الأَصْحَاحُ الأَوَّلُ – سفر أخبار الأيام الأول – القمص تادرس يعقوب ملطي

هذا الفصل هو جزء من كتاب: 13- تفسير سفر أخبار الأيام الأول – القمص تادرس يعقوب ملطي.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

مقدمة في سفري أخبار الأيام الأول والثاني

جاء اسم السفر عن الترجمة اللاتينية الفولجاتا "سفر الأخبار liber Chronicorum". في الأصل العبري يُدعَى "أحداث الأزمنة Devri Hoyyamim" أو تسجيلات الأيام[1] Registers of days، وفي الترجمة السبعينية "الأمور المتروكة Paralipomeno things left over" التي لم تُذكَر في سفري الملوك[2].

الكاتب غير معروف، ربما يكون عزرا حسب التقليد اليهودي، كتبه بعد الرجوع من السبي البابلي مباشرةً.

يرى البعض أن هذيْن السفريْن مرتبطان بأسفار عزرا ونحميا وأستير[3]. تشهد بذلك محتويات السفريْن:

  1. أشارا إلى العودة من السبي بُناءً على منشور كورش الفارسي (2 أي 36: 21 - 22).
  2. سُجِّلا بعد عصر إرميا النبي الذي عاصر السبي (2 أي 35: 25)، ورثى أورشليم على خرابها، والهيكل على دماره، والشعب على ترحيله للسبي.
  3. يرى البعض أن لغة السفرين هنا ضعيفة؛ وهذا ما ظهر في الأسفار التي كُتِبَت بعد السبي مباشرةً، فدخلت بعض كلمات غريبة على اللغة العبرية خلال ترحيل اليهود من أراضيهم، واحتكاكهم بشعوبٍ أخرى في السبي.
  4. واضح أن الكاتب كان على الأقل معاصرًا لزرُبابل، قائد أول دُفْعَة من الراجعين من السبي، وأنه على علاقة وثيقة به، مُهْتَم به وبعائلته وابنته شلومية (1 أي 3: 19).
  5. جاء اسم حطوش (1 أي 3: 22)، الوارد أيضًا في (عزرا 8: 2)؛ وهو من نسل داود، رجع مع عزرا من بابل.

بين سفري أخبار الأيام وسفري عزرا ونحميا.

كتاب الأخبار أو كتاب أخبار الأيام (والسنين) سفران في كتابٍ واحدٍ: كلاهما يُكَوِّنان تاريخ شعب إسرائيل من آدم إلى قرار كورش بالرجوع من سبي بابل سنة 538 ق. م[4].

حسب التلمود اليهودي يُعتبَر عزرا الكاهن الذي كتب السفر المنسوب إليه في العهد القديم، هو كاتب سفري أخبار الأيام[5]، وهذا ما يؤكده الكثير من الدارسين.

إن كان بعض الدارسين قد رفضوا هذا الرأي، غير أننا لا نستطيع تجاهل العلاقة الوثيقة بين سفري الأخبار وسفري عزرا ونحميا.

1. تُشِيرُ محتويات سفري الأخبار إلى مؤلف كهنوتي، بسبب التأكيد على الهيكل والكهنوت والعبادة الجماعية، والخط الثيؤقراطي لداود في مملكة يهوذا الجنوبية.

2. يوجد تشابُه كبير بين أسلوب سفري الأخبار وسفر عزرا، حيث تشترك هذه الأسفار في وجهة النظر الكهنوتية وخدمة الكهنوت والعبادة في الهيكل، والطاعة للتشريع الإلهي وذِكْر الأنساب. كذلك فإن العبارتين الختاميتين في سفر أخبار الأيام الثاني (2 أي 36: 22 - 23) تتكرران في افتتاحية سفر عزرا (عز 1: 1 - 3). هاتان العبارتان تفتحان لنا نافذة على زمن بناء الهيكل الثاني وحياة شعب إسرائيل في أيام الفُرْس. ربما كان سفر عزرا مُكَمِّلاً لسفري الأخبار، كما هو الحال في إنجيل القديس لوقا وسفر أعمال الرسل.

3. توجد تعبيرات وردت في سفري الأخبار كما في سفر عزرا لم تكن معروفة قبل العودة من السبي، مما يؤكد أن عزرا هو كاتب هذه الأسفار[6].

التكامل بين سفري أخبار الأيام وسفري عزرا ونحميا.

1. إن كان سفر عزرا قد اهتم بإعادة بناء الهيكل الذي حرقه البابليون، وسفر نحميا بترميم أسوار أورشليم لحفظ المدينة من الأمم المُعادِية لإسرائيل أو يهوذا، فإن سفري أخبار الأيام عالجا الأساس الروحي والكتابي لما تحتاجه هذه الدولة التي فقدت استقلالها، بل ووجودها الحقيقي.

لقد عاد البعض من اليهود إلى أورشليم، لكن بلا ملكٍ، بينما سبق فوعد الله أن يبقى نسل داود على العرش إلى الأبد. يؤكد السفران أن نسل داود فقد العرش بسبب إصراره على الشرِّ. وجاء السفران يُعِدَّان القلوب لقبول المُخَلِّص ابن داود، ملكًا على القلوب ورئيس كهنة سماويًا إلى الأبد. وعود الله قائمة وأمينة، تتحقق حسب الفكر الإلهي الفائق، وليس حسب الفكر البشري الحرفي.

2. اهتم السفران على وجه الخصوص بسبطي يهوذا الملوكي، واللاويين الكهنوتي. لكن خلال العصيان، فقد السبطان دورهما إلى حدٍ كبيرٍ. صارت هناك حاجة مُلِحَّة إلى ملك وكاهن وذبيحة في نفس الوقت، قادر أن يحمل البشرية المؤمنة إلى العرش الإلهي.

الإصلاح الذي قام به عزرا ونحميا وغيرهما، في جوهره إعداد لمجيء السيد المسيح، ابن داود حسب الجسد، وهو ملك الملوك، ورئيس الكهنة السماوي، والذبيحة القادرة أن تحمل خطايا العالم، إذ هو حمل الله، وعوض الخطية يُلْبِسنا برَّه الفائق.

3. إن كان كورش الفارسي قد سمح بعودة زرُبابل إلى أورشليم وهو من نسل داود، فإنه لم يرسله ملكًا له كمال الحرية في التصرُّف، بل كأحد المرازبة sutrapies يُعَيِّنهم الإمبراطور الفارسي كحكام لمناطق مُعَيَّنة. لم تكن في نيَّة الإمبراطور ترك زرُبابل في أورشليم على الدوام، ولا استقلاله عن الإمبراطورية الفارسية.

فمع ما أعطاه كورش من حق اليهود في العودة إلى بلدهم، وشعوره بأن الله قد طلب منه أن يبني له بيتًا في أورشليم، لم يكن في ذهن كورش إقامة مملكة لنسل داود.

4. مع بهجة الكثيرين بالعودة إلى أورشليم، وإعادة بناء الهيكل، وبناء سور أورشليم، والبدء في تقديم ذبائح ومُحرَقات للربِّ، بقيت أسئلة كثيرة في أذهان البعض يصعب أن يجدوا لها إجابات صريحة عملية، فذُكِرَ منها:

  • تطلَّع كثير من الشيوخ الذين رأوا في طفولتهم هيكل سليمان بكونه أحد عجائب الدنيا، فصار بعضهم يَبْكُون، إذ لا وجه للمقارنة بينه وبين الهيكل الجديد. صاروا يتساءلون: تُرَى هل يأتي وقت يهدمون فيه الهيكل الجديد باعتباره هيكلاً مؤقتًا، ويُقِيمون هيكلاً كالهيكل القديم؟ ومن الذي يفعل هذا؟ وهل يوجد من ينفق عليه كما فعل داود قبل موته وأيضًا ابنه سليمان؟
  • هل يمكن أن يعود الكهنوت في نقاوته ومجده كما في أيام هارون؟
  • هل من مقارنة مع العبادة في الهيكل، خاصة في الأعياد، كما كان يحدث في أيام سليمان، حيث كان يجتمع الشعب من كل الأسباط؟
  • هل سيسترد كل سبط نصيبه في الأرض التي استلمها من يشوع وتوارثتها الأجيال؟
  • هل تسترد إسرائيل وحدتها بين كل الأسباط، ويكون لها عظمتها ومجدها وغناها وسلطانها كما في أيام سليمان؟
  • كلما عَبَرَ الزمن اعتاد سكان أورشليم ويهوذا على الخضوع والاستسلام للإمبراطورية الفارسية التي وهبتهم العودة كمنحةٍ، لكن لم تتركهم يختارون لأنفسهم ملكًا من نسل داود. فأين هو الوعد الإلهي بخصوص بيت داود؟ هل بالفعل سيتحقق؟ هل ستتحقق نبوات الأنبياء حتى في أثناء السبيّ، كقول الرب على لسان حزقيال: "وأُقيم عليها راعيًا واحدًا، فيرعاها عبدي داود، هو يرعاها، وهو يكون لها راعيًا، وأنا الرب أكون لهم إلهًا، وعبدي داود رئيسًا في وسطهم. أنا الرب تكلمتُ" (حز 34: 23 - 24). "فيكونون لي شعبًا، وأنا أكون لهم إلهًا. وداود عبدي يكون ملكًا عليهم، ويكون لجميعهم راعٍ واحدٍ، فيسلكون في أحكامي، ويحفظون فرائضي، ويعملون بها. ويسكنون في الأرض التي أَعطيتُ عبدي يعقوب إيَّاها، التي سكنها آباؤكم، ويسكنون فيها هم وبنوهم وبنو بنيهم إلى الأبد، وعبدي داود رئيس عليهم إلى الأبد" (حز 37: 23 - 25).

وقول الرب على لسان زكريا النبي: "وأفيض على بيت داود وعلى سكان أورشليم روح النعمة والتضرعات" (زك 12: 10).

الآن بعد العودة من السبي، جاء هذان السفران يستعرضان خطة الله بخصوص بيت داود الملوكي والمهتم بعبادة الله الحيّ. لكن يقف اليهودي الراجع ليرى مملكة الشمال لم يعد لها وجود. ولم تُذكَر العاصمة "السامرة" في هذين السفرين سوى ثمان مرات، وجميعها تظهر في حالة حرب ومقاومة ليهوذا وأورشليم.

بين سفري أخبار الأيام وسفري صموئيل الثاني والملوك الثاني.

كُتِبَ سفرا صموئيل الثاني والملوك الثاني قبل السبيّ، أما سفرا الأخبار فبعد العودة من السبي. سفرا صموئيل الثاني والملوك الثاني يتتبعان الجانب التاريخي من وجهة النظر النبوية، أما سفرا أخبار الأيام فيُرَكِّزان على الجانب الكهنوتي التعبُّدي، وعلى طقس الهيكل. يبرز الكاتب بركة الرب ونعمته على داود الذي كان يشتهي بناء الهيكل، وإذ لم يُسمَح له، اهتم بتدبير الإمكانيات المادية لابنه سليمان كي يحقق شهوة قلب أبيه، كما اهتم بتنظيم العبادة وفِرَق المُسَبِّحين.

كثيرًا ما اهتم ملوك يهوذا بالهيكل على خلاف ملوك إسرائيل المُقاوِمين للهيكل.

يرى القديس جيروم أن سفري أخبار الأيام الأول والثاني هما خلاصة العهد القديم[7].

يحتوي سفرا أخبار الأيام الأول والثاني على تاريخ الأمة اليهودية، خاصة ما هو مكتوب في أسفار صموئيل الثاني والملوك الأول والثاني، فيُحسَب أشبه بتفسيرٍ روحيٍ لأسفار صموئيل والملوك[8]. إنهما يشتملان على تاريخ اليهود من بداية حُكْمِ شاول الملك إلى صدقيا الملك. فهل يعني هذا أن أخبار الأيام الأول والثاني هما تكرار لما ورد في أسفار الملوك بلا هدف؟ بالتأكيد لا، للأسباب التالية:

1. يستخدم الكتاب المقدس أحيانًا الإعادة إلا أن هناك حكمة في هذا، مثال ذلك: يوجد بعض التكرار في كل من إنجيلي مرقس ومتى، ولكن الروح القدس في حكمة يراعي في توصيل كلمة الله أن يُعطِي الحقيقة مُرَكَّزة ثم يعود ويختار بعض الأجزاء ليُسَلِّطَ الضوء عليها. وكأن الروح القدس ينظر إلى المساحة خلال تليسكوب، ثم يختار جزءًا مُعَيَّنًا، ويوضحه لنا بالتفصيل تحت الميكرسكوب. هذا هو ما حدث تمامًا في سفري أخبار الأيام الأول والثاني.

2. بينما يُمَثِّل سفر صموئيل الثاني وسفرا الملوك الأول والثاني التاريخ السياسي لإسرائيل ويهوذا، فإن سفري أخبار الأيام الأول والثاني يُقَدِّمان النظرة الدينية لنسل داود في مملكة يهوذا. ويمكن القول بأنهما يُمَثِّلان وجهة النظر الكهنوتية والروحية، بينما الأسفار السابقة تُمَثِّل وجهة النظر النبوية والأخلاقية.

3. في سفري الأخبار يتخطَّى الله الأساس الذي كُتِبَ في أسفار صموئيل والملوك لكي يُؤكد أشياء يعتبرها مهمة، فمثلاً:

أ. التركيز في سفر أخبار الأيام الأول يقع على داود، والتركيز في سفر أخبار الأيام الثاني يقع على نسله. وعند ذكر انقسام مملكتي الشمال والجنوب نجد أن مملكة الشمال قد أُهمِلَتْ.

ب. لا يذكر سفر أخبار الأيام الأول أغلب أخطاء وضعفات داود، لأن الله غفرها له تمامًا، ولذلك لا يذكرها ثانية.

ج. يعطي سفرا الملوك تاريخ الأمة من وجهة نظر العرش، بينما سفرا الأخبار من وجهة نظر المذبح. في سفر الملوك القصر هو المركز، بينما في سفر الأخبار الهيكل هو المركز.

د. سفرا الأخبار هما تفسير لسفري الملوك، لأننا كثيرًا ما نرى ذكر العبارة الآتية في الملوك: "أليس هو مكتوب في سفر أخبار ملوك إسرائيل؟".

لمن كُتِبَ السفران؟

كُتِبَ هذان السفران بالأكثر للملوك والقادة الدينيين، ليدركوا أن القائد الحقيقي هو الله، فلا يتشامخ أحد أو يعتدُّ بذاته. كما قدَّمه للشعب، ليدركوا أن خلاصهم يتحقق لا بفضل القادة وقدرتهم، وإنما بالرجوع إلى الله. ونحن كمسيحيين، ندرك أن خلاصنا هو بالمسيح الملك الحقيقي ورئيس الكهنة السماوي وحمل الله المبذول، ليقود موكبنا إلى السماء.

يفتح لنا هذان السفران أبواب الرجاء في مراحم الله، الذي وإن أدَّبنا بسبب خطايانا، إنما إلى لحظة، فيفيض بمراحمه علينا. كما يكشف لنا عما يتوقعه الله من مؤمنيه كقادةٍ وشعبٍ.

هذا ويعلن السفر بطريقٍ أو آخر أن رجاءنا كله في إسرائيل الجديد، كنيسة المسيح، حيث يكون ملكها وكاهنها والذبيحة والشفيع هو السيد المسيح، ابن داود، يحمل البشرية إلى مملكته الأبدية.

تقسيم سفر أخبار الأيام.

كان سفرا أخبار الأيام في الأصل سفرًا واحدًا، مثل أسفار صموئيل والملوك، وقد تمَّ تقسيمه إلى جزأين في الترجمة السبعينية في القرن الثالث قبل الميلاد.

في ذاك الوقت أُعطي اسم Pawa leipomenon أو "التي لم تُذكَر" أو "الأشياء المحذوفة"، إشارة إلى الأشياء التي لم تُذكَر في أسفار صموئيل والملوك.

يرجع اسم "أخبار الأيام" إلى القديس جيروم في الفولجاتا (385 - 405 ق. م) وهو الذي رأى أنه حيث أن السفريْن يُعتبرَان مُلَخَّصًا للعهد القديم، لذلك من الأفضل أن يُسميا "أخبار Chronicon" كل التاريخ المُقدَّس.

الظروف المحيطة بالكاتب.

على الرغم من أن كاتب سفري أخبار الأيام يُسجِّل أحداث نفس الحقبة الخاصة بأسفار صموئيل والملوك، وأحيانًا يستعمل نفس اللهجة، وربما يستعير من صفحاتها، إلاَّ إنه يكتب من وجهة نظر مختلفة وكتابته لها صفة مُميَّزة. ففي الوقت الذي كُتِبَ فيه هذان السفران كان شعب إسرائيل يجتاز حقبة حرجة جديدة في تاريخه تختلف عما كانت عند كتابة أسفار صموئيل والملوك.

لقد رجع عزرا إلى اليهودية في عام 458 قبل الميلاد، وكان نظام الملكية مُعَلَّقًا لمدة 130 عامًا بعد معاناة مُرَّة من الملوك الأشرار، ولم يكن عند الأمة رجاء أو تفكير في تجديد الملكية. وكان قد مضت عشرات السنوات منذ أن عاد أول فوج من السبي، عندما بدأوا في إعادة تثبيت الأمة في أورشليم، كانوا قد استسلموا لوضعهم كرعايا للإمبراطورية الفارسية، وكانت حكومتهم المدنية على نمط شعبٍ مقهورٍ، وإن كانت صفتهم القومية واضحة ومميزة، إلاِّ أنها أخذت شكًلا مختلفًا، إذ لم تكن بعد ملكية ودينية بل دينية فقط.

فيما عدا ما يخص الديانة، كانوا خاضعين للحكام وقوانين الإمبراطورية التي أصبحوا جزءًا منها. في إطار ديانتهم، كانوا بالأكثر عبرانيين ومازالوا خاضعين للثيؤقراطية theocracy لكن بشكلها الخارجي الذي كان قد تغيَّر مرة أخرى. فالملكية ولَّتْ ومعها سلسلة الخدام المُتميزين التابعين لحُكْمِ الله، أيّ سلسلة الأنبياء التي كانت ضابطة ومُنظِّمة للملكية. ومن ثَمَّ أصبح المُمَثِّل الأرضي للثيؤقراطية هو المُمَثِّل لرئاسة النظام الديني، أيّ رئيس الكهنة، وأصبحت قومية الشعب دينية منذ ذلك الوقت فصاعدًا.

كان هذا التغيُّر في الشعب العبراني هو السبب الذي دعا عزرا لإعادة كتابة الجزء الأخير من تاريخ جنسهم، فسفرا الملوك أشارا إلى العلاقة بين المملكتين مع النظام المميز مُمَثَّلاً في الأنبياء، بينما سفرا الأخبار أشارا إلى العلاقة بين مملكة داود الشرعية مع النظام العام للخدمة والعبادة المُرتّبة من الله. هذا المفتاح لغرض إعادة سرد التاريخ، لكي يهيئ الفكر أن ابن داود هو مَرْكَز التاريخ كله. في نهاية الأصحاح العاشر لسفر أخبار الأيام الأول بدأ يتابع المملكة الثيؤقراطية.

في سرد تاريخ داود وسليمان أرَّخَ الكاتب تقريبًا من وجهة النظر الدينية المحضة، وشغل مُلْك داود عدة أصحاحات أغلبها خُصِّص لنقل التابوت إلى أورشليم، وتحديد موقع الهيكل، والتحضير لبنائه، ووضع الترتيبات الخاصة بالعبادة الإلهية. أما العلاقات العائلية لداود، وخطيته مع بثشبع، وعصيان أبشالوم وأدونيا، ومزمور الشكر لانتصاره، وكلماته الأخيرة فلم تُذكَرْ.

كذلك الحال في سرد تاريخ سليمان، حتى خُصِّصَتْ ستة أصحاحات من تسعة لبناء الهيكل وتكريسه (2 أي 2 - 7)، أما الأمور الدنيوية المُختصَّة بالأربعين عامًا لملكه، فقد لُخِّصَتْ تقريبًا في ثلاثة أصحاحات (2 أي 1، 8 - 9).

كذلك كُتِبَ سرد لتاريخ الملوك اللاحقين بنفس الطريقة:

1. هرب الكهنة واللاويون من عبادة يربعام الخاطئة في المملكة الشمالية، وشَدَّدوا مُلْك رحبعام بتَجَمًّعهم حوله (2 أي 11: 13 - 17). كما جاء نداء أبيا إلى رعايا يربعام متهكمًا على عبادته التي هي مزيج بين عبادة الأصنام وعبادة الله الحي، هذه التي اخترعها. وقارن بينها وبين الأمجاد الدينية القديمة التي احتفظ بها في أورشليم (2 أي 13: 9، 12).

2. قام آسا بإحياء العبادة في الهيكل، وتجديد العهد بين الله وشعبه "وطلبوه بكل رضاهم، فوُجِد لهم، وأراحهم الرب من كل جهة" (2 أي 15: 1، 15). ويماثل ذلك أخبار ملك يهوشافاط ويوآش. وفي سرد أخبار يوآش أُعطِيَتْ أهمية خاصة لرئيس الكهنة يهوياداع لموقفه أثناء الكارثة التي سبَّبتها عثليا بقتل كل نسل داود (2 أي 23). وأيضًا السرد الطويل لمُلك حزقيا ويوآش حيث وصف في أصحاحات عديدة التجديدات التي تمَّتْ في الهيكل وخدمة الهيكل وترك أصحاحات قليلة لوصف الخدمات الأخرى (2 أي 29، 31، 34 - 35).

من الواضح أن غرض عزرا من كتابة سفري الأخبار هو أن يضع أمام اليهود اعتبارًا خاصًا لتاريخهم، لكي يظهر لهم أنه من قبل تكوين حكمهم كثيؤقراطية، فإن الأمجاد وكذلك الضعفات حتى الخاصة بالملك داود كان لها صلة وطيدة بالاعتراف بحضور الله خلال المحافظة على العبادة التي قرَّرها الله لهذا الغرض. والهدف من وجهة نظر تاريخهم بهذه الطريقة هو لتقوية الوعي الديني لقوميتهم، ولتعليمهم أن قمة مجدهم هو مُلْك الله عليهم، وأنه بالرغم من أن هذا المُلْك كان يُمارَس خلال الأنبياء إلاَّ أن مظهره العادي والطبيعي كان الاعتماد على النظام الكهنوتي (اللاوي).

ارتباط مملكة إسرائيل ببيت الرب.

1. سليمان الملك الذي اتَّسم بالحكمة والغِنَى، واشتهر اسمه في العالم، تبدو حياته كأنها تُرَكِّز على بناء بيت الرب. كما نراه يشفع ويُصَلِّي عن الشعب. كان رمزًا لمسيحنا الذي هو شفيعنا الكفَّاري السماوي (١ يو ٢: ١–٢).

  • أية عظمة لحمل الله الذي ذُبِحَ لكي يرفع الخطية ليس عن قليلين بل عن كل العالم، الذي من أجله تألم؟ "لأنه إن أخطأ أحد، فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار، وهو كفارة لخطايانا، ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا العالم أيضًا" (١ يو ٢: ١–٢). إذ هو مُخَلِّص كل بشرٍ، ولاسيما المؤمنين (١ تي ٤: ١٠). إنه هو الذي محا الصك الذي كان علينا بدمه، ورفعه من الوسط، فلم يعد أثر للخطايا التي وُجِدَتْ بل مُحِيَت، مُسَمِّرًا إياها على الصليب، هذا الذي إذ جرَّد الرئاسات والسلاطين أشهرهم جهارًا، ظافرًا بهم في الصليب (كو ٢: ١٤–١٥). هكذا تعلَّمنا أن نكون فرحين حينما نتألم في العالم. نتعلَّم عِلَّة فرحنا، وهي أن العالم قد انهزم (يو ١٦: ٣٣). وبالتأكيد خضع لمن غلبه. لهذا كل الأمم تتحرَّر ممن سيطروا عليهم، وصاروا يخدمونه، إذ ينقذ الفقراء من الجبار وذلك بقوة آلامه، ويُخَلِّص المسكين الذي لا مُعِين له (مز ٧٢: ٤–٥) [9].

العلامة أوريجينوس.

2. يظهر الارتباط بين المملكة وعبادة الرب في الملوك الأتقياء. نقرأ عن الملوك الصالحين، مثل يهوشافاط وحزقيا ويوشيا أن سرَّ نجاحهم هو ارتباطهم بالهيكل والعبادة للرب.

3. في أيام آحاز الملك الشرير، إذ حاول تدمير العبادة لله، وكان يحمل بغضة شديدة لبيت الرب، تدمَّرت المملكة جزئيًا في عصره.

مع كل مقاومة لإبليس ضد العبادة لله، يرسل الله قائدًا أو أكثر ليُصلِحَ ما فسد، حتى عندما سقطت مملكة إسرائيل وبعدها يهوذا في السبي، أرسل الله أنبياء لرَدِّ الشعب إلى الله، وتكلم في قلب كورش الفارسي لعودة الشعب إلى أورشليم وإعادة بناء الهيكل.

مقاومة إبليس لبيت الرب لا تتوقَّف، بل تتزايد حتى عندما جاء كلمة الله المتجسد، حوَّل مقاومة إبليس ليُصْلَبَ ربُّ المجد عن العالم كله لخلاص البشرية. وسيبقى العدو يقاوم بيت الرب حتى مجيء ضد المسيح ليُفسِدَ العالم، لكن مع كل مقاومة يرجع الكثيرون إلى الرب، ويتزكَّى أولاد الله، حتى تُعلَن الكنيسة العروس المجيدة التي تتمتَّع بشركة الأمجاد الأبدية.

نظرة عميقة لدور الملك أو القائد[10].

يُقَدِّم السفران للراجعين من السبي إجابة على التساؤلات الخفية التي كانت تدور في أذهانهم، تمسُّ حياة كل مؤمنٍ وتسند من يتمتَّع بعمل الله الذي يَرُد الإنسان من سبي الخطية، ومذلَّة العبودية لإبليس، ليعيش في كنيسة المسيح، أورشليم الروحية، عربون السماء.

بلا شكٍ فقد الراجعون من السبي الأمل في قيام مَلِكٍ من بيت داود يجلس على الكرسي، ليَرُدَّ لإسرائيل كيانه كمملكة يقودها ملك قادر أن يقف بين ملوك الأمم والشعوب المحيطة مرفوع الرأس. يرون في الملك عمودًا يستند عليه الشعب كما كل مؤمنٍ، فلا يقدر عدو أن يغتصب منهم أرض الموعد التي ورثوها منذ أيام يشوع، وامتدَّت في أيام داود، وسادها السلام في أيام سليمان.

ما يؤكده السفران أن سرَّ القوة في الملك أو القائد هو التصاقه بالرب، واهتمامه بالعبادة الصادقة المستقيمة، وحفظه لشريعة الرب، وارتباطه بالوصية الإلهية.

فإن كان داود الملك هو المثال الأعلى الذي يُقَاس عليه نجاح الملك أو فشله، فإن سرَّ نجاح داود لا قدرته على الإدارة ولا جاذبية شخصيته، ولا شجاعته، ولا خبرته العسكرية، إنما يُقَدِّم لنا سفر أخبار الأيام الأول داود، بكونه أشبه بموسى. كما كان موسى قائدًا لشعب الله في البريَّة، هكذا كان داود قائدهم في أرض كنعان. انشغل داود بتنظيم الشعب باسم الرب، واهتم بالإعداد لبيت الرب، لكي يُعلِنَ سُكنَى الله وسط شعبه، كما أقام موسى خيمة الاجتماع، حيث يجتمع الله بشعبه.

عندما يتحدث سفر أخبار الأيام الثاني عن ملك صالح في يهوذا يقول: "عمل المستقيم في عينيْ الرب"، ويضيف أحيانًا عبارة "كما فعل داود أبوه". فَسِرُّ نجاح داود، أنه عمل المستقيم في عينيْ الرب، لا في عينيْ نفسه، ولا في أعين القادة أو الشعب.

وعندما تحدَّث سفر أخبار الأيام الثاني عن سليمان كمَلِكٍ، أبرزه كمن لا عمل له إلا بناء الهيكل الذي وضع تصميمه أبوه بإرشاد إلهي، ودشَّنه بأُبَّهة لا مثيل لها.

وفي عرضه لملوك يهوذا الذين جلسوا على العرش بعد سليمان حتى أيام السبي، ما يشغل الكاتب أن يُعْلِنَ إن كان الملك قد عمل المستقيم في عيني الرب، أم عمل الشر.

وكأن الكاتب يود أن يُوَجِّه أنظارهم لا إلى البشر لأنهم ضعفاء وراحلون من هذا العالم، إنما يتطلَّعون أن يجلس ابن داود على كرسيه في داخل كنيسته المُقدَّسة كما في قلب كل مؤمنٍ.

يليق بهم كما بنا ألا ننشغل بأرضٍ في هذا العالم، إنما بسيد الأرض كلها، القادر أن يهبنا أرضًا جديدة وسماءً جديدة، بتقديسه لأجسادنا كما لنفوسنا، فيسكن برُّ المسيح فينا، ويعلن بهاءه في داخلنا!

إن ما قلناه عن داود وسليمان، وعن الهيكل والعبادة، يقودنا إلى نظرة خاصة تجعل الله مَلِكًا على شعبه في أرضه. فالجماعة اليهودية أسَّسها الله، وجعل داود مَلِكًا عليها. بل الله هو الملك الوحيد، أما داود فيجلس على عرش الله، باسم الله. وحينئذ يُصَوِّر كتاب الأخبار مملكة الله كما يُمَثِّلها أي إنسان.

كأن سفري أخبار الأيام أرادا توجيه أنظار العائدين من السبي إلى المَلِك الأبدي البار الممسوح ليُقِيمَ خيمة داود الساقطة، وتمتد مملكته إلى أقاصي الأرض، ناموسها الحق والعدل الإلهي.

نقتبس هنا بعض نبوات عن شخصه العجيب كمَلِكٍ سماوي ومملكته الفائقة:

"أقيم لداود غصن برّ، فيملك ملك وينجح ويُجري حقًا وعدلاً في الأرض" (إر 23: 5).

"اسألني، فأعطيك الأمم ميراثًا لك، وأقاصي الأرض مُلْكًا لك" (مز 2: 8).

"كرسيُّك يا الله إلى دهر الدهور، قضيب استقامة قضيب ملكك. أحببتَ البرَّ وأبغضتَ الإثم، من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك... جُعلت الملكة عن يمينك بذهب أوفير..." (مز 45).

"اللهم أعطِ أحكامك للملك، وبرّكَ لابن الملك. يدين شعبك بالعدل ومساكنك بالحق... يملك من البحر إلى البحر، ومن النهر إلى أقاصي الأرض" (مز 72).

"وفي أيام هؤلاء الملوك يُقِيمُ إله السماوات مملكة لن تنقرض أبدًا، وملكها لا يُترك لشعبٍ آخر، وتسحق وتفني كل هذه الممالك، وهي تثبت إلى الأبد" (دا 2: 44).

"كنتُ أرى في رؤى الليل، وإذا مع سُحُبِ السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام، فقرَّبوه قدامه، فأعطي سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبَّد له كل الشعوب والأمم والألسنة، سلطانه سلطان أبدي ما لا يزول، وملكوته لا ينقرض" (دا 7: 13 - 14).

يُدعَى السيد المسيح "ملك الملوك". هو الملك السماوي، نتحد به، فنحمل الشركة في سمته كملكٍ، فنُحسَب ملوكًا، ويُدعَى هو "ملك الملوك" (1 تي 6: 15؛ رؤ 17: 14؛ 19: 16).

  • الذين كانوا يُمسَحون في العهد القديم هم إما كهنة أو أنبياء أو ملوك. أما نحن المسيحيين، أصحاب العهد الجديد، فيلزم أن نُمسَح لكي نصير ملوكًا مُتسلِّطين على شهواتنا، وكهنة ذابحين أجسادنا، ومُقَدِّمين إياها ذبيحة حيَّة مُقدَّسة مرضيَّة عبادتنا العقليَّة، وأنبياء لإطلاعنا على أسرارٍ عظيمةٍ جدًا وهامة للغاية.
  • ليتنا لا ننزع عنا الختم الملوكي والعلامة الملوكية لئلا نُحسَب مع غير المختومين، فلا نكون أصحاء، إنما يليق بنا أن نكون متأسسين بثبات على الأساس، فلا نُحمَل إلى هنا وهناك[11].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

  • أنت لا تسكن إلا في بيت نظيف ونقي، وتلحقك الإهانة إن سكنت في بيتٍ قذرٍ.

كيف يحلُّ ملك الملوك ورب جميع الأرباب في نفس مملوءة حمأة نتنة؟

اطرد من نفسك كل شر الأهواء الشريرة، حينئذ يحلُّ عندك الملك وجيشه العظيم[12].

