الأصحاح الرابع عشر – سفر يهوديت – القمص تادرس يعقوب ملطي

هذا الفصل هو جزء من كتاب: 18- تفسير سفر يهوديت – القمص تادرس يعقوب ملطي.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الأصحاح الرابع عشر

دعوة يَهوديت الجيش للقتال.

يربط البعض بين ما حدث في هذا السفر على يديّ يهوديت وما ورد في سفر إشعياء [ص 36 - 37]، حيث عيَّر ربشاقي رئيس جيش أشور الله الحيّ، قائلاً: "لا يغركم حزقيا قائلاً: الرب ينقذنا. هل أنقذ آلهة الأمم كل واحدٍ أرضه من يد ملك أشور؟" "فخرج ملاك الرب وضرب من جيش أشور مائة وخمسة وثمانين ألفًا" (إش 37: 18، 36).

الله الذي خلص شعبه من أشور بيد ملاكه، خلصهم أيضًا بيد أرملة تقيّة لم تمارس الحروب، ولم يكن لديها سلاح. إنه يعمل بكل الطرق لحساب أولاده. فقد خلصهم من يد جليات الجبار وجيشه بيد الصبي راعي الغنم داود.

1. دعوة يَهوديت الجيش للقتال 1 - 4.

2. أحيور يسجد عند قدمي يَهوديت 5 - 10.

3. اليهود يهجمون على معسكر الأشوريين 11.

4. اكتشاف أشور قتل قائدهم 12 - 19.

الأعداد 1-4

1. دعوة يَهوديت الجيش للقتال

وقالَت لَهم يَهوديت: "اِسمَعوا لي، يا أصدقائي.

خُذوا هذا الرأسَ،.

وعَلِّقوه على شُرفَةِ أَسْوار المدينة عند الفجر [1].

تواصل القديسة يهوديت كقائدةٍ حكيمةٍ خطة خلاص شعبها. فإنها لم تكتفِ بتثبيت إيمانهم، والقيام بدور بطولي، حيث عرضت حياتها للخطر مقابل قطع رأس أليفانا، الآن تقوم بدور القائد الحربي، ترشدهم إلى الخطة لمهاجمة الأشوريين.

طلبت تعليق رأس أليفانا على قمة أسوار المدينة، لكي يدرك جيش أليفانا بأن قائدهم قد قُتل! استلمت الأرملة الصغيرة مركز القيادة، فصارت خلال حياتها التقوية المشيرة الناجحة للجيش، بل ولكل الشعب.

لعب قطع الرأس دورًا كبيرًا في تحطيم الجيوش حتى القوية، فقد ارتبطت الجيوش قديمًا في نصرتها أو هزيمتها بقائد الجيش أو الملك. فلما قطع الصبي داود رأس جليات الجبار انكسر جيش الفلسطينيين في الحال (1 صم 17: 54). لذات الهدف علق سكان يابيش جلعاد جسد شاول الملك ويديه على السور بالمسامير (١ صم ٣١: 9 - ١٢)، وعائلة آخاب (2 مل 10: 7 - 8). كذلك علق اليهود رأس نكانور Nicanor القائد السلوقي (السوري) وذراعه اليمين على السور قبالة أورشليم (١ مك ٧: ٣٧؛ ٢ مك ١٥: ٣٥).

أدركت يهوديت حدوث ذعر بين معسكر الأشوريين كما سبق فحدث بين الموآبيين عند اكتشافهم قتل عجلون ملكهم (قض ٣: ٢٥ - ٣٠).

هنا صورة رمزية لجهادنا الروحي، فإن نصرتنا على قوات الظلمة تقوم على الصليب. وكما يقول العلامة أوريجينوس إن للصليب وجهان: مسيحنا بحبه قبل الموت بإرادته لخلاصنا، وإن إبليس قد تحطم خفية، ففقد سلطانه علينا وشُهّر به. وكما يقول الرسول بولس: "قد رفعه من الوسط مسمرًا إياه بالصليب، إذ جرَّد الرياسات والسلاطين، أشهرهم جهارًا، ظافرًا بهم فيه" (كو 2: 14 - 15).

