الأصحاح الأول – تفسير الرسالة إلى رومية – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: رسالة بولس الرسول إلى رومية – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

مقدمة عن فكر بولس الرسول عن الخلاص في المسيحية.

مقدمــة:

الله خلق الإنسان

.

  1. السقوط والموت.
  2. بالفداء كانت القيامة الأولى من موت الخطية (رؤ 5: 20 + يو 25: 5).
  3. المجيء الثاني للمسيح وبه نبدأ القيامة الثانية ونحيا فى المجد.
  4. فترة الحياة على الأرض ما بين السقوط والمجيء الثاني. هذه قال عنها إشعياء أنها لحيظة، أي فترة بسيطة جداً بالنسبة إلى الحياة الأبدية. بل إن هذه الفترة يستغلها الله ليؤدب الإنسان فتصير إرادته كإرادة الله فيخلص ويحيا للأبد.

الله خلق الإنسان ليحيا إلى الأبد:

  1. أول آية نقابلها في الكتاب المقدس هي "في البدء خلق الله..." (تك1: 1) وهذه ليست مصادفة، فالوحي بهذا يريدنا أن نفهم خيرية وصلاح ومحبة الله، الذي يريد أن يخلق حياة، فهو لا يخلق موت، ولا يريد أن يخلق الإنسان ليموت بل لكي يحيا حياة أبدية يتمتع فيها بمجد الله.
  2. إستمر الله يخلق العالم ستة أيام، واليوم ليس 24 ساعة كما هو الآن، بل كان اليوم يقدر بمئات أو آلاف الملايين من السنين، وذلك قبل أن يخلق آدم. وذلك حتى يجد آدم المحبوب الأرض وإذا هي جنة. وليس من المعقول أن يظل الله يخلق العالم آلاف الملايين من السنين، ثم يخلق آدم ليعيش عدة سنين ويموت، بل أن عمر الإنسان الآن لا يتعدى 120 سنة. إذاً المنطق يقول أن الله خلق العالم فى آلاف الملايين من السنين، ثم خلق آدم ليحيا إلى الأبد.
  3. الله أوصى آدم أن يأكل من جميع شجر الجنة (تك16: 2). وكان من ضمن شجر الجنة شجرة الحياة (تك24: 3). إذاً كان المتاح أمام آدم أن يأكل من هذه الشجرة فيحيا إلى الأبد حسب إرادة الله.
  4. بعد الطوفان أعطى الله لنوح علامة قوس قزح كدليل على إرادته في أن يحيا الإنسان، وأن الله لن يعود يهلك العالم (تك9: 8 - 17) ولكننا نجد علامة قوس قزح موجودة حول العرش الإلهي في المنظر شبه الزمرد (رؤ3: 4). وإذا فهمنا أن الزمرد بلونه الأخضر يشير للحياة. يكون معنى وجود علامة قوس قزح حول العرش، أن إرادة الله للإنسان أن يحيا للأبد، وأنه أماته مرة، ولن يميته ثانية بعد أن يقوم في القيامة الثانية.
  5. حينما مات الإنسان كان الحل الإلهي بالفداء ليحيا الإنسان إلى الأبد فهذه إرادة الله، التي لابد وستنفذ.

السقوط والموت:

الله خلق الإنسان حراً، والإنسان بحريته سقط في الخطية، لأن آدم إختار أن يأكل من شجرة معرفة الخير والشر التي أوصاه الله أن لا يأكل منها (تك17: 2)، وكان ذلك بدلاً من أن يأكل من شجرة الحياة. وكان الأكل من شجرة معرفة الخير والشر يعنى تذوق الشر، ولضعف جسده أحب الشر وفى هذا إنفصال عن الله والله حياة، وفى الإنفصال عن الله موت. لذلك مات آدم، كما حذره الله، ليس لأن الله يريد لآدم أن يموت، بل لأن آدم بحريته إختار طريق الموت، كما نقول في القداس الغريغوري "أنا إختطفت لي قضية الموت". كان هذا لأن آدم خُلِقَ حراً، وبحريته كانت له إرادة غير إرادة الله (مت37: 23). وبهذا ما عاد آدم قادراً أن يحيا حياة أبدية، بل فقد القدرة على أن يصنع البر، كل هذا لإنفصاله عن الله الحي القدوس البار. وبهذا فسد الجنس البشرى (رو12: 3).

والخطية سببت اللعنة. "ملعونة الأرض بسببك" (تك17: 3). هذه لآدم وأما قايين فكانت عقوبته أشد "ملعون أنت من الأرض" تك11: 4. ولذلك سمعنا أن آخر كلمات العهد القديم كانت "لعن" (ملا6: 4). والمعنى أن الله خلق حياة وفرح (معنى جنة عدن، جنة الإبتهاج) وبسبب خطية الإنسان دخلت اللعنة.

ويقول بولس الرسول "لأن الجميع قد أخطأوا..." (رو3: 23 - 24). وقوله الجميع يشير أنه لا يوجد استثناء، فكل أولاد آدم صارت لهم طبيعة خاطئة. ففي البداية كانت الطبيعة البشرية مخلوقة بلا عيب وبدون أي خطيئة، فالله خلق آدم بلا دنس، خلقه كاملاً بلا عيب، ولديه الإرادة والإمكانية الحرة لكى يحيا حياة مقدسة فى الجنة، ولكن بخطيئته صارت طبيعته مريضة فاسدة، وصارت طبيعتنا مريضة وخاطئة وفاسدة لأنها نابعة من طبيعة جسد المعصية الأول. وصار الإنسان غير قادر من تلقاء نفسه أن يتمم ناموس الله أو أن يسلك فى البر، لذلك إحتاج الإنسان لطبيب يشفى طبيعته.

وهذا الذي حدث للإنسان شرحه السيد المسيح في مثل السامري الصالح. لقد صار الإنسان الساقط كمن تركه اللصوص (الشياطين) على قارعة الطريق بين حي وميت (لو30: 10) مطروحاً، عاجزاً، مجروحاً غير قادراً أن يصعد مرتفعات البر كما كان قبلاً، حتى أتى المسيح الذي هو الطبيب الشافي، السامري الصالح، ووضعه فى فندق (الكنيسة) وصار تحت العلاج، يُكمّل البر بمعونة النعمة الشافية التي شفت طبيعته، فأصبح قادراً أن يصنع البر تلقائياً بطبيعته الجديدة المتعافية.

ويقول داود النبي "أنا قلت يا رب إرحمنى، إشف نفسي لأني قد أخطأت إليك" (مز4: 41). فالنفس إعتلت وضعفت وفسدت وجرحت بالخطية. وصارت تحتاج لله الذى قال "أنا الرب شافيك" (خر26: 15). والمسيح أتى كطبيب ليشفى قائلاً: "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضـى لم آت لأدعـو أبراراً بل خطـاة" (مت9: 12 - 13).

إذاً دخل الموت واللعنة بسبب الخطية، ولكن الله لم يقف عاجزاً، فكان الفداء، وجاء المسيح ليموت ويقوم ويعطينا حياته نحيا بها حياة ابدية، وبهذا تكمل خطة الله الأزلية فى أن يحيا الإنسان للأبد، لقد إفتدانا المسيح من لعنة الناموس لننال البركة عوضاً عن اللعنة غل3: 13 - 14.

ولذلك أيضاً سمعنا الوعد "من يغلب يأكل من شجرة الحياة"، هذه التي لم يأكل منها آدم فمات (رؤ7: 2) وهذه معناها أن كل من يختار المسيح تاركاً شرور هذا العالم يعطيه الله أن يأكل من شجرة الحياة، أي يحيا إلى الأبد. لذلك نجد أن آخر آيات الكتاب المقدس "آمين تعال أيها يسوع" (رؤ21: 22) فبمجيئه الثاني تبدأ حياتنا الأبدية في السماء وتنفذ إرادة الله. ونلاحظ أن الفداء أعطانا الحياة الأبدية على مرحلتين: -.

الأولى: هي ما يسمى بالقيامة الأولى، فيها نحيا على الأرض، وفيها نقوم من موت الخطية (يو25: 5). ولكن وسط ضيق العالم، هذا الذي يستخدمه الله في أن يؤدب أولاده فيكون لهم نصيب في القيامة الثانية.

الثانية: وهذه تأتى بعد مجيء المسيح الثاني للدينونة، وفيها تكون القيامة العامة التي بعدها ندخل السماء في المجد ونحيا للأبد.

ونلاحظ أن الفترة منذ سقوط الإنسان وحتى المجيء الثاني الذي يأتي المسيح فيه للدينونة، أى الفترة التي نعيشها على الأرض في ضيق لا تتعدى بضعة آلاف من السنين، وهذه الآلاف من السنين هي لا شئ بالنسبة للأبدية اللانهائية. وكأن خطة الله في أن يحيا الإنسان للأبد لم تتعطل سوى فترة بسيطة جداً. وهذا ما عبر عنه إشعياء النبي بقوله "لحيظة تركتك وبمراحم عظيمة سأجمعك" (أش7: 54).

"بفيضان الغضب حجبت وجهي عنك لحظة وبإحسان أبدى أرحمك قال وليّك الرب" (إش8: 54).

هذه اللحيظة المذكورة في إشعياء، هي فترة الآلام والضيق والموت الجسدي الذي عانى منه الإنسان منذ سقوط آدم وحتى المجيء الأول للمسيح الذي به بدأت مراحم الله التي ستكمل بالمجيء الثاني.

اللعنة والبركة.

بسبب خطية آدم سمع آدم قول الله "ملعونة الأرض بسببك" (تك3: 17 - 19). فما هي لعنة الأرض؟ لسنا نعلم تماماً أبعاد هذه اللعنة، لأننا لم نرى الأرض في طبيعتها الجميلة قبل أن تلعن. لكن لنا أن نتصور أن الله كصانع خيرات لا يمكن أن يخلق سوى جنة كلها فرح، فكلمة "عدن" تعنى إبتهاج وفرح. إذاً كل ما نراه الآن من أشياء أليمة هو من آثار اللعنة… مثل الأمراض، الأوبئة، الزلازل، البراكين، الفيضانات المهلكة، الحر والبرد الشديدين وهما يهلكان المزروعات، الآفات الزراعية كالحشرات، التصحر والجفاف. ونرى قبل كل هذا فساد الجنس البشرى الذي رأيناه في صورة وحشية حين قتل قايين أخوه هابيل. ثم رأينا بعد ذلك أن هذا الطبع الوحشي الذي صار للإنسان بسبب خطيته قد إنعكس على الحيوانات التي صار لها طبيعة وحشية. وربما بسبب طبع الإنسان الوحشي سمح له الله بأن يأكل اللحم (تك3: 9) بعد أن كان قد أعطاه ثمار الأرض فقط ليأكل (تك29: 1). وكان هذا أيضاً طعام الحيوانات (تك30: 1). من هذا نرى أن فساد الجنس البشرى إمتدت آثاره لكل الخليقة الجامدة بل والحيوانية. قد يفسر البعض هذه الآثار تفسيراً علمياً كالزلازل.. وكالحشرات التي تصيب المزروعات، ولكن لو راجعنا سفر حجى النبي لرأينا، أن كل هذه ما هي إلا عقوبات في يد الله يستعملها ضدنا حين نخطئ.

لذلك يقول بولس الرسول كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت (رو12: 5). نقول كأنما يعنى أن ما يظهر أمامنا ونلمسه من آثار الخطية هو الموت. ولكن أثار الخطية هي أبعد من هذا بكثير، فهناك ما يمكننا أن ندركه، وهناك أيضاً ما لا يمكننا أن ندركه.

ولقد شرح بولس الرسول هذا بطريقة أخرى حين قال "إن الخليقة أخضعت للبُطل" (رو20: 8). ونرى في (رو8: 20 - 22) أنه حين يستعلن المجد في أولاد الله ستتجدد الخليقة وستعتق من عبودية الفساد، هذا الفساد كان إنعكاساً لفساد الإنسان الذي كان بسبب الخطية.

وكما إمتدت آثار اللعنة بسبب خطية الإنسان، هكذا إمتدت آثار بركة الصليب. هذه البركة التي أتى بها المسيح بعد أن إفتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا (غل13: 3). فكان للمؤمنين البنوة والميراث الأبدي، والبركة في حياتهم على الأرض... إلخ.

بل رأينا بركة القديسين تمتد لتبارك الأرض وتغيّر طبيعة الوحوش:

  1. شاول الطرسوسي تغيرت طبيعته الوحشية فصار بولس الرسول.
  2. شعب روما الذي كان يتلذذ بإلتهام الوحوش للناس، تحول لكنيسة روما.
  3. قيل أنه بسبب الأنبا بولا كان الله يفيض مياه النيل.
  4. تحول الثعبان فى مغارة الأنبا برسوم العريان إلى حيوان أليف، فقد وحشيته.

لقد صارت البركة تشع من القديسين وتمتد آثارها فيما حولها، كما كانت آثار اللعنة والخطية تمتد وتشع وتخرب ما حولها.

وبعد المسيح صار طريق الخطية واللعنة والموت أو طريق البر والحياة والإيمان بالمسيح متاح لكل إنسان (تث30: 19 - 20).

صار لعنة لأجلنا:

هذه تشبه "والكلمة صار جسداً" (يو14: 1) أي اللاهوت صار جسداً وهذه لا تعنى تحولاً للاهوت إلى جسد، بل تعنى أن ما صار ظاهراً أمامنا هو الجسد. وحين يقال أن المسيح صار لعنة لأجلنا فهذا يعنى أنه وهو القدوس البار الذي بلا خطية، صار ظاهراً أمامنا لابساً اللعنة فهو مصلوب، والكتاب يقول "ملعون كل من علق على خشبة" (غل13: 3) + (تث23: 21). حاملاً على رأسه إكليل شوك، والشوك من آثار الخطية ولعنتها (تك18: 3)، والمسيح عروه على الصليب، والعرى من أثار الخطية (تك7: 3). إذاً حين قال بولس الرسول "كأنما بخطية واحد..." (رو12: 5). كان الرسول يعّبر بتواضع عن عدم فهمه تماماً لكل آثار الخطية وإنعكاسها على الأرض والخليقة، وكل الفساد الذي حدث. إن الكون يحوى قوى وحقائق لا نعرف عنها إلا القليل ولعل بينها تأثير الفرد في الآخرين وفى البيئة. سواء كان هذا بخطية الفرد أو بقداسة الفرد.

فالقداسة تنتقل تأثيراتها للغير كما رأينا، وكما نعرف أن شفاعات القديسين واضحة للجميع، وصلوات البعض تأثيرها يمتد للآخرين.

وكان إصلاح فساد الجنس البشرى بتجسد المسيح الذي أعطى جسده للبشر قوة النصرة على الشر الذي فيهم وفى العالم، وصار يخلق في البشر طبعاً جديداً يرتقى إلى الحياة كاملة النقاء في الأبدية. أما الذين يرفضون فعله فيسكنهم الشر والقلق "لا سلام قال الرب للأشرار" (إش22: 48).

ماذا قدم المسيح لنا؟

1 - الفداء:

يقصد به دفع الثمن أو البديل. وهذا ما حدث على الصليب. والكلمة تشير في معناها للمبلغ المدفوع فداء عن شخص. والمعنى هنا قيام الرب يسوع بالموت عن البشرية. ذلك لأن الموت الأبدي دخل إلى البشرية بالخطية التي إمتزجت بها. والجسد الذى أخذه الرب كان كاملاً له روح وجسد وكان واحداً مع اللاهوت اللامحدود، فصار الإله المتأنس أى الذى له كل صفات الإنسان. وغير محدود لإتحاد اللاهوت بالناسوت. فلما مات هذا الإنسان كان قادراً في لا محدوديته أن يكون بديلاُ للبشرية كلها.

فكانت خطية الإنسان غير محدودة لأنها كانت في حق الله والله غير محدود لذلك ما كان يمكن لإنسان أو ملاك أن يفدى آدم وذريته، لأن كل ذرية آدم أخطأوا، بل ولدوا بالخطية، والملائكة محدودة. ولا يوجد غير محدود، وبلا خطية غير الله، وما كان ممكناً أن يفدى الإنسان سوى إنسان مثله. لذلك كان التجسد.

وعن هذا الفداء كانت النبوات:

من يد الهاوية أفديهم، من الموت أخلصهم (هو 14: 13).

الأخ لن يفدى الإنسان... إنما الله يفدى نفسي (مز49: 15، 7).

الرب قد فدى يعقوب وفى إسرائيل قد تمجد.. هكذا يقول الرب فاديك (إش 6: 44، 23، 24).

2 - الكفارة.

لقد تعرى الإنسان بالخطية وإفتضح. والله ستر على آدم بأقمصة من جلد. والجلد أخذه آدم من حيوان قدمه ذبيحة، أخذ الله جلدها وألبسه وكان هذا ليعطى الله فكرة عن المسيح القادم ليقدم نفسه على الصليب ذبيحة ليسترنا ويغطينا. وكلمة كفارة معناها تغطية.

والمسيح يسترنا بإتحادنا فيه وإستتارنا فيه، هنا نرى الفادى قد إتحد بالمفتدَى. ومن يستره المسيح بأن يثبت في المسيح لا يعود الآب يراه في ضعفه وخطيته، بل يرى المسيح الذي يغطيه فيخلص، لذلك يطلب منا المسيح "أثبتوا فيّ وأنا فيكم" (يو4: 15) فهذا هو طريق الخلاص. والله سبق وشرح فكرة الكفارة بوضوح في طقوس يوم الكفارة، حيث يرش دم ذبيحة الكفارة على غطاء تابوت العهد المسمى بكرسي الرحمة فيكفِّر عن الشعب لتطهيرهم من جميع خطاياهم (لا 30: 16).

3 - التبرير.

الفداء = المسيح يموت بدلاً منا.

الكفارة = المسيح يسترنا ويغطينا بأن يوحدنا فيه = صولحنا مع الله بموت أبنه.

التبرير = المسيح يعطينا حياته لنعيش أبراراً أي نكتسب بر المسيح أي بعد أن إستترنا في المسيح لبسنا رداء بره إذ تجددت طبيعتنا، وصرنا نسلك في البر بسهولة بحياته التي أعطاها لنا.

