أسرار الكنيسة السبعة – الباب السادس – القس أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: أسرار الكنيسة السبعة – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الكأس الرابعة وموت المسيح

كما رأينا سابقا أن اليهود كانوا ينتظرون خروجا جديدا وفصحا جديدا. والمسيح قدم نفسه على أنه خروف الفصح الحقيقى وأن دمه سيسكب كذبيحة (وبهذا كان المسيح يشير لتوقعاتهم فى الفصح الجديد). وهم كانوا ينتظرون بإشتياق أن يعطيهم الله مَنْ إعجازى والمسيح قال أنه سيعطيهم هذا المَنْ ولكن على هيئة جسده. وهم كانوا يوقرون خبز الحضرة (خبز الوجوه) وكيف أن المسيح أتم هذه العلامة السرائرية كعلامة للحب الإلهى من خلال كلامه عن جسده ودمه المبذولين عن شعبه.

خلال الفصح الأول لم ينظر المسيح فقط  للفصح الأول كما كان اليهود يحتفلون به على أنه تذكار لخروجهم من مصر، بل نظر المسيح للأمام .. لموته على الصليب من خلال خروجه المزمع أن يقدمه (لو9 : 31). وهو بهذا ربط عامدا بين الفصح القديم والفداء القديم كتاريخ، وبين فدائه على الصليب الذى هو الفصح الجديد مستبدلا القديم بالجديد.

ولكننا حين نقارن العشاء الأخير مع الفصح اليهودى نرى شيئا عجيبا، أن المسيح لم يكمل العشاء فى العلية. وفَهْمَنا لإجابة هذا السؤال سيجيب على 3 إستفسارات :-

1) عهد المسيح أنه لن يشرب الكأس (الخمر) حتى يأتى الملكوت.

2) إشارة المسيح لموته فى جثسيمانى على أنه كأس يشربه.

3)  شرب المسيح للنبيذ وهو على الصليب كآخر شئ قبل موته (الخل هو نبيذ له طعم حامضى وهكذا كانت راعوث تغمس اللقمة فى هذا النوع من الخل  را2 : 14).

شكل وليمة الفصح اليهودى

فى أيام المسيح كان هناك تقليد متبع فى ترتيب إحتفال الفصح (يسمى SEDER كما يسمونه اليوم) وهذا بالإضافة لما ذكرناه فى باب الفصح الجديد . ونجد تفاصيل هذه الترتيبات فى كتب المشناة والتوشفتا. ومنها نفهم ما حدث ليلة خميس العهد خلال العشاء الأخير.

أربعة كئوس من النبيذ

كانت مأدبة الفصح تدور حول أربعة كئوس من النبيذ. وكان هذا الطقس أساسى وفى منتهى الأهمية عند اليهود، إذ كان كل يهودى مهما كان فقيرا عليه أن يضع على مائدته أربعة كئوس من النبيذ، وإن لم يمكنه فليعطه القادرون (من تقاليد الربيين فى المشناة والتوشفتا) . وكانوا يصومون لعدة ساعات، ينقطعون فيها عن الطعام حتى المساء، إلى أن يحين ميعاد مائدة الفصح. (وهذا مشابه لطقس الكنيسة فهناك صوم قبل التناول) . وكانوا يأكلون وهم متكئون (الإتكاء كان تعبيرا عن الراحة التى حصلوا عليها بعد التحرر من عبودية المصريين. ولاحظ أن طقس الفصح يدور حول هذه الأربعة الكئوس.

الكأس الأولى (كأس التقديس)