وضع الصليب على المنارة أمام عيون المؤمنين تأكيد لهم على نصرة السيد المسيح على إبليس، مما يبعث روح الرجاء في حياة المجاهدين. يحدثنا البابا أثناسيوس الرسولي عن جسد السيد المسيح المرتفع على الصليب كمن هو في الهواء حتى يحطم رئيس سلطان الهواء إبليس (أف ٢: ٢)، فاتحًا الطريق لنا نحو السماوات.

  • شدة عظيمة هكذا، وحزن جسيم حلّ بالشياطين وجنودهم في يوم صلب إلهنا، لأنه عند موته ونزوله إلى الجحيم صنع فيهم ما صنعه بفرعون والمصريين، وعتق بني آدم من حبسهم كما عتق بني إسرائيل من أرض مصر[196].

القديس أمبروسيوس.

  • الصليب هو غلبتنا ضد الشياطين، سلاحنا ضد الخطية... الصليب هو إرادة الآب، هو مجد الابن الوحيد، تهليل الروح ومجدها، زينة الملائكة، سلام الكنيسة، فخر القديس بولس، حصن القديسين، نور كل العالم[197].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

  • أي شيء يمكن أن يكون أكثر برًا من البلوغ حتى موت الصليب من أجل البرٌ؟ وأي عمل أعظم سلطانًا من القيامة من الأموات، والصعود إلى السماء بذات الجسد الذي فيه قد قُتل؟... لقد هُزم الشيطان بذات نصرته... بخداعه الإنسان الأول ذبحه، وبذبحه للإنسان الأخير فقد الإنسان الأول من شبكته! [198].

القديس أغسطينوس.

ومتى طَلَعَتِ الشمسُ على الأَرض،.

فلْيَأخُذْ كُلُّ رَجُلٍ سَليم سِلاحَه،.

ويَخرُجْ إلى خارِجِ المَدينة، وأَقيموا علَيهم قائدًا.

كأَنَّكم نازِلونَ إلى السهلِ نَحوَ مَركَزِ بَني أشور الأَماميّ،.

ولكن لا تَنزِلوا [2].

بحكمة طلبت منهم أن يحدثوا نوعًا من الجلبة أثناء شروق الشمس دون أن يشتبكوا في أية معركة، حتى لا يتحرك الجيش الأشوري بالضرب، وإنما يتحرك لطلب مشورة قائدهم، فيكتشفوا قتله!

إن كانت يهوديت تمثل السيد المسيح الذي حطم إبليس وجنوده بالصليب، فيليق بالمؤمنين وقد التصقوا بقائدهم أن يتحركوا لمقاومة الشر وعدم السماح لهم بالتسلل إلى النفس خلال التراخي أو التهاون خاصة مع الحواس.

  • يصوِّب الشيطان سهامًا ضدي، لكن أنا معي سيف.

هو معه قوس، أما أنا فجندي أحمل سلاحًا ثقيلاً...

إنه حامل قوس لكنه لا يجسر أن يقترب إليّ، إذ يلقي بسهامه من بعيد[199].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

  • يخبرهم بولس أن يكونوا شجعانًا وأقوياء مثل المصارع، وكجنود للمسيح، يفعلون كل شيء بالحب لله ولبعضهم البعض.

القديس ديديموس الضرير.

  • لنضع على رؤوسنا خوذة الخلاص، لكي لا نُجرح ونموت في المعركة.

لنُمنْطق أحقاءنا بالحق، فلا نوجد ضعفاء في القتال.

لنقم ونوقظ المسيح، فيُهدِّئ الأمواج عنا.

لنأخذ التُرس تجاه الشرير، كاستعدادٍ لإنجيل مخلصنا (أف 6: 15 - 16).

لنقبل من ربنا السلطان أن نسود على الحيّات والعقارب (لو 10: 19)...

لنفرح في رجائنا في كل وقتٍ (رو 12: 12)، حتى يفرح بنا ذاك الذي هو رجاؤنا ومخلصنا.

لنأخذ لأنفسنا سلاحًا للمعركة (أف 6: 16)، هو الاستعداد للإنجيل.

لنقرع باب السماء (مت 7: 7)، فيُفتح أمامنا وندخل فيه.

لنسأل الرحمة باجتهاد، فننال ما هو ضروري لنا.

لنطلب ملكوته وبرّه (مت 6: 33).

لنتأمل في ما هو فوق، في السماويات، حيث المسيح صاعد وممجد.

لكن لننسى العالم الذي هو ليس لنا، حتى نبلغ الموضوع الذي نحن مدعوُّون إليه.

