأحبه فقال "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" (مز 34: 8) وهذه هي الحياة. سليمان حزن واكتئب إذ جعل العقل فقط يقوده. أما داود الذي كان الروح القدس يقوده ففرح بالرب ووجد كلامه كالعسل (مز119: 103 بل وباقى المزمور كله). وقال "لساني قلم كاتب ماهر" (مز45) والكاتب الماهر الذي يقود عقله ولسانه هو الروح القدس المحيي والذي من ثماره الفرح.

آية (يو5: 40): - "40 وَلاَ تُرِيدُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَيَّ لِتَكُونَ لَكُمْ حَيَاةٌ.".

مازالت أمامكم الأسفار المقدسة، فتشوا فيها فتؤمنوا بي وتأتوا إلىَّ فيكون لكم حياة، فمن يأتي إلىَّ أعطيه حياة، الحياة الأبدية التي تفتشون عليها في الأسفار المقدسة هي معي، وهي فيَّ، وهي أنا (1يو2: 1). ولا تريدون = هي مسئولية كل شخص أن يقبل المسيح أو يرفضه ومن يفتش الكتاب المقدس بأمانة سيجد أنه محتاج لشخص المسيح فيذهب إليه فتكون له حياة.

آية (يو5: 41): - "41«مَجْدًا مِنَ النَّاسِ لَسْتُ أَقْبَلُ،".

عندما تكلم عن شهادة المعمدان فهو لا يشتهي مجداً من الناس كما يفعلون هم، فمجده راجع لإتحاده بالآب. المسيح لا يقبل شهادة من الناس ولا مجداً من الناس. قال هذا حتى لا يتصوروا أنه يقول ما يقوله ليمجدوه، وإلاّ لوافق طلبهم أن يصير ملكاً زمنياً. فمن يقبل شهادة أو مجد من إنسان يلزمه أن يستند على هذا الإنسان فيخضع لمعايير البشر. إذاً فالمسيح يطلب منهم أن يعرفوه لا لأنه يريدهم أن يمجدوه بل ليعطيهم حياة (راجع آية34).

آية (يو5: 42): - "42 وَلكِنِّي قَدْ عَرَفْتُكُمْ أَنْ لَيْسَتْ لَكُمْ مَحَبَّةُ اللهِ فِي أَنْفُسِكُمْ.".

قد عرفتكم = أنا أعرف حالتكم، هم لا يحبون الله ولا شركة لهم مع الله. فرفضهم للمسيح علامة على الحالة السيئة التي هم فيها. رفضهم للمسيح علامة أنهم في عداوة مع الله، هم لا يحبون الله لذلك لم يجتذبهم الآب. المسيح هنا يكشف ما في قلوبهم. ولماذا هم لا يحبون الله؟ لأن عيونهم متجهة لذواتهم، وللناس كيف يعجب بهم الناس. وهم غير ناظرين لله يفتشون عنه، فلم يعرفوا الله، فكيف يحبون من لم يعرفوه؟ وهذا عكس داود الذى كانت "عيناه دائما إلى الرب" (مز25: 15) فعرف الله فقال "ذوقوا وأنظروا ما أطيب الرب" (مز34: 8)، وحينما تذوق حلاوة الرب قال "أحبك يا رب يا قوتى" (مز18: 1).

في أنفسكم = فهم يقولون بأفواههم أنهم يحبون الله ويتباهون بهذا، لكن المحبة غير موجودة في قلوبهم (24: 15 - 25) وإن غابت المحبة سكنت البغضة في القلب. هم لو كانوا يحبون الله، كانت المحبة قد فتحت أعينهم وعرفوا المسيح فهو صورة الله. ولكن "هذا الشعب يكرمني بشفتيه وقلبه مبتعد عني بعيداً". اضطهادهم للمسيح صادر ليس عن غيرة لله بل حسداً للمسيح وبغضة له، لو أحبوا الله لآمنوا بالمسيح.

آية (يو5: 43): - "43أَنَا قَدْ أَتَيْتُ بِاسْمِ أَبِي وَلَسْتُمْ تَقْبَلُونَنِي. إِنْ أَتَى آخَرُ بِاسْمِ نَفْسِهِ فَذلِكَ تَقْبَلُونَهُ.".

عدم وجود محبة الآب في قلب اليهود أفقدهم القدرة على معرفة المسيح لما جاء إليهم باسم الآب. والمحبة تأتي بالعشرة مع الله ودرس الكتاب المقدس بعمق. بإسم أبي = هو واحد ومستقر في الآب وثابت فيه ومتحد به. هو أتى ليعلن الآب. هو يبحث عن مجد الآب لا مجد نفسه فهو أخلى نفسه. هم بسبب كبريائهم وضعوا للمسيح المنتظر صورة خاطئة فى أذهانهم، تتناسب مع كبريائهم. فلما وجدوا المسيح المتواضع لم يعرفوه. ولو أتى لهم من يتكلم بإسم نفسه لقبلوه، أي نبي كاذب أو أي شخص يدَّعى أنه المسيح، لأنهم سيرون أنفسهم فيه. فالنبي الكاذب سيستغل نقطة ضعفهم ويظهر أمامهم بمظهر العظمة العالمية التي يعيشون فيها ويشتهونها.