القديس مار يعقوب السروجي.

السلالة الكهنوتية في سفري الأخبار.

كما اهتم السفران بالسلالة الملكية، اهتمَّا أيضًا بالسلالة الكهنوتية. وقد أبرزا نظرة عميقة للكهنوت:

1. يربط السفران بين العمل الملكي والعمل الكهنوتي، فازدهار بيت داود يصحبه ازدهار الكهنوت، وانحراف أحدهما يؤثر على الآخر.

يكشف السفران عن اهتمام الكهنة باستمرارية عرش بيت داود، وفي نفس الوقت الغيرة القوية للغاية التي للملوك الصالحين من بيت داود على الهيكل والعاملين فيه. فنرى يهوياداع الكاهن يهتم أن يخفي الطفل يوآش من عثليا حتى لا تقتله، وبالتالي يوجد شخص من بيت داود يستلم العرش بعد ست سنوات، وكان عمره سبع سنوات. ومن الجانب الآخر، إذ صار يوآش ملكًا كان مهتمًا بتجديد الهيكل إلى يوم وفاة يهوياداع. وحينما قتل يوآش الملك زكريا بن يهوياداع الكاهن قيل في السفر: "لم يذكر يوآش الملك المعروف الذي عمله يهوياداع أبوه معه، بل قتل ابنه" (2 أي 24: 22) [13].

2. أكَّد سفر أخبار الأيام الثاني التزام الملوك ألا يغتصبوا العمل الكهنوتي، ولا الكهنة العمل الملوكي، لكن الفريقين يعملان معًا في تناغمٍ وانسجامٍ لبنيان شعب الله. سرد السِفْر الحادث الفريد أثناء مُلك عُزِّيا الذي حاول اقتحام الخدمة المُقدَّسة الكهنوتية، فدخل الهيكل ليُبَخِّرَ، ولما قاومه الكهنة عَضَّدهم الله بقوته (2 أي 26: 16، 21)، إذ ضُرِبَ بالبرص في الحال، واضطر أن يقضي بقية سنوات حياته في بيت المرض، وكان ابنه يوثام يُدِير المملكة في هذه الفترة.

3. أبرز سفر أخبار الأيام الثاني ضعفات الكهنة، فجاء فيه: "لأن اللاويين أكثر استقامة قلبٍ من الكهنة في التقديس" (2 أي 29: 34).

يدعونا السفر إلى طلب مَلِك من نسل داود، لكن ليس على مستوى ملوك يهوذا، بل يكون ملكه أبديًا ويمتد إلى كل الأمم. ليس أن يكون الملك في انسجامٍ وتوافق مع كهنة إسرائيل، بل وهو ملك الملوك هو بعينه رئيس الكهنة السماوي.

ما يشغل قلب المؤمن المسيحي في سفري أخبار الأيام هو أن يرى هذا الوفاق وقد تمَّ في أسمى صورة في كلمة الله المتجسد. فهو عجيب في ملوكيته، وعجيب في كهنوته. بهذا يرى المسيحيون أن ما ورد في سفري أخبار الأيام يخدم الإيمان المسيحي[14].

من جهة ملوكيته، بَشَّرَ الملاك جبرائيل القدِّيسة مريم عن تجسد الكلمة في أحشائها، قائلاً: "هذا يكون عظيمًا وابن العليّ يُدعَى، ويُعطِيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لمُلكِه نهاية" (لو 1: 32 - 33). أما عن كهنوته، فالمسيحي يؤمن أن يسوع المسيح قدَّم نفسه على الصليب ذبيحة خطية وذبيحة كفَّارة عن العالم كله. يقول السيد نفسه: "هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفَك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا" (مت 26: 28). ويقول الرسول: "المسيح مات من أجل خطايانا" (1 كو 15: 3). كما يقول: "لأنه يشهد أنك كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق" (عب 7: 17). "لنا رئيس كهنة مثل هذا قد جلس في يمين عرش العظمة في السماوات" (عب 8: 1).

أكَّد الرسول بولس في رسالته إلى العبرانيين الوحدة بين ملوكية السيد وكهنوته، فإن كهنوته يكمل بجلوسه على العرش في السماء. إذ كتب: "بعد ما صنع تطهيرًا لخطايانا جلس في يمين العظمة في الأعالي" (عب 1: 3)، وفي نفس الأصحاح يقول: "وأما عن الابن: كرسيُّك يا الله إلى دهر الدهور، قضيب استقامة قضيب ملكك" (عب 1: 8).

يُقَدِّم لنا القديس بولس في رسالته إلى العبرانيين صورة حيَّة للسيد المسيح كرئيس الكهنة على رتبة ملكي صادق، يدخل بنا إلى الأقداس السماوية، يشفع فينا بدمه، ويُقَدِّم حياته ذبيحة عنا. بدأ حديثه في الأصحاح الخامس عن هرون بكونه أول رئيس كهنة مدعوًا من الله مباشرة لهذا العمل، والمتفوق على جميع رؤساء الكهنة الذين خلفوه، لكنه يحتاج إلى تقديم ذبائحٍ عن نفسه بسبب ضعفه، قبل أن يُقَدِّمها عن الشعب، ليُقَدِّمَ لنا من هو أعظم منه بما لا يُقَاس، ربنا يسوع الذي يدخل بنا إلى الأقداس السماوية، يشفع فينا على مستوى جديدٍ وفريدٍ.

ما قلناه عن السيد المسيح كملك الملوك السماوي، نقوله عنه كرئيس الكهنة السماوي. فمن جانب، نتمتَّع بالشركة معه، فننعم بالكهنوت العام، نبسط أيادينا في الصلاة، فتُقبَل ذبيحة شكر وتسبيح لدى الآب خلال ابنه الكاهن الأعظم. ونُقَدِّم العبادة ككهنة نطلب عن العالم كله، فنُصلِّي الصلاة الربانية باسم الكنيسة كلها قائلين: "أبانا الذي في السماوات".

  • أنت هو الكاهن وأنت الذبيحة، أنت المُقَدِّم وأنت التقدمة! [15].
  • أظن أنه ليس أحد من بين المؤمنين يشكُّ بأن كهنوت اليهود كان رمزًا للكهنوت الملوكي الذي كان يلزم أن يتحقّق بالكهنوت الذي في الكنيسة، حيث يتكرَّس الكل، هؤلاء الذين يَنْتَمون إلى جسد المسيح، رئيس الكهنة الأعظم والأسمى. فالآن الكل ممسوحون، بينما في تلك الأيام كانت المسحة للملوك والكهنة وحدهم. وعندما كتب بطرس إلى الشعب المسيحي تحدَّث عن "كهنوت ملوكي"، وأظهر بوضوحٍ أن هذا الشعب يوصف باللقبيْن معًا هذه التي من أجلها قد تخصَّصت المسحة.
  • يُصَلِّي المسيح عنا، ويُصَلِّي فينا، ونُصَلِّي إليه. يصلي عنا بكونه كاهننا، ويصلى فينا بكونه رأسنا، ونصلي إليه بكونه إلهنا، لهذا نتعرَّف على صوتنا فيه، ونتعرَّف على صوته فينا.
  • ليُصلِّ كل واحد منَّا عن الآخر كما يشفع المسيح عنَّا[16].

القديس أغسطينوس.

  • عظيم هو الفارق! إنه هو الفدية والكاهن والذبيحة! فلو كان الأمر غير ذلك لصارت هناك حاجة إلى تقديم ذبائح كثيرة، وكان يُصلَب مرارًا كثيرة[17].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

اللاويون في سفري الأخبار.

إذ اهتم سفرا أخبار الأيام بخدمة الهيكل، نرى كلمة "لاوي" التي وُجِدَتْ فقط خمس مرات في سفر اللاويين في أصحاحٍ واحدٍ، نجدها تتكرر في سفري أخبار الأيام 99 مرة. أن أضفنا إلى السفريْن سفري عزرا ونحميا كمُكَمِّليْن لهما، نجد الكلمة في الأسفار الأربعة تتكرَّر 158 مرة أكثر من استخدامها في كل بقية أسفار الكتاب المقدس معًا.

هذا وقد جاءت أنساب العشائر الخاصة باللاويين هنا بتفصيل لم ترد في سفر آخر.

يكشف سفرا أخبار الأيام عن دور اللاويين في إحياء العبادة في فترة ما بعد السبي، وقد تزايد دورهم وأهميتهم عمّا كان قبل السبي.

لقد أعطى السفران للاويين دورهم في بث روح التسبيح والفرح في وسط هذا الشعب الذي حطَّمه السبي. كما كان اللاويون ملتزمين ببث روح الأمان في الهيكل والاطمئنان بجانب اهتمامهم بالتعليم وإدارة شئون الهيكل. يرى بعض الدارسين أن اللاويين قاموا بالكثير من أعمال الأنبياء في فترة ما قبل السبي[18].

جاء الحديث عن نشاط المُغَنِّين (المُسَبِّحين) في الهيكل والموسيقيين (2 مل 23: 13)، حتى ظن بعض الدارسين أن كاتب السفريْن حتمًا أحد أحفاد المُغَنِّين الذين عيَّنهم داود الملك للتسبيح في بيت الرب.

يُحَدِّثنا سفرا الأخبار عن خدام الهيكل، وكلهم من أبناء لاوي. فوظيفة الكهنة هي النفخ في الأبواق أمام تابوت العهد (1 أي 15: 24؛ 2 أي 13: 12)، ورشّ دم الضحايا على المذبح (2 أي 30: 16). أما اللاويون فليسوا عُمَّالاً من درجة دنيا، بل لهم دورهم في شعائر العبادة. كانوا يحملون تابوت العهد، ويفتحون أبواب الهيكل، ويحرسون مداخله، ويعزفون وينشدون، ويشاركون الكهنة في تهيئة الذبائح، لا في تقديمها (2 أي 29: 24؛ 30: 16 - 17). كانوا يشاركونهم في حمل كتاب شريعة الله وتعليم الشعب (2 أي 17: 7 - 9؛ 35: 3). ولقد اهتم سفرا أخبار الأيام بلوائح أنساب اللاويين، فلم ينسَ عشيرة من عشائرهم. كما أثنى على غيرتهم ومهارتهم الفائقة في خدمة الرب، فقال عنهم: "لأن اللاويين أكثر استقامة قلبٍ من الكهنة في التقديس" (2 أي 29: 34).

نتوقَّف هنا نحن المسيحيين عند أُسس العبادة في كنائسنا، عند دور الكهنة ومساعديهم في ممارسة الطقوس. للأشخاص دورهم الذي لا يُستغنَى عنه، ولشعائر العبادة أهميتها اليوم وفي كل يومٍ. كان لشعب العهد القديم طرق عبادته، التي تقوم بتقدمة الذبائح في الهيكل ورفع الصلوات إلى الله. وسيكون لشعب العهد الجديد طرق عبادته، حول الذبيحة الوحيدة، ذبيحة ربنا يسوع المسيح التي نعيشها على مذبحنا في القداس، وفي حياتنا في سائر الأسرار والطقوس. جوهر العبادة هو بذاته، التقوى ضرورية لتنقلنا من عالم البشر العادي إلى السماء.

اللاويون في العهد الجديد.

اهتمت الكنيسة منذ العصر الرسولي بالشمامسة، بكونهم يقومون بدور اللاويين في كنيسة العهد الجديد. شعر التلاميذ أنه ليس حسنًا لهم أن يرتبكوا بالأمور المادية، حتى وإن كانت لخدمة الأرامل والفقراء، فإن مَسَرَّتهم هي في نشر الكلمة والصلاة. فالكرازة هي العمل الأساسي للرسل، لن يسمحوا لتدبير شئون الكنيسة الإدارية أو المالية أن تسحب قلوبهم أو وقتهم عن هذا العمل. لقد حسب التلاميذ كل المهام المالية الخاصة بالكنيسة خدمة موائد. مع ما لها من أهمية، فهي ليست من اختصاص الرسل.

وضع الاثنا عشر شرطًا هامًا للشعب في اختيار السبعة شمامسة، وهو أن يكونوا "مملوءين من الروح القدس وحكمة" (أع 6: 3)، ليقوم هؤلاء بخدمة الموائد اليوميَّة، أي خدمة الأرامل والمحتاجين.

عمل الشمَّاس المؤتمَن على خدمة الموائد في الكنيسة، لا أن يقف عند إشباع احتياجاتهم الماديّة والنفسيّة والاجتماعيّة، بل أن يُقِيم من الفقراء والمحتاجين هيكلاً للرب السماوي الذي يسكنه الثالوث القدُّوس. لا يقف عمله أن يأخذ من عند أقدام الرسل المال ويُقَدِّمه للمحتاجين، بل أن يغرف من غِنَى نعمة الله فيه ويسكب في القلوب بروح الله الساكن فيه، وبالسيد المسيح نفسه، حكمة الله.

  • لقد اهتموا بسيامة الشمامسة حتى لا ينسحب (الرسل) من الالتزام بالكرازة بالكلمة[19].

القديس أغسطينوس.

  • لم يكونوا فقط مُجَرَّد رجال روحيين بل كانوا "مملوءين من الروح القدس وحكمة"، لأن خدمتهم تحتاج إلى مستوى عالٍ من التصرُّف بتعقُّلٍ حتى يتحمَّلوا شكاوى الأرامل. لأنه ما الفائدة أن يكون الخادم رجلاً أمينًا لا يسرق ومن ناحية أخرى يُبَدِّد الأموال أو يتعامل بفظاظة ويَسهُل إثارته؟

القديس يوحنا الذهبي الفم.

خدمة الهيكل في سفري الأخبار.

1. يُمكننا في اختصار أن نقول بأن سفري أخبار الأيام مشغولان بالملوك والكهنة واللاويين، وهؤلاء جميعًا شُغْلهم الشاغل هو خدمة الهيكل أكثر من كل الأعمال والانجازات الأخرى. كانت السلالة الملكية والكهنوتية والهيكل أعمدة يستند عليها المؤمن كما الأمة كلها كشعب الله. وحين زالت كل هذه الأعمدة، فقد الشعب رجاءه. كان لابد أن تزول على المستوى الحرفي، حتى لا يتعلَّق الشعب بالبشر الضعفاء، ولئلا يسند حياته على المباني التي لا تدوم. وحين ذهب الشعب إلى السبي، فهم الكثيرون أن الله هو سيد الأرض كلها، والسماء عرشه، والأرض موطئ قدميه. فهم الشعب ذلك، فكان يلزمهم أن يترقَّبوا الوعود الإلهية بمفهوم روحي جديد.

2. الهيكل والعبادة هما محور سفري أخبار الأيام، فيُقَدِّمان لنا تاريخ أورشليم المدينة المُقَدَّسة، والاحتفالات التي تُقَام في الهيكل. من أجل هذا، نرى السفريْن يتوسعان في ذكر سلسلة أنساب يهوذا لاوي لارتباطهما بالهيكل. وحين يذكر خلفاء داود يتوقَّف بصورة خاصة عند الملوك الذين كان شُغْلهم الشاغل بناء الهيكل وتنظيم شعائر العبادة. يظهر هذا الاهتمام أيضًا في سفري عزرا ونحميا. أما أبرز هؤلاء الملوك المُصلِحين فهم خمسة:

أ. آسا (2 أي 15).

ب. يهوشافاط (2 أي 20).

ج. يوآش (2 أي 24 - 25).

د. حزقيا (2 أي 29 - 31).

هـ. يوشيا (2 أي 34 - 35).

ويُحَدِّثنا سفر الأخبار عن الهيكل، فيقول: ليس هيكل إلا هيكل أورشليم، ولا عبادة شرعية إلا في المكان الذي اختاره الله لسكناه. ولهذا نراه يرفض كل المحاولات لتأسيس هيكلٍ غير هذا الهيكل الواحد. ويرفض إقامة الطقوس خارجًا عن الهيكل. ويقوم بهجومٍ عنيفٍ على السامريين الذين يبنون لهم هيكلاً على جبل جرزيم، بل تُغفَل أخبار مملكة السامرة التي قطعت كل علاقة بالهيكل بعد موت سليمان.

3. هذا الهيكل الذي أُعيِدَ بناؤه بعد الرجوع من السبي، ويتعلَّق به الشعب اليهودي، تنجَّس في زمن السلوقيين وأنطيوخس أبيفانُس في القرن الثاني ق. م. ولكن هيرودس جمَّله في بداية المسيحية ليصبح قبلة الأنظار. هُدِمَ هذا الهيكل سنة 70م، وتشتَّت كهنته، وأُلغيت ذبائحه، فتأسَّف عليه المسيحيون الجدد القادمون من العالم اليهودي. ولكن الرسالة إلى العبرانيين تُعْلِنُ لهم: لا فائدة من الذبائح إذ لنا ذبيحة واحدة هي يسوع المسيح. لا فائدة من الكهنة الذين يحتاجون أن يُقَدِّموا الذبائح الحيوانية عنهم وعن الشعب، لأن يسوع هو الكاهن والذبيحة الذي قدَّم نفسه مرة واحدة، فكان لنا سبب خلاص أبدي. ولا فائدة من هيكل من الحجر، لأن جسد يسوع هو الهيكل الجديد، ومركز حضور الله وسط البشر، فلا نحتاج إلى وسيط آخر.

الطاعة للشريعة في سفري الأخبار.

كانت العبادة في موضع واحد هو هيكل أورشليم، والإقامة في مدينة مُقَدَّسة بالإيمان والفرح والتهليل، بفضل وجود الكهنة واللاويين، أما الطاعة لشريعة الله، فهي أولى واجبات الشعب في حياته اليومية. والعلاقة بين الله والشعب تُترجَم بمبدأ المكافأة والمجازاة: برُّ الله يجازي بالبركة أمانة الشعب وإخلاصه لله، وهي تؤدب كل تخاذلٍ أو عصيانٍ، وبالأخص فيما يتعلَّق بالهيكل والعبادة. مثل هذا التعليم يبدو واضحًا في حياة خلفاء داود.

حاولت فئات صغيرة أن تعيش هذه الحياة الخاصة بالطاعة لشريعة الله على مستوى الأمة كلها.

نذكر الفريسيين وجماعة قمران الذين سعوا أن يطبعوا الحياة اليومية بطابع قدسي. لكن الفريسيين تحجَّروا حول الشريعة، وممارسات الأجداد بالحرف القاتل. وجماعة قمران انفصلوا عن الشعب، وابتعدوا عن الهيكل، وانغلقوا على ذواتهم. لكن الفكرة التي أعلنوها مازالت حية في جماعتنا الرهبانية، وإنما بمفهومٍ روحي والحب والصلاة عن البشرية كلها، خاصة تلك الجماعات التي تُكَرِّس حياتها للعمل والصلاة الليتورجية. مع اعتزالهم سواء في البراري أو الأديرة لم يفصلوا بين الحياة اليومية والحياة القدسية، فليس من استقلال الحياة اليومية عن شريعة الله التي تُنِيرها وتوجهها نحو الحب الإلهي والحب الأخوي.

النبوة في سفري الأخبار.

ترجع النبوة إلى أيام أبوينا في جنة عدن، حيث قيل عن نسل المرأة يسحق رأس الحيَّة، والحيَّة تسحق عقبه (تك 3: 15). ونسمع عن أول قائد لشعب الله عند تحريرهم من عبودية فرعون وهو موسى النبي. كما قيل عن أخته مريم إنها نبية، ووُجِدَ أنبياء في عصر القضاة، من بينهم دبُّورة النبيَّة. وفي أيام الملوك مثل شاول وداود وُجِد أنبياء.

في مملكة الشمال حيث تزايد الشر جدًا، خاصة في أيام أخآب وامرأته إيزابل، وُجِدَ إيليا وأيضًا إليشع الخ. وفي مملكة الجنوب ظهر أنبياء يُعلِنون إرادة الله، ويسندون الملوك والقادة والشعب مع دعوتهم للتوبة والرجوع عن الشر.

يكشف سفرا أخبار الأيام عن دور الأنبياء في المملكتيْن.

المسيح في سفري أخبار الأيام.

علينا كمؤمنين أن نُعْلِنَ الحضور الإلهي في حياتنا العملية على الدوام. إذا أردنا أن يأتي ملكوت الله، كما نطلب كل يومٍ في الصلاة الربانية، يلزمنا أن نتقدَّس على الدوام، فيعلن الرب ملكوته فينا بكوننا هيكله المقدس.

يرى بعض الآباء والدارسين أن غاية هذيْن السفريْن هو أن يضع المؤمنون رجاءهم في ابن داود الذي يملك على القلوب، ويُقِيم مملكته وهيكله داخل النفس.

مصادر السفرين[20].

واضح أن سفري أخبار الأيام اقتبسا من الأسفار الموحى بها السابقة لهما، كما توجد مراجع أخرى مثل السجلات العامة والأنساب الخاصة باليهود. فقد كان اليهود يهتمون جدًا بحفظ سجلات الأنساب، وأيضًا بتسجيل الحوادث التاريخية الهامة. يظهر ذلك من تعليق أخبار الأيام الأول على الإحصاء الذي قام به يوآب بن صروية كتعليمات الملك داود: "لأنه كان من جرى ذلك سخط على إسرائيل، ولم يُدوَّن العدد في سفر أخبار الأيام للملك داود" (1 أي 27: 24).

ولعل أهم المصادر للسفر، هي:

أ. سفر أخبار الأيام للملك داود (1 أي 27: 24).

ب. سفر أخبار صموئيل الرائي: "وأمور داود الملك الأولى والأخيرة هي مكتوبة في سفر أخبار صموئيل الرائي وأخبار ناثان النبي وأخبار جاد الرائي" (1 أي 29: 29).

ج. سفر أخبار ناثان النبي (1 أي 29: 29؛ 2 أي 9: 29).

د. أخبار جاد الرائي (1 أي 29: 29).

هـ. نبوة أخيَّا الشّيلونيّ: وبقية أمور سليمان الأولى والأخيرة، أما هي فمكتوبة في أخبار ناثان النبي، وفي نبوة أخيَّا الشّيلونيّ ورؤى يعدو الرَّائي على يربعام بن نباط "(2 أي 9: 29).

و. رؤى يعدو الرائي على يربعام بن نباط (2 أي 9: 29).

ز. مِدارَس (مدراش) النبي عدُّو: "وبقية أمور أبيَّا وطرقه وأقواله مكتوبة في مِدارَس (مدراش) النبي عدُّو" (2 أي 13: 22).

ح. سفر الملوك ليهوذا وإسرائيل: "وأمور آسا الأولى والأخيرة ها هي مكتوبة في سفر الملوك ليهوذا وإسرائيل" (2 أي 16: 11؛ 25: 26؛ 27: 7؛ 28: 26؛ 35: 27؛ 36: 8). هذا السفر غير سفري الملوك اللذين في أيدينا.

ط. أخبار ياهو بن حناني: "وبقية أمور يهوشافاط الأولى والأخيرة ها هي مكتوبة في أخبار ياهو بن حناني المذكور في سفر ملوك إسرائيل" (2 أي 20: 34).

ي. إشعياء بن آموص النبي "وبقية أمور عُزّيا الأولى والأخيرة، كتبها إشعياء بن آموص النبي" (2 أي 26: 22).

ك. رؤيا إشعياء بن آموص: "وبقية أمور حزقيا ومراحمه ها هي مكتوبة في رؤيا إشعياء بن آموص النبي في سفر ملوك يهوذا وإسرائيل" (2 أي 32: 32).

ل. أخبار ملوك إسرائيل: "وبقية أمور منسَّى، وصلاته إلى إلهه وكلام الرائين الذين كلَّموه باسم الرب إله إسرائيل ها هي في أخبار ملوك إسرائيل" (1 أي 33: 18).

م. أخبار الرائين: "وصلاته والاستجابة له (المنسَّى) وكل خطاياه وخيانته... ها هي مكتوبة في أخبار الرائين" (2 أي 33: 19).

ن. المراثي: "ورثى إرميا يوشيا، وكان جميع المغنين والمغنيات يندبون يوشيا في مراثيهم إلى اليوم، وجعلوها فريضة على إسرائيل، وها هي مكتوبة في المراثي" (2 أي 35: 25)، وهو غير سفر مراثي إرميا الذي سجَّله النبي، إذ هو خاص بموت يوشيا من مدة طويلة.

بجانب هذه المصادر توجد أيضًا مصادر أخرى أخذت عنها أبطال داود (1 أي 11: 10 - 47)، والذين جاءوا إلى داود في صقلغ (1 أي 12: 1 - 22)، كما يوجد مصدر به نصوص مثل رسالة إيليا النبي إلى الملك يهورام (2 أي 21: 12) لم يصل إلى أيدينا.

  • توجد معلومات وفيرة في سفري أخبار الأيام، كُتِبَتْ كاستمرارية لسفري الملوك ولحفظ ذكرى بعض الأحداث الهامة.

يبدأ السفر الأول بالأنساب التي وضعها لتأكيد أن الجنس البشري جاء عن إنسانٍ واحدٍ. وهو يُرَكِّز على مملكة يهوذا وحدها (عد 10: 14؛ قض 15: 10؛ 2 صم 2: 4، 7؛ عز 5: 8؛ نح 1: 3؛ 3: 1 - 32)، فيمكنه أن يخبرنا عن مدنها وقراها، وكيف أخذت أسماءها.

هنا نتعرَّف على ناثان (سيراخ 47: 1؛ 2 صم 7: 3، 8 - 17؛ 12: 1 - 14؛ 1 مل 1: 1، 14 22، 27، 32 - 38)، الذي منه أقام الطوباوي لوقا (لو 3: 23 - 38) بدء أنساب ربنا ومخلصنا، ابن داود، وأخ سليمان من ناحية أمه. وُلِدَ الأبناء في أورشليم: شيما وشوباب وناثان وسليمان، أي الأربعة أبناء تبنَّاهم مع برشبع (بثشبع) ابنة Ammiel.

راحاب Rahab نفسها التي أُشير إليها في أسفار كثيرة من الكتاب المقدس، يُقَال إنها من سبط يهوذا.

أيضًا يوضح بجلاء لماذا فقد رأوبين حق البكورية، واقتناها يوسف، وأخيرًا نال سبط يهوذا الكرامة العظمى.

"أبناء رأوبين بكر إسرائيل. كان البكر، ولكن لأنه نجَّس مضجع أبيه أُعطيت باكوريته لابنيْ يوسف بن إسرائيل، لهذا لم يُسَجَّل في الأنساب كبكرٍ، وقد صار يهوذا الشهير بين إخوته، وجاء الحاكم من سبطه مع أن البكورية أُعطِيَتْ ليوسف".

بإرادة الله صار ليهوذا كرامة أن يولد الرب حسب الجسد منه. هذا هو المعنى الملموس الذي تُعَبِّر عنه الكلمات: "قائد منه".

حقًا يبدو أن العبارة تؤكد ليس فقط أن ملوك الأرض يأتون من يهوذا، بل والملك الأبدي نفسه الذي بلا بداية ولا نهاية.

يصف أيضًا حال الأسباط التي خلف (شرق) الأردن، أي رأوبين وجاد ونصف سبط منسّى الذي مؤخرًا جاء في أبناء هاجر Naphiseans وكل الشعوب التي دخلت في صراع معهم.

بالإضافة إلى ذلك يروي النص كيف حاربوا وغلبوا، وجعلوا أبناء هاجر يهربون. ويُقَدِّم لنا تقريرًا عن سبب النصرة: "عندما نالوا عونًا ضدهم، أبناء هاجر وكل الذين معهم سُلَّموا في أيديهم، إذ صرخوا إلى الرب في المعركة، ووهبهم طلبتهم إذ وثقوا فيه". أخذوا من مواشيهم 50000 من جمالهم، 250000 من الغنم، و2000 حمارًا، وسبوا مئة ألف. قُتِلَ الكثيرون، لأن الحرب كانت من عند الله، وعاشوا في بلادهم حتى السبي[21] ".

ثيؤدورت أسقف قورش.

نظرة شاملة للسفريْن[22].

يُشَكِّل السفران نظرة تعود بنا إلى زمن الخلق، وتمتد بنا إلى القرن الخامس ق. م. وهو يضم أربعة أقسام.

القسم الأول: سلسلة أنساب (1 أي 1 - 9)، تقع في تسعة أصحاحات. يُقَدِّم لنا لوائح من الأنساب منذ آدم إلى الأسباط الاثني عشر، ومن الأسباط الاثني عشر حتى داود، وغايته أن يصل بسرعة إلى داود الذي اختاره الله.

لماذا يروي أخبارًا يعرفها القارئ؟ لأنه يريد أن يربط داود بأول إنسان على الأرض، وبالتالي يهيئ اليهود لقبول الأمم الإيمان عند مجيء المسيا ابن داود، كما يربط البشرية بابن داود.

تبدو هذه الفصول التسعة جافة للقارئ، لكنها تُعَبِّر عن فكرة عميقة وهي أن بناء الهيكل وتنظيم العبادة فيه يعودان إلى بداية البشرية. وقد لعب كل من سبط يهوذا (داود) وسبط لاوي (الكهنوت) وسبط بنيامين (حيث بُنِي الهيكل) دورًا هامًا في تهيئة الحدث الهام ألا وهو بناء الهيكل، حتى يأتي كلمة الله المتجسد القائل: "انقضوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيام أقيمه" (يو 2: 19).

القسم الثاني: الملك داود مؤسِّس العبادة في الهيكل (1 أي 10 - 29). يبدأ خبره مع موت شاول، وينهيه مع موت داود. يحتوي على بعضٍ من أعمال داود. سرد الأحداث في هذا القسم يكون في بعض الأحيان مُطابِقًا لما جاء في سفري صموئيل.

في هذا القسم يظهر داود الملك التقي الذي تهمه مصالح الرب والهيكل والكهنوت والتسابيح الدينية والاحتفالات. داود ملك، لكنه في خدمة الرب يهوه، لأن الرب وحده ملك في إسرائيل، وداود وكيله، وشعب إسرائيل هو بيت الرب ومملكته. عرش داود هو عرش الرب في إسرائيل، ما يشغل داود هو تمجيد الرب. لذلك لم يكتفِ بالتفكير في بناء الهيكل، بل هيَّأ التصميم ولم ينسَ حتى آنية الخدمة والسرج والمنائر (1 أي 28: 11 - 18). نظم كل شيءٍ قبل موته. لقد تأهَّل داود أن يأتي من نسله كلمة الله المتجسد.

القسم الثالث: الملك سليمان باني الهيكل (2 أي 1 - 9). يتحلَّى سليمان الملك بالكمال والتقوى، لهذا يَحِقُ له أن يبني بيتًا لاسم الرب (2 أي 6: 8 - 9). ويطيل الكاتب كلامه عن بناء الهيكل، ولا يتوقَّف إلا قليلاً على نشاط سليمان السياسي. وحين أنهى الملك سليمان العمل الذي هيَّأه له أبوه، رقد بسلام غير خائف على المستقبل، واثقًا في كلام الرب: "أقيمه (أي سليمان) في بيتي وفى ملكوتي إلى الأبد، ويكون كرسيه ثابتًا إلى الأبد" (1 أي 17: 14). غير أن ما بناه سليمان لا يدوم أبديًا، إنما يأتي ملك السلام ليفتح أبواب السماء، ويُقَال عنها: "لأن الرب الله القادر على كل شيء هو والخروف هيكلها" (رؤ 21: 22).

القسم الرابع: ملوك يهوذا الصالحون والأشرار (2 أي 10 - 36) من رحبعام إلى صدقيا، مع سرد ما ورد في سفر الملوك في أكثر تفصيًل. يرافق مملكة يهوذا منذ موت سليمان حتى السبي إلى بابل وبداية الرجوع إلى أورشليم. بنى داود وسليمان صرحًا عاليًا، ولكنه بدأ ينهار. انشقت أسباط الشمال، وتمرَّدت على بيت داود (2 أي 10: 19)، فما عاد الكاتب يتحدث عنها إلا قليلاً. كما أن بعض ملوك يهوذا حادوا عن طريق داود، فلامهم الكاتب، وأكَّد لهم: "إذا سهرت على تنفيذ الأحكام التي أمر بها الرب موسى شعبه تنجح" (1 أي 22: 13). هذا ما قاله داود لابنه، وقال له أيضًا: "إن طلبت الرب وجدته، وإن تركته خذلك إلى الأبد" (1 مل 28: 9). ويقول عزريا النبي للملك آسا وشعبه: "الرب معكم مادمتم معه. إن طلبتموه وجدتموه، وإن تركتموه ترككم" (2 أي 15: 2).

في الحديث عن رحبعام وعزريا ويوشيا، نراهم قد نجحوا ماداموا أمناء للرب، وحين تركوا الرب عرفوا الشقاء والهزيمة. ويكلم الرب الملوك والشعب بواسطة أنبياء يُرسلهم إليهم.

