الأصحاح الثامن والثلاثون – سفر حزقيال – القمص تادرس يعقوب ملطي

هذا الفصل هو جزء من كتاب: 31- تفسير سفر حزقيال – القمص تادرس يعقوب ملطي.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الأصحاح الثامن والثلاثون

الأعداد 1-23

جوج وماجوج

شغلت النبوات ضد "جوج أرض ماجوج رئيس روش ماشك وتوبال" [1]. الواردة في الأصحاحين 38، 39 أذهان رجال العهد الجديد منذ عصر مبكر جدًا، خاصة أن "جوج وماجوج" وردا في سفر الرؤيا (20: 8) بكونهما يمثلان حربًا عنيفة ضد ملكوت الله في آخر الدهور علي مستوي المسكونة كلها، تنتهي بنصرة الحق في النهاية بعد ضيق شديد. لهذا ظهر فريقان من المفسرين أحدهما يرى جوج شخصية حقيقية حملت هذا الاسم كان رئيسًا علي أرض ماجوج قام بحرب ضد إسرائيل الراجعة من السبي، هؤلاء يفسرون ما جاء في هذين الأصحاحين بطريقة حرفية. والفريق الآخر يرى أن ما ورد هنا إنما هو رمز يمثل العداوة لله ومقاومة الملكوت في كل عصر خاصة في أواخر الدهور.

جوج:

أصل الكلمة في اللغة الأكادية gagu يعني زينة ثمينة مصنوعة من الذهب.

كان جوج من أرض ماجوج، رئيس ماشك وتوبال[297]، رمزًا للوثنية بكل طاقاتها المقاومة لملكوت الله. ربما أخذ الاسم عن جيجس Guges رئيس عائلة ملكية ليدية تُدعى ميرمنادي mermnadae دعاه الملك الآشوري أشورينبال "جوجو Gugu". كان جيجس في الحرس الملكي وموضع ثقة الملك، وفي حوالي عام 685 ق. م. قتل سيدة من البيت المنافس للأسرة الهرقلية، وإغتصب عرش مملكة ليدية. كان غنيًا جدًا، قدم هدايا عظيمة لهيكل أبولو في دلفي. لكنه ثار ضد المدن الإغريقية في آسيا الصغرى[298]. وفي سن متأخرة هزمه الغزاة الكامريون (Gimirra, Cimmerians)، غير أنه قام عليهم وهزمهم بمعونة أشور له. لكن إذ عاد جيجس وأعان مصر للثورة علي أشور أثار عمله هذا ملك أشور الذي سلط عليه الكاميريين ليغزوا مملكة ليدية من جديد حوالي عام 645 ق. م، فيها قتل الملك تاركًا ابنه أرديس Ardys خلفًا له.

يرى البعض أن جوج قد ارتبط بـ Gaga الواردة في الألواح الخاصة بالعمارنة Amarna وهي مشوهة عن كلمة Gaga، مقاطعة قفراء بأرمينيا وكبادوكية. عبر شعب هذه المنطقة في بحر النسيان، لهذا ظهر الاسم جوج يحمل معنى بربريًا، أي صارت ذكري لشعب بربري طواه الزمن ونسيه الكل.

آخرون يرون أن جوج جاءت عن إله بابلي يدعي Gaga، أو عن حاكم مدينة Sabi يدعي Gagi وقد أشار أشوربانبال ملك أشور إلي هذه المدينة.

ماجوج:

اسم شعب متسلل من ماجوج ثاني أبناء يافث (تك 10: 12، 1 أي 1: 5) أو اسم البلاد التي سكنوها، يبدو أنها كانت في أقصي الشمال.

إذ ذكر هنا أن جوج رئيس ماشك وتوبال يملك علي ماجوج، وأنه قاد حملة عنيفة ضد إسرائيل بعد عودتها، جاء بها من الشمال متحالفًا مع جومر وبيت توجرمه لهذا يرى أن ماجوج هي شعب (أو بلاد) في شمال فلسطين ليست بعيدة عن ماشك وتوبال وطنهم في شمال شرق سيليسيا أو كيليكيا Cilicia كما جاء في الوثائق الآشورية[299].

لقد سمي السوريون بلاد التتر ماجوج، وأيضًا دعا العرب الأرض الواقعة بين بحر قزوين والبحر الأسود ماجوج، غير أن الأكثرية قبلت ما جاء في يوسيفوس من أن ماجوج هم قبائل السكيثيون[300]. هذه القبائل أشار إليهم هيرودت بأنهم ينتمون إلي شمال كريميا Crimiea[301]، وقد عرفوا بغزواتهم العنيفة الشرسة في آسيا وفي مواضع أخري: زحفوا في القرن السابع ق. م. من جبل قوه قاف وافتتحوا ساردس عاصمة ليدية كما هزموا كياكسرس ملك ميدية ووصلوا إلي مصر فقدم لهم الملك بسماتيك مبلغًا من المال وصرفهم عن بلاده. وصفهم حزقيال النبي كشعب ماهر في الفروسية واستعمال القسيّ ويطابق هذا الوصف ما جاء في تاريخ اليونان، ولكن إذ رأينا أن جوج ملك ماجوج يشير غالبًا إلي جيجس ملك ليدية فلا ينطبق هذا على هذه القبائل اللهم إلا إذا كانت كلمة "ماجوج" هنا تحمل معنى رمزيًا عن عنف جوج وولعه بالهجوم علي الآخرين وشراسته في القتال.

التفسير الرمزي:

إذ ورد اسما "جوج وماجوج" في سفر الرؤيا (20: 8 - 10) بكونهما يمثلان حربًا تضم جيوشًا من أربع زوايا الأرض تحت قيادة شيطانية لتضليل البشرية ولإثارة حرب ضد القديسين في أواخر الدهور لهذا فسر البعض ما ورد في (حز 38، 39) على أن جوج وماجوج لا يفهمان بالمعنى التاريخي الحرفي بل بالمعنى الرمزي.