وسوف يَعِدْهُمْ أن يعطيهم هذه العظمة العالمية فيقبلونه، كما سيحدث مع ضد المسيح في الأيام الأخيرة. أتى بإسم نفسه = يعلن رغباته وأفكاره هو الذاتية التي تتوافق مع أفكارهم. بهذا يظهر أن اليهود واقفين في موضع مضاد للمسيح ولله، فهم يقبلون مجد الناس ولا يطلبون مجد الله. وهذا ما عطل إيمانهم.

آية (يو5: 44): - "44كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تُؤْمِنُوا وَأَنْتُمْ تَقْبَلُونَ مَجْدًا بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَالْمَجْدُ الَّذِي مِنَ الإِلهِ الْوَاحِدِ لَسْتُمْ تَطْلُبُونَهُ؟".

هنا المسيح يكشف لهم بوضوح سبب عماهم ألا وهو كبريائهم. وهم يريدون من له نفس هذه الصورة. لكن الإيمان في أبسط صوره هو تمجيد الله بالقول والعمل. وثمر الإيمان هو تسبيح الله على الدوام. وإذا إنشغل إنسان بتمجيد نفسه وتمجيد الآخرين له ليعطوه نفس المجد ضعفت قوة تسبيح الله في قلبه فهو لن يرى عظمة الله فيسبحه لأنه إنشغل بتملق الآخرين. واليهود كانوا منشغلين بتمجيد أنفسهم، وحتى الناموس كان سبباً في أن يعظموا أنفسهم، فهم فهموا أن الله أعطاهم الناموس لعظمتهم هم كشعب مختار مميز عن باقي الشعوب. وكانوا يقبلون مجداً من بعضهم البعض ولم يقبلوا المجد الأصلي الذي هو الله ظاهرا في الجسد. لاحظ المسيح في آية (43) يخلى ذاته قائلاً "أنا أتيت بإسم أبي" فلا يبحث عن مجد شخصي بل كأنه مجرد مرسل من الآب. واليهود يبحثون عن مجد أنفسهم.

آية (يو5: 45): - "45«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي أَشْكُوكُمْ إِلَى الآبِ. يُوجَدُ الَّذِي يَشْكُوكُمْ وَهُوَ مُوسَى، الَّذِي عَلَيْهِ رَجَاؤُكُمْ.".

الإبن يحتفظ بوظيفته كشفيع ويترك الحكم للناموس بقيادة موسى. لانهم لم يكونوا أمناء أمام الناموس ولم يلتزموا بتنفيذ وصاياه، وإلا لكانوا قد عرفوا المسيح. وأيضا لأن موسى كتب عن المسيح فموسى سيشهد ضدهم. لأنهم لم يؤمنوا بالمسيح. وكما صرخ موسى لله بسبب عنادهم ورفضهم له سيشكوهم موسى لله لأنهم رفضوا من تنبأ عنه. فالمسيح في مجيئه الأول لم يأت للدينونة بل ليخلص العالم. وأحال بمنتهى الإتضاع القضية إلى الناموس الذين هم متمسكين به فهم يتهمونه بأنه كسر السبت والمسيح قال لهم بل أنتم ضد ناموس موسى. موسى سيتحول لديان لهم.

الآيات (يو5: 46–47): - "46لأَنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَ مُوسَى لَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونَنِي، لأَنَّهُ هُوَ كَتَبَ عَنِّي. 47فَإِنْ كُنْتُمْ لَسْتُمْ تُصَدِّقُونَ كُتُبَ ذَاكَ، فَكَيْفَ تُصَدِّقُونَ كَلاَمِي؟ ».".

ها أنا قد أتيت كما قال موسى (تث15: 18 - 19) فلماذا لا تؤمنوا بي. وهناك كثير من الرموز للمسيح في كتابات موسى (الذبائح والتطهيرات..) فالمسيح كان الهدف والمحور والغاية. "وشهادة يسوع هي روح النبوة" (رؤ 19: 10). والمسيح هو كلمة الله بمعنى أنهم كان من المفترض أن يعرفوا المسيح لو كانوا أمناء لناموس موسى. وأمامهم مثال حى، فتلاميذ المسيح البسطاء غير المتكبرين عرفوا المسيح وآمنوا به.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الاصحاح السادس - تفسير إنجيل يوحنا - القمص أنطونيوس فكري

الاصحاح الرابع - تفسير إنجيل يوحنا - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير إنجيل يوحنا الأصحاح 44232
تفاسير إنجيل يوحنا الأصحاح 44232
No items found