الأصحاح الثاني – سفر أيوب – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر أيوب – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح الثاني

الأعداد 1-6

الأيات (1 - 6): -

"1 وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُو اللهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ، وَجَاءَ الشَّيْطَانُ أَيْضًا فِي وَسْطِهِمْ لِيَمْثُلَ أَمَامَ الرَّبِّ. 2فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ » فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: «مِنَ الْجَوَلاَنِ فِي الأَرْضِ، وَمِنَ التَّمَشِّي فِيهَا». 3فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ. وَإِلَى الآنَ هُوَ مُتَمَسِّكٌ بِكَمَالِهِ، وَقَدْ هَيَّجْتَنِي عَلَيْهِ لأَبْتَلِعَهُ بِلاَ سَبَبٍ». 4فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: «جِلْدٌ بِجِلْدٍ، وَكُلُّ مَا لِلإِنْسَانِ يُعْطِيهِ لأَجْلِ نَفْسِهِ. 5 وَلكِنْ ابْسِطِ الآنَ يَدَكَ وَمَسَّ عَظْمَهُ وَلَحْمَهُ، فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ». 6فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَا هُوَ فِي يَدِكَ، وَلكِنِ احْفَظْ نَفْسَهُ».".

لقد كان الشيطان واثقاً في نفسه أن أيوب سيجدف في المرة الأولي بعد كل الضربات التي أصابه بها، لكنه علي العكس بارك الله وكان هذا برهاناً علي أمانة أيوب وعلي كذب الشيطان وإفترائه، لذلك نجده هنا يجرب مرة أخري. فهو المشتكي علي البشر أمام الله نهاراً وليلاً رؤ 10: 12. كان يجب أن يخجل من المرة الأولي ولكن لنعلم أنه لن يكف عن ذلك حتي يطرح في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت. وحتي هذا اليوم فخبثه لن يهدأ، لذلك نجده هنا يوعز لله بأن يسكب غضبه علي أيوب نفسه.

ونري هنا التصوير لمحكمة سمائية الله هو القاضي والشيطان هو المدعي الذي يوجه الإتهام لأيوب. ونجد الشيطان في كذب يقول أتيت من الجولان في الأرض كأنه لم يدبر كل هذه المؤامرات ضد عبد الله البار أيوب. ومن هنا نفهم القول بأن إبليس يجول يصنع شراً.... أما الله، فلقد قيل عن المسيح "يجول يصنع خيراً".

ونجد هنا القاضي يدافع عن المتهم "لأنه ليس مثله في الأرض رجل كامل. ويدين الشيطان قائلاً هيجتني عليه لأبتلعه بلا سبب. ولم يعترف الشيطان بأنه أخطأ بل قال جلد بجلد = كان هذا مثل شائع، فقد كانت الجلود عادة شائعة الإستعمال في المعاملات التجارية. وكل ما للإنسان يعطيه لأجل نفسه = أي لأجل حياته، والمعني أن أيوب مستعد أن يفرط في جلد غيره حتي أبنائه طالما جلده هو سليم.

وهذا القول صحيح إلي حد بعيد فكثير من الناس إن لم يكن معظمهم يفضلون حياتهم وسلامتهم أكثر من أقرب الناس إليهم حتي أبنائهم. والشيطان هو صاحب هذا المبدأ الأنانى الذى لا يدرك أى معنى للمحبة الباذلة. ولذلك فالشيطان هو من أوحى بالمثل الشعبى السئ "إن جالك الطوفان حط ولادك تحت رجليك".

