الأَصْحَاحُ الأَوَّلُ – فسير رسالة بولس الرسول الأولى إلى تسالونيكي – مارمرقس مصر الجديدة

رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ تَسَالُونِيكِى.

.

مقدمـة

أولا: كاتبها:

بولس الرسول كما يذكر ذلك بنفسه (ص1: 1) وكما يظهر من أسلوب كتابتها.

ثانيا: لمن كتبت:

  • إلى تسالونيكى وهى عاصمة مكدونية أى الجزء الشمالى من اليونان. بناها زوج أخت الإسكندر الأكبر وسماها على اسمها، ومازالت باقية حتى الآن. وهى واحدة من السبعة بلاد التى أرسل إليها بولس رسائله.
  • تقع على خليج وطريق تجارى هام يربط بين روما والشرق، فاشتهرت بالتجارة وكذلك الخلاعة والزنا.
  • معظم سكانها من اليونانيين ولكن سدس سكانها من اليهود لشهرتها التجارية، وبها مجمع لهم.
  • أسس بولس كنيسة بها عندما زارها عام 52م فى رحلته التبشيرية الثانية، وهى ثانى كنيسة فى أوروبا بعد فيلبى التى تبعد عنها جنوبا غربيا حوالى 100 ميلا، وكرز بها بضعة شهور ولكن هيج اليهود عليه الرعاع، فاضطر أن يهرب إلى مدينة بيرية، وقد آمن على يديه قليل من اليهود وبعض النساء اليونانيات الشريفات وكثير من اليونانيين واعتمد فى احتياجاته الشخصية على عمل يديه وعطايا وصلته من كنيسة فيلبى.

ثالثاً: زمن كتابتها:

عام 53م بعد أن ترك تسالونيكى بفترة قصيرة وتعتبر هذه هى أول رسالة كتبها.

رابعاً: مكان كتابتها:

كورنثوس.

خامساً: أغراضها:

  1. استكمال تعاليمه حيث اضطر لترك تسالونيكى إلى بيرية فجأة تحت ضغط اليهود.
  2. تشجيعهم وتعزيتهم أمام اضطهاد اليهود لهم.
  3. فرحه بثباتهم وتقدمهم كما أخبره تيموثاوس الذى أرسله بولس ليطمئنه عليهم.
  4. إظهار أبوته وأشواقه إليهم.
  5. تعزية الحزانى على موتاهم بأنهم مع المسيح وسنلتقى بهم فى النهاية.

سادساً: أقسامها:

  1. مقدمه وتشجعيهم بنجاح كنيستهم (ص1).
  2. جزء تعليمى ويشمل:

أ – أبوة بولس لهم (ص 2).

ب - إرسال تيموثاوس إليهم لمعزته له ولهم (ص 3).

ج – تثبيت المؤمنين بالطهارة والنمو فى المحبة وانتظار المجئ الثانى (ص4).

  1. وصايا عملية مثل السهر ومحبة الرعاة ثم ختام الرسالة (ص5).

الأَصْحَاحُ الأَوَّلُ

إيمان التسالونيكيين وانتشار تأثيره.

(1) التحية الإفتتاحية (ع 1):

1بُولُسُ وَسِلْوَانُسُ وَتِيمُوثَاوُسُ، إِلَى كَنِيسَةِ التَّسَالُونِيكِيِّينَ، فِى اللهِ الآبِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.

العدد 1

ع1:

يظهر من التحية الرسولية فى مقدمة رسائل بولس مضمون رسالته. فهو إذ يكلم أهل تسالونيكى الذين يعانون من اضطهاد اليهود غير المؤمنين لهم، يظهر محبته واتضاعه فلا يلقب نفسه بالرسول إذ هذا معروف عندهم.

ويشرك معه تلميذيه سلوانس (سيلا) وتيموثاوس فى إرسال التحية لهم مع أنه هو وحده كاتب الرسالة، ولكن يحتاج المتضايقون إلى تعاطف الكثيرين معهم.

ويبين أبوة الله إذ يقول الله أبينا حتى يشعروا برعايته لهم، وكذا المسيح المخلص الذى يوحد المؤمنين – أمما ويهودا – فى كنيسة واحدة. ويرسل لهم نعمة الله القادرة أن تهبهم سلاما داخليا لا تنزعه الضيقات الخارجية التى يعانون منها.

 إذا كان ق. بولس يرسل إلى أهل تسالونيكى الذين يقاسون من اضطهاد غير المؤمنين ليشجعهم بالنعمة والسلام، فليتك تهتم أن تشجع كل من هو فى ضيقة أو معاناة سواء كان طفلا صغيرا أو شخصا كبيرا، لأن أبوتك وتشجيعك تحمسه لاحتمال الآلام بصبر وشجاعة وتشبع بها نفسك فتتقوى أنت أيضًا بنعمة الله.