طقوس إفتتاحية

بحسب الربيين تبدأ وليمة الفصح عند المساء. ويجتمع رب الأسرة مع أسرته متكئين حول المائدة. ويصب رب الأسرة الكأس الأول ممزوجا بقليل من الماء ويسمون هذا الكأس الأول كأس التقديس (قيدوش بالعبرية) ثم يتلو رب الأسرة صلاة بركة على الكأس “مبارك أنت أيها الرب إلهنا ملك الكون الذى خلق ثمار هذا النبيذ”(المشناة). ثم يأتون بالطعام ويضعونه على المائدة ويتكون من 1) فطائر (بلا خمير) – 2) طبق أعشاب مرة – 3) نوع خاص من الصلصة (هاروشة بالعبرية) – 4) الخروف المشوى. والملفت للنظر أن المشناة تسمى الخروف (الجسد)  ثم يغمس الأب بعض الأعشاب المرة فى الصلصة ويأكلهم ويصنع الكل مثله. ولاحظ هنا أن الأعشاب المرة ترمز للألام التى كانوا يعانون منها فى مصر والتى خلصهم الله منها، وكلمات البركة على الكأس هى شكر الله على عمله معهم وأنه حول لهم المرارة إلى فرح (الخمر رمز الفرح) . وبهذا يصبح معنى إسم الكأس (التقديس) أنهم شعب مقدس أى مكرس لله .

الكأس الثانى (كأس الإعلان أو الإظهار)

ترديد كلمات الكتاب المقدس لإعلان وإظهار وشرح عمل الله مع شعبه وفداءه لهم

هنا يخلط رب الأسرة الكأس الثانى (نبيذ وماء) ولكن لا يشربه. وهنا يبدأ بأن يسأل الإبن الأكبر الأب … لماذا تختلف هذه الليلة عن كل الليالى؟ ويبدأ الأب يعلن ويظهر ويشرح ماذا صنع الله لإسرائيل عند الخروج من مصر… ويشرح كيف كانوا فى خزى ونقلهم الله إلى حالة مجد. ويبدأ من سفر التثنية (26 : 5 – 11) “أراميا تائها كان أبى، فإنحدر إلى مصر…”ثم يقرأ الأب مقاطع من التوراة. ويشرح الأب معنى كل شئ موضوع على المائدة، وبهذا يعلن ويظهر عمل الله مع شعبه، وهذا معنى إسم الكأس. فهو فصح لأن الله عبر فى تلك الليلة على بيوت الأباء فى مصر وفداهم ولم يهلك منهم أحد، والفطير لأنهم خرجوا مسرعين دون أن يختمر العجين، والأعشاب المرة تشير للحياة المرة تحت عبودية المصريين. ومن لا يقرأ هذه المقاطع فهو لم يتمم طقس الفصح الواجب (كما يقول الرابى غمالائيل الذى كان معاصرا للمسيح). وينتهى بقوله “لنسبح الرب على عمله هلليلويا”. وهذا معنى أن هذا اليوم هو تذكار لليلة الفصح، ليصبح كل إنسان واعيا بعمل الله مع شعبه، بل يسبح كل واحد على أن الله فداه وخلصه هو، وليس أباءه فقط. وبهذا يجتمع فى ذهن كل واحد أن الخلاص هو له شخصيا كما أنه كان للأباء. ثم يشكر كل الموجودين الله على عطاياه وأعماله معهم، ويرتلون المزامير 113 ، 114 . وتسمى المزامير 113 – 118 مزامير التهليل (الهلليل الكبير).

الكأس الثالث (كأس البركة)

الأكل من وليمة الفصح

يمزجوا الكأس الثالث وهذا يمثل البدء الحقيقى للعشاء. ويأكلون الخروف والفطير. وهذا يبدأ بأنهم يباركون الله على أنه يعطى الخبز ويخرجه من الأرض ثم يغمسون لقمة صغيرة فى الصلصة (كتاب المشناة) — غالبا هذه هى اللقمة التى أخذها يهوذا قبل أن يخرج ليتمم خيانته فيهوذا لم يتناول من الجسد والدم– (يو13 : 26 ، 27) ثم يأكلون الخروف مع الفطير. وبعد الأكل يتلو الأب كلمات بركة أخرى على الكأس الثالثة ويسمونها كأس البركة (بيراكا بالعبرية) وبهذا تتم المرحلة الثالثة للعشاء.

الكأس الرابعة (كأس التسبيح)

طقس نهاية الفصح

بعد العشاء يتلون المزامير (115 – 118) .لاحظ كيف يحتفل اليهود، وكم التسابيح والصلوات قبل الأكل ووسط الأكل وفى نهاية الأكل ليذكروا عمل الله معه، وقارن مع كيفية إحتفالاتنا.

