الأصحاح الثاني – تفسير الرسالة إلى أفسس – القمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الثاني

المسيح رأس الكنيسة

شرقاً وغرباً

العذراء -

الملائكة -

الرسل -

الكنيسة تمتد

وفي كل مكان

في العالم الآن

الشهداء -

المعترفين -

نرى فى هذا الإصحاح.

كيف أن المسيح.

بصليبه وَحَّدَ السمائيين.

والأرضيين وصار.

رأساً لكليهما.

(أف10: 1) نرى الصلح.

الذى تم بين السماء.

والأرض بالصليب،.

ونرى الصلح الذى.

تم بين اليهود.

والأمم، وكيف جعلهما.

المسيح واحداً.

راجع آيات 16، 14. إذاً تم الصلح بين الله والناس وبين الناس والناس. نرى فى هذا الإصحاح الصليب بخشبتيه الرأسية والأفقية:

الرأسية تشير لوحدتنا مع المسيح، نقوم معه ونجلس معه فى السماويات آية 6.

والأفقية تشير لوحدتنا مع إخوتنا وكيف يصير الإثنين واحداً آية 14.

الرأسية نرى فيها مصالحتنا مع الله آية 16.

والأفقية نرى فيها مصالحتنا مع إخوتنا (اليهود والأمم كمثال) فى المسيح أيات 16، 15 هذه الوحدة مع المسيح وهذا التصالح الذى تم بالصليب، أدى لأن يملأ المسيح الكل فى الكل (23: 1).

العدد 1

آية (1): -

"1 وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا.".

هنا يصور الأمم فى خطاياهم، أنهم فى حالة موت، موت روحى بسبب الخطية أى منفصل عن حياة الله (كالإبن الضال كان ميتاً وهو منفصل عن أبيه) (لو32: 15). وفى آيات 5، 3 يضع اليهود ونفسه أيضاً تحت الحكم، فالكل أغلق عليه في الموت فى إنتظار المسيح الذى سيحيى الجميع. وهذه الآية نجد الرد عليها فى آية 5 "أحيانا مع المسيح" وكانت حالة الموت هذه حالة عبودية كاملة للشيطان وفساد كامل لجسدنا، إذ كنا نتمم شهواتنا. وقبل المسيح كان الكل فى حالة موت، بل لا يعرفون معنى الحياة فى الله وعلامتها الأعمال الحية (فالأعمال الحية الصالحة علامة الحياة مع الله). وبعد المسيح، حقاً نحن نموت ولكن ليس بمعنى الإنفصال عن الله، ولكن كنوم أو رقاد، وهذا ما قاله السيد المسيح "لعازر.. نام"، "الفتاة نائمة" (يو11: 11) + (مت24: 9). والنوم يعقبه إستيقاظ، لذلك نسمى الموت حالياً رقاد فهناك قيامة.

الْخَطَايَا: هى حالة الطبيعة البشرية الساقطة للكل، يهوداً وأمماً، هى حالة عداوة مع الله، هذه الطبيعة الخاطئة ورثناها من آدم. الذُّنُوبِ = هى حالة التعدى والسقوط بالإرادة نتيجة الطبيعة الساقطة. والمسيح مات ليشفينى من كليهما:

  1. طبيعتى الفاسدة الساقطة.
  2. لغفران خطاياى التى أسقط فيها الآن.

العدد 2

آية (2): -

"2الَّتِي سَلَكْتُمْ فِيهَا قَبْلاً حَسَبَ دَهْرِ هذَا الْعَالَمِ، حَسَبَ رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ، الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ.".

من لا يسلك بحسب الله منقاداً لنعمته فهو حتماً سالك تحت تسلط القوى الشريرة المضادة لله ويقسمها بولس هنا إلى:

  1. العالم.
  2. رئيس سلطان الهواء.
  3. روح العصيان الذى فى الناس.

سَلَكْتُمْ فِيهَا قَبْلاً: شعب أفسس تسلطت عليه هذه القوى الشريرة فسلك فى الخطايا والذنوب قبل أن يؤمنوا بالمسيح. ولكن بعد إيمانهم بالمسيح تغيرت أحوالهم، فالنعمة تعطى سلطاناً على الخطية، فلا تعود تستعبد المؤمن (رو14: 6) وللأسف فمازال بعض المؤمنين مستعبدين للخطية وفى حالة فساد وموت.

حَسَبَ دَهْرِ هذَا الْعَالَمِ: الأصل يعنى سلسلة من أجيال الزمن، فيها كل جيل يتلو جيل آخر، أى هذه القصة تتكرر من أيام آدم للآن، اى على مر الدهور، إن الفساد الذى فى العالم كان يفرض سلطته على البشر. وما الذى فى العالم؟ قوانين العالم قد ترغم الناس على إنكار المسيح كما حدث أيام إضطهاد الدولة الرومانية للمسيحيين. والضغوط الإقتصادية قد تدفع الإنسان للسرقة، والإباحية التى فى العالم قد تدعو الإنسان للخطية، والمبادىء الفلسفية الإلحادية قد تدعو لإنكار الله.. إلخ. لكن من هو ثابت فى المسيح لا يمكن أن تسود عليه هذه الضغوط، ولن يسقط ولن يفسد. أمَّا من إنفصل عن المسيح بإرادته وصار ليس ثابتاً فى المسيح فسيسقط ويفسد، كعضو من جسد الإنسان تم قطعه (إصبع مثلاً) فهو لابد وسيفسد خلال ساعات فالدم لا يسرى فيه.

رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ: تعبير عن الشيطان وجنوده الذى بعد أن كان فى السماء كالملائكة هبط إلى الأرض. وقوله إنه رئيس سلطان الهواء قد يعنى أن الشيطان تأثيره كالهواء، يلمس كل إنسان تأثيره ولكن لا يراه أحد، ولا يدرى مصدره أحد. هو قوة تتخلل الوجود وتنتشر فيه وتؤثر فيه وهى غير مرئية، ولكن يعمل ويؤثر فى أبناء المعصية. وقد تعنى كما كان اليهود يتصورون أن الهواء هو مسكن للشياطين. وإبليس وجنوده فى الهواء المحيط بنا يحاولون منعنا من الوصول لله (ولكن نحن بالصلاة باسم يسوع المسيح وبالإيمان نغلب قوات الشر فلا تستطيع أن تعوقنا عن الوصول لله). واليهود فهموا هذا من (تك6: 1 - 8). إذ حين تَكَوَّنَ الهواء فى اليوم الثانى للخليقة، كان هذا اليوم هو اليوم الوحيد الذى لم يُذكر فيه هذه العبارة المتكررة "ورأى الله.. أنه حسن" كما تكررت فى بقية الأيام، فقالوا إن الشيطان إتخذ الهواء مسكناً له، بعد أن سقط من السماء. وبقول بولس هذا إعتمد فكرة اليهود. وكان اليهود يقولون إن الشيطان يوجد فى 3 أماكن:

  1. الهواء حيث تنطلق نفس الإنسان بعد موته.
  2. المياه حيث يخاف الإنسان الغرق.
  3. البرية القاحلة حيث يهلك الإنسان لعدم وجود ماء.