وهكذا أصلح المسيح البشرية التي فسدت بالخطية، بعد أن عجز الناموس عن أن يبرر اليهود وعجز الضمير عن أن يبرر الأمم.

المسيح إنتصر على الموت وقام بحياة منتصرة. هذه الحياة أعطاها لنا لننتصر على الخطية ونسلك فى البر. وهذا معنى نخلص بحياته (رو10: 5).

وهذا التبرير تنبأ عنه إشعياء "بالرب يتبرر ويفتخر كل..." (إش 25: 45) "قد قربت برى. لا يبعد وخلاصى لا يتأخر" (إش 13: 46) "أما خلاصي فإلى الأبد يكون وبرى لا ينقض" (إش 6: 51) وقوله برى يعنى أن البر هنا هو بر الله وليس بر الإنسان الذاتي.

إذاً نحن صولحنا مع الله بموت إبنه (رو 10: 5) وذلك بالفداء والكفارة أي بإتحاد الفادى بنا، ثم صرنا نسلك بالبر وأصلحت طبيعتنا إذ أعطانا المسيح حياته التي قام بها من الموت فصرنا "نخلص بحياته" (رو10: 5).

والكتاب المقدس يدور حول محور واحد.

هو إصلاح البشرية التي فسدت بالخطية. ولنلقى نظرة سريعة على قصة الكتاب المقدس: -.

  1. أسفار موسى: - نرى فيها أن الله يخلق الإنسان ليحيا للأبد، ثم يخطئ الإنسان فيموت، فيرسل له الله مخلصاً (رمزاً للمسيح). ويخلص الشعب من العبودية بخروف الفصح (الصليب) ويعبرون البحر (المعمودية) ويأكلون المن (الإفخارستيا) ويشربون شراباً روحياً (حلول الروح القدس).

كل هذا شرحه بولس الرسول فى (1كو10: 1 - 6 + 1كو5: 7 - 8). ثم يكون توهان الشعب في البرية هي قصة حياتنا على الأرض التي تنتهي بدخولنا إلى كنعان السماوية عبوراً بنهر الأردن (الموت).

2. الأسفار التاريخية: - نرى فساد الشعب إذ لم يكن ملك يحكم الأرض (قض 1: 19 و25: 21). ثم تتكون المملكة. رمزاً للملكة التي كونها المسيح.

3. الأسفار الشعرية: - نرى فيها علاقات المؤمن بالله وبالعالم ففي الأمثال نرى كيف نتصرف بحكمة، وفى الجامعة نرى بطلان العالم، وفى النشيد نرى الحب بين الله والنفس المؤمنة، وفى سفر أيوب نرى تأديب الله للنفس. لكن علينا أن نحيا بروح الصلاة (المزامير).

4. الأسفار النبوية: - يمكن تلخيصها في إظهار فساد الشعب رمزاً لفساد الجنس البشرى. ولكن دائماً هناك رجاء في مخلص يأتي.

5. ثم يأتي العهد الجديد لنرى يسوع المخلص الفادي الذي تجسد ومات وقام ليعطينا حياته، ومن يسمع صوته تكون له الحياة أو ما يسمى بالقيامة الأولى (يو 25: 5). ويسوع هذا هو الذي سوف يأتي ليدين العالم وبمجيئه الثاني تبدأ الحياة الأبدية في المجد، هذه التي يشتهيها كل مؤمن، وبها تتحقق إرادة الله في أنه خلق الإنسان ليحيا للأبد. هذا ما جعل يوحنا يصرخ في رؤياه "آمين تعال أيها الرب يسوع" حينما سمع السيد المسيح يقول "أنا آتى سريعاً" (رؤ 20: 22).

البر وشفاء الطبيعة القديمة:

"تدعون إسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم (مت21: 1). وهكذا نرى أننا لا نستطيع أن نخرج من حالة العرج والكساح والجراح المتقيحة إلى حالة الشفاء التام والعودة إلى المشي الطبيعي إلاّ بدوام تلقى المعونة والعناية من الطبيب السماوي. لأن الطبيب لا يكتفي بأن يجعل الجراح تلتئم، بل يعطى للمريض عناصر ضرورية لكمال صحة جسده بوجه عام، وطريقة تغذيته من الطعام كي تستمر حالة الشفاء التي وصل إليها، إن عناية الله الصالحة تمد كل من يعيش في الجسد بكل العناصر والوسائل التي يستخدمها الطبيب في عملية الشفاء. إن شفاء الله لنا ليس فقط في كونه يمحو خطايانا التي ارتكبناها، ولكن بالأكثر كي يجعلنا نتجنب السقوط في الخطيئة أيضاً.

وكون الإنسان غير قادر من نفسه على أن يلتزم بالناموس فهذا يتضح من قول بولس الرسول "إن كان بالناموس بر فالمسيح إذاً مات بلا سبب" (غل21: 2). ولكن المسيح مات ليعطيني أن أموت معه عن طبيعتي القديمة، وقام لكي أقوم معه بطبيعة جديدة. وهذا ما يتم في المعمودية. وبعد أن يحل الروح القدس على المعمد في سر الميرون يعطى الروح القدس للمؤمن أن يثبت في هذه الحياة الجديدة، وهى حياة المسيح، ويعطيه أن تكون له حياة المسيح، وتكون له قوة ليسلك في البر. بل يعطيه إرادة قوية ليسلك في هذه الحياة الجديدة، فإرادة الإنسان ليست كافية وحدها كي يتجنب الإنسان السقوط في الخطايا، بل أن تلك الإرادة نفسها تحتاج إلى سند ومعونة من النعمة الإلهية، لذلك يقول بولس الرسول "الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة" (فى13: 2). عمل الروح القدس هذا المبنى على أساس فداء المسيح هو ما يسمى بالنعمة ولكن النعمة لا تلغى حرية إرادة الإنسان. ولذلك يجب على كل مؤمن أن: -.

  1. يجاهد ويضبط شهواته ولسانه وأفكاره.
  2. يصرخ طالباً المعونة الإلهية في صلاة بلا إنقطاع.

حقاً إن الله هو الشافي لطبيعتنا ولكن علينا أن نعمل نحن قدر إستطاعتنا كما يقول بولس الرسول "إننا عاملون معه" (2كو1: 6). ونلاحظ أن النعمة لا تلغ حرية الإنسان، بل هي لمن يطلبها ويستخدمها بإرادة متضعة غير مفتخر لا بقوته ولا بقدرته بل بالله الذي يرحم.

إذاً بر الله ليس هو في وصايا الناموس التي تبث الخوف كما من مؤدب (غل24: 3). والتي يقف أمامها الإنسان شاعراً بعجزه عن أن يتممها (أع10: 15). بل بر الله هو في الطبيعة الجديدة التي يعطيها الله لأولاده. وهذه الطبيعة الجديدة تجد السند والمعونة من نعمة المسيح التي بها يستطيع الإنسان تكميل وصايا الناموس. هذه النعمة هي التي تعطينا أن نصير أولاداً وأبناءً لله. "أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله" (يو12: 1). الأمر الذي لم يكن عليه الإنسان بحسب الطبيعة، ولا يمكن أن يبلغه إطلاقاً ما لم يكن قد أخذ سلطاناً بالنعمة بعدما قبل المسيح، وبهذه النعمة تصير له طبيعة جديدة. وما يميز هذه الطبيعة الجديدة، المحبة، المحبة التي يسكبها فينا الروح القدس المعطى لنا (رو5: 5). والمحبة إن وُجدت تكون لله ولكل إنسان حتى لأعدائنا، وتكون علامة على حصولنا على الطبيعة الجديدة. لأن المحبة لا يمكن الحصول عليها بطبيعتنا القديمة ولا بإمكانياتنا البشرية، هي عطية من الروح القدس. فالروح القدس هو الذي يغير طبيعتنا، ويعين ضعفاتنا ويسند إمكانياتنا، ويشفى طبيعتنا المريضة التي ولدنا بها من آدم. بالخطية ولدتني أمي (مز5: 51). وهو العامل في الأسرار المقدسة التي تثبتني في المسيح وهو الذي يبكتني إن أخطأت (يو8: 16). بإختصار هو الذي يثبتني في المسيح فتكون لي حياة المسيح فأخلص. لذلك فالروح القدس هو نعمة النعم. الروح القدس هو نعمة الله الذي بربنا يسوع المسيح. الروح القدس هو يعطى معونة وقوة لنسلك في الحياة الجديدة التي هي حياة المسيح. فهو الذي يعين ضعفاتنا رو26: 8.

في المسيح:

هو تعبير يستخدمه بولس الرسول كثيراً. وهذا التعبير متفق مع قول السيد المسيح "إثبتوا فيّ وأنا فيكم.. الذي يثبت فيّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير" (يو15: 4 - 5). وهذا التعبير يعنى عند بولس الرسول أننا بالمعمودية صرنا أعضاء في جسد المسيح. كلنا صرنا جسد واحد هو جسد المسيح، والمسيح هو الرأس "وهو رأس الجسد الكنيسة" (كو18: 1).

لأننا جميعاً بروح واحد إعتمدنا إلى جسد واحد (1كو13: 12) (أى دخلنا في جسد المسيح وأصبحنا فيه بالمعمودية) وجميعنا سقينا روح واحد (هذا عن حلول الروح القدس في سر الميرون). وقوله سقينا عن حلول الروح القدس متفق مع قول المسيح "إن عطش أحد فليقبل إلىّ ويشرب.. من آمن بي كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حي. قال هذا عن الروح" (يو7: 37 - 39). إذاً كل مؤمن إذ يعتمد يصبح عضواً فى جسد المسيح. وكل الأعضاء تتكامل معاً لتكوِّن جسد المسيح، وكما أن للجسد البشرى أعضاؤه (يد / رجل / أنف.. ولكل منها وظيفة تكمّل الأخرى) هكذا جسد المسيح مكون من أعضاء، ولكل عضو موهبته وعمله المكلّف به (أف10: 2 + 1كو12: 4 - 30 + أف4: 11 - 12). إذاً الكنيسة كيان متكامل والمسيح هو الرأس.

لأننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه (أف30: 5).

أما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفراداً (1كو27: 12).

ومن هو في المسيح فهو قديس. "إلى كنيسة الله التي في كورنثوس المقدسين في المسيح يسوع" (1كو2: 1 + فى1: 1). وفى المسيح ننال كل نعمة "نعمة الله المعطاة لكم فى يسوع المسيح. إنكم في كل شئ إستغنيتم فيه.." 1كو1: 4 - 5. وطالما نحن فى المسيح يسوع فلقد صارت أعضاؤنا هي أعضاؤه هو. "ألستم تعلمون أن أجسادكم هى أعضاء المسيح. أفآخذ أعضاء المسيح وأجعلها أعضاء زانية حاشا" (1كو15: 6). لذلك فالزانى يخطئ فى حق جسد المسيح (1كو18: 6). وبنفس المفهوم يقول الرسول "وأما نحن فلنا فكر المسيح" (1كو16: 2). ومن هو فى المسيح فهو له الطبيعة الجديدة "إذاً إن كان أحد فى المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو17: 5). ولاحظ تكرار الفكرة فى (أف1: 1 - 14). "المؤمنين فى المسيح يسوع... الذى باركنا بكل بركة روحية فى السماويات فى المسيح... كما إختارنا فيه... إذ سبق فعيننا للتبنى بيسوع المسيح... الذى فيه لنا الفداء بدمه... الذى فيه أيضاً نلنا نصيباً... الذى فيه أيضاً إذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس".

وفى (أف10: 2) "لأننا نحن عمله مخلوقين فى المسيح يسوع لأعمال صالحة..". وفى (أف2: 21 - 22). "الذى فيه كل البناء مركباً معاً ينمو هيكلاً مقدساً فى الرب الذى فيه أنتم أيضاً مبنيون معاً مسكناً لله فى الروح".

ولاحظ هذه الآيات "يسلم عليكم فى الرب كثيراً أكيلا وبريسكلا" (1كو19: 16). "محبتى مع جميعكم فى المسيح يسوع" (1كو24: 16) + "أمام الله فى المسيح نتكلم" (2كو19: 12). فالرسول بولس يرى أن أى علاقات بين الأعضاء هى من خلال ثباتهم فى المسيح، حتى السلام وعلاقات المحبة، والكلام. هذا لأنه إن لم نكن ثابتين فى المسيح يسوع فسلامنا لبعضنا البعض ومحبتنا بل وكلامنا سيكون خالياً من المحبة، وسيكون غاشاً. وبنفس المفهوم نسمع الرسول يقول "أشتاق إلى جميعكم فى احشاء يسوع المسيح" (فى8: 1). ونسمع أنه لا فرح إلا فى المسيح "إفرحوا فى الرب" (فى4: 4).

ونسمع فى (1كو1: 3) قوله لأهل كورنثوس أنهم "أطفال فى المسيح" (1كو1: 3). فالمؤمن يولد فى المعمودية ويصير بهذا فى المسيح، ويبدأ كطفل فى المسيح ثم ينمو وينمو. وهذا ليس عجيباً، ألم يكن المسيح نفسه ينمو فى الحكمة والقامة والنعمة ويتقدم فيهم (لو40: 2، 52). وراجع الآيات (2تس3: 1 + 2كو15: 10 + أف15: 4 + 1تس10: 4).

ولكن ثباتنا فى المسيح له شروط نسمع عن أحدها فى (غل6: 5، 15: 6) "لأنه فى المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة، بل الإيمان العامل بالمحبة". مما سبق نرى أن بولس الرسول يرى أنه بالمعمودية نصير أعضاء ثابتة فى المسيح، كل عضو له عمل وله مواهب. بل كل واحد فينا، أعضاؤه هى أعضاء المسيح، نحن أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه، بل صار لمن هو ثابت فى المسيح، فكر المسيح. بل العلاقات بين الأعضاء لا تكن صحيحة إلاّ لو كنا فى المسيح، حتى السلامات والإشتياقات. وأن المؤمنين مقدسين طالما هم فى المسيح. وقطعاً نحن بثباتنا فى المسيح يسوع إبن الله نصير أبناء لله. وبإتحادنا فى المسيح يحل علينا الروح القدس.

ومن هو فى المسيح يتحول إلى صورة المسيح "يا أولادى الذين أتمخض بكم أيضاً إلى أن يتصور المسيح فيكم" غل19: 4 + "لأن كلكم الذين إعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح" (غل27: 3) + "بل البسوا الرب يسوع المسيح ولا تصنعوا تدبيراً للجسد لأجل الشهوات" (رو14: 13) + "ولبستم الجديد الذى يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه" (كو10: 3) ومن يكون له صورة المسيح هنا على الأرض، ستكون له صورة المسيح فى مجده فى السماء (1يو2: 3) وكل من يلبس المسيح إبن الله فإنه يصير بإتحاده بإبن الله، إبناً لله. له صورة المسيح. وهذه العطية، عطية البنوة لله تعطى بالروح القدس إذ هو روح التبنى (رو8: 15 - 17 + غل4: 4 - 7). وهو روح التبنى إذ أنه يثبتنا فى المسيح الإبن (2كو21: 1) "ولكن الذى يثبتنا معكم فى المسيح وقد مسحنا هو الله" "والروح أيضاً يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله" (رو16: 8) وحينما يشهد لنا الروح أننا أولاد الله نصرخ للآب قائلين "يا آبا الآب" (غل6: 4). والأبناء يرثون الأمجاد مع إبن الله الذى صار وارثاً لكل شئ لأجلنا (رو17: 8 + غل7: 4 + عب2: 1).

ماذا يعنى إثبتوا فىَّ وماذا يعنى وأنا فيكم:

1 إثبتوا فى = نحن فى المسيح.

خلق الله آدم وأخذ منه ضلعاً كون منه حواء وبهذا صارت حواء جزءاً من آدم. والأولاد هم جزء من آدم وجزء من حواء وبالتالى هم جزء من آدم.

آدم آدم رأس الخليقة.

آدم آدم وحواء الأولاد كل العالم.

وبهذا يكون آدم رأس الخليقة، فكل منا هو جزء من آدم، وطالما مات الأصل تموت الأجزاء. وبهذا يصير آدم رأس لجسد ميت.

المسيح رأس الكنيسة.

كل منا يصير فى المسيح.

الكنيسة.

المسيح أتى ليكون رأساً لجسد حى فكل منا ينتمى لجسد المسيح بالمعمودية. وبهذا يصير المسيح رأس للكنيسة. ويصير كل مؤمن معمد يسلك فى وصايا المسيح داخل هذا المثلث الجديد. وكل مؤمن معمد بهذا يصير فى المسيح. كل من هو فى داخل المثلث (جسد المسيح) يصير فى المسيح. وكل من هو فى المسيح يصير جزء من جسد المسيح. وتشبيه بولس الرسول أن كل منا هو عضو فى الجسد، فأحدنا رجل والآخر يد وهناك من هو عين وهكذا. راجع (1كو12) وكلنا نتكامل. فلكل واحد منا عمله الذى يتكامل مع عمل الآخرين. وهذا الجسد حتى إن مات أعضاؤه فسيقومون وتكون لهم حياة أبدية لأن المسيح أعطاهم حياته وهذا معنى وأنا فيكم.

2 وأنا فيكم = المسيح فينا.

المسيح مات وقام ليعطينا حياته. "لى الحياة هى المسيح" (فى21: 1).

"مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىّ" (غل20: 2).

"فبالأولى كثيراً ونحن مصالحون نخلص بحياته" (رو10: 5).

"والآن نحن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا" (رو11: 6).

لقد صرنا بذرة حية حتى لو دفنت فى الأرض، فبسبب الحياة التى فيها تخرج شجرة حية (1كو15: 35 - 38).

وإذا كان المسيح يحيا فينا فهو يستخدم أعضائنا كآلات بر (رو13: 6).

لذلك يقول بولس الرسول:

"ألستم تعلمون أن أجسادكم هى أعضاء المسيح. أفآخذ أعضاء المسيح وأجعلها أعضاء زانية" (1كو15: 6).

والحياة التى نأخذها هى حياة المسيح القائم من الأموات فالرسول يقول:

"لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته" (رو5: 6).