وتخيل المسيح وهو يرنم “كأس الخلاص أتناول، وبإسم الرب أدعو. أوفى نذورى للرب مقابل كل شعبه. عزيز فى عينى الرب موت أتقيائه. آه يا رب أنا عبدك! أنا عبدك ابن أمتك. حللت قيودى. فلك أذبح ذبيحة حمد وبإسم الرب أدعو”  (مز116 : 13 – 17). وهى كلمات فى مزامير التهليل تتكلم كنبوة عن المسيح الذى سيكون ذبيحة حمد أو شكر (شكر باليونانية هى إفخارستيا) (مز116 : 17) . وكان المسيح وهو يرنمها يتأمل فيما سيحدث له على الصليب بعد ساعات قليلة. وبعد ترنيم المزمور 118 يشربون الكأس الرابعة وتسمى كأس التسبيح (هلليل بالعبرية). ولاحظ ما كان المسيح يقوله فى مزمور (118 : 5 ، 17 – 22)   “من الضيق دعوت الرب فاجابني من الرحب…. لا اموت بل احيا واحدث باعمال الرب. تاديبا ادبني الرب والى الموت لم يسلمني. افتحوا لي ابواب البر. ادخل فيها واحمد الرب. هذا الباب للرب.الصديقون يدخلون فيه. احمدك لانك استجبت لي وصرت لي خلاصا. الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار راس الزاوية” وبهذا ينتهى طقس الفصح. وبحسب المشناة كان يمنع شرب النبيذ بين الكأس الثالثة والرابعة.

هل أنهى المسيح العشاء الأخير(راجع الرسم فى نهاية الباب)

لنقارن الآن بين طقوس الفصح اليهودى كما جاء فى كتابات الربيين اليهود، وما عمله المسيح ليلة خميس العهد فى العلية. وكان القديس لوقا الإنجيلى هو من أورد ما حدث ليلة العشاء السرى الربانى بالتفصيل. وسنجد فى إنجيل لوقا أن المسيح قدم لتلاميذه كأسين. وهذا يتشابه مع الفصح اليهودى الذى يقدم فيه عدة كئوس. وسنجد أن هناك مشابهات أخرى ففى إنجيلى متى ومرقس نجد المسيح يسبح مع تلاميذه، وهذا مشابه لتسبيح اليهود مزامير التهليل بعد الفصح. لكن أيضا هناك إختلافات فالمسيح لم يكمل العشاء.

ولما كانت الساعة اتكا والاثنا عشر رسولا معه. 15 وقال لهم شهوة اشتهيت ان اكل هذا الفصح معكم قبل ان اتالم. 16 لاني اقول لكم اني لا اكل منه بعد حتى يكمل في ملكوت الله. 17 ثم تناول كاسا وشكر وقال خذوا هذه واقتسموها بينكم. 18 لاني اقول لكم اني لا اشرب من نتاج الكرمة حتى ياتي ملكوت الله. 19 واخذ خبزا وشكر وكسر واعطاهم قائلا هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم. اصنعوا هذا لذكري. 20 وكذلك الكاس ايضا بعد العشاء قائلا هذه الكاس هي العهد الجديد بدمي الذي يسفك عنكم. 21 ولكن هوذا يد الذي يسلمني هي معي على المائدة. 22 وابن الانسان ماض كما هو محتوم. ولكن ويل لذلك الانسان الذي يسلمه.

فنرى هنا أن المسيح قدم كأسين، وهذا يتفق مع طقس الفصح اليهودى متعدد الكئوس :-

الأول قدم فيه الشكر (آية 17) .

والثانى عرفه بأنه كأس العهد الجديد بدمه (آية 20) وهذه قدمها المسيح لتلاميذه بعد العشاء. وهذه تناظر الكأس الثالثة (كأس البركة) فى الطقس اليهودى، وهذه يشربونها بعد العشاء. وهكذا قال عنها بولس الرسول “كاس البركة التي نباركها اليست هي شركة دم المسيح. الخبز الذي نكسره اليس هو شركة جسد المسيح”(1كو10 : 16) . إذاً نفهم أن كأس الإفخارستيا هى كأس البركة، الكأس الثالثة بحسب تسميات الربيين.

