المبادئ الأساسية للكاتيشيزم

المبادئ الأساسية للكاتيشيزم

ماهى المبادئ الأساسية لكاتيشيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية؟

يليق بنا كمؤمنين أن ننتفع بخبرة آبائنا عبر مراحل الكاتيشيزم خلال هذه القرون كي نسلك بالفكر الإنجيلى الروحى الحىّ، وذلك فى كل جوانب حياتنا، أى فى دراستنا للكتاب المقدس، وممارستنا للحياة الإنجيلية الصادقة، وفي سلوكنا اليومى حتى فى تناولنا الطعام والشراب، وفى عبادتنا بالروح والحق، وفى خدمتنا لكل إنسان نلتقى به حتى إن كنا لا نعرفه شخصياً، وفى حوارنا مع المؤمنين وغير المؤمنين. حينما تحدث القديس إكليمنضس السكندرى عن حياة المؤمن فى المسيح فى كتابه المربى Paedagogus أبرز أنه يجب أن يتحول إيماننا بالمسيح إلى عمل فنسلك فى المسيح يسوع فى مرافقتنا لشيخ عاجز عن الحركة السريعة ومرافقتنا لشاب سريع الحركة، وفى ابتسامتنا، وعدم الضحك بطريقة غير لائقة بأبناء الله، وفى مراعاة آداب المائدة إذ نشعر بالحضرة الإلهية، وفى نومنا... هكذا يسلك المؤمن كسفير للمسيح فيما يظنه أمراً هاماً أو يحسبه أمراً تافهاً. يفعل هذا كله لا فى حرفية قاتلة ولا فى روتين ممل[17]1.

فى هذا كله ذراعى أمرين هامين، وهما: أن يلتهب قلبنا بمحبتنا للسيد المسيح منتظرين سرعة مجيئه على السحاب كى يدخل بنا إلى حجال العُرس السماوى، وأيضاً انشغالنا الدائم بخلاص العالم كله، حتى الذين سقطوا فيما نظنه جرائم خطيرة أو خطايا نجسة!

ما أهم المبادئ العملية للكاتيشيزم؟

أولاً: يليق بنا أن نقدم ما استطعنا مع كاروزنا القديس مرقس الرسول ربّ المجد بكونه الطبيب السماوى، مخلّص النفوس وواهب الشفاء للنفس والعقل والعواطف والحواس وكل طاقات الجسد.

أذكر الآن شخصاً بذل كل الجهد لفترة طويلة كى يجتذب صديقاً له لإنجيل المسيح. أخيراً وافق الصديق أن يذهب إلى الكنيسة ليسمع واعظاً مشهوراً. فى المساء اتصل به كاهن الكنيسة ليسأله عن عظة المساء التى قدمها هذا الواعظ، وكانت الإجابة: "بالكاد احتملت الاستماع إليه لمدة عشر دقائق، لأننى كنت أشكو فى داخلى من العالم وضيقاته، وإذا بى أجد هذا الواعظ لا يكف عن مهاجمتى فلم أحتمل سماع صوته! يليق بنا أن نقدم مسيحنا للنفوس المجروحة فيتمتعون بلمسات حبه.

ثانياً: يتجلى انجيلنا فى سلوكنا وعبادتنا وحوارنا مع الآخرين بكونه "رسالة مبهجة للنفس"، نقدمه بمنهج مدرسة الإسكندرية خلال التفسير الروحى للكتاب المقدس بكونه دعوة للقاء مع الله مفرّح القلوب، دون تجاهل التفسير التاريخى وأيضاً السلوكى، ودون مبالغة فى استخدام هذه المناهج الخاصة بالتفسير.

أذكر إنساناً كان يعمل مع شخص بريطانى ملحد لمدة أسبوعين فى مصر. وفى أثناء استعداد البريطانى للعودة إلى بلده، قال له: للمرة الأولى التقيت بشخص متدين يحاور بروح الحب ولا يستخف بى كملحدٍ. لقد استرحت لكثير من كلماتك، وإن كنت لا أتفق معك فى كل ما قلته. إننى وضعت فى قلبى أن أعيد النظر فى حياتى وفى مبادئي. إننى لن أنسى كلماتك. "لقد تذوق فى حواره إنجيل الحب، فقبله.

يتجلى هذا الفهم في كلمات القديس مارإسحق السريانى، إذ يؤكد إن الدفاع عن الحق بدون الحب يحوّل إلى عنف وكراهية، كما أن الحب بدون أن يحمل الاشتياق إلى سلوك الكل بالحق يجعل الحب تسيباً.