أرسل شمعيا إلى رحبعام وشعبه، فقال لهم: قال الرب: تركتموني، وأنا أيضًا تركتكم في يد شيشيق: فخشعوا وقالوا: بار هو الرب (2 أي 12: 5 - 6).

وإلى آسا أرسل عزريا بن عوديد (2 أي 15: 1 - 7). وحنانيا الرائي الذي قال للملك: اتكلت على ملك آرام، ولم تتكل على الرب إلهك، لذلك أفلت من يدك جيش ملك آرام (2 أي 16: 7).

وإلى يهوشافاط أرسل ياهو بن حنانيا (2 أي 19: 1 - 3) ويحزئيل (2 أي 20: 14 - 17). وحين حلَّ روح الله على زكريا بن يهوياداع الكاهن، وقف أمام الشعب، وقال لهم: هكذا يقول الله لماذا تتعدُّون وصايا الله؟ فلا تُفلحون، لأنكم تركتم الرب قد ترككم، ففتنوا عليه، ورجموه بحجارةٍ بأمر الملك (2 أي 24: 20).

هؤلاء الأنبياء أرسلهم الله، لأنه أشفق على شعبه وعلى مسكنه، ولكن الشعب لم يفهم، والملوك لم يتوبوا، فحلَّت الكارثة.

سفرا أخبار الأيام والملكوت المُفرِح.

غاية الكتاب المقدس أن يحمل المؤمن بفكره وقلبه وأحاسيسه ومشاعره إلى التمتُّع بخبرة الملكوت السماوي المُفرِح، فينطلق بكل كيانه الداخلي يومًا فيومًا بروح الرجاء وسط ضيقات العالم وأحداثه.

الآن يسجل لنا عزرا بالوحي الإلهي ما يليق وما لا يليق بالراجعين من السبي أن يختبروه ويعيشوه. لا يليق بهم أن يعيشوا في كآبة بسبب السبي الذي امتد إلى سبعين عامًا. ومن جانب آخر لا تنغلق أذهانهم في حدود أرض الموعد بطريقة حرفية. إنما يرون في عودتهم من السبي البابلي انطلاقًا نحو أورشليم العليا الحُرَّة، وشركة عملية مع السمائيين بروح التهليل.

جاءت أقسام السفر كلها تؤكد حقيقة هامة جوهرية، وهي حاجتنا إلى التمتُّع بالملكوت المُفرِح:

1. بعرض الأنساب: يدعونا روح الله أن نثق بأن أسماءنا لن ينساها الله، بل ينقشها على كفِّه، ويعتز بها.

2. شخصية داود: يُقَدِّمها سفر أخبار الأيام الأول كي نقتدي بمرتل إسرائيل الحلو، نركز أنظارنا على مصدر الفرح الحقيقي، ابن داود مُخَلِّص العالم.

3. اهتمام أخبار الأيام الثاني بفئة المغنين أو المُسَبِّحين من اللاويين، لتأكيد سرّ نصرتنا، وهو الفرح والتهليل وسط معركتنا مع إبليس وكل قواته (2 أي 19 - 21).

4. يختتم السفر الثاني بتحقيق الوعد الإلهي في الزمن المُحَدَّد الخاص بالعودة من السبي. هكذا يليق بنا أن نثق في وعود الله ونتمسك بها.

5. نغمة السفرين الرئيسية هي تجاهل الكثير من أخطاء المؤمنين الأتقياء، فإن الله لا يريد بعد أن يذكرها بعد توبتنا ورجوعنا إليه.

1. لا يعود يذكرها!

لاحظنا في مقارنتنا بين الأسفار التاريخية الأخرى وسفري أخبار الأيام الأول والثاني، أن الأسفار الأخرى إذ تُقَدِّم حياة الملوك الصالحين، سواء قبل انقسام مملكة إسرائيل، أو بعد الانقسام، غالبًا ما تكشف عن أهم ضعفاتهم وخطاياهم في شيء من التفصيل، بينما إذ يتحدث هذان السفران عن نفس الشخصيات، غالبًا وما يتجاهلان ضعفاتهم وخطاياهم كأن لا وجود لها. لماذا؟

تتعمَّد الأسفار الأخرى الحديث باستفاضة عن بعض الضعفات والخطايا لشخصيات بارزة من رجال الإيمان، مثل داود وسليمان وحزقيا وغيرهم لكي تؤكد لنا أنه ليس إنسان مهما بلغت تقواه بدون خطية. لهذا يليق بنا في تواضعٍ أن نُدرِكَ أننا مادمنا في الجسد، نتمسَّك بنعمة الله، ونصارع مع الله لكي يحفظنا إلى النفس الأخير، فلا نتراخى أو نهمل أو نتشامخ بعملٍ صالحٍ قُمْنا به. لهذا يقول بعض آباء البرية إن الله أحيانًا يسمح لنا أن نكتشف ضعفنا، فنسقط حتى في شيخوختنا ما لم نسقط فيه في شبابنا المُبَكِّر أو مرحلة المراهقة كما يدعوها البعض.

هذا الضعف يدعوه الآباء كلاب الحراسة للحياة المُقَدَّسة الفاضلة في الرب. فإن مرَّ بنا فكر متشامخ بأننا أتقياء أو أبرّ من غيرنا، في انسحاق قلبِ ندرك ضعفنا وخطايانا. فنرجع إلى الله، ونرتمي في أحضانه الإلهية بروح الرجاء والفرح بدون كبرياء أو تشامخ.

أما بالنسبة لهذيْن السفريْن، وقد كتُبا بعد العودة من السبي، وكثيرون فقدوا الرجاء أن يرجع الشعب إلى عصور المجد الأولى سواء في عهد داود أو سليمان أو حزقيا الخ، فغاية السفرين هي رفع الشعب ككل، والمؤمن كعضوٍ في هذه الجماعة، بأن ابن داود قادم كحمل الله يحمل خطية العالم، من يؤمن به، ويلتصق به، ويسلك فيه بالروح، يسمع الصوت الإلهي قائلاً له عن خطاياه: "لا أعود أذكرها!" ما يشغل المؤمن في توبته اليومية، اطمئنانه ورجاؤه وفرحه في الرب غافر الخطايا ومُنْقِذ النفوس من الفساد.

مادام الإنسان في الجسد لا يتوقَّف عن السير في طريق التوبة، بكونها علامة الالتصاق بغافر الخطايا. يقول الرسول بولس: "من يظن أنه قائم فلينظر ألا يسقط" (1 كو 10: 12). فإن عدو الخير لا ييأس من أن يُثِيرَ فينا الإرادة الشريرة، لنَقْبَلَها عوض إرادة المسيح الصالحة العاملة فينا.

حقًا إن المؤمن يصارع بين الإرادتيْن، فهو في حاجة دائمة إلى نعمة المسيح حتى لا تميل إرادته إلى الشر! يشتاق أحيانًا إلى الإرادة الصالحة، لكنه في ضعف يُمارِس الخطأ، فتتغلب الإرادة الشريرة على الصالحة. يتوسَّل القدِّيس مار يعقوب السروجي إلى المُخَلِّص لينقذه من مذلة الإرادة الشريرة. يطلب منه أن يُريه حنوَّه بغفران خطاياه! وكأنه يقول للرب: "بك يا سيدي أنتصر، لأني أضعف من أن أنتصر بنفسي! عملك عجيب ومُدهِش!".

  • أطلبُ المغفرة، فأنا المحتاج للغفران؛ لكن إرادتي فقط تمنع هذا الفعل العظيم.

أسأل الإرادة أن ترجع من الشرور، لكنها لا توافقني.

إني أشاء الصالحات، لكنني أميل إلى الشرور؛ وحيث أبغض الإثم، كل يوم أفعله.

إرادتان تجاهدان فيَّ، الواحدة مُقابِل الأخرى؛ وكل يوم إرادة الشرّ تغلب بنجاحٍ.

بك يا سيدي أغلب، لأني ضعيف جدًا أن أنال الغلبة؛ فإنه يكفي عملك المُدهِش ليغلب بنا.

من هو الذي يخدم فيَّ الأفعال المرذولة؟ أين أنتِ أيتها القوة التي للحرية؟

أشفق على ذلي، يا رب، لأني لا أشاء أن أهلك؛ بغلبتك أعطني الغلبة يا غالب الكل.

عوض الخطايا جئتَ يا ابن الله بغفرانك؛ أرِ عبدك الذي يطلب تحننك[23].

القديس مار يعقوب السروجي.

2. اسمك منقوش على كفِّ خالقك.

لتفرح، فإن اسمك منقوش على كفِّ الله، لن ينساك! سِجِل الأنساب الذي ورد في الأصحاحات التسعة الأولى من أخبار الأيام الأول يبعث فينا روح الفرح؛ إن لم يوجد أحد في العالم يذكرني أو يعرفني أو يهتم بي، فلن ينساني إلهي الذي خلقني على صورته ومثاله وحقق خلاصي بصليبه. إني منقوش على كفِّه، يحفظ اسمي في سفر الحياة، لي مكان خاص في قلبه، إن صحَّ التعبير.

محتاج إلى أُبوَّة حانية، أجدها في الآب الذي يفتح لي حضنه، إذ تمتَّعت بالتبنِّي له في مياه المعمودية. ومحتاج إلى صديقٍ، لا يفارقني حتى في لحظات نعاسي، فأجد مسيحي يضع شماله تحت رأسي، ويمينه تعانقني (نش 2: 6؛ 8: 3). محتاج إلى من يقودني ويرشدني، إنه روح الله الساكن فيَّ، يهبني من فيض نعمته أن أصير أيقونة لعريس نفسي.

يليق بنا ألا نُعانِي من الملل من أجل كثرة الأسماء في هذه الأصحاحات مع عدم معرفتنا لأكثرهم، فإن إلهنا يُسَرُّ بأسمائنا جميعًا، حاسبًا كل مؤمنٍ حقيقيٍ محبوبه الذي له موضع في السماء عينها.

هكذا مجرد تسجيل الأسماء يسكب فينا روح الفرح بالثالوث القدوس المشغول بكل شخصٍ منّا.

هذه مشاعرنا ونحن بعد في الجسد في هذا العالم، مادام السيد المسيح يُقِيم ملكوته فينا، مؤكدًا لنا "ملكوت الله داخلكم" (لو 17: 21).

  • عدد النفوس - في نظرنا - لا يمكن حصره؛ ينطبق نفس الشيء على الشخصيات، إذ لهم جميعًا من الحركات والتصرُّفات والغايات والمشاعر والأحاسيس مالا يُحصَى! يوجد واحد فقط يقدر أن يُهَيْمِنَ على هؤلاء جميعًا، كأحسن ما تكون الهيمنة والسيادة، فهو يعرف الأوقات المناسبة، والعون الملائم اللائق ومتى يمنحه، وسبل التدريب والإرشاد؛ هو الله أب كل الكون[24].
  • عناية الله تهتم بنا كل يومٍ، على مستوى الجماعة كما في الحياة الخاصة، سرًا وعلانية، حتى حينما لا نعرف عن تدبيره شيئًا[25].

العلامة أوريجينوس.

3. داود المُرَتِّل مثلنا الأعلى.

اهتم سفر أخبار الأيام الأول بشخصية داود، خاصة ببناء الهيكل وتنظيم الخدمة والتسبيح. إنه مُرَنِّم إسرائيل الحلو (2 صم 23: 1)، الذي يَشتهِي أن يُقِيم خورُس التسبيح في هيكل الرب. لقد سجَّل لنا مزامير تتَّسم بالفرح والتهليل بالرغم مما عاناه من آلام منذ صباه حتى أواخر حياته. إنه إنسان الله المثالي المُتهلِّل، يشتهي أن يتمتَّع كل المؤمنين بحياة التسبيح، لا باللسان فقط، بل بكل الكيان الداخلي وأعضاء الجسد.

  • البشر مخلوقون ليُسَبِّحوا كثيرًا، ولعلهم يذكرون التسبيح كل يومٍ بفيضٍ!

الشمس النيِّرة ليست نيِّرة لنفسها أو تسير لنفسها، لكن لها نور لتُنِيرَ البشر.

ولأجلهم صارت النيِّرات (الكواكب) في الغلاف الجوي، وينتفع (البشر المستنيرون) بالأيام والليالي.

للبشر يوجد التمييز والمعرفة والكلمة والصوت، ليعطوا التسبيح للعلي في موضعه.

فم الإنسان متقن، كأنما لتسبيح الرب، ومن يتوقَّف عن التسبيح يصير ناكرًا (للجميل).

ولهذا لك الفم لتُسَبِّحَ به وتشكر به وتُهَلِّل به وتُبارِك به.

سَبِّحْ، لأن لك الكلمة المُسَبِّحة. وهَلِّلْ، لأن لك الصوت المملوء أنغامًا.

اشكرْ، لأن لك الذهن والتمييز. وبارِكْ، لأنك صرتَ إناء ناطقًا وغير صامتٍ.

لم تكن شيئًا، وجَعَلَتك المراحم شيئًا عظيمًا، وبما أنك صرتَ هكذا، فاشكرْ بعجبٍ، لماذا أنت ساكت؟

ادخل إلى ذاتك، وانظر إلى شخصك في داخلك، ففيك توجد كل عجائب القدرة الخالقة[26].

  • ربُّنا، حَرِّكْ فيَّ أيضًا تسبيحك مثل غِنَى يُوَفِّر مجانًا كل الاحتياجات لمن يطلبون منه[27].
  • ساعدني لأتعجَّبَ بحواس أسمى من العادة، وإذ يتعجب بك العقل، يصفك الفم الذي فتحتَه.

ليُسَبِّحك العقل لأجل عجائبك الخفية التي هي أسمى من أن يعرفها العقل.

ليُسَبِّحك القلب بالدقات السريعة، والأفكار النقية والقائمة مثل الملائكة للخدمة.

ربِّي، يُعطي لك التسبيح النقي الضمير أيضًا، لأنه نظر ويرى كم أنك مُسَبَّح بأعمالك.

ربِّي، تُسَبِّحك كل الحواس النفسية والروحية والجسدية، لأنك مُسَبَّح.

لتُسَبِّحك العين، لأنك أعطيت لها كل جمال كل المخلوقات لتسعد به برؤيتها.

لتُسَبِّحك الأذن، التي فيها تنسكب كل حلاوة الأصوات وتَقْبَلها بلذة.

ربِّي، لتُسبِّحك اليدان الاثنتان والأصابع العشرة التي تتحرَّك للعمل بدل كل الجسد.

لتُسَبِّحك الرِِجْلان اللتان تحملان كل الجسد وتزفَّانه كمَرْكبة في كل المواضع.

لتُسَبِّحْ حاسة الشم التي هي مُلكها كل العطور والروائح، وبها تسعد كثيرًا.

ليشكر الحنك[28]، الذي يُمَيِّز الحلو من المرِّ، ويعرف أن يفحص كل اختلافات الأطعمة.

ليُسَبِّحْ الفم تسبيحه والتسبيح الذي ليس خاصته، لأنه يملك الكلمة ليشكر عن كل الجسم.

الفم مُلزَم بالتسبيح بدون جدال، نيابة عن الأعضاء الموضوعة في الجسم التي هي بلا كلمة.

اللسان أيضًا والأسنان التي منها يرنُّ الصوت، لتُسَبِّح كثيرًا بأصوات عمومية.

ربِّي، كل الجسم مُلزَم بتسبيحك. وهوذا الفم مفتوح ليُسَبِّح عوض الجسم كله.

ساعد الفم ليوفي كل هذه الأمور بدل كل الحواس الصامتة التي تُحَرِّك الفم حتى يشكر[29].

القدِّيس مار يعقوب السروجي.

4. اهتمام السفريْن بالمُغَنِّين المُسَبِّحين لله.

لا ندهش إن كان السفران يركزان على خدمة التسبيح ليس فقط في بيت الرب، بل حتى في وسط المعركة مع قوات الظلمة. فعندما واجه يهوشافاط مقاومة من بعض الأمم الوثنية، طلب الرب منه أن يقف مع جيشه ويثبت وينظر. افتتحت المعركة بدخول فرقة التسبيح التي للهيكل، وتمت النصرة دون الدخول في معركة بأسلحة. سلاح المؤمن في معركته ضد إبليس هو الشكر والحمد والتسبيح.

ملكوت المسيح الذي يختبره المؤمن مُفرِح، حتى في جهادنا ضد إبليس والخطية ومحبة العالم.

لا تفارقنا لغة التسبيح حتى في وسط ضيقتنا.

5. وعود إلهية مُفرِحة وسط التأديبات.

انتهى سفرا أخبار الأيام بالحديث في إيجاز عن عمل الله خلال إرميا النبي وكورش الفارسي، أعلن الأول على أن فترة التأديب في السبي مؤقتة، وأعلن الثاني أن الله وضع في قلبه أن يسمح لليهود بالعودة.

هكذا وإن دخلنا تحت التأديب غير أن الله يعدنا أن ننعم بالحياة الجديدة المُتحرِّرة من عبودية إبليس (البابليين) والرجوع إلى أورشليمنا.

لنتكئ على وعود الله أبينا الرحوم والحكيم والقدير، واثقين أنه يشتهي لنا الحياة المقدسة المتهللة.

غضب الله خاصة نحو كنيسته أو أولاده ليس انتقامًا كانتقام البشر، ولا يصدر عن كراهية، فإن الله كلي الحب لكل البشرية، خاصة للملتصقين به.

تكشف كلمات القديس مار يعقوب السروجي التالية عن سمو غضب الله وعذوبته. فالله يدعونا أن نحمل صورته، ويدعونا أن نسعى بلا توقُّف كل حياتنا "إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله، إلى إنسانٍ كاملٍ، إلى قياس قامة ملء المسيح" (أف 4: 13).

يسمح الله بالضيقات لأنها تسندنا بنعمته أن ننضم إلى فئة شبه السمائيين، إن صحَّ لنا القول.

  • المجد لك، يا ربي، إذ بكل الوسائل والطرق تريد أن تربح كل من يسمع بتمييزٍ (وتعقلٍ).

بالبرِّ والنعمة، تتقدَّم كطبيبٍ لكل محتاج إلى الصحة.

من هنا يهتم محيي الكل أن يشفي، لأنه قادر أن يحيي كل البشر.

معه الغضب وأيضًا له الغفران؛ الغيرة والحنق؛ موجود فيه السلام والحب.

في جانبٍ واحدٍ يفيض بالعطاء العظيم لسائليه، وفي الجانب الآخر يمنع قطرة (ماء) عن طالبيه.

رحمته تمتزج بالخوف، وأيضًا انتقامه بالحنو العظيم.

يُهدِّد ويُفَّرح؛ مملوء رحمة وكثير الانتقام.

في جانبٍ واحدٍ دعا اللص ليدخل الفردوس، وفي الجانب الآخر طرد من عنده صانعي القوات (مت 7: 22).

في وقتٍ تقبَّل من زانية دموعها (لو 7: 44)؛ وفي وقت آخر منع بنات أورشليم أن يبكين (لو 23: 28).

في موضعٍ أعطى دينارًا للفعلة الآخرين (مت 20: 9)؛ وفي موضع آخر أخرج الكهنة من ملكوته (مت 8: 12).

لم يعرف هؤلاء الذين أخرجوا الشياطين باسمه (مت 7: 22)؛ وللص قال: اليوم تكون معي في الفردوس.

دعا واحدًا من العشارين أن يتبعه (مت 9: 9)؛ وآخر زاحم أن يأتي خلفه، ولم يعطه ذلك (مت 8: 19 - 20).

هذا جميعه لأجل حياة البشر؛ بكل وسيلة لا يسمح أن يهلك ولا واحد من بيت الآب[30].

القديس مار يعقوب السروجي.

سفر أخبار الأيام وداود الملك.

داود الملك والعبادة الليتورجية لله الحقيقي[31].

خصَّص سفرا الأخبار من بين الخمسة وستين أصحاحًا تسعة عشر أصحاحًا عن مُلك داود (1 أي 11 - 29)، وذُكر اسمه في السفرين أكثر من 220 مرة. بهذا يكشف عن مدى اهتمام السفريْن بشخصية داود.

أما ما يشغل السفر بخصوص الملك داود ليس انتصاراته على الأمم المقاومة له، ولا اتِّساع المملكة، ولا الإنشاءات والإنجازات التي قام بها، إنما اهتمامه العجيب بقيام إسرائيل بالعبادة اللائقة لله، فقد خصَّص الآتي:

1. من التسعة عشر أصحاحًا الخاصة بداود الملك، نجد أحد عشر أصحاحًا، أي أكثر من النصف، تصف غيرته المتَّقِدة نحو العبادة الجماعية (1 أي 13؛ 15 - 16؛ 22 - 29):

  1. نقل تابوت العهد إلى أورشليم.
  2. تنظيم خدمة الكهنة واللاويين.
  3. الإعداد للموسيقى المقدسة في الهيكل.
  4. وصيته وتعليماته لابنه سليمان بخصوص الهيكل.

2. أكَّد داود الملك أن ما يفعله وما يُهَيِّئه بخصوص الهيكل وتنظيم العبادة هو بوصية من الرب نفسه (2 أي 29: 25).

3. يرجع إليه الفضل في استخدام الموسيقى في العبادة (2 أي 29: 27؛ نح 12: 26).

4. إن كان سفرا صموئيل قد أشارا إلى اهتمامه بالعبادة الليتورجية في 77 آية، ففي سفري الأخبار ورد ذلك في 323 آية.

5. لم ينشغل السفران بمعارك داود ونصراته، إنما أشارا إليها كأمرٍ عابر، ولا أوردا ضعفاته مثل سقوطه في الزنا مع بثشبع وقتل رجلها. كما لم يُشِرْ قط إلى ضعفاته قبل اعتلائه العرش. وكأن ما كان يشغل قلب داود وفكره هو قيام شعب ليتورجي، يمارس عبادة جماعية مُقدَّسة ومُنظَّمة تُقدَّم لله القدوس، وأن كل بقية تاريخ حياته والأحداث التي عاشها، إنما أساسها هو هذا الأمر الحيوي.

ومن جانب آخر، إذ كان كل ملك من الملوك يُشِير إلى ملكوت الله الذي يُقِيمه ملك الملوك في أعماقنا، لهذا لم تُذْكَر ضعفات هؤلاء الملوك، لأن عمل المسيح فينا لا ضعف فيه!

العبادة الليتورجية وخلفاء داود[32].

سجَّل سفرا أخبار الأيام حياة خلفاء داود وتقييم أعمالهم، على أساس إخلاصهم للعبادة الليتوجية لله القدوس.

1. لم يُشِرْ السفر إلى إنجازات سليمان الضخمة، إنما خصَّص ستة أصحاحات من تسعة أصحاحات خاصة بسليمان عن بناء الهيكل وما يَخصّه.

2. أخبرنا سفر أخبار الأيام الثاني وحده عن اللاويين الذين في مملكة الشمال، هربوا إلى أورشليم، ليخدموا في الهيكل في أيام رحبعام (2 أي 11: 13 - 17).

3. خلال "أخبار الأيام" تعرَّفنا على إصلاحات الملك آسا الليتورجية (15: 8 - 15)، والتزام الملك يهوشافاط بتعليم اللاويين (17: 7 - 9) وصلاته في الهيكل (20: 5 - 12). ووصف في شيءٍ من التفصيل إصلاحات الملك حزقيا الليتورجية (29: 12 - 31)، ومنسَّى (33: 15 - 17)؛ ويوشيا (35: 2 - 18).

4. أدان أخبار الأيام دون بقية الأسفار الملك عُزِّيا لاقتحامه الخدمة الكهنوتية في الهيكل (26: 16 - 23).

باختصار يمكن القول إن عصب "أخبار الأيام" هو التمتُّع بالعبادة الليتورجية لكنيسة الله خلال عمل ابن داود الذي يملك فيها إلى الأبد. وكأن هذيْن السفريْن قد أشارا إلى أن الرب قد وضع في قلب كورش أن يبني بيتًا للرب في أورشليم، لكي يعود اليهود إلى بلدهم كتهيئة لبناء كنيسة العهد الجديد التي تحمل عربون أورشليم العليا، حيث تمارس عبادة روحية شبه سماوية، حتى تلتقي بالعريس السماوي، وتحيا إلى الأبد في ليتورجية سماوية، تتغنَّى بالترنيمة الجديدة (رؤ 5: 9) التي لن تقْدُم ولا تشيخ!

سفرا أخبار الأيام والمزمور 132.

يُقَدِّم لنا Reardon[33] صورة رائعة عن العلاقة بين سفري أخبار الأيام وأحد مزامير الصعود (مزمور 132 أو 131 LXX) التي يتغنَّى بها القادمون إلى أورشليم، وهم يصعدون على التلِّ للذهاب إلى الهيكل.

يتغنَّى القادم إلى الهيكل، قائلاً: "اذكرْ داود وكل دعته... من أجل داود عبدك، لا تَرُد وجه مسيحك. أقسم الرب لداود بالحق ولا يرجع عنه. من ثمرة بطنك أجعل على كرسيك... هناك أنبت قرنًا لداود. رتَّبت سراجًا لمسيحي".

هكذا يربط المُرَتِّل ما بين ازدهار بيت داود وبركات بيت الرب. يعتقد المُرَتِّل أنه إن تذكَّر الرب داود بالحقيقة، فسيلبس كهنته الخلاص، ويُسَبِّح أتقياؤه القديسون بتهليل، بينما يلبس عدو الخير الخزي. جاء المزمور متناغمًا مع سفري أخبار الأيام، ليس فيه كلمة واحدة سوى ارتباط داود بالعبادة الليتورجية الكنسية.

يتذكَّر الشعب داود، لأنهم لن ينعموا باللقاء مع الله في بيته ما لم يذكروا داود. تُرَى من هو داود هذا سوى مُخَلِّص العالم، المسيَّا ابن داود؟

إن سفر أخبار الأيام يُمَيِّز بين داود الملك وبقية الملوك، كما ميَّز إسرائيل القديم عن بقية الشعوب. هكذا إذ نلتصق بابن داود ملك الملوك، نصير كنيسة المسيح المميزة، موضوع حب الله، شركاء السمائيين في حياتهم السماوية، نصير بالحق "أهل بيت الله" (أف 2: 19).

ربما يتساءل البعض: لماذا لم يتحدث سفرا أخبار الأيام عن بداية العبادة الليتورجية التي استلمها موسى النبي ومعه أخوه رئيس الكهنة هارون؟

يرى البعض أن سفرا أخبار الأيام اكتفيا بما ورد في أسفار الخروج واللاويين والعدد في شيءٍ من التفصيل. لكنني أظن أن السفرين ركَّزا على داود الملك ودوره في هذا المجال، لأن الشعب كان في حالة شبه يأس من العودة إلى الحياة في أيام موسى وهرون. فأراد الوحي الإلهي تأكيد أن الحياة الليتورجية ستعود بصورة روحية تفوق تلك التي كانت في أيام موسى وهرون، إذ تحمل سمة سماوية، وذلك خلال رئيس الكهنة السماوي ابن داود، وليس خلال الرموز كما في الكهنوت اللاوي.

يقول Reardon: [في منهج العبادة الأرثوذكسية ندرك المنظور التاريخي لكاتب أخبار الأيام[34].] ما في ذهن المُتأمِّل في سفري أخبار الأيام هو إدراك الفهم الحقيقي العميق للتاريخ، وهو العبادة الليتورجية القائمة على ميثاق الله مع شعبه. هذا هو جوهر التاريخ الخاص بشعب الله وخلاصه.

بنفس الروح تحدَّث بعد ذلك ابن سيراخ، إذ يقول: "الآن لنمدح الرجال المشهورين، وآباءنا بحسب أجيالهم" (سي 44: 1). وأخذ يُسَجِّل لنا التاريخ الكتابي في شخصيات أخنوح وداود وإبراهيم وإيليا وحزقيا وإشعياء ويوشيا وإرميا وحزقيال وزربابل ونحميا. أما ما قام به هؤلاء العظماء، حتى الأصحاح التاسع والأربعين وفي الأصحاح الخمسين يتحدث عن عظمة وجمال الليتورجيا التي للهيكل تحت رئاسة سمعان بن أونيا، رئيس الكهنة، وأبناء هارون وهم يسجدون إلى الأرض يُسَبِّحون الله، ويسجد معهم كل المُتعبِّدين لله الحقيقي، فيقول:

"حينئذ كان بنو هارون يهتفون، وينفخون بالأبواق المطروقة، ويصنعون صوتًا عظيمًا يُسمع ذكرًا أمام العلي.

كان عند ذلك كل الشعب يبادرون معًا، ويجثون على وجوههم إلى الأرض، ساجدين لربِّهم القدير، لله العلي.

وكان المُغَنُّون يُسَبِّحون بأصواتهم في هتافٍ عظيمٍ ولحنٍ عذبٍ.

وكان الشعب يتضرع إلى الرب العلي بصلاته أمام ذاك الرحيم، إلى أن يفرغ من إكرام الرب، وتتم خدمته.

ثم كان ينزل (سمعان)، ويرفع يديه على كل جماعة بني إسرائيل، ليبارك الرب بشفتيه، ويفتخر بلفظ اسمه.

وكانوا يُكَرِّرون السجود، لينالوا البركة من العلي.

والآن باركوا إله الكل، الذي يصنع العظائم في كل مكان، والذي أعلى شأن أيامنا منذ الرحم، ويعاملنا على حسب رحمته.

ليمنحنا سرور القلب، والسلام في إسرائيل في أيامنا، وعلى مدى الدهور! "(سي 50: 16 - 23).

هكذا يربط ابن سيراخ بين التاريخ والعبادة الليتورجية في تماثلٍ وتطابقٍ مع سفري الأخبار.

لماذا يربط السفران التاريخ بالعبادة الليتورجية؟

إننا نرتبط بالتاريخ الذي يرجع بنا إلى الإنسان الأول "آدم"، ويعبر بنا خلال الأجيال، لا لشيءٍ إلا لأننا نرى ربَّنا يسوع المسيح ضابط الكل يرفعنا خلال التاريخ إلى ما فوق الزمن، وذلك خلال الحياة التعبدية الحقيقية.

عندما تحدث الرسول بولس عن رجال الإيمان عبر التاريخ (عب 11). قال: "لكنكم لم تأتوا إلى جبلٍ ملموسٍ مُضطرِب بالنار، وإلي ضبابٍ وظلامٍ وزوبعةٍ... بل قد أتيتم إلى جبل صهيون، وإلي مدينة الله الحيِّ أورشليم السماوية، وإلي ربوات هم محفل ملائكة، وكنيسة أبكارٍ، مكتوبين في السماوات" (عب 12: 18 - 23).

كل رجال الإيمان المُخلِصين والأمناء متى عبدوا الرب يرتبطون بالعبادة السماوية. وكما جاء في سفر الرؤيا: "وجاء ملاك آخر، لكي يُقَدِّمه مع صلوات القديسين جميعهم على مذبح الذهب الذي أمام العرش، فصعد دُخَان البخور مع صلوات القديسين من يد الملاك أمام الله. ثم أخذ الملاك المبخرة وملأها من نار المذبح، وألقاها إلى الأرض، فحدثت أصوات ورعود وبروق وزلزلة" (رؤ 8: 3 - 5).

بين شخصية شاول وشخصية داود.

أشار السفر إلى شخصية شاول كأول ملك لإسرائيل. بدأ بنجاحٍ وبروح التواضع، لكن إذ نال نصرات فائقة سقط في الكبرياء، وحسد الشاب الناجح التقي والشجاع داود، وأراد الخلاص منه بأي ثمنٍ، ولو على حساب الأمة كلها. فكان مثلاً خطيرًا لما يجب ألا يكون على المؤمن، خاصة القائد أو من في مركزٍ قياديٍ.

أما داود، فبدأ صغيرًا بروح التقوى، له أخطاء خطيرة، ربما تبدو أخطر من تلك التي سقط فيها شاول، لكن الفارق بين الشخصيتين هو:

1. كان مركز تفكير شاول نجاحه الزمني ونصراته على الأعداء وتجميع رجال البأس حوله من أجل تكوين شعبية له ليس إلا. أما داود فكان مركز تفكيره الله نفسه كقائدٍ لحياته، وقائدٍ للشعب كله. ما يشغله أن يكون في حضرة الله، يُسَبِّحه ويُمَجِّده ويشكره نهارًا وليلاً.