لذلك فالحياة التى نأخذها هى حياة أبدية فالرسول يقول:

"عالمين أن المسيح بعدما أقيم من الأموات لا يموت أيضاً. لا يسود عليه الموت بعد" (رو9: 6).

وهذه الحياة نأخذها بعد المعمودية مباشرة (رو4: 6).

وطالما هى هكذا فلماذا نحرم منها الأطفال إذا كانت ستعطيهم حياة أبدية.

كيف نصير فى المسيح:

هذا يتم بالمعمودية... "لأننا جميعاً بروح واحد إعتمدنا إلى جسد واحد" (1كو13: 12).

وما هى المعمودية؟

  1. "أم تجهلون أن كل من إعتمد ليسوع المسيح إعتمدنا لموته. فدفنا معه بالمعمودية للموت. حتى كما أقيم المسيح من الأموات هكذا نسلك نحن أيضاً فى جدة الحياة لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته. عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلِب معه ليبطل جسد الخطية كى لا نعود نستعبد أيضاً للخطية. لأن الذى مات قد تبرأ من الخطية. فإن كنا قد متنا مع المسيح نؤمن أننا سنحيا أيضاً معه" (رو6: 3 - 8).
  2. "مدفونين معه فى المعمودية التى فيها أقمتم أيضاً معه بإيمان عمل الله الذى أقامه من الأموات. وإذ كنتم أمواتاً فى الخطية وغلف جسدكم أحياكم معه مسامحاً لكم بجميع الخطايا" (كو2: 12، 13).
  3. "وهكذا كان أناسُُ منكم لكن أغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم بإسم الرب يسوع وبروح إلهنا" (1كو11: 6).
  4. "ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه لا بأعمالٍ فى بر عملناها بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس الذى سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا" (تى4: 3 - 6).
  5. مما سبق نفهم أن المسيح مات على الصليب ليحمل خطايانا، ولكن من الذى يستفيد من الصليب؟ أحد الشروط هو المعمودية. فمن يعتمد يموت مع المسيح ومن مات لا تحتسب له خطية، وذلك حتى فى القانون المدنى، فمن يموت أثناء محاكمته تنتهى وتسقط القضية بالنسبة له. ومن مات فى المعمودية يتبرأ إذن من كل خطاياه السابقة. بل يقوم بحياة جديدة، وطالما هو متحد بالمسيح رو5: 6 تصير حياته الجديدة هى حياة المسيح القائم من الأموات، وبهذا يصبح عضواً مبرراً ومقدساً فى جسد المسيح. وهذا ما يصنعه الروح القدس فى سر المعمودية فهو يعطينا أن نموت مع المسيح ونقوم ثابتين فى المسيح، لأننا جميعاً بروح واحد إعتمدنا إلى جسد واحد 1كو13: 12. لذلك تسمى المعمودية ولادة من الماء والروح يو5: 3. وكما كان الروح يرف على المياه فخرجت منها حياة فى بدء الخليقة تك2: 1 هكذا الآن، فالروح يرف على مياه المعمودية فيخرج المعمد منها وله حياة جديدة، وهذا معنى "جدة الحياة" رو4: 6.
  6. "لأنه إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت إبنه فبالأولى كثيراً ونحن مصالحون نخلص بحياته" (رو10: 5).
  7. ومعنى هذا أننا نتصالح مع الله إذ تغفر خطايانا وتسقط عنا، وهذا يتم لنا بالمعمودية، إذ يصلب الجسد العتيق مع المسيح ويموت. ولكن الموت مع المسيح فى المعمودية لغفران الخطية هو نصف الحقيقة. أما النصف الآخر فهو أننا نقوم مع المسيح، ويعطينا المسيح حياته، وهذا معنى نخلص بحياته. وهو حين يعطينا حياته فهو يعطينا أن نسلك كما سلك هو، أى نسلك فى بر، إذاً هو يعطينا حياته وبره. المسيح يعطينا أن نقوم معه فى حياة جديدة مقامة معه. فنحن ندفن مع المسيح بالمعمودية، أى يدفن إنساننا العتيق ونخرج من مياه المعمودية مشتركين فى قيامة المسيح لنسلك فى الحياة الجديدة التى ظهرت أولاً فى قيامة المسيح رأس الخليقة الجديدة. وكون أن المسيح يعطينا حياته لنحيا بها يشرحها بولس الرسول هكذا: -.
  8. "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ" (غل20: 2) + "لى الحياة هى المسيح" (فى21: 1) وهذا هو معنى أننا نخلص بحياته. ولكن نفهم أيضاً "نخلص بحياته" على أنها تعنى أن المسيح هو حى عن يمين الآب يشفع فينا. هو حى بجسده الذى أخذه من البشر (رو34: 8).
  9. ولكن شفاعة المسيح هى للمؤمن التائب (1يو2: 1 - 2). وكانت هذه دعوة يسوع.. "توبوا" (مت17: 4). وشفاعة المسيح عنا ليست صلاة للآب، بل مجرد وجوده بجسده أمام الآب فيه شفاعة كاملة 1تى5: 2 + عب10: 19 - 22.
  10. "مع المسيح صلبت" (غل20: 2) إذاً حتى يكون لى حياة المسيح، يجب أن أصلب شهواتى (غل24: 5).

هل المعمودية تعطى موتاً تاماً للإنسان العتيق؟

  1. قطعاً هذا لا يحدث وإلا لإنتفت حرية الإنسان. فبالمعمودية يموت الإنسان العتيق ولكن أنا لى كل الحرية لأحييه من جديد، وأيضاً لى القوة أن أبقيه ميتاً، وهذه القوة يعطيها الروح القدس ونسميها النعمة.
  2. فالإنسان العتيق يستمر فى مشاغباته، ويظل الجسد بشهواته مقاوماً لعمل الروح، وهذا لا ينتهى سوى بالموت. حقاً النعمة تعطينا قوة جبارة تجعل شهوات الجسد كأنها ميتة، ولكن أى تهاون من الإنسان فى جهاده أو أى إستهتار وتهاون مع الخطية يجعل شهوات الجسد تثور داخله، لذلك يقول الرسول:
  3. "أما أنا فجسدىٌ مبيع تحت الخطية.. لست أفعل ما أريده بل ما أبغضه فإياه أفعل. فالآن لست بعد أفعل ذلك أنا بل الخطية الساكنة فيّ. ويحى أنا الإنسان الشقى من ينقذنى من جسد هذا الموت" (رو14: 7 - 24).
  4. "وإنما أقول أسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد. لأن الجسد يشتهى ضد الروح والروح ضد الجسد، وهذان يقاوم أحدهما الآخر، حتى تفعلون ما لا تريدون" (غل5: 16 - 17).
  5. وبنفس المفهوم فنحن بالمعمودية نصبح أولاداً لله، ولكن نسمع فى (رو23: 8) وليس هكذا فقط بل نحن الذين لنا باكورة الروح نحن أنفسنا أيضاً نئن فى أنفسنا متوقعين التبنى فداء أجسادنا. فما حصلنا عليه حتى الآن من الروح القدس، إنما هو باكورة أو عربون، وما حصلنا عليه من تبنى هو أيضاً باكورة أو عربون، فإبن الله الكامل لا يخطئ (1يو9: 3). ولكننا مازلنا ونحن فى الجسد لابد وأن نخطئ (1يو8: 1).
  6. ونرى فى الآيات الآتية أننا حصلنا على الروح القدس. "الذى ختمنا أيضاً وأعطى عربون الروح فى قلوبنا" (2كو22: 1) + (2كو5: 5) وأيضاً "ختمتم بروح الموعد القدوس الذى هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى" (أف1: 13 - 14). ولاحظ أن بولس يوجه كلامه لأهل غلاطية وهو معمدين، بل قال لهم فى (غل5: 3) "فالذى يمنحكم الروح ويعمل قوات فيكم..." فالرسول يوجه كلامه إلى مسيحيين منحهم الله روحه القدوس. إذاً فهم معمدين. ومع ذلك يقول لهم أن الجسد يشتهى ضد الروح ويقاوم الروح.. حتى تفعلون ما لا تريدون (غل17: 5). ومعنى الجسد هنا طبعاً ليس مادة الجسد، فأنها صالحة فى حد ذاتها وإلا لما أتخذ المسيح له جسداً مثلنا. ولكن المقصود هو العثرات الجسدانية التى لا يقدر الإنسان أن يتحرر منها لا بتداريب المتنسكين ولا بأعمال الإماتة، ولا حتى بالموت نفسه، فالخلاص منها لا يكون إلا بنعمة المخلص يسوع المسيح. هذا هو معنى "الجسد" بحسب ما قصد الرسول بولس أن يبينه فقال "ولكنى أرى ناموساً آخر فى أعضائى يحارب ناموس ذهنى ويسبينى إلى ناموس الخطيئة الذى فى أعضائى" (رو23: 7). ونلاحظ أنه يتكلم بصيغة الفعل المضارع وليس الماضى. فالحاضر هو الذى يضغط عليه وليس ذكريات الماضى. أنه يرى الناموس الآخر لا يحارب فقط، بل يسبى قسراً إلى ناموس الخطيئة الكائن (وليس الذى كان) فى أعضائه (رو23: 7). ومن ثم صرخ "ويحى أنا الإنسان الشقى، من ينقذنى من جسد هذا الموت" (رو24: 7).
  7. إذاً قول بولس الرسول "الجسد يشتهى ضد الروح" (غل17: 5) المقصود به أعمال الجسد وليس مادة الجسد، أى الأعمال التى تصدر عن الأهواء الجسدانية أو نقول مباشرة أنها الخطيئة المذكورة فى (رو12: 6) "إذاً لا تملكن الخطيئة فى جسدكم المائت كى تطيعوها فى شهواته" (رو12: 6). فالشهوات سوف تحاربنى ولكن لى سلطان أن أملكها علىّ إن أستسلمت لها، ولى أيضاً سلطان أن أرفضها طالباً معونة النعمة الإلهية فلا يصير لها سلطان علىّ.
  8. إذاً المقصود بالجسد هو الإنسان العتيق، وهذا الإنسان العتيق هو المولود من الأب والأم بحسب الطبيعة هأنذا بالأثم صورت وبالخطية حبلت بى أمى (مز5: 51). وهذا الإنسان العتيق هو الذى يصدر منه العثرات الجسدانية.

كيف نثبت فى المسيح وكيف تكون لنا حياة المسيح؟

  1. نحن بالمعمودية صارت لنا حياة المسيح وصرنا أعضاء ثابتين فى جسد المسيح. ولكن من ينقاد لأهوائه وشهواته مرة ثانية يوقظ هذا الإنسان العتيق الفاسد فيفقد ثباته فى المسيح، فنحن نعلم أنه لا شركة للنور مع الظلمة ولا إتفاق للمسيح مع بليعال (2كو6: 14 - 15). لذلك يقول بولس الرسول:
  1. "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىّ" (غل20: 2).
  1. إذاً بقدر ما نمارس صلب النفس، بقدر ما نرى المسيح حياً فى داخلنا وبر المسيح ظاهراً فى حياتنا. لكن حياة المسيح فينا التى ننال إمكانياتها وبذرتها فى المعمودية هى قوة الحياة الجديدة التى نسلك بها كأولاد الله فى هذا العالم.
  2. "وأما ثمر الروح فهو محبة فرح.. ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات" (غل5: 22 - 24).
  3. واضح أن ثمر الروح لا يظهر إلاّ فيمن صلبوا أهوائهم وشهواتهم وحسبوا أنفسهم كأموات. وهذا ما قاله السيد المسيح "الذى يثبت فىّ وأنا فيه هذا يأتى بثمر كثير" (يو15: 4 - 5). ومن حسب نفسه ميتاً عن أهواء وشهوات وخطايا العالم، هذا يثبت فى المسيح، فيأتى بثمر كثير هو ثمار الروح. ولاحظ أيضاً قول الرسول:
  4. "وأما من جهتى فحاشا لى أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذى به قد صلب العالم لى وأنا للعالم" (غل14: 6).
  5. "حاملين فى الجسد كل حين إماتة الرب يسوع لكى تُظَهر حياة يسوع أيضاً فى جسدنا المائت.." (2كو4: 10 - 11) + "إن كنا قد متنا معه فسنحيا أيضاً معه" (2تى11: 2).
  6. "لذلك لا نفشل بل وإن كان إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يوماً فيوماً" (2كو16: 4) + "ونحن أمواتاً بالخطايا أحيانا مع المسيح" (أف5: 2).
  7. الملخص أن المسيح إفتدانا وبالمعمودية غفرت خطايانا، وأعطانا المسيح حياته. ولكن من يصلب أهواءه وشهواته يثبت فى المسيح، فتكون له حياة المسيح فيتبرر أى يحيا باراً ويخلص.

الخلاص بالإيمان.

  1. نحن الأقباط الأرثوذكس نتمم المعمودية للأطفال الصغار. ولكن ماذا عن الكبار الذين لم يعتمدوا صغاراً؟
  2. هنا نقول أن الشرط الأول للخلاص هو الإيمان، ويلى هذا المعمودية، لذلك يقول السيد المسيح "من آمن وأعتمد خلص" (مر16: 16). وبهذا المفهوم فإن من أعتمد طفلاً ثم ترك إيمانه بعد ذلك، يهلك ولا تفيده معموديته. وبطرس بعد عظته يوم الخمسين حين آمن 3000 نفس عمدهم (أع41: 2) وبولس بعد أن آمن سجان فيلبي عمده مع أهل بيته (أع 33: 16) والسيد المسيح يشدد على أهمية المعمودية وبدونها لا ندخل الملكوت (يو5: 3) ولكن الإيمان هو المدخل لكل بركات العهد الجديد، لذلك يقول بولس الرسول: -.
  3. بر الله بالإيمان بيسوع المسيح... متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذى بيسوع المسيح.. الذى قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة (رو3: 22 - 25).
  4. راجع الإصحاح الرابع من رسالة رومية لترى أن إبراهيم قد تبرر بإيمانه وليس بأعماله. وإيمان إبراهيم هذا كان إيماناً بالله الذى هو قادراً أن يعطى حياة [لشيخوخته ولمستودع سارة فيأتى منهم إبناً بل لو مات الابن فالله قادر أن يحييه (عب17: 11 - 19)] هذا الإيمان بالله القادر أن يعطينا حياة كما أعطى حياة للمسيح وأقامه من الأموات، هذا الإيمان هو المدخل للتبرير.
  5. فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح (رو1: 5).

ولكن هل يعنى بولس الرسول بأن الخلاص هو بالإيمان، أن الأعمال لا ضرورة لها للخلاص؟! قطعاً هو لا يعنى ذلك، بل نراه يشدد على أهمية الجهاد. فما هو الجهاد؟!

الجهاد والأعمال الصالحة.

الجهاد هو أن يغصب الإنسان نفسه على شئ صالح، لكنه لا يريد أن يفعله. فمثلاً شهوة الجسد أن ينام ويتلذذ بشهوات العالم، أمّا الجهاد فهو أن يقف ليصلى وجسده منهك. الجهاد هو أن يصوم وهو يحب أن يأكل، ولكنه يغصب نفسه على ذلك. وهناك جهاد سلبى وجهاد إيجابى. والجهاد السلبى هو أن يمنع الإنسان نفسه عن الخطية بأن يحسب نفسه ميتاً. والجهاد الإيجابى هو أن يغصب الإنسان نفسه أن يعمل أعمال البر (صلاة وصوم وخدمة وعبادة وتسبيح..) لذلك يقول السيد المسيح أن ملكوت السموات يغصب والغاصبون يختطفونه (مت12: 11).

وعن الجهاد السلبى يقول بولس الرسول: -.

  1. كذلك أنتم أيضاً إحسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية ولكن احياء لله بالمسيح يسوع ربنا. إذاً لا تملكن الخطية فى جسدكم المائت لكى تطيعوها فى شهواته ولا تقدموا أعضائكم آلات إثم للخطية (جهاد سلبى). بل قَدّموا ذواتكم كأحياء من الأموات وأعضاءكم آلات بر (جهاد إيجابى) فإن الخطية لن تسودكم لأنكم لستم تحت الناموس بل تحت النعمة (رو6: 11 - 14).
  2. "فأميتوا أعضاءكم التى على الأرض الزنا والنجاسة..." (كو3: 5 - 10).
  3. "فأطلب إليكم.. أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة.. ولا تشاكلوا هذا الدهر. بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو12: 1، 2) وهذه معناها أن يسلك المؤمن كميت أمام شهواته وخطاياه.
  4. "كما هو مكتوب من أجلك نمات كل النهار. قد حسبنا مثل غنم للذبح" (رو36: 8).
  5. "أقمع جسدى وأستعبده... حتى لا أصير أنا نفسي مرفوضاً" (1كو27: 9).
  6. "فإثبتوا إذاً فى الحرية التى حررنا بها المسيح ولا ترتبكوا بنير عبودية" (غل1: 5).
  7. "لا تصيروا الحرية فرصة للجسد" (غل13: 5).
  8. "أما أنت يا إنسان الله فإهرب من هذا" (يقصد محبة المال) (1تى6: 10 - 12).
  9. "أما الشهوات الشبابية فإهرب منها" (2تى22: 2).
  10. "لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا ولنحاضر بالصبر فى الجهاد.. لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية" (عب12: 1 - 4).
  11. كان هذا عن الجهاد السلبى. ويقـول بولس الرسول عن:

الجهاد الإيجابى أى لزوم أن نعمل أعمالاً صالحة:

  1. "قد جاهدت الجهاد الحسن أكملت السعى حفظت الإيمان..." (2تى4: 8، 7).
  2. "أما الذين بصبر فى العمل الصالح يطلبون المجد والكرامة فبالحياة الأبدية.. الذى سيجازى كل واحد حسب أعماله" (رو2: 7، 6).
  3. راجع (رو12: 9 - 21) نرى الرسول هنا يحدثنا كيف تكون أعضائنا آلات بر.
  4. "لكى تمجدوا الله أبا ربنا يسوع المسيح بنفس واحدة وفم واحد" (رو6: 15).
  5. "إن كان لى نبوة... ولكن ليس لى محبة فلست شيئاً" (1كو13: 2 - 13).
  6. "إتبعوا المحبة ولكن جدوا للمواهب الروحية" (1كو1: 14).
  7. "كونوا راسخين غير متزعزعين مكثرين فى عمل الرب كل حين عالمين أن تعبكم ليس باطلاً فى الرب" (1كو58: 15).
  8. "إسهروا، إثبتوا فى الإيمان. كونوا رجالاً. تقووا. لتصر كل أموركم فى محبة" (1كو16: 14، 13).
  9. فإذ لنا هذه المواعيد لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح (جهاد سلبى) مكملين القداسة فى خوف الله (جهاد إيجابى) (2كو1: 7).
  10. "إن من يزرع بالشح فبالشح أيضاً يحصد، ومن يزرع بالبركات فبالبركات أيضاً يحصد" (2كو6: 9). وهذه تعنى أن من يزرع أعمالاً صالحة سوف يجنى بركات بقدر ما يزرع.
  11. "لأن من يزرع لجسده فمن الجسد يحصد فساداً. ومن يزرع للروح فمن الروح يحصد حياة أبدية. فإن الذى يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً فلا نفشل فى عمل الخير لأننا سنحصد فى وقته إن كنا لا نكل" (غل6: 7 - 10).
  12. "لأنه فى المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة بل الإيمان العامل بالمحبة" (غل6: 5 + غل15: 6).
  13. "إتبع البر والتقوى والإيمان والمحبة والصبر والوداعة. جاهد جهاد الإيمان الحسن وإمسك بالحياة الأبدية" (1تى6: 12، 11).
  14. "وأريد أن تقرر هذه الأمور لكى يهتم الذين آمنوا بالله أن يمارسوا أعمالاً حسنة" (تى8: 3).
  15. "إتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التى بدونها لن يرى أحد الرب" (عب14: 12).
  16. "دم المسيح.. يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحى" (عب14: 9).

