الأصحاح الثاني – تفسير الرسالة إلى العبرانيين – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح الثاني

آيات 1 – 4 يشير فيها الرسول إلى خطورة إهمال إستعلان الله لإبنه.

العدد 1

آية (1): -

"1لِذلِكَ يَجِبُ أَنْ نَتَنَبَّهَ أَكْثَرَ إِلَى مَا سَمِعْنَا لِئَلاَّ نَفُوتَهُ.".

حديث بولس الرسول عن سمو المسيح بالنسبة للملائكة ليس حديثاً نظرياً بل له عمق روحى. فمن يهمل خلاصاً هذا مقداره فكم تكون عقوبته. إذا كان المسيح أسمى بكثير من الملائكة فيجب أن ننتبه لكلامه وكلام تلاميذه فى الكرازة بالإنجيل.

لِئَلاَّ نَفُوتَهُ = لئلا بسبب عدم اليقظة والإنتباه يجرفنا التيار وننزلق بعيداً عن المسار الصحيح للكنيسة التى تسير فى طريق الملكوت.

العدد 2

آية (2): -

"2لأَنَّهُ إِنْ كَانَتِ الْكَلِمَةُ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا مَلاَئِكَةٌ قَدْ صَارَتْ ثَابِتَةً، وَكُلُّ تَعَدٍّ وَمَعْصِيَةٍ نَالَ مُجَازَاةً عَادِلَةً.".

تَكَلَّمَ بِهَا مَلاَئِكَةٌ = حسب التقليد اليهودى وهذا أكده بولس الرسول وإستفانوس (أع53: 7) + (غل19: 3). ومخالفة الناموس لها مجازاة وعقوبة (عب28: 10). قَدْ صَارَتْ ثَابِتَةً = تحقق أن كلمات الناموس حقيقية وتحقق ثبوتها على مستوى الإلتزام القانونى وكل مخالفة لها عقوبة. أى صارت قانوناً نفذه الأباء لأجيال طويلة وعاقبوا بمقتضاه المخالفين بالإضافة للنبوات التى تحققت.

مَعْصِيَةٍ = رفض الوصية فى القلب وعدم السماع لها. تَعَدٍّ = الإستمرار فى العصيان وتنفيذه.

العدد 3

آية (3): -

"3فَكَيْفَ نَنْجُو نَحْنُ إِنْ أَهْمَلْنَا خَلاَصًا هذَا مِقْدَارُهُ؟ قَدِ ابْتَدَأَ الرَّبُّ بِالتَّكَلُّمِ بِهِ، ثُمَّ تَثَبَّتَ لَنَا مِنَ الَّذِينَ سَمِعُوا.".

فى منتهى الخطورة أن نظهر العصيان للإنجيل الذى دعا إليه الرب نفسه وهذا فى مقابل الناموس الذى تكلم به ملائكة. ثُمَّ تَثَبَّتَ لَنَا = أى الخلاص تثبت لنا وتبينت لنا صحته وحقيقته وقيمته بواسطة الرسل الذين إستمعوا من الله مباشرة.

العدد 4

آية (4): -

"4شَاهِدًا اللهُ مَعَهُمْ بِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ وَقُوَّاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ وَمَوَاهِبِ الرُّوحِ الْقُدُسِ، حَسَبَ إِرَادَتِهِ.".

الله أكد صحة كرازة الرسل بمعجزات سمح الله أن يصنعوها بواسطة الروح القدس.

آيَاتٍ = مثل إقامة بطرس وبولس لأموات وهذا أثبت أن الموت ليس بالعدو الذى لا يقهر.

عَجَائِبَ = تشير للسلطان فوق الطبيعة مثل إنتهار الرياح والسير فوق الماء.

قُوَّاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ = مثلما أقام بطرس الأعرج أمام الهيكل.

