الإصحاح الثامن – تفسير الرسالة إلى العبرانيين – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح الثامن

الآيات 1 - 6.

الآيات 1، 2: - رئيس الكهنة الجديد ينتقل عمله من الأرض للسماء ليباشر خدمته الإلهية الفائقة التى هى الشفاعة الكفارية فى الإنسان الثابت فيه.

الآيات 3، 4: - هذا العمل الروحى يستحيل أصلاً تكميله على الأرض طالما كان هناك نظام خدمة أرضى.

الآيات 5، 6: - ولكن النظام الأرضى كان مثالاً أو ظلاً للأصل الذى سيقوم به المسيح.

العدد 1

آية (1): -

"1 وَأَمَّا رَأْسُ الْكَلاَمِ فَهُوَ: أَنَّ لَنَا رَئِيسَ كَهَنَةٍ مِثْلَ هذَا، قَدْ جَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ الْعَظَمَةِ فِي السَّمَاوَاتِ.".

رَأْسُ الْكَلاَمِ = نهاية ما نبتغيه. لَنَا = تعنى أنه أصبح لنا الآن شئ جديد غير الناموس القديم. رَئِيسَ كَهَنَةٍ = صار لنا رئيس كهنة جديد ودخل بنا إلى هيكل جديد لحسابنا، جاء المسيح الكاهن الأعظم الجديد السماوى ليقدم خدمة سماوية وليرفع المسيحى بكل حياته وسلوكه إلى السماويات. ولو أنه قدم ذبيحته على الأرض لتكون على مرأى ومسمع من الجميع. لكنه إرتفع للسماء ليقدم كفارة عنا فصار مركز عمل الكفارة والخلاص فى السماء وليس على الأرض. جَلَسَ = فى أصلها اليونانى تشير أنه أخذ وضعه كجالس بإرادته أى أخذ كرسيه فِي يَمِينِ = لا تعنى المعنى الحرفى فليس لله يمين أو يسار والعبارة تشير لمجد المسيح وعظمته وسمو وضعه بالناسوت، فهو حاز كل هذا المجد بجسده لحسابنا (راجع تفسير آية2: 1).

العدد 2

آية (2): -

"2خَادِمًا لِلأَقْدَاسِ وَالْمَسْكَنِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي نَصَبَهُ الرَّبُّ لاَ إِنْسَانٌ.".

خَادِمًا = هو يخدم ملكوته كملك على عرشه يخدم شعبه. وخدمته أن يطهر شعبه بدمه ويشفع فيهم لتكون لهم حياة أبدية. وَالْمَسْكَنِ الْحَقِيقِيِّ = المسكن تطلق على الهيكل وهنا المسكن هو جسد المسيح أى كنيسته التى يؤسسها بدلاً من الهيكل اليهودى (يو2: 21). وهو مسكن فهو سكنى الله مع الإنسان (رؤ21: 3) فالله يسكن دائما فى كنيسته. وهذا هو الهيكل السمائى الذى فيه المسيح بذبيحة كفارة نفسه يقرب الإنسان إلى الله. بل يصير الإنسان جسد المسيح وهيكله الذى يسكن فيه الروح القدس فنحن بيته (عب3: 6).

العدد 3

آية (3): -

"3لأَنَّ كُلَّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ يُقَامُ لِكَيْ يُقَدِّمَ قَرَابِينَ وَذَبَائِحَ. فَمِنْ ثَمَّ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِهذَا أَيْضًا شَيْءٌ يُقَدِّمُهُ.".

هو قدم جسده ودمه الأقدسين على طقس ملكى صادق. يلزم = وهو تجسد لكى يقدم جسده ذبيحة.

العدد 4

آية (4): -

"4فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الأَرْضِ لَمَا كَانَ كَاهِنًا، إِذْ يُوجَدُ الْكَهَنَةُ الَّذِينَ يُقَدِّمُونَ قَرَابِينَ حَسَبَ النَّامُوسِ.".

