مقدمة رسالة يهوذا – تفسير رسالة يهوذا الرسول – القمص أنطونيوس فكري

المقدمة

  • غالبا هو تداوس أو لباوس (لو16: 6) + (يو22: 14) + (أع13: 1) وهو أخو يعقوب الذى كان أسقفا على أورشليم ورأس مجمع أورشليم (أع15) ويعقوب هذاهو كاتب رسالة يعقوب. ولشهرة يعقوب نجد أن يهوذا كاتب الرسالة ينسب نفسه له (يه1).
  • وفى نفس الوقت فيهوذا كاتب الرسالة هو أخو الرب (إبن خالته) وقطعا هو ليس يهوذا الإسخريوطى. ويهوذا هذا هو أحد الإثنى عشر. (راجع مت55: 13 + مز3: 6 + 1كو5: 9).
  • كتبت الرسالة ما بين سنة 68، سنة 70 قبل خراب أورشليم والهيكل، وإلا لكان الرسول قد ذكر خرابهما كمثال على دينونة الأشرار.
  • كتبت الرسالة لكل المؤمنين من الذين كانوا قبلا أمما أو يهود، لذلك فهى من رسائل الكاثوليكون (الجامعة) ولأنها غير موجهة لشخص بالذات.
  • يحذر الرسول الكنيسة كلها وحتى اليوم من معلمين كذبة يتسمون بالآتى: -.
  • إفساد الإيمان المسلم مرة للقديسين (يه3).
  • إنكارهم وجود الله والرب يسوع (يه4).
  • الإفتراء على القيادات الكنسية (يه8).
  • هؤلاء الهراطقة هم متعجرفون غير خاضعين للكنيسة.
  • هم فاسقون وإباحيون يطلبون لذاتهم وشهواتهم.
  • محبون لذواتهم يطلبون ما لنفعهم الخاص.
  • الرسالة تحذر المؤمنين من الإرتداد عن الإيمان المسلم مرة للأباء القديسين، ومن يرتد يهلك فلا يوجد ما هو أشر من الإرتداد. وهؤلاء المرتدين إحتقروا الإيمان والكنيسة وإعتبروا المتمسكين بالإيمان ضيقى الأفق وأبغضوا التعاليم السامية.
  • لقد سمح الله بأن تبدأ الهرطقات أيام الرسل ليكتبوا لنا عنها، ففى هذه الرسالة صورة لما يحدث فى أيامنا هذه.
  • هناك شبه قوى بين هذه الرسالة وبين رسالة بطرس الثانية. وقال البعض من الدارسين أن أحدهما نقل عن الآخر. ولكن الحقيقة أن الرسل كان شغلهم الشاغل هو الحفاظ على نقاوة الإيمان من الهرطقات. وكانت الهرطقة التى شغلت بال بطرس وبال يهوذا هى هرطقة إنتشرت أيامهما وملخصها، أنه طالما أن دم المسيح يغفر أى خطية فلنسلك بحسب شهواتنا، خصوصا وأننا قد تحررنا وغالبا فلقد تقابل بطرس ويهوذا وناقشا الأمر وإتفقا على نقاط معينة ثم إفترقا وكتب كل منهما رسالته، فجاءتا متشابهتين فى بعض النقاط.
  • هما قد تناقشا فيها.
  • الروح القدس الذى يسوقهما فى الكتابة واحد (2 بط21: 1).
  • الروح القدس يشهد لنا على فم شاهدين.

وضعت هذه الرسالة كآخر رسالة فى العهد الجديد فهى تشير لنهاية الأزمنة التى يكثر فيها الإرتداد وتزداد الهرطقات. فبينما يعبر سفر أعمال الرسل عن بداية الكنيسة، تعبر هذه الرسالة عن نهاية الأيام التى يرتد فيها الكثيرين عن المسيح إيمانيا وعقيديا وسلوكيا (لو8: 18).

الإصحاح الأول

العدد 1

آية (1): -

"1يَهُوذَا، عَبْدُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَخُو يَعْقُوبَ، إِلَى الْمَدْعُوِّينَ الْمُقَدَّسِينَ فِي اللهِ الآبِ، وَالْمَحْفُوظِينَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ:".

عبد = لم يقل يهوذا أخو الرب أو قريبه بالجسد بل قال مفتخراً أنه عبد يسوع المسيح = فكثير من أقرباء المسيح لم يؤمنوا به بل قالوا عنه أنه مختل (مر21: 3) + (يو5: 7). فالقرابة الجسدية لا تنفع. بل أن اليهود أقرباؤه بالجسد صلبوه. أما كلمة عبد فهى تعنى أنه قد إكتشف حلاوة المسيح ورقة محبته، فصارت له كل الثقة فى كل ما يعمله، فكل ما يعمله، يعمله عن محبة. وبحريته الكاملة قال له إفعل بى ما شئت فأنا عبدك. فالتعبد لله لمن عرف الله له عذوبة وحلاوة، بل هو الحرية الحقيقية. فكون يهوذا عبداً للمسيح فهذا أفضل من كونه أخا جسديا له. لذلك قال بولس الرسول "وإن كنا قد عرفنا المسيح حسب الجسد، لكن الآن لا نعرفه بعد" (2كو16: 5) والمسيح نفسه قيل عنه أنه عبد الرب بمفهوم أنه بإرادته وحريته أخلى ذاته أخذا صورة عبد ليتمم الفداء (إش1: 42) + (فى7: 2) + (مز6: 40).

وعبيد الله الأمناء يكون لهم غيرة على الإيمان المستقيم ولهم تنكشف رؤى الله (رؤ1: 1).

أخو يعقوب = فيعقوب هو المشهور جدا.

إلى المدعوين = أى لا فضل لهم فى ذلك فالله أحبهم ودعاهم، ولكن الله فى دعوته لا يحابى، والإنسان قد يقبل الدعوة أو يرفضها، وفى قبول الدعوة يحسب الفضل لله لا من الإنسان. "والذين سبق فعيّنهم فهؤلاء دعاهم ايضا. والذين دعاهم فهؤلاء بررهم ايضا. والذين بررهم فهؤلاء مجدهم ايضا" (رو8: 30).

المقدسين = الله سر قداستنا. فمن يقبل الله ودعوته ويؤمن ويعتمد، يحل عليه الروح القدس ليقدسه ويجعله إبنا لله. ومقدسين أى مخصصين ومفروزين لله الآب بفداء المسيح ومن تكرس وإنفرز لله عليه أن يحيا فى قداسة رافضا كل نجاسة. والروح القدس يعيننا على ذلك (رو26: 8).

