التقليد المقدس

التقليد المقدس

يتطلع البعض إلى "التقليد" على أنه طاعة عمياء للماضى وتمسك بوديعة سلبية جامدة. بهذا يكون التقليد – فى نظرهم – أشبه بفهرس ثمين لمجموعة من التقاليد القديمة والقوانين والطقوس، أو متحف يضم ما هو قديم. بهذا يحسبون الكنيسة التقليدية كنيسة جامدة رجعية ترتبط بالقديم لمُجرد قدمه. وإننى فى هذا العمل البسيط أود أن أوضح مفهومنا للتقليد من خلال الكتاب المقدس وفكر الآباء وحياتنا الكنسية العملية.

1 - ماذا تعنى كلمة "تقليد"؟

كلمة "تقليد" فى اليونانية كما وردت فى العهد الجديد Paradosis وهى لا تعنى "المحاكاة imitation، إنما جاءت مشتقة من الفعل الأصل Paradidomi الذى يعنى" يعهد بشئ لآخر، أو "يسلم شيئاً يداً بيد". والفعل المقابل والملازم هو Paralambano أى "يتقبل الشئ" أو "يستلمه". واللفظان اليونانيان السابقان يقابلهما فى العبرية التعبيران nasar أو يودع أو يسلم وqibbel أى يقبل الشيء أو يتسلمه[171]1. بهذا فإن التقليد لا يعنى مجرد "محاكاة الماضى"، بل حسبما جاء فى الكتاب المقدس هو تسليم وديعة، جيل يودع إيماناً وآخر يتقبله.

2 - ما هى مادة التقليد؟

ما هى مادة التقليد المسيحى؟ أو ما هى الوديعة التى تقبلها الكنيسة وحافظت عليها عبر الأجيال؟ فى الحقيقة لم يودع الرب "كتاباً" لدى تلاميذه ورسله، بل بالحرى أعدّ رجالاً يتبعونه ويقبلونه ساكناً فى قلوبهم. لقد أنصتوا إليه وهو يُعلم، وتبعوه أينما حل، رأوه يصلى، ويهب راحة للشعب ويعامل الخطاة بلطف، ويشفى المرضى ويُقيم الموتى، رأوه يُقيم العشاء الأخير ويهبهم السلام بعد قيامته. وأخيراً أرسل إليهم روحه القدوس لا ليذكّرهم بكلماته وليسندهم ليكونوا سالكين على إثر خطواته فحسب، بل بالحرى لكي ينعموا بالاتحاد معه ويشاركوه حياته الإلهية. هذا هو جوهر تقليدنا: إنه "الاتحاد مع السيد المسيح بعمل الروح القدس". فإن الله الآب قدّم ابنه لنا، وقدّم الابن حياته لنا (غل2: 20؛ أف5: 2).

هذا هو التقليد: "الإيمان المُسلم مرة للقديسين" (يه3)، أو "الإنجيل" مكتوباً فى حياتنا، ومنقوشاً فى قلوبنا. أنه بالأمر الحىّ، تسلمناه بواسطة الرسل الذين سلموه لتلاميذهم بعمل الروح القدس، الشاهد للسيد المسيح فى حياة الكنيسة، وموحدها مع مخلصها.

بمعنى آخر، إن عملية النقل أو التسليم لم تتم بواسطة كتابات الرسل فحسب، بل بالحرى قد تحققت بواسطة الروح القدس، الذى قاد مشاعرهم وعبادتهم وسلوكهم وكرازتهم. لقد وهبهم الحياة الجديدة التى هى "الحياة فى المسيح" فى حياة الكنيسة خلال الأجيال المتعاقبة، إذ هو على الدوام يعيش فى الكنيسة ويعلم فيها أمس واليوم وغداً، يوحى لها بحياتها، ويجعل منها استمراراً للحياة والإيمان والحب، وليس تكراراً آلياً للماضى[172]1. فالتقليد هو تيار الحياة الواحدة للكنيسة، يحمل الماضى بكل صروه حاضراً حياً، ويمتد بالحاضر نحو الغد انحراف. هذا هو جوهر التقليد الذى نُركز عليه عند دراستنا لمحتوياته، التى هى:

1 - رسالة الإيمان بالثالوث القدوس وعمل الله الخلاصى، والتعليم بها.

2 - أعمال السيد المسيح وأقواله.

3 - أسفار العهدين القديم والجديد، وحفظ خبرة آباء الكنيسة وفهمهم لكلمة الله الخ.

4 - المنهج الروحي والسلوكي فى المسيح يسوع.

5 - منهج العبادة: مفهومه ونظامه.

6 - القوانين الكنسية وترتيب العبادة من صلوات واصوام ومطانيات وأعياد الخ. تُمارس بروحانية لأجل بنيان الجماعة ونمو حياة كل مؤمنٍ فى علاقته الشخصية مع الثالوث القدوس.

3 - ما هو دور التقليد فى العصر الرسولى؟

ظهرت أسفار العهد الجديد تدريجياً فى عصر الرسل لكنها لم تكن بعد قد قُنيت كنسياً. وكان التقليد فى هذا الحين هو المصدر الوحيد للإيمان المسيحى والتعاليم المسيحية والعبادة.

ويمكننا أن نلخص الدور الذي قام به التقليد فى ذلك الوقت فى حياة الكنيسة، فى النقاط التالية:

1 - إذ ظهرت الكنيسة إلى الوجود استخدمت أسفار العهد القديم، وعلى مسئولية السيد المسيح ورسله تقبل المسيحيون هذه الأسفار من اليهود، وتطلعوا إليها بكونها حكمة الله الموحى بها التى لها سلطانها. حسبت الكنيسة نفسها وارثة لكنيسة اليهود فى تقليدها القديم هذا، أى وارثة للأسفار المقدسة.

وجدير بالذكر أن الكنيسة الأولى كانت تقرأ الأسفار المقدسة بعين مستنيرة بفكر مسيحى خالص، إذ قبلت النبوات المذكورة فى هذه الأسفار، واستخدمتها بتفسير معين[173]1 لم يكن قد عرفه اليهود بعد. هذا التفسير تسلمته الكنيسة من الرسل، ولدينا يقين أنه مُسلم من ربنا نفسه.

2 - مع إن كتب العهد الجديد لم تُقتن كنسياً، حتى منتصف القرن الثانى، لكن الآباء تقبلوها ككلمة الله الموحى بها، واقتطفوا منها فى كتاباتهم.

3 - خلال التقليد أدرك آباء الكنيسة وحدة الأسفار المقدسة، أقصد الوحدة بين العهدين القديم والجديد، بكونهما كلمة الله الواحدة، حتى قبلما تُقنن أسفار العهد الجديد كنسياً.

4 - أعلن الرسل أن التقليد الذى تسلموه خلال تلمذتهم ليسوع المسيح هو أحد مصادر سلطانهم الرسولى، فقد كرزوا كشهود عيان لأحداث حياة السيد المسيح وأعماله الخلاصية. فالقديس يوحنا يقول: "الذى كان من البدء، الذى سمعناه، الذى رأيناه بعيوننا، الذى شاهدناه، ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة..." (1يو1: 1). وفى إنجيله يقول: "الذى عاين شهد وشهادته حق، وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم" (يو19: 35). وأشار القديس لوقا إلى أن أحداث السيد المسيح قد "سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة" (لو1: 2).

وإذ أراد الأحد عشر تلميذاً أن يُقيموا من يحتل مركز يهوذا، أصروا على أن يختاروا واحداً عاش وعاين الرب "الرجال الذين اجتمعوا معنا كل الزمان الذى فيه دخل إلينا الرب يسوع وخرج. منذ معمودية يوحنا إلى اليوم الذى ارتفع فيه عنا يصير" واحد "منهم شاهداً معنا بقيامته" (أع1: 21، 22)، هكذا بدأ التقليد الرسولى بشهود عيان لأحداث حياة الرب، لكن "شهادة العيان" لم تكن وحدها كافية أن تُقيم هذا التقليد، بل بالحرى تأسس بالروح القدس الذى يقود حياة الكنيسة ويهبها الاتحاد مع الله فى المسيح يسوع، يقول لوقا الرسول: "تقليد المسيح" للكنيسة شاهد عيان لهذه الأحداث، لكنه تقبل الرسولية بدعوة خاصة، بالروح القدس تقبل التقليد الكنسى كأنه مُسلم له من الله مباشرة. إذ يؤكد قائلاً "بولس رسول لا من الناس ولا بإنسان بل بيسوع المسيح والله الآب..." (غل1: 1). كما يقول: "لأنى تسلمت من (apo) الرب ما سلمتكم أيضاً" (1كو11: 23). ويلاحظ استخدام حرف الجر اليونانى (apo) فى العبارة "من الرب" يشير إلى نقل الخبر خلال وسيط أو أكثر، كما أن المقطع "para" فى كلمة "تسلمت paralambano"، تؤكد مثل هذه الوساطة[174]2.

5 - التقليد الذى تسلمه الرسل من السيد المسيح وأودع لدى الكنيسة، فى جوهره هو "الحياة الجديدة التى لنا فى المسيح بالروح القدس". بهذا فإن التقليد الرسولى ليس بالوديعة الجامدة، إنما يحمل فى داخله استمرار البنطقستى فى الكنيسة ككل وفى حياة كل عضو حى من أعضائها. بالتقليد الكنسى ليس فقط الجماعة المسيحية ككل تمارس هذه الحياة، وإنما يتقبل كل عضو علاقة شخصية مع الله فى الروح دون اعتزاله الكنيسة الجامعة.

خلال هذه النظرة نتطلع أيضاً إلى تقليدنا فى جوهره كعطية روحية، لا تقدم من إنسان لآخر، بل لها فاعليتها فى حياة من يُقدم التقليد ومن يتسلمه. وكما كتب القديس بولس إلى أهل رومية "لأنى مشتاق أن أراكم لكى أمنحكم هبة روحية لثباتكم، أى لنتعزى بينكم بالإيمان الذى فينا جميعاً، إيمانكم وإيمانى" (رو1: 11، 12). وفى هذا أيضاً يقول القديس أغسطينوس: "من أجلكم أنا أسقف، ومعكم إيمانى أنا مسيحى[175]1". وكأنه يشعر فى أعماقه أنه مُعين من قبل الله لكى يودع شعبه التقليد المسيحى، وفى نفس الوقت يُمارس هذا التقليد معهم كواحدٍ منهم.

