الأصحاح الرابع – سفر الأمثال – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر الأمثال – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح الرابع

الأعداد 1-9

الآيات (1 - 9): -

"1اِسْمَعُوا أَيُّهَا الْبَنُونَ تَأْدِيبَ الأَبِ، وَاصْغُوا لأَجْلِ مَعْرِفَةِ الْفَهْمِ، 2لأَنِّي أُعْطِيكُمْ تَعْلِيمًا صَالِحًا، فَلاَ تَتْرُكُوا شَرِيعَتِي. 3فَإِنِّي كُنْتُ ابْنًا لأَبِي، غَضًّا وَوَحِيدًا عِنْدَ أُمِّي، 4 وَكَانَ يُرِينِي وَيَقُولُ لِي: «لِيَضْبِطْ قَلْبُكَ كَلاَمِي. احْفَظْ وَصَايَايَ فَتَحْيَا. 5اِقْتَنِ الْحِكْمَةَ. اقْتَنِ الْفَهْمَ. لاَ تَنْسَ وَلاَ تُعْرِضْ عَنْ كَلِمَاتِ فَمِي. 6لاَ تَتْرُكْهَا فَتَحْفَظَكَ. أَحْبِبْهَا فَتَصُونَكَ. 7الْحِكْمَةُ هِيَ الرَّأْسُ. فَاقْتَنِ الْحِكْمَةَ، وَبِكُلِّ مُقْتَنَاكَ اقْتَنِ الْفَهْمَ. 8ارْفَعْهَا فَتُعَلِّيَكَ. تُمَجِّدُكَ إِذَا اعْتَنَقْتَهَا. 9تُعْطِي رَأْسَكَ إِكْلِيلَ نِعْمَةٍ. تَاجَ جَمَال تَمْنَحُكَ».".

اسمعوا أيها البنون = كلمة فيها سلطان وحنان أبويين. تأديب الأب = سليمان الحكيم هنا يقدم تعاليمه لنا كأب، مقدماً نفسه نموذجاً فهو كذلك تعلَّم من أبيه وسمع له. شريعتي = إرشاداتي. فأني كنت ابناً لأبي = هذه لها معنيان [1] إعزاز أبي لي وهذا ظهر في أنه علمني وأدبني. [2] محبتي وطاعتي لأبي وهذه ظهرت في إستماعي له. وحيداً عند أمي = هي تعني نفس المعنيين السابقين إعزاز أمه له ومحبته هو لها، هي كانت تعلمه وهو كان يستمع في خضوع. ولكن الآية لا تعني أن سليمان كان وحيداً لأمه بثشبع بل تعني إعتزاز أمه به ورعايته كما لو كان وحيداً (2صم14: 5 + 1أي5: 3) وكلمة وحيد هي نفس الكلمة التي إستخدمت عن إسحق في (تك2: 22، 12). وهي نفس الكلمة التي ترجمت محبوب في (أف6: 1). والله أحب سليمان وأسماه يديديا أي المحبوب (2صم25: 12) ولأن الله أحبه فقد أحبه والداه وإهتما به. وداود حين أحب سليمان علمه وأدبه وهكذا المحبة الصحيحة لا تعرف التدليل بل التأديب.

وسليمان كان رمزاً للمسيح: - فهو الإبن المحبوب، إبن داود الملك، ملك السلام وهو باني الهيكل (الهيكل هو جسد المسيح أي كنيسته)، هو الملك الحكيم والمسيح أقنوم الحكمة. إبناً لأبي.. وحيد عند أمي = هو إبن لله بالطبيعة وصار له جسداً وكان وحيداً عند أمه العذراء، وعريساً واحداً لكنيسته عروسه.

غضاً = أي شاباً صغيراً، كغصن رخص. والشاب الصغير يكون قابلاً للتعليم، مثل الغصن الأخضر الرخص يمكن جعله يميل "التعليم في الصغر كالنقش على الحجر" وعموماً غضاً تشير للقابلية للتعليم، فكل قابل للتعليم هو إبن صغير لم يشخ روحياً، أما من يظن نفسه حكيماً يصبح غير قابل للتعليم ويتحول إلى شيخ عجوز جاهل فلنقبل التعليم كأطفال ولا نظن أنفسنا حكماء. وممن نقبل التعاليم، من الأب ومن الأم، أي من الله ومن الكنيسة، فالله أبونا والكنيسة أمنا. وهذا لا يلغي أهمية طاعتنا لوالدينا الجسديين وإكرامنا لهم إن كان تعليمهم بحسب وصايا الله.