ونلاحظ أن الشيطان قد حول صبر أيوب وإحتماله لكل الخسارة التي وقعت عليه إلي تهمة جديدة، وهي أنه غير مهتم بكل الخسائر التي لحقت به طالما أن الضربات لم تمس جلده هو شخصياً. وبهذا يتهمه بالأنانية ويتضح في هذا كذبه لكنه هو كذاب وأبو الكذاب (مصدر كل كذب) وإستغل هذا ليطلب أن يجربه في عظمه ولحمه أي الأجزاء الحساسة والتي في ألامها تكون مؤلمة جداً. والله سمح للشيطان بهذا = ها هو في يدك فلا سلطان له علي البشر إلا بسماح من الله، ونلاحظ أن التصريح محدود بأن يحفظ نفسه أن يوجه له النكبات لكن ليس إلي الموت فكان الشيطان يطمع في أخذ نفسه أي يدفعه لألام الإحتضار متصوراً أن هذه الألام يمكنها أن تدفعه لأن يجدف وهو يموت، فيفقد آخر فرصة للتوبة ويموت في حالة تجديف ويهلك. ولكن الله لم يسمح بأن تصل الألام لدرجة الموت ولنلاحظ أن الحياة هي في يد الله وليست في يد إنسان أو شيطان. ومعني السماح الذي أعطاه الله للشيطان أن يصيب أيوب بمرض غير مميت. ولنلاحظ أن الله سمح للشيطان أن يجرب أيوب ثانية لأن مرض أيوب الدفين كان لم يظهر بعد.

الأعداد 7-10

الأيات (7 - 10): -

"7فَخَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ حَضْرَةِ الرَّبِّ، وَضَرَبَ أَيُّوبَ بِقُرْحٍ رَدِيءٍ مِنْ بَاطِنِ قَدَمِهِ إِلَى هَامَتِهِ. 8فَأَخَذَ لِنَفْسِهِ شَقْفَةً لِيَحْتَكَّ بِهَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي وَسَطِ الرَّمَادِ. 9فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: «أَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بَعْدُ بِكَمَالِكَ؟ بَارِكِ اللهِ وَمُتْ! ». 10فَقَالَ لَهَا: «تَتَكَلَّمِينَ كَلاَمًا كَإِحْدَى الْجَاهِلاَتِ! أَالْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَالشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ؟ ». فِي كُلِّ هذَا لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ بِشَفَتَيْهِ.".

ضربه بقرح ردئ = قيل أن مرضه هو الجذام وقيل أنه الحمرة في أعنف درجاتها وهي مؤلمة جداً، وتقض مضجع المصاب بها فكم وكم لو أصابت الجسم كله ويقال أنها دمامل عنقودية في كل الجسم مع قروح وإلتهابات في كل الجسم. ومن أعراض مرضه 1) الحكة (8: 2) هيئة وجهه تغيرت (12: 2) ولحمه دوَّد وكانت القروح يلتصق بها التراب وتتشقق ويخرج منها القيح (5: 7) ومن ألامه لا ينام وإن نام تكون أحلامه مريعة (14: 7) ولا يستطيع أن يتنفس (15: 7) ولا يقدر أن يمشي (27: 13) ورائحته كريهة (17: 19) مع حرارة في عظامه (30: 30) مما غير شكل وجهه (12: 2) وجعل الأولاد يضحكون عليه (18: 19).

أخذ لنفسه شقفة = أي يحك جسده بقطعة من أناء فخاري مكسور. ولنلاحظ.

أن لعازر وجد راحته في ألسنة الكلاب التي جاءت لتلحس قروحه، أما أيوب فلم يجد. ونضيف علي ألام أيوب أن أولاده وخدمه هلكوا جميعاً وزوجته تخلت عنه.

جالس وسط الرماد = تقول الترجمة السبعينية أنه جلس علي مزبلة خارج المدينة وعموماً فالرماد علامة حزن كأن من يجلس علي الرماد يفعل ذلك لأنه يتصور أنه لا يزيد عن هذا الرماد. والرماد علامة حزن وأيضاً علامة توبة يونان 6: 3 + أي 6: 42 + إش 5: 58.

أية (9): -

"9فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: «أَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بَعْدُ بِكَمَالِكَ؟ بَارِكِ اللهِ وَمُتْ! ».".

للشيطان أدواته التي يستعملها ليحارب الأبرار فيسقطون في التجديف ومنها: -.

أ - الناس الأشرار مثل السبئيين والكلدانيين.

ب - الطبيعة (النار والريح). بل هو وضع في فم الذي أنبأ أيوب بخبر الصدمة أن النار هي نار الله. فى العبرية حينما يقال الله بعد شئ يكون أن المعنى أن هذا الشئ هائل جدا، فقولنا جبل الله يعنى جبل ضخم جداً وهكذا.