وبهذا تصبح الكأس الأخرى المذكورة فى (لو22 : 17) هى الكأس الثانية فى طقس الفصح اليهودى وتسمى كأس الإعلان. وفيها يشرح رب الأسرة معنى خروف الفصح ومعنى الفطير. وكان هذا بعد الكأس الثانية. وهكذا عمل المسيح، إذ أنه بعد هذه الكأس وبدلا من أن يذكر معنى خروف الفصح القديم، بدأ يشرح معنى الخبز الذى يقدمه وأنه هو جسده.

إذاً كان طقس العشاء الربانى هو طقس فصح يهودى، ولكنه لم يكن طقس عادى بل هو فصح جديد للمسيا.

عهد المسيح والكأس الرابعة

“واخذ الكاس وشكر واعطاهم قائلا اشربوا منها كلكم. 28 لان هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من اجل كثيرين لمغفرة الخطايا. 29 واقول لكم اني من الان لا اشرب من نتاج الكرمة هذا الى ذلك اليوم حينما اشربه معكم جديدا في ملكوت ابي. 30ثم سبحوا وخرجوا الى جبل الزيتون” (مت26 : 27 – 30)

“وقال لهم هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من اجل كثيرين. 25 الحق اقول لكم اني لا اشرب بعد من نتاج الكرمة الى ذلك اليوم حينما اشربه جديدا في ملكوت الله. 26 ثم سبحوا وخرجوا الى جبل الزيتون” (مر14 : 24 – 26) .

نجد هنا شيئان عجيبان:-

1) فبحسب الطقس اليهودى كانوا هنا يشربون الكأس الرابعة، ولكن المسيح تعهد بألا يشربها إلا فى ملكوت الله.

2) بعد شرب الكأس الثالثة سبحوا (مز115 – 118) مزامير التهليل (الهلليل الكبير) . ولم يشرب المسيح الكأس الرابعة بل خرج مع تلاميذه من العلية، وخرجوا من أورشليم إلى جبل الزيتون.

والمعنى أن المسيح رفض أن يشرب الكأس وأجلها حتى يتمم تأسيس وتثبيت ملكوت الله. فلماذا ترك المسيح العلية بعد الترنيم بدون شرب الكأس؟

صلاة يسوع فى جثسيمانى

ذهب المسيح إلى جثسيمانى وطلب فى صلاته إن أمكن أن تعبر عنه هذه الكأس  “حينئذ جاء معهم يسوع الى ضيعة يقال لها جثسيماني فقال للتلاميذ اجلسوا ههنا حتى امضي واصلي هناك. ثم اخذ معه بطرس وابني زبدي وابتدا يحزن ويكتئب. فقال لهم نفسي حزينة جدا حتى الموت. امكثوا ههنا واسهروا معي. ثم تقدم قليلا وخر على وجهه وكان يصلي قائلا يا ابتاه ان امكن فلتعبر عني هذه الكاس. ولكن ليس كما اريد انا بل كما تريد انت. ثم جاء الى التلاميذ فوجدهم نياما. فقال لبطرس اهكذا ما قدرتم ان تسهروا معي ساعة واحدة. اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة. اما الروح فنشيط واما الجسد فضعيف. فمضى ايضا ثانية وصلى قائلا يا ابتاه ان لم يمكن ان تعبر عني هذه الكاس الا ان اشربها فلتكن مشيئتك. ثم جاء فوجدهم ايضا نياما. اذ كانت اعينهم ثقيلة. فتركهم ومضى ايضا وصلى ثالثة قائلا ذلك الكلام بعينه. ثم جاء الى تلاميذه وقال لهم ناموا الان واستريحوا. هوذا الساعة قد اقتربت وابن الانسان يسلم الى ايدي الخطاة. قوموا ننطلق. هوذا الذي يسلمني قد اقترب”(مت26 : 36 – 46) وصلى المسيح هذه الصلاة 3 مرات، ولكن كان لا بد له أن يشربها فهذه هى إرادة الآب وهى أيضا إرادته، فلهذا تجسد”لان نفسي قد اضطربت. وماذا اقول. ايها الاب نجني من هذه الساعة. ولكن لاجل هذا اتيت الى هذه الساعة” (يو12 : 27).