2. مع كل سقوطٍ في خطية أو خطأ، كان ما يشغل فكر شاول التغطية على الخطأ أمام الشعب، حتى لا يفقد شعبيته، فكان علاج الخطأ أشر من الخطأ نفسه وأسوأ. أما بالنسبة لداود، فكان مع كل خطأ، يُعَوِّم كل ليلة سريره بدموعه. وكان مع كل تأديب استجابته "ما يحسن في عيني الله يفعله". لهذا مع خطورة خطاياه، كان يقوم ولا يستسلم للسقوط. إنه القدِّيس المثالي، ليس بأنه لا يخطئ، وإنما مع كل خطأ يرتكبه يختبر رحمة الله حتى في تأديبات الرب له مهما بدت قاسية.

3. كان شاول يبحث عن قادة جبابرة بأس، لا لحساب مجد الله وملكوت السماوات، بل لحساب مجده الذاتي. أما بالنسبة لداود، إذ كان الله هو غاية حياته كلها، فكان جذَّابًا لجبابرة البأس، حتى الذين كانوا من نسل شاول أو سبطه أو رجاله. فكانوا بكل مسرةٍ وبإرادتهم الحُرَّة يتركون شاول ويلتصقون بداود.

4. كانت العبادة بالنسبة لشاول شكليات، يُتَمِّمها حتى وإن اغتصب عمل الكهنوت، أما بالنسبة لداود فحتى في معاركه وعلاقاته مع الأمم ما يشغله هو سُكْنَى الله وسط شعبه.

5. لم يكن يشغل قلب شاول وحدة إسرائيل، فليس لديه ما يمنعه من أن يُكَرِّسَ كل طاقاته وطاقات القيادات العسكرية لقتل داود ومن هو حوله. أما داود فلم يمد يده على شاول وبنيه. وبروح الحب والوحدة، جمع شمل إسرائيل كله ليس حوله، بل حول الله العامل فيه.

6. في أحاديث داود الأخيرة، لم يتحدَّث عن نصراته وأعماله البطولية، بل كان يحث كل القيادة والشعب على المساهمة في بناء بيت الرب الذي لم يسمح له الله بالقيام به، بل وعده أن يتحقق على يدي سليمان ابنه. هذه الروح لم توجد قط في فكر شاول وقلبه وخطته!

هل سفر أخبار الأيام الأول كتاب دفاعي عن الملك داود؟ [35].

مع اهتمام السفريْن بداود الملك ونسله الملوكي، كما لو كان الموضوع الرئيسي للسفريْن، غير أن السفرين ليسا سفرين دفاعيين عن العرش الملوكي الداودي. إنهما يُقَدِّمان داود الملك من الجانب التعبدي أكثر منه الملكي، وكأن دوره الرئيسي هو خدمة الهيكل الذي كان يشتهي أن يبنيه بنفسه أكثر من خدمته للقصر الملكي. اهتمام السفر بالملك داود ونسله إنما هو اهتمام بقُدْسية شعب الله، كشعب مُتعَبِّد له.

لماذا سمح الله بالانقسام وبالسبي؟

يتساءل البعض:

  1. لماذا سمح الله بانقسام المملكة إلى مملكتين، شمالية وجنوبية، وفقد كرسي داود عشرة أسباط؟
  2. لماذا يسمح أحيانًا ببعض الملوك الأشرار أن تمتد حياتهم إلى فترة طويلة، وبالتالي جلوسهم على العرش؟
  3. لماذا سمح الله بسبي أشور لمملكة الشمال، وبابل لمملكة الجنوب؟
  4. لماذا سمح الله بتدمير هيكل سليمان ومدينته أورشليم؟

هذه التساؤلات وما على شاكلتها تثور في أفكار الكثيرين، وقد أجاب أخبار الأيام عليها بطريقة غير مباشرة، إذ نلاحظ الآتي:

أ. الله لا يريد أن يُحَرِّك البشرية كقطع الشطرنج، إنما وهب الإنسان حرية الإرادة، وهي هبة إلهية عظمى. فلا يُلزِم الأشرار على السلوك قسرًا بما يليق بهم كخليقة الله.

ب. إذ فسد الشعب، سمح الله بالانقسام لكي يذوق كل من المملكتين مرارة الشر والانقسام والبغضة، لعلَّهم يرجعون إليه.

ج. في وسط هذا الانقسام ساد الشر مملكة الشمال في كل عصور ملوكها، كما ساد الشر من وقتٍ إلى آخرٍ في مملكة الجنوب. غير أن لله بقية باقية مُقدَّسة اختارت الالتصاق بالرب، فنسمع عند ذهاب اللاويين والكهنة الذين كانوا في وسط أسباط مملكة الشمال إلى أورشليم وذهب معهم الأتقياء من بعض الأسباط إلى مملكة يهوذا. في نفس الوقت نعمته لا تتوقَّف عن العمل، لمن يطلبها ويتجاوب معها. فقد قال النبي لآسا الملك: "لأن عيني الرب تجولان في كل الأرض، ليتشدد مع الذين قبولهم كاملة من نحوه" (2 أي 16: 9). وقال نبي آخر ليهوشافاط: "وُجِدَ فيك أمور صالحة، لأنك نزعت السواري من الأرض، وهيّأت قلبك لطلب الرب" (2 أي 19: 3)، وقيل عن ملوك يهوذا الصالحين إنهم عملوا المستقيم في عينيّ الرب (2 أي 29: 2؛ 34: 2).

د. إن كان الخطأ المُشترَك من يربعام ورحبعام أدَّى إلى انقسام المملكة، وسلك الشعب في الشر، فقد انتهت المملكتان بالسبي، وهناك ليس لمملكة أن تفتخر على الأخرى، إذ فقدت المملكتان هويّتهما، ليعودا مملكة واحدة مع الأمم بمجيء ابن داود الذي يُحَرِّر الكل من الخطايا والفساد.

هـ. لم يترك الله المملكتين بلا رعاية، إذ كان في كل العصور في المملكتين يُقِيم أنبياء ينادون بالتوبة والرجوع إليه.

مقدمة.

في.

سفر أخبار الأيام الأول.

رجل العبادة داود الملك.

سفر أخبار الأيام الأول بين الأسفار الإلهية.

بدأ الكتاب المقدس بسفر التكوين حيث نشاهد الله نفسه مشغولاً بخلقة الإنسان، لا ليقول كلمة فيكون، كما فعل حين أمر "ليكن النور" (تك 1: 3) فكان نور، وهكذا حتى أعدَّ كل المسكونة لمحبوبيه الملك والملكة القادميْن، أي آدم وحواء، ليعيشا في جنة عدن التي هي من غرس الرب (تك 2: 8).

سقط الإنسان وانهار، لكن محبة الله له لا تنهار، فأعدَّ له الخلاص. أقام من نسله شعبًا دُعِي شعب الله، تمتَّع بالحرية من العبودية، كما جاء في سفر الخروج.

وإذ يريد أن يكون شعبه مُقدَّسًا كما هو القدوس، قدَّم طريق القداسة خلال الذبيحة والكاهن والوصية في سفر اللاويين.

وجعل من حياة البشرية في هذا العالم رحلة في وسط البرية "سفر العدد"، لكنها مُمْتِعة، لأنها في صُحْبة الرب نفسه وتحت رعايته، بالرغم من عناد شعبه وتذمُّره المُستمِر.

وعند مدخل أرض الموعد التي هي رمز لكنعان السماوية، يُعلِن موسى شوق الله أن تكون البشرية في صداقة مع مُخَلِّصها "سفر التثنية".

مع يشوع رمز يسوع المسيح تتمتَّع البشرية، لا بأرض الموعد، بل بالميراث الأبدي "سفر يشوع".

لكن شعب الله في ضعفه يقاوم ويعاند، فيسقط بين الحين والآخر تحت التأديب، فتذله أمم وثنية عنيفة مقاومة للحق الإلهي، فيُرسل الله لهم قضاة لخلاصهم من الأعداء "سفر القضاة".

وسط هذا الجو من الفساد، وُجِدَتْ عيِّنات مُقَدَّسة لها تقديرها في عيني الله، مثل راعوث وبوعز ونُعمَى "سفر راعوث" تتأهَّل ليأتي كلمة الله متجسدًا من نسلها.

تعجَّل شعب الله الزمن، وأصرَّ على إقامة ملك على شبه الأمم، يفتخر بعظمته وغناه وجماله حتى وإن كان عنيفًا مستغلاً لشعبه مثل شاول "صموئيل الأول".

لم يترك الله شعبه تحت قسوة ملكٍ عنيفٍ، فأرسل لهم ملكًا، حسب قلب الله (داود) "صموئيل الثاني".

جاء سليمان ابن هذا الملك البار، يطلب من الله الحكمة، لكن للأسف لم يستمر في السلوك فيها، فسار وراء شهواته وسقط في الزواج بوثنيات، دفعن إيَّاه لعبادة الأصنام.

وكان ثمرة ذاك انقسام المملكة وانهيار المملكتين (إسرائيل ويهوذا) وسبْيهما (سفرا ملوك الأول والثاني).

الآن وقد سُمِحَ للشعب بالعودة إلى السبي، وقاد عزرا الكاتب والكاهن الفوج الثاني من العائدين من السبي، سُجِّل لنا سفر أخبار الأيام الذي انقسم إلى سفرين.

فماذا يُقَدِّم لنا سفر أخبار الأيام الأول؟

غاية سفر أخبار الأيام الأول.

جاء هذا السفر ليعود بنا إلى أبينا آدم، وينطلق بنا عبر التاريخ، فيُقَدِّم لنا الأنساب، لا كعرضٍ مُختصَرٍ للتاريخ منذ خلقة آدم، وإنما ليُقَدِّم لنا الحقائق التالية:

1. الله لا ينسى أحدًا من المؤمنين.

قد يشعر الإنسان بمللٍ وهو يذكر أسماء كثيرة لأشخاصٍ لا يعرف شيئًا عن كثيرٍ منهم. ينسى التاريخ البشر، وربما لا يذكر لهم شيئًا سوى الأسماء، وليس كل الأسماء. أما الله فلا ينسى أحدًا منهم، يُسَجِّل في كتابه أسماء مؤمنيه الذين يشاركونه أمجاده السماوية.

يليق بنا أن نذكر هذه الأسماء حتى الذين لا نعرف عنهم شيئًا، فسينسى تاريخنا البشري أسماءنا، لكنها في الحقيقة هي منقوشة على كفِّ الله، مُسجَّلة في كتابه، محفوظة في قلبه. كم ستكون سعادتنا ونحن نلتقي معًا على السحاب ببلايين البلايين من كل أمةٍ ولسانٍ وجنسٍ، نحمل جميعًا انعكاس بهاء الرب علينا، فلا يلمع جلد وجهنا كموسى النبي (خر 34: 29)، بل نصير نورًا، كل منّا يرى في كل إخوته أيقونة المسيح مُخَلِّص البشرية. كل عضو يُمَثِّل جمالاً لا يُعزَل عن جمال كنيسة المسيح المُجتمِعة من آدم إلى آخر الدهور!

يدعونا تسجيل هذه الأنساب في الكتاب الإلهي للتمتُّع بالنعمة الإلهية، والمثابرة بالروح، ليكون لنا موضع في الكنيسة السماوية.

تتبع الكاتب النسل الملكي، فبكَّت شاول الملك لإصراره على البُغضة والكراهية حتى لداود الذي أنقذه وأنقذ شعب الله من جليات الجبَّار. كما تجاهل المملكة الشمالية التي انشقّت عن مملكة داود ونسله، ليعلن أن الإصرار على العناد ومقاومة الله ورفض الوصية الإلهية يحرم الإنسان من الميراث الأبدي.

لم يُسَجِّل السفر التاريخ كله، فلا يذكر خطايا داود، لأن التوبة الصادقة غفرتها ولا يعود لها ذِكْر في الحياة الأبدية.

تسجيل هذه الأنساب يُمَثِّل دعوة أن نشكر الله على عمله في الماضي مع أسلافنا الأتقياء، الذين سلَّموا لنا وديعة الإيمان لنختبر معاملات الله ونعمته وعطاياه؛ ونلتزم أن نسلك بإخلاص وأمانة لنُسَلِّم الوديعة للأجيال القادمة.

2. تعرُّف المؤمن على حقيقته.

يُقَدِّم لنا هذا السفر صورة رائعة لحياة المؤمن بكونه إنسان الله، الملك صاحب السلطان، له شركة مع ملك الملوك. لقد ركَّز السفر على شخصية داود الناجح في كل شيءٍ، لأن الرب معه.

يدعونا السفر إلى التعرُّف على حقيقتنا، بكوننا الخليقة المتميِّزة الحاملة صورة الله ومثاله، يدعونا لممارسة سلطاننا من قبل ذاك الذي يُحِبُّنا أكثر من أية خليقة أخرى، إن صحَّ التعبير، نعْرِفُ مكاننا وموضع استقرارنا: حضن الآب!

الشخصيات الرئيسية في السفر.

1. داود الملك.

يمكننا القول بأنه اهتم بإبراز شخصية داود الملك وانتصاراته. وجاء مفتاح السفر: "فأدرك داود أن الرب قد ثبَّت دعائم ملكه على إسرائيل، لأن مملكته ازدادت رفعة من أجل شعبه إسرائيل" (1أي 14: 2).

وكأن غاية تاريخنا كله إقامة كنيسة المسيح السماوية بكونها لا أمة واحدة، بل "أهل بيت الله" (أف 2: 19). يضم أعضاء من كل الشعوب والأمم والألسنة، لا تحت رعاية داود الملك، بل في حضن ابن داود بكونه العريس السماوي ملك الملوك ورب الأرباب (رؤ 17: 14؛ 19: 16).

يبقى الله أمينًا رغم عدم أمانتنا (2 تي 2: 13)، ويتحقق وعده الإلهي حين يتجلَّى بهاء مجده على كنيسته الجميلة، موضع إعجاب السمائيين.

إن كانت الخطية قد سبَّبت انقسامًا للمملكة، فقد سمح الله بالسبي ليعود الشعب أمة واحدة. هكذا إذ ننطلق من هذا العالم نلتقي في الأبدية شعبًا واحدًا، وملكوتًا أبديًا بلا انقسام! يتمتَّع الكل بالمسيح الواحد، رأسنا الأبدي!

2. سليمان الحكيم.

اشتاق داود الملك أن يبني هيكلاً للرب، لكن الرب رفض هذا الطلب، ووهبه أن يساهم في الإعداد لبناء الهيكل وتنظيم الكهنة واللاويين وتنظيم العبادة، ليقوم ابنه سليمان ببناء الهيكل. وكأن الله يطلب منا أن نعمل بنعمته ما استطعنا، ونفرح ونُسَرُّ أن يتم العمل بإخوتنا أو بأبنائنا.

كانت خيمة الاجتماع تُقَام وسط المحلة، أي وسط الشعب لتُعْلِن عن "مسكن الله وسط شعبه"، وبُنِي الهيكل كمركز للعبادة الحقيقية، خاصة في الاحتفال بالعبادة اليومية (خدمة الصباح وخدمة المساء)، وبالأعياد الأسبوعية (السبوت) والشهرية والسنوية وسبت السبوت (كل سبع سنوات) واليوبيل (كل خمسين عامًا). وكأن الهيكل يُمَثِّل عرش الله الذي يبث الحياة المُطوَّبة المُفرِحة على المستوى اليومي والأسبوعي والشهري والسنوي واليوبيلي. إنه دعوة للتمتُّع بعربون السماء المُتهلِّلة.

3. الكهنة واللاويون.

اهتم السفر بتسجيل تعيين الكهنة واللاويين لقيادة الشعب في العبادة لله الحقيقي، حسبما رسم الله. وقد جاء كلمة الله متجسِّدًا ليُقَدِّم نفسه ذبيحة عن العالم كله، ويمارس رئاسة الكهنوت على مستوى سماوي، يشفع فينا بدمه أمام الآب.

4. حيرام ملك صور.

يشير سفرا أخبار الأيام إلى الاهتمام لا بفتح باب الإيمان للأمم فقط، وإنما بحثهم على الكرازة والعمل لحساب ملكوت الله. لقد أشار السفران إلى أن بيت الرب مفتوح لكل البشرية! انتهى سفر أخبار الأيام الأول بموت داود "بشيبة صالحة، وقد شبع أيامًا وغنى وكرامة" (1 أي 29: 28)، وكان ما يشغله حتى في لحظات موته هو الإعداد لبناء الهيكل والعبادة فيه. فتحدد موقع المبنى وأيضًا محتوياته وإعداد نظام العبادة فيه مع جمع ما أمكن من احتياجاته المادية. وكأن عمل داود الرئيسي هو أن يرى شعب الله يتمتَّع بعبادة تحمل ظلَّ السماويات، ويسلك حسب الشريعة الإلهية. وبدأ سفر أخبار الأيام الثاني بالحديث عن سليمان الملك الحكيم الذي يبدو كمن تفرَّغ لتحقيق شهوة قلب أبيه، ونراه يفتح الباب لحيرام ملك صور للمساهمة العملية في البناء، ليؤكد انفتاح باب الإيمان للأمم عندما يتجسد صاحب البيت، كلمة الله. وجاءت ملكة سبأ تسمع حكمة سليمان وتتعجَّب، كرمز لكنيسة الأمم في العهد الجديد.

  • كما أمر سليمان (حيرام) بقطع أخشاب من لبنان وحجارة، وتُشحَن بحرًا، ويستخدمها في البناء بعد إحضارها إلى ساحة الهيكل، هكذا فإن المسيح بعد استلامه اليهود (الأخشاب) والأمم (الحجارة) من غابات عدم الإيمان، يبعث بهم إلى فناء البنَّائين للهيكل غير المصنوع بأيادٍ بشرية[36].

القدِّيس مار أفرآم السرياني.

الأماكن الرئيسية في السفر.

بعد أن سجَّل لنا السفر سلسلة الأنساب من بدء خلقة الإنسان إلى العودة من السبي (1أي 1 - 9)، سجَّل موت شاول الذي حَرم نفسه ونسله من العرش، وبدأ في تسجيل عصر داود ونسله كرمز للأمة الملوكية. اهتم السفر بذكر الأماكن التي ترتبط بحياة الملك داود:

1. حبرون.

مُسِحَ داود ملكًا وهو صبي على يد صموئيل النبي بأمر إلهي (1 صم 16: 13)، لكن لم يبدأ مُلكه إلا عندما قبله قادة إسرائيل ملكًا في حبرون (1أي 11: 1 - 3).

2. أورشليم.

استولى داود على أورشليم، وجعلها عاصمة لمملكته (1أي 11: 4 - 12: 20)؛ وصارت مدينة داود (2 صم 5: 9)، بل دُعِيَتْ مدينة الله (طو 13: 11)، وحُسبت السماء "أورشليم العليا أُمّنا" (غل 4: 26).

3. قرية يعاريم.

حُفِظَ تابوت العهد الذي كان الفلسطينيون قد استولوا عليه في الحرب ثم أعادوه (1 صم 4 - 6) في قرية يعاريم. حاول داود أن ينقله أيضًا إلى أورشليم، لكن لم يتحقَّق ذلك، لأنه لم يتم ذلك حسب أوامر الله، فتركه داود في بيت عوبيد أدوم حتى عرف الوسيلة السليمة لنقله (1أي 13: 1 - 14).

4. صور.

أرسل حيرام ملك صور العمال والمواد اللازمة لبناء قصر داود.

5. بعل فراصيم.

إذ أُقِيم داود ملكًا قام الفلسطينيون بمهاجمته، فقد سبق وقتل أحد جبابرتهم أيام شاول (1 صم 17). هاجم داود الفلسطينيين في بعل فراصيم حين كانوا يزحفون على أورشليم، فهزمهم مرتين مما جعل الأمم المجاورة تَهَاب داود (1أي 14: 11 - 17).

بعد هذه المعركة قام داود بنقل تابوت العهد إلى أورشليم، وأقام احتفالاً عظيمًا (1أي 15: 1 - 17: 17). وصرف داود بقية أيام حياته يهتم بالإعداد لبناء الهيكل وتنظيم العبادة لله.

يكشف سفرا أخبار الأيام عن ثبات خطة الله وغايته، حتى حينما يبدو كأن الخراب قد عمَّ الكل! فهو يهبنا راحة في الرب، وتعزية في كل العصور. فإن خطة الله للكنيسة الجامعة كما لكل مؤمنٍ لن تفشل مطلقًا مادمنا نؤمن به ونثق في عمله معنا.

يبدو كأن سفر أخبار الأيام الأول تكرار لما ورد في صموئيل الأول والثاني؛ وما ورد في أخبار الأيام الثاني يُغَطِّي ما ورد في ملوك الأول والثاني، غير أن سفري الأخبار يُقَدِّمان صورة جديدة وعميقة لما ورد في أسفار صموئيل والملوك. ما ورد هنا يُمَثِّل الجانب الروحي، وأما ما ورد في صموئيل وملوك فيُمَثِّل الجانب التاريخي.

تجاهل سفرا الأخبار القصص المؤلمة الخاصة بأمنون وأبشالوم وأدونيا وانحراف سليمان.

أقسام السفر.

أولاً: الأنساب [1 - 9].

ا. من آدم إلى إبراهيم (الآباء البطاركة) 1: 1 - 27.

ب. من إبراهيم إلى إسرائيل 1: 28 - 45.

ج. نسل إسرائيل.

1. يهوذا 2: 1 - 4: 23.

2. شمعون 4: 24 - 43.

3. رأوبين، جاد، منسّى 5.

4. لاوي 6.

5. يسّاكر 7: 1 - 5.

6. بنيامين 7: 6 - 12.

7. نفتالي 7: 13.

8. منسّى 7: 14 - 19.

9. أفرايم 7: 20: 29.

10. أشير 7: 30 - 40.

11. بنيامين 8.

د. العائدون من السبي 9: 1 - 34.

هـ. أنساب شاول 9: 35 - 44.

ثانيًا: موت شاول [10].

ثالثًا: الملك داود [11 - 29].

ا. جيش داود وأتباعه 11 - 12.

ب. نقل التابوت إلى أورشليم 13 - 16.

ج. رغبة داود في بناء الهيكل 17.

د. نصرات داود 18 - 20.

هـ. الإحصاء والضربة 21.

و. الإعداد لبناء الهيكل 22 - 26.

ز. قادة الجيش والحكومة 27.

ح. تسليم العهدة 28.

ط. احتفال للعطاء 29.

من وحي أخبار الأيام الأول والثاني.

لتُقِمْ ملكوتك المُفرِح في داخلي يا ابن داود!

  • ما أعجب حُبَّك ورعايتك لي يا مُخَلِّصي.

كلما تأملتُ في كتابك، أُذهَل من اهتمامك بي!

قبل أن تخلقنا كنا في فكرك، كما في قلبك، إن جاز لي أن أقول!

أيّة لغة يمكن أن تُعَبِّر عن خطّتك نحوي!

  • تجسدك كان في تدبيرك يوم خلقتَ آدم وحواء.

جئتَ بهما إلى جنَّة عدن، وأنت تُعِد لنا فردوس النعيم.

بلايين البلايين من البشر ماتوا، وصاروا في هوّة النسيان،.

لكنك لا تنسى أحدًا عبر كل هذه العصور!

الذين آمنوا أسماؤهم منقوشة على كفِّك،.

ومُسَجَّلة في سفر الحياة،.

ولهم موضع خاص في أحضانك!

  • يَعْبُر بنا التاريخ سريعًا،.

لنقف ولو إلى لحظات أمام داود عبدك.

شهدتَ له بنقاوة قلبه والتصاقه بك.

له أخطاؤه الخطيرة والمؤلمة،.

لكن نعمتك وهبتَه دموعًا يُبَلِّل بها سريره كل ليلة.

تجسدتَ من القديسة مريم ابنة داود.

وجلستَ على عرشك في قلوب المؤمنين.

  • بنى لك سليمان بيتًا،.

ووهبته توبة بعد أن انحرف على طريقك.

صار رجل الإيمان المقبول لديك.

هَبْ لي أن تقيم منّي هيكلاً ليس مصنوعًا بيدٍ بشرية.

تملك في داخلي، يا رب سليمان!

  • لتحملني يا رئيس الكهنة السماوي على يديك،.

ولتدخل بي إلى أحضان أبيك.

يتحرَّك كل كياني الداخلي مع حواسي،.

لأشترك مع خورُس السماء في التسبيح لك!

تجعل منّي ملكًا يا ملك الملوك ورب الأرباب.

  • تهبني سلطانًا أن أدوس على الحيَّات والعقارب وكل قوات الظلمة.

بك أتحدَّى إبليس وكل قواته بكل أعماله الشريرة.

بك أتحدَّى الخطية، لأن حنوَّك أعظم من خطيتي!

بك أتحدَّى كل ضيقة ومرارة!

  • هب لي ينابيع دموع كثيرة، كما أعطيت المرأة الخاطئة.

هب لي هذا الكنز، لأغرف منه وأُقَدِّم منه لك.

تعطيني دموعًا، فأُقَدِّمها لك مع ذبيحة الشكر والتسبيح!

  • في هيكل سليمان، أقمتَ كهنة ولاويين،.

يُقَدِّمون ذبائح حيوانية وذبيحة الشكر والتسبيح.

ليُقَدِّس روحك القدوس كل كياني.

يصير هيكلاً مقدسًا، وجلجثة جديدة.

يسكن برُّك فيَّ، فأتقدَّس بك يا أيها القدوس.

أُسَر بوصيتك وشريعتك، وأتلذذ بكلمتك.

  • انزعْ عنّي كل انحراف يميني أو يساري.

فأسلك بك وفيك وأنطلق إليك.

أُسَر بوعودك الإلهية وسط تأديباتك لي!

وتتهلل نفسي بأعمال حبك مع كل البشرية!

الباب الأول.

الأنساب.

1 أي 1 - 9.

ربما يشعر البعض بشيء من الملل في دراسة الأنساب بشيءٍ من التفصيل، لذا أنصح بقراءة الصلاة التي في نهاية كل أصحاح من هذا القسم، والرجوع بعد ذلك إلى التعليقات الخاصة بالآيات عند الدراسة.

وإني أرجو أن أنشر تفسيرًا مختصرا للسفر على مستوى شعبي.

سلسلة الأنساب (genealogies).

الأنساب ومملكة داود.

كانت الأنساب في غاية الأهمية، قبل السبي الأشوري لمملكة إسرائيل، وأيضًا البابلي لمملكة يهوذا، للحفاظ على التمييز بين الأسباط وحقوقهم. أما بعد السبي، فكانت لها أيضًا أهميتها لإعادة الاحتفاظ بالسبط الملوكي (يهوذا) والسبط الكهنوتي.

تحتوي هذه الأصحاحات على أوسع وأشمل سلسلة أنساب مذكورة في الكتاب المقدس، تقتفي أثر شجرة عائلة داود. هذا وبداية السفر بسلسلة الأنساب يدل على أن تَتَبُّع سلسلة الأنساب كان مألوفًا حينذاك.

نلاحظ في سلسلة الأنساب هنا، إذ انقسمت المملكة، لم تهتم بالمملكة الشمالية، وإنما اهتمت بالمملكة الجنوبية، خاصة سلسلة أنساب داود الملك. وهي تُظهِرُ عمل الله في اختيار شعبه، وحفظهم من بداية تاريخ الإنسان إلى فترة ما بعد سبي بابل. فتتحرَّك سلسلة الأنساب من خلقة الإنسان حتى البطاركة (إبراهيم إلى يعقوب)، ثم العصر القومي (يهوذا ولاوي وأسباط إسرائيل الأخرى 2: 3؛ 9: 44)، وهي تُظْهِرُ بوضوح حفظ الله لوعده مع بيت داود على مدى الأجيال. ووجهة النظر الكهنوتية في سفر الأخبار واضحة من الاهتمام الخاص بسبط لاوي.

من وجهة النظر المسيحية، واضح أن كاتب السفر كان مُلهَمًا بسرد تاريخ بيت داود كجزءٍ رئيسيٍ من التاريخ المقدس، مُبتدِئًا من آدم الأول منشئ جنسنا إلى آدم الثاني مُخَلِّصنا ربنا يسوع (1 كو 15: 45). وحيث أن سلسلة الأنساب قبل إبراهيم تشمل الأُسَر الثلاث للإنسان (أبناء نوح: حام وسام ويافث)، فإن الكاتب يؤكد أن الله الخالق "صنع من آدم واحد كل أُمَّة من الناس، يسكنون على كل وجه الأرض، وحتم بالأوقات المُعَيَّنة وبحدود مسكنهم" (أع 17: 26).

في نظرةٍ سريعةٍ لهذه القوائم من الأنساب، تبدو أنها مُجَرَّد تجميع من كل قوائم الأنساب السابقة في أسفار الكتاب المقدس، مع السجلات المحفوظة لدى الأمة اليهودية. لكن من يفحصها بشيءٍ من التدقيق، يُدرِك أنها موضوعة بهدفٍ مُحَدَّدٍ وبتدبيرٍ مُعَيَّنٍ. هدفها وضْع أساس قوي لبزوغ مملكة داود وسليمان وانطلاق العبادة في الهيكل، هذه التي قام بترتيبها كل من الملكيْن، بغية الالتصاق بابن داود الملك والكاهن السماوي.

نجد في هذه الأنساب بوضوح بزوغ داود في إسرائيل مُقابِل الخلفية الضخمة الخاصة بإسرائيل كأُمةٍ (1 أي 1)، والاثني عشر سبطًا حيث يبرز بينها سبط يهوذا الملوكي كسبطٍ قياديٍ له دوره البارز (1 أي 2 - 8). أما عن أهمية الهيكل ونظام العبادة فيه، فيحتل مركزًا رئيسيًا يهتم بأنساب اللاويين في شيءٍ من التفصيل (1 أي 1 - 9).

جاءت سلسلة الأنساب تربط بين الماضي منذ خلقة الإنسان، والحاضر في ذلك الوقت، أي بين حال العبادة قبل السبي وبعد الرجوع من السبي[37].

ما حاجتنا إلى هذه السلسلة من الأنساب التي احتلت تسعة أصحاحات من السفر؟

إلى فترة طويلة كنت أتحاشى قراءة هذه الأصحاحات التسعة الخاصة بالأنساب. فهي تحتوي على أسماء كثيرة لا نعرف عنها شيئًا، بل ويصعب حتى النطق بها، لأنها لم تعد متداولة وسط الشعوب الحاضرة، فلماذا يُسَجِّلها لنا الكتاب المقدس؟ وفيمَ تشغلني؟ وهل تفيدني في شيءٍ؟ وهل عرضها يمس خلاصي وبنياني الروحي؟ وكما يقول Walter C. Kaiser Jr.، Peter H. Davids "لأول وهلة يُظَن إنه بلا فائدة، إن لم يكن مملاً ذكر كل هذه قائمة الأنساب. لماذا تُعطَى مساحة كبيرة فيما يبدو أنه ليس ذا فائدة روحية تفيد الأجيال التالية؟".

1. يبدأ سفر أخبار الأيام الأول بتسعة أصحاحات يرد فيها سلسلة من الأنساب. قد يهتم بها من هو ذو قرابة مباشرة من أجل التأكد من وجود قريبٍ في القائمة. لكن إن كان الأمر يتعلَّق بخلاصنا، فإننا بذات الفكر نبحث في هذه الأنساب بكونها خاصة بعائلتنا الكبيرة: تباركت أرضنا بآدم، وحواء، وسام، وإبراهيم. وكأن هذه الأنساب خاصة بالأسرة الكبيرة لعائلة واحدة نعتز بها.

2. إذ جاء الوعد بميراث كنعان "أرض الموعد" لإبراهيم ونسله، كان لابد من تسجيل نسله لتأكيد أن أرض الموعد هي لهم. انضم إليهم بعض ممن صاروا أعضاء في هذا الشعب بقبولهم الإيمان الحقيقي، واعتزازهم برفضهم الوثنية وكل رجاساتها، وغيرتهم على الارتباط بالله. لذلك أشارت الأنساب إلى هذه الشخصيات.

3. توضح هذه الأنساب وجود تدبير إلهي مُعيَّن سابقًا في تاريخ الشعب العام المشترك بين شعب بني إسرائيل سواء مملكة الشمال أو الجنوب، الغني أو الفقير وهو أن إلههم الإله الحق الذي أرشد شعبه وحافظ عليه لتحقيق الخلاص.

4. بعد وصول الشعب إلى أرض الموعد، وتَمَتُّعهم بالنصرة على كثير من الأمم الكنعانية، كان من اللازم أن يعرف كل سبط أعضاءه حتى يعرف الكل نصيبهم، ويحتفظون به عبر الأجيال كلما أُتيحت لهم الفرصة. أما حين جاء السيد المسيح، فصارت الأرض وملؤها للرب ومسيحه، ويشعر كل مؤمنٍ أيّا كانت جنسيته أنه يتمتَّع بالبنوة لله، فلا يتمسَّك بحدود معينة أو بقعة معينة بطريقة حرفية.