حـ - حرب الشيطان الفكرية وتشكيكه لأيوب أن الله لا يحبه أو أن الله يضطهده.

د - ولقد إستخدم الشيطان أصدقاء أيوب ليزيدوا من ألمه. وأصدقاء أيوب يحبون الله ولكنهم يجهلون طرقه فكانوا سبب ألام لأيوب حين إتهموه أنه خاطئ ويستحق ما جرى له. كان أصدقاء أيوب أتقياء وكلامهم فيه كثير من الصحه ولكن تطبيقه على أيوب كان خطأ فهم حكموا عليه ظلماً وكانت أحكامهم خاطئة لأنهم تصوروا أن معرفتهم كاملة "هلك شعبى من عدم المعرفة" فعجزوا عن تعزية أيوب بل هم أثاروه فأخطأ. ولنتعلم أن لا نوبخ خاطئ بينما هو يتألم من نتائج خطيته فالمسيح ما وبخ خاطئاً واحداً بل أعلن محبته للجميع. خصوصاً أننا قد ندين من هم أبرياء.

هـ - آخر من إستخدمهم الشيطان ليدفع أيوب للتجديف كانت زوجته (موضوع هذه الآية). وربما تركها الشيطان دون أن يتسبب في موتها كما حدث لأبنائهما حتي تتعب أيوب وتنغص عليه عيشته، بل لتجربه هي الأخري وتحرضه علي التجديف. ولنفهم أن الشيطان قد يستخدم أقرب الناس لنا، وكما جرب آدم عن طريق حواء وكما جرب المسيح عن طريق بطرس مت 22: 16، 23.

بارك الله ومت = كلمة بارك تحمل معنيين 1) الدعاء بالخير للآخرين 2) الدعاء بالشر ضد الأعداء. وبهذا نفهم أن كلمة بارك الله ومت تحمل المعني الثاني أي جدف علي الله ومت (وهكذا ترجمتها الترجمة الإنجليزية واليسوعية) ويكون المعني أن الله لن ينفعك بشئ إن طلبته، وأنت مائت لا محالة بسبب أمراضك فماذا يجديك أن تصرخ قائلاً يارب. كف عن أن تبارك الرب وجدف عليه فهو سبب ألامك المميتة.

وهناك تفسير آخر فالكلمة "بارك" قد تحمل معني السخرية والنفور كما يصرخ إنسان في إنسان آخر قائلاً "مع السلامة" وذلك ليطرده. ويكون المعني المقصود إنكر الله وأتركه حتي لو أدي تجديفك عليه أن تموت فموتك خير من حياتك وأنت تتألم هكذا. وهكذا إبليس دائماً يحاول أن يوحي بأفكار قاسية عن الله فيوحي للإنسان بأن الله يسر بشقائه وتعاسته وهذه أفكار خاطئة لكن هدفها أن يجدف الإنسان علي الله وهذا هو هدف إبليس. وقد يستخدم إبليس طريقاً آخر ليصل لنفس الهدف نلمسه من قول زوجة أيوب وهو الهزء بمن يتمسك بكماله. والأرجح أن زوجة أيوب كانت تقية لكنها لم تحتمل التجربة (الفقر وخسارة أولادها).

تتكلمين كإحدي الجاهلات = لاحظ أنه لم يقل لها أنك جاهلة بل هو حتي في ألمه الشديد كان لسانه عفاً. وإكتفي بأن يؤنبها علي فكرها.

أألخير نقبل من عند الله والشر لا نقبل = أيوب إعتبر أن الله ضابط الكل هو المسئول عن حياته وهكذا علينا أن نشكر الله علي الخير الذي يأتينا ولا ننزعج من الشر الذي يأتي علينا فنحن في يده ولا يأتي علينا شر إلاّ بسماح منه يو 11: 19. ولنلاحظ أن إحتمال أيوب الألام بصبر هو إنتصار علي إبليس، لأن صوت إبليس الدائم فى أذن المتألم هو التشكيك فى محبة الله للمتألم وهو رفض الألم الذى سمح به الله، كما قال بطرس للمسيح حين أخبرهم المسيح بألامه وموته "حاشاك يا رب لايكون لك هذا" (مت16: 21 – 23). ولذا تعتبر ألام الإستشهاد التي تمثل الإماتة التامة للجسد هي نصرة نهائية علي إبليس. ولذلك يعتبر الإستشهاد حرب ضد إبليس فالإستشهاد هو قمة الحب والإيمان والثقة فى الله وهذا عكس ما يوحى به إبليس.