6 - خضع الرسول لبعض التقليدات اليهودية فى العبادة والطقوس التى كانت تتفق مع إيمانهم وذلك بعد إعطائها مسحة مسيحية، الأمر الذى نعود إليه فيما بعد إن شاء الرب.

7 - بالتقليد ركزت الكنيسة على الولاء للأساقفة، إذ تطلعت إليهم كخلفاء للرسل، مُعينين كمسئولين عن الحفاظ على نقاوة التعليم.

فى اختصار نستطيع القول بأن الكنيسة فى عصر الرسل قبلت التقليد الحى، به قبلت أسفار العهد القديم، وأدركت نبواته، واكتشفت رموزه وعلاماته، وتعرّفت على وحدته مع الشهادة الرسولية، كما تقبلت شهادة الرسل العيانية، وأعلنت سلطان خلفائهم فى الحفاظ على الإيمان المسيحى ومارست العبادة الحقة لله.

4 - ما هو ارتباط التقليد الرسولى بالإنجيل؟

إيماننا بالمسيا المُخلص، أى بإنجيل الكنيسة، هو عصب تقليدنا المقدس ومركزه. فى اكثر من موضع يخبر الرسول بولس شعبه أنه يُسلّمهم تقليد "إنجيل الخلاص" أو "كلمة الخبر" أو "عمل الله الخلاص"، التقليد الذى نقبله من الكنيسة، إذ يقول: "وأعرفكم أيها الأخوة بالإنجيل الذى بشرتكم به وقبلتموه وتقومون فيه... فإنى سلمت إليكم فى الأول ما قبلته أنا أيضاً: إن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب وأنه دُفن وأنه قام فى اليوم الثالث حسب الكتب" (1كو15: 1 - 4). كما يقول: "تسلمتم منا كلمة الخبر من الله قبلتموها لا ككلمة أناس بل كما هى بالحقيقة ككلمة الله التى تعمل أيضاً فيكم أنتم المؤمنين" (1تس2: 13).

حقاً تقبل الرسل إنجيل الكنيسة، ليس مكتوباً على ورق بل تسلموه شفاهاً، لكى يودعوه فى الكنيسة بالتقليد الشفهى كما بالكتابى أيضاً.

فى هذا يقول C. Richardson: "قامت الكرازة المسيحية على العهد القديم والتقليد الحى ليسوع، هذا الذى تناقله فم من فم. فقد كان الشعور بالشهادة الشخصية فى الكنيسة الأولى قوياً للغاية فبايباس مثلاً سجل لنا تفضيله الصوت الحى الكائن فينا على الكتب... [176]1.

لقد بدأ كثير من الباحثين فى الغرب يدركون هذه الحقيقة: أن التقليد لا يقف جنباً إلى جنب مع الكلمة المكتوبة كأنهما اثنان، إنما هما شئ واحد، ما يعلنه الكتاب تسلمته الكنيسة تقليداً شفهياً.

يقول F. Bruce أستاذ الدراسات النقدية للأسفار المقدسة وتفسيرها بجامعة مانشستر: "بينما يميل مسيحيو الغرب إلى إقامة الكتاب المقدس والتقليد، الواحد مقابل الآخر كما لو كان التقليد شفهياً فحسب وغير مكتوب، ليس ما يمنع أن يكون التقليد مكتوباً. فقد أخذ التقليد الرسولى يُشك مكتوباً فى حينه. وسار كتاباً يحمل سلطاناً رسولياً على ذات المستوى، إذ يشجع القديس بولس مسيحيى تسالونيكي:" اثبتوا وتمسكوا بالتقاليد التى تعلمتموها سواء كان بالكلام أم برسالتنا "(2تس2: 15) [177]2.

وجاء فى قاموس وستمنستر الجديد للكتاب المقدس: "على أى الأحوال، استخدم هذا التعبير" التقليد "فى معنى حسن عن التعليم الرسولى المُسلم فى الكنيسة بالكلمة الشفهية أو المكتوبة[178]3".

يقول J. N. D. Kelly: "لهذا عادة يقصد الآباء بالتقليد، التعليم الذى عهد به الرب أو رسله للكنيسة، سواء كان مٌسلماً شفاهاً أو بالكتابة..." لقد وضح هذا التعبير تماماً فى إشارة القديس أثناسيوس[179]4 للتقليد الفعلي الأصيل للكنيسة الجامعة وتعاليمها وإيمانها بأنه "الأمر الذى وهبه الرب وأعلنه الرسل وحافظ عليه الآباء[180]5".

حقاً، لقد استلمت الكنيسة "كلمة الله" قبل أن تُسَطر على الورق، وتمتعت بالبشارة المُفرحة، وتفهمت بالروح القدس المعنى العميق لكلمة الله، خلال التقليد الشفهي، وتسلمته ليس فقط خلال الكلمات بل أيضاً خلال طريقة الحياة. لقد قبلت حياتها قبلما أن يكون العهد الجديد مكتوباً أكثر من عشرين عاماً. وحينما سجل الإنجيليون والرسل العهد الجديد بوحى الروح القدس، قبلته الكنيسة وكرمته وفهمته كحيات سبق لها أن عاشتها. هكذا الإنجيل ليس بغريب عن التقليد، لكن الأول جزء من الأخير، كلاهما يعلنان "الحق الواحد"، ويشرحان طبيعة الكنيسة.

ربما يتساءل أحدهما إن كان التقليد الشفهى قد توقف بظهور أسفار العهد الجديد. لكننا نجيب بأن الرسل أنفسهم قد ذكروا المؤمنين بالتقليد الشفهى حين كتبوا رسائلهم للجماعات المسيحية الأولى، إذ من خلاله يستطيعون أن ينالوا فهماً للحق المسيحى: "إذ كان لى كثير لأكتب إليكم لم أرد أن يكون بورق وحبر، لأنى أن آتى إليكم وأتكلم فماً لفم لكى يكون فرحنا كاملاً" (2يو12). "وكان لى كثير لأكتبه لكننى لست أريد أن أكتب إليك بحبرٍ وقلمٍ. ولكننى أرجو أن أراك عن قريب فنتكلم فماً لفم" (3يو14، 13). أما الأمور الباقية فعندما أجئ أرتبها "الكلمة اليونانية تعنى" أطقسها "(1كو11: 34)." لأجل هذا تركتك فى كريت لكى تكمل ترتيب الأمور الناقصة وتقيم فى كل مدينة قسوساً "(تى1: 5).

فى مواضع كثيرة يُوصى الرسول بولس تلاميذه أن يحفظوا التقليد، ويودعونه اناساً آخرين، وأن يتمسكوا بالتقاليد التى تعلموها بالكلام أو برسالته وأن يتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب وليس حسب التقليد الذى أخذه منه (2تس3: 6). كما حذرنا من كل تقليد بشرى مقاوم للإيمان "حسب أركان العالم وليس حسب المسيح" (كو2: 8).

علاوة على هذا، ففى الكنيسة الأولى قبل البعض المسيحية فى أمم كثيرة بالرغم من وجود ترجمة للكتاب المقدس إلى لغتهم حتى ذلك الحين، وبهذا لم يكن فى قدراتهم أن يتعلموا الحق منها بل من التقليد الشفهى[181]1.

القديس إيرنياؤس فى القرن الثانى هو أول من ناقش موضوع التقليد. لقد أثار تساؤلاً مفترضاً: لو لم توجد أسفار مقدسة ماذا كان يحدث؟ إلى أى شخص نلتجئ؟ "أما كنا نلجأ إلى الكنائس الأكثر قدماً، التى عاش فيها الرسل، ونأخذ عنها ما هو ثابت وأكيد؟! أى بديل لذلك لو أن الرسل أنفسهم لم يتركوا لنا أية كتابات، أما كنا ملتزمين أن نعتمد على تعاليم التقليد التى قدّموها لأولئك الذين عهدوا إليهم بالكنائس[182]2؟!".

5 - كيف حُفظ الكتاب المقدس إلى اليوم؟

الكتاب المقدس هو كتاب الكنيسة الذي تسلّمناه خلال التقليد الكنسى، فبالتقليد قُننت الأسفار المقدسة وتأكد لنا أنها الأسفار الموحى بها. يقول: [بالتقليد عرفت الأناجيل الأربعة، وإنها وحدها صحيحة].

ويقول القديس كيرلس الأورشليمى: [تعلّم بالجهاد ومن الكنيسة ما هى أسفار العهد القديم؟ وما هى أسفار العهد الجديد؟ [183]1].

كما يقول القديس أغسطينوس: [ما كنت أؤمن بالإنجيل ما لم يقنعني بذك صوت الجامعة[184]2].

يقول القديس باسيليوس الكبير: [إذا حاولنا أن نحذف العوائد غير المكتوبة لأنها ليست بذات أهمية فلننتبه إلى أننا نسئ إلى البشارة فى أهم أركانها، ونجعل الكرازة الإنجيلية اسماً لغير مُسمى].

جدير بالذكر أن التقليد الكنسى يشهد للكتاب المقدس، وأن الكتاب المقدس نفسه هو جزء من التقليد الكنسى، هذا لن يُقلل من قيمة الكتاب بكونه فريداً. التقليد يحفظ للكتاب طبيعته ككلمة الله، الإعلان الإلهي الأبدى، المُوجه لا إلى الدهر الحاضر فحسب، بل وإلى الدهور المُقبلة.

إن كان التقليد يشهد للكتاب المقدس، لكنه ليس بالحكم عليه. على العكس إننا نتقبل التقليد متى تأسس على الكتاب، ولا يمكننا أن نقبله متى تعارض مع الكتاب المقدس[185]3.

علاوة على هذا، يُعطى الكتاب المقدس لكل مؤمن، لكى يختبره ويتذوقه شخصياً مُدركاً قيمته ووحيه، لكن لا يستطيع أحد بذاته أن يُقرر الوحى الإلهى للكتب المقدسة وحلول الروح القدس فى الكتاب، إنما هو عمل الروح القدس الحى فى الكنيسة. ليس هذا بالعمل الشخصى الذى يقرره الإنسان بذاته إنما يلتزم بحكم الكنيسة[186]4.

