الأصحاح الأول – تفسير رسالة يوحنا الرسول الأولى – القمص أنطونيوس فكري

المقدمة

نسبت الكنيسة الأولى الرسائل الثلاث إلى يوحنا الحبيب تلميذ الرب يسوع ونلاحظ أن:

  1. بداية إنجيل يوحنا "فى البدء كان..." وبداية الرسالة الأولى "الذى كان من البدء" فتعبير "فى البدء" هو خاص بيوحنا.
  2. الكلمة السائدة فى الثلاث رسائل هى كلمة المحبة.

يوحنا الرسول الحبيب.

* ولد فى بيت صيدا فى الجليل. أبوه زبدى وأمه سالومى أخت العذراء مريم. وهذا نفهمه من مقارنة (مر15: 40) مع (يو 19: 25) مع (مت 27: 56) فالنساء اللواتى إجتمعن حول الصليب كانوا.

  1. مريم المجدلية ومريم أم يعقوب ويوسى وأم إبنى زبدى (مت 27: 56).
  2. مريم المجدلية ومريم أم يعقوب الصغير ويوسى وسالومة (مر 15: 40).
  3. أمه وأخت أمه، مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية (يو 19: 25).

بالمقارنة نجد أن مريم زوجة كلوبا هى أم يعقوب الصغير ويوسى ونجد أن أم ابنى زبدى هى سالومة أخت العذراء مريم أم السيد المسيح. وإبنى زبدى هما يعقوب ويوحنا كاتب الرسالة. ولكن يوحنا لم يذكر إسم أمه لا فى إنجيله ولا فى رسائله تواضعاً منه وإخفاء لذاته.

* وكان يوحنا يعمل صياداً للسمك. وتتلمذ أولاً ليوحنا المعمدان. وبعد أن شهد المعمدان أمام يوحنا وأندراوس أن يسوع هو المسيح حمل الله، تبعا المسيح (يو 1: 35، 37، 40، 41). وهنا أيضاً كان يوحنا أحد التلميذين لكنه لم يذكر إسمه.

* والمسيح أطلق على يوحنا وأخيه يعقوب الكبير إسم إبنى الرعد لشدة عزيمتهما وغيرتهما الشديدة وقوة إيمانهما. وهما إبنى زبدى. ولاحظ أن هذه الغيرة الشديدة تقدست فى المسيح فصارت حبا عجيبا للمسيح والناس.

* قيل أن يوحنا كان أصغر جميع الرسل، وكان عمره نحو 30 عاماً حين تبع المسيح وأقام بتولاً حياته كلها. وكان الرب يسوع يحبه محبة خاصة عبر عنها يوحنا بقوله عن نفسه فى إنجيله "التلميذ الذى كان يسوع يحبه". ولقد حضر يوحنا مع المسيح فى التجلى وصلاة البستان وفى إقامة إبنة يايرس. وإتكأ على صدر المسيح فى العشاء السرى وسأل المسيح عمن يسلمه.

* جاءت أم يوحنا ويعقوب لتسأل المسيح أن يجلس ولديها عن يمينه وعن يساره، إذ ظنت أن المسيح سيكون له ملكوتاً أرضياً.

* ظهرت محبة يوحنا فى أنه تبع المسيح إلى دار قيافا ثم إلى الصليب. وعلى الصليب قال السيد ليوحنا عن العذراء "هذه أمك" وقال للعذراء عن يوحنا "هذا إبنك" ليرعاها يوحنا. ومن هنا نرى أنه لو كان للعذراء أولاد آخرين كما يقول البعض لم يكن المسيح ليتركها ليوحنا.

* بعد قيامة المسيح كان يوحنا والرسل يصيدون سمكاً على بحيرة طبرية، وظهر لهم السيد المسيح فعرفه يوحنا قبل الجميع، ومن هنا نفهم أن المحبة الكبيرة للمسيح تفتح الأعين لمعرفته.

* بعد حلول الروح القدس على التلاميذ ذهب يوحنا مع بطرس للهيكل وأقاما مقعداً. وبسبب هذه المعجزة حبسهما اليهود ثم أطلقوهما.

* ذهب مع بطرس إلى السامرة لوضع اليد على من قام فيلبس بتعميدهم من الذين آمنوا على يديه (أع 8: 14، 15).

* بشر يوحنا فى آسيا الصغرى (تركيا) وبالذات فى أفسس وقال البعض أنه أخذ معه مريم العذراء إلى هناك. ويقال أنه ذهب إلى أفسس سنة 66م.

* فى إضطهاد دوميتيانوس للكنيسة ألقاه فى زيت مغلى فأخرجه الرب سالماً. فنفاه دوميتيانوس إلى جزيرة بطمس [هى جزيرة جرداء ليس بها طعام، بل وحوش، والذهاب لها فى البحر مغامرة. وكأن النفى إليها شبه حكم بالموت إما غرقاً أو جوعاً أو بالوحوش أو بقطاع الطرق، فجزيرة بطمس كانت منفى للمجرمين وقطاع الطرق] وأقام يوحنا فى هذه الجزيرة سنتين [رأى فيها الرؤيا المعروفة الواردة بسفر الرؤيا] إلى أن مات دوميتيانوس فرجع يوحنا إلى أفسس حوالى سنة 97م. وبعد رجوعه كتب إنجيله والرسائل الثلاث.

* لما طعن فى السن كانوا يحملونه إلى إجتماعات المؤمنين ليعظهم فكان يكرر هذه الكلمات "يا أولادى فليحب بعضكم بعضاً فإن هذه هى وصية الله إن عملتم بموجبها فهذا يكفى".

* ويحكى عنه أنه كان له تلميذاً صار زعيم عصابة لصوص، فلما عاد سأل عنه، وإذ علم ما آل إليه أمره، ذهب وراءه فى الجبال بالرغم من كبر سنه، وبالرغم من خطورة التعرض للصوص. وعاد به تائباً.

* ويحكى عنه أنه دخل حمام عام ليستحم فوجد كيرنثوس الهرطوقى داخل الحمام فخرج سريعاً محذراً من إنهيار الحمام بسبب وجود هذا الهرطوقى بداخله. ومن هنا نرى تشدد هذا التلميذ المملوء محبة ضد الهراطقة، وهذا يتضح من (2 يو 10).

* يوحنا هو التلميذ الوحيد الذى مات ميتة طبيعية، فباقى التلاميذ الإثنى عشر إستشهدوا. وكان موته فى سن أكبر من 100 سنة. وقبره فى أفسس.

الرسالة.

* كتبت فى أفسس فى أواخر القرن الأول بعد خراب أورشليم، أى بعد إنتهاء الإضطهاد اليهودى، لذلك لم يشر إليه. ولكن كانت قد إنتشرت بعض البدع والهرطقات، فإضطر الرسول أن يكتب هذه الرسالة للرد عليها.