المقدسين فى الله الآب = بولس الرسول يقول المقدسين فى المسيح. وعبارة "فى المسيح" قد إعتدنا عليها فى رسائل بولس الرسول. وهنا نسمع أننا فى الآب وهذا ليس غريبا فالسيد المسيح يقول "ليكون الجميع واحدا، كما أنك أنت أيها الآب فىَّ وأنا فيك، ليكونوا هم ايضا واحدا فينا" (يو21: 17) وقارن مع (1كو2: 1) + (فى1: 1). فنحن فى المسيح، والمسيح هو فى الآب (يو10: 38)، وهو فى حضن الآب (يو1: 18). المسيح يحملنا فيه إلى حضن الآب.

والمحفوظين ليسوع المسيح = (رؤ10: 3) + "أيها الآب القدوس إحفظهم فى إسمك" (يو11: 17) إسمك تعنى قوتك وقدرتك، فالمسيح هنا يطلب من الآب أن يحفظ شعبه بقوته اللانهائية. والله يحفظنا لنفسه أبناء وورثة. ليسوع المسيح = أى بعد أن آمنوا وصاروا أعضاء فى جسد المسيح لا يعود أحد يخطفهم. والرسول يبدأ بأن يقول لهم بأنهم محفوظين حتى لا تخور قلوبهم إذ يسمعوا عن الحروب التى يشنها الهراطقة على الكنيسة والتى سيذكرها فيما بعد. والله مازال يحفظ كنيسته للآن وسيحفظها للأبد. وعمل روح الله القدوس فينا هو أن يبكتنا ويعيننا ليقدسنا ويحفظنا فنظل ثابتين فى المسيح.

العدد 2

آية (2): -

"2لِتَكْثُرْ لَكُمُ الرَّحْمَةُ وَالسَّلاَمُ وَالْمَحَبَّةُ.".

هذه البداية تختلف عن بدايات بولس الرسول، الذى كان يطلب النعمة والسلام. فهنا الرسول يطلب الرحمة مع المحبة والسلام، فلو لم تدرك رحمة الله الكنيسة لضاعت وسط كل هذه التيارات من الهرطقات. ولذلك فالكنيسة الآن فى عصر الإرتداد عليها أن تطلب الرحمة.

وفى الأيام الأخيرة مع إبتعاد الناس عن الله سيفقدون روح المحبة والسلام. وهذا يحدث مع زيادة الخطية ومع زيادة الهرطقات (مت12: 24). ولكن الله برحمته يتعامل معهم فيتوبوا ويرجعوا للمسيح. ومن يشمله الله برحمته سيحيا فى سلام ومحبة ويصمد أمام تجارب الأيام الأخيرة.

العدد 3

آية (3): -

"3أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِذْ كُنْتُ أَصْنَعُ كُلَّ الْجَهْدِ لأَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنِ الْخَلاَصِ الْمُشْتَرَكِ، اضْطُرِرْتُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ وَاعِظًا أَنْ تَجْتَهِدُوا لأَجْلِ الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ.".

الرسول كان يود أن يجاهد، بل كان يجاهد لكى يكتب لهم عن الخلاص المشترك = أى الذى إشترك فيه الأمم مع اليهود، وصار الخلاص لكل العالم. ولكن الرسول وجد أن الهرطقات زادت مما شوه الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ. ووجد الرسول أنه عليه أن يهتم بحفظ الإيمان من البدع أكثر من إهتمامه بالحديث عن الخلاص، وعن مبادىء الإيمان التى صارت معروفة للجميع.

ولكن قوله أصنع كل الجهد = فيه إشارة إلى أننا ليس بسهولة نستطيع أن نفهم: -.

  • كل ما حصلنا عليه بواسطة هذا الخلاص.
  • كل الأمجاد التى سنحصل عليها فى السماء بسبب هذا الخلاص.
  • عمق المحبة الإلهية التى دبرت هذا الخلاص.
  • مدى الألام التى تحملها المسيح لنحصل على هذا الخلاص.

الْمُسَلَّمِ مَرَّةً = أى لن يتغير بعد ذلك ولا يجب أن يلحقه حذف أو إضافة أو تغيير من يوم سلمه السيد المسيح للرسل وحتى هذا اليوم.

تجتهدوا = تجاهدوا حتى الدم فى حفظ هذا الإيمان بلا تحريف.

كان لابد ليهوذا الرسول أن ينبه العالم لأن يستيقظ فلقد زرع إبليس زوانا وسط الحنطة، وهؤلاء الغشاشين يفسدون أولاد الله.

العدد 4

آية (4): -

"4لأَنَّهُ دَخَلَ خُلْسَةً أُنَاسٌ قَدْ كُتِبُوا مُنْذُ الْقَدِيمِ لِهذِهِ الدَّيْنُونَةِ، فُجَّارٌ، يُحَوِّلُونَ نِعْمَةَ إِلهِنَا إِلَى الدَّعَارَةِ، وَيُنْكِرُونَ السَّيِّدَ الْوَحِيدَ: اللهَ وَرَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ.".

دخل خلسة = هم مختلسون يُظهِرون غير ما يبطنون، ويحرفون الكتب كُتِبوا منذ القديم لهذه الدينونة = كما سيأتى فى آية 14 أن أخنوخ سبق وتنبأ عن دينونة هؤلاء. فأخنوخ تنبأ على كل المرتدين فى كل زمن وفى كل مكان بالدينونة والهلاك. هم دخلوا لدائرة الدينونة بأعمالهم. والبدعة التى يتحدث عنها الرسول لها شقين: -.

  1. شق إيمانى = ينكرون السيد الوحيد وربنا يسوع = أى إنكار الله أو إنكار أن المسيح هو إبن الله، وهذه تشمل أى هرطقة خاصة بلاهوت المسيح.
  2. شق سلوكى = فجار يحولون نعمة إلهنا إلى الدعارة = هؤلاء إستغلوا حرية الإنجيل، إلى حرية الجسد بزعم أن دم المسيح يطهر من كل خطية، وهذه البدعة واجهت بولس الرسول أيضا (رو5: 3 - 8) + (رو2، 1: 6) + (غل13: 5).

فجار = خالون من مخافة الله. يحولون نعمة إلهنا = يستغلون نعمة إلهنا ودمه الذى يطهر من كل خطية كفرصة لتحقيق نزواتهم. هؤلاء ظنوا أن مجرد الإيمان بغير جهاد يكفيهم كما يقول البعض الآن. وهنا نرى إرتباط العقيدة بالسلوك وبالحياة الروحية، فكما يعتقد الإنسان هكذا يسلك أيضا، ولاحظ أن من لا يخاف الله ينكره. وسريعا ما يسقط فى أبشع الخطايا كمن يتدحرج إلى أسفل تل ويصل فى النهاية إلى الدعارة. والعكس صحيح، فمن يسلك فى الدعارة والشهوة تظلم عيناه وقلبه وسريعا ما ينكر الله.