مَوَاهِبِ الرُّوحِ = مثل النبوات والألسنة للإعلان عن الخليقة الجديدة السماوية وبهذا يتثبت أن الخلاص هو من الله. وهدفه خلق إنسان جديد بالروح القدس.

العدد 5

آية (5): -

"5فَإِنَّهُ لِمَلاَئِكَةٍ لَمْ يُخْضِعِ الْعَالَمَ الْعَتِيدَ الَّذِي نَتَكَلَّمُ عَنْهُ.".

يجب أن ننتبه كثيراً لنعرف من هو هذا الذى كرز لنا بالخلاص. لأن الله لم يُخْضِع للملائكة العالم الجديد الذى عَيَّن أن يؤسسه بواسطة المسيا الذى نتكلم عنه الأن.

الأعداد 6-8

الآيات (6 - 8): -

"66لكِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ فِي مَوْضِعٍ قَائِلاً: «مَا هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ؟ أَوِ ابْنُ الإِنْسَانِ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ؟ 7 وَضَعْتَهُ قَلِيلاً عَنِ الْمَلاَئِكَةِ. بِمَجْدٍ وَكَرَامَةٍ كَلَّلْتَهُ، وَأَقَمْتَهُ عَلَى أَعْمَالِ يَدَيْكَ. 8أَخْضَعْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ». لأَنَّهُ إِذْ أَخْضَعَ الْكُلَّ لَهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا غَيْرَ خَاضِعٍ لَهُ. عَلَى أَنَّنَا الآنَ لَسْنَا نَرَى الْكُلَّ بَعْدُ مُخْضَعًا لَهُ.".

راجع مع (مز4: 8–6). ولقد قال داود النبى هذا المزمور قاصداً أن الله خلق الإنسان وأعطاه سلطاناً على الخليقة ولما فقد السلطان بسبب الخطية أعاده المسيح له ثانية بصليبه. ولكن بولس الرسول رأى فى هذه الآيات أن المسيح هو المقصود وأنه فى تجسده وضع قليلاً عن الملائكة، بسبب ألامه وإهانته وصلبه وموته، كان كأنه أقل من الملائكة. ولكنه فعل هذا ليقدس الإنسان ويعيده للمجد السماوي وليخضع العالم لله أبيه. وفى آية (6) يتعجب داود من هو الإنسان حتى تصنع له كل هذا وتفتقده. وفي 7 يشير داود أن الله وضع الإنسان قليلاً عن الملائكة ولكنه أعاده لمجده. لكن كما قلنا فهذه الآية رآها بولس الرسول أنها تشير لتجسد المسيح وإتضاعه ثم تمجيد الآب له (يو12: 28). ورأى بولس فيها أن الآب أعطاه مجداً وكرامة بجسده المتحد بلاهوته وملَّكه على كل الخليقة. وفي (8) يقول أن الآب أخضع كل شئ له. ولكننا نرى هناك استثناء أى الإنسان، فنحن نرى أن ليس كل البشر قد عرفوا المسيح وخضعوا له، بل هم طاردوه وصلبوه، بل حتى الآن يرفضون الإيمان به والخضوع له. الإنسان هو الخليقة الوحيدة التى تتمرد على الله.

الخضوع للآب.