والمقصود بالخدمة أى العبادة والوجود فى حضرة الله وتسبيح الله كالملائكة فدم المسيح يطهرنا من الأعمال الميتة أى الخطايا، يطهر القلب والضمير ويحيى النفس ويقيمها ويؤهلها أن تقترب من حضرة الله لتخدم بالصلاة والحب والتسبيح بقوة الروح القدس.

  1. "فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فأطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله إهتموا بما فوق لا بما على الأرض. لأنكم قد مُتم وحياتكم مستترة مع المسيح فى الله" (كو3: 1 - 3).

والخلاصة:

من إعتمد وعاش مجاهداً يصلب أهوائه وشهواته (جهاد سلبى) ويكون مجاهداً فى أعمال صالحة (جهاد إيجابى) هذا يثبت فى المسيح ويقول مع بولس الرسول "لأن لى الحياة هى المسيح والموت هو ربح" (فى21: 1).

وهنا يثور سؤال.. الآن مطلوب منى أن أميت شهوات الجسد وأن أعمال أعمالاً صالحة، فهل أنا لى القدرة من ذاتى على ذلك. وهل جهادى هو الذى يدخلنى السماء؟! قطعاً لا. فالسيد المسيح يقول:

  1. "بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً" (يو5: 15) ويرددها بولس هكذا:
  2. "أستطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينى" (فى13: 4). "والمسيح أرسل لنا الروح القدس ليعيننا فى جهادنا. فنحن نجاهد ولكن الروح يعين ضعفاتنا" (رو26: 8). وقوة الروح القدس نسميها النعمة.
  3. "بالنعمة أنتم مخلصون" (أف5: 2).
  4. "ليس من أعمال كى لا يفتخر أحد" (أف9: 2).

فأعمالنا العاجزة وقلبنا المخادع النجيس (أر9: 17) غير قادر أن يدخلنا إلى ملكوت الله أو يخلصنا. ولكن النعمة هى التى تعطينا الخلاص. ولكن النعمة لا تعمل مع المتكاسلين بل مع المجاهدين. لذلك سمعنا عن الجهاد وإلتزامنا أن نعمل أعمالاً صالحة. فمن يجاهد يستحق أن تعطيه النعمة معونة وقوة بل إن هذه القوة تعطيه أن يصير خليقة جديدة على شكل وصورة المسيح "إن كان أحد فى المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو17: 5).

مثال:

إنسان له نظرة شهوانية ويقرر التوبة، يقول لنفسه إن عينى قد ماتت مع المسيح وليس لى الحق أن أنظر (هذا معنى قول السيد المسيح أنه عليه أن يقلع عينه). وإذ يجاهد بجدية واضعاً عينيه فى التراب وبحريته يختار طريق الموت عن شهوات العالم، تتدخل النعمة، ويعطيه الروح القدس شهوة ميتة فيجد نفسه وإذ له طبيعة جديدة لا تشتهى أن تنظر. هذه الطبيعة ليست منه بل هي هبة مجانية من الله لتعينه. وتعطيه النعمة أن تكف عينه أن تنظر لتشتهى العالم بشهواته، بل تبدأ فى أن تشتهى أن ترى مجد الله وتقول مع داود النبى "واحدة سألت من الرب وإياها ألتمس أن أسكن فى بيت الرب كل أيام حياتى لكى انظر إلى جمال الرب وأتفرس فى هيكله" (مز4: 27). هنا تحولت العين من كونها آلة للإثم إلى كونها آلة للبر وهذه هى الخليقة الجديدة. وهذا يتكرر مع كل عضو في أجسادنا فنصير خليقة جديدة ونلبس المسيح. وبهذه الطبيعة ندخل للسماء. ونلاحظ إن النعمة لا تعمل وحدها بدون جهاد الإنسان. وإلا لو كان هذا صحيحاً فلماذا لم تحول النعمة كل البشر أو على الأقل كل المؤمنين إلى قديسين!!

عمل النعمة:

النعمة هى عمل الروح القدس فى الإنسان، هى القوة التى تعينه وتغير طبيعته. وهى تعطى لمن يجاهد طبيعة جديدة، وتكون فيها الطبيعة القديمة ميتة، أى أن الإنسان العتيق ميت وهذا ما يسميه بولس الرسول ختان القلب بالروح. (رو29: 2). أى موت الخطية ومحبتها فى القلب.

  1. "لأنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون.. ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون" (رو8: 12، 13). فى هذه الآية نرى عملنا (تميتون). بجانب عمل النعمة (بالروح تميتون). فالنعمة تؤازر وتعين من يجاهد فى أن يميت ذاته. ومن يفعل يصير إبناً لله.
  2. "لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله" (رو14: 8). والروح القدس يدعو ويقود "توبنى فأتوب لأنك أنت الرب إلهى" (أر18: 31). ويبكت المؤمن إن أخطأ (يو8: 16) ثم يعطى معونة وقوة (رو26: 8). ومن يتجاوب معه يعطيه أن يصير خليقة جديدة وبهذه الخليقة الجديدة نخلص وندخل السماء. لذلك نسمع "بالنعمة أنتم مخلصون" (أف5: 2) فالطبيعة القديمة مهما عملت من أعمال صالحة لا يمكن أن تدخل السماء (1كو50: 15). لحماً ودماً لا يقدران أن يرثا ملكوت الله ولا يرث الفساد (الطبيعة القديمة) عدم الفساد (مجد السماء). بل أن النعمة تعطى قوة حتى أن الخطية تصبح غير قادرة أن تسود علينا.
  3. "فإن الخطية لن تسودكم لأنكم لستم تحت الناموس بل تحت النعمة" (رو14: 6). إذاً فالنعمة هى القوة الحافظة لمن يجاهد ويعمل. ولكن على من يشعر بعمل النعمة، إذ يجد نفسه يحيا حياة صالحة والخطية لا تسوده، أن لا يفتخر بأعماله، فأعماله ليست هى السبب بل النعمة.
  4. "ليس من أعمال كى لا يفتخر أحد" (أف9: 2).
  5. وفى هذا يقول معلمنا يعقوب "كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هى من فوق نازلة من عند أبى الأنوار" (يع17: 1). فإذا كان الصلاح الذى فىَّ هو من الله، فلماذا أفتخر بما لم أصنعه بنفسى، ويقول بولس الرسول "إن كنت قد أخذت فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ" (1كو7: 4). وهذا معنى قول السيد المسيح "فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك" (مت3: 6). أى إذا فعلت صدقة (عمل بر أى عمل يمينى) فلا تفتخر ولا تشعر ببرك الذاتى (فإن فعلت فهذا عمل يسارى).

ماذا قَّدم المسيح لنا؟

معنى الخلاص:

1. صرنا بالمعمودية نموت مع المسيح، تموت حياتنا السابقة أى إنساننا العتيق وبهذا غفرت خطايانا. وصارت لنا حياة المسيح وبره، أى صرنا خليقة جديدة رافضة للخطية، تشتهى عمل البر.

2. النعمة تعطينا معونة، إن أردنا وجاهدنا بصلب الجسد مع الأهواء والشهوات. والنعمة تعطينا قوة حافظة ضد الخطية، فلا تعود الخطية تسود علينا، بل تكون لنا حياة النصرة على الخطية والشهوات.

3. بموتنا مع المسيح فى المعمودية ننال التبنى بقيامتنا متحدين بالمسيح الإبن وثباتنا فيه. ونحصل على كمال التبنى حين يعطينا الله الجسد الممجد بعد القيامة (رو23: 8 + أف 14: 1). وهذا ما نراه فى (1كو15: 42 - 44). والمسيح كان كسابق لأجلنا (عب6: 18 - 20). وهذا ما نصليه فى القداس الغريغورى "أصعدت باكورتى إلى السماء".

وقطعاً لن يدخل السماء إلا كل من حصل على الطبيعة الجديدة التى هى على صورة المسيح، وشروط هذا: [1] الإيمان [2] المعمودية [3] الجهاد وهل هذا ممكن لنا؟ لابد أن نعلم أن قدرة الله التى أقامت المسيح ومجدت جسده حين جلس عن يمين الآب. هذه القدرة هى متجهة لنا نحن البشر وإلى طبيعتنا لنقوم ونرتفع إلى مجد الله بالمسيح.

لا أزال شاكراً لأجلكم ذاكراً إياكم فى صلواتى. كى يعطيكم إله ربنا يسوع المسيح أبو المجد روح الحكمة والإعلان فى معرفته. مستنيرة عيون أذهانكم لتعلموا ما هو رجاء دعوته وما هو غنى مجد ميراثه فى القديسين. وما هى عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين حسب عمل شدة قوته. الذى عمله فى المسيح إذ أقامه من الأموات وأجلسه عن يمينه فى السماويات... وأقامنا معه وأجلسنا معه فى السماويات فى المسيح يسوع (أف16: 1 - 6: 2).

فنحن الآن ننتظر على الرجاء التبنى الكامل، وما يسميه بولس الرسول فداء الأجساد (رو23: 8). وهذا معنى قوله لأننا بالرجاء خلصنا ولكن الرجاء المنظور ليس رجاء. لأن ما ينظره أحد كيف يرجوه أيضاً ولكن إن كنا نرجو ما لسنا ننظره فإننا نتوقعه بالصبر (رو24: 8، 25) فالخلاص يتم على مراحل، فهو بدأ بميلاد المسيح ثم صلبه ثم قيامته وصعوده، ثم إرساله للروح القدس الذى يعطينا النعمة لنحصل على الطبيعة الجديدة التي ندخل بها السماء ولكن هذه الطبيعة الجديدة ونحن على الأرض ما زالت ناقصة، فنحن نحيا لنجاهد على رجاء أن نحصل على الجسد الممجد فى السماء وهذا هو كمال الخلاص.

وطالما صرنا أبناء بثباتنا فى المسيح فنحن وارثين للمجد من خلال إبنه الذى جعله وارثاً لكل شئ (عب2: 1) (وهذا الميراث الذى حصل عليه المسيح بجسده كان لحسابنا. وإن كنا أولاد فإننا ورثة أيضاً (رو17: 8 + عب20: 6).

4. الخلاص ليس معناه أن نتخلص من الألم والتجارب ونحن مازلنا على الأرض بل يعنى إمكانية أن نفرح ونتعزى وسط التجارب والآلام (كو24: 1) ولاحظ قول بولس الرسول "إفرحوا فى الرب كل حين وأقول أيضاً إفرحوا" (فى4: 4) هذه الآية قالها بولس الرسول، وهو فى سجنه مقيداً بالسلاسل، ولكن مع هذا تطغى على الرسالة نغمة الفرح.

  1. جميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى فى المسيح يسوع يضطهدون (2تى12: 3) هنا نرى الألم ضرورة ونحن في هذا العالم.
  2. لأنه قد وهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أيضاً أن تتألموا لأجله (في29: 1) هنا نرى الألم وقد صار هبة وليس ضرورة فقط.

ج. وأنتم صرتم متمثلين بنا وبالرب إذ قبلتم الكلمة فى ضيق كثير بفرح الروح القدس (1تس6: 1) هنا نرى أن الله لا يتركنا وحدنا فى الألم، بل يعطينا عزاء وفرحاً. ونفس هذا المفهوم نجده فى رسالة كورنثوس الثانية الإصحاح الأول.

د. إن كنا نتألم معه لكى نتمجد أيضاً معه (رو17: 8). ومن يحتمل بصبر سيكون له نصيب فى مجد المسيح (رو18: 8).

أما الراحة النهائية من الآلام فلن تكون هنا على الأرض بل فى السماء حيث يمسح الله كل دمعة من عيوننا (رؤ4: 21). وبنفس المفهوم "وإياكم الذين تتضايقون راحةً معنا عند إستعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوته (2تس7: 1).

5 من إعتمد فمات مع المسيح وقام معه، وجاهد وقمع جسده وصلبه، يثبت فى المسيح، ويعطيه المسيح حياته، ويكون خاضعاً للروح، والخطية لا تسود عليه، بل بالنعمة يسود هو على الخطية، مثل هذا لا تكون عليه دينونة "إذاً لا شئ من الدينونة الآن على الذين هم فى المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح" (رو1: 8).

6 نال المؤمن بركات عظيمة بعد المعمودية إذ إتحد بالمسيح. لأن المسيح كان جسده متحداً بلاهوته. وصار المسيح بهذا كرأس للكنيسة مصدراً لكل البركات الإلهية من مجد سماوى ومجد أرضى وقداسة وحياة أبدية وحكمة ونعمة وإمتلاء من الروح وهذا ما شرحه النبى زكريا فى الإصحاح الرابـع أى رؤيا المنارة، والكوز على رأسها. فالمنارة هى الكنيسة والزيت هو الروح القدس الذى تحصل عليه الكنيسة من المسيح ورمزه هنا الكوز. والكوز يمتلئ من زيتونتان، فى إشارة لامتلاء المسيح من الروح القدس يوم المعمودية فى الأردن لحساب كنيسته.

بل أن المسيح حل فيه كل ملء اللاهوت فى جسده كما يقول الرسول "فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً. وأنتم مملوؤون فيه" (كو2: 10، 9) وهذا يشير لأن إتحاده هو بلاهوته، وإتحادنا نحن به جسدياً صار مصدراً لكل البركات، وهذا ما أسماه الرسول "كل.

ملء الله "(أف19: 3) أى نمتلئ من كل البركات الإلهية بحسب إمكانياتنا. وهذا يمكن تشبيهه كما يلى:

×

.

الخزان الصغير يمثل الإنسان المؤمن الثابت فى المسيح:

[1] بالإيمان [2] بالمعمودية [3] بالتوبة [4] بالتناول.

وهذا الخزان الصغير متصل بالكبير ويمتلئ منه إشارة لإتحادنا بالمسيح المتجسد بواسطة المعمودية، وبحياتنا النقية وبالتناول. وبهذا الإتصال نمتلئ. ولكن ما يحدد إمتلاءنا:

  1. محدودية طبيعتنا (خزان صغير).
  2. الإيمان والنقاوة وقبول الصليب بشكر وعدم التذمر.

هل يمكن للمؤمن أن يرتد ويهلك:

بعد كل هذا الذى أعطاه الله للمؤمن، هل ممكن أن يرتد ويهلك؟

  1. فإنى لست أريد أيها الإخوة أن تجهلوا أن أباءنا كانوا تحت السحابة وجميعهم إجتازوا فى البحر.. وإعتمدوا.. وأكلوا طعاماً روحياً (رمزاً للتناول) وجميعهم شربوا شراباً روحياً (من الماء المنسكب من الصخرة رمزاً لحلول الروح القدس) لكن بأكثرهم لم يُسرّ الله لأنهم طرحوا فى القفر. وهذه الأمور حدثت مثالاً لنا حتى لا نكون مشتهين شروراً كما إشتهى أولئك (1كو10: 1 - 6). نفهم من هذا أن المعمد الذى نال الروح القدس وتناول من جسد الرب ودمه، إذا إشتهى شروراً وترك الرب وإرتد يمكن أن يهلك كما هلك الآباء فى البرية ولم يدخلوا كنعان (رمز كنعان السماوية).
  2. ديماس تلميذ بولس الرسول الذى أشار إليه كأحد تلاميذه (كو14: 4) قال عنه بولس الرسول "ديماس تركنى إذ أحب العالم الحاضر" (2تى9: 4).
  3. فلنخف أنه مع بقاء وعد بالدخول إلى راحته يُرى أحد منكم أنه قد خاب منه (أى فقده) (عب1: 4).
  4. كونوا متمثلين بى معاً أيها الإخوة ولاحظوا الذين يسيرون هكذا كما نحن عندكم قدوة. لأن كثيرين يسيرون ممن كنت أذكرهم لكم مراراً والآن أذكرهم أيضاً باكياً وهم أعداء صليب المسيح الذين نهايتهم الهلاك (فى3: 17 - 19).
  5. فإنه إن أخطأنا بإختيارنا بعد ما أخذنا معرفة الحق.. بل قبول دينونة مخيف.. مخيف هو الوقوع فى يدى الله الحى (عب10: 26 - 31).
  6. راجع (رو11: 17 - 22) لترى إمكان قطع المؤمن من الزيتونة أى الكنيسة جسد المسيح.
  7. ونرى فى (عب 6: 4 - 8) عقوبة المرتد الرهيبة "لأن الذين إستنيروا مرة وذاقوا الموهبة السماوية وصاروا شركاء الروح القدس.. وسقطوا لا يمكن تجديدهم أيضاً للتوبة... وقريبة من اللعنة التى نهايتها الحريق".
  8. بولس يقول عن نفسه "أقمع جسدى وأستعبده حتى بعدما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسى مرفوضاً" (1كو27: 9).