هناك من يظن وحتى الآن أن النعمة هى دم المسيح الغافر لكل خطية مهما كانت. ومنهم هؤلاء الذين يتكلم عنهم يهوذا فى هذه الرسالة. ولكن هذا معناه ببساطة أن المسيح القدوس قد أعطانا تصريحا بأن نعمل أى خطية ودمه سيغفر.

ولكن لنسأل أنفسنا صراحة ولنكن صادقين مع أنفسنا... إلى ماذا يقود هذا التعليم الذى ينادى به البعض، أنه طالما آمن الإنسان بالمسيح تغفر له أى خطية. إذاً ما الذى يمنعنى من إرتكاب أى خطية، ألا يؤدى هذا التعليم للفجور.

ولكننا نفهم أن النعمة هى قوة عمل الروح القدس فينا حتى نصبح خليقة جديدة تعمل البر، ويبكتنا الروح إن لم نعمل البر ويعطينا معونة لنعمل البر (راجع 2كو5: 17 + يو 16: 8 + رو 8: 26). وبهذا تصبح أعضاءنا ألات بر (رو6). ولاحظ قول السيد المسيح لليهود "كم مرة أردت... ولم تريدوا" (مت23: 37).

وحينما هاجمت الكنيسة هؤلاء وأظهرت خطأ تعاليمهم (ويهوذا هنا أطلق على أباء الكنيسة ذوى الأمجاد) أهان هؤلاء أباء الكنيسة على أنهم لايفهمون عمل النعمة الغافرة، وطبعا هذا حتى يتاح لهم عمل ما يريدون ويشتهون. وللأسف فهذا يقال ويُعَلِّم به آخرون حتى الآن. والجهاد المطلوب هو أن نغصب أنفسنا ولا نعمل الخطية، حينئذ نجد النعمة تعين (رو8: 13، 26).

ينكرون السيد الوحيد الله وربنا يسوع المسيح = الله هو السيد الوحيد الذى له حق التشريع سواء فى العهد القديم أو العهد الجديد، وحينما يعطون تصريحا بالخطية فهم ينكرون أن المسيح هو الله إله العهد القديم والجديد أيضاً. فالله أكد على منع الخطية فى التوراة (العهد القديم). فإن كان المسيح يسمح بالخطية فى العهد الجديد، فكأن المسيح أتى لينسخ الشريعة، والمسيح أوضح أنه ما أتى لينقض بل ليكمل، فالله لا يناقض نفسه. أو لا يكون المسيح هو الله نفسه، فهم بتعاليمهم هذه ينكرون ألوهية المسيح = ينكرون السيد الوحيد.

ولاحظ أن الرسول يقول السيد الوحيد الله وربنا يسوع المسيح وهذه تعنى أن الله هو السيد الوحيد وهو أيضا ربنا يسوع المسيح. أو يكون المعنى أن يسوع المسيح هو الله وهو السيد الوحيد وهو ربنا فهو الذى له حق التشريع. فإله العهد القديم هو هو نفسه إله العهد الجديد... هو هو نفسه ربنا يسوع المسيح، والله لا يناقض نفسه. لذلك قال المسيح ما لا يستطيع أن يقوله مخلوق "قد سمعتم أنه قيل للقدماء... أما أنا فأقول لكم" (مت5: 21). فما قيل للقدماء قاله يهوه فى العهد القديم، فمن يستطيع أن يزيد عليه إلا يهوه نفسه فى العهد الجديد الذى هو هو نفسه يسوع المسيح.

ينكرون ربنا يسوع المسيح = تعنى أنهم ينكرون عمل الفداء الذى عمله المسيح لنا. ففداء المسيح والمعمودية أعطيانا أن نموت مع المسيح ونقوم ليحيا المسيح فينا وتكون لنا حياته فتصبح أعضاءنا ألات بر (رو6). ومعنى تصريح هؤلاء بالخطية فكأنه إنكار لعمل المسيح. وعمل المسيح ببساطة هو حقا غفران للخطية، ولكنه هو أيضا موت للخليقة القديمة وقيام خليقة جديدة تعمل البر "لأنه جعل الذى لم يعرف خطية، خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه" (2كو5: 21)، وهذا معنى أن المسيح أتى ليكمل. فلقد أعطى بفدائه سكنى الروح القدس فينا ليكملنا حتى يتصور المسيح فينا (غل4: 19). ولكى يثبت لهؤلاء فساد تعاليمهم لجأ لذكر عقاب الله لعينات كثيرة من الخطاة فى العهد القديم، فالله هو هو لا يتغير. وبولس الرسول عمل نفس الشئ (1كو1 – 12).

مصير هؤلاء المعلمين الكذبة.

العدد 5

آية (5): -

"5فَأُرِيدُ أَنْ أُذَكِّرَكُمْ، وَلَوْ عَلِمْتُمْ هذَا مَرَّةً، أَنَّ الرَّبَّ بَعْدَمَا خَلَّصَ الشَّعْبَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، أَهْلَكَ أَيْضًا الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا.".

إبتداء من هنا يقدم الرسول أدلة على هلاك الأشرار ودينونتهم. الذين لم يؤمنوا = الرسول لخص كل خطايا الشعب بقوله لم يؤمنوا فعدم الإيمان مصدر كل الخطايا، وهكذا قال السيد المسيح (يو9، 8: 16) وهلاك الشعب بعد عبورهم البحر الأحمر بسبب خطاياهم أشار له بولس الرسول أيضا (1كو1: 10 - 11) + (عب7: 3 - 11). فمن يرتد عن الإيمان يهلك. ونجاة الشعب مرة لم تعفهم من الهلاك. وبنفس المنطق، فمن خلصه دم المسيح فهو معرض للهلاك بل بصورة أشد "لانه ان كانت الكلمة التي تكلم بها ملائكة قد صارت ثابتة وكل تعد ومعصية نال مجازاة عادلة. فكيف ننجو نحن ان اهملنا خلاصا هذا مقداره" (عب2: 2، 3) + "من خالف ناموس موسى فعلى شاهدين او ثلاثة شهود يموت بدون رافة. فكم عقابا اشر تظنون انه يحسب مستحقا من داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قدس به دنسا وازدرى بروح النعمة" (عب10: 28، 29).

العدد 6

آية (6): -

"6 وَالْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ، بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ حَفِظَهُمْ إِلَى دَيْنُونَةِ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ الظَّلاَمِ.".

فى الآية السابقة ضرب مثالا لهلاك الفجار بهلاك شعب الله فى البرية، بالرغم من أن الله خلصهم من عبودية فرعون. وهنا يضرب مثالا ثانيا بهلاك بعض الملائكة الذين كانوا فى مجد ولم يقتنعوا بما أعطاه الله لهم من مجد بل طلبوا فى كبرياء ما هو أكثر فسقطوا (إش13: 14). فالله لن يعاقب البشر المرتدين فقط بل والملائكة الذين يرتدوا، فالله لا يحتمل الخطية من أى مخلوق.