  1. قوات الشر فى يوم الدينونه ستخضع خضوع الهزيمة الكاملة التى ستتحقق يوم الدينونة العظيم حيث يخضع إبليس وكل جنوده وينهزم الموت تماماً.
  2. خضوع الإبن لأبيه:
  1. من ناحية اللاهوت فهو كإبن واحد مع أبيه فى اللاهوت يحمل إرادة واحدة مع أبيه.
  2. خضوع الإبن لأبيه الذى يشير له الرسول فى (1كو24: 15–28) والذى يقول "أن الإبن سيخضع"، فهذا لا يعنى أن الإبن ليس خاضعاً الآن. بل المقصود أن الإبن إذ حمل طبيعتنا البشرية وصار ممثلاً عنا، وصار هو رأس الجسد (الكنيسة) وصرنا نحن جسده أى أعضاؤه. ونحن الآن ما زلنا غير خاضعين تماماً (كو1: 24). والبشرية لم تخضع حتى للناموس المسلم للملائكة ثم لموسى. ولكننا الآن نحسب مطيعين فيه، هو يكمل نقائصنا إن ثبتنا فيه. هو يملك علينا بصليبه ويتسلط علينا مجدداً طبيعتنا. طاعته لأبيه تحسب لنا حينما أطاع حتى الموت موت الصليب، هو خضع للآب كنائب عنا. خضع لأبيه لنحسب فيه أبناء طاعة. وحين يكتمل جسد المسيح بنهاية هذا العالم يقدم الخضوع للآب بجسده أى كنيسته نازعاً منها تماماً طبيعة العصيان وتكون كنيسته خاضعة للآب تماماً وهذا ما يعنيه خضوع الإبن للآب. المسيح الإبن الوحيد كرأس للكنيسة يعيد الكنيسة جسده خاضعة للآب كما أرادها الآب منذ البدء. فالله خلق الإنسان لأنه يحب الإنسان، وكعلامة لمحبته للإنسان فاض عليه من خيراته فى الجنة، جنة عَدْنْ = الفرح. وكان الله يتمنى أن يحبه الإنسان لأنه هو أحب الإنسان أولا. وكعلامة لهذا الحب يثق فيه ويطيعه. وحدث العكس فمات الإنسان لأنه لم يثق فى كلام الله. وكان الفداء الذى به أعاد الإبن الصورة كما أرادها الله منذ البدء.
  3. حينما تخضع الخليقة لخالقها تنعم بإكليلها الأبدى.

العدد 9

آية (9): -

"9 وَلكِنَّ الَّذِي وُضِعَ قَلِيلاً عَنِ الْمَلاَئِكَةِ، يَسُوعَ، نَرَاهُ مُكَلَّلاً بِالْمَجْدِ وَالْكَرَامَةِ، مِنْ أَجْلِ أَلَمِ الْمَوْتِ، لِكَيْ يَذُوقَ بِنِعْمَةِ اللهِ الْمَوْتَ لأَجْلِ كُلِّ وَاحِدٍ.".

المسيح مات لفترة محدودة فصار بذلك أقل من الملائكة لأن الملائكة لا تموت. ولكننا نراه بعد قيامته وقد تكلل بالمجد والكرامة وجلس عن يمين العظمة الإلهية.

يذوق = أولاً لأنه لم يبقى ميتاً سوى وقت قصير ثم قام، وثانياً فكلمة يذوق تشير أنه فعل هذا حتى لا نرهب الموت. دخله قبلنا. كطبيب يتذوق الدواء وهو غير محتاج للدواء ليعطى ثقة للمريض (ذهبى الفم). وهو تذوقه بِنِعْمَةِ اللهِ = قبل أن يتذوق الموت لأجلنا من أجل محبته وهذه المحبة العاملة كانت من نعمة الله علينا.

لأَجْلِ كُلِّ وَاحِدٍ = أى أن المسيح مات لأجل العالم وليس عن المؤمنين فقط. وقوله لأجل كل واحد وليس عن كل واحد فهذا يشير لأن هناك شرط آخر لكى أنتفع بموته هذا وهو الإيمان والموت معه، فمن لا يموت مع المسيح لا يقوم معه (معمودية + توبة).

العدد 10

آية (10): -

"10لأَنَّهُ لاَقَ بِذَاكَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ الْكُلُّ وَبِهِ الْكُلُّ، وَهُوَ آتٍ بِأَبْنَاءٍ كَثِيرِينَ إِلَى الْمَجْدِ، أَنْ يُكَمِّلَ رَئِيسَ خَلاَصِهِمْ بِالآلاَمِ.".

لاَقَ = هذه تفيد أن عمل الفداء كان هو منتهى المناسبة، لائق بعظمة الله ومحبته وسعة قلبه ورحمته وأبوته الحانية، وليس الحب فقط بل وحكمة الله.