ولكى يؤكد الله كمال نصرة المسيح على الشيطان فلقد:

  1. صُلِبَ فى الهواء معلقاً على الصليب ليهزمه فى عرينه، وقيل إننا سنخطف جميعاً فى السحب لملاقاة الرب فى الهواء (1تس17: 4). وبهذا ما عاد للشيطان سلطان على النفس المنتقلة، فالمسيح بصليبه طَهَّرَ الهواء كما يقول القديس أثناسيوس.
  2. لم يَعُدْ الماء الآن مخيفاً بل نحن نولد من الماء والروح فى المعمودية.
  3. أمّا بالنسبة للبرية فقد هزم المسيح إبليس فى البرية، وأصبحت البرية أماكن الرهبان القديسين كبرية شيهيت.

الْمَعْصِيَةِ: المعصية هى خطية الشيطان نفسه ومازال يعمل فيمن يتبعه بأن يجعله عاصياً مثله. روح إبليس المتمردة مازالت تعمل فى بعض الناس. وكل من لا يؤمن بالمسيح حتى الآن فهو خاضع لسلطان الشر وإبناً للمعصية وميت روحياً. وإبليس يجد مكاناً فى أبناء المعصية أمَّا أبناء الطاعة فلا يقدر عليهم. وطبيعة المعصية هذه نرثها من آدم "بالخطية ولدتنى أمى". والمعصية هى أن أعمل ما أريده أنا وليس ما يريده الله. ولكن فى المعمودية تموت الطبيعة القديمة ويولد إنساناً جديداً.

العدد 3

آية (3): -

"3الَّذِينَ نَحْنُ أَيْضًا جَمِيعًا تَصَرَّفْنَا قَبْلاً بَيْنَهُمْ فِي شَهَوَاتِ جَسَدِنَا، عَامِلِينَ مَشِيئَاتِ الْجَسَدِ وَالأَفْكَارِ، وَكُنَّا بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ الْغَضَبِ كَالْبَاقِينَ أَيْضًا.".

هنا يضع الرسول اليهود ومنهم هو نفسه مع الأمم تحت قائمة الخطاة المحتاجين لعمل المسيح. أَبْنَاءَ ْغَضَبِ: حركنا غضب الله بتصرفاتنا. فى شهوات جسدنا الذى كان بالطبيعة ساقط وعاصى وشهوانى ولم يستطع حتى الناموس أن يسيطر على هذه الشهوات.

نَحْنُ.. كُنَّا: يقصد نفسه ومعه اليهود. وإبليس يذكّرنا فقط بلذة الخطية ولا يذكّرنا بتبعاتها من حزن وكآبة وألم وفقدان البركة نتيجة غضب الله.

عَامِلِينَ مَشِيئَاتِ الْجَسَدِ وَالأَفْكَارِ: نرى هنا بولس الرسول يشرح أن الإنسان كان فى منتهى التسيب، فكل ما يطرأ على فكره يتحرك له جسده خاضعاً. وهنا نرى أن الفكر أصلاً هو سبب الخطية، لأن الشيطان قوة عقلية شديدة التزييف "كذاب وأبو الكذاب" (يو44: 8). وهو يزين للإنسان الخطية التى تتفق مع رغبات ومشيئات الجسد الضعيف. والإنسان إمّا ينفذ = عَامِلِينَ. أو يرفض. ولذلك أعطى الله الروح القدس للإنسان وهو روح الحكمة والفهم والمشورة والحق، لا كناصح فقط بل شريك حياة له القدرة، وهو يعطى قوة تعين على تطهير الحياة (النعمة) فلا يعود للشيطان مدخل فى الإنسان، وإن دخل خلسة لا يجد استجابة ولا راحة فيهرب مهزوماً. ولكن من يظل يستجيب لصوت الشيطان رافضاً صوت الروح القدس يحزن الروح القدس ويطفئه.

بِالطَّبِيعَةِ: أى الحال الذى وُجدنا فيه "بالخطية ولدتنى أمى"، خاضعين لشهواتنا. لذلك كنا أبناء غضب. كان هذا حال الإنسان بدون نعمة المسيح. فبخطية آدم ضعفت كل قوى الإنسان، إرادته وعقله وقوة إدراكه، ولكن ظلت الطبيعة البشرية محتفظة ببعض النور الإلهى الذى يدفعها للإيمان، ومن يؤمن ويعتمد يخرج من طبيعته ويلبس الإنسان الجديد. ونلاحظ أن الجسد ليس شراً ولكن الشر أن يخضع الجسد للشهوات والأفكار المقاومة، ومن يخضع لشهوات طبيعته يصبح إبنها (يو44: 8) + (1يو10، 8: 3). أمَا من يقاوم من أولاد الله ويحسب نفسه ميتاً عن الشهوة يجد قوة النعمة تعين بل يصبح خليقة جديدة.

الأعداد 4-5

الآيات (4 - 5): -

"4اَللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، 5 وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ ­ بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ.".

الله المملوء رحمة ينقذ الإنسان الغارق فى شقاوته وفى الموت يعيش. ومن محبته يقول "أحيانا / أقامنا / أجلسنا معه فى السماويات".

بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ: النعمة هى عطية مجانية، فالله من محبته أعطانا الخلاص والحياة مجاناً، فالمسيح مات عنا ونحن بعد خطاة أى دون أى إستحقاق منَّا أى مجاناً. وهكذا حل الروح القدس علينا مجاناً، فمن كان يستحق هذا، وأى عمل عملناه به نستحق أن يحل علينا الروح القدس. كان كل ما أخذناه ليس فى مقابل أعمال صالحة عملناها، ولكن أعطى الله ما أعطاه لنا من محبته. ولو كان الله قد أعطى ما أعطاه فى مقابل أعمال صالحة فما هى الأعمال الصالحة التى عملها الأمم حتى يعطيهم الله الخلاص. ولكن: بعد أن ندخل الإيمان يجب أن نعمل أعمالاً صالحة حتى تستمر النعمة منسكبة علينا، أمَا من يحيا فى استهتار فهو غير مستحق للنعمة.

هنا يجب أن نفرق بين إستعمالين لكلمة النعمة:

1) فداء المسيح وإرساله للروح القدس كان نعمة مجانية ليس فى مقابل أعمال.

2) تغيير طبيعتى من طبيعة الإنسان العتيق الفاسد إلى الإنسان الجديد هذا يكون بعمل النعمة، وهذه النعمة تستوجب أن نجاهد لأجلها.

بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ:

  1. كيف نخلص؟ نحن لنا خلقتين: الأولى كأولاد لآدم، والثانية هى الخليقة الجديدة فى المسيح. بالأولى نموت، وبالثانية نخلص كقول الرسول "لأنه فى المسيح يسوع ليس الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة بل الخليقة الجديدة" (غل15: 6). إذاً الخلاص هو بالخليقة الجديدة.
  2. كيف نحصل على الخليقة الجديدة؟ فى المسيح يسوع كقول الرسول: "إن كان أحد فى المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو17: 5).
  3. كيف نصير فى المسيح يسوع؟ ذلك بأن نتحد بالمسيح وذلك كقول الرسول "كل من إعتمد ليسوع المسيح إعتمدنا لموته. فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً فى جدة الحياة. لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته" (رو3: 6 - 5) إذاً بالمعمودية نتحد بالمسيح.
  4. هل يظل المُعمَّد متحداً بالمسيح مهما فعل؟ قطعاً لا.. وإلاّ ما كان السيد المسيح يوصينا "إثبتوا فىَّ وأنا فيكم". فما يفصلنا عن المسيح هو الخطية كقول الرسول "أية خلطة للبر والإثم، وأية شركة للنور مع الظلمة، وأى اتفاق للمسيح مع بليعال" (2كو15، 14: 6).
  5. وهل لو أخطأ المؤمن تنتهى علاقته مع المسيح؟ قطعاً لا، فكما يقول الرسول: "دم يسوع المسيح إبنه يطهرنا من كل خطية.. إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم" (1يو7: 1 - 9). فالمقصود أن يحيا المؤمن بسلوك جديد يتناسب مع الحياة الجديدة التى نالها فى المسيح يسوع (رو4: 6). "وإن أخطأ فالتوبة والاعتراف يمحوان خطيته"، أى على المؤمن أن يحيا حياة التوبة وأن يجاهد عمره كله.
  6. ما معنى الجهاد؟ هناك نوعان:
  7. جهاد سلبى: يقول عنه الرسول "إحسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية" (رو11: 6) + "أميتوا أعضاءكم التى على الأرض الزنا …" (كو5: 3).
  8. جهاد إيجابى: كالصوم والصلاة التى قال عنها الرسول "صلوا بلا انقطاع" (1تس17: 5). والسيد يوصى "إلى الآن لم تطلبوا شيئاً بإسمى. أطلبوا تأخذوا" (يو24: 16). ويقول السيد "بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً" (يو5: 15). إذاً فالسيد يعلمنا أن نصلى وأن نطلب.
  9. ماذا نطلب فى الصلاة؟ أهم ما نطلبه هو الروح القدس (لو13: 11).

وما أهمية أن نطلب الروح القدس؟ هو الذى يعيننا (رو26: 8) + "إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون" (رو13: 8). الله مصدر لا نهائى للنعمة والبركة وبالصلاة أستمد المعونة من هذا المصدر اللانهائى.

  1. وما هو نصيب المؤمن الذى لا يجاهد ويرتد؟ فلنسمع قول بولس الرسول عن مثل هذا المرتد "ديماس قد تركنى إذ أحب العالم الحاضر" (2تى10: 4) ومصير المرتدين هو الهلاك كما يقول الرسول "لأن كثيرون يسيرون ممن كنت أذكرهم لكم مراراً والآن أذكرهم أيضاً باكياً وهم أعداء صليب المسيح الذين نهايتهم الهلاك الذين إلههم بطنهم.. الذين يفتكرون فى الأرضيات" (فى19، 18: 3).
  2. أما المؤمن فجهاده أن تكون سيرته فى السموات أى حياته سماوية (فى20: 3).
  3. وهذا معنى قول السيد المسيح "من وجد حياته يضيعها ومن أضاع حياته من أجلى يجدها" (مت39: 10).

العدد 6

آية (6): -

"6 وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.".

قارن هذه الآية بما قاله فى 20: 1 فنرى أن ما حدث للمسيح هو ما سوف يحدث لنا، فهو قام وجلس عن يمين الآب لحساب البشر.

أَقَامَنَا مَعَهُ: لقد متنا مع المسيح وقمنا معهُ (كو12: 2 + 1: 3) + (رو3: 6 - 5) بعد أن أكمل العقوبة عنا. والمسيح هو الذى قام بالجسد وجلس فى السماء. وكعربون لهذا القيام والجلوس نقوم نحن الآن من موت الخطية ونتذوق عربون الحياة السماوية، هذه هى قيامة النفس، وتتم بالإيمان بالسيد المسيح وخضوع إرادتنا لإرادة الله. ونلاحظ أن هناك قيامتان. الأولى: قيامة من موت الخطية (يو25: 5). والقيامة الثانية: هى القيامة من الأموات (يو29، 28: 5). ومن يقوم القيامة الأولى يكون له نصيب فى القيامة الثانية، لأن من يقوم من موت الخطية هو فى نظر الله حى، صار يحيا بحياة المسيح الذى إتحد به فى المعمودية "المسيح يحيا فىَّ" (غل20: 2). وهذا سر الخلاص، "أننا نخلص بحياته" (رو10: 5). فبالمعمودية نحصل على حياة المسيح لكنها تظل مستترة فينا (كو3: 3). تظهر حين نموت وندفن ثم نقوم بجسد ممجد، مثل بذرة حية حين تدفن فى التراب تُخرج شجرة حية، أمَا من يرتد فيكون بذرة أكلها السوس إذا دفنت لا تُخرج شجرة. والخاطىء يكون ميتاً، أما لو قدم توبة يعود للحياة (الابن الضال لو32: 15).

أَجْلَسَنَا مَعَهُ: نحن لم نجلس فى السماويات حتى الآن، بل المسيح وحده الذى جلس فى السماويات عن يمين الآب، فى مجد لا يوصف. ولكن حين نقول إنه أجلسنا، فالجلوس معناه الراحة مؤقتاً في التعزيات التي يسكبها علينا، فما نحصل عليه الآن هو عربون ما سنحصل عليه فى السماء من فرح، فهناك الفرح والمجد الكاملين والمسيح كان باكورة وكان سابق، ونحن سنلحقه بعد القيامة. هو دخل السماء وجلس عن يمين الآب بجسدنا، وهذا معنى أنه ذهب ليعد لنا مكاناً (يو3، 2: 14). لقد صار لنا ممثل بالجسد فى السماء، ولكن هذه الآية لا تعنى أننا فى السماء الآن أى فى عرش المسيح، بل نحن يمكننا أن نحيا فى السماويات، فالمسيح أتى لنا بالسماء على الأرض "إذ طأطأ السموات ونزل" (مز18: 9).

ولكن حتى نقوم مع المسيح بالقيامة الأولى من موت الخطية، ونجلس فى السماويات ونتذوق أفراحها يلزمنا أن نموت معهُ، أى نحسب أنفسنا أمواتاً، ونقدم أنفسنا ذبائح حية "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىَّ" (غل20: 2)، وبهذا نحيا حياة سماوية فى تعفف عن الأرضيات نتذوق فيها عربون الحياة فى الدهر الآتى. أما جلوسنا فى السماويات فى الدهر الآتى فتم التعبير عنه بجلوسنا فى عرشه (رؤ21: 3). وأجلسنا بمعنى الدهر الآتى جاءت بصورة الفعل الماضى، كما كان يفعل الأنبياء حين يتكلمون بصيغة الماضى عن أشياء ستحدث فى المستقبل، وذلك كتأكيد، أى أن ما يقولونه محقق كأنه حدث. فكلام الله لا يسقط أبداً، والمسيح أتم كل العمل.