لنرفع أعيننا إلي العلا، لنرى الضياء المتجلّي.

لنرفع أجنحتنا كالنسور، لنرى حيث تكون الجثة (مت 24 28)...

عدونا حاذق يا عزيزي، ومحتال ذاك الذي يقاتلنا. يُعد نفسه للهجوم على الشجعان الظافرين، ليجعلهم ضعفاء. أما الواهون الذين له فلا يحاربهم، إذ هم مسبيّون مُسلَّمون إليه.

من له جناحان يطير بهما عنه، فلا تبلغ إليه السهام التي يقذفها نحوه؟

يراه الروحيون يحارب، ولا يتسلط سلاحه على أجسادهم.

لا يخافه كل أبناء النور، لأن الظلمة تهرب من أمام النور. أبناء الصالح لا يخشون الشرير، لأنه أعطاهم أن يطأوا عليه بأقدامهم (تك 3: 15) [200].

القديس أفراهاط.

فيأخُذُ أُولئِكَ أسلحتهم، ويَذهَبونَ إلى مُعَسكَرِهم،.

ويوقِظونَ قُوَّادَ جَيشِ أشور، فيُسرِعونَ إلى خَيمةِ أليفانا فلا يَجِدونَه،.

فيَستَولي علَيهِمِ الخَوفُ، ويَهرُبونَ منِكم [3].

صورة رائعة للجهاد الروحي، فإن يهوديت لم تطلب منهم أن يتسللوا إلى معسكر الأشوريين في خوفٍ واضطرابٍ، بل يحمل كل رجلٍ سليمٍ، أو كل جنديٍ صالح للمسيح يسوع، سلاحه واثقًا في إمكانياته في المسيح يسوع. بروح القوة تضطرب قوات الظلمة، وإذ تطلب زعيمها إبليس تجده قتيلاً بالصليب. يسرعون إلى خيمته أو مملكته، فلا يجدونه! يليق بنا ألا نخاف من إبليس، فإننا في المسيح يسوع أقوياء، أما هو فكأنه غير موجود!

  • يجيد الشيطان الصراع، لكنّه لا يغلب إذا صمدتم في وجهه، بل ينحدر ويهرب خجلاً. الأشخاص الفارغون هم الذين يخافون الشيطان كقوّة[201].
  • لا تخافوا مطلقًا من تهديدات الشيطان، فإنّه مشلول كأعصاب ميّت[202].

هرماس.

  • لا تخف إذن من الشيطان، حتى وهو بلا جسد، حين يقترب من الجسد. فإنه ليس من هو أضعف من ذاك الذي يقترب بهذه الكيفية مع أنه غير ملتحفٍ بجسدٍ، وليس أقوى من ذاك الشجاع الجريء حتى وإن حمل جسمًا قابلاً للموت! [203].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

أَمَّا أنتُم وجَميعُ سُكَّانِ أَراضي إِسْرائيلَ كُلِّها،.

فطارِدوهم، واصرَعوهم في طُرُقِهم [4].

أوْصَتهم يهوديت أن يلاحقوا الأشوريين ويطاردوهم ويقتلونهم. هكذا يليق بالمؤمن أن يطارد الشر، فلا يترك له موضعًا في أعماقه، حتى لا يعود يستلم مركز القيادة، سواء الفكر أو العاطفة! يليق به أن يهتم بتقديس كل حواسه تمامًا دون تهاون!

لا يقاوم المؤمن حواسه، إنما يطلب تقديسها لتخدم شهوات النفس المقدسة.

  • يوجد قاضٍ واحد يشرف على الداخل، أي قدرة التمييز التي للعقل، ولكن خلال طرق لائقة تحفظ الحواس الخمس متمايزة. يصنع الله عجائب، فلا تقدر العين أن تسمع، ولا الأذن أن ترى، ولا الفم أن يشم، ولا الأنف أن تتذوق، ولا الأيدي أن تشم. بينما كل هذه تعمل خلال قوى العقل الواحدة، غير أنه لا تستطيع حاسة ما أن تمارس غير ما قد عيَّنه الخالق لها. وهكذا خلال هذه التدابير الجسمانية الخارجية، يترك لنا أن نجمعها في الداخل بطريقة روحية...