* لم يذكر الرسول لمن وجه هذه الرسالة، وبهذا إعتبرت أنها موجهة للكنيسة كلها، أى الكنيسة الجامعة. ولذلك حسبت من رسائل الكاثوليكون أى الرسائل المرسلة لكل الكنيسة الجامعة.

* ولاحظ تكرار قوله يا أولادى ويا أيها الأولاد، فيوحنا يشعر بمسئولية رعوية أبوية تجاه من يقرأ الرسالة، وهو يوجه الرسالة لأولاده المحبوبين.

* هو يكتب ليحمى أولاده من إنحرافات العقيدة وإنحرافات السلوك، خصوصاً بعد ظهور المعلمين الكذبة أمثال كيرنثوس والغنوسيين. وفى (2: 19) نفهم أن هؤلاء الهراطقة إنشقوا على الكنيسة وتركوها. ويمكن تلخيص هذه الهرطقات فى الآتى:

الهرطقات التى قاومها يوحنا الرسول.

  1. الدوسيتيين: - هذه الهرطقة أنكرت التجسد. وكلمة دوسيتيين جاءت من اللفظ اليونانى "دوكين" أى "يظهر" فهم فى رأيهم أن المسيح ظهر فى صورة جسد، لكنه لم يتجسد، أى هو كان خيالاً لا حقيقة، وبالتالى فهو لم يتألم حقيقة، ويرد عليهم مثلاً فى (1يو4: 1 – 3 + 1يو1: 1). وأساس هذه البدعة قائم على وجود إلهين، إله للخير وإله للشر. إله الخير هو خالق الروح، وإله الشر هو موجد المادة، لأن المادة فى نظرهم هى شر، والله لا يمكن أن يخلق شراً. وعلى هذا الأساس لا يمكن للرب أن يأخذ جسداً حقيقياً لأن الجسد شر، إذاً فهو كان له جسد خيالى أو غازى، ولقد تراءى للناس كأنه جاع وعطش وأكل وشرب وصلب ومات. لذلك إهتمت الكنيسة الأولى بأن تشرح أن الجسد والمادة صالحان لأن الله خلقهما أما الإنسان بشره فهو يفسدهما.

وهذا الفكر الهرطوقى يهدم أهم بركات التجسد، وهى ما عبرت عنه الكنيسة فى التسبحة "أخذ الذى لنا وأعطانا الذى له" فالتجسد فيه نوع من المبادلة، المسيح أخذ جسدنا وأعطانا حياته ومجده وقداسته. لقد إتحد الإلهى بالإنسانى ليتحد الإنسانى بالإلهى، فالتجسد إختزل المسافة الواسعة بين الله والإنسان، أخذ الله جسدنا ليعطينا من حياته ويصير شريكاً لنا فى كل عمل صالح. هذا الفكر يشوه محبة الرب لنا، الذى أحبنا وشابهنا فى كل شىء ما خلا الخطية وحدها. ومن صار يشبهه هنا على الأرض (غل4: 19) سيشبهه هناك فى السماء (1يو3: 2).

  1. الغنوسيين: - هؤلاء يتصورون إمكانية الخلاص بالمعرفة العقلية حيث كلمة "غنوس" هى الكلمة الإنجليزية "KNOW". وكأن التأمل العقلى، والعقل، قادران على خلاص الإنسان. ولو كان هذا صحيحاً فما الداعى للتجسد والفداء، وما الداعى لمعونة نعمة المسيح مادمنا سنخلص بقدرتنا الذاتية. إذاً لا ضرورة لعمل الله فينا بحسب فهم هؤلاء.

وهؤلاء الغنوسيين إهتموا بالمعرفة كطريق للخلاص، وذهبوا إلى حد القول بأن السلوك ليس له شأن كبير. لذلك فيوحنا يوضح بأن السلوك له أهمية بالغة (1يو3: 8 – 10). ونلاحظ أنه يتكلم عن فريقين: - أولهما أولاد الله ويسميهم السالكين فى النور وثانيهما أولاد إبليس ويسميهم السالكين فى الظلمة.

  1. الأبيونيون: - هم شيعة تحط من قدر السيد المسيح ومنهم كيرنثوس عدو القديس يوحنا. ومعنى إسمهم الفقراء من اليهود. ويوحنا يسمى هؤلاء الذين يحطون من قدر المسيح أضداد للمسيح (1يو18: 2) ويقول عن المسيح أنه "إبن الله" (1 يو4: 15).

هدف الرسالة.

  1. إن المسيح تجسد وبدمه طهرنا من كل خطية، وأعطانا طبيعة جديدة هى طبيعة المحبة، لذلك أكثر القديس يوحنا من ذكر كلمة المحبة. والمحبة هى طبيعة جديدة بها لا نحب العالم، بل نحب الله والإخوة. إذاً أثر التجسد يظهر فى تغيير طبيعتنا وسلوكنا. هو بهذا يرد على الهراطقة رداً عملياً. فهم ينكرون أن المسيح أخذ له جسداً حقيقياً، والرسول يقول بل أخذ جسداً حقيقياً به إشترك فى طبيعتنا، وأشركنا فى طبيعته التى هى المحبة. فموضوع التجسد قبل أن يكون موضوعاً للنقاش والجدال والهرطقات والرد عليها، هو حياة نحياها. وبهذا يكون لنا روح الإفراز التى بها نرفض هرطقات هؤلاء الهراطقة، وكون التجسد هو سبب الطبيعة الجديدة التى نحيا بها منتصرين على الخطية، فهذا هو معنى قول بولس الرسول "عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد" (1تى3: 16) ومعناه أن التقوى التى فينا هى نتيجة التجسد الذى به سكن اللاهوت فى جسد المسيح الإنسانى، ولما إتحدنا نحن بجسد المسيح الإنسانى صار لنا أن نمتلئ من كل إحتياجاتنا من هذا الكنز الذى فى المسيح، نمتلئ قداسة وتقوى وحكمة ومجد (راجع كو2: 3، 9: 10 + 2بط1: 3، 4).

صفات حياة أولاد الله وحياة اولاد ابليس.

أولاد الله 3: 1

+ حياة أبدية 1: 2

شركة مع الآب والإبن وشركة مع الإخوة 1: 3

+ فرح كامل 1: 4

+ يسلكون فى النور 1: 7

+ محبة لله وللإخوة 2: 10 + خطاياهم تغفر 2: 12

+ أقوياء 2: 14

+ لا يخجلوا عند مجيئه 2: 28

+ يكونون مثله 3: 2

+ لا يخطئون 3: 9

بالخطية نخرج من كوننا أولاد الله

وبالتوبة نعود

وبالتوبة نعود

.