أخيراً، فإن هذه العلامة الوثيقة بين الكتاب المقدس والتقليد لا تطفئ الإحساسات الشخصية نحو الكتاب المقدس، بل بالعكس يؤكد التقليد الكنسى هذا الاتجاه، مطالباً إيانا أن نعيش فى الكتاب دون اعتزالنا عن الكنيسة.

6 - كيف حٌفظت كلمات المسيح وأعماله؟

بالتقليد تسلمنا الأناجيل المقدسة التى تحوى أعمال السيد المسيح وكلماته، لكن ليست كل أعماله ولا كل أقواله، إذ يختم مُعَلمنا يوحنا الحبيب إنجيله بقوله: "وأشياء أخر كثيرة صنعها يسوع إن كتبت واحدة واحدة لست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة" (يو21: 25).

لقد سمع التلاميذ والرسل أقوالاً كثيرة، حفظوها وعاشوها، لكن يُسجلوها بكليتها فى الأناجيل، نذكر على سبيل المثال ما قاله الرسول بولس: "هكذا أيضاً أمر الرب ان الذين ينادون بالإنجيل من الإنجيل يعيشون" (1كو9: 14)، "أما المتزوجون فأوصيهم لا أنا بل الرب أن لا تفارق المرأة رجلها" (1كو7: 10). لقد تقبل الرسول بولس هذه الوصايا والأقوال الربانية عن التلاميذ والرسل الذين سمعوا الرب، وبالروح عاشوها وحفظوها وأودعوها آخرين.

أما من جهة أعمال المسيح، فإننا نجد الرسول بولس يقول: "لأننى تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضاً أن الرب Kyrios يسوع فى الليلة التى أسلم فيها أخذ خبزاً..." (2كو11: 23). لم يستلم الرسول هذا العمل من الرب مباشرة ليلة آلامه، لكن كما يقول[187]1 Cullmann Oscar إن كلمة "كيريوس" هنا تشير إلى "التقليد الشفهي" الخاص بالرب يسوع. حقاً لقد تقبل الرسول رؤى وإعلانات مباشرة، لكنه تسلّم هذا العمل من الرب خلال الكنيسة. والعجيب أن الليتورجيات الأولى، كتلك التى وردت فى "التقليد الرسولى للقديس هيبوليتس" حملت عبارات الرسول بولس فى "الرشومات" أو "قصة التأسيس"... ولعل سرّ هذا إن التقليد الرسولى لهيبوليتس قد عكس لنا تقليد عاماً فى الكنيسة، عنه أخذ الرسول بولس، وعنه أيضاً أخذت الليتورجيات الرسولية جميعها.

7 - ماذا يقول بابياس عن التقليد؟

بعد انتقال الرسل والتلاميذ الذين كانوا شهود عيان لأحداث السيد المسيح الخلاصية، اهتم آباء الكنيسة مثل بابياس وإيريناؤس وإكليمنضس السكندرى بحفظ التقليد الشفهى أو "تقليد الشيوخ" "الآباء Presbyters" الذين قرروا أنه يرجع إلى عصر الرسل.

لقد عرفنا بابياس أسقف هيرابوليس بفريجيا خلال كتابات إيريناؤس ويوسابيوس. وتعتبر شهادة إيريناؤس أهم من يوسابيوس، لأنه ينتمى إلى نفس شهادة الحلقة التى ينتمى لها بابياس، ولو أنه جاء متأخراً عنه قليلاً[188]2.

قرر القديس إيريناؤس أن بابياس الذى كان سامعاً للقديس يوحنا ورفيقاً للقديس بوليكاربس، وضع خمس كتب[189]3. وقد مدح إيريناؤس هذا العمل جداً، إذ رأى فيها تلاقى بابياس مع العصر الرسولى[190]1. وقد بقى هذا العمل "الكتب" حتى القرن الرابع عشر ما لم يكن بعد ذلك، إلا أنه للأسف لا يوجد منه أى نسخة حالياً[191]2.

وقد حفظ لنا يوسابيوس مقدمة لكتاب بابياس عنوانه "شرح أقوال الرب" [192]3. فى هذه المقدمة قرر بابياس – قبيل منتصف القرن الثانى – أن يجمع الذكريات الحية للذين تعرفوا على الرسل شخصياًن إذ يقول: "لا أتردد أن أضيف إلى تفسيرى كل الأمور المُسلمة من الشيوخ" Presbyters "، فإنى أعرفهم جيداً وأتذكرهم حسناً، وأثق فى الحق الذى لهم... فمتى جاء واحد من الذين استمعوا إلى الشيوخ، أسأله عن أقوالهم بكل تدقيق – ماذا قال أندراوس أو بطرس؟ أو ماذا قال فيلبس أو توما، أو يعقوب أو يوحنا أو متى أو أى تلميذ من تلاميذ الرب... فإنى أظن أن ما أستقيه من الكتب لم يكن نافعاً لى مثل المنطوقات النابعة عن الصوت الحى والذى يبقى حياً.

8 - ماذا يقول القديس إيريناؤس عن التقليد؟

أظهر القديس إيريناؤس – فى النصف الأخير من القرن الثانى – أهمية التقليد الشفوى، وذلك كما يظهر من عباراته التى استخدمها وهو يُذكر صديقه فلورانس بأيامهما الأولى مع القديس بوليكاربس فى سميرنا[193]4، إذ قال: [إنى أتذكّر أحداث تلك الأيام بوضوح أكثر من تلك الأحداث القريبة، لأن الأمور التى نتعلّمها فى الطفولة تنمو مع النفس وتصير واحداً معها. فإنى أستطيع أن أصف حتى المكان الذى جلس فيه بوليكاربس ونطق فيه مقاله، وأصف مجيئه وخروجه، وطريقة حياته وملامحه الشخصية، والمقالات التى وعظ بها الشعب، وكيفية مفاوضاته مع يوحنا الإنجيلى وغيره ممن عاينوا الرب، وتلاوته الكلام الذى سمعه من أفواههم عن الرب وأعماله العظيمة وتعاليمه، كيف أن بوليكاربس تقبل "paralambano" هذه الأمور عن شهود عيان لكلمة الحياة، ووضع تقريراً عن كل شئ فى تطابق مع الكتاب المقدس. لقد أصغيت لهذا الأمور بشغف بواسطة مراحم الله التى وهبت لى، وكتبت عنها ملاحظات، لا على ورق بردى، بل فى داخل قلبى. وبنعمة الله أتأمل فيها بحق على الدوام[194]5 ".

9 - كيف واجه التقليد الغنوسيين والهراطقة فى القرن الثانى؟

فى القرن الثانى أساء الغنوسيون فهمهم للكتاب المقدس لخدمة أغراضهم الخاصة، مُستخدمين بعض عباراته منعزلة عن الفهم الكلي للكتاب وتقليد الكنيسة. هذا بجانب ادعائهم استلام تقليد خفى من الرسل[195]1، يدّعون أنهم يفهمونه أفضل من الأساقفة أو حتى الرسل[196]2! وقد قام آباء الكنيسة الأولون يواجهون الغنوسيين ويفندون آراءهم، من بينهم القديس إيرنياؤس، والذى لُقب "أب التقليد الكنسي. يمكننا أن نوجز فكره فى" التقليد "فى النقاط التالية:

[ - بقى التقليد المنحدر إلينا من الرسل محفوظاً بغير انقطاع خلال تتابع الشيوخ "الكلمة اليونانية Presbyters تعنى كهنة ويقصد بها الأساقفة" فى الكنيسة[197]3.

- يحفظ التقليد في الكنيسة بواسطة الروح القدس الذى يجدد شباب الكنيسة[198]4.

- التقليد الرسولى ليس بالأمر السرى، بل يستطيع أن يتعرف عليه كل الراغبين فى قبول الحق. إنه مُعلن فى كل كنيسة فى العالم كله[199]5.

ثانياً: أساء الهراطقة تفسير الكتاب المقدس إذ تمسكوا بعبارات عزلوها عن الكتاب وأعادوا ترتيبها بما يناسب أفكارهم الخاصة[200]6، متجاهلين وحدة الكتاب المقدس. لقد استخدموا نصوص الكتاب لكنهم لم يقرأوها خلال الكنيسة ولا بحسب تقليد الرسل. لهذا فإن الفهم الحقيقى للكتاب يوجد داخل الكنيسة حيث يحفظ التقليد المقدس وتعاليم الرسل. "غرست الكنيسة كفردوس فى هذا العالم، كما يقول الروح القدس: من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً (تك2: 16) أى تأكل من جميع كتب الرب المقدسة، لكنك لا تأكل بذهن متكبر ولا تلمس أى فكر هرطوقى مضاد. لقد اعترف هؤلاء" الهراطقة "أن لديهم معرفة الخير والشر، وارتفعوا باذهانهم الشريرة فوق الله صانعهم[201]7".

ثالثاً: الكنيسة وقد تقبلت هذه الكرازة وهذا الإيمان، بالرغم من انتشارها فى العالم كله إلا أنها كمن تقطن فى بيت واحد، تحافظ على هذه الأمور بكل عناية... ومع تباين لغات العالم، لكن معنى التقليد واحد فى كل موضع. فالكنائس التى قامت فى ألمانيا لا تؤمن ولا تسلم أمراً مغايراً، ولا الكنائس التى فى أسبانياً أو بلاد الغال أو التى فى الشرق أو فى مصر أو فى ليبيا أو تلك التى قامت فى مركز العالم[202]1.

رابعاً: الذين ليست لهم شركة فى الكنيسة ولا هم منتمين إليها فيحرمون أنفسهم من الحياة بآرائهم المضادة وسلوكهم المشين. لأنه حيث توجد الكنيسة يوجد روح الله وحيثما يوجد روح الله توجد الكنيسة وكل نعمة[203]2].