عمل الروح القدس فى المؤمن:

الروح القدس الذى حل فينا يعطينا أن نصبح خليقة جديدة، فهو الذى يعمل فى الأسرار. وفى سر المعمودية نموت مع المسيح ونقوم معه، ويكون لنا سلطان على الخطية (رو14: 6). وإن أخطأنا يبكتنا (يو8: 16) فهو الذى يتوبنا فنتوب (أر18: 31). وهو الذى يعطى المعونة (رو26: 8) ويعطينا أن تكون لنا ثمار (غل5: 23، 22). ويعطينا المواهب (1كو11: 12) وهو الذى يعلمنا ويذكرنا بكل كلام السيد المسيح (يو26: 14). وهو الذى يُعرِّفنا المسيح، ويخبرنا بمحبته وصفاته (يو14: 16). ويفتح أعيننا على أمجاد السماء (1كو9: 2 - 12). وما ننظره الآن من أمجاد السماء ننظره كما في لغز (1كو12: 13) وننتظر وليس لدينا سوى الإيمان والرجاء والمحبة، هؤلاء هم الذين يثبتون الآن (1كو13: 13) لأننا بالإيمان نسلك لا بالعيان (2كو7: 5).

والروح القدس هو الذى يعطينا القوة والنصح والمحبة 2تى7: 1 وهو الذى يثبتنا فى المسيح (2كو21: 1) وذلك من خلال عمله فى أسرار الكنيسة. وهو بهذا يعطينا البنوة ويشهد بالبنوة داخلنا (رو16: 8).

  1. إن كان المسيح فيكم فالجسد ميت بسبب الخطية وأما الروح فحياة بسبب البر. وإن كان روح الذى أقام يسوع من الأموات ساكناً فيكم فالذي أقام المسيح من الأموات سيحيى أجسادكم المائتة أيضاً بروحه الساكن فيكم (رو8: 10، 11).
  2. وعلامة من هو فى المسيح أنه يهتم بالروحيات "الذين حسب الروح فبما للروح (يهتمون)" (رو5: 8) وعلامة أخرى أن يكون لهم ثمر (غل5: 22، 23) والروح حين يعطى قوة تميت الإنسان العتيق، تموت محبة الخطية فى القلب، وهذا ما يسميه الرسول ختان القلب بالروح (رو29: 2). فالختان الجسدى هو قطع جزء من الجسم وتركه ليموت. والختان الروحى هو قطع محبة الخطية من القلب وهذا يتم بالنعمة أى بعمل الروح القدس. ومن ينقاد بروح الله يصير إبناً لله (رو14: 8) (هذا لأن الروح سيثبته فى المسيح الإبن. وهذا الإبن بالروح يميت أعمال الجسد فيحيا (رو8: 12، 13) والروح يعين ضعفاتنا (رو26: 8). إذاً هو الذى يعطى المعونة أى النعمة لمن يحاول ويجاهد. ومن يشعر بعمل النعمة فيه عليه ألا يفتخر بأعماله.
  3. فإن كان بالنعمة فليس بعد بالأعمال وإلا فليست النعمة بعد نعمة (رو6: 11) ونحن صرنا هيكلاً للروح القدس (1كو16: 3 + 1كو19: 6). وبمقارنة الآيتين نستنتج أن الروح القدس هو الله. والسيد المسيح قال عن الروح أنه يعلمنا (يو26: 14) وهذا ردده بولس الرسول فى (1كو13: 2) "التى نتكلم بها أيضاً لا بأقوال تعلمها حكمة إنسانية بل بما يعلمه الروح القدس.
  4. ولكن حين ظهر لطف الله وإحسانه لا بأعمال فى بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس.. حتى إذا تبررنا بنعمته نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية (تى3: 4 - 8).
  5. إنما أقول أسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد (غل16: 5). ومن هنا نفهم أن من يستجيب لعمل الروح القدس فيه الذى يقنعه ويبكته ولا يقاوم عمل الروح، يعطيه الروح قوة فلا يكمل شهوة الجسد.
  6. وما نأخذه من الروح القدس الآن هو عربون ما سنحصل عليه فى السماء (2كو22: 1 + 2كو5: 5). وما نحصل عليه الآن نحصل عليه بالإيمان (غل20: 2) وبالرجاء (رو8: 24، 25) وبالمحبة (غل6: 5).

معنى كلمة عربون:

ونحن الآن على الأرض حصلنا على التبنى "لأن كل الذين ينقادون بروح الله هم أبناء الله (رو14: 8). ولكن فى السماء سنأخذ الأجساد الممجدة التى لا تخطئ (1كو15 + فى21: 3). وهذا ما يسميه بولس الرسول التبنى فداء الأجساد (رو23: 8). ولكن الآن مازالت أجسادنا غير ممجدة ومازالت تخطئ. أما إبن الله الكامل لا يخطئ (1يو9: 3).

والروح القدس يجعلنا قادرين على حفظ الوصية.

يقول السيد المسيح "الذى عنده وصاياى ويحفظها فهو الذى يحبنى.. إن أحبنى أحد يحفظ كلامى.. (يو14: 21، 22).

ويقول بولس الرسول "ليس الختان شيئاً وليست الغرلة شيئاً بل حفظ وصايا الله (1كو19: 7).

وهنا نرى إهتمام السيد المسيح ورسوله بولس بأن نحفظ الوصايا. ولكننا نفهم من كلام السيد المسيح أن حفظ الوصايا هو لمن يحب المسيح. وهذا ما يفعله الروح القدس "لأن محبة الله قد إنسكبت فى قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا" (رو5: 5) فالروح يعطينا أن نحب الله ومن يحب لا يخالف وصايا من يحبه. الحب يحول قلوبنا الحجرية إلى ألواح قلب لحمية (2كو3: 3) نقش عليها الروح القدس الوصايا بالحب. وهذا ما تنبأ عنه حزقيال النبى فى (حز19: 11، 20) بأنه سيكون لنا قلوباً لحمية لنسلك بها فى فرائض الرب عوضاً عن القلوب الحجرية. ومن نقش على قلبه وصايا الله بالحب لا يحتاج لألواح حجرية منقوش عليها الوصايا كألواح موسى. فالله نقش الوصايا على ألواح حجرية تتناسب مع قلوب شعب إسرائيل الحجرية إذ فقدوا حب الله.

وهذا ما تنبأ به أرمياء قائلاً عن العهد الجديد أنه حينئذ سوف تكتب الشريعة على قلوبنا وأذهاننا (أر31: 31 - 34 + عب8: 10 - 12) إذاً كان النبي أرمياء يتنبأ عن العهد الجديد، حين ينسكب الروح القدس فى قلوبنا ويعطينا محبة الله التي بها نطيع وصاياه.

ومن أجل كل ما سبق صار أهم سؤال نسأله لله هو أن يملأنا من روحه القدوس، كما يقول الرسول إمتلأوا بالروح (أف5: 18 - 20).

الإمتلاء بالروح:

الإمتلاء بالروح هو نعمة النعم، والنعمة تعنى عطية الله المجانية لنا. ولكن كما قال الأباء فالنعمة لا تعطى إلا لمن يستحقها، ويجاهد ليحصل عليها فما هو الجهاد المطلوب للحصول على نعمة الإمتلاء من الروح القدس؟

يقول السيد المسيح يعطى الروح القدس للذين يسألونه.

(لو13: 11).

نعمة مجانية جهاد إيجابى.

فهذه النعمة المجانية وهى الإمتلاء من الروح القدس تستلزم جهاد هو الصلاة. والمطلوب الصلاة بلجاجة.

ويقول بولس الرسول إمتلئوا بالروح مكلمين بعضكم بعضاً بمزامير تسابيح.

(أف 5: 18 - 20) نعمــة شاكرين على كل شئ.

خاضعين بعضكم لبعض فى خوف الله.

جهــاد.

ويقول بولس الرسول عن ثمار الروح القدس (غل5: 22، 23). وهذه تعطى لمن يصلب الجسد مع الأهواء والشهوات (جهاد سلبى) (غل24: 5) ويقول بولس الرسول لا تطفئوا الروح وهذه عكس إمتلئوا بالروح ويقول أيضاً لا تحزنوا الروح (أف4: 17 - 32 + 1تس 17: 5). ومن هذه الآيات نفهم ما الذى يطفئ الروح فينا وهو الكلام البطال والسلوك فى الخطايا. لذلك نفهم مما سبق أنه لكى نمتلئ من الروح:

1. الصلاة والطلب من الله بلجاجة.

2. الامتناع عن الكلام البطال وترديد المزامير والتسابيح.

3. الشكر فى كل حين وعدم التذمر.

4. التوبة عن الخطايا، وأن نحيا فى خوف الله.

5. صلب الأهواء والشهوات أى نحيا كأموات عن الخطايا.

وفيما يلى المزيد من التفاصيل والدراسة عن الإمتلاء.

طريق الإمتلاء بالروح.

مما سبق رأينا عمل الروح القدس فى المؤمن. لذلك يوصى بولس الرسول أهل أفسس ويوصينا معهم قائلاً إمتلئوا بالروح (أف18: 5). ويوصى تلميذه تيموثاوس قائلاً أذكّرك أن تضرم موهبة الله التى فيك بوضع يدى (2تى6: 1). والإضرام معناه الإمتلاء، فكلما إمتلأنا إزدادت ثمار الروح فينا. فكيف نمتلئ أو كيف يملأنا الله من الروح القدس؟

1. الروح القدس يعطيه الله للذين يسألونه (لو13: 11 + لو9: 11 + لو1: 18 + يو14: 14، 24: 16). وهكذا أوصى بولس الرسول أهل تسالونيكى "صلوا بلا إنقطاع" (1تس17: 5 + أف18: 6 + 1كو13: 16 + فى6: 4 + كو2: 4) والروح حلّ على التلاميذ وهم مجتمعون للصلاة (أع4: 2) لذلك تصلى الكنيسة 4مرات يومياً (مرة فى صلاة الساعة الثالثة وثلاث مرات فى نصف الليل)، لطلب الروح القدس قائلة "أيها الملك السمائى المعزى..". ونسمع فى (رو26: 8) بأن الروح يشفع فينا بأنات لا ينطق بها، وهذه تعنى أن الروح يعطينا مشاعر وأفكار، ربما لا نستطيع أن نعبر عنها، بل نئن فقط. ولكن هذا يعنى أن الروح يعلمنا أن نصلى بتلذذ، وأن نصلى صلاة حقيقية، صلاة بالروح [هذا معنى قول الرسول بولس، "الله الذى أعبده بروحى" (رو9: 1)] فالروح يعين ضعفاتنا، فنصلى لله ونسجد ونسبح، بل نعمل كل أعمال المسيح التى أوصانا بها بقوة الروح القدس يه20. إذاً فلنغصب نفوسنا على الصلاة (جهاد) حتى وإن لم نكن نشعر بلذة. وهذا يعطينا إمتلاء (نعمة). وحينما نمتلئ نصلى فى الروح وبلذة، بل حينما نمتلئ فلنكف عن الصلاة لنسمع الروح ونفهم رسالته.

2. التسبيح المستمر وترتيل المزامير (1كو26: 14 + أف19: 5 + كو16: 3 + عب15: 13). ونلاحظ أن المزامير هى موحى بها من الروح القدس (2تى16: 3 + 2بط21: 1). وداود النبى نفسه يقول ان لسانه قلم كاتب ماهر، أى أن الكاتب الماهر هو الروح القدس، والروح القدس هو الذى يضع كلمات المزامير على لسان داود فيرددها داود (مز1: 45).

3. الشكر المستمر (أف5: 20، 4 + كو3: 17، 15 + 1تس18: 5).

4. أن لا نقاوم الروح (أع51: 7 + رو14: 8) ولا نطفئه (1تس 19: 5) ولا نحزنه (أف30: 4). ومن يسلك بحسب الإنسان العتيق سالكاً فى شهوات هذا العالم يحزن الروح القدس. فالروح يبكت على خطية وعلى بر (يو8: 16) فمن يسمع ويمتنع عن الخطية ويسلك فى البر لا يحزن الروح ولا يطفئه. إذاً علينا أن لا نسلك بحسب الإنسان العتيق متشبهين بأهل العالم (أف4: 17 - 32 + أف5: 3 - 18). وبولس يعطى وصايا من يتبعها لا يحزن روح الله (أف6: 1 - 3 + رو13: 8 - 10 + كو3: 18 - 25 + 1تس4: 3 - 8). وراجع إصحاحات (12 - 14) من رسالة رومية. بل يطلب الرسول أيضاً الإمتناع عن كل شبه شر (1تس22: 5). والإمتناع عن الشر هو الجهاد السلبى. وهكذا يطلب من تلميذه الهرب من الشهوات الشبابية (2تى22: 2). وكما رأينا فى (غل5: 22 - 24) فإن ثمار الروح القدس تظهر فيمن صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات. وهكذا قال القديس باسيليوس الكبير "إن الروح القدس حاضر فى جميع الذين يستحقونه ولكنه لا يُظهر قوته إلا فى الذين تطهروا من الأهواء.

5. علينا أن نسلك فى الجهاد الإيجابى. فالرسول يطلب أن نتبع طريق المحبة للجميع (أف4: 1 - 4 + 5: 2، 1 + 32: 4 + 1كو13: 16 + 1كو13 + كو3: 12 - 14). ويطلب أن نتمسك بالحسن (1تس21: 5 + فى4: 9، 8). ويطلب من تلميذه تيموثاوس قائلاً "اعكف على القراءة والوعظ والتعليم" (1تى13: 4). فبالقراءة والوعظ نمتلئ "فالمُروى هو أيضاً يُروَى (أم25: 11). ويطلب الرسول أن نهتم بما فوق (كو1: 3 - 4) فالإهتمام بالأرضيات يطفئ الروح. ويطلب أن نتمم خلاصنا بخوف ورعدة (فى12: 2) فالمستهتر يطفئ الروح.

6. فى الآيات (كو3: 5 - 10) يطلب الرسول أن نميت أعضائنا التى على الأرض، الزنا والنجاسة... إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله ولبستم الجديد الذى يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه. هنا نرى صورة لما حدث فى الفداء فبعد موت المسيح قام ثم صعد ثم أرسل الروح القدس. وهكذا يحدث معنا فمن يختار طريق الموت عن شهواته يعطيه الروح القدس أن يقوم مع المسيح ثم يحيا فى السماويات لكن على الأرض، ثم يمتلئ من الروح القدس.

7. نلاحظ أن الروح القدس حل على التلاميذ إذ كانوا مجتمعين بنفس واحدة، فالمحبة التى تجمعنا فى نفس واحدة خصوصاً لو إجتمعنا للصلاة بهذه الروح، هذه المحبة بها نمتلئ من الروح القدس (أع2: 1 - 4 + فى2: 2).

8. ما يساعدنا على الإمتلاء بالروح هو إخلاء الذات والتواضع (فى2: 3 - 9). ولنرى كيف يتحدث بولس الرسول عن نفسه فهو يقول "الخطاة الذين أولهم أنا" (1تى15: 1) ويسمى نفسه بالسقط (1كو15: 7، 8). هنا نرى شعور بولس بعدم إستحقاقه لما هو فيه من نعمة. وهذا ما أشار إليه أشعياء النبى أن الله يسكن عند المتواضع (أش15: 57).

9. من البديهيات أن الروح القدس يحل على المعمد بعد مسحه بزيت الميرون وإن كان كبيراً يجب أولاً أن يعلن إيمانه وتوبته ثم يعتمد. وهذا ما طلبه بطرس يوم الخمسين أن يتوبوا وأن يعتمدوا. فبالتوبة يتجدد فعل الروح القدس الذى حصلنا عليه (أع38: 2). وسر الميرون هو البديل عن وضع اليد (أع6: 19). وهكذا يطلب بولس الرسول تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم (رو2: 12).

10. تكريس القلب للمسيح. وأن نُخضع له كل شئ فى حياتنا (عواطفنا وإهتمامتنا...) ولا نهتم بالماديات بل بما هو فوق، بما لا يُرى (2كو18: 5) ونُسلّم له ذواتنا ونقبل الصليب بلا تذمر. ومن يريد أن يمجد المسيح فى حياته يملأه الروح القدس ليمجد المسيح فيه، فهذا هو عمل الروح القدس "ذاك يمجدنى" (يو14: 16) لكن من يريد أن يمجد نفسه فلن يمتلئ. إذاً لكى نمتلئ علينا أن نطلب أن نمجد المسيح فى حياتنا.

  1. يقول السيد المسيح "إن عطش أحد فليقبل إلىّ ويشرب، من آمن بى تجرى من بطنه أنهار ماء حى. قال هذا عن الروح" (يو37: 7 - 39). إذاً الأساس هو الشعور بالاحتياج، وهذا عكس حال ملاك كنيسة لاودكية (رؤ17: 3). والصلاة هي التعبير عن العطش إلى الله. وبهذا العطش مع الصلاة بإيمان يجري داخلنا ينبوع ماء حيّ. ولاحظ إرتباط الإيمان بالإمتلاء من الروح القدس. فمن يبدأ بإيمان بسيط ويصلى يمتلئ من الروح القدس، ويكون من ثمار الروح القدس إيمان جبار (غل5: 22، 23).

علامات الإمتلاء من الروح القدس:

1. الشعور بحضور المسيح وسطنا، فالروح يشهد للمسيح "لكى يعطيكم بحسب غنى مجده أن تتأيدوا بالقوة بروحه فى الإنسان الباطن ليحل المسيح بالإيمان فى قلوبكم" + يو18: 14 + يو16: 16 "ثم بعد قليل أيضاً تروننى". إذاً هو يفتح أعيننا الداخلية فنرى المسيح حاضراً ونعرفه فنحبه.

2. الإمتلاء من الحكمة، فالحكمة ناشئة من الثبات فى المسيح أقنوم الحكمة.