مسكنهم = ما كانوا فيه من مجد، بل كان إبليس من أعظم الطغمات السمائية.

حفظهم إلى دينونة = يحفظ الأشرار إلى دينونة، أى لن يستطيعوا الهروب منها، أما للأبرار فالله يحفظ أولاده فى إسمه (يو11: 17). فلا يضيع منهم نصيبهم السمائى.

العدد 7

آية (7): -

"7كَمَا أَنَّ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَالْمُدُنَ الَّتِي حَوْلَهُمَا، إِذْ زَنَتْ عَلَى طَرِيق مِثْلِهِمَا، وَمَضَتْ وَرَاءَ جَسَدٍ آخَرَ، جُعِلَتْ عِبْرَةً مُكَابِدَةً عِقَابَ نَارٍ أَبَدِيَّةٍ.".

المثال التالى الذى يضربه الرسول لهلاك الأشرار هو سدوم وعمورة. هؤلاء عاشوا فى شذوذ جنسى وإنغمسوا فى شهوة غير طبيعية، فهم طلبوا مضاجعة الملاكين. إذ زنت مضت وراء جسد آخر = مترجمة فى الإنجليزية strange flesh والمقصود علاقة شاذة. والزنا عموما يفسد الروح ويفسد العلاقة مع الله، وله عقوبات كثيرة. فالزانى يكون كمن يحتضن ناراً (أم6: 27). فبالأولى الشذوذ.

وَالْمُدُنَ الَّتِي حَوْلَهُمَا إذ زنت على طريق مثلهما = المدن التى حول سدوم وعمورة إذ عملوا مثلهما إحترقوا معهم. يقصد الرسول أن كل من يسلك مثلهما فى كل زمان سيهلك مثلهما. إذاً فهؤلاء الذين أعطوا لأنفسهم تصريحا بالخطايا طالما الدم يغفر، هم يسلكون كما سلك أهل سدوم وعمورة. فسيكون لهم نفس عقوبة سدوم وعمورة. نار أبدية = هم هلكوا بنار وكبريت، ولكن هم ذهبوا بعد موتهم لنار أبدية. جُعِلوا عبرة = هنا الرسول يحذرهم أنهم سيكون لهم نفس المصير، فالله لا يقبل الخطية.

العدد 8

آية (8): -

"8 وَلكِنْ كَذلِكَ هؤُلاَءِ أَيْضًا، الْمُحْتَلِمُونَ، يُنَجِّسُونَ الْجَسَدَ، وَيَتَهَاوَنُونَ بِالسِّيَادَةِ، وَيَفْتَرُونَ عَلَى ذَوِي الأَمْجَادِ.".

المحتلمون = قال عنهم أنهم ينجسون الجسد فمن هم المحتلمون؟... هناك عدة أراء: -.

  1. الحالمون ليلا وهم نيام: - والأحلام لها 3 مصادر.
  1. من الله كأحلام يوسف خطيب العذراء مريم، وفرعون. وقطعا ليسوا المقصودين هنا.
  2. من الشيطان. وهذه لا علاقة لها بالإفتراء على ذوى الأمجاد.
  3. النسبة الغالبة هى مما هو موجود فى العقل، ومخزون فيه صباحا أى من الصور والكلمات التى يراها الإنسان ويسمعها ويفكر فيها بينما هو مستيقظ. هذه يحلم بها ليلا. فإن كان ما يفكر فيه كله نجاسة، يحلم بنجاسات ينجس بها جسده. لكن أيضا هذه لا علاقة لها بالافتراء على ذوى الأمجاد.
  4. إذاً المحتلمون فى هذه الآية لا يقصد بهم من يحلمون ليلا.
  1. هؤلاء الهراطقة يعيشون على الأحلام والأوهام، تعاليمهم كالأحلام، غير حقيقية، بل هى خرافات، هم كالنائمين عن الحقيقة، أو شهواتهم جعلتهم كالسكارى أو الحالمين. هم يحلمون بحياة أخرى كلها نجاسات وخمر بحسب شهواتهم.

ج. ربما إدعى هؤلاء الهراطقة أنهم يتلقون تعاليمهم بواسطة الأحلام والرؤى.

ينجسون الجسد = من إرتد عن طريق الرب (كمن يقول لنفسه إذ يخطئ دم المسيح سوف يغفر) لابد أن ينتهى بتدنيس الجسد والفجور. فبدون التغصب (مت11: 12) مع عمل نعمة الله يسقط الإنسان إلى أحط الدرجات. فالقلب نجيس ومخادع (أر9: 17). والعكس فمن يسلك بالروح يتعفف (غل23: 5). فالتعفف من ثمار الروح.

هؤلاء إستهانوا بالرب فإستهانوا بأجسادهم كأعضاء للمسيح فأسلموها للشهوات الدنسة. والشهوات الدنسة تؤدى للعمى الروحى الذى يؤدى بهم لأن يتهاونوا بالسيادة، ويقصد بالسيادة من أعطاهم الله سلطانا فى الكنيسة وعيَّنهم رعاة على قطيعه، فهؤلاء الهراطقة يرفضون السلطان الكنسى، وهذا يصل لرفض سلطان الله نفسه. فمن يرفض سلطان الكنيسة هو متكبر والكبرياء بداية لرفض الله نفسه.

يفترون على ذوى الأمجاد = يتكلمون بسخرية عليهم وهم فى مناصب عالية كنسيا. مثل هؤلاء لا يرون أحداً أمامهم مقدسا. فعيونهم لا تستطيع أن ترى ذلك بسبب خطاياهم وشهواتهم وكبريائهم. وهم ذوى أمجاد إذ أعطاهم الله سلطان به يحلون ويربطون، ويغفرون، وهم خلفاء الرسل ولهم مفاتيح ملكوت السموات (مت16: 10 + مت18: 18 + يو20: 23 + 1كو5: 3 – 5 + 2كو2: 6 - 10).

الرأى الأصوب هو: -.

وواضح أن هؤلاء الحالمون حين يتهاونون بالسيادة ويفترون على ذوى الأمجاد فإن هذا لا يكون وهم نائمين يحلمون ليلا، بل وهم مستيقظون ولكنهم غارقين فى شهواتهم، يهاجمون الرياسات ليثبتوا للناس عقائدهم الإباحية التى لا ترضى عنها الرياسات الكنسية. والمبرر الذى يحلمون به أن دم المسيح يغفر لهم أى خطية إذ آمنوا بالمسيح، وحينما هاجمت الكنيسة معتقداتهم الفاسدة هاجموا الرياسات وسخروا منهم، ليجدوا مبررا لتنفيذ الخطايا التى يحلمون بها ويدنسوا أجسادهم.