  1. بالتجسد صرنا أولاد الله فإن سلكنا فى النور سيكون فرحنا كاملاً. والسلوك فى النور يعنى أننا نحاول بقدر إستطاعتنا أن نسلك بلا خطية، وإن أخطأنا سريعا ما نتوب، والله يعطى قوة لنا ليعيننا (رو 8: 26) نظراً لضعف بشريتنا. ولأننا مازلنا فى الجسد فنحن معرضين لأن نخطىء.
  2. قبل المسيح وفدائه لم يكن هناك حل لمشكلة الخطايا. فدم ثيران وكباش لا تستطيع أن تنزع الخطية (عب10: 11). وأما فداء المسيح فأعطانا دماً يطهرنا من كل خطية (1يو1: 7). وطالما نحن فى هذا الجسد الضعيف فنحن لابد وسنخطىء. وأصبح كل المطلوب منا أن نتوب ونعترف فتغفر لنا خطايانا. لذلك نلاحظ أنه فى آية (8) فى الإصحاح الأول والتى يتحدث فيها عن أننا لابد وأن نخطىء طالما كنا فى هذا الجسد. يأتى بعدها مباشرة فى آية (9) وسيلة غفران الخطية وهى الإعتراف.
  3. فى (1يو3: 9) يقول الرسول أن المولود من الله لا يخطىء، بل لا يستطيع أن يخطىء. وفى (1يو1: 8) يقول إن قلنا "أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا". وفى (1يو1: 10) يقول "إن قلنا أننا لم نخطىء نجعله كاذباً" فهل هناك تضاد؟! أبداً. وهذا يمكن تصوره حلاً لهذه المشكلة فى الرسم المرفق عاليه. وفيه نجد مواصفات أولاد الله وهؤلاء لا يخطئون. ولكن نظراً لوجودنا فى الجسد، فنحن نخطىء، ولكن ما أن نخطىء يبكتنا الروح القدس فنشعر بغربة ووحشة، وسريعاً ما نقدم توبة وإعتراف فتغفر الخطية ونعود لمكاننا كأولاد الله. ويستمر دخولنا وخروجنا هذا إلى أن نحصل على الجسد الممجد بعد القيامة. وهذا ما أطلق عليه بولس الرسول "التبنى فداء الأجساد" (رو8: 23). فنحن ولدنا من الله بالمعمودية، ولكن مازال الجسد فينا عنصر ضعف يعرضنا للخطية، لذلك نقول أن البنوة التى حصلنا عليها بالمعمودية الآن، بل كل ما حصلنا عليه من نتائج للفداء ما هو إلا عربون. وفى السماء نحصل على الكل. فحين نحصل على الجسد الممجد فى السماء لا نعود نخطىء ولن نستطيع أن نخطىء للأبد. أما الآن فنحن معرضين لأن نخطىء، ودم يسوع يطهرنا من كل خطية. إذاً بالتوبة والإعتراف لا نفقد بنوتنا لله. لذلك يقال عن التوبة أنها معمودية ثانية. أما فى السماء فالتبنى الكامل الذى نصير فيه بلا خطية ولا نحتاج لتوبة أو إعتراف...... فنحن لن نخطىء أبداً، إذ سنتخلص من هذه الطبيعة المعرضة للسقوط.
  4. نفهم أن الله نور ومحبة من كلمات الرسالة، وأن على كل من أراد أن يكون له بركات الشركة مع الله الذى هو نور أن يسلك فى النور ويترك طريق الخطية أى طريق الظلمة، ويحفظ الوصايا ويحتقر العالم ويقاوم الشيطان وأعوانه. ومن يشترك مع الله ويصير إبناً له يقتدى به ويتسم بالصفات عينها أى النور والمحبة، ويكون سلوكه فى النور وفى المحبة. فالإيمان ليس كلاماً ولا مظاهر ولا عواطف، الإيمان لن يكون سليماً إلا إذا كان يرافقه سلوك. فمن غير الممكن أن يؤمن المسيحى بشىء ويسلك بعكسه ويظل مسيحياً.
  5. معرفة المسيح والثبات فيه: - بالمعمودية نتحد بالمسيح (رو 6: 5) ومن خلال الثبات فيه نعرفه (فى 3: 9، 10) "وأوجد فيه (ثبات)... لأعرفه" فمعرفتنا بالمسيح ليست معرفة من الخارج كما نعرف البشر، بل هى معرفة من خلال الثبات فيه. وثبات المسيح فينا كان بأن أعطانا حياته... زرع فينا حياته (1يو3: 9) "لأن زرعه يثبت فيه" لكن علينا أن نسلك فى النور وبمحبة وطهارة ونحفظ الوصايا ليستمر هذا الثبات وتستمر هذه المعرفة. بل أن ثباتنا فى المسيح يعطينا أن تكون لنا أفكاره (1كو2: 16) وتكون أعضاؤنا أعضاؤه (1كو6: 15).
  6. هناك تعبيرات تعبر عن الاتحاد بالمسيح هى المعرفة والمحبة (برجاء مراجعة تفسير الآية يو15: 9). والإتحاد بالمسيح يعنى أيضا الثبات فيه.
  7. وحتى نثبت فى المسيح ينبغى ان نكون فى توافق معه، فهو قدوس، طاهر، نقى وهو المحبة. فمن يريد ان يثبت فيه عليه ان يسلك فى القداسة والنور والمحبة والطهارة. وحينما تتوافق إرادة انسان مع إرادة المسيح تتولد قوة جبارة داخل هذا الانسان تعينه على تنفيذ القرار الذى إتخذه، وهذه القوة هى النعمة التى حصلنا عليها من عمل الروح القدس فينا. لذلك سأل المسيح مريض بيت حسدا "أتريد ان تبرأ" وهذا السؤال ما زال موجها لكل منا، ومن يريد فعلا وتكون هذه شهوة قلبه ويجاهد لأجلها، هذا يجد قوة جبارة قادرة على أن تحميه من السقوط، وعن هذه القوة قال السيد المسيح "بدونى لا تقدرون ان تفعلوا شيئا" وقال بولس الرسول "بالنعمة انتم مخلصون" وبنفس الفكر قال السيد المسيح أن "نيره هين وحمله خفيف" فهو حقيقة من يحمل هذا الحمل. وكلما إزداد إتحاد المؤمن بالمسيح وإزدادت النعمة بجهاده تزداد النعمة أى القوة التى تساعده وتحميه من الخطية إلى الدرجة التى قال عنها القديس يوحنا "كل من هو مولود من الله... لا يستطيع ان يخطئ". والعكس صحيح فالذى يطلب الخطية ويسعى لها تتوافق إرادته مع الشيطان، ومثل هذا سيجد قوة جبارة تدفعه للخطية، بل يتشبه بابليس ويصير إبناً له (1يو7 – 10). وعلي مستوى الظواهر الطبيعية فحينما يحدث توافق بين شيئين تنتج قوة جبارة عن هذا التوافق.
  8. ومع هذا فطالما نحن ما زلنا فى الجسد فسيكون لنا سقطات وهفوات، ولكن الموضوع مستويات، فالمبتدئ له خطايا يرتكبها وينفذها بالفعل، وحينما ينمو تصير الخطايا مجرد شهوات ولكن بلا تنفيذ، ومع النمو فى النعمة تتوقف الخطايا فلا تتعدى بعض الأفكار. ولكن حينما نتخلص من هذا الجسد وننطلق للسماء، فهناك لا خطية ولا شهوات ولا أفكار بل بنوة كاملة، هناك لا يستطيع الجسد ولا يمكنه أن يفكر فى خطأ فسيتخلص إبن الله من الجسد الشهوانى الترابى تماماً. لذلك يقول بولس الرسول "ويحى أنا الإنسان الشقى. من ينقذنى من جسد هذا الموت" (رو7: 24).