ولكن بالنسبة لحياتنا فى السماويات ونحن على الأرض فهى بحسب جهادنا. وفيها نرتقى يوما بعد يوم بحسب جهادنا وطلبنا للسماويات وبعدنا وزهدنا فى الأرضيات.

العدد 7

آية (7): -

"7لِيُظْهِرَ فِي الدُّهُورِ الآتِيَةِ غِنَى نِعْمَتِهِ الْفَائِقَ، بِاللُّطْفِ عَلَيْنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.

حين نحصل على الجسد المُمجد، على صورة جسد مجد المسيح (فى21: 3 + 1يو2: 3).

لِيُظْهِرَ: حين نحصل على الجسد المُمجد فى السماء سيظهر لنا مدى رحمة الله ومحبته ونعمته تجاه الكنيسة، حين يشركنا معه فى مجده الإلهى الفائق. ولكن كل هذا المجد لن يحصل عليه إلاّ من كان ثابتاً فى المسيح الآن = فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. فلا قيامة ولا صعود للسماء ولا مجد إن لم نكن فى المسيح يسوع وقد تذوقنا عربون السماء الآن ونحن على الأرض. فمن هو ثابت فى المسيح فهو يحيا السماويات فالمسيح سماوى.

غِنَى نِعْمَتِهِ الْفَائِقَ: الفائق أى يفوق كل فكر وكل تصور.

بِاللُّطْفِ: إشارة لمنتهى رقة الله وعذوبته فى عطاياه، فلنسبحه ونمجده.

قصة طريفة: دَخَلَت إلى أحد الأماكن التى كان يوجد بها أحد المؤمنين المسيحيين، إمرأة تقول أنها تعرف المستقبل، وأصرت على أن تكشف المستقبل بطريقتها لهذا المسيحى فرفض وأشار لها على هذه الأيات السابقة:

(أف 3: 2) وقال لها هذا هو الماضى بالنسبة لى.

(أف 4: 2 - 6) وقال لها هذا هو الحاضر الذى أحياه.

(أف 7: 2) وقال لها وهذا هو المستقبل الذى أرجوه.

ففزعت المرأة حين سمعت ورأت كلام الكتاب المقدس.

الأعداد 8-9

الآيات (8 - 9): -

"8لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. 9لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ.".

لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ: راجع تفسير (أف2: 5). وراجع مقدمة رسالة رومية عن هذه الآية.

وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. 9لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ: كل من يفتخر بأعماله أو بحياته الجديدة ينسى أن الله هو الذى قدم كل شىء هو الذى صنع الفداء دون أن نستحق، وهو الذى أرسل لنا الروح القدس المعين. وهو الذى يعطينا الإرادة الصالحة. اذاً الفداء وإرسال الروح القدس، هذا ما يسمي النعمة التي نلناها دون جهاد أو أعمال. أخذناها مجاناً ودون استحقاق. لكن نحن يجب أن نجاهد اي نغصب انفسنا علي عمل البر، كما قال السيد المسيح إن ملكوت السموات يغصب (مت 11: 12) ولكننا لانتغير إلي الخليقة الجديدة بأعمالنا فقط بل النعمة تساندنا، وهى التى تغيرنا لنصير طبيعة جديدة. فالأعمال ليست هى التى تخلصنا بل النعمة التى تغير طبيعتنا فنصير خليقة جديدة. اذاً هناك نعمة حصلنا عليها دون استحقاق، لكن حتي يبدأ عمل النعمة في تغيير طبيعتنا علينا أن نجاهد. وهذا ما قاله الأباء إن النعمة هي عطية مجانية ولكنها لا تعطي إلا لمن يستحقها. والرسول هنا لم يقل "بالنعمة أنتم مخلصون... ليس من أعمال" وسكت. لكنه ينبه أن لا نفتخر إن عملنا فنسقط في الكبرياء ونهلك، وهذا ما سقط فيه اليهود. قول الرسول هنا يشبه قول السيد "فمتى صنعت صدقة فلا تعرف شمالك (الإفتخار بالعمل والبر الذى صنعت) ما تفعل يمينك (البر الذى صنعته)" (مت3: 6). بِالإِيمَانِ: حتى الإيمان هو هبة من الله، وكل دورنا أننا إمَا نقبله أو نرفضه. والإيمان هو المدخل، فكل ما نحصل عليه من نعمة، الوسيلة الوحيدة لحصولنا عليه هو الإيمان، والإيمان هو الثقة فى شخص المسيح والثبات فيه. وهناك ايمان ميت (يع 2) هو ان أقول أنا أؤمن بالمسيح ولا أعمل أى أرفض تنفيذ الوصية، وبهذا لن أكتشف مفاعيل النعمة. وهناك إيمان حي أن أغصب نفسي علي العمل الصالح فأجد النعمة تساندني، والتغصب هو تعليم المسيح (مت 11: 12). وهذا التغصب هو ما نسميه جهاد. ومن يغصب نفسه سيكتشف أن الوصية ليست صعبة. فالمسيح يحمل معي وهذا ما نسميه عمل النعمة، وهذا معني قول المسيح "إحملوا نيري فهو هين وحملي خفيف".

ليْسَ مِنْ أَعْمَال: ولاحظ أنه يقول "كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ" ولم يقل كيلا يعمل أحد. فلابد أن نعمل ونجاهد، ولكن دون ان نفتخر وإلاّ سقطنا فى الكبرياء. علينا أن ننسب كل عمل صالح لله فهو مصدر كل عمل صالح (يع17: 1). ولكن لابد أن نعمل فالنعمة لا تنسكب على إنسان متكاسل لا يريد أن يعمل. ولاحظ الرسول بولس نفسه حين يقول "لا أنا بل نعمة الله التى معى"، فهذا لأنه قال قبلها "أنا تعبت أكثر منهم جميعهم" (1كو 10: 15). فالنعمة تطلب ما هو من جانبنا، فالمسيح لم يحوِّل الماء إلى خمر إلاّ بعد أن جاهد الناس فى ملء الأجران. وأطعم الجموع ليس من فراغ بل من خمس خبزات وسمكتين كانت هى كل ما هو مع الشعب. وفى مثال الوزنات عاقب السيد صاحب الوزنة الواحدة لأنه لم يعمل ولم يتاجر ويربح.

بل إنه فى آية 10 يقول إن الله خلقنا لأجل أعمال صالحة. إذن علينا أن نعمل أعمالاً صالحة ولا نكون كسالى. ولكن مع ما قلناه من أهمية الأعمال، فعلى من يعمل ألا يظن أنه مستحق بهذا للخلاص: ذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ: أى الخلاص ليس منا بل هو عطية ونعمة من الله. أَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ: مخلصون وردت فى صيغة الماضى الذى مازال مستمراً، فالمسيح بدأ خلاصنا فى الماضى، كما أنه مازال يخلصنا فى الحاضر. هو يخلصنا يوماً فيوماً وسيتمم خلاصنا فى المستقبل.

قصة لشرح معنى الآية.