* فلقد ظهر بالصليب معنى أن الله محبة "ليس لأحد حب أعظم من هذا: أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (يو15: 13)، فلقد رأينا صورة ناطقة لمعنى الحب وبذل الذات حتى آخر نقطة دم.

* وما حصلنا عليه من خلاص ومصالحة وبر يشهد لحكمة الله التى تفوق الحد، فلقد رأينا على الصليب صورة عجيبة لكيفية حل مشكلة إتفاق عدل الله ورحمته فى وقت واحد، وهذا ما عبَّر عنه المرنم فى قوله "الرحمة والحق التقيا، البر والسلام تلاثما" (مز85: 10) مع ملاحظة أن كلمتى العدل والبر هما كلمة واحدة فى العبرية. فمن العدل أن يتم تنفيذ حكم الموت فى الخاطئ، ومن الرحمة أن يعفو الله عن الخاطئ. وكان الصليب هو الحل إذ حمل المسيح إبن الله العقوبة عنا.

* وكان من اللائق أن الله لا يترك خليقته التى خلقها لتحيا وتفرح وإذ بها تموت، فيفشل قصد الله. فكان تدبير خلاصه للجنس البشرى ليقود أناساً كثيرين للمجد.

مِنْ أَجْلِهِ الْكُلُّ وَبِهِ الْكُلُّ = الله هو الذى صنع كل شئ لمجد إسمه (إش43: 7)، هو غاية كل شئ، هو العلة الوحيدة لكل ما هو موجود. وكل موجود موجود به وله. هو يوجه كل الأشياء إلى نهايتها وكمالها لمجد اسمه. فكان قصد الله أنه يخلق الإنسان ليحيا أبديا فى مجده، فيعكس الإنسان مجد الله فيه. فهل كان من اللائق أنه بعد أن يخلق الإنسان يتركه ليموت للأبد. وكان ما عمله المسيح أنه أعاد للإنسان صورة المجد بجسد ممجد على صورة جسد مجده (فى3: 21) فيتحقق قصد الله فى أن يعكس الإنسان صورة مجد الله (1يو3: 2) نحن سنعكس مجده لأننا سنراه كما هو.

وَهُوَ آتٍ بِأَبْنَاءٍ كَثِيرِينَ = لم يتركنا للموت بل جددنا بإبنه بأن سمح بألام إبنه وموته.

بِأَبْنَاءٍ = هو إبن ونحن أبناء لكن هو يُخَلِّص ونحن به نَخْلُص. هو إبن بالطبيعة ونحن أبناء بالتبنى، نحن صرنا أبناء فيه وسنستمر أبناء إن ثبتنا فيه (يو15: 4).

يُكَمِّلَ رَئِيسَ خَلاَصِهِمْ = أى أن المسيح صار كواحد من البشر تماماً حينما إحتمل الآلام. فالألام صارت من نصيب البشر بسبب الخطية. ويمكن لنا أن نقول بلغة القداس الغريغورى "أنا إختطفت لى قضية الألم" بخطيتى، والمسيح حتى يشابهنا فى كل شئ إحتمل الآلام هو أيضاً، بل هو فى ألامه بلغ أكملها لتعادل ما وصل إليه الإنسان من بشاعة بسبب خطيته. هو إستكمل الألام اللائقة بخلاصنا. وكمال ألامه إرتد علينا بكمال تقديسنا وبه صرنا مكملين (عب12: 10–14). رَئِيسَ = علة وأساس خلاصنا بصليبه.

المسيح يكمل بالآلام ليصير شبيه بالإنسان المتألم تماماً.