وواضح أن هذه الكأس هى تعبير عن الصليب.

فلماذا رمز المسيح للصليب بكأس؟ ولأى كأس كان يشير؟

كان المسيح يكلم الآب عن الكأس الرابعة، الكأس الأخيرة للفصح، فنحن ما زلنا فى ليلة الفصح. والمسيح هنا قدم جسده كذبيحة فصح جديد، وهو قدم الكأس الثالثة لتلاميذه وعرفهم أنها دمه. وهو قد إقترب من سكب دمه لغفران الخطايا. فالمسيح هنا يقدم نفسه كخروف فصح جديد. والمعنى أنه مع الوقت ومع نهاية الفصح الجديد يكون المسيح قد مات. وهذا ما كان يحدث مع خراف الفصح فهم لا يتركونها حية بل يذبحونها ويسفكوا دمها ويشوونها ثم يأكلونها. وهنا كان قصد المسيح أنه مع نهاية العشاء الربانى وشرب الكأس الأخيرة يكون المسيح قد مات. ولهذا لم يكمل العشاء الأخير ولم يشرب المسيح الكأس الرابعة.

إذاً متى شرب الرب الكأس الرابعة وأنهى طقس الفصح؟

لم يشرب المسيح كأس الخل فى طريقه للصليب (الخل نبيذ له طعم لاذع حامضى). وإحتمل كل ألام الصلب والجلد، فما قدموه له كان نبيذا ممزوجا بمر وهذا يعمل كمخدر لتسكين الألام “ولما اتوا الى موضع يقال له جلجثة وهو المسمى موضع الجمجمة. اعطوه خلا ممزوجا بمرارة ليشرب. ولما ذاق لم يرد ان يشرب”(مت27 : 33 ، 34) وشرح هذا يأتى من التلمود البابلى. فهم كانوا يعطون المصلوب خلا (نبيذ محمض) مع مر لتسكين الألام تطبيقا لقول الحكيم “إعطوا مسكرا لهالك، وخمرا لمرى النفس” (أم31 : 6). لذلك قدموا للمسيح الخل فى الطريق كعمل رحمة قبل أن يتذوق ألام الصلب الرهيبة. ولكن المسيح لم يرد أن يشرب، لأنه أراد أن يشرب كأس الألام حتى آخرها ويتذوق ألام البشر. ولذلك ترك الفصح قبل نهايته لأنه يعرف أن هناك ألاما تنتظره وبهذا يشرب كل الكأس، كأس الآلام وكأس موت الصليب.

والعجيب أنه شرب أخيرا الخل (نبيذ محمض) “وللوقت ركض واحد منهم واخذ اسفنجة وملاها خلا وجعلها على قصبة وسقاه” (مت27 : 48) . وفى (يو19 : 28 – 30) لم يشرب المسيح فقط بل قال “أناعطشان” فأعطوه خلا على زوفا “بعد هذا راى يسوع ان كل شيء قد كمل فلكي يتم الكتاب قال انا عطشان. وكان اناء موضوعا مملوا خلا. فملاوا اسفنجة من الخل ووضعوها على زوفا وقدموها الى فمه. فلما اخذ يسوع الخل قال قد اكمل. ونكس راسه واسلم الروح”. وبعد أن شرب قال “قد أكمل” وأسلم روحه. فقول الرب قد أكمل لا يعنى فقط موته بالجسد، ولاحظ أنه قالها مباشرة بعد أن قال أنا عطشان وشرب الكأس الأخيرة … فلماذا؟ وماذا يعنى هذا … لنرجع ونذكر عهد المسيح أنه لن يشرب، ونذكر صلاته فى جثسيمانى حول الكأس التى سيشربها. وبهذا شرب المسيح الكأس الرابعة للفصح وأنهى العشاء الفصحى الجديد، ولكن ليس فى العلية، لكنه أنهاه على الصليب فى لحظة موته. وبموت المسيح حدث التصالح بين السماء والأرض وبدأ ملكوت الله.