مكان كتابة الرسالة.

يوحنا كتب الرسالة من أفسس بعد عودته من نفيه فى جزيرة بطمس. وهدفها ببساطة تحقيق حياة الفرح الكامل لمن ينفذ ما جاء فيها، وبالذات حياة المحبة لله وللإخوة. فالمحبة قادرة أن تشعل حياة الناس مرة أخرى دائماً حتى إن دخل الفتور لحياتهم. فحين يشعر الإنسان أنه محبوب من الله، ويمتلىء قلبه بالتالى حباً لله، فهذه المحبة كافية أن تخرجه من حالة الفتور والإعتياد للحياة الروحية الروتينية.

فالإنسان معرض للإنجذاب لمحبة العالم وإذا دخل فيه الفتور ويجد أن وصايا المسيحية تطلب منه عدم محبة العالم، يدخل فيه شعور بالكبت والحرمان وأن الله يحرمه من محبة وملذات الدنيا. أما من يحب الله فيسهل عليه ترك أى شىء، هو لن يشعر بقيمة أى شىء بجانب محبة الله.

لذلك يقول الرسول "وصاياه ليست ثقيلة" (1يو5: 3) فمن الذى يشعر أن وصاياه ليست ثقيلة؟ فقط من تبادل المحبة مع الله. أما لو شعر المسيحى أنه محروم مما يتمتع به الآخرون فهو إنسان معقد ومكبوت ومحروم أو لا يجد فرصة للخطية... بإختصار هو خالى من المحبة ولم يتذوق الحياة مع المسيح فى العمق وأدرك لذتها، وهذه هى اللؤلؤة كثيرة الثمن.

والطريق لزيادة المحبة تجاه الله يصفها الرسول بقوله "انظروا أية محبة أعطانا الآب... (1يو3: 1) وأنظروا هنا تعنى" أنظر بتأمل وإفحص الأمر "فالتأمل فى محبة الله وكيف جعلنا أولاداً له، تلهب القلب بمحبته، فثمن هذا كان دم إبنه.

هناك ثلاثة كذابين فى نظر الرسول: -.

  1. من يقول أن له شركة معه ويسلك فى الظلمة 1: 6.
  2. من قال عرفته ولا يحفظ وصاياه 2: 4.
  3. إن قال أحد إنى أحب الله وأبغض أخاه 3: 20.

الإصحاح الأول

العدد 1

آية (1): -

"1اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ.".

اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ = أى الأزلى، الكائن قبل كل الموجودات.

الَّذِي سَمِعْنَاهُ …. = أى تجسد، الله الأزلى غير الزمنى صار زمنياً، وبعد أن كان غير منظوراً صار منظوراً وتلامسنا معه. وهذه هى نفس بداية إنجيل يوحنا "والكلمة صار جسداً" (يو1: 14).

سَمِعْنَاهُ... رَأَيْنَاهُ... شَاهَدْنَاهُ... وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا...

  • معرفة يوحنا إختبارية معاشة فهو عاش مع المسيح ثلاث سنين ونصف.
  • المعرفة هنا متدرجة فالرؤيا أقوى من السمع والمشاهدة أقوى من الرؤية، فالمشاهدة هى نظرة تأملية أى قضاء وقت فى التأمل أما الرؤية فهى نظرة سريعة. أما التلامس فهو أقوى من المشاهدة.
  • هل هذه الخبرة قاصرة على يوحنا تلميذ المسيح الذى عايشه سنوات على الأرض؟ لا فالروح القدس يعطينا نفس الشئ دون أن نرى المسيح بالجسد (يو16: 13 - 16). وهذا نحصل عليه بالإيمان، الروح القدس يعطينا أن نتلامس مع حقيقة محبته وغفرانه فنقترب اليه بدموعنا كالمرأة الخاطئة نطلب المغفرة. ويعطينا الروح أن نحبه إذ نتلامس مع صفاته، نستمتع به ونشتاق إليه، ونشعر بمجده كما لو كنا رأيناه، بل أفضل، فطوبى لمن آمن ولم يرى، بل هناك من رأوه بالجسد ولم يدركوه، فصلبوه، أما الروح فيعطينا أن نعرفه حقيقة، وفى معرفته حياة (يو17: 3).
  • يقصد يوحنا بهذا أن المسيح تجسد حقيقة وبالذات بقوله لَمَسَتْهُ أَيْدِينَا ليرد على الهراطقة الذين قالوا أن جسد المسيح كان جسداً خيالياً (هرطقة الدوسيتيين) وهؤلاء الهراطقة قالوا أن الذى من البدء أى الله الأزلى لم يكن هو يسوع الذى عرفناه. ورد يوحنا هنا يعنى أن جسد المسيح كان جسداً حقيقياً.
  • وهل نحن قادرين ان نلمسه نحن أيضا وقد صعد الى السماء؟ 1) نحن نتناول جسده فنلمسه 2) ليس كل من لمس جسد المسيح وهو على الارض بجسده قد تلامس معه وحصل على بركة هذا التلامس، فاليهود وعساكر الرومان لمسوا جسده وهم يصلبونه، أما المرأة نازفة الدم إذ تلامست معه بإيمان شفيت (مت9: 20 – 22). 3) المرأة لمسته إذ عرفت من هو، والروح القدس الذى فينا يعطينا أن نعرفه وكأننا تلامسنا معه.
  • مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ = قوله من جهة يعنى أن ما أقوله عن اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ... هذا أقوله عن المسيح كَلِمَةِ الْحَيَاةِ. هو الكلمة وهو الحى، هو كلمة الله الحى بل هو الحياة، هو الذى يعطى حياة للخليقة ويجدد الخليقة التى فسدت وماتت، فأتى ليعطيها حياة "لى الحياة هى المسيح" (فى1: 21) المسيح هو الكلمة (يو1: 1). وهو الحياة (يو1: 4). هو كلمة الله الحى الذى كان مع الآب والروح منذ الأزل. وهو كلمة الحياة لأنه ينبوع الحياة لكل بشر. أتى لتكون لنا حياة روحية وأبدية على الأخص. ويوحنا حين سمع وتلامس مع المسيح أدرك أنه أتى ليعطى البشر حياة. ونحن الآن ندرك هذا بالروح القدس. والمسيح تجسد لندرك نحن هذه الحقيقة وتكون لنا هذه الحياة.