ومع أن سليمان كان رجلاً حكيماً حكمة غير عادية. وقطعاً كان تعليم سليمان وثقافته أكثر من داود أبيه، فداود كان راعي غنم ثم مقاتل تربي في بيئة فقيرة، أما إبنه سليمان فقد تربى في قصر أبيه الملك فنشأ في بيئة كلها ثقافة وتعليم، بل هو نال حكمة طلبها من الله لم تكن لأحد قبله ولا بعده. ومع هذا نجد سليمان هنا يشيد بتعليم أبيه وأمه كمصدر من مصادر حكمته ولم يحتقر تعاليمهما بل نراه يوقرهما، بل يستخدم كلمات أبيه التي علمها له. وكأنه في هذه الآيات يقول تعالوا يا أولادي لكي أعلمكم تعاليماً صالحة سبق وتعلمتها من أبي وأمي. هي صالحة لأنه قبلها من أبيه وهو تأكد أن مصدرها الحقيقي هو الله، وهي صالحة لأنه إختبرها في حياته ووجد أن نتائجها صالحة، وهو يقدم نفسه هنا كوالد يعلم أبنائه كما تعلم هو من أبيه، ولقد تعلم أبيه من الله. وللأسف فرحبعام بن سليمان لم يستفد من كل هذا كإبن فهل نستفيد نحن؟ وداود علَّم سليمان كثيراً، وسفر الملوك والأيام يوردان بعض هذه التعاليم (راجع 1مل2: 2 - 4 + 1أي12: 22، 13) بالإضافة إلى سفر المزامير. وتعاليم داود لسليمان يوردها سليمان هنا ضمن تعاليمه في هذا الإصحاح خصوصاً الآيات (4 - 13) ونلاحظ تكرار التعاليم في هذا السفر فهكذا يتعلم الأبناء بالتكرار (أش13: 28).

ليضبط قلبك كلامي = إحفظ الكلام ولا تفرط فيه وخبئه في قلبك وإحتفظ به بكل مشاعرك. إحفظ وصاياي = هنا يخرج إلى مجال التنفيذ، والمعنى المقصود أن لا تحفظ الكلام في قلبك فقط فيتحول لجدال عقلي بل نفذه وإحيا به، والممارسة وتنفيذ وصايا الله هو الطريق لزيادة المعرفة (يو17: 7).

اقتن الحكمة. اقتن الفهم = كلمة إقتن أي إشتري وأملك لنفسك. وإذا كانت كنوز الدنيا لا تساوي الحكمة فلن يستطيع أحد شراؤها، لذلك فالله يهبها مجاناً لمن يطلبها ويصلي بلجاجة للحصول عليها. وليس الصلاة فقط وإلا لصار الأمر كأننا نترك الأمر لله دون أن نفعل شئ من جانبنا، ولكن علينا أن نبدأ بالتغصب على طاعة الوصايا، والروح يعين، ومن يفعل يمتلئ بالروح، والروح هو روح الحكمة، والروح يعطى معونة لمن يحاول، وهذا تم شرحه فيما سبق. فيصبح الثمن الذى ندفعه لنقتنى الحكمة هو التغصب على تنفيذ الوصية (مت11: 12).

وهنا يميز بين الحكمة والفهم. فالحكمة قد تكون معلومات نظرية، أما الفهم فهو كيف تطبق الحكمة عملياً وتميز الطرق المتخالفة في الحياة، وإلا تحولت الحكمة إلى معلومات فلسفية نظرية تقود للكبرياء. وبذلك تكون الحكمة هي البصيرة التي بها نرى الطرق المتخالفة، ويكون الفهم هو التطبيق الواعي لما رأيناه وإكتشفناه، ونطبقه بإقتناع.