(2) شكر الله على إيمانهم ومحبتهم ورجائهم (ع 2 - 4):

2نَشْكُرُ اللهَ كُلَّ حِينٍ مِنْ جِهَةِ جَمِيعِكُمْ، ذَاكِرِينَ إِيَّاكُمْ فِى صَلَوَاتِنَا، 3مُتَذَكِّرِينَ بِلاَ انْقِطَاعٍ عَمَلَ إِيمَانِكُمْ، وَتَعَبَ مَحَبَّتِكُمْ، وَصَبْرَ رَجَائِكُمْ، رَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ، أَمَامَ اللهِ وَأَبِينَا. 4عَالِمِينَ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمَحْبُوبُونَ مِنَ اللهِ اخْتِيَارَكُمْ.

العدد 2

ع2:

يشجعهم الرسول على احتمال الآلام بأن يمدح فضائلهم قائلاً: نقدم الشكر لله من أجل ثمار النعمة الفائضة فيكم، فالله هو مصدر كل صلاح فى البشر.

لقد كان من عادة الرسول أن يصرف أوقاتاً طويلة فى الصلاة لأجل الكنائس ولأجل احتياج كل كنيسة على وجه التحديد.

 ربما نرجع للرب لنصلى من أجل إخوتنا فى ظروف الحزن والخطر والمرض، ولكن جميل أن نرجع بالشكر إليه من أجل نعمته فى الذين يخلصون ونصلى أيضًا إذا عانوا من ضعف حالتهم الروحية.

العدد 3

ع3:

يذكر الرسول هنا الفضائل الثلاث التى هى ثمر عمل النعمة فيهم، ولكنه لا يتكلم هنا عن الفضائل ذاتها بل عن نتائجها أى عمل الإيمان، تعب المحبة، صبر الرجاء.

عمل إيمانكم: أى الإيمان المثمر النشط الفعال الذى به تظهر حقيقة إيماننا أمام الله "فالإيمان بدون أعمال ميت" (يع2: 26).

تعب محبتكم: المحبة الحقيقية هى محبة مضحية لها تعب من أجل الآخرين وفى خدمة الإخوة.

صبر رجائكم: الرجاء يمنح العزاء فى الحزن ويعطى صبرًا فى الضيق، والرب يسوع له المجد هو نفسه الرجاء الذى يعطى القوة على الصبر، وهو أيضًا المثال فى الصبر.

العدد 4

ع4:

لقد عرف بولس الرسول أن ثمر الروح الذى ظهر فى حياتهم هو البرهان على الحياة الجديدة التى فى المسيح، فأصبحوا بذلك مختارين بمقتضى علم الله السابق، وأصبحوا خاصة مفرزة ومكرسة من الله ليكونوا موضوع محبته. وبهذا الأساس يستبعد بولس الرسـول فكرة اليهود أنهم الشعب المختار ليحل محلها الإختيار الروحى للمؤمنين بالمسيح (غل6: 16) وليعطيهم أيضًا تشجيعًا إذ يؤكد إختيار الله لهم.

(3) إيمانهم قدوة للآخرين (ع 5 - 10):

5أَنَّ إِنْجِيلَنَا لَمْ يَصِرْ لَكُمْ بِالْكَلاَمِ فَقَطْ، بَلْ بِالْقُوَّةِ أَيْضًا، وَبِالرُّوحِ الْقُدُسِ، وَبِيَقِينٍ شَدِيدٍ، كَمَا تَعْرِفُونَ أَىَّ رِجَالٍ كُنَّا بَيْنَكُمْ مِنْ أَجْلِكُمْ. 6 وَأَنْتُمْ صِرْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِنَا وَبِالرَّبِّ، إِذْ قَبِلْتُمُ الْكَلِمَةَ فِى ضِيقٍ كَثِيرٍ، بِفَرَحِ الرُّوحِ الْقُدُسِ، 7حَتَّى صِرْتُمْ قُدْوَةً لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ فِى مَكِدُونِيَّةَ وَفِى أَخَائِيَةَ. 8لأَنَّهُ مِنْ قِبَلِكُمْ قَدْ أُذِيعَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ، لَيْسَ فِى مَكِدُونِيَّةَ وَأَخَائِيَةَ فَقَطْ، بَلْ فِى كُلِّ مَكَانٍ أَيْضًا قَدْ ذَاعَ إِيمَانُكُمْ بِاللهِ، حَتَّى لَيْسَ لَنَا حَاجَةٌ أَنْ نَتَكَلَّمَ شَيْئًا. 9لأَنَّهُمْ هُمْ يُخْبِرُونَ عَنَّا، أَىُّ دُخُولٍ كَانَ لَنَا إِلَيْكُمْ، وَكَيْفَ رَجَعْتُمْ إِلَى اللهِ مِنَ الأَوْثَانِ، لِتَعْبُدُوا اللهَ الْحَىَّ الْحَقِيقِىَّ، 10 وَتَنْتَظِرُوا ابْنَهُ مِنَ السَّمَاءِ، الَّذِى أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، يَسُوعَ، الَّذِى يُنْقِذُنَا مِنَ الْغَضَبِ الآتِى.

