أسرار الكنيسة السبعة – الباب الرابع – القس أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: أسرار الكنيسة السبعة – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

المن

كما نظرنا إلى العشاء الأخير على أنه الفصح الجديد وبدء الخروج الجديد فهناك سؤال ما هو الطعام الذى سيقدمه المسيح لشعبه خلال الرحلة. فإسرائيل بعد الخروج تاهوا فى البرية 40 سنة حتى دخلوا أرض الميعاد. وكان الله يعولهم يوميا بطعام خاص يمطره عليهم من السماء هو المن.

وفى هذا الباب ندخل للمفتاح الثانى لفهم سر العشاء الأخير – فاليهود كانوا منتظرين منا جديدا من السماء. وكما إستخدم المسيح إعتقادات اليهود أيامه وإنتظارهم لفصح جديد ليكشف عن تقديم نفسه ذبيحة فى العشاء الأخير، هكذا إستخدم المسيح إنتظار اليهود لمن سماوى جديد يعطيه لهم المسيا المنتظر، موسى الجديد، ليكشف عن طبيعة سر الإفخارستيا الفائق للطبيعة. وكما إستخدم المسيح قصة خروف الفصح ليشرح الإفخارستيا فهو إستخدم قصة المن ليشرح سر الإفخارستيا (يو6 : 35 – 59). ووعد بأن يعطى هذا المن الجديد لمن يؤمن به. لذلك علينا أن ندرس أهمية المن الذى أعطاه الله لشعبه من السماء أيام موسى :-

1) من الكتاب المقدس.            2) وأيضا من تقاليد الربيين اليهود.

المن فى خيمة الإجتماع وكيف نظر اليهود للمن ؟

قدسية وعظمة المن فى نظر اليهود

راجع قصة المن فى (خر16) وباقى أسفار موسى. وكان المن ينزل من السماء يوميا حتى دخلوا أرض الميعاد مع يشوع . وهى معجزة بكل المقاييس. أما المتشككين المعاصرين الذين يرفضون المعجزات، فهؤلاء قالوا أنها ظاهرة طبيعية فى سيناء حيث تفرز بعض الأشجار مادة لزجة تشبه خواص المن – ولكن هذه الأشجار تفرز هذه المادة لشهور قليلة خلال السنة فقط وبكميات قليلة، ربما كل ما تفرزه أشجار سيناء لا يتعدى نصف طن سنويا . أما المن السماوى فكان يوميا، ويكفى حوالى 3 مليون شخص يوميا (الرجال فوق سن العشرين أكثر من 600000 ألف رجل) . وإنقطع المن بصورة مفاجئة بعد دخولهم الأرض، فلو كان ظاهرة طبيعية فلماذا إنقطع فجأة بعد عبورهم نهر الأردن. وكان مهما جمع كل إنسان كثَّر أو قلَّل، يجد أنه جمع مقدار عُمُرْ (مكيال يهودى = لتر تقريبا) . بل كان يصلح لمدة يوم واحد ثم يفسد، أما المن الذى حفظوه فى طاس المن ووضعوه داخل تابوت العهد فلم يفسد. وراجع (مز78 : 23 – 25 ، 29) لترى أن مصدر المن أنه أتى من السماء. وهى معجزة مضاعفة، فالمن كان ينزل من السماء صباحا، وطيور من السماء ليلا.