رجلين واقفين بجانب شاطئ بحر (رجل أ) و (رجل ب) وهو رجل ضعيف الجسم. وفى البحر رجل ثقيل الوزن جدا. و(رجل أ) يطلب من (رجل ب) أن ينزل ليحمل الرجل الثقيل الوزن الذى فى الماء. وكان (رجل ب) يجهل قانون دفع الماء. و(رجل أ) يقول له ثق أنك ستقدر أن تحمله فهناك قوة ستساعدك. هنا نحن أمام موقفين لــ (الرجل ب): -.

  1. يقول (الرجل ب) أنا أثق فيك يا (رجل أ) لكن الرجل الذى فى الماء ثقيل جدا فلن أقدر على حمله ورفض النزول.
  2. ينزل الـ (رجل ب) إلى الماء لأنه يثق فى الـ (رجل ب) فيحمل الرجل ثقيل الوزن بسهولة فقوة دفع الماء تساعده.

فماذا لو خرج الـ (رجل ب) الذى حمل الرجل ثقيل الوزن وتفاخر بقوته، هنا يسخر منه كل من يفهم قواعد قانون قوة دفع الماء.

رجل أ = الله. رجل ب = الإنسان الضعيف. الرجل ثقيل الوزن = الوصية (أع15: 10). قوة دفع الماء = النعمة. الثقة فى رجل أ = الإيمان. من رفض النزول مع أنه يثق فى (رجل ا) = الإيمان الميت. من قبل ونزل وحمل الرجل الثقيل الوزن = الإيمان الحى. من إفتخر = الكبرياء التى هى بداية السقوط، هذا نسب عمل الله لنفسه. والأعمال المطلوبة منى هى أن أغصب نفسى على تنفيذ الوصية فسأجد أنها سهلة فالمسيح يحملها عنى فالنعمة هى قوة خفية تساندنى كما أن قوة دفع الماء قوة خفية ساعدت فى حمل الرجل الثقيل الوزن. وهذا معنى قول الرب "إحملوا نيرى فهو هين" وقوله أيضا "بدونى لا تقدرون أن تعملوا شيئا". وبنفس المعنى يقول بولس الرسول "لنطرح كل ثقل، والخطية المحيطة بنا بسهولة" (عب12: 1).

الخلاصة: الخلاص هو عطية من الله مجانية، والأعمال التى يتكلم عنها هى أعمال ما قبل الإيمان، سواء كانت أعمال ناموسية أو أعمال بر ذاتى. أما بعد الإيمان فيجب أن نعمل أعمال صالحة لنستحق انسكاب النعمة علينا. ولاحظ قول الرسول بولس "نحن عاملان مع الله" (1كو 9: 3).

العدد 10

آية (10): -

"10لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا.".

لأننا نحن عمله = هذه عن الخلقة الأولى. الله خلقنا فى البدء حين وُلِدنا من أبوينا.

مخلوقين فى المسيح يسوع = هذه عن الخلقة الثانية. حين وُلِدنا من الماء والروح فى المعمودية (2كو18، 17: 5). وخلقتنا الثانية أعظم، فالأولى كان الله يقول كُنْ فيكون، أمَا الثانية فاستلزمت الصليب. وهنا فالرسول يؤكد أهمية الأعمال الصالحة. فالتعليم بأن الإيمان فقط يخلص، قد يدفع للكسل ثم الفساد الخلقى ثم الإباحية، حقاً فى المسيح يسوع أى من هو فى المسيح يسوع، تكون طبيعته الجديدة قادرة أن تعمل أعمالاً صالحة. ولكن كيف نكون فى المسيح يسوع، ذلك بأن نغصب أنفسنا على فعل الخير (مت12: 11). فملكوت السموات يغصب، لذلك علينا أن نجاهد. بل أن الله قبل أن يخلقنا أعدَّ لنا الأعمال الصالحة التى يريد منّا أن نعملها والتى خلقنا حتى نتممها. فلنصلى دائماً "ما العمل الذى تريدنى أن أخدمك به يارب" ولأحرص على أن أقدم خدمات دائماً، وأن تكون أعمالى لمجد اسم الله، ولأغصب نفسى على فعل الخير دائماً. وطالما نحن فى المسيح فنحن نعمل الأعمال به (فى13: 2) + (يو5: 15). والأعمال الصالحة هى مثل خدمة الإنجيل وخدمة المحتاجين والشهادة للمسيح وهى المحبة الباذلة وترك محبة العالم بل أن نُصْلَبْ للعالم. ومن يغصب نفسه ويجاهد يعطيه الله طبيعة جديدة يستطيع بها أن يتمم هذه الأعمال بالمسيح الذى فيه، وبدون تغصب، بل سيجد فرحاً فى عمله هذا [فما يبدأ بالتغصب (جهاد) ينتهى بالفرح (نعمة)]. وفى النهاية نجلس فى السماويات معه.

العدد 11

آية (11): -

"11لِذلِكَ اذْكُرُوا أَنَّكُمْ أَنْتُمُ الأُمَمُ قَبْلاً فِي الْجَسَدِ، الْمَدْعُوِّينَ غُرْلَةً مِنَ الْمَدْعُوِّ خِتَانًا مَصْنُوعًا بِالْيَدِ فِي الْجَسَدِ.".

كان اليهود يحتقرون الأمم ويسمونهم كلاباً، ويعتبرون أنهم وحدهم هم شعب الله، ولهم موسى العظيم صانع العجائب، ولهم الناموس وعهد الختان وهم أولاد إبراهيم وحدهم. وكان اليهود يفتخرون بالختان مع أنه مصنوع باليد وكان الرجل يفتخر على المرأة لأنه مختون ويصلى شاكراً الله أنه لم يخلقه أممى أو عبد أو إمرأة. وبولس المسيحى يرى الآن أنها مجرد علامة جسدية تصنع باليد فى مقابل الختان بالروح وهو المعمودية وحلول الروح القدس وهذه تأثيرها فى القلب. وشتان بين ما يصنعه الله وبين ما يصنع باليد. وكان اليونانيون أيضاً يعتزون بجنسيتهم ويعتبرون أنفسهم أبناء الآلهة ويسمون غيرهم برابرة (وهكذا كان الرومان أيضاً). وقال شعراء اليونان أنهم ذرية الله (أع28: 17). والعجيب أن يجمع الله المتنافرون أى الأمم واليهود فى كنيسة واحدة. الْمَدْعُوِّينَ غُرْلَةً: هكذا كان اليهود يطلقون إسم غرلة على الأمم إحتقاراً لهم. مِنَ الْمَدْعُوِّ خِتَانًا: يقصد اليهود فهم الذين أطلقوا اسم غرلة على الأمم.

العدد 12

آية (12): -

"12أَنَّكُمْ كُنْتُمْ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ بِدُونِ مَسِيحٍ، أَجْنَبِيِّينَ عَنْ رَعَوِيَّةِ إِسْرَائِيلَ، وَغُرَبَاءَ عَنْ عُهُودِ الْمَوْعِدِ، لاَ رَجَاءَ لَكُمْ، وَبِلاَ إِلهٍ فِي الْعَالَمِ.".