العدد 5

ع5:

أى رجال: كم احتمل بولس وتلاميذه أتعاب الخدمة فى رجولة روحية وبذل كثير.

من أجلكم: لكسب نفوسكم.

يوضح بولس أن كرازته بالإنجيل فى تسالونيكى لم تكن بالكلام فقط، بل قدمها لهم فى ثقة وإيمان وبقوة الروح القدس العاملة فيه، فاحتمل ضيقات وتعب فى الكرازة لكى يجذب نفوسهم للمسيح.

العدد 6

ع6:

إن حياة بولس ورفقائه، بإنكار للذات وسلوك مقدس، تركت أثرا عميقا فى نفوس التسالونيكيين فتمثلوا بهم. لقد قبلوا الكلمة فى ضيق شديد وعانوا الإضطهاد المرير، ولكنهم كانوا فرحين بالرسالة التى تخبرهم بغفران خطاياهم والرجاء فى الحياة الأبدية. وأصبح ينطبق عليهم القول "كحزانى ونحن دائما فرحون" (2كو 6: 10).

العدد 7

ع7:

مكدونية: الجزء الشمالى من اليونان.

أخائية: الجزء الجنوبى من اليونان.

لقد كان التغيير فى حياتهم عظيما حتى لاحظه الآخرون بسرعة، فصاروا "قدوة" لكل الذين فى مكدونية والذين قبلوا الإيمان مثلهم فى الشمال وأيضًا فى أخائية بالجنوب. فقد كانت حياتهم تشهد بأنهم فى علاقة حية مع الله وكانوا أنوارا حقيقية فى ظلمة العالم.

العدد 8

ع8:

كان المؤمنون فى تسالونيكى شهادة حية لفاعلية الحياة مع المسيح، فذاع خبرهم كبوق ليس فقط فى مكدونية وأخائية بل أيضًا فى كل اتجاه، وذلك ليس بسبب معجزات قاموا بها بل لإيمانهم بالله. فقد كانت تسالونيكى مركزا تجاريا هاما فانتشرت الأخبار من ذلك المركز إلى كل مكان. وأمام عظمة إيمانهم لم يجد بولس كلامًا يمجد به إيمانهم لأنه قد صار واضحًا للكل.

العدد 9

ع9:

عندما بشَّر ق. بولس فى بلاد اليونان المختلفة وجدهم متعجبين من قبول أهل تسالونيكى لبشارته وتحولهم من عبادة الأوثان إلى عبادة الله، بل كانوا يسارعون بإخبار ق. بولس بهذا مما ساعد على قبول البلاد الأخرى الإيمان والثبات فى المسيح.

العدد 10

ع10:

ينتظر أهل تسالونيكى مجئ الرب الثانى الذى هو رجاء المسيحية كلها والذى به تتحقق الوعود الإلهية فى الحياة الأبدية. فهذا الذى ينتظرونه هو نفسه الذى مات من أجلهم ونحن ننتظره مخلصًا بعد أن صالحنا مع الله الآب بالصليب ليغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده (فى3: 21). وهذا أيضًا تشجيع جديد بأن كل ألم يتبعه مجد عظيم كما حدث لربنا يسوع المسيح الذى احتمل آلام الخلاص ثم جلس عن يمين العظمة فى الأعالى.

 إعلم يا أخى أن احتمالك الإيمان بشكر وتمسكك بمبادئك رغم الضيقات، ليس فقط يفيض نِعَم الله عليك بل يؤثر فى المحيطين بك أكثر من أى كلام.

No items found

تفاسير رسالة بولس الرسول الأولى إلى تسالونيكي - الأَصْحَاحُ الأَوَّلُ
تفاسير رسالة بولس الرسول الأولى إلى تسالونيكي - الأَصْحَاحُ الأَوَّلُ