العدد 9

آية (9): -

"9 وَأَمَّا مِيخَائِيلُ رَئِيسُ الْمَلاَئِكَةِ، فَلَمَّا خَاصَمَ إِبْلِيسَ مُحَاجًّا عَنْ جَسَدِ مُوسَى، لَمْ يَجْسُرْ أَنْ يُورِدَ حُكْمَ افْتِرَاءٍ، بَلْ قَالَ: «لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ! ».".

وحتى إن أخطأ الرؤساء فليس من حقنا أن نهزأ بهم فميخائيل وهو رئيس ملائكة لم يفعل هذا مع الشيطان بالرغم من أنه من المؤكد أن الشيطان مخطىء. أما هؤلاء المحتلمون فيعملون ويتكلمون فى عجرفة.

محاجا عن جسد موسى = كان إبليس يريد أن يظهر جسد موسى ليعبده شعب الله، فهو كان يعرف مقدار عظمة موسى عند الشعب، لكن الملاك ميخائيل أخفى جسده. وهذه القصة أخذها يهوذا من التقليد فهى غير موجودة فى العهد القديم مما يثبت صحة التقليد.

حكم إفتراء = لم يشأ أن يورد حكما من ذاته ضد إبليس وترك الحكم لله. أما هؤلاء فيفترون على ذوي الأمجاد لأنهم حَرَّموا تعاليمهم الفاسدة.

العدد 10

آية (10): -

"10 وَلكِنَّ هؤُلاَءِ يَفْتَرُونَ عَلَى مَا لاَ يَعْلَمُونَ. وَأَمَّا مَا يَفْهَمُونَهُ بِالطَّبِيعَةِ، كَالْحَيَوَانَاتِ غَيْرِ النَّاطِقَةِ، فَفِي ذلِكَ يَفْسُدُونَ.".

على ما لا يعلمون = ميخائيل رئيس الملائكة الذى يعلم نجاسة إبليس وخطيته لم يحكم حتى على ما يعرفه. وهؤلاء يتكلمون عن السماويات وعن ذوى الأمجاد وعلى الرياسات وهم عميان لا يفهمون شيئا فيما يتكلمون به عن الروحيات. هؤلاء المرتدون لا وقت عندهم، بل ولا معرفة بالأمور السماوية الروحية، هؤلاء لايفهمون أكثر من النواحى الجسدانية كالشهوات الجنسية، شانهم شأن الحيوانات. وحتى فى هذه فلقد إنحطوا أسفل من الحيوانات = ففى ذلك يفسدون = فالحيوانات لا تعرف الشذوذ الجنسى. فالمرتدون ينحدرون سريعا من سىء إلى أسوأ، فإذا كانوا يخطئون فى الجسديات التى يفهمون فيها بالطبيعة فهم إن تكلموا فى الروحيات حين يهاجمون الرياسات فإنهم يفترون.

العدد 11

آية (11): -

"11 وَيْلٌ لَهُمْ! لأَنَّهُمْ سَلَكُوا طَرِيقَ قَايِينَ، وَانْصَبُّوا إِلَى ضَلاَلَةِ بَلْعَامَ لأَجْلِ أُجْرَةٍ، وَهَلَكُوا فِي مُشَاجَرَةِ قُورَحَ.".

لاحظ خطوات الإرتداد، فهى تبدأ بالإنحراف فى طريق خاطىء كما بدأ قايين بعدم محبة لهابيل أخيه لكنه إندفع من سىء إلى أسوأ فمن عدم محبة لكراهية لبغضة لتفكير فى الإنتقام... ثم إلى قتل بل تبجح على الله "هل أنا حارس لأخى" وهذا ما قصده الرسول بقوله إنصبوا = أى إندفعوا أو إنسكبوا كالماء، وأصل الكلمة اليونانية يشير لإناء إنفجر فإنسكب ما فيه بإندفاع. والمعنى أنهم بدأوا بعدم محبة لكنهم إندفعوا فى الخطايا الجنسية = ضلالة بلعام = هى إشارة لمن يبيع أبديته لقاء لذة أرضية زائلة = لأجل أجرة فبلعام باع علاقته بالله إذ كان نبيا لقاء أجرة حصل عليها من ملك موآب، إذ اشار بلعام على ملك موآب أن يجعل إسرائيل يسقط فى الزنا ليلعنهم الرب، وكان هذا طلب ملك موآب، لعنة إسرائيل، وهذه هى مشورة بلعام (عدد7: 22) + (تث4: 23) + (رؤ14: 2).

ولكن نهاية كل هؤلاء المرتدين المتمردين على الكنيسة وسلطان الكنيسة، هو الهلاك كما هلك قورح وداثان وأبيرام إذ تمردوا على سلطة موسى وهرون ورفضوا كهنوتهم. لقد أدركت اللعنة من تمرد على من عينهم الله فصاروا من ذوى الأمجاد (عدد1: 16 - 35).

العدد 12

آية (12): -

"12هؤُلاَءِ صُخُورٌ فِي وَلاَئِمِكُمُ الْمَحَبِّيَّةِ، صَانِعِينَ وَلاَئِمَ مَعًا بِلاَ خَوْفٍ، رَاعِينَ أَنْفُسَهُمْ. غُيُومٌ بِلاَ مَاءٍ تَحْمِلُهَا الرِّيَاحُ. أَشْجَارٌ خَرِيفِيَّةٌ بِلاَ ثَمَرٍ مَيِّتَةٌ مُضَاعَفًا، مُقْتَلَعَةٌ.".

هؤلاء صخور = HIDDEN ROCKS أى صخور غارقة مختفية وهذه لا تراها السفن فتصطدم بها وتغرق. وهذا إشارة لأن هؤلاء الهراطقة لهم مظهر خارجى مخادع، فهم يظهرون بمظهر التقوى والغيرة على الخدمة وداخلهم مملوء شرا، ومن يسير وراءهم سيهلك كالسفينة التى ترتطم بالصخور المخفية تحت سطح الماء.

ولائمكم المحبيه = كانت تقام مع سر الإفخارستيا فى الكنيسة الأولى ولائم محبة، يأكلون فيها سويا وتسمى الأغابى (محبة) (1كو20: 11 - 22). وهؤلاء الهراطقة تشبهوا بالكنيسة فأقاموا الولائم للناس ولكن ليس بدافع المحبة بل لجذبهم لهرطقاتهم.

غيوم بلا ماء تحملها الرياح = سحاب خادع، لا فائدة فيه فهو بلا مطر، بل هو يحجب النور عن الأعين، هكذا كل من يرفع نفسه (أم14: 25). وكلمة رياح هى نفسها كلمة أرواح (كلمة روح وريح فى العبرية واليونانية هى كلمة واحدة) فالأرواح الكاذبة هى التى تحمل هؤلاء المرتدين. والعكس فأناس الله القديسين يسوقهم ويقودهم الروح القدس (2بط21: 1).