5. تكشف هذه السلسلة عن اهتمام الله ببني البشر، سواء على مستوى الشخص أو الأسرة أو العشيرة أو المجتمع الكنسي أو المجتمع البشري. كأن الله يود من كل إنسانٍ أن يُدرِكَ اعتزازه به شخصيًا، يعرفه باسمه، ويهتم بأسرته، وبكل ما يَمسّه. حقًا يؤكد الكتاب المقدس كله أنه يصعب على الإنسان أن يُدرِكَ مدى اهتمام الله به، هذا ما سيُعلَن لنا بأكثر وضوح يوم لقائنا مع مسيحنا على السحاب!

6. هذه السلسلة التي ترجع إلى آدم، تجعلنا لا نعزل أنفسنا عن الماضي القريب والبعيد.

7. هذه السلسلة هي أسماء لأشخاص عاشوا على هذه الأرض، نَسيهم الزمن، ودُفِنَتْ أسماؤهم في سجلات قديمة. ويومًا ما ستُدفَن أسماؤنا في سجلات ما في هذا العالم، وتصير منسيَّة. أما من يتمتَّع بالميلاد الجديد الروحي، فكابن لله نال بالمعمودية روح التبنِّي (يو 3: 3 - 6)، صار له موضع في قلب الله، وفي خطته. يُنْقَش اسمه كابن لله على كفِّه الإلهي، ويُسَجَّل في سفر الحياة، ولا يستطيع حتى الموت أن يمحوه. لكن "العالم يمضي وشهوته، وأما الذي يصنع مشيئة الله، فيثبت إلى الأبد" (1 يو 2: 17) [38]. ذكر أسماء أشخاص لا نعرف عنهم شيئًا سوى أسماءهم الواردة هنا.

الله، في حبِّه للبشرية لا ينشغل بتسجيل أسماء البلايين من البشر في كتاب الحياة، إنما ينقش كل اسمٍ كما على كفِّه، يعرفه شخصيًا، ويهبه شخصية فريدة عن بقية كل البشر، ويحفظ له رسالة خاصة. كل من يلتصق بالله يُدرِكُ أنه فريد، موضع اهتمام الله الخاص، وكما يقول القديس أغسطينوس وهو يتأمل حبَّ الله العجيب متسائلاً إن كان هو الإنسان الوحيد في العالم. ففي فترات كثيرة كان يتساءل، هل يوجد من يُحِبُّه الله مثله؟ هذه مشاعر من يختبر التبنِّي لله، فيحسب نفسه الابن المُدلَّل الفريد الذي يشغل فكر الله!

8. يدفعنا تسجيل الأنساب إلى تجديد إيماننا بالله، وعلاقتنا به، وتَرَقُّبنا للِّقاء الأبدي معه.

9. تُمَثِّل هذه الأنساب شجرة العائلة لإبراهيم ثم لإسرائيل ويهوذا وأخيرًا لداود، حتى تطمئن نفوسنا أن ربنا يسوع هو المسيَّا الموعود به، ابن داود الذي يملك على القلوب، أما الرجوع بالأنساب حتى آدم، فلتأكيد أن ملكوت الله يُقَام في داخل الإنسان أيّا كان جنسه، إذ هو ابن آدم؟

10. للأنساب أهميتها لإقامة التسلسل الخاص بسبط لاوي من أجل الكهنوت واللاويين خدام الهيكل، حتى يأتي رئيس الكهنة السماوي.

11. كان لهذه الأنساب أهميتها للراجعين من السبي البابلي، حتى الذين وُلِدُوا في السبي أو حُملوا إليه وهم أطفال أو صبيان صغار، لا يذكرون شيئًا عن أرض الموعد ومدينة أورشليم وهيكل الرب، وتقديم الذبائح والتسبيح والاحتفال بالأعياد. إنهم قد عادوا حسب الوعد الإلهي، ويلزمهم أن يعيشوا في الإيمان، ويختبروا الشركة مع الله. فإن كان السبي البابلي عبر بهم وكأنه طوفان مسح الماضي، ودخل البشر في نوعٍ من الارتباك، جاءت الأنساب هنا تدعونا لإلقاء نظرة سريعة على الماضي، لنكمل المسيرة للتمتع بالحياة المقدسة التي عاشها آباء صالحون.

12. تساعد هذه سلسلة كل شخصٍ أن يبحث عن أصله، ويدرك أنه من نسل إبراهيم، له نصيب في الوعود الإلهية التي قُدَّمَت لإبراهيم من أجل نسله.

13. لهذه الأنساب أهمية خاصة بالنسبة لليهود كي يترقَّبوا مجيء المسيا ابن داود، ابن يهوذا، ابن إبراهيم، ابن آدم. كما لها أهميتها لنا نحن المسيحيين، إذ تُثْبِت أن يسوع المسيح من نسل داود بن إبراهيم، الذي وُعِدَ به شعب الله كمُخَلِّصٍ للعالم، فيه تحققت النبوات.

14. إذ نقرأ هذه الأصحاحات نلتقي بأناسٍ عبر الأجيال، فنتلقَّى خلالهم دروسًا لبنيان نفوسنا، ونتعلَّم من بعضهم كيف صاروا عظماء في عينيْ الله وفي أعين السمائيين خلال بساطة قلوبهم وأمانتهم في القليل جدًا الذي كان بين أيديهم، وها هي بين أيدينا وزنات أكثر منهم. منهم من سقطوا حتى الأعماق، وبنعمة الله قاموا ونموا وصاروا أبرارًا.

نلتقي بيعبيص الذي حتى اسمه يعني أنه حزين ومؤلم، لكنه تغلَّب على اسمه (1 أي 4: 9)، وصار أشرف شخص في عشيرته[39].

ونلتقي بأبرام وقد تغيَّر اسمه، ليصير إبراهيم أبًا لأمم كثيرة.

كما نلتقي برأوبين الذي بخطيته فقدَ امتياز بكوريته.

وبيوسف الذي رفض الخطية، فكرَّمه الله.

نلتقي بنساء فُقْنَ الكثير من الرجال!

15. يختصر الكاتب الأنساب الطويلة التي في تك 5 و11، ويقتطف فقرات كبيرة من تك 10، فلا يحفظ من السلالات المنحدرة من الإنسان الأول إلا إبراهيم السامي ثم ابنه إسحق فيعقوب.

16. إذ يترك السفران الحديث عن تفاصيل الأحداث التاريخية البشرية، في الفترة السابقة لمُلْكِ داود، يؤكدا أن هذه الفترة مع أهميتها وطول زمانها وكثرة أحداثها، لم تكن إلا إعدادًا للميثاق الذي أقامه الله مع شعبه خلال أول ملك حقيقي مُقَام من الله نفسه، وليس حسب هوى البشر. حقًا لقد أُقِيمَت مواثيق بين الله وبعض المؤمنين مثل نوح وإبراهيم وحتى مع موسى، لكنها لا تُقارَن بالميثاق الأبدي مع داود الملك.

هذا يشرح لنا سرَّ تجاهل السفريْن تمامًا لمملكة الشمال المُنشقَّة، بالرغم من ضمِّها لعشرة أسباط، لأنها قامت لمقاومة الميثاق الإلهي مع بيت داود.

17. يكشف الهيكل العام للأنساب في مجملها عن خطة الله وعمله معنا سواء على مستوى الكنيسة كجماعة أو شعب الله أو العضو كمؤمن. فالأنساب تمرُّ بثلاث مراحل:

المرحلة الأولى الاختيار: الله هو الذي اختار آدم، إذ خلقه على صورته، واختار إبراهيم ليكون أبًا لجمهور عظيم، واختار الشعب ليكون خميرة لتقديس العالم بالمسيّا ابن داود. هكذا يتهلل كل مؤمنٍ بقول السيد المسيح: "ليس أنتم اخترتموني، بل أنا اخترتكم" (يو 15: 16). وقول الرسول: "كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم، لنكون قديسين وبلا لومٍ قدَّامه في المحبة" (أف 1: 4).

  • ماذا يعني: "اختارنا فيه"؟ يعني أنه تم بواسطة الإيمان به، أي في المسيح. فقد دبَّر هذا لنا بخطةٍ قبل أن نولد بل وأكثر من هذا "قبل تأسيس العالم". ما أجمل هذه الكلمة: "تأسيس". كأنه يشير إلي العالم على أنه ساقط من ارتفاع شاهق جدًا. نعم، إن سمو الله عالٍ جدًا بطريقة تفوق الوصف، سموه بعيد جدًا لا من جهة المكان، وإنما من جهة إمكانية الطبيعة للحديث عنه[40].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

المرحلة الثانية الاستمرارية: إن كان الله هو البداية إذ اختارنا، فلا يقف عمله عند اختيارنا، إنما مسيحنا هو الطريق ننطلق فيه من البداية حتى نبلغ إلى النهاية بأمان.

المرحلة الثالثة الإصلاح: في الاستمرارية نتعرَّض للأخطاء والضعفات، كما أخطأ إسرائيل ويهوذا، والله بطول أناته احتملهم، لكن بإصرارهم على الخطأ فسدوا، وسقطوا تحت السبي. مع ذلك لم يَتْركهم في فسادهم، بل ردَّهم من السبي، ليصيروا شعبًا يتهيَّأ لمملكة المسيح ملك الملوك.

هذه المراحل الثلاث هي الخطوط العريضة لحياة الإنسان من آدم حتى العودة من السبي. وكأن الأنساب تفتح لنا باب الرجاء سواء في بداية الطريق أو في وسط الطريق أو حتى قُرْب نهايته[41].

18. إن كانت الأنساب قد تجاهلت المملكة الشمالية، لأنها أقامت عبادة حسب الفكر البشري (الخلط بين الوثنية وعبادة الله)، وليس حسب الشريعة الإلهية، غير أن رجوع الأتقياء منهم إلى مملكة الجنوب، وانضمام الكل معًا عند العودة من السبي، يؤكد أن مملكة الجنوب لم تُقِم سورًا لاستبعاد الأسباط الأخرى، وإنما بالسور تُقِيم بنية مُقَدَّسة لعل كل الأسباط تدخل في دائرة الحياة التقوية والطاعة للشريعة[42]. هكذا تدفعنا سلسلة الأنساب إلى اتِّساع القلب والحب نحو حتى غير المؤمنين، فتجد البشرية سعادتها في إنجيل المسيح والتمتُّع بعمل الثالوث القدوس فيها.

كما لم يقف فكر مملكة يهوذا عند الرجوع إلى أورشليم في حدود أرض يهوذا، بل يتَّسِع إلى خارجها أيضًا، هكذا يليق بالمؤمن أن يشتهي أن تصير الأرض كلها للرب ولمسيحه، ويُصَلِّي ويعمل بروح الحب والوداعة من أجل خلاص البشرية.

  • انظر، فإنه يُقَال إننا نحب بعضنا بعضًا. ولكن إن كان أحد له صديقان وآخر له ثلاثة، فإن هذا ليس حبًا من أجل الله، بل من أجل المحبوبين.

الحبُّ الذي من أجل الله لا يحمل هذا كأساسٍ للحب، بل كإنسانٍ يميل نحو كل البشرية، يحب من لهم إيمانه بكونهم إخوة حقيقيين ويحب الهراطقة والوثنيين واليهود بكونهم إخوة بالطبيعة متأسفًا عليهم عاملاً بتعبٍ وباكيًا من أجلهم.

بهذا نكون على مثال الله، لا بصُنْعِ أعمال عجيبة، بل إن أحببنا كل البشر حتى أعدائنا.

إننا ندهش من الله، إذ يُظهِر عجائب، وبالأكثر جدًا عندما يُظهِرُ حبًا للإنسان، عندما يُظهِر طول أناته علينا.

إن كان هذا يستحق الإعجاب في الله، فكم بالأولى يستحق البشر الإعجاب (بحُبِّهم للجميع) [43].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

  • حيث أن الحبَّ الحقيقي هو أن نُحِبَّ الكل، فإن عرف أحد أنه يبغض ولو شخصًا واحدًا يلزمه أن يسرع ويتقيأ هذه اللقمة المُرَّة حتى يتهيَّأ لقبول عذوبة الحب نفسه[44].

الأب قيصريوس أسقف آرل.

19. جاءت هذه الأنساب تُصَحِّح المفاهيم الخاطئة للأمم من جهة أصل الشعوب والأمم، فقد اعتقد أهل أركاديا Arcadians بأنهم وُجِدوا قبل القمر، وتصور شعب Thessaly أنهم صدروا عن حجارة، وادَّعى الأثينيون أنهم نبتوا من الأرض[45].

مشاكل خاصة بالأنساب[46].

1. يليق بنا ونحن نتأمل في الأنساب أن نُمَيِّزَ بين الأنساب حسب الجسد أو الطبيعة، وتلك التي حسب الروح أو النعمة الإلهية. فشجرة العائلة حسب الجسد تبلغ بي إلى آدم الساقط، أما تلك التي حسب الروح، فتبلغ بي إلى مُخَلِّصي آدم الثاني. يلاحظ أن ما يشغل السفر هو التعامُل مع خطة الله والكشف عن نعمة الله العاملة في حياة الراغبين في الالتصاق به. لهذا فالأنساب تتبع خط الإنسان حسب الجسد أولاً، حيث تسلَّل الفساد خلال الدم البشري، لكن نعمة الله تتدخَّل ليرتبط المؤمن بفكر الله ومشورته. فالإنسان يلد إنسانًا على صورته بعد سقوطه، لكن الله يتدخَّل برحمته، حتى يتمكَّن الإنسان من القيام. يقول الرسول: "ليس الروحاني أولاً بل الحيواني، وبعد ذلك الروحاني" (1 كو 15: 46). فالروحاني لا يأتي من طبيعة آدم الأول، إنما هو عطية آدم الثاني، هذه العطية تَمَتَّع بها رجال الإيمان في العهد القديم خلال الظل والرمز، أما وقد جاء آدم الثاني فوُهِبَ لنا أن نَتَمَتَّع ببرِّه.

لهذا لا نتكلم عن الأنساب مثل السجلات التي كان اليهود يحتفظون بها لتأكيد نسب الإنسان إلى سبطه كما إلى إبراهيم أب المؤمنين وأخيرًا إلى آدم، إنما تدفعنا للتلامس مع عمل آدم الثاني فينا لنعمل بحسب عضويتنا في جسده.

2. في الأنساب التي بين أيدينا، عندما يُقَال أن هذا ابن ذاك، لا يعني دومًا ابنه حسب الجسد مباشرة، إنما يعني الآتي:

أ. أنه يُنتسَب إلى أبيه حسب الجسد، أو حسب الطبيعة، بكونه ابنًا له من دمه.

ب. قد يُنسَب الإنسان إلى جدِّه أو جدِّه الكبير (والد الجد)، إن كان قد قام بتربيته، أو كان له أثره الفعَّال على شخصيته أكثر من والديه.

ج. أحيانًا يُحسب ابنًا لرأس عشيرته، فهو أب كل العشيرة، خاصة إن كان له تقديره في المجتمع. في كثير من المجتمعات الغربية مثل الولايات المتحدة الأمريكية غالبًا ما يُنادى الإنسان باسم الأسرة Last name.

د. أحيانًا يُنسَب الإنسان إلى شخص ميِّت ليس له نسل، فتزوجت الأرمَلة بالوليّ، أو أقرب من له، وبحسب الشريعة الموسوية يُحسب المولود ابنًا لا لأبيه حسب الجسد، بل للميِّت، حتى يرث ما للميِّت، ولا يُغلَق بيت الميِّت.

هـ. أحيانًا يختفي حتى اسم الجد أو الأسرة، فيُنسَب الإنسان إلى مكان مولده.

و. كان لبعض الأشخاص اسمان مثل بنيامين (ابن أوني)، رعوئيل (يثرون) (خر 2: 18؛ 3: 1)، وسليمان (يديديا).

ز. أحيانًا تُقَدِّم سلسلة الأنساب باختصار، وتُحذَف بعض الأسماء من الأنساب، لكي لا يتشتَّت القارئ بعيدًا عن الهدف.

ح. أحيانًا يُحذَف النَسَب عن قصدٍ، وأحيانًا يُرَكِّز النسب على شخصية مُعَيَّنة، فلا يشغل الكتاب المقدس الترتيب الزمني، كأن يبدأ بالبكر، أو بمن هو تقي ومُخْلِص في علاقته مع الله.

الأنساب والرموز للسيد المسيح.

تحدثنا عن أهمية الأنساب، وعرفنا أن الكثير من الأسماء الواردة فيها لا نعرف عنها شيئًا، لكن إن صحَّ لنا القول حين نلتقي بالكثير منهم في يوم الرب العظيم، سنتعرَّف عليهم. لا نسألهم عن أحداث ماضية ارتبطت أسماؤهم بها حين كانوا في رحلة حياتهم على الأرض، إنما نتطلَّع إليهم، فنفرح ببهاء الله المُنْعَكِس عليهم. نُسَبِّح الله ونُمَجِّده من أجل أعماله مع البشرية التي كان يتجاهلها الكثيرون، وقد تجلَّى بحُبِّه وحكمته وحنانه وخلاصه يوم لقاء كل المؤمنين معه في موكب سماوي مُفرِح!

الآن، وإن صَمَت السفر في أصحاحات الأنساب عن الحديث حتى عن من نعرف عنهم بعض الأمور خلال الأسفار المُقَدَّسة الأخرى، أود أن أُقَدِّم لمسات خفيفة للغاية حتى نتذوق عذوبة أعمال الله معهم وفيهم، لأن بعضهم حملوا رموزًا للسيد المسيح، والبعض قَدَّموا نبوات عنه وعن عمله الخلاصي، ونَتَمَتَّع بدروس إيجابية وأحيانًا سلبية في حياتهم، لأجل توبتنا وبنياننا وتحذيرنا من أخطاء أو ضعفات سقطوا فيها.

ملاحظتان

1. نظرًا لأننا لا نعرف الكثير عن بعض الأسماء الواردة في الأنساب، اكتفينا بذكر معنى بعض الأسماء، وما ورد عنها في الكتاب المقدس باختصار ما أمكن.

الأَصْحَاحُ الأَوَّلُ

الأنساب من آدم إلى إسرائيل.

بدأ السِفْر بالأنساب من آدم، الإنسان الأول، لكي يدرك الجميع أنهم ينتسبون إلى أبٍ واحدٍ. إن كان الله قد اختار شعبه من نسل إسرائيل، لكن كل البشرية تنتسب إلى عائلةٍ واحدةٍ وجنسٍ واحدٍ، يطلب الله خلاصها.

ثلاثة أفعال مُتَكَرِّرة.

قد يدهش القارئ أن يجد الأصحاح الأول من السفر يكاد يكون مجموعة من الأسماء دون أن تُربَط الأسماء بحدثٍ ما. كما لا نجد أفعال في الأصحاح سوى ثلاثة:

الفعل الأول "وَلَد" أو "وَلَدت" وقد تكرر.

الفعل الثاني "مَلَك" أو "مَلَكوا".

الفعل الثالث وغالبًا ما ارتبط بالثاني، وهو "مات" فيموت الشخص، ويملك مكانه آخر.

هذه الظاهرة في الأصحاح الأول، وإن بَدَتْ للمبتدئين أنها مُملَّة، لكنها في الحقيقة تكشف عن ما يهدف إليه السفر. فالله يهب الإنسان وجوده أو خلقته أو ولادته في هذا العالم لكي يعيش ملكًا صاحب سلطان كسفيرٍ عنه، لكن بالخطية أو اعتزاله عن الله مصدر وجوده وحياته وسلطانه يموت، ويحتاج إلى من يَرُده إلى الحياة ويتمتَّع بالسلطان الملوكي، لا في هذا العالم الزمني، بل على مستوى سماوي أبدي.

يُكَرِّر القديس أغسطينوس في عمله مدينة الله The City of God أنه لا توجد سلسلة أنساب في الكتاب المقدس كاملة، فكل سلسلة تخدم غرضًا معينًا خاصًا، سواء من الجانب اللاهوتي أو التاريخي. لذلك فإن ما يشغل دارس الكتاب المقدس ليس تقديم توافق بين سلاسل الأنساب الواردة فيه، إنما التعرُّف على غاية كل سلسلة لبنيان نفسه وبنيان الكنيسة[47].

قدَّم هذا الأصحاح نظرة سريعة على الأنساب، مبتدأً من آدم بكونه أب الجنس البشري كله، وختمه بإسرائيل بكونه أب شعب الله المختار أو الأمة المختارة. وفي نفس الوقت انتهى ببداية الخط المسياني (سبط يهوذا).

1. من آدم إلى إبراهيم 1 - 28.

أ. من آدم إلى نوح 1 - 4.

ب. أنساب أبناء نوح الثلاثة 5 - 23.

ج. من سام إلى إبراهيم 24 - 28.

2. من إبراهيم إلى إسرائيل 29 - 54.

أ. عائلة إسماعيل 29 - 31.

ب. عائلة قطورة 32 - 33.

ج. عائلة إسحق 34 - 37.

د. عائلة سعير 38 - 42.

هـ. ملوك أدوم 43 - 54.

الأعداد 1-28

1. من آدم إلى إبراهيم

اهتمت سلسلة الأنساب بالربط بين آدم وإبراهيم. فإن كان آدم هو الأب العام للبشرية حسب الجسد، فإن إبراهيم هو الأب العام للمؤمنين.

إذ نقض آدم ميثاق النقاوة والطاعة لواهب الحياة والصلاح، صرنا نحن نسله بالطبيعة زيتونة برية لا تحمل إلا الموت والفساد، صرنا جميعًا في شقاءٍ. لكن بقبول إبراهيم أبينا ميثاق الإيمان، وذلك بالنعمة والطاعة، صرنا أغصان الزيتونة الصالحة. بالإيمان صرنا نسل إبراهيم روحيًا (رو 4: 11 - 12)، حتى وإن كنا لا ننتسب له بالطبيعة. صرنا مُطَعَّمين في الزيتونة المُثمرة وشركاء في أصولها وثمارها بالمسيح يسوع مُخَلِّصنا.

يُقَدِّم لنا القديس مار يعقوب السروجي حديثًا رائعًا عن علاقة الشعوب والأمم بأب الآباء إبراهيم، خلال الإيمان بالمسيح يسوع ربنا.

  • طعَّمَت الزيتونة البرية نفسها بشجرة إبراهيم عندما خربت وتجرَّدت الشجرة.

وأعطى الإيمان من جذره دهنَ الزيتونة لهذه الأغصان الغريبة...

واقتنى جذر الآباء المبارك والحلو أغصانًا طويلة من الشعوب.

جدَّدَت الشعوب شتلة إبراهيم المختارة بالإيمان الذي به تبرَّر إبراهيم.

دخلت وقامت الزيتونة البرية، بدل الزيتونة الأصيلة، وها هي مشتولة وبهية على جذر إبراهيم.

وهي تحمل كل يومٍ ثمر التسبيح الجديد الحلو، بدل الشجرة التي قطعت نفسها من جذرها.

عرفت الشعوب إيمان الله، وها هم قائمون فيه، ليصيروا ورثة وأبناء الموعد.

لم يُدخِلهم الناموس عند الله، لكنهم (دخلوا) من باب الإيمان بدون ناموس[48].

القديس مار يعقوب السروجي.

يبدو أن سفر التكوين هو مصدر هذه الأنساب الواردة هنا:

(تك 5) مصدر الأنساب من آدم إلى نوح [1 - 4]، حيث صار للبشرية بالطوفان بداية جديدة، تنتشر في كل الأرض.

(تك 10) يُقَدِّم لنا نسل نوح [5 - 23].

(تك 11) مصدر نسل إبراهيم [24 - 27].

أ. من آدم إلى نوح

آدَمُ، شِيث، أَنُوشُ، [1].

إن كان المصدر الرئيسي أو الوحيد لهذه الفترة هو سفر التكوين، إلا أن الأنساب هنا تتميَّز بإبراز وتأكيد عنصرين هامين، وهما الاختيار الإلهي لأناس الله، وتأصُّل النعمة الإلهية في العرض للأنساب.

تجري سلسلة الأنساب هنا لخدمة الغرض العام للسفر، وهو أن الله يختار له شعبًا مُقَدَّسًا، إسرائيل الحرفي في العهد القديم، وإسرائيل الجديد أي الكنيسة التي تضم أعضاءها من كل الأمم.

آدَمُ: اسم عبري، ومعناه لغويًا "أحمر". يرى البعض أن أصل الكلمة الأكادي أو الأشوري "أدامو"، أي "يعمل"، أو "ينتج". وكأن الله خلق الإنسان لينعم بالسعادة في العمل والإنتاج.

حقًا انشغل السفران بتأكيد أصالة ونقاوة شعب إسرائيل على خلاف السامريين الذين يحملون دمًا مختلطًا من اليهود والأمم. لكن في نفس الوقت، يبدأ السفر بآدم بكونه أب البشرية كلها. فالخلاص الآن تحقق بابن داود المُقَدَّم للعالم كله.

غاية سلسلة الأنساب ليس تقديم السلسلة كاملة، إنما تأكيد هاتين الحقيقتين اللاهوتيتين:

1. امتياز الشعب القديم كشعب مُختار تقدَّس لله، له رسالته الخاصة بين كل الأمم والشعوب، حاول عزل نفسه عن الآلهة الوثنية، بانتسابه للآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب.

2. مملكة ابن داود مسكونية، تفتح باب الخلاص والرجاء والمجد السماوي لكل البشرية. ففي المسيح "ليس يوناني ويهودي، ختان وغُرْلة، بربري وسكِّيثي، عبد وحُر، بل المسيح الكل وفي الكل" (كو 3: 11).

لا نعجب من تجاهُل قايين ونسله (تك 4: 17 - 26) في هذه الأنساب. فالسفر يرفض أن يشير إلى وجود كل الأجيال القادمة من قايين، وذلك كما يتجاهل مملكة الشمال بعد تمرُّدها على بيت داود وعدم التزامها بالشريعة الإلهية ووضع عبادة حسب فكرها البشري، لأن ما يشغل السفر إعلان الميثاق الإلهي بين الله والمُخْلِصين في الالتصاق به والشركة معه.

بدأ بآدم كمن يستعرض كل أنساب البشرية، لكنه يستبعد أنساب كل الشعوب التي لا تبلغ إلى إسرائيل، ليُعلِنَ أن لله خطة واختيار لتحقيق خلاص البشرية خلال ابن داود الذي من إسرائيل.

لم يفشل سفر الأخبار في الاهتمام بدعوة إبراهيم، وبالميثاق الذي عقده مع موسى، لكن ما يشغله بالأكثر هو الهيكل والعهد مع داود، وكأن ما يشغل الكاتب في الدرجة الأولى أرض الموعد ووحدة الشعب مهما تكن التكلفة[49]، ليعبر بنا إلى ابن داود والتمتُّع بأورشليم العليا.

مرة أخرى نؤكد أن غاية هذه الأنساب عرض الخط ما بين آدم وإبراهيم؛ آدم بكونه الأب العام للبشرية الذي خُلِقَ على صورة الله ومثاله. أما إبراهيم، فصار أب البشرية من جهة الإيمان، رأى الرب المتجسد المصلوب القائم من الأموات ليقيم كل الشعوب، ففرح وتهلل (يو 8: 56).

  • منذ البداية عندما خلق الرب آدم، جعله كاهنًا ليقوم على خدمته.

بالحقيقة وضع الرب حدًّا لآدم (قائلاً): كُلْ يا آدم من كل الثمار الموجودة في الفردوس.

ولا تقترب من الشجرة الموجودة في الوسط، ومتى ما دنوت منها موتًا تموت.

حسد الشرير آدمَ الذي جُعِلَ على صورة الله، واستولى على حواء، وقطفت الثمرة، وأكلت من الشجرة.

وأعطت آدم وأكل، وتجاوز الوصية، وتسلَّط الموت على آدم كما قيل.

مات آدم، وهوذا الموت يتسلل إلى كل الأجيال، وجاء وبلغ مثل السالب إلى موسى...

ذاق جميع الصديقين والأبرار والأنبياء والملوك كأس آدم الذي تجاوز الوصية[50].

القديس مار يعقوب السروجي.

  • من آدم الرجل الذي لم يكن له أن يلد، خرجت أمنا حواء،.

فكم بالحري يلزمنا أن نُصَدِّق أن ابنة حواء تلد طفلاً بغير رجلٍ!

الأرض البكر حملت آدم الأول، الذي كان رأسًا على كل الأرض،.

واليوم حملت العذراء البكر آدم الثاني، الذي كان رأسًا على كل السماوات! [51].

القديس مار أفرام السرياني.

شيث: اسم سامي معناه "مُعِين"، فقد وُلِدَ بعد قتل هابيل ليكون معينًا ومُعزّيًا لوالديه. فكما أن الابن يحتاج إلى والديه المملوءين حبًا وحنانًا ورعاية، يحتاج الوالدان أيضًا إلى ابنهما أو بنتهما. يقول الحكيم: "الابن الحكيم يسر أباه، والابن الجاهل حزن أمه" (أم 10: 1). "الابن الجاهل غم لأبيه، ومرارة للتي ولدته" (أم 17: 25). "الابن الجاهل مصيبة على أبيه" (أم 19: 13).

بخصوص شيث، يشارك القديس مار يعقوب السروجي أبوينا الأولين آدم وحواء مرارة نفسيهما بعد قتل هابيل، ويتلامس مع التعزيات الإلهية العجيبة التي فاضت عليهما بميلاد ابنهما شيث. سرُّ تعزيتهما ليس أن الله وهبهما ابنًا عوض هابيل وقايين، حيث نظرا ميتًا لأول مرة في حياتهما (هابيل)، وأدركا كيف يعود الجسم الترابي إلى التراب. والثاني قايين في رعبٍ شديدٍ يخشى الحيوانات، بل ويرتعب حتى من ظله. إنما نظرا في شيث حُبَّ الله الفائق، وتعزيات السماء، وأدركا أسرارًا إلهية، رفعت قلبيهما كما إلى السماء.

يتصوَّر القديس مار يعقوب السروجي شيثًا الحامل رمز السيد المسيح، وقد هجم على أساسات الألم وحطَّمها، ووطأ على الحزن بقدميه، ففقد سلطانه. نزع شيث الكآبة عن والديه، وصار كالإيل السريع الحركة، تَهْرَب من أمامه الحيّات، لئلا يضربها بقدميه فيقتلها. لم يعد للكآبة موضع في قلبَي آدم وحواء، إذ وهبهما دواءً يشفيهما. قيل: "وعاش آدم مئة وثلاثين سنة، وولد ولدًا على شبهه كصورته، ودعا اسمه شيثًا" (تك 5: 3). في هذا كان رمزًا لابن الله الذي هو واحد مع الآب، قيل عنه: "الذي وهو بهاء مجده، ورسم جوهره، وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته، بعدما صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا، جلس في يمين العظمة في الأعالي" (عب 1: 3). لكن شتان ما بين الرمز والمرموز إليه.

  • أنجب آدم بشبهه (تك 5: 3)، ومثل صورته، وماذا يعني هذا (الشبه) الذي كتبه موسى بعناية،.

لو لم يكن يرمز إلى شيءٍ يريد أن يظهره لنا؟ لماذا لزم أن يكتب عن شيث أنه يشبه؟

لقد سجل القبائل من آدم إلى عهده، ولم يذكر بأن فلانًا يشبه أباه الفلاني...

صارت تعزية لآل آدم بواسطة شيث الجميل، وبميلاده نسيا ضيقاتهما القديمة.

ضياء السرِّ التهب من محياه، وأبهجهما، لأنهما كانا حزينَيْن بسبب هابيل...

رأيا فيه شبهًا مجيدًا وتَعَجَّبا من بهائه، وبذلك العجب نسيا حِدادًا كانا مُكتئبَيْن به.

كانت حواء ترى فيه شبه رَجلِها آدم، ولما كان بعيدًا كان كأنه غير بعيد لكونه أمامها.

كانت تُعَزِّي آدم بجمال ابنه، وتقول له: هلم وشاهد صورتك، وأَزِلْ حزنك.

هلم وشاهد ذاتك وتعزَّ بِشَبَهِك، وانظرْ إلى شخصك، هوذا يحمل صورتك، إنه كله أنت.

هلم أيها الشجرة شاهد ثمرك إذ هو مثلك، أيها النسر السامي، هوذا أشباهك على فراخك الصغار.

اقترب أيها الجبار، يا رئيس الأرض ويا أبا الأجناس، وشاهد ابنك، ساقه عالي كساقك.

انظر أيها الحارث، هوذا زرع حقلك يُشْبِهُك، والباقة التي جمعتها هي مثلك بكل جمالها[52].

القديس مار يعقوب السروجي.