بينما توجد حكمة واحدة تسكن في إنسانٍ أقل مما في آخر... إلا أنها في ذاتها لا تحمل اختلافات فيما بينها، لكن بواسطتها نمارس عمليات متباينة مختلفة، فواحد ينال عطية حكمة، وآخر عطية معرفة، وآخر ألسنة، وآخر موهبة شفاء...

يدين الطوباوي أيوب عدم خبرة أصحابه، ووقاحة كل من ينتفخ مدعيًا أنه قد تعلم في الحكمة. فإن معرفة شيءٍ ما عن الله شيء، وتذوق ما تعرفه بفهمٍ شيء آخر.

البابا غريغوريوس (الكبير).

  • اهتم بالجسد بكونه أداة للنفس، كما تهتم بالحيوانات لكي تخدمنا. عندما تكون الأداة غير صالحة تعوق الفنان، مهما كانت مهارته وقدرته... يليق بالإنسان أن يكون له الحكم السليم في كل الأشياء فلا يتعثّر.

القديس برصنوفيوس.

  • عندما يميل الفكر إلى الله، يجعل من الجسد خادمًا له، ويعطيه فقط ما يحتاج لأجل الحياة. ولكن حين يميل إلى الجسد، فإنه يصير عبدًا لشهواته[204].

الأب مكسيموس المعترف.

الأعداد 5-10

2. أحيور يسجد عند قدميّ يَهوديت

وقَبلَ أَن تَفعَلوا ذلك،.

ادْعوا إِلَيَّ أَحْيورَ العمُونيَّ لِيَرى ويَعرِفَ الإنسان الَّذي استَهانَ بِبَيتِ إِسْرائيل،.

وأَرسَلَه إِلَينا كما يُرسَلُ إلى المَوت "[5].

وسط فرح يهوديت بعمل الله الفائق، ووسط مشاركتها الشعب فرحهم وتهليلهم بانكسار العدو، لم تنسَ يهوديت ذاك الأممي التقي الذي في شجاعة شهد لله أمام أليفانا، وعرّض حياته للخطر. فإن كان أليفانا قد هدده بالموت بعد أن يرى الهزيمة بعينيه، أرادت يهوديت له أن يتهلل بالله واهب الخلاص.

فدَعوا أَحْيورَ مِن بَيتِ عُزيا.

فأَتى ورأى رأسَ أليفانا في يَدِ رَجُلٍ في جَماعَةِ الشعب،.

فسَقَطَ على وَجهِه،.

وخارَت روحُه [6].

قدمت التقيّة يهوديت رأس أليفانا ليراها أحيور. الرأس الذي كان يعتز بإمكانياته العسكرية وقدرته على التخطيط، صار أضحوكة ومثلاً وهزءًا. الفم الذي جدّف على الله أصابه خرس دائم، وصار عاجزًا عن النطق!

ولَمَّا أَنهَضوه ارتَمى عِندَ قَدَمَي يَهوديت،.

وسَجَدَ أَمامَها،.

وقال: مُباركةٌ أَنتِِ في خِيامِ يَهوذا.

فإِن الذين يسَمِعَون اسمَكِ في جَميعَ الأُمَم يرتَعَدَون [7].

اجتمع الشعب ومجدوا الله، ثم دعوا أحيور ليرى كيف هلك ذاك الذي استهان بالرب. ارتاع أحيور إذ رأى رأس أليفانا، وسقط بوجهه على الأرض وهامت نفسه، وإذ انتعش سجد أمام يهوديت.

"خيام يهوذا" كان هذا التعبير يطلق على المنطقة التي يسكنها اليهود حتى بعد بنائهم منازل مصنوعة من الحجارة والطوب، مستقرين في بلادهم (زك ١٢: ٧؛ عد ٢٤: ٥؛ ١ مل ٢٠)، إذ يليق بهم أن يدركوا أن حياتهم رحلة عابرة حتى يدخلوا مدينة الله العليا.

أمام عمل الله العجيب على يديّ يهوديت، شعر أحيور أنه لا إله غيره، فقد قهر أقوى شخصية في ذلك الوقت، وهو أليفانا، فارتمى عند قدميّ يهوديت وسجد أمامها ومدحها.

والآن، أَخبِريني بِكُلِّ ما فَعَلتِ في هذِه الأَيَّام ".