3. الإمتلاء من ثمار الروح (غل22: 5، 23) ونتيجة الفرح التسبيح المستمر.

4. السلطان على الخطية (رو14: 6).

5. الامتلاء من القوة. قارن موقف بطرس وخوفه من خادمة فأنكر، وموقفه بعد حلول الروح وعظته التي آمن بسببها 3000 نفس.

نبذة عن الروح القدس:

"عن كتاب الصليب والمعمودية للدكتور نصحي عبد الشهيد".

لم يكن ممكناً أن يجئ الروح القدس المعزى إلى الكنيسة قبل أن يتم تدبير المسيح نفسه، أي تتميمه للخلاص بصعوده للسموات، أى دخوله بجسده الممجد الذي أخذه من طبيعتنا للسماء (أع2: 32، 33). فالطبيعة البشرية أصبحت عن طريق جلوس المسيح عن يمين الآب، أى حين صار لجسد المسيح الذي أخذه من البشر مجد اللاهوت، صارت الطبيعة البشرية ممجدة بمجد اللاهوت.

لذلك قال المسيح خير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى "(يو16: 7، 8، 13، 14). إذاً كان لابد للمسيح أن يجلس أولاً عن يمين الآب وبشفاعته ينسكب الروح.

والروح القدس هو الذي يعلن شخص الرب يسوع، فيجعلنا نرى المسيح ظاهراً في قلوبنا "لا أترككم يتامى إنى آتى إليكم" (يو18: 14) فالروح يجعل حضور المسيح فينا، وتنفتح عيوننا الداخلية فنرى المسيح الحي الممجد ساكن فى داخلنا "ثم بعد قليل أيضاً تروننى" (يو16: 16). ويصير المسيح شخصاً حقيقياً حاضراً بالنسبة لنا. لأن الروح بملئه لنا يحضر فى أعماقنا صورة المسيح الحي الممجد (2كو18: 3). أي أننا ننظر مجد المسيح وننظره في قلوبنا فنتغير إلى صورة المسيح التى يكشفها الروح لقلوبنا (غل19: 4). لذلك لا يستطيع أحد أن يقول أن يسوع رب إلا بالروح القدس (1كو3: 12). وحين نعرف المسيح وندرك محبته لنا سنحبه ونسلّم له الحياة.

يقول معلمنا بولس الرسول أن المسيح هو رئيس كهنة الخيرات العتيدة (عب11: 9). والخيرات هى الروح القدس (قارن مت7: 7، 11 مع لو13: 11). فبالروح القدس نتذوق طعم الحياة الأبدية، وما نأخذه الآن هو العربون. والسيد المسيح يحثنا أن نطلبه فى الصلاة "يعطى الروح القدس للذين يسألونه" (لو13: 11).

والروح القدس يعلن لنا الآب فنصرخ يا آبا الآب (غل9: 4) وبهذا فهو يعلن لنا سر الثالوث، فهو يعلن لنا الآب والإبن، والروح القدس هو الذى يعد الكنيسة كعروس لعريسها المسيح لتتحد معه فى عرسه الأبدى فى مجد لا يوصف.

والروح يعطى قوة لمن يريد أن يموت عن الخطية تساعده على الموت عنها فعلاً (رو13: 8) وهذا ما أسماه الرسول ختان القلب بالروح. إذاً فلنبدأ بالتغصب، ومن يغصب نفسه ويمتنع عن الخطية يتحنن الرب عليه، وينقذه من أعدائه (الخطية الساكنة فينا والشيطان) ويملأه من الروح القدس المعين، حينئذ يستطيع أن ينفذ كل وصايا الرب بالحق وبدون تغصب وبدون صعوبة أو تعب، وهذا ما عناه الرسول حين قال "إن كان أحد فى المسيح فهو خليقة جديدة (2كو17: 5).

والهدف من إنضمامنا إلى جسد المسيح بالمعمودية هو أن نحصل على ملء الروح الموجود فى الكنيسة والساكن فيها منذ يوم الخمسين. والإمتلاء هو إمتداد ونمو للعطية التى نلناها يوم المعمودية فى سر الميرون. وهذا طلب الرسول أن نمتلئ بالروح أى نفتح قلبنا وكياننا كله للروح القدس لكى يملأنا. فالروح منسكب بملئه بإستمرار من المسيح وينتظر القلب المستعد والنفس المطيعة الخاضعة للمسيح الرأس حتى يفيض فيها بملئه. والإمتلاء لا يحدث مرة واحدة، بل مرات وكل العمر (أع4: 2 + أع31: 4) ويتكرر بحسب الحاجة خاصة فى المواقف التى فيها شهادة وكرازة بإسم المسيح (مت10: 17 - 20).

والروح القدس يعطينا كل هذا من خلال الصلاة والأسرار الإلهية. وبقدر إمتلائنا من الروح القدس بقدر ما نعرف المسيح حقاً ونثبت فى المسيح ونحيا فى المسيح، ويحيا المسيح فينا ونمتلئ سلاماً يفوق كل عقل (فى7: 4) ونمتلئ محبة لله وللجميع حتى لأعدائنا. ونمتلئ فرحاً يعيدنا للحالة الأولى فى الفردوس (جنة عدن = جنة الفرح).

الأرثوذكسية هى الموقف الوسط الصحيح.

بين إنحرافين فى التفكير.

تنادى بعض الطوائف بأن الخلاص لا يعتمد على دين أو إيمان الشخص بل يتوقف على أعماله فقط. وتنادى بعض الطوائف بأن الخلاص يعتمد على النعمة فقط ولا أهمية لأعمال الإنسان، بل من يؤمن ينال الخلاص بالنعمة.

والرد على الطائفة الأولى:

نلخصه فى آية واحدة قالها بولس الرسول "لأنه إن كان بالناموس (اليهودية) بر فالمسيح إذاً مات بلا سبب" (غل21: 2) فإن كان الخلاص لا يعتمد على الإيمان بالمسيح فلماذا تجسد المسيح وصلب؟! والسيد نفسه وضع هذا الشرط للحياة "من آمن بى ولو مات فسيحيا" (يو25: 11). وبولس الرسول يقول بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه (عب6: 11).

والرد على الطائفة الثانية:

تجده تحت عنوان "الجهاد والأعمال الصالحة".

الرأي الصحيح الأرثوذكسي كما نفهمه من الكتاب المقدس هو لزوم الجهاد مع النعمة ولنأخذ أمثلة على ذلك: -.

1. يطلب الله من نوح أن يبنى فلكاً ليحميه من الماء المنهمر بغزارة والذى سيطفو عليه الفلك، فهل كان نوح فى ذلك الوقت يملك الخبرات الفنية (التكنولوجيا) التى بها يبنى هذا الفلك الذى سيكون بمثابة غواصة؟ قطعاً لا. ولكن كان على نوح أن يبذل كل جهده فى بناء الفلك. ولقد إستمر فى هذا (الجهاد أو العمل) عشرات السنين. هذا هو جهاد نوح. ثم يأتى دور النعمة وهذا ما نسمعه فى الآية (تك16: 7) "وأغلق الرب عليه" الله بنعمته أغلق على نوح، وأكمل ضعفات ونقص خبرة نوح وحفظه من الغرق. لكن كان لابد أن يجاهد نوح ويبنى الفلك.

2. فى معجزة الخمس خبزات والسمكتين، طالب السيد تلاميذه أن يحضروا ما يجدونه، هذا هو الجهاد، أما المسيح فبنعمته أطعم الآلاف وتبقى 12 قفة فلماذا طلب المسيح من التلاميذ أن يأتوا بما يجدوه، أما كان قادراً على عمل المعجزة بدون الخمس خبزات والسمكتين؟! لكن السيد أراد أن يظهر أن على الإنسان أن يفعل ما يقدر أن يفعله وهذا ما نسميه الجهاد.

3. عندما أقام المسيح لعازر، لماذا طلب من الناس أن يرفعوا الحجر؟ هذا هو الجهاد، هذا أقصى ما يستطيعه البشر؟ أمّا المسيح فبنعمته أقام الميت وأعطاه حياة.

4. فى معجزة تحويل الماء إلى خمر، طلب المسيح أن يملأوا الأجران، وكان ملء الأجران عملية شاقة، فكانوا يحملون الأوعية إلى أقرب عين ماء ويملأوها ويأتون ليصبوها فى الأجران، وهكذا عدة مرات حتى تمتلئ الأجران. فإن كان المسيح قد حّول الماء إلى خمر فهو قطعاً كان يمكنه تحويل الهواء إلى خمر بدون تعب (وجهاد) الخدام، وكان بهذا سيريح الخدام. ولكن سيبقى السؤال، وأين الجهاد لتأتى النعمة؟

وإذا فهمنا أن هذا الماء كان للتطهير يكون المعنى أنه علينا أن نعمل ما يمكننا عمله، وبقدر إستطاعتنا لنطهر أنفسنا (جهاد سلبى وجهاد إيجابى) والمسيح بنعمته يعطينا أن نصير خليقة جديدة مملوئين من الروح القدس. ومن إمتلأ من الروح يمتلئ فرحاً، والخمر ترمز للفرح. لذلك يقول بولس الرسول "أميتوا أعضاءكم التى على الأرض" (كو5: 3) ومن سيطيع هذا سيعطيه الله أن يصير خليقة جديدة بعمل النعمة.

5. فى معجزة صيد سمكة يجد بطرس بداخلها أستاراً نرى مثالاً حياً للجهاد والنعمة. فلو قال له المسيح "يا بطرس أنت صياد إذهب وإصطاد سمكاً وبعه وبالثمن إدفع الضريبة" كان هذا يعنى أن الخلاص بالأعمال دون تدخل المسيح. ولو أتى المسيح بالأستار لبطرس من الهواء دون تعب من بطرس لكان الخلاص بالنعمة. لكن نجد أن السيد المسيح يستغل موهبة بطرس كصياد، وبنعمته يصطاد بطرس سمكة بها المال المطلوب لدفع الجزية.

6. مثال من تعاليم المسيح عن النعمة والجهاد.

يقول السيد المسيح أحبوا أعدائكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم (مت44: 5).

والمحبة هى عطية من الله، وهى ثمرة من ثمار الروح القدس (غل22: 5، 23) وهى تنسكب فى قلوبنا بالروح القدس (رو5: 5). إذاً هى نعمة من الله أى عطية مجانية، فكيف يأمرنا السيد المسيح بأن نحب أعدائنا بالرغم من:

  1. أنه طلب صعب جداً على البشر.
  2. المحبة هى عطية منه. فلماذا لم يعطيها لنا دون أن يأمرنا؟!

السبب أنه حتى نحصل على النعمة وهى هنا محبة الأعداء، علينا أن نجاهد، فلا نعمة دون جهاد. وما هو الجهاد المطلوب هنا؟

  1. أن نبارك من يلعننا = أى نتكلم عليه كلاماً طيباً مباركاً، قد يكون عكس ما هو فى قلوبنا، وهذا لا يأتى سوى بالتغصب فملكوت السموات يغصب (مت12: 11) والتغضب هو ما نسميه الجهاد.
  2. أن نحسن لهم = حتى لو بالتغصب، نقدم لهم خدمات يحتاجون لها.
  3. أن نصلى لأجلهم = حتى لو بالتغصب.

ففى هذه الآية نرى أن الحصول على محبة الأعداء أى النعمة نحصل عليها بأن نغصب أنفسنا ونجاهد ضد طبيعتنا الفاسدة التى تكره الآخرين خصوصاً لو كانوا أعداء لها. فإن جاهدنا وغصبنا أنفسنا تنسكب النعمة فينا، فنجد أنفسنا قادرين بسهولة أن نحب أعدائنا وهذا ما يسميه الرسول "الخليقة الجديدة" (2كو17: 5).

7. مثال من تعاليم بولس الرسول (أف5: 18 - 21).

"إمتلئوا بالروح مكلمين بعضكم بعضاً بمزامير شاكرين فى خوف الله".

نعمة جهاد جهاد جهاد.

فالإمتلاء من الروح هو عطية من الله، هو عطية مجانية. إذاً هو نعمة. هذا ليس فى إمكان بشر. لكن حتى نمتلئ، وحتى يسكب الله فينا هذه النعمة نرى ما يلزم أن نجاهد فيه لنحصل على النعمة.

1. أن لا تخرج كلمة ردية من أفواهنا، ولا تكون اجتماعاتنا للهزل، بل تكون اجتماعات صلاة وتسبيح.

2. الشكر فى كل حين، حتى وسط الآلام. وبلا تذمر.

3. السلوك فى خوف الله والإمتناع عن كل شر وكل خطية.

لو كان الخلاص بالنعمة فقط دون أن يكون للإنسان دور، فلماذا لم يجعل الله كل الناس قديسون بعمل نعمته، أو على الأقل لماذا لم يجعل كل المؤمنين قديسين؟! لو إفترضنا أن الخلاص هو بالنعمة فقط، هذا سيكون مبرراً للخطاة يوم الدينونة أن يقولوا "لم تعمل فينا النعمة كما عملت فى القديسين وبهذا ينسبون لله المحاباة وعدم العدل. ولو كان العمل هو عمل النعمة فقط دون جهاد من المؤمن، فهل يخلص الجميع، ونحن نعلم أن الله يريد أن الجميع يخلصون (جميع الناس) (1تى4: 2)؟ كما قلنا سابقاً فإن عمل النعمة لا يعطل حرية الإنسان. فالإنسان بحريته وله كامل الحرية والإرادة أن يقبل الله أو أن يرفض الله ويعطل إرادة الله الصالحة من نحوه. وهذا ما قاله السيد المسيح" يا أورشليم... كم مرة أردت أن أجمع أولادك... ولم تريدوا "(هنا نرى أن أورشليم كان لها حرية شخصية فى رفض الله ولكنها عطلت إرادة الله الصالحة من نحوهم).

والنتيجة... "هوذا بيتكم يترك لكم خراباً" (مت23: 37، 38).

ونفهم من قول بولس الرسول "إننا عاملون معه" (2كو1: 6) أن أمر خلاصنا متوقف على إرادتنا وجهادنا، ومن يريد ويجاهد ويغصب نفسه تعطيه النعمة طبيعة جديدة بها يخلص. فملكوت السماوات يغصب (مت12: 11).

وهذا ما كان الرسول يعنيه بقوله "أقمع جسدى وأستعبده (جهاد سلبى) حتى بعد ما كرزت للآخرين (جهاد إيجابى) لا أصير أنا نفس مرفوضاً" (1كو27: 9). ويتصور البعض أن قول الرسول بالنعمة أنتم مخلصون (أف5: 2) ليس من أعمالي كي لا يفتخر أحد (أف9: 2). أن هذا فيه إثبات لعدم ضرورة الأعمال. وهنا ينبغى أن نفهم أن هناك نوعين من النعمة: -.

  1. نعمة لا دخل للأعمال فيها، مثل تجسد المسيح وفدائه وإرسال الروح القدس على الكنيسة. فالمسيح مات عنا ونحن خطاة (رو8: 5). وكوننا خرجنا للعالم فوجدنا أنفسنا مسيحيين. نحن لم نعمل شيئاً لنحصل على كل هذا.
  2. النعمة التى هى القوة التى تغيرنا من طبيعتنا القديمة إلى طبيعة جديدة وخليقة جديدة على صورة المسيح، نحيا فى بر. هذه النعمة لا تعطى إلا لمن يستحقها أى لمن يجاهد. ولكن جهادنا فى حفظ أنفسنا طاهرين لا يساوى أكثر من خمس خبزات وسمكتين، أما الخليقة الجديدة بالنعمة فهذه تساوى إشباع الجموع.

فمن يجاهد ويغصب نفسه بجهاد سلبى (يميت أعضاؤه وشهواته ويصلبها كمن هو مصلوب مع المسيح) وبجهاد إيجابى (صلاة / صوم / خدمة / تسبيح...) يعطيه الله بنعمته الطبيعة الجديدة. ويحيا المسيح فيه (غل20: 2) ويتحول إلى صورة المسيح (غل19: 4). بهذه الطبيعة نخلص وليس بأعمالنا. ونحن لذلك لا نفتخر بأعمالنا. ولا نعِّرف شمالنا ما تفعله يميننا، بل نجاهد صارخين لله أن يملأنا من الروح القدس أى بنعمته، والروح القدس هو الذى يعطينا أن نكون خليقة جديدة بها نخلص.

الضمير والناموس والنعمة:

1. بسقوط آدم فسدت الطبيعة البشرية. وهكذا صار كل أولاد آدم. لكن الله كان قد طبع وصاياه على قلب الإنسان، وهذا ما يسمى الضمير أو الناموس الطبيعي. وكان هذا هو الحافظ للإنسان من الإندفاع فى طريق الشر، وكان للإنسان قدرة فى معرفة الله من خلال الطبيعة (رو20: 1) مستخدماً عقله. ولكن بفساد الإنسان تحجر قلبه وتقسى وفقد طبيعة الحب التى تجعل الوصايا مطبوعة فى القلب. وبهذا فسد الضمير.

2. أعطى الله الناموس بيد موسى مكتوباً، وذلك بدلاً من الضمير الذى فسد. وكان هذا الناموس كمساعد للإنسان نعمة من الله (حز20: 11، 12). ولكن الناموس لم يكن قادراً أن يغيّر طبيعة الإنسان، بل كان لكبح جماح شهواته، كان الناس يخافون من إرتكاب الشر خوفاً من عقوبات الناموس، لذلك قال الرسول عن الناموس أنه مؤِّدب (غل24: 3) ونصلى فى القداس الغريغورى "أعطيتنى الناموس عوناً".

3. جاء المسيح متجسداً، ومات لنموت معه فى المعمودية، وقام لنقوم معه فى المعمودية، نموت عن الطبيعة القديمة، ونقوم بطبيعة جديدة متحدة بالمسيح، وفى سر الميرون يحل فينا الروح القدس ويثبتنا فى المسيح ويعطينا نعمة تعمل فينا لتغيّر طبيعتنا لطبيعة جديدة بها نستطيع أن نعمل بسهولة ما عجز عنه المؤمن فى ظل الناموس، وأصبحنا نجاهد ضد الخطية بسهولة (عب1: 12). ولكن لكى تعمل فينا النعمة علينا أن نجاهد.