ويسمح بالألام لنا لنكمل ونتنقى فنصير شبهه وعلى صورته (غل19: 4) + (1بط6: 1، 7 + 1: 4). فنحن ورثنا إنسانا عتيقا داخلنا ميالا للشر والخطية، والله فى محبته يؤدبنا كما يؤدب الأب الحنون إبنه. فالألام وسيلة لتقويم نفوسنا المتمردة، التى تريد أن تفعل إرادتها رافضة لوصايا الله، ووصايا الله هى التى تقودنا للحياة. وكلما تأدبنا نتنقى فنقترب من صورة المسيح البار النقى. وهذا معنى "إلبسوا الرب يسوع المسيح" (رو13: 14).

العدد 11

آية (11): -

"11لأَنَّ الْمُقَدِّسَ وَالْمُقَدَّسِينَ جَمِيعَهُمْ مِنْ وَاحِدٍ، فَلِهذَا السَّبَبِ لاَ يَسْتَحِي أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِخْوَةً.".

الْمُقَدِّسَ = هو المسيح. وَالْمُقَدَّسِينَ = أى المسيحيين. هم الأبناء فى الآية السابقة فالمسيح يقدس والأبناء يتقدسون. هو يقدسنا بأن نصير أعضاء فى جسده أى أغصان فى الكرمة متحدين به، لنا حق القيامة والخلاص خلال إتحادنا بالمسيح وأخوتنا له وهو الحامل لجسدنا. خطيتنا لا يمكن أن تقترب إليه لكن قداسته تقدسنا. ولنا حق التمتع بروحه القدوس ساكناً فينا يأخذ سمات المسيح المقدسة ليسكبها فينا لنصير نحن مقدسين فيه.

لاَ يَسْتَحِي = هو لن يستحى من تقديسهم وغسلهم بدمه وجعلهم جسده، وكنيسته عروسه لا عيب فيها ولا غضن. مِنْ وَاحِدٍ = الآب أبيه بالطبيعة وأبونا بالتبنى (يو17: 20) وصار للمسيح جسد كجسدنا من آدم. صار للمسيح ولنا جسد بشرى واحد.

العدد 12

آية (12): -

"12قَائِلاً: «أُخَبِّرُ بِاسْمِكَ إِخْوَتِي، وَفِي وَسَطِ الْكَنِيسَةِ أُسَبِّحُكَ».".

هذا النص مقتبس من المزمور الماسيانى 22 الذى يتحدث عن الصليب وبدايته "إلهى إلهى لماذا تركتنى". فبالصليب تأسست الكنيسة التى رأسها المسيح. والمسيح فى وسط كنيسته دائماً، بل آخر مشهد رأيناه فى (مت29: 26، 30) المسيح يسبح مع تلاميذه.

وكان تسبيح المسيح مع تلاميذه بعد تأسيسه لسر الإفخارستيا (سر الشكر) فالتلاميذ ما كانوا فاهمين ما حدث وماذا أعطاه لهم المسيح، لقد أعطاهم سر الحياة الأبدية. وهو يقدم معهم التسبيح والشكر بالنيابة عنهم فهم لم يدركوا ما أخذوه. وبنفس المنطق تسبح الكنيسة فى أثناء التوزيع لتشكر وتسبح على سر الحياة الذى حصلنا عليه.

المسيح يقود قلوبنا للتسبيح، فحين نتقدس يلهج فمنا بتسبيح الآب الذى أدركنا محبته وأسراره الإلهية غير المدركة. أُخَبِّرُ بِاسْمِكَ = (مز22: 22، 25) الإسم هو إسم الآب (يو6: 17). والإسم هو تعبير عبرى عن الشخص، فالمسيح أعلن الآب لنا، وحينما ندرك عظم محبة الآب، علينا أن نسبحه. وَفِي وَسَطِ الْكَنِيسَةِ = المسيح فى وسط الكنيسة دائماً (مت18: 20) أُسَبِّحُكَ = المسيح كرأس للكنيسة أعلن للكنيسة إسم الآب أى أعلن ما لم يكن معلناً (يو1: 18). أعلن لنا محبة الآب. والروح القدس الآن يشهد لنا عن حب الآب فنسبحه. المسيح كرأس للكنيسة يقول أسبحك. فالمسيح بعد أن أخذ جسدنا أصبح يتكلم بلغة البشر. والمسيح يسبح في (مت29: 26، 30) بعد تأسيس سر الإفخارستيا ويشكر في تأسيس السر لأننا حقيقة لا ندرك ما حصلنا عليه من حياة ومجد بسبب هذا السر. المسيح بفدائه إتحد بنا، وبسبب هذا الإتحاد سكن فينا الروح القدس، والروح القدس يفتح أعيننا على من هو المسيح وما عمله المسيح، ويضع الروح القدس كلمات التسبيح والشكر على ألسنتنا وفى قلوبنا إذ أدركنا ورأينا بقلوبنا عظم ما عمله المسيح لنا.