العدد 2

آية (2): -

"2فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا.".

الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ = المسيح الحياة ظهر فى الجسد ورأيناه ونشهد لكم. هو قال عن نفسه أنا هو القيامة والحياة (يو11: 25). والمسيح تجسد حتى نتمتع بالحياة التى أظهرها، الحياة التى تجلت بشراً، وهذا نراه فى شفاء الأصَّم الأعقد (مر7: 32 – 35) حين تفل السيد ولمس لسان الأصَّم بلعابه فنطق، والمعنى أن جسده يعطى حياة. الإبن أخذ له جسداً لنستطيع أن نراه وندركه أنه حياة لنفوسنا ومخلصاً لنا من موتنا الروحى. لقد أماتت الخطية النفس البشرية إذ حجبتها عن الله مصدر حياتها، فجاء الإبن متجسداً واهباً لنا حياة أفضل هنا + الحياة الأبدية (إذ هو حى للأبد) بعد أن جعلنا من لحمه ومن عظامه (أف5: 30).

وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ = هى أبدية لأن الحياة التى حصلنا عليها هى المسيح الأبدى الذى لا يموت. ولكن الحياة الأبدية لا تبدأ هناك فى السماء بعد القيامة، بل تبدأ هنا على الأرض. فبالمعمودية نتحد بالمسيح الحى الذى لا يموت. وبالعشرة مع المسيح الآن، نتذوق عربون الحياة التى فوق من فرح وسلام. أما الحياة قبل المسيح، فأحسن تعبير عنها هو ما قاله بولس الرسول "كنت عائشاً قبلاً" (رو7: 9) قال هذا عن الحياة بدون الناموس، وبلا شك تنطبق على الحياة بدون المسيح وتعنى فى اللغة العامية "أهى عيشة والسلام" فبدون المسيح لا فرح حقيقى ولا سلام حقيقى. هذه الحياة كانت عند الآب. فالله أعطانا حياته الأبدية، فالله هو الحياة الأبدية، والمسيح إستعلن لنا هذه الحياة الأبدية فى جسد قيامته. نحن الذين كنا غير مستحقين للمجد الأرضى صار لنا المجد السماوى. وقوله الحياة أظهرت أى أعلنت بمنتهى الوضوح. الله كان فى تخطيطه أن يعطيها للإنسان، الله يخلق حياة وليس موت، وخلق آدم ليحيا للأبد، وآدم إختطف لنفسه قضية الموت. وها نحن أدركنا هذا فى المسيح الذى أعلن هذا بل أعطانا حياته، فنحيا بها حياة أبدية. فالحياة بدون المسيح هى حياة يصيبها الملل، لذلك يخترع الناس خطايا، وحتى الخطايا بعد وقت تفقد بريقها وتصبح مملة. أما الحياة مع المسيح فلها طعم آخر، بل حتى الألم مع المسيح له طعم آخر، فالشركة مع المسيح لها لذتها سواء فى أفراح أو ألام. وبينما أولاد الله فى فرح بحياتهم مع المسيح حتى فى ألامهم فإن أولاد العالم فى ضيق وملل حتى وسط ملذاتهم.

وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ = يوحنا رأى المسيح وعايشه بالجسد ورآه متجلياً على الجبل ومعه موسى وإيليا، ورأى المسيح قائماً من بين الأموات. وسمع من المسيح أن من يؤمن به ستكون له حياة أبدية، فهو جعلنا أعضاء جسده القائم من الأموات، فمن يثبت فى المسيح سيقوم معه ويكون له مجد فى السماء، وما رآه يوحنا وشاهده يخبر الكل به، لنطلب نحن أيضاً هذه الحياة الأبدية ونجاهد لأجلها، هذه الحياة التى تبدأ بالفرح الكامل هنا (آية 4) وبالمجد الحقيقى فى السماء.

العدد 3

آية (3): -

"3الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضًا شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.".

الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ = أى المسيح وما أتى به من حياة لنا، نخبركم به فكل من اختبر حياة المسيح الأبدية يود لو أخبر بها كل إنسان ليختبر كل إنسان الحياة الأبدية ويعيشها. وهذا هو موضوع رسالة يوحنا. لكن نلاحظ أن فى آية 1 قال الذى سمعناه الذى رأيناه... ويقول هنا بترتيب معاكس الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ... والسبب أن فى آية1 يعبر عن خبراته الشخصية المتزايدة المتنامية فى معرفة المسيح، أما فى هذه الآية فهو يقصد أنه بعد أن إختبر المسيح = الَّذِي رَأَيْنَاهُ صار لكل ما سمعه من المسيح طعماً جديداً يود أن يقوله لكل إنسان.

ولا يستطيع خادم أن يخدم دون ان يكون قد إختبر هذا السمع = وَسَمِعْنَاهُ.

فيخبر الخادم الناس بما سمعه = نُخْبِرُكُمْ بِهِ.

ولا يستطيع خادم أن يخدم ما لم يكن له خبرة خاصة فى معرفة المسيح = رَأَيْنَاهُ.

هنا نرى أن الحياة المعاشة تتحول إلى شهادة وكرازة.

لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضًا شَرِكَةٌ مَعَنَا = شَرِكَةٌ المقصود بها ألفة / صداقة / مودة / محبة / شركة فى هدف واحد وعلى أن تكون بمحبة / مجموعة من الناس تملك شيئاً واحداً والكنيسة هى مجموعة من الناس هم أعضاء فى جسد المسيح الواحد. لنا شركة جميعاً فى جسد المسيح.

وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ = هو يدعوهم لكى تكون لهم شركة مع يوحنا وكنيسته. ويقول لهم أنه هو يوحنا وكنيسته، شركتهم هى مع الآب والإبن. ونلاحظ أنه يدعوهم لهذه الشركة مع الآب والإبن ومع الكنيسة أيضاً. وكل من آمن وإعتمد صار ثابتاً فى الإبن وبالتالى صار إبناً للآب. وبذلك فنحن فى شركة إتحاد مع الإبن وفى شركة بنوة للآب. ونحن فى الإبن، والإبن فى الآب، وبهذا نصير فى الآب كما فى الإبن (يه 1). ويوحنا يكتب لنا ولكل من يقرأ رسالته لكى يكون لنا معه هذه الشركة مع الآب والإبن. ونشترك معه فى رؤية المسيح وسماع صوته وهذا يكون لنا بالإيمان، وبعمل الروح القدس فينا الذى يشهد للإبن فنراه وندركه مثل يوحنا الذى رآه وسمعه. وقوله شركة يشير إلى أننا لا يمكن أن نتمتع بثمار هذه الشركة أى الفرح الكامل (كما سيأتى فى آية 4) إلا من خلال الكنيسة. ففى الكنيسة نولد من الماء والروح، وفيها نعترف، وفيها نصلى القداس ونحصل على شركة جسد المسيح فى التناول.