10 - ماذا يقول العلامة ترتليان عن التقليد؟

لم تختلف اتجاهات العلامة ترتليان عن تلك للقديس إيرنياؤس فى أمور جوهرية. ويمكننا أن نلخص اتجاهه فى النقاط التالية:

1 - أكّد العلامة ترتليان عدم وجود أى تقليد خفى، إذ يقول "ليس من المعقول أن الرسل قد جهلوا كل مجال رسالتهم التى كان عليهم أن يعلنوها، أو فشلوا فى تعريف الناس كل قانون إيمانهم[204]3.

2 - وجد العلامة ترتليان أن أضمن اختبار لأصالة التعليم هو أن الكنائس قد تأسست بواسطة الرسل واستمرت مرتبطة بهم بالتتابع[205]4، وهو فى هذا يتلاقى مع القديس إيرنياؤس. يقول العلامة ترتليان: "لنا شركة مع الكنائس، لأن تعليمنا لا يختلف فى شئ عن تعاليمهم. وهذه هى شهادتنا للحق[206]5. كما يقول أيضاً:" أن سلطان الكنائس يعتمد على استلام تقليد الرسل، فإن الحق جاء سابقاً للزيف، ونتج عنه استقامة نبعت عن أولئك الذين تسلمناه منهم[207]6 ".

3 - يقرر العلامة ترتليان أن التقليد الشفوى أو "قانون الإيمان Regula Fidei" هو مفتاح التفسير الصحيح للكتاب المقدس فقد كان الهراطقة قادرين على جعل الأسفار تقول حسبما يحبون، إذ يجهلون قانون الإيمان Rule of Faith [208]7.

4 - أشار العلامة ترتليان إلى تقليد العبادة العملية، وهى الأمور التى صارت عادة فى الكنيسة خلال أجيال طويلة. إنه يقول: "متى لم يرد فى الكتاب المقدس عبارة تشير إلى أمر ما" عادة قديمة متبعة "فإن هذه العادة تستمد قوتها بالتأكيد خلال استقرار ممارستها، والتى بدورها تكون قد انحدرت عن التقليد دون شك. إذ كيف يمارس شئ بشكل منتظم ما لم يكن قد استُلم أولاً" خلال التقليد "؟ قد تقول: يلزمنا الرجوع إلى سلطان مكتوب" الكتب المقدسة "حتى إن التجأنا إلى التقليد.

نحن نسأل عما إذا كان لا يمكن استخدام التقليد ما لم يكن مدعماً بالكتاب. من الواضح إنه يمكن القول بأنه ليس لنا أن نَقبل تقليداً شفهياً لو إننا لا نمارس بالفعل أموراً أخرى تستند على حكم العادة المستقرة دون أن تعتمد على نص كتابى بل على التقليد وحده.

يعطى العلامة أمثلة شفهية قائلاً: [لكننا نوضح الأمر مبتدئين بالعماد، فإنه قبيل الدخول فى المياه نعترف فى جدية فى حضرة الجماعة وتحت يد الرئيس الخادم أننا نجحد الشيطان وكبريائه وملائكته. بعد ذلك نغطس ثلاث مرات، وبذا يصير تعهدنا أكثر مما نص عليه الرب فى الإنجيل (مت24: 19). وعندما نخرج من المياه نتذوق أولاً مزيجاً من اللبن والعسل ونمتنع عن الاستحمام اليومى الأسبوع كله "هذا التقليد كان متبعاً فى الأزمنة السالفة].

كذا بخصوص سر الإفخارستيا، فإننا نقبله فى وسط الجماعة قبل الفجر من يد الرؤساء وحدهم مع أن الرب أمرنا أن نتناوله عند الغذاء...

ونوزع تقدمات عن الأموات فى الاحتفالات السنوية لموتهم وكأنها احتفالات بميلادهم.

ونعتبر الصوم والسجود أثناء العبادة فى يوم الرب غير قانونى على أن هذا الامتياز يسرى أيضاً من عيد الفصح إلى يوم الخمسين.

ونحن نتألم جداً إذا سقط شئ من الخمر أو الخبز على الأرض "أثناء التناول"...

وفى كل حركة أو تصرف، فى دخولنا أو خروجنا، عندما نرتدى ملابسنا أو أحذيتنا، عندما نستحم، وعندما نجلس على المائدة، عندما نشعل المصابيح، وعندما نستلقى على الفراش أو عندما نجلس، وفى كل تصرفات حياتنا اليومية نرشم علامة الصليب على جباهنا.

فإن طلبت أوامر كتابية لهذه الممارسات وما شاكلها فلا تجد شيئاً. إنما التقليد هو مصدرها، والممارسة تثبتها، والإيمان يرعاها. أما كون التقليد والممارسة والإيمان يسندهما العقل، فهذا الأمر تستطيع أن تدركه بنفسك أو تتعلمه من آخر يعرفه...

هذه الأمثلة تحمل بوضوح وبكفاية أنه يمكن الدفاع حتى عن التقليد غير المكتوب على ممارسته، فإن استقرار ممارسته زماناً مستمراً تثبته[209]1.

11 - ماذا يقول القديس إكليمنضس السكندرى عن التقليد؟

يقول القديس يوسابيوس: [فى الكتاب الأول من Stromatia يُظهر لنا إكليمنضس أنه كان قريباً من تقليد الرسل... كما يعد أن يسجل التقليد الذى سمعه من رجال الكهنوت "Presbyters" القدامى[210]1. يرى القديس إكليمنضس أن الغنوسى الحقيقى "المسيحى الأمثل" إذ يتربى على الكتب المقدسة ويتمسك فى تعاليمه بالأرثوذكسية الرسولية الكنسية، يعيش بحق فى توافق مع الإنجيل ويستنبط البراهين التى يطلبها من الشريعة والأنبياء... لأن حياة الغنوسى – فى رأيى – هى اتفاق أفعاله وكلماته مع تقليد ربنا[211]2 ". كما يقرر أيضاً أن من يعتزل التقليد الكنسى يحرم نفسه من أن يكون رجل الله[212]3، وأن الغنوسية" المعرفة "إنما تنحدر إلى قليلين" منا "منحدرة من الرسل خلال خلفائهم ومُسلمة إلينا غير مكتوبة[213]4".

12 - ماذا يقول أوريجينوس عن التقليد؟

التقليد أو قانون الإيمان Canon of Faith عن أوريجينوس هو جسد المعتقدات السائدة التى قبلها المسيحيون. يُقرر العلامة أوريجينوس أن التقليد الكنسى قد انحدر إلينا من الرسل خلال تتابع بغير انقطاع، ولا يزال التقليد باقياً إلى اليوم فى الكنائس! [214]5 ". وفى تفسيره للكتاب المقدس يشير العلامة إلى التقليد وإلى كتابات الشيوخ" أو الكهنة Presbyters ويقصد بهم آباء الكنيسة ". نذكر على سبيل المثال أنه فى تفسير مثل السامرى الصالح (لو10: 25 - 37)، كتب: [قال أحد الشيوخ (الآباء أو الكهنة) إن الإنسان النازل إلى أريحا هو آدم، وأورشليم هى الفردوس، وأريحا هي العالم، واللصوص هم القوات الشريرة والسامري هو السيد المسيح[215]6]. ويعلق جان دانيلو بأن هذا التفسير ورد فعلاً فى إيرينيؤس[216]7، لكنه من المستبعد أن أوريجينوس يدعو إيرينيؤس" أحد الشيوخ "لهذا فإن الاثنين قد أخذا من مصدر واحد لابد وأن يكون التقليد[217]8. هذا ويرى أوريجينوس أن الفهم الصحيح للكتاب المقدس يوجد فى الكنيسة وحدها، إذ يقول:" التلميذ الحقيقي ليسوع هو ذلك الذى يدخل المنزل أى يدخل الكنيسة فإن من يدخل الكنيسة يفكر ذات فكر الكنيسة ويحيا كحياته، بهذا يتفهم الكلمة. إنه ينبغى أن نتقبل مفتاح الكتاب المقدس من التقليد الكنسى كما من الرب نفسه[218]9 ".

13 - ماذا يقول القديس كبريانوس عن التقليد؟

يؤكد القديس كبريانوس أنه لا خلاص خارج الكنيسة، سواء للهراطقة أو للمنشقين. [فلا يقدر أحد أن يأخذ الله أباً ما لم يأخذ الكنيسة أما له[219]1]. لهذا فإن التفسير السليم للكتاب المقدس والتعاليم الأرثوذكسية توجد فقط داخل الكنيسة الحقيقية. تقليد الكنيسة الحقيقية هو الحارس للإيمان المسيحى.

14 - ماذا يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص عن التقليد؟

جاء فى كتابات القديس غريغوريوس النيصى: [يكفينا للبرهنة على عبارتنا ذلك التقليد المنحدر إلينا من الآباء، بكونه الميراث الذى تناقلناه بالتتابع منذ الرسل خلال القديسين الذين تبعوهم[220]2].

15 - ماذا يقول القديس باسيليوس الكبير عن التقليد؟

1 - يشير القديس إلى مقتطفات كثيرة نقلها عن كتابات للآباء، بكونها شهادة للإيمان الأرثوذكسى.

2 - يتحدث أيضاً عن التقليد الشفهى كحافظ للتفسير السليم للكتاب المقدس، الأمر الذى يحاول الهراطقة تحطيمه. إذ يقول: "الإيمان هو موضوع الهجوم. فإن الهدف الوحيد لكل جماعة المقاومين، أعداء" التعليم السليم، (1تى1: 10) هو تحطيم أساس إيمان المسيح بهدمهم التقليد الكنسى حتى النهاية وإزالته كلية... يطلبون البرهان الكتابى محتقرين تقليد الآباء غير المكتوب كأنه أمر ليس بذى قيمة[221]3 ".

3 - يشير القديس باسيليوس إلى التقليد كمرشد فى الأسرار والطقوس، قائلاً: "من جهة التعاليم والممارسات المحفوظة فى الكنيسة والمقبولة بصفة عامة أو موسى بها علانية، فقد جاء بعضها عن تعليم كتابى بينما تسلمنا الآخر" فى سرّ "(1كو2: 7) خلال تقليد الرسل وكلاهما يحمل ذات القوة.