  1. جهاد سلبى (نميت شهواتنا ونصلبها ونحيا كأموات أمام الخطية).
  2. جهاد إيجابى (فى صلوات وأصوام...).

والروح يعطى معونة لمن يفعل هذا ويجاهد "إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد" (رو8: 13 - 16 + رو26: 8 + رو29: 2). والروح يعطينا طبيعة جديدة على شكل صورة المسيح (غل19: 4) وبهذه الطبيعة نخلص (غل15: 6) وقول الرسول "بالنعمة أنتم مخلصون" (أف8: 2) يعنى أننا نخلص بهذه الطبيعة الجديدة التى أعطتها لنا النعمة وليس بأعمالنا (أف9: 2). وكمثال لهذا: -.

إنسان مؤمن يعانى من شهوة النظر (بطبيعته القديمة الخاطئة) ويسمع صوت الإنجيل أميتوا أعضاءكم التى على الأرض (كو5: 3) فيكف ويجاهد حتى يكف عن النظر، واضعاً عينيه فى الأرض، صارخاً لله أن يعينه، حاسباً نفسه ذبيحة حية، وأنه ليس من اللائق لمن حسب نفسه ذبيحة حية أن يستمتع بنظرات خاطئة. إلى هنا فعمله هذا لن يدخله السماء، بل يجعله أهلاً أن تنسكب النعمة عليه وتغير طبيعته، ولا يعود يشتهى أن ينظر نظرات خاطئة، ويطرح عنه الخطية بسهولة، لقد صارت له طبيعة جديدة، لقد صار خليقة جديدة بها يدخل السماء. هذا معنى بالنعمة أنتم مخلصون (أف8: 2). وليس من محاولاته الأولية لذلك عليه أن لا يفتخر بجهاده وبما عمله (أف9: 2).

تأمل فى مزمور (118: 19 - 20):

إفتحوا لى أبواب البر (هذه شهوة قلب المرنم للتبرير بالمسيح أى بالنعمة).

هذا الباب للرب (بر المسيح، والمسيح هو الباب. وهذا التبرير هو عطية من الرب... ولكن لمن؟).

الصديقون يدخلون فيه (لن يدخل من الباب حتى يتبرر إلا من يغصب نفسه ويدخل من الباب الضيق بأن يحسب نفسه ميتاً عن شهوات العالم الخاطئة، مجاهداً فى صلاته).

ومن يغصب نفسه يُحسب صديقاً. والصديق يُحسب أهلاً للدخول من الباب فيتبرر بالنعمة. والتبرير بالنعمة هو الخليقة الجديدة التى بها يدخل المؤمن للسماء. هذا ما إشتهاه داود دائماً إذ كان يصرخ قلباً نقياً إخلق فىّ يا الله وروحاً مستقيماً جدد فى داخلى (مز10: 51).

الأسرار والخلاص:

كما رأينا فى (رو6: 3 - 5) أن سر المعمودية يعنى الموت عن الإنسان العتيق وقيامة إنسان جديد، يحيا فى حياة جديدة "هوذا الكل قد صار جديداً" (2كو17: 5). فالمعمودية إذاً هى موت وحياة، وهى من الماء والروح.

ولكن الإنسان فى خلال رحلة حياته معرض للسقوط، والقديس يوحنا يعترف بهذا ويقول "إن قلنا أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا (1يو8: 1). لذلك أسس السيد المسيح سراً آخر هو سر التوبة والإعتراف. حيث يكمل القديس يوحنا قائلاً" إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم "(1يو9: 1). وحيث أن الإعتراف يطهر من كل إثم يسمى الآباء، التوبة والإعتراف، معمودية ثانية. ولكن سر الإعتراف يجب أن يسبقه توبة. والروح القدس الذى يعمل فى الأسرار هو الذى يبكت ويدفع الإنسان ويُتَوِّب" توبنى فأتوب لأنك أنت الرب إلهى "(أر18: 31) وهو الذى يبكت الإنسان لوأخطأ (يو8: 16). وهو الذى يعين فى طريق التوبة (رو26: 8). وهو الذى يعطى الغفران فى سر الإعتراف حينما يصلى الكاهن التحليل (يو20: 22، 23). فهو الذى يحرك مشاعر التوبة وذلك بتوبيخه وتبكيته للخاطئ وإقناعه له بأن يترك خطيته (أر7: 20) فيذهب للكاهن معترفاً بخطيته، وهناك يعطى الروح غفراناً. ونلاحظ أنه بالخطية نفقد ثباتنا فى المسيح فنموت، وبالإعتراف تغفر الخطية فنحيا. لذلك سمعنا قول السيد فى مثل الإبن الضال" إبنى هذا كان ميتاً فعاش "(لو24: 15) ولكن كما قلنا أن بولس الرسول يطلب منا أن نصلب ذواتنا ونميت شهواتنا الخاطئة وأعضائنا، بل ونقدم أجسادنا ذبائح حية وذلك بقرار توبة" تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم "(رو2: 12 + غل20: 2 + غل24: 5 + كو5: 3 + رو11: 6). فالتوبة هى قرار بأن أموت عن الخطية وهو قرار يدعمه الروح القدس بالنعمة. وبالنعمة نحيا كأموات عن الخطية وأحياء فى المسيح. إذاً فسر التوبة والإعتراف هو أيضاً موت وحياة. هو سر يعمل فيه الروح القدس.

ويأتى بعد هذا سر الإفخارستيا. ونلاحظ أن القديس كيرلس له قسمة رائعة (رقم 19 فى الخولاجى) يقول فيها "وعند إصعاد الذبيحة على مذبحك تضمحل الخطية من أعضائنا بنعمتك". والكنيسة الأرثوذكسية تتناول الجسد منفصلاً عن الدم. فنحن حين نتناول الجسد المكسور نشترك مع المسيح المصلوب فى موته، وحين أقبل أن أُصْلَبْ مع المسيح، أى أصلب أهوائى مع شهواتى، يعطينى الروح القدس قوة ونعمة أصير بها ميتاً عن الخطية، هذا ما يعنيه القديس كيرلس بقوله تضمحل الخطية فى أعضائنا ". ثم بعد تناول الجسد نتناول الدم، والدم فى الكتاب المقدس يشير للحياة. فمن يقبل أن يُصلب مع المسيح تكون له حياة المسيح." مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىّ "(غل20: 2). إذاً بالتناول نشترك مع المسيح فى صليبه (تضمحل الخطية فى أعضائنا). ونشترك معه فى حياته" من يأكلنى يحيا بى "(يو57: 6). وراجع أيضاً (يو6: 32 - 58). وبهذا نفهم أن سر الإفخارستيا هو أيضاً سر موت وحياة، موت عن الإنسان العتيق وحياة وثبات فى المسيح. وسر الميرون يُعِطى للمعمد أن يحل عليه الروح القدس الذى يعمل كل هذه الأعمال. ومن (غل5: 22 - 24). فلا تظهر ثمار الروح، أى لا يمتلئ من الروح إلا كل من قبل أن يصلب جسده مع أهوائه وشهواته. لذلك أيضاً فهذا السر هو موت عن أهواء الخطية لنحيا ممتلئين بالروح. وسر الكهنوت هو خادم كل الأسرار. إذاً فالأسرار قد أسسها الرب لتعين وتعطى المؤمن موتاً عن إنسانه العتيق وتعطيه قيامة بالإنسان الجديد، وثباتاً فى جسد المسيح. ومن هو ثابت فى المسيح يكون جسده ميتاً عن شهواته، أى إنسانه العتيق ميتاً، ولكنه تكون له فى الوقت نفسه حياة المسيح. فعمل الروح يعطى موت عن الإنسان العتيق وحياة جديدة فى المسيح" إن كان المسيح فيكم فالجسد ميت بسبب الخطية وأما الروح فحيوة بسبب البر "(رو10: 8). بإختصار فالأسرار كلها هدفها تثبيتنا فى جسد المسيح السرى، بأن نموت عن العالم ونحيا فى المسيح. والأسرار هى نعمة غير منظورة نحصل عليها تحت أعراض منظورة. فالمعمودية هى غفران للخطايا، وهى موت عن الحياة الماضية وقيام إنسان جديد حاصل على التبنى. وأمّا المنظور فهو الغمر والتغطيس فى الماء مع الصلوات. وتعريف المعمودية بأنها موت وقيامة مع المسيح فنجده فى (رو6: 3 - 10)، فهل فعلاً كل من أعتمد يصير ميتاً عن العالم؟ نقول لا … فإنه يلزم الجهاد بأن نحسب أنفسنا أمواتاً. لذلك يُكمل الرسول بقوله" كذلك أنتم أيضاً إحسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا "(رو11: 6). إذاً لا نعمة بدون جهاد.

وسر الميرون هو سر حلول الروح القدس على المعمد، فهل كل من يُمسَح بالميرون أو وضعت عليه اليد يكون ممتلئاً من الروح القدس؟ قطعاً لا. وإلا لما قال بولس الرسول لتلميذه "فلهذا السبب أذكّرك أن تضرم أيضاً موهبة الله التى فيك بوضع يدىَّ (2تى6: 1).

وهكذا فى التوبة والإعتراف، فمن يعترف تغفر له خطيته (1يو9: 1). لكن هذا لمن يجاهد بأن يحسب نفسه ميتاً عن الخطية (كو5: 3 + رو13: 8 + رو11: 6).

وهكذا في التناول، فالتناول ثبات في المسيح، ولكن هذا الثبات لمن يحسب نفسه ميتاً عن الخطية (كو5: 3 + رو13: 8 + رو11: 6).

وهكذا فى سر الزواج، فالروح القدس يجمع بين الزوجين فى محبة روحانية، ويجعلهما متوافقين وفي محبة. ولكن هذا لمن يجاهد ويصلى ويصوم ويتناول تائباً عن خطاياه، أما من ليس له علاقة بالله ويحيا فقط ساعياً وراء ملذات العالم وشهوات جسده، لا يعمل فيه الروح القدس هذا العمل فيكره زوجته وتدب الخلافات بينهما.

لذلك نفهم أننا من خلال الأسرار نحصل على نعمة تعطينا حياة ثابتة فى جسد المسيح، لذلك فهى أساس الخلاص. لكن هذه النعمة تزداد بجهادنا وتضمحل بإستهتارنا وتهاوننا. وهذا ما قصده الرسول بقوله "لا تطفئوا الروح" (1تس19: 5) وبقوله "لا تحزنوا الروح" (أف30: 4) وهذا يعنى أن من يسلك فى شهوات العالم يطفئ الروح ويحزنه فيفقد عمل النعمة فيه. [إذاً النعمة التى نأخذها من الأسرار هى رصيد يمكننا أن نزيده بالجهاد ويمكننا أن نخسره إذا لم نجاهد].

مفهوم الألم والتجارب.

بولس الرسول الذى كرز فى أوروبا كلها تقريباً، هذا الإناء المختار والذى كتب نصف أسفار العهد الجديد نرى أنه عانى معاناة شديدة جداً: -.

1. كان يعانى من ضعف فى عينيه (غل15: 4 + غل11: 6). وكان جسده يفرز صديداً مستمراً (أع12: 19) يجعل رائحته منفرة (غل4: 13، 14). ولعل هذه هى ما قصدها بولس بالشوكة فى الجسد الذى ضربه بها ملاك الشيطان (2كو7: 12).

2. كان اليهود يقاومونه فى كل مكان، بل والوثنيون أيضاً (راجع سفر الأعمال).

3. بل حتى من المؤمنين كان هناك من يقاومونه (فى1: 15، 16).

4. أثاروا ضده شائعات أنه ليس برسول وليس فى مستوى تلاميذ المسيح، لذلك كان مضطراً أن يُدافع عن نفسه لتثبيت تعاليمه والإيمان الذى يبشر به (غل1: 1، 11).

5. أثاروا ضده أنه ينتفع بالعطايا العينية لذلك أصر أن تكون العطايا العينية لفقراء أورشليم عن طريق أناس يعرفونهم (2كو8: 16 - 24).

6. هو لخص بعض الآلام التى عانى منها فى (2كو11: 23 - 28).

7. بل هو فرض على نفسه قمعاً للجسد (1كو27: 9).

فلماذا يا رب كل هذه الآلام لهذا الرسول الأمين؟!

  1. كان بولس محبوباً بشكل غير عادى (أع20: 37، 38).
  2. حسبه البعض إلهاً وقدموا له ذبائح (أع14: 8 - 15 + 6: 28).
  3. كان يختطف إلى السماء (2كو12: 1 - 6).
  4. كان يصنع آيات عجيبة حتى أنه أقام ميتاً (أع20: 7 - 11).

لذلك خاف عليه الله أن ينتفخ فيضيع بولس الرسول العظيم، لذلك سمح له الله بهذه التجارب (2كو7: 12). وبولس فهم هذا فقال "أنه بضيقات كثيرة ينبغى أن ندخل ملكوت الله" (أع22: 14). بل هو فهم أن الآلام صارت هبة من الله (فى29: 1). لذلك يقول أن كل الأشياء تعمل معاً للخير (رو28: 8) وهو حَسِبَ أن كل الأمور الحاضرة والمستقبلة هى لصالح قضية الخلاص. فما يسمح به الله من آلام مصمم خصيصاً من أجل خلاص نفوس أولاده الأحباء. وهذا معنى "أبلوس أم بولس أم صفا أم العالم أم الحيوة أم الموت أم الأشياء الحاضرة أم المستقبلة كل شئ لكم" (أى لخيركم وخلاص نفوسكم) (1كو22: 3).

وراجع قصة أيوب، فالله سمح بآلام أيوب ليتنقى من خطايا لا يعرفها أيوب. وهذا ما فعله بولس الرسول مع خاطئ كورنثوس إذ أسلمه للشيطان ليهلك الجسد (بالأمراض مثلاً) ولكن تخلص الروح فى يوم الرب (1كو5: 5). وبهذا نجد بولس يسلّم الخاطئ لملاك الشيطان لينقيه من خطية موجودة فيه، والله يسلّم بولس الرسول لملاك الشيطان أيضاً لكن ليحميه من خطية هى الإنتفاخ، وهو معرض للسقوط فيها. وبهذا نرى أن للتجارب فائدتين: -.

  1. تنقية من خطية موجودة.

2 - حماية من خطية يكون الإنسان معرضاً لها.

والمعنى أن التجارب يسمح بها الله لخلاص الإنسان. بل أن بولس رأى أن الآلام هى شركة صليب مع المسيح إستعداداً لشركة المجد "إن كنا نتألم معه لكى نتمجد أيضاً معه" (رو17: 8). ويقول أيضاً "إن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً (2كو17: 4) فالآلام فى رأى بولس الرسول إذاً هى إعداد للمجد الأبدى.

وهذا ما كان يقصده القديس غريغوريوس واضع القداس الغريغورى حينما قال "حولت لى العقوبة خلاصاً". فالألم والمرض كانا نتيجة وعقوبة للخطية. ولكن بعد المسيح صارا خلاصاً أى سبب خلاص، بل حتى الموت الذى كان عقوبة للخطية صار القنطرة الذهبية التى نعبر بها من هذا العالم المظلم إلى نور ومجد وفرح الأبدية.

تأمل فى الآية (رؤ14: 7):

المتسربلون بالثياب البيض "هم الذين أتوا من الضيقة العظيمة وقد غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم فى دم الخروف". الضيقة العظيمة هى هذا العالم الذى نعيش فيه بضيقاته وآلامه فلماذا يسمح الله بالضيقات فى هذا العالم؟ رأينا فيما سبق أنها نتيجة حتمية بسبب دخول الخطية إلى العالم. لكن الله سمح بها لأولاده الأحباء لأجل تنقيتهم. فلو وجد شخص عادى قطعة حديد يعلوها الصدأ لرماها إذ سيجدها بلا فائدة ولا تصلح لشئ. أما لو وجدها إنسان خبير ماهر سيأتى بمبرد ويقوم بتلميعها فتصبح صالحة لأشياء عديدة، فالآلام والتجارب هي هذا المبرد الذي ينقى الإنسان، ولكن هل حقاً أن الآلام هى التى تعطينا النقاوة والثياب البيض التى ندخل بها للسماء كما نرى فى هذه الآية، هل الآلام قادرة على تنقية أحد؟! قطعاً لا. بل كما نرى من هذه الآية أن التنقية هى بدم المسيح، والثياب البيض هى علامة النقاوة، ثيابنا أى حياتنا صارت بيضاء (علامة البر) بدم المسيح.

إذاً ما هى فائدة التجارب؟

1. كما هو مكتوب فإن محبة العالم عداوة لله (يع4: 4). ونحن بعد السقوط صار فينا إنحراف، إذ أصبحنا نشتهى العالم بملذاته وشهواته وأمجاده. الله أعطانا العالم لنستعمله ولكنه صار هدفاً لنا. كان المفروض أن يكون هدفنا هو السماء ومجد الله، لكن بسبب الخطية صارت شهواتنا لملذات العالم لذلك صار من يشتهى العالم معادياً لله، فالله من محبته يسمح بهذه الآلام حتى نزهد فى هذا العالم ونشتهى الراحة فى السماء، وأمجاد السماء.

2. فى حالة كحالة بولس الرسول. فالله خاف على بولس أنه بسبب ما رآه ويراه من أمجاد السماء وحب الناس له ومعجزاته، يبدأ يرى فى نفسه أنه يقوم بأعمال عظيمة فينتفخ. ولكن إذ يرى آلامه يُدرك ضعفاته، ويتعمق فى داخله فكر أنه لا يعمل كل هذا بنفسه بل أن ما يعمله إنما هو عمل الله. هو عمل النعمة التى تؤازره أما هو فضعيف فلا ينتفخ (1كو10: 15 + 1تى15: 1).