لَمَا كَانَ كَاهِنًا = فهو أى المسيح ليس من سبط لاوى. وبحسب نظام موسى لا يمكن أن يعين كاهن من خارج سبط لاوى. وبالتالى بحسب الناموس يستحيل أن يعين المسيح كاهناً.

العدد 5

آية (5): -

"5الَّذِينَ يَخْدِمُونَ شِبْهَ السَّمَاوِيَّاتِ وَظِلَّهَا، كَمَا أُوحِيَ إِلَى مُوسَى وَهُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَصْنَعَ الْمَسْكَنَ. لأَنَّهُ قَالَ: «انْظُرْ أَنْ تَصْنَعَ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ الْمِثَالِ الَّذِي أُظْهِرَ لَكَ فِي الْجَبَلِ».".

راجع (خر25: 40 + 26: 30 + 27: 8 + عد8: 4 + أع7: 44 + كو2: 17 + عب9: 23). هؤلاء الكهنة يخدمون ما هو فى موضع الرمز أو الظل لما هو أصلى وحقيقى فى السماويات. على نحو ما أوحى لموسى عندما طلب منه أن يصنع مسكن الشهادة إذ طلب الله من موسى أن يصنع كل شئ وفقاً للمثال الذى أظهر له على الجبل. فما رآه موسى كان رمزاً للحقيقة السماوية، كان كلغز وكان كمن ينظر فى مرآة. ما رآه موسى كانت الكنيسة جسد المسيح وصنع الخيمة مثالاً له ورمزاً. وهكذا كان الكهنوت الهارونى رمزا ومثالا للكهنوت المسيحى الذى على رتبة ملكى صادق.

العدد 6

آية (6): -

"6 وَلكِنَّهُ الآنَ قَدْ حَصَلَ عَلَى خِدْمَةٍ أَفْضَلَ بِمِقْدَارِ مَا هُوَ وَسِيطٌ أَيْضًا لِعَهْدٍ أَعْظَمَ، قَدْ تَثَبَّتَ عَلَى مَوَاعِيدَ أَفْضَلَ.".

وَلكِنَّهُ الآنَ قَدْ حَصَلَ عَلَى خِدْمَةٍ أَفْضَلَ = سبق فى آية 4 أن قال أن المسيح لو كان على الأرض ما كان كاهناً. والآن نسمع أنه حصل على خدمة أفضل وكهنوت أفضل من الكهنوت الأرضى، فناموس العهد القديم يلعن من يخالف وصية واحدة من الناموس، أما كهنوت المسيح فهو يشفع فى من يكون ثابتا فيه. هو رئيس كهنة سماوى وهيكله سماوى. وهذا الهيكل السماوى هو كنيسة العهد الجديد (فى3: 20). وعبادتنا أيضاً هى سماوية. والمسيح وسيط العهد الجديد أفضل من موسى وسيط العهد القديم (وسيط بين الله والناس).

العدد 7

آية (7): -

"7فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ ذلِكَ الأَوَّلُ بِلاَ عَيْبٍ لَمَا طُلِبَ مَوْضِعٌ لِثَانٍ.".

لماذا كان ناموس العهد القديم به عيب؟ هو منقوش على حجارة، عجز عن تكميل الناس، كهنته يموتون وكهنوتهم لا يعطى حياة أبدية، وهو لا ينقى الضمير، وعجز الناس عن الإلتزام بالناموس. لذلك وضع الله ناموساً آخر يكون موضعه القلب. مَوْضِعٌ = الموضع هو القلب حيث يكتب الله شريعة العهد الجديد (إر31: 31 – 34).

العدد 8

آية (8): -

"8لأَنَّهُ يَقُولُ لَهُمْ لاَئِمًا: «هُوَذَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، حِينَ أُكَمِّلُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا عَهْدًا جَدِيدًا.".