العدد 13

آية (13): -

"13 وَأَيْضًا: «أَنَا أَكُونُ مُتَوَكِّلاً عَلَيْهِ». وَأَيْضًا: «هَا أَنَا وَالأَوْلاَدُ الَّذِينَ أَعْطَانِيهِمِ اللهُ».".

أَكُونُ مُتَوَكِّلاً عَلَيْهِ = وهو بناسوته كان متوكلاً على أبيه. هكذا المسيح كرأس للكنيسة يتكلم بلغتها، هنا يظهر أنه بعمله الفدائى أعاد الكنيسة للخضوع والإعتماد على الآب. بل أعاد الكنيسة لحضن الآب وهذا القول مأخوذ من (مز18: 2)، (إش12: 2). هَا أَنَا وَالأَوْلاَدُ = (إش8: 18). هنا المسيح يظهر نفسه أباً كما أظهر نفسه أخاً من قبل وقوله أولاد فهو الذى بفدائه أتى بنا كما قال بولس الرسول لأهل غلاطية "يا أولادى الذين أتمخض بكم..." (غل4: 9). ويقول لأهل كورنثوس "لاني انا ولدتكم في المسيح يسوع بالانجيل" (1كو4: 15). الآيات (11–13) نرى المؤمنين كإخوة للمسيح، بل المسيح يتكلم على لسانهم كواحد منهم.

العدد 14

آية (14): -

"14فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ.".

هنا نرى كيف حدثت هذه الأخوه، بأن شاركنا المسيح فى اللحم والدم. والسبب فى أنه أخذ جسدنا حتى يمكن له أن يموت ومن داخل الموت يتعامل مع الموت ويدوسه. "أخذ الذى لنا وأعطانا الذى له" (التسبحة) أخذ الجسد منا وحمل خطايانا ليعطينا بره. أخذ موتنا ليعطينا حياته. ونلاحظ أن إبليس إنهزم بنفس سلاحه أى الموت. إن سلطان إبليس يتضح فى الخطية وعاقبة الخطية هى الموت، ولكن بموت المسيح قد حررنا من الموت كعقاب على الخطية أى حررنا من سلطان إبليس. المسيح قاتل الشيطان بالسلاح الذى قاتلنا به وغلبه، فهو لم يحاربه بعزة عظمته بل بضعف طبيعتنا وبموته بالجسد. فالجسد كان متحداً بلاهوته الحي الذي لا يموت. وظل متحداً به حتى في موته بالجسد، إذ إنفصلت الروح عن الجسد، ولكن لاهوته لم ينفصل قط لا عن جسده في القبر ولا عن روحه التي ذهبت للجحيم تنقذ الأبرار. وظل هذا الإتحاد بين الناسوت واللاهوت بسبب بر المسيح بالجسد فهو كان بلا خطية.

العدد 15

آية (15): -

"15 وَيُعْتِقَ أُولئِكَ الَّذِينَ­ خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ­ كَانُوا جَمِيعًا كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ.".