أَنُوشُ (تك 4: 26): اسم عبري معناه "إنسان". وهو أول من علَّم البشرية التسبيح لله، إذ قيل: "ولشيث أيضًا وُلِدَ ابنٌ، فدعا اسمه أنوش، حينئذ ابتدأ أن يُدْعَى باسم الربِّ" (تك 4: 26).

  • اجتهد أنوش في جيله مثل متميزٍ، وبدأ ودعا باسم الرب حتى يُسبّح.

ميَّز وعلَّم التسبيح لبني جيله بلحنه، ليدعو باسم الرب في كل حين.

محبته غلت بحب ربِّه بتمييزٍ، فأعطى التسابيح ببرٍ في أوقات معينة.

عيَّن كل صباحٍ والأمسيات، ليدعو اسم الله، حتى ينسج حياته على فوائد روحية.

فتح فم الأرض، وعلَّمها أن تدعو باسم الرب في كل الأيام والليالي[53].

القديس مار يعقوب السروجي.

قِينَانُ، مَهْلَلْئِيلُ، يَارِدُ، [2].

قينان[54]: اسم سامي، ربما معناه مالك أو الممتلك أو اقتناء أو حداد forgeman.

حمل اثنان ذات الاسم في العهد القديم:

1. يرى البعض أنه الأب Patriarch الرابع من آباء ما قبل الطوفان، بكر أنوش، عند ميلاده كان أنوش قد بلغ التسعين، وعاش 70 سنة عند ميلاد مهللئيل، وعاش بعده 840 سنة، ومات وعمره 910 سنة (تك 5: 9 - 14).

حسب تقليد الربيين rabbinical أنه أول من أدخل عبادة الأوثان والتنجيم.

يؤكد القدِّيس مار أفرام السرياني أن الكلدانيين في عصر تارح وأبرام ابنه عبدوا الإله الصنم قينان. ويرى البعض أن بناته أول من صنعن آلات موسيقية وعزفن عليها[55].

2. ابن أرفكشاد وأب شالح (لو 3: 35 - 36). يدعى عادة قينان الثاني.

مهللئيل (تك 5: 12 - 13): اسم عبري، معناه "الحمد لله". وُجد شخصان بهذا الاسم:

1. ابن قينان وحفيد شيث، عند ميلاده كان والده في السبعين من عمره، أنجب يارد وهو في الخامسة والستين من عمره، وعاش حتى بلغ 865 عامًا (تك 5: 12 - 17؛ لو 3: 37). يرى Ewald أن مهللئيل عرف الإله شمس sun - god، وابنه يارد عرف إله الماء، الإله فاريونا Varune الهندي[56].

2. رجل من بين يهوذا من بني فارص من نسل عثايا (نح 11: 4)، أقام في أورشليم بعد السبي.

يارد (تك 5: 15 - 20): اسم سامي، ربما معناه "نزول"، والد أخنوخ.

وُجِدَ اثنان يحملان هذا الاسم:

1. ابن مهلليل ووالد أخنوخ كان عمره 162 عامًا عند ميلاد ابنه أخنوخ (تك 5: 15 - 20؛ لو 3: 37).

2. ابن عذرة من سبط يهوذا، امرأته يهودية Jehudiyah، والد جدور (1 أي 4: 18). يقدم الربيون تفسيرًا رمزيًّا لاسمه الذي معناه "نزول"، فيرون فيه أن يحمل لقب "موسى – يارد"، لأن موسى تسبب في نزول المن[57].

أَخْنُوخُ، مَتُوشَالَحُ، لاَمَكُ، [3].

أخنوخ: الاسم العبري "حنوك"، معناه ربما "مُحَنَّك" أو مكرَّس.

قيل في سفر التكوين: "عاش أخنوخ خمسًا وستين سنة وولد متوشالح، وسار أخنوخ مع الله بعدما ولد متوشالح ثلاث مئة سنة، وولد بنين وبنات، وعاش متوشالح مئة وسبعًا وثمانين سنة وولد لامك، وعاش متوشالح بعدما ولد لامك سبع مئة واثنتين وثمانين سنة، وولد بنين وبنات، فكانت كل أيام متوشالح تسع مئة وتسعًا وستين سنة ومات" (تك 5: 21 - 22، 25 - 27).

قيل عن أخنوخ: "وسار أخنوخ مع الله، بعدما ولد متوشالح ثلاث مئة سنة وولد بنين وبنات. فكانت كل أيام أخنوخ ثلاث مئة وخمسًا وستين سنة. وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد، لأن الله أخذه" (تك 5: 22 - 24). يرى القديس كبريانوس في أخنوخ مثلاً حيًا للمُنتقلين إلى الرب سريعًا، إذ تركوا عنهم محبة الزمنيات والتصقوا بالسماوي.

  • إنك تكون (كأخنوخ) قد أرضيت الله إن تأهَّلت للانتقال من عدوى العالم. لقد علَّم الروح القدس سليمان أن الذين يرضون الله يؤخذون مُبَكِّرين، ويتحررون سريعًا، لئلا بتأخيرهم في هذه العالم يتدنسون بوبائه. وكما قيل: "خطفه لئلا يُغَيِّر الشر عقله، إنه كان مرضيًا لله، فأَحبَّه وكان يعيش بين الخطاة فنقله" (حك ٤: ١٠، ١١). وفي المزامير، تسرع النفس المُكَرِّمة لإلهها نحوه قائلة: "ما أحلى مساكنك يا رب الجنود! تشتاق، بل تتوق نفسي إلى ديار الرب" (مز ٨٤: ١) [58].

القديس كبريانوس.

  • ثبت أخنوخ في جمالٍ سامٍ وإلهيٍ، ونقَّى نفسه بالقداسة والطهارة.

وتفاضل بالسيرة البهية النقية، وأرضى الله بأفكارٍ مملوءةٍ بالحبِّ.

تربَّى بأفكارٍ عفيفة وطاهرة، وعاش بطهرٍ بدون همٍّ ولا غضبٍ.

وسكن في البرية بدون حركات عالمية، وأرضي الله ثلاثمائة سنة وهو ينظر إليه.

لم يجد قط فيه عيبًا في نومه ولا في يقظته، ولا فكرًا متراخيًا مُنجذِبًا إلى العالم.

ظلَّ ينظر إلى الرب كل يومٍ لمدة ثلاثمائة سنة، ومكث في جماله، ولم يتلطخ بالنواقص[59].

القديس مار يعقوب السروجي.

  • صالحة هي أجنحة الحب، الأجنحة الحقيقية التي تُرَفْرِفُ على أفواه الرسل؛ أجنحة النار التي تنطق الكلام النقي (مز 12: 6).

على تلك الأجنحة طار أخنوخ، حين اُختطِفَ إلى السماء (تك 5: 24) [60].

القديس أمبروسيوس.

  • يقول البعض إن آدم، إذ كان يتطلع إلى أخنوخ، نقله الله إلى الفردوس، حتى لا يظن آدم أن أخنوخ قد قُتِلَ مثل هابيل فيحزن. هذا حدث لكي ما يستريح أيضًا آدم من جهة ابنه البار هذا، ولكي يعرف أن كل الذين يكونون مثله، سيكون الفردوس هو الموضع اللائق بهم سواء قبل الموت أو بعد القيامة[61].

القدِّيس مار أفرآم السرياني.

متوشالح: اسم سامي معناه "رجل السلاح"، ابن أخنوخ، مات في سنة الطوفان وكان عمره ٩٦٩ عامًا، أطول عمر ذُكِرَ في الكتاب المقدس. لكنه وإن طال عمره، فقد انتهى بالموت. قيل عنه: "كانت كل أيام متوشالح تسع مئة وتسعًا وستين سنة ومات" (تك 5: 27).

  • عاش متوشالح أقل من 1000 سنة بقليلٍ، فتطلع إلى الابن الذي يجعل البشر وارثين حياة لا تنتهي!

القديس مار أفرام السرياني.

  • حتى إن عشنا تسعمائة سنة أو أكثر كما كان الناس قبل الطوفان، ولو وُهِبَ لنا أيام متوشالح، لكن هذه الفسحة من الزمن الطويل عندما تَعْبُر وتنتهي تُحسَب كلا شيء. فإن عاش الإنسان عشرة سنوات أو ألفًا من السنين، عندما تنتهي الحياة، ويتحقق الموت المحتوم، يُحسَب الماضي – طال أو قصر – واحدًا، غير أن الذي عاش مدة أطول يُثَقَّل بخطايا أكثر، يحملها معه[62].

القديس چيروم.

لامك: يرى القديس چيروم أنه لم يكن للامك (تك 4) زوجة واحدة، بل هو أول من تزوج بامرأتين، إشارة إلى عمل الهراطقة الذين يقسمون الكنيسة إلى كنائس مُنحرِفة عن الإيمان. على أي الأحوال، إن كان قايين قد قدَّم أبشع مثل للجريمة في بدء تاريخ البشرية بقتله أخيه ظُلمًا، فإن ثمرة الشر هي الهرطقة التي تفسد كنيسة الله وتُحرِّف الإيمان.

  • تطلع لامك إليه (إلى السيد المسيح) أن يأتي لكي يمنحه في حبٍ راحة من تعبه وجهاد يديه ومن الأرض التي لعنها الله العادل (تك 29: 5)! [63].

القديس مار أفرام السرياني.

نُوحُ، سَامُ، حَامُ، يَافَثُ. [4].

نوح (تك 6): يرى القدِّيس أفرآم السرياني أن نوحًا كان صدِّيقًا كاملاً في جيله، وأن أولاده الثلاثة تشبَّهوا به.

  • كان نوح رجلاً كاملاً، وبنوه الثلاثة سام وحام ويافث تشبَّهوا به. ولذلك لم يكن لكل واحدٍ منهم سوى امرأة واحدة مع كثرة ما يرون من الفسق الكثير. وأما هم فتشبَّهوا بأبيهم، وتمسَّكوا بناموس الله الذي فيهم طبيعيًا من بداية الخلقة. وذلك أنه عندما خلق آدم، لم يخلق معه إلا امرأة واحدة... متى خرج الناموس عن هذا، حتى يكون للذكر عدة إناث أو للأنثى عدة ذكور، فذلك يكون ظلمًا وجورًا في الطبيعة[64].

القدِّيس أفرآم السرياني.

كشف الله لعبده البار ما كان مُزمِعًا أن يفعله، إذ قال له: "نهاية كل بشرٍ قد أتت أمامي، لأن الأرض امتلأت ظُلْمًا منهم، فها أنا مُهلِكهم مع الأرض" (تك 6: ١٣).

كان يمكن لله أن يأمر نوحًا أن يصُنْعِ الفلك، فيطيع في إيمانٍ وثقةٍ، لكن الله كمُحِب للبشر لا يشتاق أن يكون الآمر الناهي، إنما الصديق المُحِب الذي يحاور الإنسان، ويكشف له خطته وحكمته وأسراره. وكما يقول المرتل: "سرُّ الرب لخائفيه، وعهده لتعليمهم" (مز 25: 14). لقد كشف له أنه وإن كان يهلكهم مع الأرض، فإن الهلاك هو ثمرة طبيعية لفسادٍ اختاروه. ويظهر ذلك من قوله: "نهاية كل بشر قد أتت أمامي"، وكأنه يقول: لم أكن أود هذا، لكنهم صنعوا بأنفسهم هلاكًا يجلب نهايتهم، اختاروه بمحض إرادتهم. الآن إن كان الأشرار قد فعلوا هكذا بأنفسهم، مُقَدِّمين هلاكًا حتى للأرض، فالله لا يترك أولاده يهلكون معهم، لذا قدَّم لنوح أمرًا بعمل فُلْكٍ لخلاصه، وقد عرض لنا الكتاب المقدس قصة الفلك بدقةٍ شديدةٍ، وفي شيء من التفصيل، لما حمله الفلك من عمل رمزي يمسُّ خلاصنا بالصليب.

عندما وُلِدَ نوح تنبأ عنه لامك أبوه: "هذا يُعَزِّينا عن عملنا وتعب أيدينا من قِبَل الأرض التي لعنها الرب" (تك 5: 29). يرى العلامة أوريجينوس أن هذه النبوة لا تخص نوحًا القديم، بل تخص نوحًا الجديد الذي هو يسوع المسيح. فإن نوح تعني نياحًا (أي راحة أو تعزية) وبرًّا. يقول: [يسوع وحده يعطي راحة للبشرية، ويُحَرِّر الأرض من اللعنة التي لعنها الرب الإله[65].].

  • في الطوفان - أيام نوح - مات كل جسدٍ، أما نوح البار فحُفِظَ مع عائلته... فالإنسان الخارجي يفنى، لكن الداخلي يتجدَّد. هذا يحدث ليس فقط في المعمودية، وإنما أيضًا بالتوبة حيث تفنى (شهوات) الجسد فتنمو الروح، كما يُعَلِّمنا السلطان الرسولي بالقول: "قد حكمت كأني حاضر في الذي فعل هذا هكذا... أن يُسَلَّم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد لكي تَخْلُص الروح في يوم الرب يسوع" (1 كو 5: 3، 5) [66].

القديس أمبروسيوس.

  • نعم إن الفلك الذي حفظ المخلوقات الحية، كرمزٍ تطلع إلى ربِّنا الذي يبني الكنيسة المُقَدَّسة التي فيها تجد النفوس لها ملجأ...

صرخت الأرض التي غرقت بالطوفان في صمتٍ إلى ربِّها،.

فنزل وفتح المعمودية التي بها ينجذب البشر إلى السماء! [67].

القديس مار أفرام السرياني.

يافث: اسم سامي يعني "ليكن فسيحًا أو رحبًا[68]".

رأى القديس چيروم في قصة نوح حين سَكرَ فتعرَّى، صورة رمزية للسيد المسيح الذي شرب كأس الألم، ومن أجلنا تعرَّى على الصليب، فسخر به الأشرار الذين يمثلهم حام، بينما آمن به الأمم التي يرمز إليها كل من سام ويافث. إذ يقول:

[قيل هذا كله كرمزٍ للمُخَلِّص الذي شرب الألم على الصليب، قائلاً: "يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس" (مت ٢٦: ٣٩). شرب وسكر وتعرَّى جسده... فقد جاء (حام) أي اليهود وضحك، أما الأصغر أي الأمم فغطَّاه...

وكما سكر الأب (نوح) بآلامه، هكذا يسكر القديسون برائحة إيمانهم، يسكرون بالروح القدس. فقد كنتم بالأمس تجمعون الذهب، والآن تلقونه عنكم، أما يُحسَب هذا سُكْرٌ في عيني من لا يفهم هذه الأمور؟! أخيرًا، عندما حلَّ الروح القدس على التلاميذ وملأهم وتكلموا بلغات كثيرة اُتُّهِموا أنهم سكارى بخمر جديدة[69].].

  • الأخوان الاثنان (سام ويافث) اللذان غطيَّا نوح (تك 23: 9) تطلعا إلى الابن الوحيد الذي يأتي ويُغَطِّي عُرْي آدم الذي أسكرته الكبرياء! تطلع سام ويافث المباركان إلى الابن المبارك، الذي يأتي ويُحَرِّر كنعان من عبودية الخطية! [70].

القديس مار أفرام السرياني.

ب. أنساب أبناء نوح الثلاثة

بَنُو يَافَثَ: جُومَرُ وَمَاجُوجُ وَمَادَايُ وَيَاوَانُ وَتُوبَالُ وَمَاشِكُ وَتِيرَاسُ. [5].

بدأ بأبناء يافث الذين وُلدوا في منطقة الغرب في مدن أوربّا، والذين لم يتحدث عنهم كثيرًا [5 - 7]، لأن اليهود في ذلك الحين كانت معاملتهم معهم نادرة، وربما لم يكن لهم علاقة بهم تمامًا.

جومر: ربما معناه "نهاية الكمال"، خاصة كمال الفشل، وقد حملت امرأة هوشع النبي ذات الاسم: "جومر بنت دبلايم" (هو 1: 3).

يلاحظ أن أبناء يافث قد ذُكِروا أولاً، ثم أبناء حام، وأخيرًا أبناء سام، وهو الوحيد الذي استُكْمِل ويؤدي إلى إبراهيم، ثم سُجِّل نسل إبراهيم: إسماعيل وأبناؤه، كذلك أبناء إبراهيم من قطورة، وأخيرًا إسحق بن إبراهيم، ثم يتبع نسل إسحق مبتدءًا بنسل عيسو، ولكن الخط الذي يؤدي إلى السيد المسيح يُواصَل من خلال يعقوب بن إسحق.

جومر هو ابن يافث بن نوح (تك 10: 2 - 3)، وأبو أكشناز وريفاث وتوجرمة. ويُرَجَّح أن منهم جاءت القبائل التي أطلق عليها الأشوريون اسم "الحميريين"، واليونانيون "الكيميريين".

سكن نسل جومر في الشمال، لقَّبهم هوميروس اليوناني Homer "أهل الشمال الأقصى[71]" وذكر هيرودوت أنهم جاءوا في القرن السابع ق. م إلى آسيا من مناطق ما وراء القوقاز[72]، واستوطنوا كبادوكية، وهدَّدوا الإمبراطورية الأشورية لكن أسرحدون هزمهم. وإذ اتجهوا نحو الغرب احتلوا آسيا الصغرى ودخلوا في أكثر من معركة مع جيجس Guges ملك ليديا، وانتهت بقتله، ولعله هو الذي دُعِي في الكتاب المقدس باسم جوج[73]. انسحبوا بعد ذلك من آسيا (ليديا) بواسطة الألياتيس Alyattes[74].

ماجوج Magog: كلمة عبرية تعني "أرض جوج" (تك 10: 2). يرى البعض أن "ما" من أصل قبطي ومعناها "أرض". اقترن اسم ماجوج باسم جوج، وصار الاسمان رمزًا لمقاومة الإيمان المسيحي (رؤ ٢٠: ٧– ٩).

في القرون الوسطى دعا السوريون بلاد التتر ماجوج، أما العرب فسَمُّوا الأرض الواقعة بين بحر قزوين والبحر الأسود ماجوج، لكن الغالبية حسبوا السكيثيين Scythian هم أهل ماجوج. يصفهم هيرودوت كشعبٍ همجيٍ، لم يغتسلوا بالماء مطلقًا، يشربون دم أول عدو يقتلونه، ويستخدمون فروة رؤوس الأعداء مناديل أو فوطًا، والجماجم كؤوسًا يشربون فيها، ويقدمون الأسير الأخير من كل مئة قربانًا لآلهتهم، ومن بين الآلهة التي يتعبدون لها السيف المسلول. أشار إليهم الرسول بولس كمثال للهمجية (كو 3: 11).

توبال وماشك: كثيرًا ما يُذكَر الاثنان معًا (تك 10: 2)؛ وكان الشعبان تُجَّارًا للعبيد والنحاس في أسواق فينيقية (حز 27: 13). اشتهروا قديمًا كمحاربين (حز 32: 26)، كما يُذكَران في جيوش جوج (حز 38: 2؛ 39: 1).

يرى يوسيفوس أنهما الأيبريون Hbrrians والكبادوكيون، بينما يرى البعض أنهما التبارنيون Tibareni والموسكيون اللذان ذكرهما هيرودوت كجزء من الولاية التاسعة عشرة من مملكة داريوس.

تيراس: اسم عبري معناه "مُخِيف". كان القدامى مثل القديس جيروم[75] والمؤرخ يوسيفوس[76] يعتبرون أن نسله هم التراقيون Thracians. يرى بعض الدارسين المعاصرين أنهم الترسينيون الذين اشتهروا بالقرصنة في بحر إيجة، وكانوا ينتسبون إلى الأتروسكانيين سكان إيطاليا في العصور الأولى.

وَبَنُو جُومَرَ: أَشْكَنَازُ وَرِيفَاثُ وَتُوجَرْمَةُ. [6].

أشكناز: تسمى باسمه شعب، ذُكِرَ في إرميا 51: 27 مع أراراط ومنيّ Minni، ربما في منطقة أراراط (أرمينية). يبدو أنهم هم السكِّيثيون الذين سكنوا في زمن إرميا بالقرب من بحيرة يورمية. أطلق يهود القرون الوسطى اسم أشكنازيم على يهود شرقي أوربا اعتقادًا منهم أن أشكناز هي ألمانيا.

توجرمة (تك 10: 3): يرى البعض أن الاسم مشتق من كلمتين "توكا" بمعنى "قبيلة" و "أرمة" أي أرمينية. غالبًا ما كانت في الجنوب الشرقي من أرمينية. كانت تشتهر بالخيل والفرسان والبغال (حز 27: 13 - 14).

وَبَنُو يَاوَانَ: أَلِيشَةُ وَتَرْشِيشَةُ وَكِتِّيمُ وَدُودَانِيمُ. [7].

أليشة: هذا الاسم معناه "الله يُخَلِّص" (تك 10: 4). أُطلِقَ على منطقة مُعيَّنة، كانت مصدرًا حصل منه الصوريون على الإسمانجوني (خر 27: 7). يظهر من تكوين 10: 5 أن نسله من ضمن اليونانيين الذين استقروا في الجزائر وعلى سواحل البحر المتوسط.

ترشيشة: اسم "ترشيش" معناه في العبرية "الزبرجد". يرى البعض أنها كلمة فينيقية، بمعنى "مَعْمَل للتكرير"، يظن البعض أن ترشيش هو جد شعوب البحر الأبيض المتوسط.

توجد مدينة ترشيش وهي ترتيسوس في جنوب أسبانيا، قرب جبل طارق. ولعل ترتيسوس هي قرطاجنة المدينة الواقعة شمال أفريقيا. لما بلغ القديس أغسطينوس من العمر ستة عشر عامًا، أراد والده أن يرسله إلى قرطاجنة ليتمهَّر في البيان.

يظن البعض أن اسم ترشيش يحمل معنى التعدين أو صَهْر المعادن، يمكن أن يُطلَق على أي أرض بها مناجم معادن.

يرى البعض أن "سفن ترشيش" لا ترتبط بمكان مُعَيَّن، إنما تدل على نوع مُعَيَّن من السفن يتميز بالفخامة والقدرة على السير في أعالي البحار.

كِتَيم: بعض الأسماء الواردة في الأنساب خاصة بشعوب نبعت من أشخاص غالبًا اشتق اسم الشعب أو المنطقة أو المدينة من اسم الشخص.

يُرَجَّح أن كتيم (تك 10: 4) هي قبرص. يرى البعض أنها كانت اسمًا، يُطلَق على الجزائر والشواطئ غربي فلسطين. كما كان يُطلَق على مقدونية في عصر المكابيين (1 مك 1: 1).

بَنُو حَامَ: كُوشُ وَمِصْرَايِمُ وَفُوطُ وَكَنْعَانُ. [8].

تحدث بعد أبناء يافث عن من حملوا نوعًا من العداوة مع اليهود (كنيسة العهد القديم)، مثل أبناء حام الذين اتجهوا نحو الجنوب في أفريقيا وأيضًا نحو آسيا. فقد كان الاهتمام مركزًا على اليهود من نسل سام الذين يأتي منهم المسيح متجسّدًا لخلاص كل الأمم. فمن جانب قيل: "جعل مصر فديتك، كوش وسبا عوضك" (إش 43: 3). في نفس الوقت قيل: "أليس أب واحد لكلنا؟! أليس إله واحد خلقنا" (ملا 2: 10). فإن بدا كمن حابى اليهود إلى حين، غير أن ذلك لأجل الإعداد لتجسد كلمة الله من نسل داود لخلاص العالم. فجميع البشرية من نسل آدم، وبعد الطوفان من نسل نوح. فالجميع مدعوّون للبنوة لله بكونه أبًا واحدًا للكل (أف 4: 6)؛ "والآن يا رب أنت أبونا؛ نحن الطين وأنت جابلنا، وكلنا عمل يديك" (إش 64: 8).

ذُكِرَتْ أسماء أماكن أو قبائل كأنها أشخاص. فقيل هنا: "بنو حام كوش ومصرايم وفوط وكنعان" (1: 6). يُقصد أن أبناء حام هم المصريون والكنعانيون الخ. فتعبير "ابن..." أو "بنو..." في السامية له معنى أوسع من كونه شخصًا مولودًا من شخصٍ[77].

قدَّم نسل حام بوجه عام شعوبًا وأممًا مقاومة لعمل الله ولشعبه في العهد القديم، لذا جاء العهد القديم يُعْلِنُ العقوبة الإلهية على هذه الشعوب بكونها تحمل رموزًا للشر، فكوش كانت تشير أحيانًا إلى ظلمة الجهالة، ومصر إلى محبة العالم التي تستعبد النفس، وكنعان إلى العمل الشيطاني الخ. لكن النبوات في العهد القديم لم تترك هذه الشعوب بلا رجاء، وإنما أعلنت رفض شعب الله للإيمان ودخول هذه الأمم إلى الميثاق الإلهي. هكذا الأمم التي كانت تحت اللعنة بسبب وثنيتها ومقاومتها للإيمان بالله ورجاساتها، صارت العروس المُقدَّسة التي تتهيأ للحياة الأبدية في حضن الآب السماوي.

كوش: تعني بالعبرية "أسود". كوش، بكر حام، أنجب خمسة أبناء قَدَّموا خمسة شعوب: سبا "إنسان"، حويلة "دائرة أو مقاطعة"، سبتا "ضارب"، رعما "ارتعاش"، سبتكا "ضارب" [78]. سكنت هذه الشعوب في وسط البلاد العربية وجنوبها عند الخليج الفارسي، لكن سبا رحل إلى أفريقيا (أثيوبيا)، لذلك فإن كوش في العهد القديم يُقصد بها أثيوبيا والنوبة (جنوب مصر)، وأحيانًا اليمن أو جنوب ووسط شبه الجزيرة العربية. وفي كثير من قواميس الكتاب المقدس تُعتبَر كوش هي أثيوبيا فقط.

وقد جاء ابن داود ليُصَالِحَ السماء مع الأرض، والشعب مع الشعوب، ويصير المؤمنون من الأمم إخوة لا يعرفون سوى الحب والوحدة.

مصرايم: كلمة "مصرايم" في العبري مُثَنَّى، لذا ظن البعض أنها دُعِيَتْ هكذا بسبب وجود الوجه البحري والوجه القبلي، أو لأن نهر النيل يقسمها إلى ضفة شرقية وأخرى غربية، لكن الرأي الأرجح أنها دُعِيَتْ "مصر" بالعربية عن العبرية نسبة إلى مصرايم حيث سكن هو وأولاده فيها، وإن كان قد امتد نسله إلى البلاد المجاورة.

فوط: شعب ذو صلة أو قرابة بالمصريين (تك 10: 6)، ذُكِرَتْ مع مصر وبلدان أفريقية أخرى لاسيما لوبيم (نا 3: 9)، ولود (حز 27: 10)، بين كوش ولود. جاءت في الترجمة السبعينية "ليبيون"، واعتبرها يوسيفوس ليبيًا. سُمِّيَت ليبيا في النقوش البابلية فوطو؛ ربما كانت قيرينايكة، الجزء الشرقي من ليبيا حاليًا.

كَنْعَانُ: من نسله ظهرت القبائل الكنعانية، وقد تحدثنا في اختصار عن بعض هذه القبائل في مقدمة سفر يشوع[79].

يعتبر سفر يشوع أيضًا هو سفر قبول الأمم، فإن كان لابد للشعب أن يرث كنعان بعد طرد الوثنيين، لكن الله لا يرفضهم، إنما يرفض وثنيتهم وشرَّهم. وحينما أعلنت راحاب الكنعانية الزانية إيمانها تمتَّعت وعائلتها بالخلاص، وصار لها الشرف الذي حُرِمَ منه كثير من العبرانيات أن من نسلها يأتي المسيَّا المُخَلِّص. لقد سُجِّل اسمها في سلسلة نسب السيد المسيح (مت 1: 25)، الأمر الذي حُرِمَ منه كثير حتى من أبطال الإيمان والأنبياء! الله لا يرفض إنسانًا في البشرية، بل يطلب خلاص الجميع: "يُرِيد أن جميع الناس يَخْلُصون، وإلى معرفة الحق يُقْبِلون" (1 تي 2: 4).

وَبَنُو كُوشَ: سَبَا وَحَوِيلَةُ وَسَبْتَا وَرَعَمَا وَسَبْتَكَا.

وَبَنُو رَعَمَا: شَبَا وَدَدَانُ. [9].

رعما أو رعمة: حفيد حام. وُجِدَتْ مقاطعة في جنوب غرب بلاد العرب، كانت تتجر مع صور بالطيب والحجارة الكريمة والذهب (حز 27: 22). يُظَن أن سكانها من ذرية رعما.

شبا وددان: ابنا رعمة من بني كوش (تك 10: 7). يرى البعض أن شبا اسم قبيلة عربية، فهم ساميون. أما القول بأن شبا وددان من نسل كوش، فإن بعض هذه القبائل السامية هاجرت إلى أثيوبيا، واختلطت بنسل كوش، وبعض عشائرهم هاجروا إلى الشمال.

اسم شبا وأسماء بعض إخوته مثل حضرموت وأوزال (صنعاء) ما زالت تُطلَق على أجزاء في جنوبي شبه الجزيرة العربية.

وَكُوشُ وَلَدَ نِمْرُودَ الَّذِي ابْتَدَأَ يَكُونُ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ. [10].

نمرود: إن كان الكتاب المقدس قد قدَّم كشفًا عن عمله خلال نسل سام حيث يأتي كلمة الله متجسدًا من نسل إبراهيم، فإنه يكشف أيضًا عن عمل عدو الخير خاصة خلال نسل كوش الذي قدَّم نمرود، ومن نسل كنعان الذي قدَّم الشعوب الكنعانية المُقاوِمة لعمل الله، أما بالنسبة لنمرود بن كوش فقيل: "الذي ابتدأ أن يكون جبارًا في الأرض، الذي كان جبار صيد أمام الرب، لذلك يُقال: كنمرود جبار صيد أمام الرب" (تك 10: ٨ - ٩). كان صيادًا جبارًا، أسَّسَ الأسرة الحاكمة في بابل وشنعار وأكاد، وربما كان هو نفسه جلجاميش الأكادي أو البابلي. على أي الأحوال صارت بابل فيما بعد رمزًا لمعاندة الله والكبرياء، كما للزنا الروحي (رؤ ١٤: ٨؛ ١٦: ١٩؛ ١٧: ١ - ٥). صارت بابل تشير إلى جماعة الأشرار، وكما يقول القديس أغسطينوس[80]: [كما إلى مملكة الدجال[81].].

قيل عن نمرود "كان جبار صيد أمام الرب" (تك 10: 9)، ويرى القديسين أغسطينوس ومار أفرآم السرياني أنه يعني كان جبار صيد ضد الرب الإله[82].

  • أشار (نمرود) إلى الشيطان الجبّار الشرير. قال إن بدء مملكته هي بابل. تفسير بابل الانقسام (البلبلة). إن الانقسام هو بالحقيقة بدء مملكة إبليس؟ [83].

القدِّيس مار أفرآم السرياني.

غير أن القدِّيس مار أفرام السرياني يرى من جانبٍ آخر أن نمرود في مقاومته للأمم الأخرى، إنما يُحَقِّق إرادة الله لهم. بخصوص نمرود، قال موسى: "كان جبار صيد أمام الرب" (تك 10: 9)، لأنه حسب مشيئة الرب قام بمحاربة كل أمة من هذه الأمم، وطردها من هناك حتى يتركوا مواقعهم ويستقروا في مواضع أَعَدَّها الله لهم... اعتاد أحدهم عند مباركة رئيس أو حاكم أن يقول: "لتكن مثل نمرود، جبار صيد انتصر في معارك الرب" [84].

يقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم إن البعض يرون في القول "أمام الرب"، ضد الرب، أما هو فيرى عكس ذلك: [بالحري إنها تدل على أن (نمرود) كان قويًا وشجاعًا. فإن تعبير "أمام الرب" يعني خُلِقَ بواسطته. وربما تعني أن الله يُثِير دهشتنا به، إذ خلق خليقة رائعة، ويبرزه أمامنا على الأرض[85].].

وَمِصْرَايِمُ وَلَدَ: لُودِيمَ وَعَنَامِيمَ وَلَهَابِيمَ وَنَفْتُوحِيمَ. [11].

لوديم: منه جاء شعب لود أو اللوديون، وهم غير شعب لود من نسل سام [٢٢]. هؤلاء من نسل مصرايم، كانوا يقطنون غربي النيل نحو ليبيا.

عناميم: يبدو أن القبيلة التي من نسله سكنت في ليبيا.

لهابيم: يبدو أن قبيلة لهابيم هي بعينها قبيلة لوبيم أو "اللوبيون"، وهم أفريقيون، نشأوا أصلاً في مصر.

نفتوجيم: نسله من سكان مصر الوسطى، قُرْب منف مركز الإله بتاح، وربما نزح بعضهم إلى أثيوبيا.