لاَئِمًا = الله يلومهم لأنهم قصروا فى حفظ الناموس. مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا = هذه النبوة كتبها إرميا النبى (إر31: 31–34). وكان وقتها إسرائيل فى خصام مع يهوذا وكان إسرائيل فى السبى ويهوذا قريب من السبى. والمعنى أن العهد الجديد فيه سيصالح الله الجميع كما وسيتصالح الجميع مع بعضهم كما يتصالح إسرائيل مع يهوذا. ونلاحظ أن إسرائيل هنا تشير للأمم ويهوذا تشير لليهود. والمسيح أتى ليجعل الإثنين واحدا (أف2: 14) وإسرائيل ذهبت للسبى وسط الأمم وكان ذلك عقابا لوثنيتها فصارت كالأمم. المسيح بكهنوته سيجمع كنيسته كجسد واحد، يجعل الجميع "خبز واحد وجسد واحد" (1كو10: 17).

عَهْدًا جَدِيدًا = غاية الكتاب المقدس أن يدخل الله فى عهد مع الإنسان:

  1. فحينما سقط آدم أعطاه الله وعداً فقط أن نسل المرأة يسحق رأس الحية.
  2. عهد بواسطة علامة طبيعية = وكان هذا لنوح والعلامة كانت قوس قزح.
  3. عهد بعلامة فى الجسد = وكان هذا مع إبراهيم والعلامة كانت الختان.
  4. عهد الدم = وكان هذا مع موسى من خلال الذبائح. وكان ذلك على جبل سيناء بعد أن أخرجهم الله من أرض العبودية ليدخل بهم إلى أرض العهد. وبعد كل هذا عبدوا العجل وخانوا العهد وعبدوا آلهة وثنية. ثم ظهر الأنبياء، وإشتهى الأنبياء بل رأوا من بعد عهداً جديداً تنبأوا عنه (إر31: 31–34).
  5. العهد الجديد = وهذا لم يسجل على ألواح بل على قلوبنا بالمحبة ويمس حياتنا الداخلية حيث ملكوت الله فينا. والله نفسه يكون معلمنا. يتقدم المسيح ليس كخارج عنا بل هو دخل إلى حياتنا ليغير طبيعتنا ويجددها بالروح القدس فنحن مخلوقين فيه قائمين فيه لا سلطان للخطية علينا.

العدد 9

آية (9): -

"9لاَ كَالْعَهْدِ الَّذِي عَمِلْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ يَوْمَ أَمْسَكْتُ بِيَدِهِمْ لأُخْرِجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَثْبُتُوا فِي عَهْدِي، وَأَنَا أَهْمَلْتُهُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ.".

لاحظ أن العهد القديم حقاً أقل من العهد الجديد بكثير ومع هذا فحينما لم يثبت الشعب فيه أهملهم الرب فأذلهم أعدائهم. فكم وكم سيكون عقاب من يهمل العهد الجديد.

العدد 10

آية (10): -

"10لأَنَّ هذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَعْهَدُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ: أَجْعَلُ نَوَامِيسِي فِي أَذْهَانِهِمْ، وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا.".

بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ = بعد أن تكمل ألام المسيح وقيامته وصعوده. يُرسل الله الروح القدس ليكتب الناموس في أذهاننا. فِي أَذْهَانِهِمْ = فالروح القدس يُعَلِّم ويُذَكِّر (يو14: 26). ولنلاحظ أن ناموس موسى يرسو على مبادئ وقواعد تختص بالسلوك الجسدى الخارجى للإنسان. أما العهد الجديد فيدخل إلى الوعى القلبى والروحى للإنسان ليستقر فى أعماق قلبه ويملأ فكره وتصوره وحياته الداخلية. الروح يكتب العهد الجديد على القلب. وبهذا العهد الجديد يبتدئ إستعلان الله فى ذاته وفى صفاته وفى حبه ورحمته.

وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ.

كيف تكتب النواميس على القلب؟

فى العهد الجديد إنسكب الروح القدس على الكنيسة وصار يسكن فى الكنيسة ويسكن فى المؤمنين. وعمل الروح القدس أنه يسكب المحبة فى قلوب المؤمنين (رو5: 5) (محبة الله أولاً) والقلب عديم المحبة هو قلب حجرى تناسبه الوصايا المكتوبة على ألواح حجرية.