  • رأى اليهود كل ما على الأرض من مقدسات أن له صورة أصلية فى السماء، فهناك هيكل سماوى يقيم الله فيه محاطا بربوات الملائكة. وضع الله المن فيه. وفهموا أن هناك هيكل سماوى يقيم الله فيه من قول إشعياء النبى “تطلع من السموات وأنظر من مسكن قدسك” (إش63 : 15). والهيكل الأرضى هو نوع من الأشياء المرئية كعلامة مادية للهيكل غير المرئى فى السماء. وهكذا المن له وجود أصلى فى الهيكل الأصلى السمائى.
  • خلق الله المن قبل سقوط آدم فى عشية يوم السبت الذى إستراح فيه الله. ولأن الله خلقه قبل سقوط آدم كان المن طاهرا لم تمسه الخطية. وتقول كتب اليهود ومعلميهم أن الله أيضا خلق مع المن عصا موسى التى أفرخت ولوحى الوصايا العشر. ولأن المن خُلِق قبل الخطية فالأكل من المن هو عودة للحياة فى جنة عدْن.
  • يشرف الملاك ميخائيل على المن الذى خلقه الله.
  • هناك طاحونة يطحن فيها الملائكة المن. وكانوا يمطرونه على سيناء لذلك كانوا يسمونه خبز الملائكة.
  • مع مجئ المسيا سيمطر الله المن ثانية.
  • المن له مذاق العسل لأنه كان عربونا للأرض التى تفيض لبنا وعسلا، فهو تذوق سابق لحلاوة أرض الميعاد. وبعد أن دخلوا للأرض التى تفيض لبنا وعسلا وتذوقوا حلاوتها، أصبح لا معنى للعربون، لذلك توقف.
  • هو خبز معونة أثناء الرحلة لذلك توقف بعد دخولهم أرض الميعاد.
  • كان محفوظا فى قدسية فى وعاء موضوع فى تابوت العهد. إذاً هو ليس مجرد خبز بل هو شئ مقدس وطاهر ومخلوق قبل السقوط والتلوث. ولاحظ قول الكتاب أن المن الذى سيحفظ فى طاس المن ويوضع فى تابوت العهد، كان يحفظ للرؤية “لكى يروا الخبز الذى أطعمتكم فى البرية” (خر16 : 32). فهو للأكل اليومى وهو لينظروه. (ولاحظ أن المن المحفوظ فى تابوت العهد لم يفسد كما كان المن يفسد فى اليوم التالى – *وألا يشير هذا لنبوة داود “لن تدع قدوسك يرى فسادا”. *وإذا كان غطاء تابوت العهد يرمز للعرش، فهناك فى العرش جسد المسيح الذى قام من الأموات دون فساد، *بعد أن رأيناه،*ونأكل من جسده كعربون وجودنا فى عرشه

(رؤ3 : 21). قالوا أيضا أن المن أبدى.

  • وحيث أنه موجود فى السماء فسيمطره الله مع مجئ المسيا المخلص الجديد كما أمطره من السماء مع موسى المخلص القديم. والمسيا سيبقى معهم على الأرض فترة مؤقتة قبل بدء العالم الآخر خلالها يأتى المن بطريقة معجزية ويأكله الأبرار. وسيرى اليهود أعمالا معجزية أخرى من المسيا. لذلك كانت معجزة الخمس خبزات إشارة لمعتقداتهم وفهموا أنه المسيا، موسى الثانى وأنه أتى كملك لذلك أرادوا أن يجعلوه ملكا (يو6 : 15)، وسألوه أن ينزل المن من السماء. ولكن ليس لمدة 40 سنة فقط بل دائما حسب إعتقادهم اليهودى “إعطنا فى كل حين هذا الخبز” .
  • وفى (يو6) بدأ المسيح يشرح أصله السماوى، ثم ربط بين المن والأكل من جسده. وأهمية ذلك ليحيوا أبديا. وهذا ما نفذه عمليا ليلة خميس العهد. وقال أن جسده مأكل حق ودمه مشرب حق.
  • وقال المسيح أن من يأكل جسده لن يموت ولكن من أكل من المن ماتوا.
  • كان المن عند نزوله فى سيناء شئ معجزى، لم يرى اليهود شيئا مثله وتساءلوا “من هو” وقالوا عنه أنه خبز الملائكة. وكان فكر اليهود أيام المسيح أن المن حقيقة سماوية أى موجود فى السماء.
  • واليهود الذين سمعوا المسيح كان لكلامه عن الخبز النازل من السماء صدى من إيمانهم وإنتظارهم لهذا الخبز. ومن صدَّق المسيح فَهِم أن الخروج الجديد المنتظر قد بدأ بالمسيح يسوع موسى الثانى.
  • فهل إذا كان اليهود يفهمون أن المن هو شئ معجزى فهل كانوا يتوقعون من المسيح أن يعطيهم أشياء رمزية. وهل يكون المن الجديد مجرد خبز عادى وخمر عادى. فى هذه الحالة يكون المن القديم الذى نزل أيام موسى أعظم من الخبز الذى يعطيه المسيح.
  • ولم تكن الرموز أبدا أسمى من الحقائق، فهل كان داود الملك، رمز المسيح الملك أعظم من المسيح، وهل كان سليمان الحكيم بانى الهيكل أعظم من المسيح حكمة الله ومؤسس هيكل جسده أى الكنيسة. والمسيح نفسه قال “ها هنا أعظم من سليمان”. ويونان كان رمزا للمسيح فهل يونان أعظم من المسيح، والمسيح يقول”وهوذا أعظم من يونان ههنا”(لو11 : 32). وهكذا وبنفس المنطق لا يمكن للمن الذى كان رمزا للطعام الذى يعطيه المسيح أن يكون أسمى من الطعام الذى يعطيه المسيح.
  • لو كان المسيح يعتبر أن الإفخارستيا طعام عادى ما كان شبهها بالمن.