الذبيحة الجديدة للفصح الجديد

نلاحظ هنا بعد هذا التحليل 3 نقاط خاصة بموت المسيح والفصح الجديد :-

1) وعد المسيح بألا يشرب أطال (مدَّدَ)وليمة الفصح لكى تشمل وتتضمن ألامه وموته. وبهذا لم يكن العشاء الأخير مجرد رمز لطقس يرتبه المسيح لنذكر موته. بل كان وعد المسيح هذا كأنه نبوة أو إشارة لبدء وتحريك وتنفيذ أحداث صلبه وألامه وموته، وإنتهت فعلا بموته.

2) بصلاته 3 مرات لرفع الكأس عنه أعلن يسوع أن موته يعنى أنه يقدم نفسه ذبيحة فصح. فهو بشربه الكأس الرابع ينتهى طقس الفصح وينسكب دمه تماما كسكب دم خروف الفصح. وبهذا عكس المسيح ترتيب طقس الفصح المعتاد، إذ كان خروف الفصح يُذبح ويسفك دمه ثم يأكلونه. أما مع المسيح فتقدم الأكل سكب الدم، لأن المسيح أراد أن يؤسس الفصح الجديد. فكان هو المضيف والذبيحة والكاهن.

3) بتأجيل شرب الكأس حتى لحظة موته وَحَّدَ المسيح بين العشاء الأخير وموته على الصليب (صارا حدثا واحدا). وبرفضه شرب الكأس الرابعة حتى النفس الأخير ربط السيد بين تقديم نفسه على هيئة خبز وخمر وبين تقديم نفسه على الصليب. وبهذا صار العشاء الربانى والصليب يقولان نفس الشئ   جسدى أقدمه لكم “وأخذ خبزا وشكر وكسر وأعطاهم قائلا: هذا هو جسدى الذى يبذل عنكم. إصنعوا هذا لذكرى”  (لو22 : 19) لعطى لغفران الخطايا “هذا هو دمى الذى للعهد الجديد الذى يسفك من أجل كثيرين لمغفرةالخطايا”

(مت26 : 28) فداء عن كثيرين “ليبذل نفسه فداء عن كثيرين” (مر10 : 45). وبالإيجاز حول المسيح الصليب إلى فصح بل كان الصليب نهاية لطقس الفصح. فعلى الصليب شرب الكأس الرابعة، فطقس الفصح بدأ فى العلية وإنتهى بموت المسيح على الصليب. وبالصليب حول العشاء الأخير إلى ذبيحة. بالصليب صار العشاء الأخير ذبيحة

كيف رأى اليهودى العادى حادثة الصليب؟ فهم اليهودى العادى أن صلب المسيح هو مجرد عمل بربرى وحشى قام به الرومان، ولكن لم يفهم اليهودى أن المسيح قدم نفسه ذبيحة على الصليب. فالذبيحة تستلزم وجود كاهن وذبيحة مقدمة وطقوس تؤدى. وهذا لم يروه فى الجلجثة. لكن فى العشاء الأخير كان المسيح هو الكاهن الذى يقدم جسده ودمه ذبيحة وصار لها طقوس وصلوات تؤدى لإتمام هذه الذبيحة (القداس). وجعل المسيح هذه الذبيحة تمارس للنهاية طول زمان الكنيسة على الأرض غفرانا للخطايا. فالعشاء الأخير هو الذى جعل الصليب ذبيحة وإلا كان سيظل فى أذهان الكثيرين أنه مجرد عقوبة. وهذه الذبيحة كملت على الصليب. فالمسيح كان يرى العشاء الأخير و ألامه حتى موته على الصليب … أنهما ذبيحة واحدة. لذلك ربط المسيح ذبيحة العلية بجسده ودمه على الصليب. ولذلك نقول إن الإفخارستيا هى نفسها ذبيحة الصليب. والقداس هو تنفيذ أمر المسيح “إصنعوا هذا لذكرى”

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found