ولاحظ أنه يذكر شركة معنا قبل قوله شركة الآب والإبن، لأنه لن يكون لنا شركة مع الآب وإبنه إن لم تكن لنا شركة بعضنا مع بعض فى محبة راجع تفسير (يو15: 9). وراجع آخر فصل فى تفسير هذه الرسالة بعد تفسير الاصحاح الخامس، وتحت عنوان (أهمية المحبة عند القديس يوحنا) ونلاحظ أنه لنا شركة مع الروح القدس (2كو13: 14) ولكنه لا يذكرها هنا فلماذا.

  1. التركيز هنا على الهرطقات التى تنكر لاهوت المسيح أو ناسوته، فهو يتكلم عن المسيح ولا يتكلم عن الروح القدس، فالهرطقات التى شككت فى الروح القدس جاءت بعد هذا بمئات السنين.
  2. أى شركة لها طرفين، الإنسان والله، والروح القدس هو الذى يحقق الشركة بيننا وبين الله، والروح القدس فينا يثبتنا فى المسيح وينقلنا المسيح لحضن الآب، فالإبن هو فى حضن الآب (يو1: 18). والرسول هنا يتكلم عن شركة بيننا وبين الآب والإبن، ولم يشير لوسيلة هذه الشركة أى الروح القدس فهذا ليس مكانه هنا.

العدد 4

آية (4): -

"4 وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً.".

لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً = أى حتى لا يوجد داخلكم أى شبهة حزن. وواضح أنه لكى يتم هذا: - 1) فالمحبة يجب أن تكون بين الجميع. 2) الشركة بيننا وبين الله وبين الله وبيننا يجب أن تتم. وفى حالة أى خصام مع أحد، لن يكون الفرح كاملاً بسبب هذا. 3) والخطية تسبب ضياع ثباتنا فى الإبن فلا تكون لنا شركة معه ولا مع الآب. 4) ومن يعرف المسيح بطريقة صحيحة (فالمعرفة هى من خلال ثباتنا فى المسيح. راجع نقطة 5 - 7 فى المقدمة) أى من يعطيه الروح القدس رؤية حقيقية للمسيح سيكون فرحه كاملاً. ولاحظ أننا فى السماء سنراه كما هو (1يو3: 2) لذلك ففى السماء سيكون فرحنا كاملاً.

إذاً شروط الفرح الكامل:

  1. الشركة أى المحبة بيننا، بعضنا البعض.
  2. الشركة مع الله والثبات فيه وهذا شرطه السلوك بلا خطية. ولاحظ أن الرسول قال فرحكم ولم يقل فرحنا. ففرحة الرسول تكمل حين يراهم وقد آمنوا وفرحوا بالمسيح، وهكذا كل خادم أمين.
  3. أن نشرك الله معنا فى كل كبيرة وصغيرة فى حياتنا، وهذا يكون بالصلاة وأن نشعر أنه شريك لنا فى كل شئ وبدونه لا نقدر أن نفعل شئ (يو15: 5) فهناك طريقتان لمواجهة المشاكل.
  4. أن نفكر بمفردنا فى الحل فنكتئب إذ لا حل.
  5. نصلى ونشرك الله فنفرح، فمن يرفع قلبه لله فى ثقة ناشئة عن دالة البنوة، سيسمع من الله لا تخف يا إبنى أنا معك فينتهى الإكتئاب والحزن حتى قبل حل المشكلة، وبهذا نتعزى. وهذا نراه كثيرا فى مزامير داود النبى.

العدد 5

آية (5): -

"5هذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ: إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ.".

هناك شركة مع الله فلابد أن نعرف:

  1. من هو الذى ندخل معه فى شركة، ماهى طبيعته.
  2. ماهى الشروط الواجبة التى يتطلبها الدخول معه فى شركة.

فأول إعلان عن إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ. ولاحظ فالكلام ليس مكرراً، فقول يوحنا إِنَّ اللهَ لَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ ليس تكرارا لقوله إِنَّ اللهَ نُورٌ فالنور نسبى فهناك مكان به نور ولكن هناك مكان أقل إستضاءة إذ به بعض الإظلام، كحجرة بها لمبة واحدة وحجرة بها 100 لمبة.

إلنُور = إشارة للصلاح الكامل والجمال الكامل والمعرفة الكاملة فالنور يسقط على كل شئ ويظهره فلا يختفى منه شئ، لذلك قيل عن الله أنه فاحص القلوب والكلى إذ هو يعرف كل شئ. وطالما كل شئ مكشوف فالتصرف سيكون سليماً. لذلك فالنور يشير للحكمة الكاملة. وكما أن الشمس هى نور للعين البشرية، هكذا نور الله بالنسبة للعين الروحية، فمن يقترب من الله يقترب من النور ويدخل النور حياته فيضئ كيانه فيدرك الله ويعرفه، ويعرف إرادته فتكون قراراته سليمة. وتكون له حياة أبدية. وكما قال داود بنورك يارب نعاين النور (مز36: 9) فنحن بالروح القدس نعاين المسيح ونعرفه، وبالروح القدس النور نفهم كلام الكتاب المقدس، وبالروح القدس نعرف محبة الآب. وبالمسيح النور الحقيقى نحصل على الروح القدس ويحل فينا. وبالروح القدس نعرف الحق. وبالمسيح النور عرفنا الآب ورأيناه. فالمسيح هو النور المولود من نور "نور من نور". فى النور لا شئ مبهم أو مخفى، والمسيح قال "أنا هو نور العالم" والنور إشارة للقداسة والطهارة.

ظُلْمَةٌ = اما الظلمة فتشير للخطية: -.

  1. فالظلمة حرمان من النور والخطية حرمان من النعمة.
  2. السير فى الظلمة يعرض السائر للإنزلاق والسقوط والتعثر، والخطاة عميان عن طريق الخلاص كثيرو الزلل والسقوط.
  3. الخطاة كالخفاش يكرهون النور فهو يكشف أعمالهم السيئة (يو3: 19، 20).
  4. الخطية تعمى بصيرة صاحبها فتقوده إلى جهنم.
  5. الشيطان يدفع للخطية لذلك أسماه المسيح سلطان الظلمة.
  6. فى الظلام الروحى لا يرى الخاطئ الله ولا يعرفه ولا يرى الحق ولا يدركه ولا يرى نفسه وبالتالى لن يدرك أنه خاطئ لذلك يتكبر. وهذا عكس حالة بولس الرسول تماماً حين إمتلأ قلبه نورا فقال "الخطاة الذين أولهم أنا".

ونحن من ذواتنا ظلمة لكن من يقترب إلى الله يستنير ومن يتمسك به يصير نوراً "إقتربوا إليه واستنيروا ووجوهكم لا تخزى" (مز34: 5) فالمكان الذى فيه ظلمة تنتشر فيه الحشرات والقاذورات (رمز الخطية) ومع النور تهرب هذه الحشرات. فالنور يعطى للناس إرشاداً وبدونه يتخبط الناس.