وهناك سؤال الآن هل أشار المسيح فى أقواله لهذا المن السماوى وهل إستخدم إعتقاد اليهود هذا فى المن السماوى ليشير للإفخارستيا؟   حدث هذا مرتين:-

  • الأولى فى الصلاة الربانية.
  • والثانية (يو6) وفى كلامه مع الشعب كرر المسيح كثيرا موضوع المن النازل من السماء.

الأولى :- خبزنا كفافنا (الذى للغد) أعطنا اليوم

Give us this day our daily bread (MAT). Give us each day our daily bread (LUK).

وهنا يثور سؤالين …

1) هل يُعَلِّم المسيح تلاميذه فعلا أن يصلوا ويطلبوا الطعام اليومى.

2) لماذا تكرار كلمة DAY إذ نرى فى نفس الآية DAY & DAILY والتكرار إن لم يكن مقصودا به شيئا لا يحدث فى الكتاب المقدس . ولماذا لم يقل المسيح Give us our daily bread”” ولكن السبب أن الأصل اليونانى غير واضح تماما.

وأصل كلمة DAILY باليونانية  إبيوسيوس. Give us our epiousios bread ولا نعرف الأصل العبرى أو الأرامى الذى علم به الرب يسوع هذه الصلاة الربانية. وكلمة إبيوسيوس اليونانية هى كلمة نادرة فى اليونانية ولم تستخدم سوى هنا. والقديس جيروم ترجمها SUPERSUBSTANTIAL فإذا كانت كلمةSUBSTANTIAL تعنى الشئ الرئيسى أو الجوهرى (أى ما يحتاجه الإنسان ليعيش) ، تكون كلمة SUPERSUBSTANTIAL تعنى الشئ الذى يفوق ما هو جوهرى أو الشئ الرئيسى. هو شئ فائق للطبيعة. وترجمها القديس كيرلس أسقف أورشليم خبز مقدس وفائق. والقديس جيروم والقديس كيرلس حللوا الكلمة هكذا (EPI وتعنى على أو أعلى أو فوق + OUSI وتعنى ما يحتاجه الإنسان ليعيش). وترجمها قديس آخر هكذا “خبز سمائى أو طعام الخلاص”.

أما الآخرون فقد قسموا الكلمة بطريقة أخرى، وإستنتجوا أن معناها خبزنا أى إحتياجاتنا اليومية وهؤلاء حللوا الكلمة هكذا (epi ten ousan) وهذه تعنى للوقت الحالى وهى التى أدت لترجمة “خبزنا كفافنا”. وإستبعدت كنيستنا هذا التحليل كما سنرى حالا السبب فى ذلك.