يُعْتِقَ = كنا جميعاً تحت العبودية لا سلطان لأحد منا أن يدوس الموت أو يتحرر من أسر إبليس ولكن المسيح حررنا (لو1: 74) + (رو8: 15) + (2تى1: 7).

خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ­ كَانُوا... تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ = هناك من يعيش فى رعب خوفاً من الغد ومن العوز فيعيش مهموماً. وهناك من يعيش فى عبودية خوفاً من الموت. وهناك أغنياء خائفين على أموالهم يعيشون والسلاح تحت وسادتهم خوفاً من الموت فهم مستعبدين للرعب. وهناك من يرتعب من المرض خوفاً من الموت. وهناك من بسبب الخوف من الفقر والعوز يجرى وراء المال فيستعبده المال. وهناك من يجحد إيمانه خوفاً من الموت فيستعبده إبليس وهناك من يخطئ ويحلف زوراً ويغير ذمته خوفاً من الموت. هى عبودية للشيطان خوفاً من الموت فى صوره المختلفة ومنها العبودية للقلق أو للإضطراب أو للمال أو للشيطان مباشرة.

والمسيح حررنا بأن أنهى سلطان الموت، والآن من لا يخاف الموت يصير خارج دائرة طغيان إبليس. ومن لا يخاف أحداً يصير أكثر حرية من الجميع.

ولاحظ أن بولس الرسول يكلم هنا العبرانيين الذين من خوفهم من اليهود يفكرون فى الإرتداد.

العدد 16

آية (16): -

"16لأَنَّهُ حَقًّا لَيْسَ يُمْسِكُ الْمَلاَئِكَةَ، بَلْ يُمْسِكُ نَسْلَ إِبْرَاهِيمَ.".

هو تشارك فى اللحم والدم حتى يمسك نسل إبراهيم (إش8: 41، 9). فالله كما أمسك إبراهيم ليبدأ فى تكوين شعب إسرائيل لبدء عملية الخلاص، كذلك هو يمسك بنسل إبراهيم لينفذ عملية تكميل الخلاص. يُمْسِكُ = بمعنى يساعد ويعين = يمسك شخص لينقذه قبل أن يسقط فى هاوية فيهلك. ولأن طبيعة الإنسان كانت هاربة منه بعيداً لا تريد الإلتقاء به فإقتفى أثرها وأمسك بها بتجسده. وفى محبة ورعاية أمسك بطبيعتنا إذ حمل ناسوتنا فيه ليعطيه إمكانيات جديدة. وهو لم يأخذ طبيعة الملائكة لأنه أخذ جسداً والملائكة ليس لها جسد. فلو قصد أن يعين الملائكة لما أخذ جسد إنسان. ولكن أتى ليعين نسل إبراهيم. يُمْسِكُ = هى شهوة قلب المسيح التى عبر عنها فى (نش7: 8) قائلاً "قلت إنى أصعد إلى النخلة وأمسك بعذوقها". والعذوق هو جريد النخلة الرخص إشارة لأولاد الله. لاحظ أن مشقة صعود النخلة فيه إشارة للآلام التى تذوقها المسيح ليأتى بنا إلى حضن أبيه.

العدد 17

آية (17): -

"17مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِينًا فِي مَا ِللهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ.".

قارن مع (عب4: 15 + 1: 5، 2). نرى هنا أن شفاعة المسيح عنا تحمل عاطفة ورأفة فهو يشعر بآلامنا إذ كان إنساناً مثلنا. المسيح ليساعد الجنس البشرى شابهه فى كل شئ ما عدا الخطية وحدها ليصير رئيس كهنة يترفق بالضعاف.

العدد 18

آية (18): -

"18لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ.".

صار كطبيب عانى من المرض نفسه فهو يعالج المرض بخبرة وعطف وشفقة.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الثالث - تفسير الرسالة إلى العبرانيين - القمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الأول - تفسير الرسالة إلى العبرانيين - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير الإلى العبرانيين الأصحاح 2
تفاسير الإلى العبرانيين الأصحاح 2