أشجار خريفية بلا ثمر ميتة مضاعفا مقتلعة = الخريف هو الوقت الذى فيه تكون الأشجار محملة بالثمار، ولكننا أمام أشجار بلا ثمر وميتة بينما الظروف حولها مهيأة (الخريف) لكنها مع هذا بدون ثمر، وعكس هذا المؤمنين فهم يشبهون بشجرة على مجارى المياه (مز3: 1).

مضاعفا = TWICE DEAD فهى ماتت مرتين:

  1. هى ميتة إذ هى بلا ثمر هذا هو الموت الأول، فالخطية تسبب موتا.
  2. قطعها من شركة الكنيسة ويمثله هنا قوله مقتلعة، هذا هو الموت الثانى. وهؤلاء نصيبهم الموت الثانى أى البحيرة المتقدة بالنار.

العدد 13

آية (13): -

"13أَمْوَاجُ بَحْرٍ هَائِجَةٌ مُزْبِدَةٌ بِخِزْيِهِمْ. نُجُومٌ تَائِهَةٌ مَحْفُوظٌ لَهَا قَتَامُ الظَّلاَمِ إِلَى الأَبَدِ.".

أمواج بحر هائجة مزبدة بخزيهم = البحر المضطرب يرمز لمن لا يعرف الله فهم لا راحة لهم ولا سلام، فلا سلام للأشرار (إش21، 20: 57) وقوله مزبدة بخزيهم، إشارة لأنه لا يظهر من هيجان هؤلاء الأشرار إلا كل ما يزيد خزيهم. وهم كأمواج هائجة فى ثورتهم ضد الكنيسة. هيجانهم ضد الكنيسة = موج البحر الهائج. خطاياهم الواضحة هى كالزبد الظاهر فوق الموج (الرغاوى البيضاء) = مزبدة. وخطاياهم هذه تخزيهم = بخزيهم.

نجوم تائهة = المقصود بالحديث الشهب والنيازك التى تضىء لحظات ثم تحترق وتنتهى فى الظلام للأبد = مَحْفُوظٌ لَهَا قَتَامُ الظَّلاَمِ إِلَى الأَبَدِ. أما المؤمن فيسير فى دائرة النعمة طكالنجم فى مداره المعين، وهو صخرة حية فى هيكل الله (1بط5: 2) وله نبع مياه (يو38: 7) وهو شجرة حية لها ثمار ويدعى شجرة بر (إش3: 61) وسلامه كنهر (إش18: 48) وينير كالكواكب إلى أبد الدهور (دا 3: 12).

الأعداد 14-15

الأيات (14 - 15): -

"14 وَتَنَبَّأَ عَنْ هؤُلاَءِ أَيْضًا أَخْنُوخُ السَّابعُ مِنْ آدَمَ قَائِلاً: «هُوَذَا قَدْ جَاءَ الرَّبُّ فِي رَبَوَاتِ قِدِّيسِيهِ، 15لِيَصْنَعَ دَيْنُونَةً عَلَى الْجَمِيعِ، وَيُعَاقِبَ جَمِيعَ فُجَّارِهِمْ عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِ فُجُورِهِمُ الَّتِي فَجَرُوا بِهَا، وَعَلَى جَمِيعِ الْكَلِمَاتِ الصَّعْبَةِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا عَلَيْهِ خُطَاةٌ فُجَّارٌ».".

نبوة أخنوخ هذه لم ترد فى العهد القديم، ولكن حفظها التقليد. وهناك كتاب أبوكريفى إسمه نبوات أخنوخ موجود به هذه النبوة التى أوردها يهوذا، ولكن الكتاب مملوء أيضا بخرافات مرفوضة. والمعنى أن هناك نبوات منسوبة لأخنوخ بوحى من الروح القدس لكن أتى بعض المنحرفين وأخذوها وأضافوا من عندياتهم باقى الكتاب.

ولكن ليس معنى هذا أن يهوذا قد إقتبس من هذا الكتاب، بل أن الروح القدس الذى أوحى لأخنوخ بهذه النبوة، أوحى ليهوذا بها، وهكذا نجد بولس الرسول قد إقتبس بعض من أقوال الشعراء اليونان (تى12: 1) + (أع28: 17). فهذه الأقوال التى إقتبسها بولس صحيحة ولكن هذا لا يعنى أن كل ما أورده هؤلاء الشعراء فى كتبهم لابد وأن يكون صحيحا.

ولا يعنى هذا أن يترك يهوذا نبوة صحيحة فى كتاب لأن هذا الكتاب أبوكريفى أى محرف وغيرصحيح.

وأخنوخ أنجب متوشالح، الذى كان إسمه نبوة عن الهلاك الآتى فى الطوفان متو (يموت) شالح (يبعث ثانية). فالطوفان وخلاص نوح وبنيه فى الفلك كان رمز للمعمودية الى فيها تموت الخليقة القديمة الخاطئة لتقوم خليقة جديدة لها حياة (1بط3: 20، 21).

فكأن إسم إبنه نبوة عما سيحدث، خصوصا أن متوشالح إبن أخنوخ مات سنة الطوفان إيذانا بالموت الذى سيأتى على العالم، ولكن كان هناك نجاة وحياة لنوح وبنيه. وكان متوشالح أكبر الناس عمرا، وكأنه بإسمه عاش كنبوة حية أمام الأشرار بالهلاك الآتى عليهم وخلاص الأبرار ونجاتهم من الطوفان الآتى.

وهذا معنى نبوة أخنوخ أن الرب آت فى ربوات قديسيه ليدين الأشرار ويهلكهم. ولكن نص نبوة أخنوخ هوذا قد جاء الرب = أتت فى الزمن الماضى كأن أخنوخ قد رأى رؤى العين ما سيحدث ووصف ما رآه، تأكيدا على حتمية حدوثه. ونبوة أخنوخ تنطبق على الطوفان أولا، وعلى كل دينونة يسمح بها الله عقابا للأشرار مثل هلاك سدوم وعمورة أو خراب أورشليم (عدة مرات) وتنطبق على مجىء السيد المسيح للدينونة فى نهاية الأيام. ولقد إستخدم الله أخنوخ وإبنه متوشالح كنبوة حية لتحذير الناس من غضب الله ليتوبوا عن شرورهم.

فى ربوات قديسيه = (مت31: 25 - 34) + (كو4: 3) + (1 تس13: 3) هنا نرى القديسين فى مجد مع المسيح، أما الأشرار فيهلكون. بل أن الله سيدين ليس فقط على الأعمال الشريرة بل على كل كلمة شريرة = جميع الكلمات الصعبة.

العدد 16

آية (16): -

"16هؤُلاَءِ هُمْ مُدَمْدِمُونَ مُتَشَكُّونَ، سَالِكُونَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِهِمْ، وَفَمُهُمْ يَتَكَلَّمُ بِعَظَائِمَ، يُحَابُونَ بِالْوُجُوهِ مِنْ أَجْلِ الْمَنْفَعَةِ.".