والظلمة قد تكون هى الجهل بسبب عدم المعرفة، إذ بدون نور كل شئ غامض أما النور فهناك الحكمة إذ كل شئ مكشوف وواضح. والآن إجابة السؤال الأول: - ماهى طبيعة الله؟ الله نور وكامل الجمال والحكمة.

والسؤال: - ماهى شروط الشركة معه؟ السلوك فى النور. ومن يفعل سيكون فرحه كاملاً.

العدد 6

آية (6): -

"6إِنْ قُلْنَا: إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ وَسَلَكْنَا فِي الظُّلْمَةِ، نَكْذِبُ وَلَسْنَا نَعْمَلُ الْحَقَّ.".

هذا الكلام يرد به على الغنوسيين الذين يهتمون بالمعرفة ولا يهتمون بالسلوك الاخلاقى، بل يحرضون على الإنحلال بدعوى أن الجسد شر ولن يضيره شئ من السلوك فى الخطية.

إِنْ قُلْنَا: إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ = فالتجسد أعطانا شركة مع الله فقد صرنا شركاء الطبيعة الإلهية (2بط1: 4) وأثر ذلك يظهر فى أن تصير لنا طبيعة جديدة كلها محبة وطهارة فنحن نشترك مع الله فى محبته وطهارته وقداسته، ونصير خليقة جديدة (2كو5: 17) أى تتغير طبيعتنا القديمة ويظهر هذا فى حياتنا وسلوكنا اليومى. فمن يؤمن بالمسيح ويعتمد به (رو6: 5) تصير له حياة المسيح (فى1: 21 + غل2: 20). وبهذا يعيش الإنسان فى الحق ولا يحتمل الباطل. تتغير طبيعته ليصير نوراً. فالحق ليس معرفة فكرية بل حياة يحياها الإنسان من واقع حياة المسيح فيه، وهذه لها قوة وفعل محرك. ولكن علينا أن نجاهد ونبعد عنا كل ظلمة ونحيا كمائتين عن الخطية "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىَّ" (غل2: 20). فالبداية أن أصلب نفسى مع المسيح، بأن أبتعد عن كل شر وخطية، بل شبه شر فلا شركة للنور مع الظلمة (2كو6: 14). وإن حدث وسقطنا فلنتب سريعاً ونعترف ودم يسوع المسيح يطهرنا (7)، (9).

شَرِكَةً مَعَهُ = كلمة شركة فى اليونانية تشير لإمتلاك مجموعة من الناس لشئ واحد. والشركة المسيحية تعنى الإسهام فى الحياة المشتركة فى المسيح بواسطة الروح القدس، الذى يجمعنا كأعضاء في جسد واحد هو جسد المسيح، وهذه الشركة تربط المؤمنين معاً وتربطهم بالله. ولو هناك من يرفض الشركة مع أخيه فكيف يكون هذا حق أو نور، كيف تتخاصم اليد مع الرجل أو العين، ويكون الجسد سليماً.

وَسَلَكْنَا فِي الظُّلْمَةِ نَكْذِبُ = من يرفض السلوك فى النور لا تكون له شركة مع الله وهكذا من لا يريد الشركة مع إخوته (أى يحمل كراهية لهم فى قلبه). مثل هؤلاء يكونون مخادعين غير سالكين فى الحق أى كاذبين، فكيف نكون فى شركة معه أى نوره فينا ونسلك فى الظلمة. المسيح نور ومحبة، ويتحد بمن هو مثله سالك فى النور والمحبة، وبالتالى فلن يكون هناك شركة بين المسيح وبين من يسلك فى الظلمة أو الكراهية.

العدد 7

آية (7): -

"7 وَلكِنْ إِنْ سَلَكْنَا فِي النُّورِ كَمَا هُوَ فِي النُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ.".

7 وَلكِنْ إِنْ سَلَكْنَا فِي النُّورِ... فَلَنَا شَرِكَةٌ = السلوك فى النور أى بلا خطية يجعلنا نثبت فى المسيح (راجع تفسير آية يو15: 10)، والشركة هى شركة بيننا وبين كل إخوتنا فى جسد المسيح، والمسيح هو رأس هذا الجسد. ومن هو ثابت فى جسد المسيح يُطَهِّرُه المسيح بدمه مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ.

ويحسب كاملا وبلا لوم فى المسيح (أف1: 4 + كو1: 28). ولنرى تسلسل الآية.

السلوك فى النور بطاعة الوصية.... يقود إلى شَرِكَةٌ مع الاخوة فى جسد المسيح.... والثابت فى جسد المسيح، يُطَهِّرُه دم المسيح من كل خطية فهو فى المسيح مغطى بالدم = له كفارة = cover.

فالله خلق آدم فى وحدة مع زوجته وأولاده وكان هذا مدعاة للحب بين أفراد الأسرة. ولكن ما إن دخلت الخطية حتى كره الإخوة بعضهم وقام قايين بقتل هابيل. فصورة المحبة والوحدة هذه أعادها المسيح بجسده (يو17: 21). وصورة الوحدة والمحبة هى إرادة الله منذ البدء.

كَمَا هُوَ فِي النُّورِ = فالله نور وساكن فى النور (دا2: 22).

فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ = إن من يسلك بالصلاح وبلا خطية يكون خليقة جديدة، يكون قد إتحد بالمسيح وصار عضواً فى جسده. وكل المؤمنين أعضاء فى جسد المسيح، هم فى شركة فى جسد المسيح. من هو ثابت فى المسيح فهو مملوء بالروح القدس، فالروح القدس هو الذى يثبتنا فى المسيح. ومن هو مملوء بالروح تكون له ثمار الروح وأولها المحبة. إذن علامة السلوك فى النور هى أن تكون لنا شركة محبة بعضنا البعض فى جسد الكنيسة الواحد. فهل يتخاصم أعضاء الجسد الواحد، لو خاصمت العين اليد ستتركها تحترق ولا تخبرها بأن ماتراه ناراً، بل قد يحترق الجسد كله. وطالما نحن أعضاء فى جسد المسيح الواحد ونسلك فى محبة وفى نور أى ثابتين فيه، فدم يسوع المسيح يطهرنا من كل خطية. ولقد وضع الرسول شركتنا مع بعضنا البعض أى وحدتنا الإيمانية المملوءة حباً ككنيسة واحدة، قبل أن يقول أن دم يسوع يطهرنا، لأنه لا يستطيع إنساناً أن يتمتع بالتطهير بدم المسيح إن كان قلبه مملوء كراهية ورافض للشركة مع الإخوة، فهذا لا يمكنه أن يثبت فى جسد المسيح. وسيكون منعزلاً عن شركة الكنيسة الواحدة التى هي جسد المسيح. (مت6: 15) إن لم تغفروا... لايغفر لكم. (راجع الملحق الأخير بعد نهاية تفسير الاصحاح الخامس) فالمسيح لا يتحد بنا إن لم نحب الإخوة حتى الأعداء الذين يكرهوننا.