الحكمة هي الرأس = أي الأساس، هي أسمى شئ يستحق أن نقتنيه، ويمكن ترجمة الآية "الحكمة هي الأولى" بمعنى هي أول ما تطلب أن تقتنيه، فهي اللؤلؤة كثيرة الثمن. ونلاحظ أن المسيح هو رأس الجسد، فمن يقتني الحكمة يكون قد إمتلك كل شئ أى المسيح فيقول "أنا لحبيبى وحبيبى لى". وكيف نقتني المسيح وبالتالي نقتني حياة لأنفسنا؟ = لاَ تَنْسَ وَلاَ تُعْرِضْ عَنْ كَلِمَاتِ فَمِي = الطريق هو حفظ الوصايا (مت17: 19 + يو51: 8 + يو21: 14، 23 + يو10: 15). فالمسيح هو نبع الحكمة وهو الذي تمت فيه كل هذه الأقوال. تمجدك إذا إعتنقتها = لقد سبق ورأينا الحكمة تعانق بكلتا يديها من يطلبها (16: 3) وإذا عانقت أحد تسعده. وهنا دعوة لكل أحد أن يعانق هو الحكمة لترفعه وتعليه وتكون له إكليل نعمة وتاج جمال = وهذا البهاء عكس الحمقى الذين يحملون هواناً. (35: 3). لذلك فلتحب الحكمة وتحتضنها كما يحتضن الإنسان العالمي ثروته بشغف بل إرفعها فتعليك = وإرفعها بمعنى الإعلان أن علاقتك بالله هي أكثر ما تهتم به بل أكثر من حياتك، وأن علاقتك بالله هي التي ترفعك. ولنلاحظ أن سليمان كان ملكاً وأخاب الشرير كان ملكاً، وكان توقير الناس لسليمان كان ليس لأنه ملك بل بسبب حكمته وإحتقار الناس لأخاب بينما كان ملكاً راجع لخطيته.

تمجدك إذا إعتنقتها = من يتمسك بالحكمة ويعانقها يتمجد، فإذا فهمنا أن الحكمة هو المسيح، فمن يثبت فى المسيح يتمجد معه.

الأعداد 10-15

الآيات (10 - 15): -

"10اِسْمَعْ يَا ابْنِي وَاقْبَلْ أَقْوَالِي، فَتَكْثُرَ سِنُو حَيَاتِكَ. 11أَرَيْتُكَ طَرِيقَ الْحِكْمَةِ. هَدَيْتُكَ سُبُلَ الاسْتِقَامَةِ. 12إِذَا سِرْتَ فَلاَ تَضِيقُ خَطَوَاتُكَ، وَإِذَا سَعَيْتَ فَلاَ تَعْثُرُ. 13تَمَسَّكْ بِالأَدَبِ، لاَ تَرْخِهِ. احْفَظْهُ فَإِنَّهُ هُوَ حَيَاتُكَ. 14لاَ تَدْخُلْ فِي سَبِيلِ الأَشْرَارِ، وَلاَ تَسِرْ فِي طَرِيقِ الأَثَمَةِ. 15تَنَكَّبْ عَنْهُ. لاَ تَمُرَّ بِهِ. حِدْ عَنْهُ وَاعْبُرْ،".

اسمع يا ابني واقبل = اسمع بإحترام وتوقير ونفذ ما تسمعه. تكثر سنو حياتك (10)، إحفظه فإنه هو حياتك (13) = الحكمة وحفظ وصايا الله هي التي نعيش بها على الأرض في سلام، وبها نضمن حياتنا الأبدية. والآية (12) معناها من يحفظ الحكمة تحفظه الحكمة لا تضيق خطواتك = لا تعاق ولا تتعطل خطواتك، بل تسرع ولا تتعثر. أريتك طريق الحكمة = الطريق الذي تحصل به على الحكمة والطريق الذي تقودك فيه الحكمة. تَمَسَّكْ بِالأَدَبِ، لاَ تَرْخِهِ = الأدب مترجمة فى الإنجليزية الوصية أو التعليمات.