الأعداد 11-13

الأيات (11 - 13): -

"11فَلَمَّا سَمِعَ أَصْحَابُ أَيُّوبَ الثَّلاَثَةُ بِكُلِّ الشَّرِّ الَّذِي أَتَى عَلَيْهِ، جَاءُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَكَانِهِ: أَلِيفَازُ التَّيْمَانِيُّ وَبِلْدَدُ الشُّوحِيُّ وَصُوفَرُ النَّعْمَاتِيُّ، وَتَوَاعَدُوا أَنْ يَأْتُوا لِيَرْثُوا لَهُ وَيُعَزُّوهُ. 12 وَرَفَعُوا أَعْيُنَهُمْ مِنْ بَعِيدٍ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَبَكَوْا، وَمَزَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ جُبَّتَهُ، وَذَرَّوْا تُرَابًا فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ نَحْوَ السَّمَاءِ، 13 وَقَعَدُوا مَعَهُ عَلَى الأَرْضِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَسَبْعَ لَيَال، وَلَمْ يُكَلِّمْهُ أَحَدٌ بِكَلِمَةٍ، لأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ كَآبَتَهُ كَانَتْ عَظِيمَةً جِدًّا.".

مضي وقت بين الأحداث الأليمة السابقة التي حدثت لأيوب، وخلال هذا الوقت وصلت الأنباء لأصدقاء أيوب فسافروا إليه، وهم بحق أصدقاء أوفياء لم يعرفوه فقط في غناه بل تركوا بيوتهم ليعزوا صديقهم المتألم ويبدو أنهم في طريقهم إلي أيوب توصلوا لفكر مشترك أن الله لم يكن ليجازي أيوب بكل هذا الشر إن لم يكن أيوب شريراً جداً. وإتضح من كلام الأصدقاء الثلاثة أنهم كانوا علي درجة عالية من الحكمة والصلاح. وربما كانوا من نسل إبراهيم وإحتفظوا بشئ من ثمار إبراهيم الصالحة. وعموماً إمتازت بلادهم بالحكمة.

أليفاز التيماني = كان من نسل تيمان حفيد عيسو (تك 11: 36).

بلدد الشوحي = كان ينتسب لشوح الذي ولدته قطورة لإبراهيم (تك 2: 25).

صوفر النعماتي = يقال أنه صفواً حفيد عيسو (تك 11: 36).

والصديق الحقيقي يعرف وقت الشدة. وهكذا المسيح صديق البشرية أتاها في شدتها وهو أتي ليعزينا فكان خير معزي. ولكن مشكلة أصحاب أيوب أنهم كانوا معزون متعبون ولنثق أن المعزي الحقيقي هو الروح القدس.

ولم يعرفوه = فالقروح شوهت شكله. وبكوا = بكاءً مع الباكين فأن يذهب أحد ليعزي آخر، لا يكون المطلوب كلمات فقط بل مشاعر صادقة "وهكذا المسيح الذي في كل ضيقتنا تضايق. ذروا تراباً = أرادوا أن يتذللوا مع صديقهم. لم يكلمه أحد بكلمة = من ذهولهم وحزنهم لم يجدوا ما يقولونه، أوهم إختنقوا من شدة إنفعالهم، عموماً في بعض الأحيان يكون السكوت خير من الكلام بل أبلغ، وهم إكتفوا أولاً بأن يسمعوا منه عن متاعبه.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الثالث - سفر أيوب - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح الأول - سفر أيوب - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير سفر أيوب الأصحاح 2
تفاسير سفر أيوب الأصحاح 2