ولاحظ أن كلمة دم تشير: -.

  1. أن للمسيح جسدأ حقيقياً وليس خيالياً.
  2. لحقيقة ألام المسيح وموته.
  3. للتكفير، فهو يغفر ويستر ويقدس ويغسل.

العدد 8

آية (8): -

"8إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا.".

من يسلك فى النور يرى عيوبه وخطاياه فلن يستطيع إنكارها. وطالما نحن فى الجسد فلنا ضعفاتنا وسقطاتنا، والمسيح يقول "الصديق يسقط ويقوم سبع مرات فى اليوم" وبولس الرسول يقول عن نفسه "الخطاة الذين أولهم أنا". فمن يقول أنه بلا خطية فهو لا يعيش فى النور ولا يسلك فى النور، فوجود النور فى مكان يكشف وجود القاذورات التى فيه. لكن من هو فى الظلمة يعيش فى ضلال ويعيش فيه روح الضلال. أما من سكن فيه الروح القدس، روح الحق ينير له ويرشده للخطايا الموجودة فيه. وتكون علامة أننا يسكن فينا الروح القدس أننا نشعر بخطايانا ونراها ونمقت أنفسنا (حز 20: 43 + 36: 31). هذا يكون كمن أنار غرفة قذرة وبها حشرات فهو سيشمئز منها.

ويعرف المؤمن حين يكشف له الروح خطاياه أنه ضعيف فيطلب المعونة، ويعرف أنه خاطئ فيطلب المغفرة.

نُضِلُّ أَنْفُسَنَا = من يقول أنه بلا خطية فهو 1 - إما يكذب 2 - أو أعمى. فالحقيقة أنه لا يوجد من هو بلا خطية. والمريض الذى يقول أنه سليم، فلا يذهب للطبيب فهو يضل نفسه وسيموت. ولكن إذا إنفتحت أعيننا ورأينا كم نحن خطاة فلنتب ونعترف ودم يسوع يطهرنا من كل خطية. والإعتراف هو إتضاع أمام الله. والخجل مطلوب، فإذا كنا نخجل من إنسان مثلنا، فهذا يدعونا لأن نفكر أن الخجل لابد أن يكون من الله.

العدد 9

آية (9): -

"9إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ.".

الله يعرف ضعفاتنا لذلك وضع لنا الحل لمغفرة خطايانا وهو التوبة والإعتراف لتطهيرنا من خطايانا. ونلاحظ أن فعل يطهرنا فى آية 7 جاء بصيغة الإستمرار، فالمسيح لم يطهرنا مرة واحدة فقط بل عمله فى التطهير والتقديس مستمر، فهو يغفر لنا ماضينا ويطهر حاضرنا ويقدس مستقبلنا فى المسيح. راجع معنى شريعة البقرة الحمراء (عدد19).

وهناك من يسأل هل هناك داع للإعتراف أمام كاهن؟

  1. هل يمكن أن ينطق الرب بكلام لغو حينما أعطى التلاميذ سلطان الحل (يو20: 22، 23 + مت18: 18).
  2. يخبرنا سفر الأعمال أن الذين آمنوا كانوا يأتون مقرين ومخبرين بأفعالهم (أع19: 18). وهذا ما قاله معلمنا يعقوب (يع5: 16).
  3. الله وهب الحياة للعازر، ولكن طلب من تلاميذه حل الأربطة. أفلم يكن من أقام من الأموات قادراً على حل الأربطة، ولكن كان رب المجد يؤسس نظاماً للكنيسة.
  4. تقابل شاول مع الرب مباشرة، ولكن الرب حوله إلى حنانيا.
  5. عاشت الكنيسة منذ بدايتها تؤمن بالسر وتمارسه.

فلماذا إذن ننكر سر الإعتراف، هل بسبب الكبرياء؟ إذن لنتخل عنه.

أم بسبب الخجل؟ فإذا كنا نخجل من كاهن ضعيف خاطئ مثلنا، فماذا سنفعل أمام الله القدوس الذى بلا خطية. إن الخجل مطلوب حتى نفهم كم سنخجل أمام الله. ولنفهم أن الكاهن هو خادم السر ولكن المسيح هو الغافر، والكاهن يعلن هذا الغفران.

الله أَمِينٌ وَعَادِلٌ = عادل فهو حمل خطايانا على الصليب. وأمين فهو يغفر لمن يعترف بخطاياه فهو يسامح المعترف على أساس الثمن المدفوع أى دمه. الشرط أن يعترف الخاطئ ولا يعمل كآدم وحواء، إذ حاولا تبرير أنفسهما.

العدد 10

آية (10): -

"10إِنْ قُلْنَا: إِنَّنَا لَمْ نُخْطِئْ نَجْعَلْهُ كَاذِبًا، وَكَلِمَتُهُ لَيْسَتْ فِينَا.".

نَجْعَلْهُ كَاذِبًا = فالنبوات كلها تنطق بأن الجميع زاغو وفسدوا (جا7: 20 + مز14: 2، 3) وغيرها كثير. ومن كلمات الرب يسوع "وإغفر لنا ذنوبنا". وقول الرب أن الصديق "يسقط ويقوم 7 مرات فى اليوم" إذاً من المؤكد أنه لنا ذنوب وخطايا ونحتاج لتطهير. وهذا التطهير هو ثمرة لسر التجسد.

كَلِمَتُهُ لَيْسَتْ فِينَا = كلمة الله هى الحق، ولو كان الحق فينا، وكلمة الله ثابته فينا، تكون كلمة الله التى فينا تديننا وتظهر الخطأ الذى فينا. فكلمة الله نور يكشف عيوبنا.

من يقول أنه بلا خطية فهو ينكر أنه بسبب الخطية إنفصل الله عن الإنسان فمات الانسان، وكان الفداء من أجل أن يعيد الله لنا الحياة. هو ينكر إحتياجنا الدائم للمسيح لنتطهر من خطايانا. وكأن مثل هذا الانسان ينكر كل ما ذكره الكتاب المقدس.

ومن هو الانسان الذى يقول هذا إلا من دخله الكبرياء، مثل هذا لايرى أنه خاطئ.... فلماذا؟

الله يسكن عند المنسحق والمتواضع القلب (إش57: 15). وبالتالى فالروح القدس لا يسكن فى المتكبر. والروح القدس هو روح التعليم والنصح والتبكيت (يو14: 26 + 2تى1: 7 + يو16: 8) وهو بالتالى ينير الطريق لمن يسكن عنده. لذلك فالمتكبر المحروم من سكنى الروح القدس فيه يكون محروما من هذه الإستنارة فيقوده روح الضلال.

الأصحاح الثاني - تفسير رسالة يوحنا الرسول الأولى - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير يوحنا الرسول الأولى الأصحاح 1
تفاسير يوحنا الرسول الأولى الأصحاح 1