وقال آخرون أنها كلمة جديدة مستحدثة ومركبة إستعملها القديس يوحنا.

ولا يمكن أن يقال عن الطعام العادى أنه SUPERSUBSTANTIAL ولكنه الخبز المقدس.

والخبز المقدس كما يفهمه اليهود هو المن النازل من السماء بطريقة معجزية. وربما أنه فى عصرنا الحالى قد لا يدرك السامع ما يقصده المسيح فى الصلاة الربانية بقوله خبزنا الذى للغد أو خبزنا الفائق للطبيعة أو خبزنا الإعجازى النازل من السماء … إلا أن اليهود الذين كانوا يسمعون المسيح أدركوا أنه يتكلم عن المن السماوى الخاص بالخروج الجديد الذى ينتظرونه. وهذا متفق مع بقية الصلاة الربانية والتى نطلب فيها قائلين “ليأتى ملكوتك”.

والحقيقة أن الكلمة لندرتها لم يتفق المترجمون على ترجمة واحدة لها، ولكن يصح ترجمتها هكذا بالطريقتين فالله مسئول عن كلا الخبز اليومى والإحتياجات اليومية، ومسئول أيضا عن الطعام السمائى ويعنى الشبع بالمسيح. والكنيسة علمتنا بأن نصليها “خبزنا الذى للغد أو خبزنا الآتى”، كما علمنا المسيح”لذلك اقول لكم لا تهتموا لحياتكم بما تاكلون وبما تشربون. ولا لاجسادكم بما تلبسون. اليست الحياة افضل من الطعام والجسد افضل من اللباس. انظروا الى طيور السماء. انها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع الى مخازن وابوكم السماوي يقوتها. الستم انتم بالحري افضل منها. ومن منكم اذا اهتم يقدر ان يزيد على قامته ذراعا واحدة. ولماذا تهتمون باللباس. تاملوا زنابق الحقل كيف تنمو.لا تتعب ولا تغزل. ولكن اقول لكم انه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها. فان كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويطرح غدا في التنور يلبسه الله هكذا افليس بالحري جدا يلبسكم انتم يا قليلي الايمان فلا تهتموا قائلين ماذا ناكل او ماذا نشرب او ماذا نلبس. فان هذه كلها تطلبها الامم. لان اباكم السماوي يعلم انكم تحتاجون الى هذه كلها لكن اطلبوا اولا ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم. فلا تهتموا للغد. لان الغد يهتم بما لنفسه. يكفي اليوم شره”(مت6 : 25 – 33) . ومن تعليم الرب فى هذه الآيات، نفهم أنه لا يعقل أن يعلم المسيح أن نصلى ونطلب الطعام فهذا يتعارض مع تعاليمه. بالإضافة لأن الطعام العادى يعطيه الله لكل الخليقة حتى أصغر حشرة. بل ونفهم أن باقى الصلاة الربانية كلها هى طلبات تخص السماويات فهل تخرج هذه الآية عن سياق الموضوع وتنزل بنا للأرضيات. وهل يسبق طلب الطعام الجسدى طلبنا أن يغفر الله لنا خطايانا وأن يحفظنا من الشرير.