وَفَتْرُوسِيمَ وَكَسْلُوحِيمَ (اَلَّذِينَ خَرَجَ مِنْهُمْ فِلِشْتِيمُ وَكَفْتُورِيمُ). [12].

فتروسيم: سكنوا في فتروس بصعيد مصر. كلمة "فتروس" تعني "أرض الجنوب".

كسلوحيم: معناها "محصن"، غالبًا ما سكن نسله في "كسيونس" وهي منطقة جبلية شرق البلسم، في حدود مصر من جهة فلسطين.

وقد خرج من كسولحيم فلشتيم الذي هاجر نسله إلى فلسطين، وهناك نشأ الشعب الفلسطيني القديم. ولعل كلمة فلسطين مشتقة من "فلشتيم"، وتعني "مُتغرِّب" أو "مُهاجِر".

كان الفلسطينيون أعداء دائمين لبني إسرائيل منذ أيام القضاة، أضعف داود شوكتهم (1 صم 4: 1). أقاموا في الجانب الغربي من كنعان بمحازاة ساحل البحر الأبيض المتوسط، كانوا يفوقون إسرائيل من جهة العدد، ومن جهة المهارة العسكرية، يعرفون سرَّ صناعة الأسلحة من الحديد (1 صم 13: 19 - 22).

كما خرج من كسلوحيم كفتوريم، وتعني "أكاليل"، سكن نسله في كفتور، ويظن البعض أنها كانت في كبدوكية بآسيا الصغرى، والآخر يرى أنها قبرص أو جزيرة كريت، وإن كان آخرون يرون أنها كانت في دلتا مصر بجوار منف، حيث وُجِدَت مدينة تُسَمَّى "كابت هور" يغلب أنها "كفتور".

وَكَنْعَانُ وَلَدَ: صَيْدُونَ بِكْرَهُ، وَحِثّاً [13].

كنعان: الابن الأصغر لحام، من نسله ظهرت القبائل الكنعانية، وقد تحدثنا في اختصار عن بعض هذه القبائل في مقدمة سفر يشوع[86].

كان كنعان الجد الأكبر للكنعانيين الذين توغَّلوا في الشر، وقد انقسموا إلى أمم كثيرة: الحثيّين واليبوسيين والأموريين والجرجاشيين الخ. استولى بنو إسرائيل على المنطقة تحت قيادة يشوع بن نون، ودُعِيَت أرض الموعد. ويرى العلامة أوريجينوس أن طرد هذه الأمم يشير إلى طرد الخطايا والتخلُّص منها، لكي يتمتَّع المؤمن بملكوت الله فيه تحت قيادة رب المجد يسوع، وذلك خلال النعمة الإلهية.

صيدون أو صيداء: اسم سامي معناه "مكان صيد السمك". ميناء فينيقية قديم غني، يمتد من ساحل عرضه نحو ميلين بين جبال لبنان والبحر الأبيض، على بعد 22 ميلاً شمالي صور. اسمها مأخوذ من صيدون بكر كنعان بن حام بن نوح.

كانت تُصَدِّر العاج المنحوت والذهب والفضة والحلي وأواني الزجاج. وكانت تحكم نفسها بنفسها. أخفق بنو إسرائيل في الاستيلاء عليها، وكان الصيدونيون يضايقونهم في أيام القضاة. تفاعلت الحضارتان، وعبد الإسرائيليون آلهة صيدون منها البعل والعشتاروت.

عندما تزوج أخآب إيزابل بِنْت أحد ملوك صيدون ورئيس كهنة البعل هناك، نشرت عبادة البعل في إسرائيل، وبذلت كل جهدها لإبادة عبادة الله الحي.

سقطت صيدون أمام أشور، وبالتالي خضعت لبابل وفارس ثم اليونانيين فالرومان. وفي أيام السيد المسيح كان كثير منهم من اليونانيين، توجَّهوا إلى الجليل لسماع السيد المسيح واللقاء معه.

وَالْيَبُوسِيَّ وَالأَمُورِيَّ وَالْجِرْجَاشِيَّ [14].

الأسماء الواردة في هذه الآيات [14 - 17] ليست خاصة بأشخاص بل بشعوب، كلها نبعت من كنعان. اُستخدمت أسماء الشعوب عوض أسماء الأشخاص الذين أقاموا هذه الشعوب، ليؤكد أن الجنس البشري الذي قام خلال إنسان واحد "آدم" تحوَّل إلى شعوب وأممٍ كثيرة. وتنتهي سلسلة الأنساب إلى ترقُّب مجيء السيد المسيح الذي يجمع المؤمنين من كل المسكونة فيكون كبناء عظيم وجميل. فيلتقي الآسيوي مع الأفريقي مع الأوربي الخ. في ابن داود، ويجلس ملك الملوك في قلب شعبه، يُقِيم ملكوته المُفرِح الذي يضم الجميع عندئذ قيل: "ليس يهودي ولا يوناني، ليس عبد ولا حُرّ، ليس ذكر وأنثى، لأنكم جميعًا واحد في المسيح يسوع" (غل 3: 28) [87].

الجرجاشي أو جرجاشيون: يُذكَر الجرجاشي بين قبائل الكنعانيين في جدول الأمم (تك 10: 16)، كما ورد ذكرهم بين القبائل الكنعانية التي وعد الرب أن يعطي أرضهم ميراثًا لبني إسرائيل (تك 15: 21؛ تث 7: 1؛ يش 3: 1؛ 24: 11).

يُرَجَّح البعض أنهم هم "بنو جرجس"، الوارد اسمهم في نصوص أوغاريت من القرن الثالث عشر ق. م.

وَالْحِوِّيَّ وَالْعَرْقِيَّ وَالسِّينِيَّ [15].

الحويون: كان يقيم بعضهم في شكيم التي اسمها حمور الحوي في أيام يعقوب (تك 33: 19؛ 34: 2).

سكنوا في أجزاء من سوريا وفلسطين، وذُكِروا مع الكنعانيين والفرزيين والحثّيين والأموريين واليبوسيين والجرجاشيين (خر 3: 8؛ 23: 8؛ تث 7: 1).

لما كان الانحراف إلى العبادة الوثنية وممارسة الرجاسات الوثنية أمرًا جذَّابًا لكثيرين من المؤمنين في ذلك الحين، لذا جاءت الوصية صارمة وحازمة لعدم الالتصاق بهذه الشعوب، ومع هذا كله سقط فيها حتى سليمان الحكيم نفسه. جاءت الوصية صريحة تناسب ذلك العصر حرفيًا "متى أتى بك الرب إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها، وطرد شعوبًا كثيرة من أمامك، الحثيين والجرجاشيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين، سبع شعوب أكثر وأعظم منك. ودفعهم الرب إلهك أمامك وضربتهم. فإنك تحرمهم. لا تقطع لهم عهدًا، ولا تشفق عليهم" (تث 7: 1 - 2). غاية هذه الوصية هي خلق كنيسة طاهرة، وأُسْرَة مُقَدَّسة، ومملكة متبررة في الرب، محفوظة من الرجاسات الوثنية.

كثيرًا ما نسقط في تقييم ما ورد في العهد القديم بمنظار غير سليم، متجاهلين لغة الزمن. فالظروف المحيطة بالشعب في ذلك الحين مختلفة تمامًا عما نعيشه اليوم في عهد النعمة، ومفاهيمهم غير مفاهيمنا. لهذا احتاجوا إلى وصية تسند خلاصهم. تُفهَم هذه الأوامر المُشَدَّدة في حياتنا كرموز:

أ. عدم قطع عهد معهم، يعنى رفضنا التساهل مع الخطية، وفتح باب الحوار معها.

ب. عدم مصاهرتهم (تث 7: 3)، فإنه ليست شركة بين المؤمن وغير المؤمن في حياة زوجية، ولا بين النور والظلمة. فإن قبول المؤمن الاتحاد مع غير المؤمن على مستوى العلاقات الأسرية يتحقق على حساب خلاص النفس وتقديس الأسرة.

ج. هدم المذابح وكسر الأنصاب وقطع السواري وحرق التماثيل بالنار (تث 7: 5)، يعنى تطهير القلب (هيكل الرب) من إقامة آلهة أخرى كمحبة الذات أو حب المديح أو إشباع شهوات الجسد.

د. لا تشفق عيناك عليهم (تث 7: 6). لتكن كلمة الله كسيفٍ ذي حدين (عب 4: 12)، تفصل الحق عن الباطل بقوةٍ وتمييزٍ بلا ميوعةٍ.

هـ. لا تخف منهم (تث 7: 18)، الإنسان الروحي صاحب سلطان (تث 10: 1)، لا يهاب الخطية ولا يخشى عدو الخير، واثقًا في الله واهب الغلبة (1 كو 15: 57).

في دراستنا لكتابات القدِّيس يوحنا كاسيان رأينا أن العلامة أوريجينوس يرى أن الخطايا الرئيسية في حياة الإنسان هي ثمانية، وقد نقل عنه القدِّيس أوغريس نفس الفكرة وانتشرت في كتابات الآباء الشرقيين والغربيين. لقد غلب شعب الله فرعون وجيشه أو المصريين وها هو يغلب السبع أمم المذكورين هنا، وكأن الله يهب كنيسته روح الغلبة على الثمانية خطايا الرئيسية.

وَالأَرْوَادِيَّ وَالصَّمَّارِيَّ وَالْحَمَاثِيَّ. [16].

أروادي: معناها تيه، وتُسمَّى الآن رواد، وتقع على جزيرة صغيرة تبعد عن الشاطئ السوري نحو ميلين، وعلى بُعد ثلاثين ميلاً شمالي طرابلس.

الصماريّ: قبيلة كنعانية (تك 10: 18)، سكنت حمر أو حمرة، وهي سمرة الحالية على الساحل بين أرواد وطرابلس.

الحماثي: هو نفسه المذكور باسم حماتي (تك 10: 18). وهو من يسكن في حماة.

بَنُو سَامَ: عِيلاَمُ وَأَشُّورُ وَأَرْفَكْشَادُ وَلُودُ،.

وَأَرَامُ وَعُوصُ وَحُولُ وَجَاثَرُ وَمَاشِكُ. [17].

أرام: معناها "مُرتفِع أو متعظِّم"، وردت كثيرًا في الكتاب المقدس، منهم أحد أبناء سام بن نوح الخمسة (تك 10: 22 - 23؛ 1 أي 1: 17). وأحد أبناء قموئيل بن ناحور أخي إبراهيم (تك 22: 21)، وأحد أبناء شامر من نسل أشير (1 أي 7: 34). وأبو عمّيناداب وابن حصرون بن فارص بن يهوذا. وهو اللفظ اليوناني للاسم العبري "رام".

عوص: موطن أيوب، ربما كان في بلاد أدوم.

حُول: اسم أرامي معناه "دائرة أو دورة" (تك 10: 23). هي حولية التي يذكرها أشور نازربال في صلتها بجبل ماسيوس.

وَأَرْفَكْشَادُ وَلَدَ شَالَحَ، وَشَالَحُ وَلَدَ عَابِرَ. [18].

أرفكشاد: معناه "حصن الكلدانيين". وهو جد عابر، والذي يظن البعض أنه الجد الذي يُسمَّى به العبرانيون. وهو أول من وُلِدَ بعد الطوفان بسنتين. مات وعمره أربعمائة وثمان وثلاثين سنة (تك 11: 10 - 13).

اهتم موسى بذكر أولاد أرفكشاد (تك 10: 24)، إذ أنجب شالح، وشالح أنجب عابر، وعابر أنجب فالج، وفالج رعو، ورعو سروج، وسروج ناحور، وناحور تارح الذي أنجب أبرآم الذي تزوج ساراي. وهكذا بدأ بأول انطلاقة للشعب بظهور أبرام (إبراهيم) أب الآباء. كما أوضح موسى النبي قرابة لوط لأبرآا بكونه ابن أخيه من هاران بن تارح.

شالح: اسم سامي، معناه "برعم أو نبتة".

عابر: اسم عبري معناه "عبر"، إبراهيم سابع ذريته، وإليه يُنسَب العبرانيون. كما أنه جد العرب والأراميين (تك 10: 21، 25؛ 11: 14 - 17).

وَلِعَابِرَ وُلِدَ ابْنَانِ، اسْمُ الْوَاحِدِ فَالَجُ،.

لأَنَّ فِي أَيَّامِهِ قُسِمَتِ الأَرْضُ.

وَاسْمُ أَخِيهِ يَقْطَانُ. [19].

عابر وابنه فالج: يرى القديس جيروم أن عابر الذي جاء من نسله العبرانيون قدَّم نبوة بتسمية ابنه "فالج" ومعناه "انقسام"، لأن في أيامه انقسمت اللغة في بابل. كان البشر يتكلمون بلغةٍ واحدةٍ، وإذ فكروا في بناء برج في تحدٍّ لله الذي سمح بالفيضان في أيام نوح تَبَلْبَلَت ألسنتهم، وصار لكل أمةٍ في المنطقة لغتها وثقافتها. وحوَّل الله التأديب لبنيان العالم وتَقَدُّمِه.

جاء في (تك 11: 1 - 9) كيف تَبَلْبَلَت ألسنة الكلدانيين الذين في عنادهم لله ظنُّوا أنهم قادرون على بناء برج قمته في السماء، فلا يستطيع الله أن يؤدبهم بالطوفان مرة أخرى.

تحدَّث القديس مار يعقوب السروجي عن البركات التي تمتَّعت بها البشرية في ذلك الحين كما في كل الأجيال خلال هذا التأديب. إذ انتشر الشعب في مناطق كثيرة، وظهر مع تعدُّد اللغات تعدُّد الثقافات لبنيان البشرية، كما أراح العاملين في بناء البرج من حمل أثقال مُرهِقة لبناء برج لا نفع له.

يقطان: اسم سامي معناه "يقظان"، وهو شخص صار قبيلة من نسل سام، تفرَّعت منها ثلاث عشرة قبيلة عربية (تك 25: 30).

وَيَقْطَانُ وَلَدَ: أَلْمُودَادَ وَشَالَفَ وَحَضَرْمَوْتَ وَيَارَحَ [20].

ألموداد: معناه "المحبوب" أو "الله المحبوب"؛ يُشِير إلى قبيلة عربية في الجنوب.

شالف: اسم سامي، ربما كان معناه "يحرث الأرض"، وهو من الشعب السامي الذي تسلسل من يقطان. وكان يسكن جنوب الجزيرة العربية. هذا الاسم مشهور حتى الآن في بلاد اليمن.

حضرموت: اسم عبري معناه "قرية الموت". وهو اسم منطقة في جنوب شبه الجزيرة العربية، لا تزال تحمل ذات الاسم، جوها غير صِحِّي، لذا دُعِيَت حضرموت.

يارح: اسم سامي معناه "قمر".

وَهَدُورَامَ وَأُوزَالَ وَدِقْلَةَ [21].

هدورام: ابن يقطان (تك 10: 27)، تُنسَب إليه إحدى القبائل التي سكنت في شبه الجزيرة العربية.

أوزال: وهو قحطان الذي يُعتَبَر جِدُّ العرب. ولعل أوزال كاسم مكان هو المذكور في (حز 27: 19).

دقلة: اسم سامي، ربما معناه "شجرة النخيل". كان اسمًا لقومٍ من نسل يقطان (تك 10: 27)، وغالبًا ما كانوا يقطنون في الجزيرة العربية.

وَعِيبَالَ وَأَبِيمَايِلَ وَشَبَا [22].

عيبال: ابن يقطان، من نسل عابر، سُمِّي أيضًا عوبال (تك 10: 28). إليه يُنسَب نسله، وهم من أقدم القبائل في شبه الجزيرة العربية، خاصة في اليمن.

أبيمايل: معناه "أبي إيل" أو "أبي الله"، أو "الله أبي". يدل على قبيلة عربية موطنها جنوبي الجزيرة العربية.

وَأُوفِيرَ وَحَوِيلَةَ وَيُوبَابَ. كُلُّ هَؤُلاَءِ بَنُو يَقْطَانَ. [23].

أوفير: يبدو أنه استقر في جنوب بلاد العرب، لأن اسمه ورد مع اسم شبعا وحويلة (تك 10: 29).

يوباب: اسم عبري، ربما كان معناه "صراخ". لا يُعرَف أين سكنت هذه القبيلة العربية.

ج. من سام إلى إبراهيم

سَامُ، أَرْفَكْشَادُ، شَالَحُ، [24].

عَابِرُ، فَالَجُ، رَعُو، [25].

سَرُوجُ، نَاحُورُ، تَارَحُ، [26].

سروج: اسم سامي، معناه "يصوب أو غصن". كانت توجد مدينة بهذا الاسم بالقرب من حاران.

ناحور: اسم سامي، معناه "مُتثاقِل الأنفاس"، أحد أحفاد سام بن نوح، والد تارح، وجِدّ إبراهيم. عاش مئة وثمان وأربعين عامًا (تك 11: 22 - 25).

تارح: اسم عبري، معناه "عنزة جبلية". كان يقطن أور الكلدانيين، يعبد الأوثان (يش 24: 2)، خاصة القمر. رافق إبراهيم في رحلته إلى حاران ما بين النهرين، وهناك مات (تك 11: 31 - 32).

أَبْرَامُ (وَهُوَ إِبْرَاهِيمُ). [27].

إبراهيم (أَبْرَامُ): دُعِي أبرام إبراهيم من الله، ومعناه "أب لجمهورٍ" (تك 17: 5). مسقط رأسه أور الكلدانيين. موقعها الآن تل اكملير، على بُعد تسعة أميال من الناصرية على نهر الفرات في جنوبي العراق. ارتحل مع عائلته ومعه والده تارح مسافة 600 ميل إلى شمال غربي أورشليم، واستقروا في حاران على البلخ أحد روافد نهر الفرات (تك 11: 26 - 32).

اهتم الكتاب المقدس بقصة إبراهيم، إذ كان فريدًا في إيمانه بالله، فتأهَّل للتَمَتُّع بالوعد الإلهي، وأن يصير بركة لأممٍ كثيرةٍ (تك 11 - 25). ذُكِرَ في العهد الجديد أكثر من سبعين مرة.

دعا السيد المسيح ملكوت الله "حضن إبراهيم"، إذ يقول: "فمات المسكين وحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم" (لو 16: 22).

كثير من آباء الكنيسة يدعون شعب الله "ابنة إبراهيم"، كما يدعون القديسة مريم ذات اللقب، ويحسبون المؤمنين أبناء إبراهيم.

  • أدرك إبراهيم (تك 12 - 25) بالروح أن ميلاد الابن لا يزال بعيدًا،.

لكنه تهلَّل أن يرى يومَه بالروح دون أن يراه في الجسد (يو 56: 8) [88].

القديس مار أفرام السرياني.

  • ربنا، النور أظهر نفسه في الظلمات، فهرب الليل الذي تعتم به العالم كله.

نزل من عند الآب، وأشرق من البتول بنت إبراهيم، وبدأ يسير على السبيل الذي مهَّده في العالم.

كان النور قد حلَّ في بطن البتول بقداسة، ومن هناك بدأ طريقه جسديًا[89].

  • بواسطة لعازر الذي كان متكئًا عند إبراهيم، أعطى الشجاعة لمن أحناه الفقر (لو 16: 19 - 31) [90].

القديس مار يعقوب السروجي.

إذ يُفَسِّر السروجي مَثَلَ الفعلة الذين استأجرهم صاحب الكرم (مت 20: 1 - 16)، يتحدث عن بيت إبراهيم في موكب الفعلة الأبرار.

فعلة الساعة الثالثة هم آل نوح.

وفعلة الساعة السادسة هم آل إبراهيم.

وفعلة الساعة التاسعة هم موسى والأنبياء. الكرم هو مسيرة البرّ.

وفعلة الساعة الحادية عشرة هم الشعوب العاطلون عن عمل البرّ وقد أدخلهم صاحب الكرم للعمل فيه في نهاية الأزمان. الجماعة اليهودية صاحبة الأنبياء والوصايا والنواميس لم تَدْخُلْ لتعمل في الكرم، فيدخل الشعوب بدلاً منها.

  • لو تأملت: هؤلاء عُمَّال الساعة الثالثة هم آل نوح الذين أقامهم على عمله.

(فعلة) الساعة السادسة هم آل إبراهيم في أرض آرام، الذين تمنطقوا، ولبسوا البرَّ مثل الأولين (تك 12: 4 - 5، تك 22، قض 19: 10).

هؤلاء فعلة الساعة التاسعة، هم موسى العظيم ويشوع ابن نون وكل جوقة النبوة.

دخل جميع فعلة بيت الله، واكتملوا في كرم الرب الذي هو مسيرة البرِّ.

واستمرت مسيرة الأبرار من آدم، وبلغت إلى نوح، وبلغت إلى إبراهيم واقتربت منه.

واجتازت وبلغت المسيرة إلى موسى العظيم (فاعل الساعة) التاسعة، لأنه حافظ عليها كثيرًا بوصايا البرِّ.

وتعب الفعلة بنشاطٍ في كرم الحبيب، هؤلاء الذين استأجرهم وجلبهم أربع مرات (إش 5: 1).

وسعى جميعهم وهم يعملون بالبرِّ: (تك 4: 26) آل شيت وآنوش من بداية العالم العظيم.

وأضيف آل نوح وعاشوا بالبرِّ، وقام إبراهيم وإسحق اللذان عملا بنشاطٍ.

وأتى موسى ومعه الأنبياء الإلهيون، وصاروا فعلة صالحين في الكرم، ونشطوا فيه.

وقاموا كالأذكياء، ولبسوا محبة الحياة الجديدة، وتعبوا جيدًا في كرم الثمار الروحية...

فتح صاحب الكرم بابه لشعوب الأرض، ودخلت واشتغلت كل الخليقة عند الله.

في نهاية العالم، في آخر الأزمان والأوقات، دخل جميع الشعوب في (الساعة) الحادية عشرة إلى البيت الكبير. وبدأوا في مسيرة البرِّ بنشاط، وحاكوا ونسجوا البرَّ جسميًا[91].

القديس مار يعقوب السروجي.

  • يلزمنا أن نُفَسِّرَ كل قصة إبراهيم رمزيّا، ونجعل كل شيء روحيًا، ابتداءً من الوصية: "اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أُريك" (تك 12: 1). هذه الوصية أُعطيت ليس لإبراهيم وحده، وإنما لكل من يريد أن يكون ابنًا له[92].

العلامة أوريجينوس.

اِبْنَا إِبْرَاهِيمَ إِسْحَاقُ وَإِسْمَاعِيلُ. [28].

إسحق: الأصل مُشتَق في اللغات السامية من كلمة "يضحك أو يمزح أو يرقص أو يداعب". حُسِبَ ابن الموعد، كان والده في المائة من عمره ووالدته في التسعين حين وُلِدَ. وحُسِبَ الابن البكر بالرغم من ميلاده بعد إسماعيل الذي أنجبته هاجر جارية إبراهيم وسارة.

جاء زواجه من رفقة رمزًا للعُرْسِ بين السيد المسيح والكنيسة عروسه الروحية.

  • إسحق (تك 21 - 28) أيضًا قام وتربَّى في الجمال، وتَمَرَّن على الأفكار الإلهية.

ملأ نفسه إيمانًا وتواضعًا، وكان مُسَلَّحًا بالبرِّ والاستقامة.

وكان يُبْغِضُ الخصام، ويخسر ما له ولا يغضب، ويحب الأمان، وهو هادئ وفاضل في أعماله[93].

القديس مار يعقوب السروجي.

  • اشتاق إسحق أن يراه، لأنه ذاق طعم خلاصه (عب 19: 11) [94].

القديس مار أفرام السرياني.

إسماعيل: معناه "الله يسمع"، ابن إبراهيم من جاريته المصرية هاجر، أنجب منها بناء على طلب زوجته، سارة. وكان ذلك مُعتادًا لمن كانت عاقرًا، ويُنسَب الابن للزوجة (تك 16: 2). غير أن هاجر استخفَّتْ بسيدتها، وفي نوعٍ من المُداعَبة حاول إسماعيل أن يقتل إسحق (تك 21: 9؛ غل 4: 29).

2. من إبراهيم إلى إسرائيل

أ. عائلة إسماعيل

هَذِهِ مَوَالِيدُهُمْ.

بِكْرُ إِسْمَاعِيلَ: نَبَايُوتُ، وَقِيدَارُ وَأَدَبْئِيلُ وَمِبْسَامُ [29].

تحدث عن أنساب إسماعيل بكونه ابن الجارية، ولا يجوز لنسله أن يرثوا مع أبناء الموعد. وهم يشيرون إلى اليهود غير المؤمنين الذين صاروا مرفوضين (غل 4: 22 الخ).

لم يذكر أسماء أبناء إسماعيل الاثني عشر في غير هذا الموضع في الكتاب المقدس. ذِكْرهم يشير إلى تحقيق الله وعده لإبراهيم كاستجابة لصلاته عن إسماعيل. إذ قال له: "وأما إسماعيل، فقد سمعت لك فيه، ها أباركه، وأثمره، وأكثره كثيرًا جدًا، اثني عشر رئيسًا يلد، وأجعله أمة كبيرة" (تك 17: 20).

نبايوت: إليه تُنسَب إحدى القبائل العربية (تك 25: 13، 16؛ 28: 9؛ 36: 3) التي وُصِفَتْ بكثرة مواشيها (إش 60: 7)، وهو أخو محلة وبسمة التي تزوجها عيسو.

قيدار: اسم سامي معناه "قدير أو أسود"، وهو أب لأشهر قبائل العرب، وتُسَمَّى بلادهم أيضًا قيدار (إش 21: 16؛ إر 49: 28). كانوا في الغالب رعاة مُتَبَدِّين يعيشون في خيام سوداء وهم البدو (نش 1: 5). غير أن بعضهم متمدّينون يسكنون المدن والحضر (إش 42: 11). وهم أصحاب مواشٍ كثيرةٍ، بارعون في الحرب، ولاسيَّما في الرمي بالقوس.

أدبئيل: اسم عبري، معناه "تأديب الله". ربما كان الأب الأول لقبيلة أدبيئيل العربية. كانت تعيش في شمال غرب صحراء العرب في القرن الثامن ق. م، تُقِيم في جنوب غرب البحر الميّت. وردت في سِجِّلات تغلث فلاسر ملك أشور (تك 12: 1).

مبسام: اسم عبري معناه "رائحة ذكيّة".

وَمِشْمَاعُ وَدُومَةُ وَمَسَّا وَحَدَدُ وَتَيْمَاءُ [30].

مشماع (تك 25: 14): اسم عبري معناه "خبر". وهو ابن إسماعيل، ربما جد قبيلة بني مسماع، وربما كانوا يقطنون في جبل مسمع الواقع بين الجوف ودمشق.

دُومة (تك 25: 14): اسم عبري معناه "سكوت".

مَسَّا Massa (تك 25: 14): نسله يحتمل الماسني Masani، الذين وضعهم بطليموس في شرق العربية بالقرب من حدود بابل[95].

حدد (حدار تك 25: 15): اسم عبري، معناه "حدّة وشراسة".

تيماء (تيما تك 25: 15): اسم عبري، كان معناه "الجنوبي"، وهي قبيلة إسماعيلية تسلسلت من تيما، كانت تقطن بلاد العرب، تقطن في منطقة تُدعَى تيما.

وَيَطُورُ وَنَافِيشُ وَقِدْمَةُ. هَؤُلاَءِ هُمْ بَنُو إِسْمَاعِيلَ. [31].

يطور (تك 25: 15): سكن نسله في أيطورية. حاربت قبيلة يطور أسباط بني إسرائيل شرقي الأردن.

نافيش (تك 25: 15): القبيلة التي تضم نسله، والتي سكنت شرقي الأردن.

قِدمَة أو قيدمة (تك 25: 15): اسم عبري معناه "شرقي"، سكن شرقي الأردن (تك 25: 18).

ب. عائلة قطورة

َأَمَّا بَنُو قَطُورَةَ سُرِّيَّةِ إِبْرَهِيمَ، فَإِنَّهَا وَلَدَتْ:

زِمْرَانَ وَيَقْشَانَ وَمَدَانَ وَمِدْيَانَ وَيِشْبَاقَ وَشُوحًا.

وَابْنَا يَقْشَانَ شَبَا وَدَدَانُ. [32].

قطّورة: اسم عبري معناه بخور، ولدت ستة بنين، وهم آباء ست قبائل من العرب. ذكر مؤرخو العرب قبيلة قطّور التي تسكن بالقرب من مكّة. ويرى العلامة أوريجينوس أن كلمة قطّورة معناها بخور أو رائحة ذكية.

دعونا نرى كيف يصير الشخص رائحة المسيح الذكية.

الخطية أمر فاسد (كريه). بالحقيقة يُقارَن الخطاة بالخنازير الذين يتمرَّغون في الخطايا كما في وحلٍ كريهٍ. وداود كخاطي تائبٍ يقول: "قروحي عفنت ومصابة" (راجع مز 37: 6 LXX)، هذا الإنسان يتزوج قطّورة[96].

العلامة أوريجينوس.

يرى العلامة أوريجينوس أن إبراهيم أخذ قطّورة كزوجة له وهو في سن 137 سنة، إذ ماتت سارة في الـ 127 من عمرها، وهو أكبر منها بعشرة سنوات (تك 25: 1 - 2). يُعَلِّق على هذا قائلاً:

[ماذا إذن؟ هل نظن أن دوافع الجسد قد انتعشت في بطريرك عظيم كهذا في هذا الوقت؟

وهل ذاك الذي قيل عنه إنه يموت منذ زمن طويل عن الغرائز الطبيعية يُحسَب أنه أحياها فيه بالشهوات؟

أو كما سبق فقلنا كثيرًا أن زواج البطاركة يشير إلى أمور سرِّية مقدسة، وكما يفترض ذاك القائل عن الحكمة: "لذلك عزمت أن اتخذها قرينة لحياتي" (حك 8: 9). ربما فكر إبراهيم في ذلك الوقت بأمرٍ كهذا. فمع كونه حكيمًا، إلا أنه عرف بأنه ليس للحكمة نهاية، ولا يضع كبر السن حدودًا للتعلُّم... اللغة الإلهية تدعو التعلُّم زوجة له[97].].

زمران (تك 25: 2): اسم سامي، ربما معناه "بقر الوحش". يظن البعض أن ذريته تسكن زبرام، وهي مدينة غربي قلة قرب البحر الأحمر، ويظن آخرون أنهم يكونون قبيلة الزمريين في وسط بلاد العرب.

يقشان (تك 25: 1 - 3): ابن إبراهيم من قطّورة، ومنه خرج شبا وددان.

مدان (تك 25: 2): هو أحد أولاد إبراهيم من قطّورة، ربما سكن في وادي مدان بالقرب من ددان.

يشباق: يرى البعض أنها تعني أعجف، وآخرون تعني يسبق. من نسله جاءت قبيلة في شمال العربية[98].

شُوح (تك 25: 2): اسم سامي، معناه "منخفض". وهو ابن إبراهيم من قطورة زوجته. ومنه قبيلة عربية، التي منها بلدد الشوحي، وكانت غالبًا قرب أرض عوص (أيوب 2: 11).

وبنُو مِدْيان: عيْفةُ وعِفْرُو وحنُوكُ وأبِيداعُ وألْدعةُ.

فكُلُّ هؤُلاءِ بنُو قطُورة. [33].

ليس لنا الكثير للحديث عن مديان بن إبراهيم من قطورة. نسله يحسب أبناء الشرق، ربما كان أيوب واحدًا منهم، وقد انفصلوا عن إسحق ابن الموعد (تك 25: 6)، لم يُذكروا إلا في هذا الموضع.

عيفة: اسم عبري معناه "ظلمة". يوجد ثلاثة يحملون هذا الاسم، أحدهم ابن مديان بن إبراهيم ونسله من بعده، حتى اختلط الاسم بين الرجل والقبيلة (تك 25: 4) التي كانت تسكن في المناطق الشمالية من شبه جزيرة العرب.

عفرو أو عيفر (تك 25: 4): اسم عبري، معناه "غزال صغير""، وهو ابن مديان.

حنوك (تك 25: 4): اسم عبري معناه "دارس، مدرب؛ مكرّس"، وهو ابن مديان، ومن نسل إبراهيم من قطّورة.

أبيداع: معناها "أب المعرفة" أو "أبي يعرف"، الابن الرابع لإبراهيم من سَريّته قطّورة. وقد وزَّع إبراهيم على أبنائه من السراري عطايا وصرفهم، حتى لا يقاسموا إسحق الميراث.

الدعة (تك 25: 4): اسم عبراني، معناه "من دعاة الله"، وهو ابن مديان.