فأَخبَرَته يَهوديتُ في وَسْطِ الشعبِ كُلِّه بِكُلِّ ما فَعَلَت،.

مِن يَومِ خُروجِها إلى حينِ تَحَدُّثِها إِلَيهم [8].

أدرك أحيور قائد جيوش بني عمون بالعجز التام أمام هذا الإله، إله المستحيلات، الذي صنع عجبًا بطريقة لم يتوقعها أحد.

حتمًا سمع بما حدث مع يهوديت، لكنه اشتاق أن يسمع من فمها وبشيءٍ من التفصيل، ممجدًا الله العامل بها.

ولَمَّا انتَهَت مِن كَلامِها،.

هَتَفَ الشعبُ بِصَوتٍ عَظيم،.

ومَلأَ المَدينة بِصَوتِ الاِبتِهاج [9].

تحدثت يهوديت مع أحيور أمام الشعب، وكان الكل يصغي إليها بكل انتباه، فلم يقاطعها أحد. ولكن إذ روت ما حدث، انفجر الشعب بالهتاف بصوتٍ عظيمٍ، وتحولت المدينة إلى احتفالٍ شعبيٍ مبهجٍ للغاية.

وإذ رأَى أَحْيورُ كُلَّ ما فَعَلَ إِلهُ إِسْرائيل،.

آمَنَ بِاللهِ إِيمانًا راسِخًا،.

وخَتَنَ لَحْمَ غُلفَتِه،.

فضُمَّ إلى بَيتِ إِسْرائيلَ إلى هذا اليَوم [10].

كثيرون يتأثرون بأعمال الله العجيبة في حياة قديسيه وفي كنيسته، ومعجزاته، لكنَّ قليلين يحولون انفعالهم العاطفي إلى إيمان حيّ عملي. أما أحيور العموني، فمجّد الله الذي يخلص مؤمنيه، فأعلن إيمانه عمليًا بأن خُتن وانضم إلى اليهود[205].

العدد 11

3. اليهود يهجمون على معسكر الأشوريين

وعِندَ طُلوعِ الفَجْرِ، علَّقوا رأسَ أليفانا على السور،.

وأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ أسِلحَته،.

وخَرَجوا جماعات إلى مُنحَدَراتِ الجَبَل [11].

تبقى القديسة يهوديت نموذجًا حيًا للمؤمن الذي يثق في عمل الله، والذي يحرص في جهاده من أجل الجماعة أن يحتفظ بطهارته ونقاوة قلبه، كما صارت مثلاً عمليًا في بث روح الشجاعة في حياة الرجال حتى رجال الحرب.

  • لماذا أتحدث عن النتيجة؟ كيف بقيت وسط الآلاف من الأعداء طاهرة. لماذا أتكلم عن حكمتها، حيث خططت مثل هذه الخطة؟ لقد اختارت القائد ليحميها من أصدقائها بضبط نفسها، وضربت العدو بالرعب، حتى يهربوا ويُقتلوا. هكذا رقة أرملة ووقارها ليس فقط أخضعت طبيعتها، بل ما هو أعظم أنها جعلت الرجال شجعان بالأكثر[206].

القديس أمبروسيوس.

الأعداد 12-19

4. اكتشاف أشور قتل قائدهم

فلَمَّا رَأتهُم قوات أشور،.

أَرسَلوا رُسُلاً إلى ضُبَّاطِهم،.

فجاءَ هؤُلاءِ إلى قُوَّادِهم، وقُوَّادِ أُلوفِهِم، وجَميعِ رُؤَسائِهم [12].

نجحت خطة القديسة يهوديت، فإن انطلقوا نحو معسكر الأشوريين اتصل الجند بالقادة، فقادة الألوف حتى بلغوا أعلى مستوى في المعسكر. وكان لزامًا أن يأخذوا الأمر بالدخول في المعركة من أليفانا نفسه.

فذَهَبوا إلى خَيمةِ أليفانا،.

وقالوا لِلقَيِّمِ على جَميعِ أُمورِه:

"أَيقِظْ سَيِّدَنا، لأَنَّ العَبيدَ اجتَرَأُوا على النُزولِ إلَينا لِمُحارَبَتِنا،.

ومُرادُهم أَن يُفنَوا إلى آخِرِهم "[13].