هذا ليس من يعترض عليه، ليس ولا واحد، لو تطلع الإنسان باعتدال إلى نظم الكنيسة... فإنه أن حاولنا أن نحتقر مثل هذه الممارسات لعدم وجود سند كتابى لها، حاسبين إياها قليلة الأهمية، فإننا بذلك نسئ بغير قصد إلى الإنجيل فى أمور حيوية، ونجعل من معتقداتنا العامة ألفاظاً ليس إلا.

لنبدأ على سبيل المثال بمثال شائع: من الذى علمنا عند الكتابة أن نرشم علامة الصليب من هؤلاء الذين يثقون فى اسم ربنا يسوع المسيح؟ أين كُتب لتعليمنا الاتجاه للشرق عند الصلاة؟

مَن مِن القديسين ترك لنا كتابة كلمات التقديس على الخبز وكأس البركة أثناء خدمة الإفخارستيا؟ فإننا كما هو معروف، لا نقف عند الكلمات التى سجلها الرسل أو الإنجيل، بل نضيف إليها كلمات غاية فى الأهمية أثناء الخدمة، فى البداية والختام، وهذه أخذناها عن تعليم غير مكتوب.

علاوة على هذا، إننا نبارك مياه المعمودية وزيت الميرون كما نبارك الموعوظين الذين يعتمدون، فهل لدينا سلطان كتابى لفعل هذا؟ أليس مرجعنا فى هذا هو التقليد الصامت السرى؟ بلى، أية كلمة مكتوبة تُعلمنا المسحة بالزيت[222]1؟ ومن أين جاءت عادة العماد "التغطيس" ثلاث مرات[223]2؟ وهكذا بالنسبة لبقية الطقوس الخاصة بالعماد فأى نص فى الكتاب فيه جحد الشيطان وملائكته؟ ألم نستلم هذا عن تعليم غير مكتوب خفى، التقليد الذى حفظه آباؤنا فى صمت؟

جميعنا يتطلع إلى الشرق عند الصلاة، لكن قليلين منا يعرفون إننا بذلك نطلب مدينتنا القديمة (عب11: 14)، "الفردوس" الذى غرسه الله فى عدن فى الشرق (تك3: 8). وفى أول الأسبوع نُصلى ونحن قيام، لكن ليس جميعنا يعرف السبب، فإنه فى يوم القيامة "فى اليونانية كلمة قيامة تعنى الوقوف أو القيام ثانية" نتذكّر النعمة التى وُهبت لنا ونحن واقفون فى الصلاة، ليس فقط لأننا قمنا مع المسيح وعلينا أن نطلب ما هو فوق (كو3: 1) ولكن لأن هذا اليوم يبدو لنا صورة للدهر الآتى[224]3 ".

16 - ماذا يقول القديس يوحنا الذهبى الفم عن التقليد؟

بعد قوله بأن الرسل لم يُسلموا كل شئ بواسطة الرسائل، بل سلّموا أموراً كثيرة غير مكتوبة، أضاف القديس يوحنا الذهبى الفم "هذا وذاك واجباً التكريم لهذا فلنتطلع إلى تقليد الكنيسة كأمر مُكّرم. أنه تقليد، هذا يكفى[225]4!".

17 - ماذا يقول القديس إبيفانيوس أسقف سلاميس عن التقليد؟

أشار القديس إلى أن الكنيسة وحدها وليس الهراطقة، قد تسلمت التقليد، وحفظته وسلمته.

يقول أيضاً "يلزمنا أن نستخدم التقليد، لأنه لا نستطيع أن نستخلص كل شئ من الكتاب المقدس، إذ سلّم الرسل بعض الأمور كتابة والأخرى خلال التقليدات[226]5.

18 - ماذا يقول القديس أغسطينوس عن التقليد؟

فى علاجه لموضوع بطلان معمودية الدوناتست Donatists الهراطقة كتب [إنى أعتقد أن هذا الأمر "أى بطلان معموديتهم" قد جاءنا مُسلماً من الرسل بالتقليد، وذلك مثل كثير من الأمور التى لم ترد إلينا فى رسائلهم ولا فى المجامع الأولى، لكن إذ التزمت بها الكنيسة كلها، أعتقد أن هذه الأمور مُسلمة من الرسل وليس من آخرين غيرهم[227]1].

19 - ما هى علاقة التقليد المسيحي بالتقليد اليهودى؟

ظهر التقليد اليهودى المُبكر بطريقة طبيعية قبل ظهور أية شريعة مكتوبة أو تاريخ مكتوب، وكان هو المصدر الوحيد للإيمان اليهودى. أما بعد استلام الشريعة المكتوبة قام التقليد بشرحها والإضافة إليها[228]2. صار التقليد المُفسر العملي للشريعة المكتوبة ينمو مع الزمن كأحكام وحالات طُبقت فى ظروف الحياة المتغيرة خلال الأجيال المتعاقبة. نُقدم هنا مثالين للارتباط بين الناموس والتقليد:

1 - جاء فى الوصية "لا تعمل عملاً ما" يوم السبت (خر20: 10)، فما هو المعنى الدقيق لكلمة "عمل"؟ أى الأنشطة تُحسب عملاً، وأى منها لا يُحسب هكذا؟ فى المجتمع الزراعى تكون الإجابة سهلة إلى حد ما، ألا وهى "العمل يحوى كل أنشطة العمل اليومي الرتيب[229]3. إنه من الواضح أنه حتى فى وقت الزراعة والحصاد يلزم أن يستريحوا (خر34: 21). لكننا نجد فى أياما نحميا كان اللاويون يعملون يوم السبت، إذ كانوا يقومون بحراسة الأبواب (نح13: 19) الخ.

2 - نقرأ فى سفر الخروج "لا يخرج أحد من مكانه فى اليوم السابع" (خر16: 29). هذه التعليمات لو نُفذت بصرامة فإنها تستلزم الامتناع عن أى حركة خارج منزل الإنسان فى يوم السبت. لكن فُسّرت كلمة "مكانه" لتشمل الفى ذراعاً من موقع مسكن الإنسان، ودعيت هذه المسافة "سفر سبت" [230]4.

20 - ما هما أهم مدارس التقليد عند اليهود؟

يعكس التقليد اليهودى اتجاه كثير من القادة اليهود فى حفظهم لحرفية الناموس، معطين اهتماماً قليلاً لروحه. وُجدت فى أيام السيد المسيح مدرستان للتقليد الشفوى إحداهما يرأسها غمالائيل، تلميذ هليل مؤسس المدرسة وخليفته. فى هذه المدرسة تتلمذ شاول الطرسوسى الذى ربما كان سيخلفه فى رئاسة المدرسة لولا قبوله الإيمان المسيحى. أما المدرسة الثانية فكان يرأسها شمعى، والتى اختلفت عن الأولى تماماً فى بعض نقاط التفسير وتطبيق الناموس. مع هذا الاختلاف اتفقنا معاً فى الأساس العام، إذ قبلتا مبدأ التقليد كوسيلة تطبيقية لمستلزمات القانون القديم حسب الظروف المتغيرة خلافاً للصدوقيين الذين يصرون على التطبيق الحرفى الصارم للناموس المكتوب[231]1.

21 - ما هى أهم الكتب أو الأعمال الخاصة بالتقليد اليهودى؟

التلمود: كلمة تلمود فى الأرامية تعني "تعليم" [232]2. يقصد به جزء معين فقط من تجميع للتقليد "الجمارة"، لكنه يطلق بصفة عامة على المجموعة كلها. ينقسم التلمود إلى جزئين:

المشناة أو المشنة Mishnah: تعنى "التكرار" أو "الشريعة الثانية" وهى عبارة عن تجميع للتقاليد اليهودية القانونية الشفوية، حتى جمعها الحاخام يهوذا الأمير Jadah ha – Nasi حوالى عام 200م وهى تشمل آراء الحاخامات أو المُعلمين "Tannaim".

تنقسم المشناة إلى 6 فصول "Seder".

1 - البذارZeriam، يحوى أحدى عشرة مقالاً أغلبها يُعالج العشور والتقدمات الزراعية.

2 - الأعياد Moed، يحوى اثنى عشر مقالاً عن السبت وعيد الفصح الخ.

3 - النساء Nashim، يحوى سبعة مقالات فى قوانين الزواج.

4 - الأضرارNezikim، عشر مقالات فى قانون الأحوال المدنية والجنائية.

5 - المقدسات Kodashim، عبارة عن عشرة مقالات معظمها عن الذبائح الحيوانية.

6 - التطهيرات Tohoroth، عبارة عن اثنى عشر مقالاً تعالج كل جوانب الطقوس الخاصة بالأمور النجسة[233]3، كيف نتجنبها وكيف نتغلب عليها؟

الجمارة Gemara: تعنى "التكميل"، وهو تفسير للمشناة، يحوى آراء المفسرين "Amorian".

يوجد نوعان من الجمارة (التلمود): الأورشليمي أو الفلسطينى، جمع حوالى القرن الرابع، والبابلى الذى جُمع حوالى القرن الخامس أو السادس. يتشابه النوعان من جهة المنهج والتكوين، لكنهما لا يتطابقان فى المحتويات[234]4، وتعتبر النسخة البابلية أكثر أهمية من الأخرى فى الأوساط اليهودية.

التوسيفتا The Tosefta كلمة "توسيفتا" تعنى "إضافة" أو "ملحق"، وهى عبارة عن تجميع لآراء المُعلمين "Tannaim" التى لم ترد فى المشناة. وتسمى مادتها با "بارايتا Baraita".

المدراش: أخذ هذا الاسم عن الفعل العبرى "درش" أى "درس" فهى تعنى "تحقيق investigate" أو "بحث search out"، بمعنى الكشف عن الفكر الذي لا يظهر على السطح. وردت هذه الكلمة فى العهد القديم فى (2أى13: 22؛ 24: 27) لتشير إلى المصدر الذى التجأ إليه كاتب سفر الأخبار Chronicler وأشار سفر (ابن سيراخ51: 23) إلى "بيت مدراش" التى بالضرورة تشير إلى مدرسة كانت تُدرس فيها الكتب المقدسة.