أ. يرى البعض أن جوج يرمز للبابليين أو السكيثيين أو Cambyses ملك الفرس أو إسكندر الأكبر أو أنطيخوس الكبير أو أنطيخوس أبيفانيوس الخ...

ب. يرى آخرون أن جوج ملك ماجوج يشير إلي تحالف حربي وتكتل ضد شعب الله.

ج. يرى آخرون أن ما ورد عن جوج لا يشير إلي أحداث تاريخية معينة وإنما يرمز إلي الحرب الروحية بين إبليس الذي يسيطر علي كثير من الممالك والله الذي يملك علي القديسين. وأنه بالرغم مما يستخدمه إبليس من قوى وعنف لكن النصرة للحق.

د. يُفسر البعض جوج وماجوج علي أنهما رمز لروسيا معتمدين علي كلمة "روش" بكونها اسمًا قديما لروسيا[302]. هؤلاء يفسرون كلمة ماشك كرمز لموسكو عاصمة روسيا وتوبال رمز لتوبالت أيضًا بروسيا. ويرون أن فارس (إيران) وكوش (أثيوبيا) وفوط (ليبيا) [5]... وكأن النبوة تشير إلي آلام تجتازها الكنيسة في آخر الدهور من تحرك عدة شعوب بقيادة روسيا. أما توجرمة فيفسرونها علي أنها ألمانيا (جيرماني) الشرقية. هذا التحرك الحربي يكون علي مستوي ملوك وشعوب من جميع الاتجاهات، لكن أغلبها يأتي من الشمال، إذ يقول: "وتأتي من موضعك من أقاصي الشمال أنت وشعوب كثيرون معك، كلهم راكبون خيلاً، جماعة عظيمة وجيش كثير وتصعد على شعبي إسرائيل كسحابة تغشي الأرض في الأيام الأخيرة يكون" [15]. لكن هذه الشعوب تضم ممالك مثل أثيوبيا وليبيا وسبا وددان وترشيش!!!

أما بخصوص كلمة "إسرائيل" فقد رأى البعض أنها حرب تتجه نحو أورشليم لكن الغالبية يرون أن كلمة "إسرائيل" هنا تعني شعب الله المؤمن، فالحرب موجهة ضد الكنيسة لا منطقة معينة، إذ جاء سفر الرؤيا: "ثم متى تمت الألف سنة يحل الشيطان من سجنه، ويخرج ليضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض جوج وماجوج ليجمعهم للحرب الذين عددهم مثل رمل البحر، فصعدوا علي عرض الأرض وأحاطوا بمعسكر القديسين وبالمدينة المحبوبة فنزلت نار من عند الله من السماء وأكلتهم" (رؤ 20: 7 - 8).

حال الكنيسة:

أما عن حال الكنيسة في ذلك الحين فقيل عنه: "هكذا قال السيد الرب: ويكون في ذلك اليوم أن أمورًا تخطر ببالك فتفكر فكرًا رديئًا، وتقول إني أصعد علي أرض أعراء. آتي الهادئين الساكنين في أمن كلهم ساكنون بغير سور وليس لهم عارضة ولا مصاريع" [10 - 11]. وكأن الحرب الشاملة في أواخر الدهور ضد الكنيسة لا تقوم علي أساس إثارة الكنيسة للعدو، لكن يراها العدو هادئة آمنة فيظنها ساكنة بلا سور يحميها ولا عارضة تعوق الأعداء عنها ولا مصاريع تغلق أبوابها، مفتوحة وسهلة للنهب والسلب، ولم يعلم أن الرب نفسه هو سور المؤمن وهو الذي يحتضنه ويحميه في داخله، يغلق عليه بأبواب سماوية لا يقدر إبليس وكل جنوده أن يفتحها.

لكنه يخشى أن يكون الأمر هكذا أن المؤمنين في أواخر الأيام يكونون كمن هم في أرض عراء بلا سور ولا عوارض ولا مصاريع حيث يقول الرب: "ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين ولكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين" (مت 24: 11 - 12)، "لأنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضًا. ها أنا قد سبقت وأخبرتكم" (مت 24: 24 - 25).

من وحي حزقيال 38.

عدو خطير!

  • عدو خطير يبذل كل الجهد لتحطيم مملكتك!

لكنك أنت يا الله أعظم من كل عدو!

  • أنا لست طرفًا في المعركة،.

أني أختفي فيك،.

فأغلب بك وأنتصر!

بدأت حرب العدو منذ خلقة الإنسان،.

ويزداد سعيرها حتى يأتي ضد المسيح!

تشتَّد الحرب جدًا،.

حتى إن أمكن أن يضل المختارين!

لكنك قد وعدت:

ثقوا أنا قد غلبت العالم!

فالعدو خطير لكن أنت واهب الغلبة!

  • إنك لم تخدعنا،.

بل أكدت لنا شدة الحرب وتزايدها،.

وقدمت لنا ذاتك سرّ الغلبة والنصرة!


[297] راجع تفسيرهما في حز 27: 13.

[298] Herad. 1: 7 - 15.

[299] J. Hastings, p612.

[300] Josephus: Antiqu. 1: 6.

[301] Herodotus 4: 17 - 20,47 - 58.

[302] ترجم البعض كلمة "روسن" أنها "رأس" أو "رئيس".

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح التاسع والثلاثون - سفر حزقيال - القمص تادرس يعقوب ملطي

الأصحاح السابع والثلاثون - سفر حزقيال - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفاسير سفر حزقيال الأصحاح 38
تفاسير سفر حزقيال الأصحاح 38