ثالثاً: قمت لنا المجامع المسكونية صورة عملية للحوار سواء بين المؤمنين وبعضهم البعض أو مع الهراطقة. فمن أعظم القادة الذين قادوا الحوار القديسان أثناسيوس الرسولي وكيرلس الكبير. الأول نادى بأنه متى وُجد الفكر الواحد، لا نجعل الألفاظ تفصلنا عن بعضنا البعض. والثانى فى دفاعه عن طبيعة كلمة الله المتأنس التى مزقها نسطور، أرسل إليه يعلن حبه له، وإن كان لا يقبل الخطأ. الاثنان يجاهدان بكل قوة على حفظ وحدانية الكنيسة الجامعة بروح الحب الحقيقى والإيمان المستقيم[18]1.

رابعاً: الكرازة بإنجيل المسيح وليس بالثقافة المحلية. ففي القرن الرابع إذ كرزت الكنيسة بالإنجيل فى أثيوبيا، راعت الثقافة الأثيوبية، بل تُرجمت الكتابات القبطية إلى الأمهرية، وكان للأثيوبيين أدوات موسيقية وألحان وأيقونات تكشف عن غنى ثقافتهم، بل وكانت لهم ليتورجياتهم وكان الذين يخدمون الكلمة فى أثيوبيا يلتزمون بالحفاظ على الثقافة الأثيوبية. لم يكن دور الكنيسة القبطية إحلال الثقافة القبطية محل الثقافة الأثيوبية. إنما يعتز كل مؤمن بعمل الثالوث القدوس ويُعبّر عنه بثقافته[19]2.

خامساً: يليق بالمؤمن لكي يشهد لإنجيله أن يكون ناجحاً فى كل شئ ما استطاع وذلك بواسطة النعمة الإلهية. نذكر على سبيل المثال ما كتبه المؤرخ يعقوب نخلة روفيلة:

[وممن اشتهر من القبط فى أيام الدولة الأيوبية من أهل العلم والعرفان (المعرفة)، والذين تقلدوا الوظائف العالية، وحازوا ألقاب الشرف والتمييز، وعثرنا على أسمائهم فى تواريخ الأقباط والمسلمين: (ذكر أسماء أكثر من عشرين شخصاً وعدد مواهبهم وكتاباتهم ومراكزهم سواء فى المجتمع أو فى الكنيسة). وغيرهم من رجال الإكليروس والعلمانيين الذين يضيق المقام بذكر أسمائهم، وجميع هذه المؤلفات وغيرها من تأليف علماء وأفاضل الأمة القبطية الذين عاشوا قبل هؤلاء والذين نبغوا بعدهم موجودة بخط اليد...

ومما يُذكر بالثناء على الخلفاء الفاطميين وملوك الدولة الأيوبية أنهم أطلقوا للأقباط عنان للحرية للدفاع عن دينهم، فألف بعضهم مؤلفات واسعة جديرة بالاعتبار أثبتوا فيه بالبراهين القاطعة والحجج الدامغة صحة معتقدتهم وديانتهم[20]1.].

أكمل المؤرخ حديثه قائلاً: "وكان يمكن للأقباط تحسين حالهم أكثر والتدرج فى العلوم والمعارف لو لم ينشغل كبارهم وعلماؤهم ولا سيما سكان العاصمة بالمنافسات والمخاصمات الداخلية في غالب الأحيان بسبب مطامع أئمتهم واهتمامهم بمنفعتهم الشخصية أكثر من الفائدة العمومية".


[17] 1 أرجو بمشيئة الله أن استعرض نظرة القديس إكليمنضس السكندرى أحد عمداء مدرسة الإسكندرية فى "السلوك فى المسيح يسوع.".

[18] 1 راجع كتاب "الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كنيسة علم ولاهوت".

[19] 2 راجع كتاب "الأرثوذكسية والتقليد" الفصل الأخير.

[20] 1 يعقوب نخلة روفيلة "تاريخ الأمة القبطية"، للطبعة الثانية 2000، (وهى مطابقة للطبعة الأولى سنة 1898)، ص 183 - 189.

[21] 1 Cf. The Author: God, Alexabdra, 1994,.

No items found

الإيمان العامل بالمحبة1

ب- الكاتيشيزم القبطى عبر العصور

فهرس المحتويات
فهرس المحتويات

المحتويات