وفى الأدب اليهودى، "مدارش" تعنى دراسة نص الكتاب المقدس بصفة عامة، وبصفة خاصة تفسير الكتب وشرحها بطريقة وعظية. فهى تشير إلى طريقة الدراسة التى بها تربط مادة التفسير بنص الكتاب المقدس، وذلك على خلاف "المشناة" التى تشير إلى تكرار مادة التفسير منفصلة عن نص الكتب المقدسة. جدير بالملاحظة أن المدراش تهتم بالأكثر بالدروس البناءة، وغايتها دائماً التطبيق العملى للحاضر.

هناك نوعان متميزان للمدراش: "الحلقة halakha" و "الحجادة Haggadah".

1 - الحلقة Halakha: الكلمة العبرية معناها "سلوك، طريق أو ممارسة أو حكم الخ". وهى عبارة عن تفسير الناموس بطريقة يستنبط منها قواعد سلوكية. ظهر هذا المنهج كثمرة للرغبة التقوية فى تطبيق الناموس حتى فى الأمور التافهة والحالات غير المتوقعة فى الحياة اليومية. وقد بدأت هذه الطريقة شفهياً إلى إن جمعت وكتبت.

2 - حجادة Haggadah: الكلمة العبرية تعنى رواية أو حكاية. وهى عبارة عن تفسير للنصوص القصصية فى أسفار موسى الخمسة بشيء من التوسع لاستخراج دروس بناءة. وهى تحتوى على أمثال وقصص وروايات وفلكلور "أدب شعبى" ومواضيع أخرى.

22 - ما هو موقف ربنا يسوع من التقليد اليهودى؟

ربنا يسوع الذى جاء لا ليبطل الناموس والأنبياء بل ليكملها (مت5: 17) لم يُقلل من قيمة التقليد اليهودى. أما كلمته "لماذا تتعدون وصية الله بسبب تقليدكم؟" (مت15: 3؛ مر7: 13؛ كو2: 8) فلا تعنى رفضه للتقليد فى ذاته بل رفض وجهة نظرهم نحو التقليد. لقد رفض التقليد المُعارض لكلمة الله، كما رفض الاتجاه الحرفى فى استخدام الناموس أو التقليد. لقد أعطى مثلاً للتقليد المناهض لكلمة الله، والذى به يستطيع الإنسان أن يمتنع عن التزامه بإعالة والديه متى دفع مبلغ المعونة للهيكل كقربان[235]1.

وفى مثال آخر نجد أن ربنا يسوع لم يمنع تلاميذه الذين كانوا يسيرون وسط الحقول يوم السبت أن يقطفوا بعض السنابل، ويستخرجوا الحنطة منها بأيديهم. فإن الفريسيين تطلعوا إليهم ككاسرى الناموس، لأن هذين العملين "جمع السنابل ودرسها" هما اثنان من تسعة وثلاثين فئة من الأعمال التى أشارت إليها المشنة كأعمال ممنوعة فى السبت[236]1.

23 - ما هو موقف الكنيسة المسيحية من التقليد اليهودى؟

منذ العصر الرسولى لم تتجاهل الكنيسة المسيحية تقليدات اليهود الحية، بل رفضت ما يعارض منها كلمة الله، وقبلت الباقى بعد أن أعطته مسحة مسيحية، لخدمة الإيمان الجديد. وفيما يلى أمثلة لأثر هذه التقاليد على المسيحية الأولى:

1 - اقتبس القديس يهوذا فى رسالته نقلاً عن التقليد القديم المنازعة التى تمت بين رئيس الملائكة ميخائيل وإبليس بخصوص جسد موسى (يه9)، وأيضاً نبوة لأخنوخ (يه15، 14) واسمى "ينيس ويمبريس" (2تى3: 8) اللذين قاوما موسى. وذكر سفر الرؤيا تعليم بلعام، الذى علّم بالاق أن يعثر بنى إسرائيل فيأكلون من الطعام المٌقدم ذبيحة للأوثان (رؤ2: 14، 15) نقلاً عن التقليد القديم.

2 - تأثر الآباء الأولون بالتقليد اليهودى، فكان القديس يوستين على علاقة باليهودى تريفو، وأوريجينوس كان يأخذ بمشورة بعض الحاخامات ويقتبس بعض التفاسير منهم. وضم الأدب السريانى "ال Haggada" اليهودى، خاصة أعمال يوسابيوس من أميسا والقديس إفرام.

3 - اقتبسنا عن التقليد اليهودى كثيراً من نصوص الليتورجيا التى تتفق مع إيماننا[237]2.

4 - حملت الديداكية "تعليم الرب للأمم بواسطة الأثنى عشر رسولاً" طابعاً يهودياً (مقالاً على نظام الطريقين the treatise on the two ways).

24 - هل أخذت الحياة الكنسية شيئاً عن التقليد المقدس؟

سبق أن رأينا أن التقليد الكنسى فى جوهره هو مجرى الحياة الدائمة فى المسيح يسوع، بفعل الروح القدس. هذه الحياة تحتضن منهج الكنيسة الروحى السلوكى ونظامها التعبدى. هكذا يُمثل التقليد الحياة "الواحدة" للكنيسة والتى لا تنفصل إلى أجزاء: إيمان وتعاليم روحية وعبادة.

25 - هل أخذت التعاليم السلوكية شيئاً عن التقليد المقدس؟

سلمنا الرسول بولس التقليد الحاوى للمنهج الروحى السلوكى، إذ يقول: "فكما قبلتم paraimbano المسيح الرب اسلكوا فيه، متأصلين ومبنيين فيه وموطدين فى الإيمان كما علمتم" (كو2: 6، 7). "كما تسلمتم منا كيف يجب أن تسلكوا وترضوا الله" (1تس4: 1). "كما نوصيكم... أن تتجنبوا كل أخر يسلك بلا ترتيب وليس حسب التقليد الذى أخذه منا" (2تس3: 6). "وما تعلمتموه وتسلمتموه وسمعتموه ورأيتموه فى فهذا افعلوا" (فى4: 9).

فى التقليد المسيحى يتلازم الإيمان مع الحياة الروحية والسلوكية. فالقديسة مريم كمثال للكنيسة، "كانت تحفظ كلمة الله" فى قلبها، وعاملة فى حياتها. وعندما سأل الوثنى أوتلكس Autolycus ثيؤفيلوس الأنطاكى، فى القرن الثانى: "أرنى إلهك"، أجابه ثيؤفيلوس بحكمة "أرنى إنسانك وأنا أريك إلهى"، أى أرنى صدق إنسانك الداخلى أو قلبك عندئذ تستطيع أن ترى الله وأنا أظهره لك. هكذا يرتبط الإيمان بالحياة العملية.

26 - هل أخذت العبادة الكنسية شيئاً عن التقليد المقدس؟

ما قلناه عن المنهج السلوكى، نكرره أيضاً بخصوص نظام الكنيسة التعبدى. فإننا بالتقليد نقبل "الحياة الكنسية فى يسوع المسيح" ليس فقط خلال العقائد المسيحية والتعاليم والكتب المقدسة والمنهج السلوكى، ولكن أيضاً خلال الليتوريجيات الكنسية والطقوس والقوانين وكل ما يخص العبادة. فإننا قد تسلمنا حياة تعبد حقيقية بروح رسولى آبائى يسند إيماننا الحقيقى.

27 - هل أخذت الليتورجيات شيئاً عن التقليد؟

التقليد هو مصدر ليتورجياتنا الكنسية من عماد وإفخارستيا وزواج... إلخ. وفى نفس الوقت هذه اليتورجيات هى بعينها التقليد فى أعلى درجات قوته وقدسيته[238]1 لأن الليتورجيات، فى كليتها، هى تقديس سرّ المسيحية فى كماله. إنها لا تعلمنا السرّ بل تدخل بنا إلى لقاء حقيقى معه.

28 - هل أخذت الطقوس شيئاً عن التقليد المقدس؟

يُمثل الطقس عنصراً أساسياً فى العبادة الليتورجية والعائلية والخاصة، إذ تعنى شركة الجسد مع الروح في التعبد لله، الطقوس التى تسلمناها بالتقليد ليست بالعمل العارض فى حياة الكنيسة، لأنها فى رمزيتها هى أكثر من أن تكون مُجرد تعبير يحمل الحواس والفكر نحو حقائق الإيمان. إنها دخول حقيقى فى سرّ العبادة وإعلان "الحق الحي" الحاضر فى الكنيسة.

ففى التسابيح الكنسية كمثال، نمارس التسبحة السماوية الجديدة فى المسيح يسوع... بهذه التسابيح لا نتذوق الفن الموسيقى فحسب بل نختبر الحياة السماوية.

خلال المبنى الكنسى وكل محتوياته لا نتعرف على الفن المعمارى أو الأثريات الثمينة، بل نتقبل تقاليد حية، فالمبنى هو أيقونة حية للكنيسة السماوية تعبر عن إيمان الكنيسة تعبيراً صادقاً.

وهكذا فى كل ألوان الفن المسيحى نلتقى بروح التقليد. فالأيقونة مثلاً تٌقدم لنا بالروح القدس حياة الكنيسة، وتوضح لنا حياة الإيمان فى التعليم الأرثوذكسى، فلا نرى فيها مجرد منظورات تعيننا فى العبادة أو ديكورات دينية للهيكل، بل نتذوق خلالها إيماننا الحى بالسماويات وحبنا للقديسين واتحادنا معهم فى المسيح يسوع.

29 - ما هى مسئولية رجال الكهنوت والعلمانيين فى حفظ التقليد المقدس واستمراره؟

أولاً: التقليد والمجامع: فى القرن الأول، اجتمع الرسل معاً فى أورشليم (أع15) ليتدارسوا مشكلة قبول الأمم فى الإيمان الجديد، ويتخذوا قراراً كنسياً يتمشى مع فكر المسيح. فمن واجب آباء الكنيسة أن يجتمعوا معاً فى مجامع محلية أو مسكونية ليدرسوا احتياجات الكنيسة الحاضرة ويحفظوا حياتهم التقليدية خلال الظروف الجديدة. وهم فى هذا لا يٌقدمون آراء فردية بل جماعية، يجتمعون تحت قيادة الروح القدس بفكر واحد لكى يُشبعوا احتياجات شعبهم. على سبيل المثال يلزمهم أن يدرسوا كيف تُشرح تعاليم الكنيسة ومعتقداتها وتقدم للإنسان المعاصر، وكيف يسندون شعبهم ضد كل هرطقة وفلسفة مادية، كما يناقشون احتياجات الشعب الرعوية والعمل الكرازى ودور الكنيسة المسكونى. بمعنى آخر، إنها مسئولية الآباء أن يحفظوا حياة الكنيسة التقليدية كحياة فعالة، لها عملها الروحى.