ونلاحظ أن الشعب اليهودى لم يكن محتاجا للمن فى مصر ولا يحتاج المن فى أرض الميعاد، لكنه إحتاج المن بعد الخروج، أى بعد أن إفتتح موسى الخروج القديم. وهكذا فى الخروج الجديد فنحن نحتاج للمن (الإفخارستيا) بعد أن بدأ المسيح الخروج الجديد. وسنظل نحيا عليه حتى دخول السماء (أرض الميعاد) . الآن ونحن ما زلنا فى هذا الجسد الترابى الذى سكنت فيه الخطية (رو7 : 20) والخطية هى موت (رو5 : 12) . لأننا بالخطية ننفصل عن الثبات فى المسيح فلا شركة للنور مع الظلمة (2كو6 : 14)، ولا يوجد من لا يخطئ (1يو1 : 8 ، 10). لذلك نحتاج للإفخارستيا غفرانا للخطايا ولنظل أحياء. أما فى السماء فلا خطايا، فالسماء لا يدخلها شئ دنس (رؤ21 : 27) ، وهناك نتخلص من الأجساد الترابية ومن شهواتها. ولأنه لا خطية فسيكون إتحادنا بالمسيح نهائى. ولن نحتاج للإفخارستيا لنثبت فى المسيح بعد إنفصال كان يحدث على الأرض بسبب خطايانا.

وأتصور وهذا تصور شخصى، أن الروح القدس هو الذى أوحى للقديس يوحنا ليستخدم هذه الكلمة. وأن ذلك كان لنفهم أن الله مسئول عنا فى كل شئ – فالكتاب كله موحى به من الله ويوحنا كتب إنجيله باليونانية. وهذا لأن ليس كل الناس على نفس المستوى الإيمانى، فمن هو مبتدئ تجده مهتم بطلب الخبز اليومى والإحتياجات اليومية. وتجده مطمئنا حين يطلبها من الله. أما الفاهمون فهم يهتمون بطلب ملكوت الله أولا.

ثانيا :- عظة المسيح عن خبز الحياة (يو6 : 35 – 58)

فخاصم اليهود بعضهم بعضا قائلين كيف يقدر هذا ان يعطينا جسده لناكل. فقال لهم يسوع الحق الحق اقول لكم ان لم تاكلوا جسد ابن الانسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم. من ياكل جسدي ويشرب دمي فله حياة ابدية وانا اقيمه في اليوم الاخير. لان جسدي ماكل حق ودمي مشرب حق” (يو6 : 53 – 55).

هل قصد المسيح هذا الكلام حرفيا أو رمزيا؟ وكيف يقدر المسيح أن يجعل جسده ودمه مأكلا ومشربا؟ وألا يعتبر هذا كسرا للناموس الذى يمنع شرب الدم. وهل كما يقولون أن هذا يجعلنا من آكلى لحوم البشر. إن تلاميذ المسيح الذين لم يفهموا كلامه إنصرفوا عنه وقالوا إنه كلام صعب ولم يتقبلوه. والمسيح تركهم ينصرفون وأصر على أقواله ولم يقبل أى حل وسط. فكما تذمر أباءهم على المن قديما تذمروا هم على المن الجديد. ومن تذمروا وإنصرفوا فهموا الكلام عن الجسد والدم بمعناه الحقيقى وليس الرمزى.

وحدث من قبل أن المسيح تكلم رمزيا ولم يفهم تلاميذه فشرح معنى كلامه، كما حدث فى مثل الزارع وكلامه عن الخمير. ولكن هنا لم يقل المسيح أنه يقصد شيئا آخر، بل “قال يسوع للاثني عشر العلكم انتم ايضا تريدون ان تمضوا” . ولم يقل بطرس يا رب لم نفهمك .. أو .. فسر لنا هذا المثل … كما قالوا فى مثل الزارع مثلا، بل أخذوا كلام المسيح عن الجسد والدم حرفيا.

ووجدنا أن المسيح قد أعطى لتلاميذه مفتاحين للفهم فى الآية

“فإن رأيتم ابن الإنسان صاعدا  إلى  حيث كان أولا” صاعدا  = تشير لقيامته وصعوده  حيث كان أولا =  تشير لأنه سماوى . فلا يقدر إنسان عادى أن يقول هذا الكلام ويعطى جسده مأكلا، ونحن لا نأكل جسده الميت، فهذا هو ما يسمى الأكل من لحوم البشر، ولكن الأكل سيكون من جسده الحى الذى قام من الأموات. ولذلك ربط المسيح الأكل من جسده بالحياة الأبدية لمن يأكل. فالجسد الذى نأكله فيه حياة أبدية.