لقد سخر جند الأشوريين بتحركات اليهود، فدعوهم عبيدًا، كما قالوا عنهم: "مرادهم أن يفنوا إلى آخرهم"، وجاء في الترجمة اللاتينية "قد خرجت الفئران من جحورها".

سمع الأشوريون صيحات اليهود فحسبوها استعدادًا للتحرك للحرب، ولثقتهم الكاملة في النصرة السريعة والأكيدة، لم يتطلعوا نحو السور ليروا رأس قائدهم، بل تحركوا لأخذ مشورة القائد أو الإذن بالتحرك على مستوى جماعي ضخم للإبادة.

فدَخَلَ بُوغا وقَرَعَ بابَ الخَيمَة،.

لأَنَّه كانَ يَظُنُّ أَنَّه نائمٌ مع يَهوديت [14].

أخذ كل جندي عبراني أسلحته ثم خرج الكل بجلبةٍ عظيمةٍ وصراخٍ. بادر الجواسيس إلى خيمة أليفانا وضجوا أمام مدخل المخدع، إذ لم يجسر أحد أن يدخل ويوقظه. فلما جاء القواد ورؤساء الألوف وجميع عظماء جيش ملك أشور، طلبوا من الحجاب أن يدخلوا ويوقظوه ويخبروه بأن الفئران قد خرجت من جحورها واجترأت على مهاجمتهم للقتال.

واضح أن الخيمة لم تكن من جلود حيوانات، لكن غالبًا ما كانت مقامة بألواحٍ خشبية، ولها باب خشبي قرعه الخصي بوغا.

أمام أوامر قادة الجيوش وتأزم الموقف، دخل رئيس حراس الخيمة، بوغا خصيه، إلى حجرة الاستقبال المزينة بالذهب والأحجار الكريمة، لكنها فارغة ليس بها أحد.

وقف أمام الستر القماشي الذي يفصل حجرة الاستقبال عن المخدع، فلم يسمع أي صوتٍ، فظن أن استغرق في النوم، فخجل بل وخاف أيضًا أن يدخل عليهما[207].

ولَمَّا لم يَسمع أحَدًا يجيب،.

فتح الباب ودَخَلَ المَضجعَ،.

فوَجَدَه مَطْروحًا على الأرضِ مَيتًا،.

ورأسَه مَفْصولاً عن جثته [15].

إذ تأزم الموقف جدًا، اضطر إلى مخالفة أوامر أليفانا أن يصفق بيديه، لكن لم يجبه أحد. ساوره الشك ربما يكون سيده مريضًا أو في تعبٍ، فاضطر أن يزيح الستار ويدخل المخدع[208].

فوجئ بوغا بأن أليفانا جثة هامدة بلا رأس، ودخل مخدع يهوديت فلم يجدها. مزق ثيابه ووقع خوف على الجميع، وسادهم الرعب، وامتلأ المعسكر عويلاً لا نظير له.

فصَرَخَ بِصَوتٍ عَظيمٍ،.

ونحيبٍ وأَنينٍ وصُراخٍ شَديد، ومَزَّقَ ثِيابَه [16].

هذا هو نصيب كل متعجرفٍ على كنيسة الله، يرى قائده جثة هامدة بلا رأس، لا حول له ولا قوة.

فقد القادة القدرة على اتخاذ قرارٍ، وانحلت قوتهم، وملك الرعب عليهم، وانهار الجيش كله.

ثُمَّ دَخَلَ الخَيمةَ الَّتي تُقيمُ فيها يَهوديت.

إذ لم يَجِدْها، أَسرَعَ إلى الشعبِ وصَرَخَ: [17].

خرج بوغا مسرعًا وسط ذهول الحراس وقادة الجيوش. لم يجب بكلمةٍ، بل انطلق إلى خيمة يهوديت المنصوبة بجوار خيمة أليفانا، فلم يجد أحدًا، فتأكد أن يهوديت هي قاتلة أليفانا.

"لقد غدَرَ العَبيدُ غَدرًا!

وامرَأَةٌ واحِدةٌ مِنَ العِبرانِيِّينَ أَلقَتِ العارَ في بَيتِ نَبوخَذنَصَّر المَلِك!

تعالوا وانظروا! أليفانا مَطْروحٌ على الأَرضِ،.

ورأسُه لَيسَ علَيه "[18].