لا تدخل في سبيل الأشرار (14) تنكب عنه (15) الدرس المهم هنا هو عدم مسايرة الأشرار فطريقهم هو طريق الهلاك. وقوله لا تدخل هو تحذير من الخطوة الأولى في هذا الطريق، فالأشرار كالمرض المعدي فلا تخالطهم (شريعة عزل الأبرص)، ولنلاحظ أن الدخول في طريقهم سيؤدي أخيراً لمسايرتهم في شرهم. وتنكب = تجنب الطريق وارفضه، والشاب في غروره يتصور أنه قادر أن يقاوم الشر ويرفضه في أي لحظة، لذلك يقول سأجرب وسأترك هذا الطريق وقتما أريد لكن شباك الخطية سرعان ما تمسك به. ولذلك يرسم له الوحي الإلهي هنا طريق الحياة وهو الهروب السريع من الخطية (2تي10: 3 - 17) هي دعوة له للثبات في نفس طريق بولس الرسول نفسه. أما من دخل فعلاً لطريق الشر فسليمان يطلب منه أن يهرب منه بأسرع ما يستطيع = لا تَسِرْ في طريق الأثمة = فلو دخل إنسان لطريق الأشرار وأعلن له الله شر هذا الطريق وإكتشف نية هؤلاء الأشرار فعليه أن يبتعد بأسرع ما يستطيع قبل أن تحيط به شباك الخطية فلا يستطيع الهرب.

الأعداد 16-17

الآيات (16 - 17): -

"16لأَنَّهُمْ لاَ يَنَامُونَ إِنْ لَمْ يَفْعَلُوا سُوءًا، وَيُنْزَعُ نَوْمُهُمْ إِنْ لَمْ يُسْقِطُوا أَحَدًا. 17لأَنَّهُمْ يَطْعَمُونَ خُبْزَ الشَّرِّ، وَيَشْرَبُونَ خَمْرَ الظُّلْمِ.".

لا ينامون = تعبير مجازي عن شره الأشرار للخطية ولذتهم في فعلها وسعيهم إليها. خبز الشر وخمر الظلم = تعبير مجازي يشير للثروة التي تجمع بالظلم والباطل (مز4: 14 + أي16: 15). أو هي تشير للأشرار الذين يشربون الظلم ويأكلون الشر، أي هذه هي حياتهم، أما المسيحي الحقيقي فخبزه وخمره هو جسد ودم المسيح الأقدسين، يأخذهما بإستحقاق أي بحياة توبة ونقاوة فيشبع ويفرح. وخبزه أيضا معرفة المسيح الحقيقية فهي مصدر الشبع والفرح، فلا نحتاج لسواه. من يعرف المسيح حقيقة فلقد إقتني كل شئ. معرفة المسيح هي الحياة الابدية (يو 17: 3).

الأعداد 18-19

الآيات (18 - 19): -

"18أَمَّا سَبِيلُ الصِّدِّيقِينَ فَكَنُورٍ مُشْرِق، يَتَزَايَدُ وَيُنِيرُ إِلَى النَّهَارِ الْكَامِلِ. 19أَمَّا طَرِيقُ الأَشْرَارِ فَكَالظَّلاَمِ. لاَ يَعْلَمُونَ مَا يَعْثُرُونَ بِهِ.".

نجد هنا وضعين متعارضين الأول لمن يسلك في طريق التوبة، فتقل خطاياه ويظهر عليه نور المسيح الذي يبكت الأشرار ويفضح خطيتهم، وهذا معنى أن المسيحي نور للعالم، فقداسته ورفضه للخطية يبكت من لا يزال في طريق الخطية. والثاني لمن يسلك في طريق الأشرار.

فتزداد خطيته بل.

يتحول إلى ظلمة تضل.

الآخرين ويكون شركاً لهم.

نور متزايد = نور يزداد.

يوماً بعد يوم، ويزداد.