ثانياً: التقليد وكتابات الآباء: بجانب المجامع الكنسية، تُعتبر كتابات آباء الكنيسة أحد المصادر الرئيسية لحفظ التقليد الكنسى. ولقد أعطى J,Kelly[239]1 بعض الأمثلة لالتجاء الكنيسة الأولى إلى كتابات الآباء لتأكيد المعتقدات والتعاليم التقليدية:

1 - إذ كتب القديس كيرلس السكندرى إلى الرهبان المصريين مدافعاً عن تلقيب العذراء الطوباوية "والدة الإله"، أشار إليهم[240]2 أن يقتفوا آثار الآباء القديسين، ما داموا هم الذين حفظوا الإيمان الذى تسلموه من الرسل وعلموا به المسيحيين لتكون معتقداتهم صادقة. مرة أخرى كان القديس كيرلس السكندرى مستعداً أن يؤكد[241]3 أن التعليم الحقيقى للثالوث القدوس قد شٌرح خلال "حكمة الآباء القديسين". وفى نضاله ضد نسطور التجأ[242]4 القديس كيرلس إلى "الكنيسة المتشرة فى العالم والآباء المكرمين أنفسهم"، مُعلنا أن الروح القدس قد تكلم فيهم. ولكى يؤكد وضعه فى الإيمان الخاص بالسيد المسيح، أعد مقتطفات قيمة آبائية، استخدمها فى كتاباته الدفاعية[243]5، وقدمها لمجمع أفسس[244]6. لقد أكد القديس كيرلس: إننى محب للتعليم الصحيح، مقتفياً آثار الخطوات التقية التى لآبائى[245]1.

2 - يتحدث ثيؤدورت الأنطاكى[246]2 عن الإيمان الأرثوذكسى أنه انتقل إلينا، ليس فقط بواسطة الرسل والأنبياء، بل وأيضاً بواسطة أولئك الذين قاموا بتفسير كتاباتهم: أغناطيوس ويوستاثيوس وباسيليوس وغريغوريوس ويوحنا وغيرهم من الذين أناروا العالم، وأيضاً بواسطة الآباء القديسين الذين اجتمعوا قبلاً فى نيقية. وأضاف ثيؤدورت بأن الذى ينحرف عن تعاليمهم يُحسب عدواً للحق. وفى موضع آخر[247]3 أوضح أن الروح القدس قد أوحى للآباء أن يوضحوا الجوانب الغامضة فى الكتاب المقدس.

يليق بنا أن نعرف أنه بحسب كنيستنا الأرثوذكسية لا يستطيع واحد من الآباء بمفرده أن يتعرّف على الحق بكماله كما تتعرف عليه الكنيسة كلها.

30 - ما هو دور العلمانيين فى الحفاظ على الحياة الكنسية التقليدية؟

للعلمانيين دورهم فى حفظ التقليد حياً وذلك بممارسته فى حياتهم اليومية وعبادتهم. لأن الحياة الكنسية التقليدية لا يمكن حفظها بقوانين أو خلال كتب فحسب وإنما بالممارسة والحياة.

كل مؤمن حقيقى يُمثل حجراً فى هيكل الله الروحى. إنه يوضع على حجارة حية سابقة له، أى يتقبل الحياة الكنسية التقليدية من الأجيال السابقة، وفى نفس الوقت يحمل هو حجارة حية أى يودع هذه الحياة، وبهذا يصير عضواً حياً فى كنيسة المسيح، ينقل حياتها بممارستها يومياً.

بهذا يمكننا أن نُعرف "المؤمنين التقليديين" بأنهم ليسوا أولئك الذين يدرسون قوانين الكنيسة بدقة ويتعرفون على تفاصيل الطقوس أو يرددون التسابيح الكنسية فحسب، بل بالحرى هم أولئك الذين يكتشفون اتحادهم مع الله فى المسيح يسوع بواسطة الروح القدس خلال حفظهم وممارستهم للقوانين الكنسية وطقوسها وألحانها... الخ.

31 - كيف نتمسك بالتقليد الكنسى فى الحياة المعاصرة؟

يظن البعض أن "التقليد" يعنى "المحافظة" أو "الجمود" كما لو أنه يقف فى وجه كل تطور فى الحياة الكنسية. لكن التقليد فى مفهومنا الأرثوذكسى هو حياة الكنيسة عبر التاريخ، يقودها الروح القدس ويجددها. والكنيسة لن تشبع حتى ترى كمال البشرية كلها. يقول Bulgakouv: "التقليد ليس كتاباً يُسجل لحظة مُعينة فى نمو الكنيسة يقف عندها، بل هو كتاب يُكتب باستمرار بواسطة حياة الكنيسة. التقليد مستمر على الدوام، وهو اليوم ليس بأقل منه فى الفترة السابقة، فإننا نعيش فى التقليد ونوجده. ومع هذا فإن التقليد المقدس الخاص بالماضى هو حاضر بالنسبة لنا، يعيش فى حياتنا وفى شعورنا... التقليد الكنسى لا يضع صوت الماضى كبديل لصوت الحاضر، فالماضى فى التقليد لا يقتل الحاضر بل يعطيه كماله[248]1.

يلزم أن يكون التقليد "خلاقاً creative" وفى نفس الوقت "محافظاً conservative" فإنه لا يوجد تناقض بين العنصرين، بل هما أساسيان ولازمان لبعضهما البعض. فالتقليد لا يمكن أن يكون محافظاً، إلا إذا كان متطوراً باستمرار ولا يمكن أن يكون متطوراً ما لم يكن مستنداً على كتفى الماضى[249]2. "فالتحفظ" و "التطور" هما سمتان لعمل واحد نسميه "التقليد".

32 - ماذا نعنى بالتقليد فى الحركات المسكونية الكنسية[250]

يواجه اللاهوتيون اليوم فى دراستهم للحركة المسكونية من أجل البلوغ إلى وحدة الكنيسة الجامعة فى العالم كله السؤال التالى: ما هو التقليد الحقيقى الذى استلمته الكنيسة لتعيش بأحكامه فى العالم كله؟ إن عدنا إلى العصر الرسولى نلمس "تقاليد كنسية محلية كثيرة"، تحمل ثقافات متنوعة، هذه التقاليد يربطها فكر واحد هو فكر المسيح، وروح واحد هو روح الرب، وغاية واحدة هى خلاصنا. لهذا لم يتردد أساقفة الإسكندرية فى الاشتراك مع أساقفة روما أو أنطاكية أو أورشليم فى خدمة واحدة، على مذبح واحد، حتى وإن اختلفوا فى تفصيلات طقوسهم وتقاليدهم، إذ استلم الجميع شكلاً واحداً للعبادة، بروح واحد بتقليد واحد. هكذا عاش الرسل جميعاً بهذا الروح الكرازى المُنفتح: "فإنى إذ كنت حراً من الجميع استعبدت نفسى للجميع لأربح الأكثرين..." (1كو9: 19). فعندما كرز مارمرقس فى مصر قدم لهم المسيح الواحد، فعبده المصريون بثقافة مصرية لكن بروح رسولى حق. وقد حملت هذه العبادة ذات الهيكل الذى للأسقفيات الأخرى. فكمثال جاءت الألحان القبطية تختلف عن السريانية واللاتينية... لكن الجميع يتسم بالروح الهادئ الوديع، روح التسبحة الجديدة السماوية، التى تشمل مفاهيم عقيدية وروحية صادقة وعميقة.

لنقدم مثلاً أخر وهو "الأنوار فى بيت الرب" فقد استخدمت الكنائس الرسولية جميعها الإضاءة أثناء العبادة فى النهار كما بالليل، خاصة عند قراءة الإنجيل. هذا هو روح التقليد الذى يُعلن أن "المسيح هو نور العالم". لكن برز الفن المصرى فى صنع السرج "القناديل" الخاصة بالكنيسة القبطية، بينما ظهر الفن السريانى واللاتينى واليونانى... فى السرج الخاص بهم.

وهكذا بالرغم مما اتسم به المسيحيون فى العالم من وحدة الإيمان وحفاظهم على التقليد كحقيقة حية، لكن كل كنيسة محلية عبّرت عن هذا الإيمان الواحد بلغتها الخاصة وطقسها الليتورجى وتسابيحها وملابسها الكهنوتية المقدسة، دون أن يفقد الإيمان وحدته. فلم تُخف محلية الكنائس شخصية الكنيسة الجامعة. بمعنى آخر: اختلاف التقليد فى تفاصيله لا فى جوهره لا يقف حائلاً دون تحقيق وحدة الكنيسة الجامعة، متى بُنيت على وحدة الإيمان والحياة.

أخيراً نختتم بهذه الملاحظات:

1 - الكنيسة الأرثوذكسية، خاصة كنيسة الإسكندرية، حافظت أكثر من غيرها على التقيد المقدس فى تفاصيله كما فى روحه. ولعل سرّ هذا ما تتمتع به كنيستنا من عدم التدخل فى السياسة، وعدم توليها أى سلطان زمنى. لقد عاشت الكنيسة بروحانيتها بعيدة عن روح العالم. وحفظت ظهور الحركة الرهبانية تقليد الكنيسة بروح خشوعى إنجيلى نسكى.

2 - قدمت وحدة الكنيسة الأرثوذكسية غير الخلقيدونية فى هذا العصر لعلماء اللاهوت المتخصصين فى دراسة "الحركات المسكونية" درساً عملياً غاية فى الدقة عن مفهوم الوحدة، فإن هذه الكنائس مع اختلافها فى تفاصيل بعض التقاليد فإنها تنعم جميعها بالإيمان الواحد والتقليد الواحد. ولقد شاهد العالم كله أكثر من مرة فى السنوات الأخيرة اشتراك بطاركة وأساقفة وكهنة وشمامسة وعلمانيين من هذه الكنائس فى خدمة واحدة، ويشتركون معاً فى تقدمة واحدة عن الجميع.