ولكن القلب المملوء محبة يصير قلباً لحمياً، وهكذا حول الله قلوبنا إلى قلوب لحمية (حز19: 11).

وهذه القلوب المملوءة حباً لا تستطيع أن تخالف وصية حبيبها الذى مات لأجلها. وصاياه تصير منقوشة على قلوب محبيه. وهذا ما قاله السيد المسيح "الذى عنده وصاياى ويحفظها فهو الذى يحبنى" (يو14: 21).

العدد 11

آية (11): -

"11 وَلاَ يُعَلِّمُونَ كُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ قَائِلاً: اعْرِفِ الرَّبَّ، لأَنَّ الْجَمِيعَ سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ.".

الروح القدس هنا هو الذى سيقوم بالتعليم كما ذكرنا من قبل. وهو الذى سينير القلوب والأفهام. فقبل حلول الروح القدس فى قلوبنا كان العالم بأجمعه يجهل هذه الحقائق التى أعلنت لنا فى المسيح، ليس العالم الوثنى فقط بل واليهود الذين كان لهم الظلال فقط ولكنهم لم يأخذوا الحقيقة كاملة. وكون الروح القدس يعلم فهذا لا يلغى دور المعلمين والمرشدين وأباء الكنيسة، فالروح القدس هو أيضا يعطى البعض أن يكونوا معلمين (1كو12: 28). فالرجوع إلى أباء الكنيسة هو رجوع أيضاً للروح القدس فالكنيسة تسترشد بالروح القدس. وكل مواهب الروح القدس تؤخذ من داخل الكنيسة. والروح القدس لن يقيم علاقة مع أى شخص خارج الكنيسة. والروح يعطى لكل واحد كيف يتكلم وكيف يكون مؤثراً على الآخرين. خدام الله يتكلمون بالروح القدس، والروح القدس يفتح أذان السامعين ليفهموا فيؤمنوا، وهذا لمن يقبل. لذلك يقول بولس الرسول في (1كو3: 12) "ليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلاّ بالروح القدس" وعمل الروح القدس الإقناع لمن يتجاوب معه (إر7: 20).

العدد 12

آية (12): -

"12لأَنِّي أَكُونُ صَفُوحًا عَنْ آثَامِهِمْ، وَلاَ أَذْكُرُ خَطَايَاهُمْ وَتَعَدِّيَاتِهِمْ فِي مَا بَعْدُ».".

لأَنِّي أَكُونُ صَفُوحًا = هو عهد غفران بالدم، هو عهد نعمة ولكن الله يغفر لمن يتوب ويعترف (1يو1: 8، 9). ومعنى الآية أن هؤلاء سيعرفوننى لأننى سأغفر خطاياهم فالعهد الجديد الذى يقوم فيه الروح القدس بدور المعلم يكون بعد الغفران والصفح، وهذا من المؤكد سيكون بعد المسيح. فبعد غفران الخطايا بالدم سيكون البشر أهلاً لأن يحل عليهم الروح القدس ويكشف لهم الإعلانات السماوية.

العدد 13

آية (13): -

"13فَإِذْ قَالَ «جَدِيدًا» عَتَّقَ الأَوَّلَ. وَأَمَّا مَا عَتَقَ وَشَاخَ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الاضْمِحْلاَلِ.".

هو عتق وشاخ (العهد القديم) لأنه أرضى وزمنى وأما الجديد فهو سماوى وإلى الأبد. لذلك قال المسيح على الصليب قد أكمل فهو بموته أكمل العهد الجديد. ومعنى الآية أن الله إذ أطلق على عهد المسيح العهد الجديد (أر31: 31–34) فإن هذا قد جعل العهد القديم عتيقاً وبالتالى قريب من الزوال.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح التاسع - تفسير الرسالة إلى العبرانيين - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح السابع - تفسير الرسالة إلى العبرانيين - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير الإلى العبرانيين الأصحاح 8
تفاسير الإلى العبرانيين الأصحاح 8