وبعد الصعود لن يبقى جسده محددا ومرتبطا بزمان أو مكان. بل يظهر بالصورة التى يريدها وفى أى مكان كما ظهر لتلميذى عمواس فى الطريق، وظهر للأنبا بيشوى كرجل كبير محتاج، ودخل العلية والأبواب مغلقة. وهكذا نأكل من جسده فيدخل فينا وبالصورة التى يريدها هو، وبالصورة التى يتقبلها الإنسان، أى الخبز والخمر وبهذا تدخل فينا حياته.

* أخذ زوينجل البروتستانى كلمة المسيح “الروح هو الذي يحيي. اما الجسد فلا يفيد شيئا. الكلام الذى أكلمكم به هو روح وحياة” (يو6 : 63) . وإنتزعها من سياق الكلام وقال أن كلام المسيح مجازى :-

  • ولكن المسيح لم يقل أن جسدى لا يفيد شيئا، وإلا لعارض المسيح نفسه فى هذه الأيات التى كرر فيها ضرورة الأكل من جسده، وأن الأكل من جسده هو شئ أساسى (ذكرت كلمة جسدى 6 مرات فى 7 أيات من 51 – 57) .
  • لو كان المسيح يقصد المعنى الرمزى وأن الجسد لا يفيد شيئا، أما كان يكتفى بقوله تأكلون جسدى دون أن يتعرض لشرب الدم، فشرب الدم هذا – هو مرفوض تماما من اليهود بل ومنفر لهم.
  • ولاحظ أنه قال الجسد لا يفيد شيئا، ولكنه لم يقل أن الدم لا يفيد شيئا، فهل الجسد كان رمزا وكان الدم حقيقة.

وهل يفترض زوينجل والبروتستانت أن جسد المسيح الذى تجسد به وصلب به

أنه لا يفيد شيئا. والكتاب يقول “والكلمة صار جسدا” ليموت المسيح بجسده ويقوم لخلاصنا (يو1 : 14) .

  • هل يمكن أن نأخذ كل كلام المسيح أنه رموز كما فعل زوينجل؟ قطعا لا يمكن. فالمسيح حينما قال “الروح هو الذى يحيى” فهل كان يقصد بالروح هنا المعنى المجازي؟ قطعا لا. ولاحظ أنه فى (يو4 : 24) “الله روح” فهل الله شئ رمزى. ولاحظ أن الكلمة المستخدمة فى اليونانية لا تعنى رمز، ففى كلا العهدين كلمة روح لها معنى الواقع أكثر من أى شئ فى العالم المادى.
  • والجسد وحده لا يفيد شيئا، لكن الجسد المتحد باللاهوت يعطى حياة.
  • ولكن نفهم قول المسيح عن الجسد أنه جسده كما يراه اليهود أمامهم، فهم قالوا عنه “أليس هذا ابن النجار.أليست أمه تدعى مريم وإخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا” (مت13 : 55) ولذلك قال لهم المسيح مرة “أنتم تحكمون بحسب الجسد” أى بحسب مظهر الجسد الذى أمامكم (يو8 : 15) .
  • وكما رفض الفريسيين المسيح لأنهم رأوه إنسانا، ولم يعرفوا أصوله السماوية. هكذا هنا هم رفضوا كلامه وإنصرفوا لأنهم لم يفهموا طبيعة المن السماوى غير الطبيعى. ولم يفهموا أن المسيح سيعطيهم جسده المقام من الأموات بطريقة معجزية تحت أعراض الخبز والخمر.
  • لقد قال المسيح أشياء صعبة على مسامع اليهود، وربما هى صعبة على كثيرين حتى اليوم، ولم يحاول أحد أن يفسرها رمزيا مثل :- * كما قال للمفلوج “مغفورة لك خطاياك” . وكما قال عن نفسه “رب السبت” حينما قطف تلاميذه السنابل يوم السبت. والله هو الذى عمل السبت “أنه أعظم من الهيكل” والهيكل يسكنه الله ولا شئ أعظم من الهيكل إلا الله نفسه. “قبل إبراهيم أنا كائن”، وكائن لا تقال سوى عن الله. “أنا والآب واحد” . لذلك حاولوا رجمه عدة مرات. فهذه كلمات لا يقولها سوى الله. وهكذا لا يقول تأكلوا جسدى سوى الله الحى ليعطينا حياة أبدية.