شيئاً فشيئاً. حتى يصل للنور الكامل = النهار الكامل = والإشارة هنا لنـورالفجر الذي يبدأ ضعيفاً ويزداد رويداً رويداً حتى يصير في أكثر حالاته ضياءً بإشراق نور الشمس بالكامل، أو يكون التصوير بحسب الرسم أن نور الشمس يحجبه السحاب وكلما أخذ السحاب في الإنقشاع (بالتوبة) يزداد نور الشمس وصولاً للأرض. وبالتوبة يصل لنا نور المسيح ونصير نوراً والطريق مفتوح أمامنا للكمال "كونوا كاملين" وعموماً فالأبرار في السماء في الحياة الأبدية سيضيئون لأنهم سيكونون على صورة المسيح (2كو18: 3 + 1يو2: 3 + رؤ4: 22، 5 + دا 3: 12). ومن يتبع المسيح النور الحقيقي والحكمة الحقيقية يسير في النور ولا يمشي في الظلمة بل يكون له النور (يو9: 11، 10 + 35: 12، 36) ويكون له نصيب في مجده الأبدي حيث لا ظلام إلى الأبد بل نور دائم (رؤ23: 21 - 25) وعكس هذه الصورة تماماً تحدث لمن يسلك في طريق الأشرار، فهو سيسير في الظلمة، ظلمة الخطية. وفي ظلمته يعود لا يعلم أنه يخطئ = لا يعلمون ما يعثرون به. ويزداد تعثراً وبالتالي يزداد ظلمة، بل يتحول إلى ظلمة أي يضل إخوته الجهلاء. ومصير هؤلاء ظلام أبدي وطرد من حضرة الله لسلطان الظلمة.

الأعداد 20-27

الآيات (20 - 27): -

"20يَا ابْنِي، أَصْغِ إِلَى كَلاَمِي. أَمِلْ أُذُنَكَ إِلَى أَقْوَالِي. 21لاَ تَبْرَحْ عَنْ عَيْنَيْكَ. اِحْفَظْهَا فِي وَسَطِ قَلْبِكَ. 22لأَنَّهَا هِيَ حَيَاةٌ لِلَّذِينَ يَجِدُونَهَا، وَدَوَاءٌ لِكُلِّ الْجَسَدِ. 23فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ احْفَظْ قَلْبَكَ، لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ. 24انْزِعْ عَنْكَ الْتِوَاءَ الْفَمِ، وَأَبْعِدْ عَنْكَ انْحِرَافَ الشَّفَتَيْنِ. 25لِتَنْظُرْ عَيْنَاكَ إِلَى قُدَّامِكَ، وَأَجْفَانُكَ إِلَى أَمَامِكَ مُسْتَقِيمًا. 26مَهِّدْ سَبِيلَ رِجْلِكَ، فَتَثْبُتَ كُلُّ طُرُقِكَ. 27لاَ تَمِلْ يَمْنَةً وَلاَ يَسْرَةً. بَاعِدْ رِجْلَكَ عَنِ الشَّرِّ.".

في الآيات السابقة حذَّر سليمان من فعل الشر وهنا يعلمنا كيف نفعل الصلاح، هي دعوة لترك طريق الشر والثبات في طريق الخير، بل نجد هنا منهجاً متكاملاً ودعوة للإلتصاق بالخير ونداء لحفظ القلب واللسان والعين والقدمين في الاتجاه المؤدي للحياة. فالحكمة تعطي حياة = هي حياة للذين يجدونها (22) وهي دواء لكل الجسد = أي صحة وشفاء. وطالما هي حياة ودواء يوجه سليمان دعوة لكل أحد أن يحفظها = احفظها في وسط قلبك (21).. لأن منه مخارج الحياة (23). وهكذا يعلمنا داود في (مز11: 119) "خبأت كلامك في قلبي لكيلا أخطئ إليك". فالقلب الذي يحكمه كلام الله ووصاياه ولا يخدع نفسه يضمن أن يسلك في الحق وتكون له حياة، والعكس فمن يخدع نفسه فهو يسلك فى طريق الموت. لذلك فلنهتم بحفظ الوصايا أكثر من أي شئ آخر. وكما أن القلب هو مصدر الحياة فهو الذي يدفع الدورة الدموية التي بها حياة كل إنسان، هكذا حفظ الوصايا قلبياً (أي باهتمام وجدية وإرادة كمن يحافظ على حياته) فيه حياة وصحة للإنسان. فلا يكفي السماع للوصايا، بل علينا استيعابها والتأمل فيها = لا تبرح عن عينيك، وتنفيذها = لا تمل يمنة ولا يسرة. باعد رجلك عن الشر. فليثبت كل واحد نظره على الله وعلى وصاياه "لننسى ما هو وراء ونمتد إلى ما هو قدّام.. إلى جعالة دعوة الله العليا". وإذا تثبتت العين على الهدف ننظر إلى الأمام مستقيماً ويكون هدفنا المسيح لا نميل عن وصاياه يمنة ولا يسرة. فحفظ الوصايا هو ضمان الحياة (مت10: 15 - 20). ويحذر سليمان من إلتواء الفم = الخداع والتضليل. وإنحراف الشفتين = تحريف الكلام بقصد تشويه الحقيقة وإفسادها. ومعنى الكلام هنا تمسك بالوصية ولا تجد أعذارا تتعلل بها لكى لا تنفذ الوصية، لا تخدع نفسك وتحرف الحقيقة بشفتيك وأنت تعلم فى قلبك أنك مخطئ أى لاتجد عذرا لنفسك وأنت تعلم أن ما تقوله خطأ. وكمثال لذلك فمن لا يريد تنفيذ وصية الصوم فيقول وهل كل من يصوموا قديسين. وغير هذا كثير. ومن يفعل ذلك يكون عارفا فى قلبه أنه إنما يراوغ. ولنلاحظ أن صاحب الفم الملتوي والشفاه المنحرفة الذى يقول أعذارا بخلاف الحقيقة الموجودة فى قلبه، هو يخدع نفسه ويحكم على نفسه بالموت = احْفَظْ قَلْبَكَ، لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ = فقد نخدع البشر ولكن هل يمكن أن نخدع الله.