الآية السابقة تشرح وجه نظر اليهود فى الأمم. وهنا نرى وجهة نظر بولس المسيحى فى الأمم. فِي ذلِكَ الْوَقْتِ: قبل إيمانكم. بِلاَ إِلهٍ فِي الْعَالَمِ: أى بلا معرفة عنه. فلم يكن لهم إيمان اليهود الذين كانوا على رجاء، ولهم النبوات التي تعطيهم هذا الرجاء في مجيء المسيح المخلص. وكان لهم رجاء فى حياة بعد الموت. أما الأمم فماذا كان رجاؤهم بعد الموت إلا العدم مثل الحيوانات. أَجْنَبِيِّينَ عَنْ رَعَوِيَّةِ إِسْرَائِيلَ: ليس لهم حقوق شعب إسرائيل الذى كان الله يقيم وسطهم ومجده حالٌ فى هيكلهم. وَغُرَبَاءَ عَنْ عُهُودِ الْمَوْعِدِ: هذه التى أعطاها الله لأبائهم إبراهيم وإسحق ويعقوب وداود. ونلاحظ أن اليهود فهموا رعوية إسرائيل بطريقة خطأ، فهم فهموها بمفهوم جسدى سياسى ولم يفهموا مغزاها الروحى وأنها على أساس الإيمان بالله الحى كإيمان إبراهيم.

العدد 13

آية (13): -

"13 وَلكِنِ الآنَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، أَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً بَعِيدِينَ، صِرْتُمْ قَرِيبِينَ بِدَمِ الْمَسِيحِ.".

البعيد هو الأممى (إش19: 57) + (أع39: 2). والقريب هو اليهودى. ولكن بالمسيح صار الأمم واليهود كلاهما قَرِيبِينَ، على الصليب تقابل اليهود مع الأمم، ليفدى المسيح الجميع. والدم الواحد غسل الاثنين.

الأعداد 14-15

الآيات (14 - 15): -

"14لأَنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا، الَّذِي جَعَلَ الاثْنَيْنِ وَاحِدًا، وَنَقَضَ حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ 15أَيِ الْعَدَاوَةَ. مُبْطِلاً بِجَسَدِهِ نَامُوسَ الْوَصَايَا فِي فَرَائِضَ، لِكَيْ يَخْلُقَ الاثْنَيْنِ فِي نَفْسِهِ إِنْسَانًا وَاحِدًا جَدِيدًا، صَانِعًا سَلاَمًا.".

هُوَ سَلاَمُنَا: لم يقل يعطينا السلام وإلاّ كان المسيح خارجاً عنا، بل صار المسيح فينا، يحيا فينا (غل20: 2). وصارت حياته فينا مصدر سلامنا وخلاصنا، بل صار كل شىء لنا. السلام صار نابعاً من وجود المسيح فينا، صار حياتنا وسلامنا وهذا السلام يملأ القلب "ويفوق كل عقل" (فى7: 4). سلاماً جمع اليهود والأمم داخل الكنيسة، سلاماً وَحَّدَ الكل فى المسيح، فلقد سقط سور العداوة التى دخلت لحياة البشر بسبب الخطية، وهذه العداوة ناتجة عن العداوة التى حدثت بين الله والإنسان بسبب الخطية، ومثال لهذه العداوة، العداوة التى كانت بين اليهود والأمم، لذلك أقام اليهود داخل الهيكل حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ: ليفصل بين اليهود والأمم. وكان هذا الحائط بين الدار الخارجية والدار الداخلية. فكان بعض الأمم يحضرون الصلوات داخل الهيكل لكى يتعرفوا على يهوه الإله العظيم، ولكن عليهم ألاّ يعبروا الحائط المتوسط وإلاّ يقتلوا. وكان هناك لافتة كبيرة على هذا الحائط منقوشة على حجر مكتوب عليه:

الذى يعبر هذا السور يقتل.

وقد إكتشف عالم أثار فرنسى هذا الحجر سنة 1871م. فكان الحائط شاهداً على العداوة بين اليهود والأمم والتى أزالها المسيح.

واُبْطِل نَامُوسَ الْوَصَايَا فِي فَرَائِضَ بِجَسَدِهِ: فالمسيح أبطل فرائض الناموس التى كانت سبباً فى العداوة بين الأمم واليهود، مثل عدم الأكل مع الأمم، فكان اليهودى يمتنع عن أن يأكل مع أممى، وكان اليهود مهتمين جداً بالغسلات والتطهيرات، فهم إذا تلامسوا مع أممى لابد ان يغتسلوا. وكانت الحيوانات النجسة التى يأكلها الأمم لا يأكلها اليهود. والختان علامة اليهود كان الأمم لا يمارسونه. والمسيح أبطل كل هذا بأن تممه بجسده ثم مات على الصليب حاملاً جميع خطايانا، وبموته أبطل فرائض الناموس على الإنسان. ولكنه قطعاً لم يبطل الوصايا العشر ولا كل الوصايا الأخلاقية. ولاحظ دقة قول الرسول أبطل ناموس الوصايا فى فرائض فهو أبطل ناموس الفرائض فقط وليس ناموس الوصايا الأخلاقية.

جَعَلَ الاثْنَيْنِ وَاحِدًا … يَخْلُقَ الاثْنَيْنِ فِي نَفْسِهِ إِنْسَانًا وَاحِدًا جَدِيدًا: كان اليهودى مثلاً تمثالاً من فضة، وكان الأممى تمثالاً من رصاص، وأعاد الله سبكهما ليخرج تمثال من ذهب من كل منهما. فاليهودى لم يصر أممى، والأممى لم يصر يهودى، بل وُهِبَ الإثنان طبيعة جديدة، فالمسيح وحد البشرية فى إنسان جديد له طبيعة جديدة بخلقة جديدة = يَخْلُقَ الاثْنَيْنِ فِي نَفْسِهِ: أى صاروا فى المسيح يسوع. لقد وحَّد المسيح الجميع فيه بلا سور متوسط.

جَعَلَ الاثْنَيْنِ وَاحِدًا: وصلت العداوة بين اليهود والأمم لدرجة أن أطلق اليهود على الأمم لفظ الكلاب، وقال اليونانيين عن الآخرين ومنهم اليهود برابرة. ولقد صالح المسيح كليهما وجعل منهما واحداً. فصار أهل فيلبى وأهل كورنثوس يجمعون أموالاً لفقراء أورشليم، علامة على الوحدة والصلح بين الإثنين. ولكن كان هذا الصلح رمزاً للصلح بين أى إثنين كانوا فى حالة عداء وخصام. فالمسيح وَحَّدَ بين الجميع إذ غير الطبيعة القديمة، طبيعة الكراهية والعداء إلى طبيعة جديدة هى طبيعة المحبة. وصارت المحبة تملأ قلوب أبناء الله لأن الروح القدس يسكبها فى قلوبهم (غل22: 5) + (رو5: 5). وما كان ذلك ممكناً قبل الفداء وإرسال الروح القدس. فالمحبة التى ملأت قلوب أبناء الله راجعة للصلح الذى تم بين الله والإنسان بفداء المسيح، ثم إرسال الروح القدس.