مدمدمون متشكون = مدمدمون أى متذمرون كما تذمر الشعب فى البرية، هؤلاء يبدأ تذمرهم ضد الكنيسة ورئاساتها وينتهى بتذمرهم على الله والتذمر ليس بالفم فقط بل بالقلب، فهناك من يسبح بشفتيه ويتذمر بقلبه أى قلبه مبتعد عن الله. ومتشكون = أى منقبون عن الأخطاء، غير راضين عن نصيبهم مثل الشياطين المتكبرين يبحثون عن أخطاء الرؤساء ليهاجموهم، بل تصل بهم قسوة قلوبهم لأن يشتكوا الله فى أى تجربة، متهمين الله بالقسوة، بينما هم = سالكون بحسب شهواتهم = هذا يفقدهم الشبع بالله ويفقدهم الرؤية الصحيحة لمحبة الله وللطريق الذى يرضى الله ويفقدهم تعزيات الله، ويفقدهم بالتالى السلام. ولا يعترفون أبداً أن خطاياهم هى السبب فيما هم فيه من ضيقات إذ أسلموا انفسهم للشيطان إذ قبلوا من يده كل هذا الكم من الخطايا.

فمهم يتكلم بعظائم = أى ألسنتهم مملوءة عجرفة وإعتداد بالذات يتهمون الله بأنه قد ظلمهم.

يحابون بالوجوه من أجل المنفعة = يحابون كل من يحصلون منه على فائدة. والله هو مصدر كل نعمة فى حياتهم، ينكرون عليه أي كلمة شكر.

العدد 17

آية (17): -

"17 وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ فَاذْكُرُوا الأَقْوَالَ الَّتِي قَالَهَا سَابِقًا رُسُلُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ.".

يا لتواضع الرسول، إذ لا يحسب نفسه من ضمن رسل المسيح، داعيا إياهم أن يستمعوا لرسل المسيح.

العدد 18

آية (18): -

"18فَإِنَّهُمْ قَالُوا لَكُمْ: «إِنَّهُ فِي الزَّمَانِ الأَخِيرِ سَيَكُونُ قَوْمٌ مُسْتَهْزِئُونَ، سَالِكِينَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ فُجُورِهِمْ».".

مستهزئون = بكلمة الله وبأن المسيح سيأتى ثانية. سالكين بحسب شهوات فجورهم = منقادين لشهواتهم. وهذا تنبأ عنه كل الرسل (أع29: 20) + (2تى1: 3 - 5) + (1يو18: 2) + (2بط4، 3: 3).

أما قوله الزمان الأخير =.

  1. بعد صعود الرب إلى السماء يحسب الزمان الباقى زمان أخير، فنحن لا ننتظر شيئا الآن سوى مجىء الرب ثانية للدينونة.
  2. كلما وصلنا لنهاية الأزمنة يزداد الإرتداد والفجور والهرطقات التى تنتهى بظهور ضد المسيح (2 تس 3: 2) + (لو8: 18) + (رؤ3: 20).

العدد 19

آية (19): -

"19هؤُلاَءِ هُمُ الْمُعْتَزِلُونَ بِأَنْفُسِهِمْ، نَفْسَانِيُّونَ لاَ رُوحَ لَهُمْ.".

المعتزلون = هم يعزلون أنفسهم بأنفسهم بإنشقاقهم عن الكنيسة منحازين إلى عدو الخير. نفسانيون = SENSUAL تعنى طبيعيون أى بحسب الإنسان الطبيعى المولود بحسب الجسد ولم تعمل فيه النعمة عملها وتغيره إلى خليقة جديدة، فالمولود من الماء والروح يصير خليقة جديدة (2كو17: 5)، ولكن من لا يخضع لعمل الروح يرجع ليكون إنسانا بحسب الطبيعة الخاطئة لذلك قال لا روح لهم = أى غير سالكين بحسب روح الله القدوس. إذاً نحن أمام طبيعتين، الأولى جسدانية حسية تنساق وراء الأحاسيس والشهوات وليس لروح الله والثانية منساقة لروح الله (1كو14: 2 - 16). ولأن هؤلاء جسدانيين شهوانيين، إنشقوا عن الكنيسة التى يقودها الروح القدس وعن أبنائها الروحيين، فهم كأنهم بلا روح فالروح لا يقودهم بل شهواتهم وغرائزهم هى التى تقودهم.

الأعداد 20-21

الأيات (20 - 21): -

"20 وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ فَابْنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى إِيمَانِكُمُ الأَقْدَسِ، مُصَلِّينَ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ، 21 وَاحْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ فِي مَحَبَّةِ اللهِ، مُنْتَظِرِينَ رَحْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ.".

نحن أمام عمل الثالوث، فالروح القدس يعطينا أن نعرف كيف نصلى ويشفع فينا بأنات لا ينطق بها (رو26: 8) أى يعطينا أن نكون فى وضع وفكر وطلبات وشهوات مرضية لله، ويعطينا محبة وثقة وطاعة وتسليم لإرادة الله فينا. والله الآب يحيطنا بمحبته فهو "الله محبة" (1يو16: 4). والإبن يشملنا برحمته، إذ يشفع فينا بدمه أمام الآب فنوجد مقبولين لدى الآب. إبنوا أنفسكم = الرسول بعدما حذرنا من المعلمين الكذبة عاد ليوجه أنظارنا إلى حياتنا الداخلية، لأن فى بناء حياتنا الداخلية خير وسيلة لتجنب خطر هؤلاء المضللين، وضمان خلاص نفوسنا وكلمة إبنوا جاءت فى صيغة الإستمرار، فهذه تستمر طوال العمر ونحن نبنى أنفسنا بجهادنا والإستسلام لعمل نعمة الله (أع32: 20).

وجهادنا هو فى تطبيق كلمة الله فى حياتنا فنكون إنجيلا معاشا.

على إيمانكم الأقدس = أى رافضين كل إنحراف فكرى أو عقيدى عن الإيمان المسلم مرة للقديسين، هذا الذى لم يحرفه المعلمون الكذبة. الحياة الروحية تقوم على إيمان أقدس مستقيم بلا إنحراف هذا الإيمان يلزم أن يكون مرتبط بالأعمال لذلك يقول فإبنوا = إشارة لضرورة الجهاد مصلين فى الروح القدس = أهم وسيلة للبناء هى الصلاة، وكل عمل أو جهاد بلا صلاة يكون باطلا. والصلاة فى الروح القدس تعنى أن الروح القدس يعين ضعفاتنا ويوجه قلوبنا ويلهم فينا تضرعاتنا وتعنى أن نكون فى شركة مع الله فى المسيح يسوع بواسطة الروح القدس (رو26، 16، 9: 8) + (أف18: 6). هى صلاة تحت إرشاد وتأثير الروح. والروح القدس نسمع صوته داخلنا: -.