فمن فضلة القلب يتكلم اللسان. وحين تحتل كلمة الله مكانها في القلب فإن الشفاه تعكسها وتبينها، وأيضا من وضع فى قلبه أن يعمل ما يريده الله وأن يلتزم بوصاياه لن يخرج من فمه أقوالا ملتوية يبرر بها أخطاءه أو عدم إلتزامه بالوصية. ونلاحظ أنه من كثرة ترديد هذه الأعذار يتقسى القلب ويعاند متصورا أنه وجد أعذارا مقنعة أفحم بها الآخرين. وهذا معنى أن اللسان يقود الحياة كلها (يع 3).

وفي (25، 26) يتكلم عن القدمين والمسيرة أي تطبيق ما حفظه القلب، أو ما يسمى بالسلوك العملي. وكما أنه علينا أن نحفظ كلام الله في القلب فعلينا أن نحفظ أقدامنا من السير في طريق الشر. وكما أن الفم يكشف ما هو مختبئ في القلب هكذا القدمين يسلكان بحسب حالة النفس. مهد سبيل رجلك = أي قَوِّم أو إجعل الطريق مستقيمة أي حاول أن تزيل كل ما يكون عائقاً في طريق الله أى تحاشى كل ما يعثرك.

وفيما يلي ملخص لخطة سليمان لنسير في طريق الخير.

  1. سماع كلمة الله باهتمام.............................................. (أية 20).
  2. الاهتمام بها والالتصاق بها ووضعها في قلوبنا كشئ عزيز وكأوامر.................. (آية 21).
  3. يقدم تفسير لماذا يجب أن نهتم بكلمة الله.. ففيها حياة وشفاء لألامنا الروحية........... (آية22).
  4. نضع أعيننا عليها لنحفظها وتكون محل إهتمامنا، بل نطلب معونة إلهية تساعدنا في ذلك.... (آية23).
  5. حفظ الشفاه (خطايا اللسان هي كذب، حلف، كلام باطل.. وأيضا هى تعنى هنا ترديد أعذار لصنع الشر أو عدم الإلتزام بالوصايا) واللسان يقود الجسم كله أو الحياة كلها (يع3).. (آية 24).
  6. حفظ العينين لنثبتهما على الله بدلاً من أن تزيغا وراء العالم (أى تكون لنا العين البسيطة)............ (آية25).
  7. حفظ القدمين، فكل سلوك وكل تصرف يجب أن يكون في خوف الله ومتوافق مع كلمته.. (آيات 26، 27).

+ + لنفهم أن حفظ وصايا الله فيه شفاء للعالم المتألم، وللأسف فالناس يظنون الوصية قيد عليهم.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الخامس - سفر الأمثال - القمص أنطونيوس فكري

الاصحاح الثالث - سفر الأمثال - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير سفر الأمثال الأصحاح 4
تفاسير سفر الأمثال الأصحاح 4