جَعَلَ الاثْنَيْنِ وَاحِدًا: رقم 1 يدل على الوحدة وعدم الإنقسام، لذلك فهو يشير لله الواحد. ورقم 2 صار يدل على الإنقسام الذى صار بالخطية ولكنه أيضاً صار يدل على التجسد، فالمسيح جعل الإثنين واحداً. هو جاء لأجل أن يعيد الوحدة المفقودة بسبب الخطية (يو20: 17 - 23). وهذا حدث رمزياً فى أن أول لقاء بين المسيح وتلاميذه كان فى سفينتين لو 2: 5. وآخر لقاء معهم كان فى سفينة واحدة (يو1: 21 - 12).

جَعَلَ الاثْنَيْنِ وَاحِدًا: واضح أن الرسول يقصد الصلح بين اليهود والأمم، وما تم من وحدة بينهما. ولكن كنيستنا الأرثوذكسية رأت أن الصلح والوحدة اللذان تما ليسا فقط بين أرضيين وأرضيين، بل بين السمائيين والأرضيين، فسبحت التسبحة الشهيرة.

فلنسبح اسم الرب … لأنه بالمجد قد تمجد.

جعل الاثنين واحداً.. أى السماء والأرض.

فالكنيسة رأت أن الصلح بين السماء والأرض أهم من الصلح بين الأرضيين والأرضيين. والمسيح صار رأساً للسمائيين والأرضيين (أف10: 1) بعد أن وحدهما فى جسده الواحد الذى صار هو رأساً لهُ. فالسماء كانت فى حالة خصام مع الأرض بسبب خطايا البشر وتعدياتهم ضد الله. ولكن بعد أن صار البشر فى حالة توبة ورجوع إلى الله فرح السمائيين بالبشر وبتوبتهم (لو7: 15). وصاروا يسبحون بالنيابة عن البشر على الخلاص الذى تم (رؤ9: 5 - 14).

العدد 16

آية (16): -

"16 وَيُصَالِحَ الاثْنَيْنِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ مَعَ اللهِ بِالصَّلِيبِ، قَاتِلاً الْعَدَاوَةَ بِهِ.".

تكملة الآية السابقة، فكلا اليهودى والأممى قد خلقا من جديد. المسيح بموته صالح الشعبين معاً، وصالح بينهما وبين الله، ووحدهما فى جسده الواحد، فهو بهذا الجسد أزال العداوة بينهما. ونلاحظ أن المسيح قتل العداوة ولكنها تستيقظ ثانية مع فسادنا وإنحرافنا. ونلاحظ أن هدف المسيح هو مصالحة الجميع وتوحيدهم به ليصالح العالم كله بالله.

العدد 17

آية (17): -

"17فَجَاءَ وَبَشَّرَكُمْ بِسَلاَمٍ، أَنْتُمُ الْبَعِيدِينَ وَالْقَرِيبِينَ.".

الْبَعِيدِينَ: الأمم الذين لا يعرفون الله. وَالْقَرِيبِينَ: هم اليهود لأنهم كانوا يعرفون الله ويتوقعون مجىء المسيا. والتسمية بعيدين وقريبين من (إش21: 57). والمسيح وحد البعيدين والقريبين كنموذج لسر الوحدة التى بدأت تسرى فى جسم البشرية. والسلام الذى بشرنا به المسيح هو الروح القدس الذى سيرسله، والروح يملأ القلب سلاماً. على أن السلام يعنى أيضاً السلام بين كل الناس. أما الأشرار فلا يوجد لهم سلاماً (إش21: 57).

العدد 18

آية (18): -

"18لأَنَّ بِهِ لَنَا كِلَيْنَا قُدُومًا فِي رُوحٍ وَاحِدٍ إِلَى الآبِ.".

كِلَيْنَا: أى إثنين فى خصام (اليهود والأمم كمثال). بالمسيح صار سلام واحد للإثنين، ولهم إنجيل واحد، وروح واحد به يعتمدون. وبذلك صار لهما كليهما دخول أو قدوم واحد بالروح الواحد إلى الآب. قُدُومً: وهو تعبير رسمى يستخدم للدخول إلى القصور الملكية أو إلى محاكم القضاء، إذ ينادى على الإسم فيذهب المقَدَّم ويمسك بيد المنادَى عليه، ويدخل إلى الملك أو إلى القاضى ويقدمه إليه. والمسيح صار هو الباب والطريق. بل هو يُعِدَّنا لنكون لائقين أن نقابل الآب، وذلك بأن نكون فى المسيح، لابسين المسيح (رو14: 13) ويعطينا أن نكون فى فكر واحد ورأى واحد، هو يكملنا، وبهذا يمكن أن نكون فيه بلا لوم ولا شكوى (أف4: 1). وبهذا يمكننا أن نتقدم للآب. فليس أحد يأتى إلى الآب إلا به (يو6: 14). والمسيح حين يقف أمام الآب نقف نحن فيه، فهو فينا ونحن فيه. ولكن السؤال هل نحن فيه فعلاً، هل متنا عن شهواتنا، هل لنا الإيمان القوى به. هل نحن مملوئين من الروح لنكون روح واحد وجسد واحد وفكر واحد ومحبة واحدة تربطنا جميعاً.

فى هذه الآية نرى الثالوث لأَنَّ بِهِ (بالمسيح)،... فِي رُوحٍ وَاحِدٍ... إِلَى الآبِ. فبدون الثالوث لا يوجد لنا كيان روحى، فالمصالحة هى إقتراب للآب خلال الابن المتجسد وذلك فى الروح. والمسيح هو الذى يسكب الروح من الآب.

فِي رُوحٍ وَاحِدٍ: الروح القدس هو الذى يثبتنا فى المسيح الإبن (2كو21: 1). وبهذا نصير أبناء. والمسيح يأخذنى فيه للآب. والروح الواحد هو فى كلينا (أمم ويهود) والروح الذى فى الأمم هو الذى فى اليهود. لقد.

صار فينا كلنا روح واحد، يثبتنا.

كلنا فى المسيح.

(يثبت كلينا فى المسيح) هذه.

العبارة تشير للوحدة التى صارت.

بين أعضاء الكنيسة. وهذا هو.

منظر مزمور 133 الذى يصور.

شعب الكنيسة فى حب ووحدة.

والروح ينسكب من الرأس (المسيح).

على الشعب أى الكنيسة.

(هنا هى اللحية لأنها شعر كثير.

ملتصق بالرأس).

هذا المنظر تصوره الكنيسة.

فالشعب مجتمع ليصلى فى روح واحد، فينسكب عليهم الروح القدس، والروح يعمل فى الأسرار ليحولها إلى جسد المسيح ودمه فيثبتنا فى المسيح الذى يحملنا إلى حضن الآب.

العدد 19

آية (19): -

"19فَلَسْتُمْ إِذًا بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ الله.".