1) الروح القدس يعطينا أفكار وكلمات ننطق بها فى الصلاة "خذوا معكم كلاما... قولوا" (هو14: 2) ويقول داود النبى "لسانى قلم كاتب ماهر" (مز 45). فكان الروح القدس هو الذى يضع الكلمات على فم داود.

2) يعطينا الروح القدس الشعور بالإنسحاق أمام الله بفتح أعيننا على قداسة الله وخزينا أمامه بسبب خطايانا. والمنسحق يسكن عنده الله (إش57: 15) ومن يسكن الله عنده يعطيه الشعور المفرح بالبنوة. وهذا معنى السجود لله بالروح والحق (يو4).

3) ويعطينا رؤية صحيحة عن المسيح، فهو يأخذ مما له ويخبرنا (يو16: 14)، ويعطينا الشعور بأبوة الله لنا (غل 4: 6).

4) يسكب مشاعر الحب لله فى قلوبنا (رو5: 5).

وكل هذا بحوار داخلى وبإقناع (إر20: 7). ومن له أذنان للسمع فليسمع ما يقوله الروح (رؤ2، 3).

إحفظوا أنفسكم فى محبة الله = هذه هى الطريقة الثانية للبناء، أن ندخل فى محبة الله، فى علاقة مستمرة مع الله، تنمو محبتنا له ونكتشف محبته لنا فنحبه بالأكثر، خصوصا بعد ما أعطاه لنا الروح. ومن يحبه سيمتنع عن كل خطية تغضبه وسينفذ كل وصية قالها (يو 23: 14).

منتظرين رحمة ربنا يسوع للحياة الأبدية = هذه هى الطريقة الثالثة للبناء. أن نحيا منتظرين مجىء المسيح، متوقعين مجيئه (أو موتنا بالجسد فى أى لحظة)، نحيا ساهرين مستعدين كأننا سنلقاه الآن. ومتوقعين فى نفس الوقت أنه عند مجيئه يشملنا برحمته لنحيا معه حياة أبدية وخلال إنتظارنا لا نطلب سوى رحمته فنحن لا نستحق شىء. لا معنى لجهادنا وحفظنا أنفسنا طاهرين ما لم نكن نتوقع بالرجاء حياة أبدية.

نحن محفوظين فى محبة الآب برحمة الإبن وبعمل الروح القدس فينا الذى يدفعنا للصلاة أى للصلة مع الله بطريقة صحيحة.

إنتظار مجىء المسيح وما سيعطيه لنا من أمجاد يجعلنا نحتقر الأمور الزمنية والملذات الجسدانية.

(ولاحظ أن من عاش يصلى فى الروح القدس ويحفظ نفسه من المؤكد أنه ستشمله رحمة ربنا يسوع فى الحياة الأبدية).

العدد 22

آية (22): -

"22 وَارْحَمُوا الْبَعْضَ مُمَيِّزِينَ،".

مميزين = البعض تشكك وضعف بسبب كثرة الهرطقات والبعض لا يتورع أن ينشر الهرطقات فى تحد لله وللكنيسة. فالنوع الأول يحتاج للرحمة والصبر، والثانى يحتاج للشدة لمقاومة مبادئه المنحرفة. وعلى الكنيسة أن تميِّز من الذى تعامله بالرحمة، ومن الذى تقطعه وتعامله بشدة. ويقول القديس يوحنا الدرجى "من يرعى الخراف لا ينبغى أن يكون أسدا ولا نعجة".

العدد 23

آية (23): -

"23 وَخَلِّصُوا الْبَعْضَ بِالْخَوْفِ، مُخْتَطِفِينَ مِنَ النَّارِ، مُبْغِضِينَ حَتَّى الثَّوْبَ الْمُدَنَّسَ مِنَ الْجَسَدِ.".

طلبته من اجلهم.

خلصوا البعض = تعاملوا مع من إرتد، أو إنحرف فى طريق الخطية وحاولوا أن تعيدوا ما أمكنكم أن تعيدوه لحظيرة المسيح. ولكن فى تعاملكم معهم إحذروا من أن تتأثروا بإقتناعاتهم ومواقفهم أو خطاياهم فتتلوثوا بها = مبغضين حتى الثوب المدنس من الجسد = أى نتعامل مع الخطاة كمن هم مصابين بداء خبيث قابل للعدوى ينبغى أن نحترس منه أشد الإحتراس، كما كان اليهود يفعلون إذ يحرقون ثياب الأبرص.

والكلمة المستخدمة للثوب هنا هو الثوب الداخلى الملاصق للجسد إشارة للجو المحيط بالخاطىء، وإشارة لأن الثوب الملامس للجسم يتدنس بما يفرزه الجسم. وهؤلاء الخطاة يفرزون سموما بهرطقاتهم وفجورهم فلنحذر منها ونحن نحاول أن نجذبهم من حياتهم الخاطئة = مختطفين من النار = نختطفهم من نار الخطية التى تقود لنار جهنم (مت10: 3 - 12) + (رؤ8: 21). وكان لوط وبناته قد إنتشلوا من النار.

بالخوف = وأنتم خائفين من أن تتلوثوا أو تفهم بأن تخيفوهم من الهلاك، والأقرب للمنطق أن يخاف الخادم من أن يتأثر بخطايا المخدوم الشريرة فهذا يتفق مع تشبيه مبغضين حتى الثوب المدنس من الجسد.

العدد 24

آية (24): -

"24 وَالْقَادِرُ أَنْ يَحْفَظَكُمْ غَيْرَ عَاثِرِينَ، وَيُوقِفَكُمْ أَمَامَ مَجْدِهِ بِلاَ عَيْبٍ فِي الابْتِهَاجِ،".

غير عاثرين = فكريا وعقيديا وإيمانيا وسلوكيا. وإذا كان الله قادر أن يحفظنا، إذاً علينا أن لا نخاف من الخدمة وسط المنحرفين.

يوقفكم أمام مجده = يذكرنا بالمجد المعد لنا لنتشجع ونسهر ونخدم بأمانة.

العدد 25

آية (25): -

"25الإِلهُ الْحَكِيمُ الْوَحِيدُ مُخَلِّصُنَا، لَهُ الْمَجْدُ وَالْعَظَمَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالسُّلْطَانُ، الآنَ وَإِلَى كُلِّ الدُّهُورِ. آمِينَ.".

الإله الحكيم = الذى يعرف كيف يحفظ كنيسته، ويتعامل مع كل نفس لذلك يسبحه الرسول قائلا = له المجد والعظمة...

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

تفاسير رسالة يهوذا الأصحاح 1
تفاسير رسالة يهوذا الأصحاح 1