وما قاله المسيح هنا كان متفقا مع تعاليم الربيين، ففى تفسيرهم قالوا  “إن من يخدم الرب حتى الموت سيستحق خبز العالم الآتى”. ويعنى العالم الآتى فى تعاليم اليهود هو زمن الخلاص. وفى هذا الزمن ليس فقط أن الله ينفذ وعده بإرسال المسيا بل أن الله سيجدد الخليقة كلها بإقامة الأموات وتغيير صورة العالم المرئى إلى سموات جديدة وأرض جديدة (إش64 ، 65) .

  • فهل هذا الخبز هو خبز عادى الذى كان اليهود ينتظرونه من المسيا المنتظر، بل كان ما قاله المسيح متفقا تماما مع إيمانهم ورجائهم فهم قالوا..أن من يخدم الرب بأمانة سيستحق خبز العالم الآتى وهذا فى زمن الخلاص. وقارن هذا مع قول الرب”أن من يأكل هذا الخبز (المن الجديد) سيقوم ويحيا إلى الأبد” (آية54) .
  • “فى هذا الزمن سينفذ الله وعده بإرسال المسيا الذى يجدد الخليقة بالقيامة من الأموات وتغيير صورة العالم لسماء جديدة وأرض جديدة”.

❖ فهل يأتى المسيح ويكلمهم عن رموز، ويعطيهم خبزا عاديا، وهل من يأكل خبز عادى يحيا للأبد !!

❖ وهل بهذا الفكر الرمزى يكون المسيح هو المسيا الذى ينتظرونه. ألا تكون فكرة الطعام العادى محبطة لليهود الذين يسمعونه.

❖ ولنقارن بين حديث المسيح فى يو6 وبين كلمات المسيح فى العشاء الأخير، ونرى أنهما متوازيان فنفهم أن المسيح قصد فى حديثه فى (يو6) ما نفذه ليلة خميس العهد. ونرى أن المسيح حين أراد أن يتكلم عن الإفخارستيا لم يشر للفصح ولا خبز الحضرة بل للمن النازل من السماء بحسب توقعات اليهود فى زمان المسيح.

❖ فما له هذه الأهمية ويعطى حياة لمن يأكله لن يكون شيئا رمزيا.

❖ ولاحظ أن هناك شيئان فقط فى الكتاب المقدس الأكل منهما يعطى حياة أبدية

  • شجرة الحياة التى فى جنة عدن.
  • هذا الخبز السماوى الذى يعطيه المسيح والذى يتكلم عنه هنا. ويقول المسيح أنه الخبز النازل من السماء. وربما يشير هذا لمفهوم اليهود أن المن موجود فى السماء وقبل السقوط مثل شجرة الحياة التى فى الفردوس. ومع كل هذا فلو كان قصد المسيح أن الإفخارستيا مجرد طعام عادى ما كان المسيح قد إستخدم تشبيه المن وله كل هذه القدسية عند سامعيه من اليهود.

شرب الدم

منع الله شرب دم الحيوانات فى العهد القديم وشرح هذا بأن الحياة فى الدم (لا17 : 11). ولنفس السبب أعطانا المسيح دمه لنشربه. وهكذا كانت حياة المسيح فى دمه. والمسيح أراد لنا أن نشترك فى حياته المقامة من الأموات وهى حياة أبدية، لنحيا أبديا.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found