فَلَسْتُمْ: يقولها الرسول للأمم لقد صار الأمم كما اليهود أعضاء رسميين فى بيت الله بعد أن كانوا غُرَبَاءَ: هذه عكس عضو مواطن فى الدولة. نُزُلا: أى ضيف على صاحب البيت وهى عكس ابن البيت. رَعِيَّةٌ: معناها مواطنون. بَيْتِ اللهِ: الكنيسة التى تضم قديسى العهد القديم وقديسى العهد الجديد. وبيت الله هو هيكل الله. حقاً لقد صرنا أقرباء الله بالجسد إذ تجسد المسيح.

العدد 20

آية (20): -

"20مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ.

حجر الزاوية.

حَجَرُ الزَّاوِيَةِ: هو الحجر الذى يربط حائطين معاً، والمسيح هو الذى ربط العهد القديم بمؤمنيه والعهد الجديد بمؤمنيه. وصار رأساً للكنيسة الواحدة.

وفى الرسم العلوى تجد رسماً لما يقال له: حَجَرُ الزَّاوِيَةِ. ففى كل بناء مقبى أى على شكل قبو يتحتم أن يكون فيه بالنهاية حجر واحد ذات شكل واحد أساسى.

ويعتبر حجر الزاوية أهم حَجَرَةْ فى المبنى كله. توضع فى مكان واحد دائماً، لتحكم ربط البناء كله وإلا يسقط، ويسمون هذا الحجر بالإنجليزية key stone ولو رفع هذا الحجر يسقط المبنى فى الحال.

عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ: أى عَلَى أَسَاسِ التعاليم التى وضعها الرسل والأنبياء أى الكرازة بالمسيح، والإيمان السليم بالمسيح (غل7: 1 - 9). فلا يوجد أساس سوى المسيح (1كو11: 3). والرُّسُلِ: هم أول من آمنوا وأول من تدعم الإيمان بواسطتهم. والكنيسة تسمى رسولية لأنها متمسكة بتعليم الرسل. وَالأَنْبِيَاءِ: هم أنبياء العهد القديم الذين تنبأوا عن المسيح. ويوحنا شاهد فى الرؤيا أسماء الرسل الـ 12 على الأساسات وأسماء الـ 12 سبطاً (الذين أتى منهم الأنبياء) على الأبواب. فبنبوات الأنبياء أُعَّدَ الطريق للمسيح، وهم مهدوا طريق الإيمان به. (1بط11، 10: 1). وكان أيضاً فى كنيسة العهد الجديد أنبياء (1كو 28: 12) + (أع1: 13 - 4).

الأعداد 21-22

الآيات (21 - 22): -

"21الَّذِي فِيهِ كُلُّ الْبِنَاءِ مُرَكَّبًا مَعًا، يَنْمُو هَيْكَلاً مُقَدَّسًا فِي الرَّبِّ. 22الَّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيُّونَ مَعًا، مَسْكَنًا ِللهِ فِي الرُّوحِ.".

هنا نرى عمل الثالوث فى تأسيس الكنيسة، فهى مسكن الله. الله يسكن فيها.

الَّذِي فِيهِ = فى الرب (الابن)... مَسْكَنًا ِللهِ (الآب)... فِي الرُّوحِ.

وتم تصوير المؤمن بحجارة حية (1بط5: 2). يبنى منها البيت، مسكن الله. ونحن نصير حجارة حية لأن المسيح يحيا فينا (غل20: 2) + (فى21: 1). وقوله فِي الرَّبِّ: فلا حياة لنا إن لم نكن ثابتين فى الرب يسوع. وقوله فِي الرُّوحِ: لأننا نولد من الماء والروح، وبالروح نثبت فى المسيح. ويكون المسيح حياتنا، فنكون حجارة حية، وينمو البيت، فالكنيسة تبنى وتنمو بعمل الثالوث. والكنيسة تتكون منا أى الأحجار الحية. والله يكون الكنيسة لتكون مسكناً لهُ، أى ليحل فيها ويكون مجداً فى وسطها (زك5: 2). ليكون الله الكل فى الكل، وحتى يحل الله فى كنيسته يجب أن تبنى أولاً. والبناء له شقين:

  1. بناء داخلى لكل مؤمن، ليكون حجراً حياً، وهذا يتم بأن يكون ثابتاً فى المسيح مملوءاً بالروح.
  2. المبنى ككل يبنى، يزداد عددياً، وينمو عدد المؤمنين، ويترابطون فى محبة، وهذه يعملها الروح القدس الذى يربط الكل معاً (يربط بينهم بمفاصل هى المحبة). فالكنيسة لا تفهم أن يحيا فرد فيها منعزلاً، مثل هذا يكون عضواً ميتاً. الله يريد مجتمع مقدس (الكنيسة) ليسكن وسطه ويستريح فيه ويحل فيه.

حجر الزاوية كما هو موضح من الرسم السابق يأتى على الرأس، فى رأس المبنى وهو يمسك جميع الأحجار يَنْمُو = تشير للنمو الداخلى لكل مؤمن، والنمو العددى للكنيسة. الْبِنَاءِ مُرَكَّبًا = يُشَبَّه إلتئام المؤمنين معاً بالإيمان والمحبة برص الحجارة الحية (1بط 5، 4: 2). والحجر ينحت أولاً (إشارة لتهذيب المؤمن بالتجارب). ومادة اللصق هى المحبة. على المستوى الفردى فكل مؤمن هو هيكل الله والروح القدس يسكن فيه (يو23: 14). وعلى مستوى الكنيسة فهى جسد المسيح والله يسكن فى كنيسته.

الَّذِي فِيهِ = بواسطة إتحادكم بالمسيح، فأنتم مبنيون مع المؤمنين الآخرين لكى تصبحوا هيكلاً يسكن فيه الله، بواسطة عمل الروح القدس. أَنْتُمْ = يا شعب أفسس أو يا من تقرأون الرسالة فى كل زمان. مَسْكَنًا ِللهِ فِي الرُّوحِ = الروح هو الوسيلة التى يبنى بها الله بيته الجديد. فالروح القدس هو الذى يبنى نفوس المؤمنين وينميهم، ويضع فى قلوبنا المحبة التى بها نرتبط معاً (رو5: 5). وهو الذى يعطينا أن نصرخ كلنا يا آبا الآب، فنشعر بالوحدة والأخوة والبنوة جميعاً لله الآب. إذاً الروح هو الذى يعطى اللياقة للمسكن ليحل الله فيه.

مَبْنِيُّونَ مَعًا = نحن نُبنى ولكن ليس أفراداً. بل معاً. وإلاّ فلا مبنى أو بيت ونلاحظ أن الآية 21 قالت هيكلاً مقدساً فى الرب (يسوع) والآية 22 قالت مسكناً لله فى الروح فالروح القدس الذى هيأ جسد المسيح فى بطن العذراء مازال يهيىء جسد المسيح أى كنيسته. فالمسيح موجود فى كنيسته التى هى جسده. والروح مالىء الكنيسة ويعمل فى أعضائها ليهيئهم كجسد للمسيح وهيكل لله.

No items found

الأصحاح الثالث - تفسير الرسالة إلى أفسس - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح الأول - تفسير الرسالة إلى أفسس - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير الرسالة إلى أفسس الأصحاح 2
تفاسير الرسالة إلى أفسس الأصحاح 2