بقى لهذه الكنائس أن تقوم بدور فعّال مع أخواتها الكنائس الأرثوذكسية الخلقيدونية لتتفرغ الكنيسة للعمل بكل طاقتها للكرازة على صعيد العالم كله.

3 - يليق بنا أن نفكر بصورة جادة عما نقدمه للعالم فى كرازتنا، فعندما يقبل الرجل الفرنسى مثلاً الإيمان الأرثوذكسى، فمن صميم رسالتنا أن نُقدم له عبادته بفكر أرثوذكسى إلهى آبائى، بالروح الواحد، لكن فى ثقافة تتناسب معه. فى هذا تحدث نيافة الأنبا غريغوريوس مطران نيودلهى بالهند مع قادة الكنيسة الأرثوذكسية بملبورن فى يونيو 1977، قائلاً بأنه يجب أن يلقى الأرثوذكس ببذار الأرثوذكس، فى التربة الأسترالية حتى تنتج شجرة أرثوذكسية أسترالية.

4 - إذ انفتحت كنيسة الإسكندرية على العالم الخارجى، وخرج الملايين إلى أرض المهجر، يليق بالكنيسة الأم أن تدرس رسالتها، إذ يلزمها أن تُرشدهم وتعينهم فى تقديم الفكر الأرثوذكسى للغير دون الانحراف عن روح التقليد أو الطقس، ويليق بها ألا تنغلق على جماعة محلية أو ترتبط بلغة دون سواها، بل تحمل مسئولية مسكونية. إنها مهمة غاية فى الدقة أن تُقدم التقليد الحى للمسكونة بانفتاح قلب، وفى نفس الوقت بغير انحراف ولا تهاون! هذا من أهم أعمال اللاهوتيين المعاصرين[251]1.

خاتمة

الكنيسة والتقليد ليسا إلا جانبان لحياة الإيمان، لا ينعزل أحدهما عن الآخر، ولا نعرف الواحد خارج الآخر. فبالتقليد انطلقت الكنيسة إلى الوجود، تتعرف على عريسها، وتُمارس عمله الخلاصى، وتتقبل أسراره الإلهية. وبالتقليد نتعرف على "إنجيل الكنيسة"، نقبله ونحفظه ونعيش بأحكامه ونكرز وبالتقليد نفهم الحياة الكنسية السرائرية بليتورجياتها وألحانها وطقوسها. وبالتقليد نلتقى بقديسى الكنيسة وآبائها، نعرف حياتهم فى المسيح يسوع وكتاباتهم ونتقبل بركة صلواتهم، وننعم بالشركة معهم فى المسيح يسوع. بالتقليد نفهم القوانين الكنسية، ونتلامس مع المجامع المقدسة وأعمالها.

فى اختصار، التقليد هو عصب الكنيسة وحياتها، بدونه لا تقوم لها قائمة، ولا تمارس حياتها الرسولية ولا تجديدها المستمر ولا وحدتها، ولا تحيا بسمتها الأصيلة.


[171] 1 F. F. Bruce: Tradition: Old and New, Michigan 1975, p20,21.

[172] 1 O'Brein of The Convergence of Tradition, p. 22.

[173] 1 J,Kelly: History of the Early Christian Doctrines, N,Y 1960, p 32.

[174] 2 F. F. Bruce, p33.

[175] 1 J. P. Mavkey: Tradition & Change in the Church, Ireland 1968, p. 20.

[176] 1 C. Richardson: Early Christian Father, p 957.

[177] 2 F. F. Bruce, P. 37.

[178] 3 New Westminster Dictionary of the Bible, p 957.

[179] 4 Athanasius: Ad Serap. 28: 1.

[180] 5 J. Kelly, p. 30,31.

[181] 1 P. E. Hallett: A Catholic Dictionary, London 1951, p 782.

[182] 2 St. Irenaeus: Adv. Haer 4: 3: 1. J. F. Bethume – Baker: An Introduction to the Early History of Christian Doctrine, London 1920, p 55 - 56.

[183] 1 Catech. 33: 4.

[184] 2 Contra Epist. Manichae Quam V Cant Fundamenti 6.

[185] 3 Sergius Bulgakov: The Orthodox Church, N. Y. 1935, p 21.

[186] 4 Ibid.

[187] 1 Scottish Journal of Theology 3 (1950) , p180.

[188] 2 Jean Danielou: A History of the Early Christian Doctrine, vol 1 – The Theology of Jewish Christianity. London 1964, p46.

[189] 3 Irenaeuse: Adv. Haer 33: 5: 4.

[190] 1 Jean Danielou: The Theology of Jewish Christianity, p46.

[191] 2 F. F. Bruce. P. 108.

[192] 3 Eusebius: H. E. 39: 3: 3 – 4. PG 297: 20 Ante – Nicene Frs, vol 1, p151 – 155.

[193] 4 F. F. Bruce. P. 111.

[194] 5 Eusebius: H. E. 20: 5: 4 – 7.

[195] 1 Irenaeus: Adv. Haer 3: 3: 1.

[196] 2 G. L. Prestige: Father and Herteics, London 1958, p16.

[197] 3 Irenaeus: Against heresies 2: 3: 2, 3: 3: 1, 4: 3: 1.

[198] 4 Ibid 24: 3: 1.

[199] 5 Ibid 3: 3: 1.

[200] 6 Ibid 6: 1: 1.

[201] 7 Ibid 20: 5: 2.

[202] 1 Probably referring to the in Palestine (ante Nicene frs, voll, p331).

[203] 2 Irenarus: Against Heresles 10: 1: 2;2: 3,3: 2, 3L: 1: 3; 3: 3: 3; 4: 3: 1, 2; 5: 3: 1;24: 3: 1. Ante – Nnicene Fathers, vol 1. J. Stevenson: A new Eusebius, London, 1974, p 115 – 117.

[204] 3 Tertullian: on prescription against heresies, 27 (see22).

[205] 4 J. Kelly, p 40.

[206] 5 Tertullian: De Praescriptione 21.

[207] 6 Tertullian: Against Marcion 5: 4.

[208] 7 CF. De Praescrip. 9, De Resurr. 21, Adv. Prax. 26.

[209] 1 Tertullian the Chaplet or De Corona 3,4. Ante – Nicene Frs. Vol 3, 94 - 95.

[210] 1 Eusebius: H. E 13: 6: 8,9.

[211] 2 Clement. Alex: Strom16: 7.

[212] 3 Ibid.

[213] 4 Ibid 7: 6: 61.

[214] 5 Origen: De Principus: Praef. 2.

[215] 6 Origen: Hom. Luc. 34.

[216] 7. Danielou: ' Le Bon Samaritan” in Mel Robert, Paris - Tournai 1957, p.. 457 - 465.

[217] 8 j. Danielou: The Theology of Jewish Christianity. p 49.

[218] 9 Yves Congar: Tradition and the Life o f the Church, London 1964 - p 83.

[219] 1 St. Cyprian: Epistle 11: 74, Unity of the Church 6.

[220] 2 St. Gregory o f Nyssa: Contra Eunomuim 4 PG 653: 45.

[221] 3 St. Basil: On the spirit, ch. 10 (25).

[222] 1 For the unction o f catechumens (cf. Apost. Const. 22: 7) , of the baptized (Tert. De Bapt. 7) , of the.confirmed or oil of Chrism (Tert: De Bapt. 8) and of the sick (James 14: 5).

[223] 2 For trine immersion, an early authority is Tertullian: Praxeam 26, GregNyss.: De Bapti.

[224] 3 Basil: On the Spirit, ch 27 (66, 67).

[225] 4 St John Chrysostom. In 2 Thess. , hom 4: 4, PG 488: 62.

[226] 5 St. Epiphanius: Adv. Haer. 6: 61. PG 1048: 41, Ancoratus 63.

[227] 1 St. Augustine: Cont. Bapt. Dont. 7: 2. PL 133: 43.

[228] 2 P. E. Hallett: A Catholic Dictionary, p 781.

[229] 3 F. F, Bruce, p. 22.

[230] 4 Mishnah: Erubin 3: 4 etc. The fixing of a limit of 2000 cubits was based on extension of the Principle of Num. 5: 35.

[231] 1 Josephus: Ant. 16: 18 (Bruce, ch. 1).

[232] 2 John L. Mckenzie: Dictionary of the Bible, London 1965, p 948.

[233] 3 F. L. Cross Oxford Dict. Of the Christian Church, London 1974, p. 1 338.

[234] 4 F. F. Bruce, ch 1, J. P. Mackey: Tradition & Change in the Church, Ireland 1968, p 2f.

[235] 1 Mishnah: Sabbath 1: 7 f.

[236] 1 For more details, see our book: Christ in the Eucharist 1973, p188 – 191.

[237] 2 Dom Guerager: Institution Iiturgiques. Yve Conger: Tradition & the Life of the Church, p 125.

[238] 1 Y. Kelly p 48 – 49.

[239] 1 Ad Monach. PG 12: 77,13.

[240] 2 In Joh Ev. 11: 4 PG 216: 74.

[241] 3 Adv. Nect. 4. 2.

[242] 4 De recta Fide ad rign; aplo c. Orient PG 1212: 76f, 316f.

[243] 5 E. Schwartz: Acta Conciliorum oecumenicorum 1: 1,7,89f.

[244] 6 Quasten: Patrology, Vol3, p. 136.

[245] 1 Epistle 89.

[246] 2 Epistle 151. PG 1440: 83 (Kelly, p 49).

[247] 3 Quasten, vol, 3, p 285.

[248] 1 Bulgakov: The Orthodox Church. P 38, 36.

[249] 2 cf. J. P. Mackey: tradition & Change in the Church, p24.

[250] 3 Meyendorff: Orthodoxy & Catholicity.

[251] 1 He visited Melbourne in 1977.

No items found

الكتاب المقدس

فهرس المحتويات
فهرس المحتويات

المحتويات