خرج بوغًا يصرخ معلنًا للقادة والحراس المنزعجين بأن يهوديت العبرانية استطاعت بمفردها أن تهز الإمبراطورية الأشورية وتزعزها، إذ قتلت رئيس جيوش الأشوريين، وها هو جثة هامدة بلا رأس مطروحة أرضًا!

فلَمَّا سَمِعَ قُوَّادُ جَيشِ أشور هذا الكَلامَ كُلَّه،.

مَزَّقوا قُمْصانَهم،.

واضَطَرَبَت نُفوسُهمُ اضطِرابًا شَديدًا،.

واَشتَدَّ صِياحُهم وصُراخُهم كثيرًا في وَسَطِ المُعَسكَر [19].

قُطعت رأس أليفانا، ففقد الجيش كله رأسه، وصار كمن بلا تدبير، وحدث هرج ومرج دفع بهم إلى هزيمة رهيبة.

كان الخبر فوق تصورهم، فارتعبوا جدًا ومزقوا ثيابهم. سرعان ما انتشر الخبر بين خيام الأشوريين، فبكوا إذ توقعوا الهلاك كما سبق فأنذرهم أحيور، وكانوا يسخرون به.

لقد تحقق فيهم قول المرتل: "تحطمهم بقضيبٍ من حديد، مثل إناء خزاف تكسرهم" (مز 2: 9).

من وحي يهوديت 14.

لماذا ارتجت الأمم؟

  • ارتجت جيوش أشور لتقتل المؤمنين.

حسبوهم كفئران تخرج من جحورها.

استنكفوا حتى من مقاومتهم.

إذ ظنوا أنهم قادرون على تدميرهم دون الدخول في معركة!

  • سقط العدو بيد امرأة،.

وسقط رئيس كل الجيوش عند قدميها.

انطلقت يهوديت لا لتفتخر بما صنعته،.

إنما لتعلن عمل الله مع شعبه.

  • حطّم الرب قادتهم، فكان يلزم أن يتحرك المؤمنون للعمل.

مادمنا في الجسد يلزمنا الجهاد روحيًا.

فلا يتسلل عدو الخير إلى أعماقنا.

رأى أحيور رأس ذاك المتشامخ في يد امرأة.

صمت الفم الذي كان يجدِّف على الله.

قُطعت الرأس المتشامخة لتسقط أرضًا.

  • اشترك أحيور مع كل القادة والشعب في تمجيد الله.

صمم أن يسمع من فم يهوديت قصة خلاص الله لها.

تحولت المدينة كلها إلى احتفال مجيد لله مخلص شعبه.

أعلن العموني إيمانه بالله الحيّ.

  • بعد تعليق رأس أليفانا على قمة السور،.

تحرك جيش إسرائيل بحكمة عجيبة.

خرجوا جماعات جماعات.

تطلعت إليهم جيوش أشور كأنهم فئران.

انطلق القادة في استخفاف يستأذنون أليفانا للبدء في المعركة.

  • لم يجسر أحد أن يطرق باب خيمة أليفانا.

وتحت الضرورة دخل خصيه إلى خيمته.

فوجئ بأليفانا جثة هامدة بلا رأس.

انطلق الخصي إلى خيمة يهوديت، فلم يجدها.

صرخ الكل في مرارة،.

مزقوا ثيابهم واضطربوا.

أدركوا أن هلاكهم سيحل حالاً!

الباب الرابع.

عربون الأبدية.

يهوديت 15 - 16.


[196] On Belief in the Resurrection 2: 110.

[197] De coem. et cruce. PG 49: 396D - 397A.

[198] Sermon 261: 1.

[199] Baptismal Instructions, 3: 11.

[200] Demonstrations, 6.

[201] Hermas: The Shepherd, Command 12: 5: 2.

[202] Hermas: The Shepherd, Command 12: 6: 2.

[203] Resisting the Temptation of the Devil, homily 2: 4.

[204] Four Centuries on Love.

[205] القس يوحنا باقي: دراسة في سفر يهوديت، 1997، ص 85.

[206] Concerning Widows 7: 41.

[207] القس يوحنا باقي، ص 87.

[208] القس يوحنا باقي، ص 87.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الخامس عشر - سفر يهوديت - القمص تادرس يعقوب ملطي

الأصحاح الثالث عشر - سفر يهوديت - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفاسير سفر يهوديت الأصحاح 14
تفاسير سفر يهوديت الأصحاح 14