يُعَلِّق القديس أغسطينوس على تصرُّف إبراهيم مع أبناء السراري مثل بني قطورة، مميزًا بين إسحق ابنه، وبينهم، مُشَجِّعًا إيَّانا أن ندرك حقيقة ميراثنا كأبناء لله أحرار.

  • إذن، إن كنا أبناء أورشليم الحُرَّة، فلنتحقق أن بعض العطايا التي للذين لا يرثون تختلف عن تلك التي للورثة. فقد قيل للوارثين: "لم تأخذوا روح العبودية أيضًا للخوف، بل أخذتم روح التبنّي الذي به نصرخ يا أبا الآب" (رو 8: 15) [99].

القديس أغسطينوس.

ج. عائلة إسحق

وَوَلَدَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ.

وَابْنَا إِسْحَاقَ: عِيسُو وَإِسْرَائِيلُ. [34].

لم يذكر هنا اسم يعقوب، بل ذكر الاسم الذي قدم به كعطية إلهية "إسرائيل"، لأنه أقام من بنيه رؤساء أسباط شعب الله.

"إسرائيل" الاسم الذي أُعطِي ليعقوب، وقد أصبح نسله أُمَّة بني إسرائيل، كما أصبح نسل عيسو هم أُمَّة أدوم، وكانت في عداوة مستمرة مع بني إسرائيل (تك 21 - 36؛ 46 - 49).

عيسو: ليس بسبب طبق العدس في ذاته سقط عيسو (تك 25)، إنما بسبب استهتاره.

  • لكي يجعلنا نعرف أن الخطأ لا يكمن في خليقة الله، بل في العصيان العنيد والشهوة المُفرِطة، فإن الإنسان الأول لم يجد الموت في لحم خنزير بل في تفاحة (ثمرة، إذ لم يذكر الكتاب أنها كانت تفاحة) (تك 3: 6)؛ وليس بسبب أكلة طيور، بل بطبق عدس خسر عيسو بكوريته[100].

القديس أغسطينوس.

ب. أبناء عيسو.

بَنُو عِيسُو: أَلِيفَازُ وَرَعُوئِيلُ وَيَعُوشُ وَيَعْلاَمُ وَقُورَحُ. [35].

كان نسل أدوم (عيسو) بن إسحق يحمل عداوة شديدة ضد إسرائيل. وقد ذكرت بعض عائلات أدوم ورجاله المشهورين [35 الخ].

أليفاز: معناه في العبرية "الله ذهب مُصَفَّى".

بَنُو أَلِيفَازَ: تَيْمَانُ وَأُومَارُ وَصَفِي وَجَعْثَامُ وَقِنَازُ وَتِمْنَاعُ وَعَمَالِيقُ. [36].

تيمان (تك 36: 11): اسم عبري، معناه "اليميني أو الجنوبي"، بكر أليفاز. وهو اسم قبيلة أخذت اسمها منه، يقع في الجزء الشمالي من أدوم، ويُسَمَّى أرض أبناء الشرق، ويُدعَى تيمن (حز 25: 13). وقد اشتهر أهله بالحكمة (إر 49: 17؛ عو 9).

أومار: اسم غالبًا مُشتَق من الكلمة العبرية "أمر"، بمعنى "تكلم". يُطلَق عليه أمير أو رئيس في (تك 36: 15).

صفي أو صفو (تك 36: 11، 15): صفو اسم عبري، معناه "حراسة"، أنشأ قبيلة.

جعثام (تك 36: 11): اسم عبري، معناه "ضعيف"، حفيد عيسو، وأحد أمراء أدوم. ويظهر أن أمارة سميت باسمه (تك 36: 16).

قناز: اسم سامي، ربما كان معناه "صيد".

تمناع: اسم عبري، معناه "صدُّ". وهو اسم أمير من أمراء أدوم [16، 51]. كما أيضًا إحدى بنات سعير وهي أيضًا لوطان، صارت سرية لأليفا بن عيسو.

عماليق: إن كان نسل عيسو دعوا "أدوم"، الذين دخلوا في مقاومة مستمرة وعداوة مع إسرائيل، فإن عماليق حفيد عيسو، وهو جد قبيلة العمالقة ابنًا لأبيه من سُرّيته (تك 35: 12). عُرِفَ شعبها بضخامة الجسم مع العنف والشراسة.

عاشوا في المنطقة الصحراوية حول البحر الميِّت، ينهبون الماشية من القبائل الأخرى كغنيمةٍ لهم. أول من هاجموا إسرائيل بعد خروجهم من مصر في طريقهم إلى أرض الموعد تحت قيادة موسى النبي (خر 17: 8). لم يكن يتوقَّع عماليق أن ينهزم أمام إسرائيل الذي لم يكن له أيّة خبرة عسكرية في ذلك الحين.

بَنُو رَعُوئِيلَ: نَحَثُ وَزَارَحُ وَشَمَّةُ وَمِزَّةُ. [37].

نحث: اسم عبري معناه "راحة"، وُجِدَ ثلاثة رجال يحملون هذا الاسم، وهم:

1. حفيد عيسو وبسمة وابن رعوئيل، كان أميرًا على أرض أدوم (تك 36: 13).

2. لاوي من بني القهاتيين، وهو ابن صوفاي، وسلف صموئيل النبي (1 أي 6: 26).

3. لاوي عينه حزقيا الملك كأحد حراس على تقدمات الهيكل تحت إشراف كوننيا اللاوي وشمعي أخوه (2 أي 31: 13).

د. عائلة سعير

وَبَنُو سَعِيرَ: لُوطَانُ وَشُوبَالُ وَصِبْعُونُ وَعَنَى وَدِيشُونُ وَإِيصَرُ وَدِيشَانُ. [38].

لوطان (تك 36: 20): اسم أدومي، ربما كان اسم لوط، وينتهي بالتنوين. أُطلِقَ على قبيلة من الحوريين، يسكنون جبل سعير، ويحكمهم رئيس.

شوبال (تك 36: 20): يُرَجَّح أنه كان شيخًا للحوريين.

صبعون (تك 36: 20): اسم حوي أو حوري، معناه "ضبع"، وهو أمير حوري. لعله هاجر مع عائلته إلى جبل سعير، فصارت منه قبيلة الحوريين.

عنى (تك 36: 24): اسم سامي، ربما كان معناه "إصغاء". من بين الذين حملوا هذا الاسم رئيس حوري [38]، وآخر ابن صبعون الذي وجد الحمائم البرية [40].

ديشون (تك 36: 21): اسم سامي، معناه "ظبي". اسم أحد أولاد سعير الحوري.

إيصر: معناه في العبرية "مساعدة أو معونة"، وهو أمير من بني سعير الحوري في أدوم.

ديشان (تك 36: 21): اسم سامي معناه "ظبي". اسم أحد أولاد سعير الحوري.

وَابْنَا لُوطَانَ: حُورِي وَهُومَامُ. وَأُخْتُ لُوطَانَ تِمْنَاعُ. [39].

حوري (تك 36: 22، 30): يُرَجَّح أنه اسم مصري مأخوذ من اسم الإله حورس. يوجد كثيرون يحملون هذا الاسم. كما يُطلَق هذا الاسم على فرد من عشيرة حور من بني جاد (1 أي 5: 14). وأيضًا يُلَقَّب سعير "حور" (تك 36: 20).

هومام أو هيمام (تك 36: 22): اسم أدومي، معناه "اضطراب أو شغب".

تمناع (تك 36: 40): اسم عبري معناه "صدُّ". ابنة سعير وأخت لوطان أصبحت سرّية لأليفا من عيسو وأم عماليق. يوجد آخر وهو أمير من أمراء أدوم.

بَنُو شُوبَالَ: عَلْيَانُ وَمَنَاحَةُ وَعِيبَالُ وَشَفِي وَأُونَامُ.

وَابْنَا صِبْعُونَ: أَيَّةُ وَعَنَى. [40].

عليان أو علوان (تك 36: 23). معناه "عال"، من أحفاد سعير الحوري.

مناحة (تك 36: 23): اسم عبري معناه "راحة"، وهو اسم شخص من نسل سعير الحوري.

عيبال (تك 36: 23)، من نسل سعير الحوري. كما يوجد شخص آخر يحمل نفس الاسم (1 أي 1: 22)، ودعي عوبال (تك 10: 28).

شفي أو شفو (تك 36: 23): اسم عبري، معناه "عري". وهو من بني شوبال، من بني سعير الحوري.

أونام معناه في العبرية "قوي".

أيْة: اسم عبري، معناه "صقر". أخو عنى أب إحدى نساء عيسو بن إسحق (تك 36: 24).

اِبْنُ عَنَى دِيشُونُ، وَبَنُو دِيشُونَ: حَمْرَانُ وَأَشْبَانُ وَيِثْرَانُ وَكَرَانُ. [41].

حمران: اسم عبري معناه "أحمر"، من بني سعير، ويُدعَى أيضًا حمدان، وهو اسم عبري معناه "سار أو بهيج، مُشتهى".

أشبان: ربما معناه "مُفَكِّر أو ذكي"، اسم أحد أبناء ديشون الحوري، أحد رؤساء جبل سعير (تك 36: 26).

يثران (تك 36: 26): اسم عبري، معناه "فضل"، وهو أمير حوري.

كران: اسم سامي، ربما كان معناه "مثل الحمل"، وهو حوري (تك 36: 26).

بَنُو إِيصَرَ: بِلْهَانُ وَزَعْوَانُ وَيَعْقَانُ.

وَابْنَا دِيشَانَ: عُوصُ وَأَرَانُ. [42].

رعوان (تك 36: 27): اسم عبري، معناه "مُضطرِب وغير هادئ". ابن إيصر أمير حوري.

يعقان (تك 36: 20 - 21): في زمن الخروج كون أبناء بعقان قبيلة احتلت إقليمًا على حدود أدوم قرب جبل هور حيث مات هرون، وأخذ بنو إسرائيل بعض آبارهم (تث 10: 5، عد 20: 21 - 23).

عوص (تك 10: 23): إليه تنتسب قبيلة الأراميين، وكانت القبيلة تنتسب أيضًا لناحور (تك 22: 21)، وديشان الحوري (تك 36: 28). أقام أيوب في أرض عوص (أي 1: 1).

أران: معناه "جدي عنز بري" (تك 36)، ولعله هو أورن اليرحمئيلي (1 أي 2: 25)، والاسم من قبيل تسمية الإنسان أو العائلة باسم حيوان، كما كانت العادة عند العرب، ولا زالت في سوريا مثل عائلة الأسد أو النمر أو غزالة.

أكثر من ثلث الحوريين – نسل سعير – يحملون أسماء حيوانات، وأيضًا بعض الأدوميين يحملون أسماء حيوانات. اسم "سعير" نفسه معناه "جدي"، واسم ديشان معناه "غزال".

هـ. ملوك أدوم

هَؤُلاَءِ هُمُ الْمُلُوكُ الَّذِينَ مَلَكُوا فِي أَرْضِ أدوم،.

قَبْلَمَا مَلَكَ مَلِكٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: بَالَعُ بْنُ بَعُورَ.

وَاسْمُ مَدِينَتِهِ دِنْهَابَةُ. [43].

سجَّل لنا السفر نسل أدوم (عيسو) الذين كانوا أعداء لبني إسرائيل. كان عيسو الابن الأكبر لإسحق من نسل إبراهيم رجل الإيمان، لكن إذ تزوج وثنيات، وكن يُمَثِّلن مرارة في حياة رفقة زوجة إسحق ووالدة عيسو ويعقوب. نشأت الأمة الأدومية المُعادِية للحق الإلهي، تتعبَّد للأصنام.

بالع بن بعور (تك 36: 32): اسم عبري، معناه "البلع أو الفلك"، كان ملكًا على أدوم.

دنهابة (تك 36: 32): اسم أدومي ربما كان معناه "من يُعطِي حكمًا". كانت عاصمة بالع ملك أدوم. وربما كان مكانها اليوم "خربة الدن"، وهي بلدة في موآب جنوبي أرنون بقليلٍ.

وَمَاتَ بَالِعُ،.

فَمَلَكَ مَكَانَهُ يُوبَابُ بْنُ زَارَحَ مِنْ بُصْرَةَ. [44].

يوباب (تك 36: 33): اسم عبري، ربما كان معناه "صراخ". وهو ابن بقطان [23]، ولا يعرف أين سكنت هذه القبيلة العربية. أيضًا يحمل أحد ملوك موآب نفس الاسم (تك 36: 23 - 34؛ 1 أي 1: 14 - 15).

وَمَاتَ يُوبَابُ،.

فَمَلَكَ مَكَانَهُ حُوشَامُ مِنْ أَرْضِ التَّيْمَانِيِّ. [45].

حوشام (تك 36: 34): اسم عبري، معناه "عجلة، وانفعال". رجل من بلاد التيمانيين، خلف يوباب كملكٍ على أدوم.

وَمَاتَ حُوشَامُ،.

فَمَلَكَ مَكَانَهُ هَدَدُ بْنُ بَدَدَ، الَّذِي كَسَّرَ مِدْيَانَ فِي بِلاَدِ مُوآبَ،.

وَاسْمُ مَدِينَتِهِ عَوِيتُ [46].

هدد أو هداد أو هدار (تك 36: 35 - 36): اسم سامي معناه "شجاع"، ملك أدوم، اسم أبيه بداد، وكانت عاصمته عويث. يوجد ملك آخر أدومي له نفس الاسم (تك 36: 39)، عاصمته فاعي أو فاعو.

عويت (تك 36: 35): اسم أدومي، معناه "خرب"، مدينة أدومية، مسقط رأس الملك هداد. وربما كانت "محل الجثّة" حاليًا قرب معان.

وَمَاتَ هَدَدُ،.

فَمَلَكَ مَكَانَهُ سِمْلَةُ مِنْ مَسْرِيقَةَ. [47].

سملة (تك 36: 36): اسم عبراني، معناه "ثوب". وهو اسم أحد ملوك أدوم القدماء. وقد ملك قبل أن يوجد ملك في إسرائيل، وكانت عاصمة مملكته مسريقة.

مسريقة (تك 36: 36): اسم أدومي، ربما كان معناه "كرمة"، وهي مدينة في أدوم، كانت مسقط رأس سملة ملك أدوم، وهي في جبل مشراق الذي يقع جنوبي مسان باثنين وعشرين ميلاً.

وَمَاتَ سِمْلَةُ،.

فَمَلَكَ مَكَانَهُ شَاوُلُ مِنْ رَحُوبُوتِ النَّهْرِ. [48].

شاول من رحوبوت (تك 36: 37): شاول اسم عبري، معناه سُئل من الله. وهو من ملوك أدوم، من رحوبوت التي تقع على نهر أفراتة (تك 36: 37).

وَمَاتَ شَاوُلُ،.

فَمَلَكَ مَكَانَهُ بَعْلُ حَانَانَ بْنُ عَكْبُورَ. [49].

عكبور (تك 36: 38): عكبور اسم سامي، معناه "فار"؛ وهو ملك أدوم.

وَمَاتَ بَعْلُ حَانَانَ،.

فَمَلَكَ مَكَانَهُ هَدَدُ،.

وَاسْمُ مَدِينَتِهِ فَاعِي،.

وَاسْمُ امْرَأَتِهِ مَهِيطَبْئِيلُ بِنْتُ مَطْرِدَ بِنْتِ مَاءِ ذَهَبٍ. [50].

مهيطبئيل بنت مطرد (تك 36: 39): اسم سامي، معناه "من يُحسِن إليه الله". ابنة مطرد وامرأة هداد ملك أدوم.

وَمَاتَ هَدَدُ، فَكَانَتْ أُمَرَاءُ أدوم:

أَمِيرُ تِمْنَاعَ، أَمِيرُ عَلْوَةَ، أَمِيرُ يَتِيتَ، [51].

أَمِيرُ أُهُولِيبَامَةَ، أَمِيرُ أَيْلَةَ، أَمِيرُ فِينُونَ، [52].

أهوليبامة (تك 36: 41): اسم عبري، معناه "خيمتي مكان مرتفع"، وهو أمير في أدوم.

حملت زوجة عيسو نفس الاسم وهي بنت عنى الحوي (تك 36: 2)، وكانت تُدعَى أيضًا يهوديت.

أيلة (أو أيلات): اسم عبري، معناه "شجرة البلّوط"، وهو أمير في أدوم (تك 36: 41).

فينون (تك 36: 41): وهو أمير في أدوم، ربما سكن مدينة فونون، الواقعة إلى الجانب الشرقي من العربة نحو خمسة أميال ونصف إلى الجانب الشرقي من خربة نحاس.

أَمِيرُ قَنَازَ، أَمِيرُ تَيْمَانَ، أَمِيرُ مِبْصَارَ، [53].

قناز (تك 36: 42): اسم سامي، ربما كان معناه "صيد". وهو ابن أليفاز بن عيسو (تك 36: 41)، صار أميرًا في أدوم.

تيمان (تك 36: 42): اسم عبري، معناه "اليميني أو الجنوبي"، وهو بكر أليفاز بن عيسو، صار أميرًا في أدوم.

مبصار (تك 36: 42): اسم عبري، معناه "حصن"، وهو أمير في أدوم.

أَمِيرُ مَجْدِيئِيلَ، أَمِيرُ عِيرَامَ.

هَؤُلاَءِ أُمَرَاءُ أدوم. [54].

مَجْدِيئِيلَ (تك 36: 43): اسم أدومي، معناه "مجد الله"، وهو أمير في أدوم.

عيرام (تك 36: 43): اسم عبري، معناه "حذر"، وهو أمير في أدوم.

من وحي 1 أي 1.

سلسلة أنساب، أَم رحلة مع الله؟!

  • بروحِك القدوس افتح عن عينيّ،.

فأتمتَّع بعذوبة الرحلة المُبهِجة للحياة معك!

أقف في حيرة مع دهشة عجيبة لأعمال حبِّك!

أرى في سلسلة الأنساب (1 أي 1 - 9) رحلة مُمْتِعة في رفقتك.

لن أبدأها ما لم ارتمِ في أحضانك،.

وأشعر برفقتك لي.

أراك أنت بداية الرحلة، وأنت نهايتها،.

وأنت الحامل لأعماقي، فأستريح على كتفيك طوال الطريق!

ليعرف كل مؤمنٍ إلى أي سبطٍ ينتمي!

ويعرف نصيبه من أرض الموعد في كنعان!

أما أنا، فأحسب نفسي كأنني إلى سبط السمائيين أنتمي!

لستُ أتطلع إلا إلى كنعان السماوية، ميراثي الأبدي!

أنت نصيبي، وغناي، وكنزي، وفرحي وإكليلي.

هَبْ لي أن ألتقي مع بعض آبائي،.

أدخل معهم في حديث حبٍ صريحٍ،.

فأستمتع برحلة حياتي.

ألتقي بآدم، فأراه متهللاً وسعيدًا!

أسمعه يقول: "إذ وهبني إلهي شيثًا ابنًا تعزيتُ.

رأيتُه يحمل صورتي كما كنت قبل الفساد، إلى حدٍ ما.

رأيته رمزًا لآدم الجديد، مُخَلِّصي ومُخَلِّص نسلي.

تعزيت مع شريكة حياتي، فلم نعد نذكر قايين قاتل أخيه.

لم أعد أراه مُرتجِفًا ومُرتعِدًا، وكأن الخليقة كلها ضده.

لم أعد أحزن على هابيل، الذي يصرخ دمه إلى السماء!

رأيتك يا مُخَلِّصي، وفرحت لأن نسلي التصق بك.

بدمِك يا مُحِبَّ البشر أصلحتَ ما أفسدتُه في حياة كل نسلي!

تهللت لما رأيته، وأدركت ما كتبه موسى النبي عنه:

ابتدأ أنوش يُدعَى باسم الرب "(تك 4: 26).

رأيته مُتميِّزًا، إذ هو أول من سبَّح الله بلا انقطاع.

كان قلبه ملتهبًا بحبِّك، فصار يُسَبِّحك نهارًا وليلاً.

صار المُعَلِّم الأول لحياة التسبيح!

اشتهى أن يكون كل نسل آدم مشاركًا السمائيين تسابيحهم.

حياته تتناغم مع اسمه، لا يكف عن التهليل لك.

إن قلبه الذي لا يعرف إلا الشكر والحمد لله،.

قدِّم لنا من نسله "أخنوخ"، الذي تأهَّل أن ينقله الرب إليه.

لأُرَدِّد مع الحكيم: "خطفه لئلا يُغَيِّر الشر عقله...

كان يعيش بين الخطاة فنقله "(الحكمة 4: 10 - 11).

طار أخنوخ على أجنحة الحب، حين أُختطف إلى السماء (تك 5: 24).

  • عبر أخنوخ أيام غربته سريعًا، وضمَّه الرب إليه من وجه الشر.

وجاء ابنه متوشالح يعيش قرابة ألف سنة.

طال عمره جدًا، لكن انتهت حياته بالموت.

عبرت سنوات حياته كأنها لحظة من الزمن،.

فلم يعد يشغلنا كم عدد السنين التي نتغرَّب فيها.

  • فتح ابنه لامك بابًا خطيرًا في حياة البشرية.

لم يلتزم مثل الإنسان الأول بحواء واحدة.

لامك هو أول من تزوج بامرأتين،.

فأفسد مفهوم الحب الزيجي ووحدة الأسرة.

نقول مع القدِّيس مار أفرام إنه بزواجه امتلأت حياته تعبًا.

فتطلع إلى المسيَّا المولود من عذراء ليهبه راحة وبرًّا.

  • أعبر سريعًا إلى نوح البار في وسط جيلٍ مظلمٍ وملتوٍ.

أوصاه الرب أن يصنع فُلْكًا، ليُغرق العالم كله.

ويبدأ نوح وأولاده الثلاثة مع نسائهم عالمًا جديدًا.

كأن نوح وأسرته قد اعتمدوا في وسط الطوفان.

حفظهم الفلك، وكأنهم تمتَّعوا برمز كنيسة العهد الجديد.

تجدَّد العالم الخارجي، لكي تتجدَّد على الدوام أعماقنا الداخلية.

  • أما عن أولاد نوح الثلاثة، حينما تعرَّى نوح سخر به حام الشرير.

بينما في وقارٍ قام سام ويافث بتغطيته.

رأيت صورتك يا من أسكرك حبُّك لنا،.

فتعرَّيتَ على الصليب لتحمل عارنا.

سخر بك اليهود صالبوك.

وآمَنَتْ بك الأمم والشعوب، وصارت أعضاء جسدك المقدس.

  • التقيت بأب المؤمنين إبراهيم.

تهللت لما التقيت به،.

فآدم الأب العام لكل البشرية، وإبراهيم الأب العام للمؤمنين.

مزق آدم ميثاق النقاوة والطاعة لواهب الصلاح.

صرنا بآدم أغصانًا في الزيتونة البرية،.

وبالإيمان صرنا نسل إبراهيم روحيًّا،.

مُطعَّمين في الزيتونة المُثمِرة خلال عمل الروح القدس.

  • بإسحق ابن الموعد، أدركنا بنوِّتنا لله.

ملأ إسحق قلب أبيه سرورًا وبهجة.

ونحن بروح الله القدوس صرنا موضع سرور الآب.

  • أنجب إسحق ابن الطاعة يعقوب أب كل الأسباط.

من أجلي، جئتَ يا مُخَلِّصي، لا لأنتسب إلى سبطٍ ما،.

ولا لأرث نصيبًا في أرض الموعد.

إنما لتهبني ذاتك نصيبًا لنفسي، أتهلل بك أبديًّا.

أنت هو الكل لي، يا شهوة قلبي!


[1] McClintock & Strong's Cyclopedia, vol. 2, article Chronicles.

[2] Orthodox Study Bible, 1 Chro. , Introduction.

[3] McClintock & Strong's Cyclopedia, vol. 2, article Chronicles.

[4] راجع الرابطة الكاثوليكية العالمية: دراسات بيبلية، 1: القراءة المسيحية للعهد القديم، بيروت، 1991، ص 128 الخ.

[5] Cf. Talmud. Baba Bathra 15 a.

[6] Baker’s Pictorial Introduction to the Bible, 1967,13 1 Chronicles.

[7] Baker’s Pictorial Introduction to the Bible, 1967,13 1 Chronicles.

[8] Baker’s Pictorial Introduction to the Bible, 1967,13 1 Chronicles.

[9] Commentary on John, Book 6: 285 – 286.

[10] راجع الرابطة الكاثوليكية العالمية: دراسات بيبلية، 1: القراءة المسيحية للعهد القديم، بيروت، 1991، ص 130 الخ.

[11] In 2 Tim. hom 6.

[12] الميمر 65 على الكبرياء (راجع نص بول بيجان ترجمة الدكتور بهنام سوني). لأجل يوم الأربعاء من الجمعة الثانية من الصوم المقدس، قبطي.

[13] Cf. P. H. Reardon: History and Worship, Orthodox Christian Reflections on the Books of Chronicles, Conciliar Press, , 2006, p. 15 - 18.

[14] Cf. P. H. Reardon: History and Worship, Orthodox Christian Reflections on the Books of Chronicles, p. 18 - 21.

[15] On Ps. 65.

[16] In Ioan. tr. 58: 5.

[17] In Hebr. hom 16: 5.

[18] Céline Mangan: 1 - 2 Chronicles, Ezra, Nehemiah, Delware 1982, p. 5.

[19] In Ioan. , tr. , 109: 5.

[20] McClintock & Strong's Cyclopedia, vol. 2, article Chronicles.

[21] Questions on 1 Chronicles, prologue. (نسطوري الفكر).

[22] راجع الرابطة الكاثوليكية العالمية: دراسات بيبلية، 1: القراءة المسيحية للعهد القديم، بيروت، 1991، ص 128 الخ.

[23] راجع ميمر بدير القديس مقاريوس على التوبة.

[24] De Principiis 3; 1: 14. (In Philocalia 21: 13).

[25] Sel. Ps. 14: 44.

[26] ميمر 96 على قطع رأس يوحنا المعمدان (راجع الأب بول بيجان ترجمة دكتور سوني بهنام).

[27] الميمر 12 على ذاك الابن الذي بدَّد أمواله (راجع نص بول بيجان ترجمة الدكتور بهنام سوني)، الميمر السابع والثلاثون، على الابن الشاطر، مطبعة مصر بالفجالة تحت إشراف يوسف بك منقريوس.

[28] باطن أعلى الفم من داخل والأسفل (المُعجَم الوسيط).

[29] الميمر 106 على المزمور: سبّحوا الرب تسبيحا جديدا (مزمور 96 / 1، 149 / 1) (راجع نص الأب بول بيجان، ترجمة الأب الدكتور بهنام سوني).

[30] راجع ميمر بدير القديس مقاريوس على التوبة.

[31] Cf. P. H. Reardon: History and Worship, Orthodox Christian Reflections on the Books of Chronicles, p. 12 - 13.

[32] Cf. P. H. Reardon: History and Worship, Orthodox Christian Reflections on the Books of Chronicles, p. 13.

[33] Cf. P. H. Reardon: History and Worship, p. 13 - 15.

[34] Cf. P. H. Reardon: History and Worship, Orthodox Christian Reflections on the Books of Chronicles, p. 14 - 15.

[35] Cf. P. H. Reardon: History and Worship, Orthodox Christian Reflections on the Books of Chronicles, p. 15.

[36] The First Book of Kings 5: 10.

[37] Céline Mangan: 1 - 2 Chronicles, Ezra, Nehemiah, Delware 1982, p. 11 - 12.

[38] cf. Warren W. Wiersbe: Nelson Quick Reference, Chapter - by - Chapter Bible Commentary, 1991, p. 227 - 8.

[39] راجع ملحق الأصحاح الرابع من أخبار الأيام الأول.

[40] In Eph. hom 1.

[41] cf. P. R. Ackroyd: 1 & 2 Chronicles…, 1973, p. 48.

[42] cf. The New Century Bible Commentary, 1 & 2 Chronicles, 1980, p. 39.

[43] In Hebr. 3: 11.

[44] Sermons 23: 4.

[45] Matthew Henry: Commentary on the Whole Bible.

[46] راجع ل. هـ. روسييه: تأملات في أخبار الأيام الأول، بيت عنيا القاهرة، ص 20 - 22.

[47] Cf. P. H. Reardon: History and Worship, Orthodox Christian Reflections on the Books of Chronicles, p. 32.

[48] راجع الميمر 180 على الرها وعلى أورشليم. لليل أسبوع الشعانين (راجع نص الأب بول بيجان، ترجمة الدكتور بهنام سوني).

[49] Céline Mangan: 1 - 2 Chronicles, Ezra, Nehemiah, Delware 1982, p. 16.

[50] الميمر 5 على هارون الكاهن (راجع نص بول بيجان ترجمة الدكتور بهنام سوني).

[51] تسابيح الميلاد، تسبحة 1.

[52] الميمر 150 الرابع على قايين وهابيل وعلى تعزية آل آدم التي صارت بواسطة شيث.

[53] الميمر 63 على محبة الله للبشر وعلى محبة الأبرار (راجع نص بول بيجان ترجمة الدكتور بهنام سوني).

[54] Cf. McClintock & Strong’s Cyclopedia.

[55] Gesenius: Thesaur.

[56] McClintock & Strong’s Cyclopedia.

[57] McClintock & Strong’s Cyclopedia.

[58] On Mortality 23.

[59] الميمر 63 على محبة الله للبشر وعلى محبة الأبرار (راجع نص بول بيجان ترجمة الدكتور بهنام سوني).

[60] إسحق أو النفس، 77.

[61] Commentary on Genesis, 5: 2: 1.

[62] Ep. 60: 14.

[63] تسابيح الميلاد، تسبحة 1.

[64] راجع الأب يوحنا تايت: تفسير لسفر التكوين منسوب للقديس أفرام السرياني، لبنان 1982، ص 71.

[65] Commentary on Genesis, 6: 1: 1.

[66] Duties of the Clergy 3: 18 (108).

[67] تسابيح الميلاد، تسبحة 1.

[68] Dict. of the Bible, P 446; Mckenzie: Dict. of the Bible, P 413.

[69] On Ps. hom 13.

[70] تسابيح الميلاد، تسبحة 1.

[71] Odyssey 11: 14.

[72] Herod. 4: 11 - 12.

[73] راجع حزقيال، ١٩٨١، ص ٢٦٠، ٢٦١.

[74] Herod. 1: 16.

[75] In Genesis 10: 2.

[76] Antiq 1: 6: 1.

[77] Céline Mangan: 1 - 2 Chronicles, Ezra, Nehemiah, Delware 1982, p. 15.

[78] الأرشيدياكون نجيب جرجس: سفر التكوين، ١٩٧٣، ص ١٦٦، ١٦٧.

[79] يشوع، ١٩٨٢، ص ٢٣–٣٠.

[80] On Ps. 26.

[81] راجع سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي ١٩٧٩، ص ١٦٣، ١٦٤.

[82] City of , 16: 3.

[83] راجع الأب يوحنا تايت: تفسير لسفر التكوين منسوب للقديس أفرام السرياني، لبنان 1982، ص 95 - 96.

[84] Commentary on Genesis, 8: 12.

[85] Homilies on Genesis, 29: 29.

[86] يشوع، ١٩٨٢، ص ٢٣–٣٠.

[87] كتاب السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم: سفر صموئيل الأول الخ، بيروت، 1918، ص 454 - 455 (بتصرف).

[88] تسابيح الميلاد، تسبحة 1.

[89] الميمر 7 على معمودية الناموس، وعلى معمودية يوحنا، وعلى المعمودية التي أعطاها ربنا للرسل (راجع نص بول بيجان ترجمة الدكتور بهنام سوني).

[90] الميمر 13 على الفريسي والعشار (راجع نص بول بيجان ترجمة الدكتور بهنام سوني) الميمر 11، على الفريسي والعشار اللذين صعدا إلى الهيكل ليصليا، قبطي.

[91] الميمر 14 على المثل الذي قاله ربنا: الفعلة الذين استأجرهم صاحب الكرم (مت 20: 1 - 16) (راجع نص بول بيجان ترجمة الدكتور بهنام سوني).

[92] Commentary on the Gospel of John, 20: 67.

[93] الميمر 63 على محبة الله للبشر وعلى محبة الأبرار (راجع نص بول بيجان ترجمة الدكتور بهنام سوني).

[94] تسابيح الميلاد، تسبحة 1.

[95] Unger's Bible Dictionary, Moody Press.

[96] Homilies on Genesis 11: 1 - 2.

[97] Homilies on Genesis, 11: 1.

[98] Unger's Bible Dictionary, Moody Press.

[99] City of , 16: 34.

[100] In Ioan. tr 73: 1.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

اَلأَصْحَاحُ الثَّانِي - سفر أخبار الأيام الأول - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفاسير أخبار الأيام الأول الأصحاح 1
تفاسير أخبار الأيام الأول الأصحاح 1