  1. دم المسيح هو الذى ينقى ويبيض، ولكن ينقى من؟ هل ينقى كل إنسان؟ قطعاً لا بل هو ينقى كل من يحتمى به، راجعاً بتوبة حقيقية كالإبن الضال الذى ألبسه أبوه الحلة الأولى (الملابس البيضاء). فكانت فائدة المجاعة التى حدثت له وفائدة الآلام لنا أن نترك ملذات العالم ونعود لأحضان الله فنتطهر بدم المسيح.
  2. لذلك قال القديس بولس الرسول "لذلك لا نفشل بل وإن كان إنساننا الخارج يفنى (يقصد بالتجارب والآلام) فالداخل يتجدد يوماً فيوماً (2كو16: 4). ومن هنا نفهم أن الآلام هي معونة من الله لتساعدنا لتجديد الداخل. لذلك قال بولس الرسول أنها صارت هبة من الله" لأنه قد وهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أيضاً أن تتألموا لأجله "(في29: 1).

مقدمة رسالة رومية

1 روما سميت هكذا لأن الذي أسسها هو رومليوس سنة 753 ق. م. فحملت إسمه. وبنيت علي مكان مرتفع، علي أكمة من الأكام السبع تم اتسعت لتمتد فتشمل كل الأكام.

2 إتسع نطاقها ونفوذها حتى صارت عاصمة الدولة الرومانية التي استولت علي حوض البحر المتوسط كله. وصارت روما ملتقى ساسة العالم وقادته، ومركزاً للعلوم والآداب والفلسفة، واشتهرت بالقانون الروماني الذي لا يزال يُدَرّس في أغلب جامعات العالم. وكبلد مفتوح امتلأت روما بقبائح الرجاسات الوثنية القادمة من كل العالم، ويظهر ذلك بوضوح من الإصحاح الأول. بل نعرف من التاريخ أن شعبها في وثنيته كان لهم طبعاً وحشياً ويتلذذون بإلقاء العبيد للوحوش تأكلهم، ويتلذذون بصراعات العبيد حتى الموت وذلك في ملاعبهم.

3 يقدّر سكان روما في القرن الأول بحوالي 2 مليون. وكان ثلث سكانها من العبيد. وكان بالمدينة عدد كبير من اليهود الذين قادهم بمبيوس القائد الروماني كأسري حينما إستولي علي سوريا سنة 63 ق. م وأسكنهم قسماُ في المدينة. ثم تحرر هؤلاء اليهود وتكاثروا حتي أصبحوا حوالي 16ألف نسمة في عهد بولس الرسول. وكان هؤلاء اليهود في سلام وراحة معظم وقتهم في روما، إلا في عهد طيباريوس سنة 19م. وفي عهد كلوديوس قيصر سنة 49م. الذي أمر بطردهم جميعاً من روما (أع 2: 18). وذلك غالباً بسبب شغب اليهود ضد المسيحيين، فكان أن طرد طيباريوس اليهود والمسيحيين.

4 نشأة المسيحية في روما.

أ جاء في سفر أعمال الرسل أنه في يوم الخمسين حضر يهود أتقياء من كل أمّة من بينهم "رومانيون مستوطنون يهود ودخلاء أع 10: 2" هؤلاء قبلوا الإيمان بالسيد المسيح وعادوا من أورشليم إلي روما يكرزون بين إخوتهم اليهود. وإذا عرفنا أن من آمن واعتمد يوم الخمسين كانوا 3000 شخص من كل الجنسيات، وليكن بينهم عدة مئات من روما، هؤلاء كانوا الخميرة للمسيحية. وكان الروح القدس يعمل بشدة مع الكارزين في الكنيسة الأولي لذلك سريعاً ما إنتشرت المسيحية في روما. والرسالة إلي رومية كتبت حوالي سنة 57م أي بعد ما يقرب من 23 سنة من عظة بطرس يوم الخمسين. في هذه المدة نمت الكنيسة في روما.

ب إذ تميزت الدولة الرومانية بالحرية وسهولة الانتقال فيما بينها وخاصة بين البلدان المختلفة والعاصمة، وكانت روما ملتقى كبار القادة والتجار، فقد دخلها بلا شك جماعة منهم سواء من أصل يهودي أو أممي، جاءوا يشهدون للرب في روما. من بين هؤلاء أناس سمعوا تعاليم بولس الرسول في بعض مدن إخائية ومكدونية (بلاد اليونان)، ومدن أسيا الصغرى وآمنوا بهذه التعاليم، ويؤكد ذلك سلام القديس بولس علي كثيرين ذكرهم بأسمائهم في الإصحاح الأخير من الرسالة، مما يدل علي أنهم كانوا من تلاميذه ومعارفه مع أنه لم يكن قد ذهب إلي روما قبل كتابة هذه الرسالة. ولاحظ قول بولس الرسول في (رو 6: 1، 7) "الموجودين في رومية..." إذاً هم ليسوا من أهلها الأصليين بل إنتقلوا إليها أو نزحوا إليها مؤخراً.

ج إذ طُرِد كثير من اليهود إن لم يكن جميعهم من روما بأمر كلوديوس إلي مدن أخري ثم عادوا إليها مرة أخري، كان بعضهم قد آمن بالسيد المسيح مثال ذلك أكيلا وبريسكلا اللذان إلتقيا مع بولس الرسول في كورنثوس (أع 1: 18، 2) وآمنا علي يديه. هذان وغيرهما قد إشتركوا في تأسيس الكنيسة هناك (رو 5: 16) فكان لهما كنيسة في بيتهما. وهما حملا أخبار كنيسة رومية لبولس ومنهما عرف مَنْ مِنَ المؤمنين الذين آمنوا علي يديه قد سكن في روما فأرسل يسلِّم عليهم في الإصحاح 16 من رسالته.

د واضح من الرسالة أن أحداً من الرسل لم يكن قد أنشأ هذه الكنيسة حتي كتابة هذ الرسالة، فقد كان مبدأ بولس الرسول "كنت محترصاً أن أبشر هكذا، ليس حيث سُمِّيَ المسيح لئلا أبني علي أساس لآخر (رو2: 15). وإذ يكتب في نفس الرسالة معلناً شوقه الشديد للتوجه إليهم، وانه منع مراراً وأخيراً قرر زيارتها (رو9: 1، 10) + (رو22: 15 - 24). هذا يؤكد أن أحداً من الرسل لم يكن قد زار روما من قبل. ونري أشواق بولس لزيارة رومية أيضاً في أع 21: 19 وإجابة الله علي أشواقه نجدها في (أع1: 23). ولقد توجه بولس إلي روما فعلاً ولكن كأسير ولكنه كرز فيها من خلال سجنه اولاً. وهو قد وجد فيها مسيحيين (أع 13: 28 - 15).

ج كان بولس الرسول يشعر أنه رسول الأمم (غل7: 2، 11) لذا أحس بالمسئولية تجاه هذه المدينة كعاصمة العالم الأممي في ذلك الحين.

ح يقول الأخوة الكاثوليك أن بطرس توجه إلي روما سنة 41م بعد أن أخرجه الرب من السجن (أع7: 12 - 17). وفي (أع17: 12) يقول أن بطرس خرج وذهب إلي موضع آخر. ويقول الكاثوليك أن روما هي الموضع الأخر. ويقولون أن بطرس إستمر في روما 25 سنة وكان أول أسقف لها. ولكن غالبية الدارسين في الشرق والغرب لا يقبلوا هذا الرأي. فمن جهة كان بطرس حاضراً في أورشليم حتى المجمع الرسولي الذي إنعقد سنة 50 م تقريباً (أع 15). وكان في إنطاكية سنة 55م حيث إجتمع مع بولس هناك (ابط13: 5). ولو كان بطرس هو الذي أسس كنيسة روما لما كتب بولس رسالته إلي رومية ولما أعلن إشتياقه لزيارتها فهو لا يبشر حيث سُمِّيَ المسيح. ولو كان بطرس في روما لكان بولس الرسول قد ذكر إسمه أول الأسماء التي يسلم علي أصحابها (رو 16). ورسائل الأسر التي كتبها بولس وهو في سجنه في روما لا يذكر فيها اسم بطرس. لكن تنظيم كنيسة رومية تم بعد ذلك بواسطة بولس وبطرس فيما بين سنة 62، سنة 67م.

5 زمان ومكان كتابة الرسالة.

كتب الرسول هذه الرسالة وهو يتوقع زيارته لروما. وقد قرر ذلك فى طريقه الى أسبانيا (رو23: 15 - 24). وذلك بعد ذهابه إلى أورشليم حاملاً معه عطايا مسيحيي مكدونية واخائية إلى إخوتهم فقراء أورشليم (رو15: 25، 26 + اكو1: 16 - 16 + 2كو1: 8 - 4). بهذا يكون قد كتبها أثناء رحلته التبشيرية الثالثة من كورنثوس، فى بيت رجل إسمه غايس وصفه الرسول أنه مضيفى ومضيف الكنيسة كلها (رو23: 16). وهو أحد اثنين قام الرسول بتعميدهما (1كو14: 1) أملاها الرسول على ترتيوس، فبولس الرسول كان نظره ضعيفاً جداً. وقد حملتها إلى روما الشماسة فيبى، خادمة كنيسة كنخريا (1: 15) وكنخريا ميناء شرقي كورنثوس. وإذ ذهب بولس الرسول إلى أورشليم فى ربيع سنة 58م، لذا يرى غالبية الدارسين أنها كتبت ما بين سنة57، سنة 58م.

6 الأباطرة الذين عاصرهم بولس الرسول.

1 طيباريوس فى أيامه آمن بولس مات سنة 37م حكم 18سنة.

2 كاليجولا مات سنة 41م.

3 كلوديوس مات مسموماً سنة 54م.

4 نيرون (فى أيامه إستشهد بولس) مات منتحراً سنة 68م.

7 جدول تواريخ خدمة بولس الرسول.

قبول بولس للإيمان المسيحي 36 م.

أول زيارة لبولس لأورشليم 38.

ثانى زيارة لبولس لأورشليم 44.

بدء أول رحلة تبشيرية 45.

ثالث زيارة لبولس لأورشليم + أول مجمع للرسل في أورشليم 49.

بدء ثاني رحلة تبشيرية 50.

رابع زيارة لأورشليم 54.

بدء ثالث رحلة تبشيرية 54.

خامس زيارة لأورشليم وهي آخر زيارة 58.

السجن في قيصرية 58 – 60.

الترحيل إلي روما خريف60 - 61.

أول سجن لبولس في روما 61 - 63.

البراءة وبدء كرازته في أوروبا ثانية 67.

إعادة القبض عليه وسجنه 67 أو 68.

الإستشهاد 68.

8 أهمية الرسالة وغايتها.

أ - لأهمية هذه الرسالة كان القديس يوحنا ذهبي الفم يقرأها مرتين أسبوعياً. وكانت هذه الرسالة هي السبب المباشر لتوبة وتغيير القديس أغسطينوس. ولقد سميت هذه الرسالة كاتدرائية الإيمان المسيحي إذ تحوي عناصر الإيمان المسيحي. ويسمون الإصحاح الثامن من هذه الرسالة قدس أقداس الكاتدرائية. هذه الرسالة قدمها بولس الرسول كمقال يمس إيمان الكنيسة ويعبّر عن الحياة الإنجيلية بدقة حتى دعيت "إنجيل بولس".

ب - لأنه كان مزمعاً أن يتوجه لزيارة روما، أراد الرسول أن يعالج المشاكل الموجودة في روما قبل توجهه إليها.

ج - كان أعضاء الكنيسة الأولي في روما خليطاً من اليهود المتنصرين والأمم المتنصرين، وربما كان العنصر اليهودي غالباً. وكان كلام الرسول موجهاً لكلا العنصرين حتى يتعايشوا في محبة وسلام وينعموا بوحدانية الروح كأعضاء في جسد واحد لأن اليهود بتربيتهم المتعصبة المتزمتة وتعصبهم الشديد لجنسهم وثقافتهم وفكرهم الديني لم يقدروا ان ينزعوا أنفسهم بسهولة عن شعورهم بالإمتياز عن غيرهم حتى بعد قبولهم للإيمان المسيحي فكانوا يستخفون بالأمم المتنصرين تحت دعوي:

  1. أنهم أبناء إبراهيم وأصحاب الوعد كنسل إبراهيم.

2 - أنهم مستلمو الناموس الموسوي دون سواهم.

  1. أنهم شعب الله المختار وحدهم.

ولذلك فخلال هذا الفكر الذي عاشوه في ماضيهم اليهودي تأصّل فيهم الكبرياء عن عدم فهم للبنوة لإبراهيم ولا غاية الناموس ولا معني اختيار الله لشعبه فظنوا أنهم حتى بعد قبول الإيمان بالمسيا يبقون في مرتبة أسمي من غيرهم. وأمّا الأمم فقد أخذوا موقفاً مضاداً كرد فعل للفكر اليهودي، فإحتقروا اليهود ونظروا إليهم كشعب جاحد وأن الباب قد أغلق علي اليهود لينفتح علي مصراعيه للأمم، بالإضافة لإعجابهم بفلسفتهم وعلومهم وعظمتهم.

وكتب بولس رسالته ليشرح لليهود معني البنوة لإبراهيم وأن بنوتهم لإبراهيم أو الناموس لن يكونا سبب خلاص لهم. وكتب للأمم أن فلسفتهم لن تخلصهم. وأن لا فضل لإنسان في قبوله الخلاص وقبوله الإيمان بل هي نعمة ورحمة من الله. فالناموس يشير للخطية لكنه لا يعطيني قوة لكي أتجنبها. أما فلسفات الأمم فلقد قادتهم للسقوط في النجاسات. لذلك تحدث الرسول عن إحتياج الجميع يهوداً وأمم للخلاص، وتحدث عن عمومية الخلاص. وأن الباب قد إنفتح للأمم كما لليهود خلال الإيمان. وشرح بولس مفهوم الإيمان ضرورته للخلاص.

د نراه في هذه الرسالة يدعو لإحترام الحكام ودفع الجزية بالرغم من إضطهادهم للكنيسة.

9 المواضيع الرئيسية في الرسالة:

  1. الأيمان والخلاص المجاني.

عاش القديس بولس قبل الإيمان بالسيد المسيح في صراع داخلي مر. ففي الخارج يظهر إنساناً معتداً بجنسه وبره وفريسيته، بكونه عبرانياً أصيلاً من شعب الله المختار وفريسياً وحافظاً للناموس، يمارس الطقوس في جدية ويحفظ الطقوس والوصايا، لكنه في أعماق نفسه الدفينة متي صارح نفسه يجد أنه ضعيف للغاية أمام الخطية وعاجز عن التمتع بالحياة المقدسة الداخلية، محتاج لا إلي وصايا وتعاليم بل بالحري إلي تجديد طبيعته. ولاحظ إفتخاره ببره قبل إيمانه بالمسيح.. من جهة البر الذي في الناموس بلا لوم في (4: 1 - 6) وصعوبة الحياة المقدسة في ظل الناموس عَبَّرَ عنها التلاميذ أنفسهم بقولهم لمن أرادوا الزام الأمم المتنصرين بالناموس "فالآن لماذا تجربون الله بوضع نير علي عنق التلاميذ لم يستطع أباؤنا ولا نحن أن نحمله" (أع10: 15). ولقد وجد الرسول بولس في الإيمان بربنا يسوع، وبالإيمان وحده لا بأعمال الناموس الحرفية من ختان وغسلات وتطهيرات أنه يدفن مع المسيح ويقوم في مياه المعمودية ليصير "خليقة جديدة، الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديداً" (2كو17: 5).

هنا نري أن وضع البشر قبل المسيح يشبه وضع التلاميذ عندما حاولوا صيد السمك طوال الليل بلا فائدة. ولكن لما دخل الرب يسوع المركب تغير الوضع وإصطادوا سمكاً كثيراً. لقد عجز العالم أن يعيش في البر قبل المسيح وتساوي في ذلك الأمم الذين ليس لديهم ناموس مع اليهود الذين لهم الناموس، والفارق أن الناموس كان يخيف اليهود فيمتنع البعض عن الخطية خوفاً، لذلك قال الرسول أن الناموس مؤدبنا إلي المسيح (غل24: 3). ولكن هذا لا يمنع من أنه كان يوجد داخل النفس كبت وإشتياق للخطية، وهذا ما عبر عنه التلاميذ في (أع10: 15). لكن لما جاء المسيح ودخل حياتنا وأعطي الخلاص بالإيمان نال المؤمنين التبرير الحقيقي. ولقد إختبر بولس الحياة الجديدة في المسيح يسوع لا كتغيير مظهري ولا إعتناقاً لتعاليم جديدة إنما ما هو أعظم.. لقد تمتع بقوة الإيمان الحي وتغيير شامل في حياته الجديدة فيه تقديس للقلب والأحاسيس والفكر والعواطف وكل طاقات النفس والجسد بالروح القدس الذي يسكن فيه... (تقديس أي تكريس وتخصيص لله... "يا ابني إعطني قلبك" (أم26: 23) هذا التغيير يتحقق خلال تغيير مركز الإنسان من حالة العداوة مع الله خلال ناموس الخطية (لأنه لم يوجد الإنسان الذي إستطاع تنفيذ كل أوامر الناموس) إلي حالة البنوة لله (التي نحصل عليها بالإيمان بالرب يسوع والمعمودية التي بها نثبت ونتحد بالمسيح الإبن فنصير أبناء لله الآب) الأمر الذي كان ناموس موسى عاجزا عنه.

وحينما يتحدث الرسول هنا عن الإيمان وحده دون الأعمال فهو لا يتحدث عن الجهاد الروحي النابع عن الإيمان الحق (جهاد ايجابي وجهاد سلبي) ولا يتحدث عن أهمية الأعمال والجهاد حتى تعمل النعمة في المؤمن المعمد بل هو يتحدث عن.

أ - الأعمال الناموسية في حرفيتها، فقد كان الخلاف بين عنصري الكنيسة الأولي من متنصرين يهود ومتنصرين من الأمم لا في أمر الجهاد الروحي وإنما أعمال الناموس، إذ طالب اليهود المتنصرين التزام الأمم بأن يتهودوا أولاً بالختان وممارسة الغسلات اليهودية والتطهيرات حتى يُقبلوا في الإيمان المسيحي. والرسول يهاجم هذه الحركة التي ترد المؤمن إلي حرفية الناموس ومظهرية إتمام أعماله.

ب - أعمال الإنسان قبل الإيمان بالمسيح فمهما عمل الإنسان من بر دون إيمان بالمسيح، فهذا لا فائدة منه، فالداخل نجس (أر9: 17).

ج - الأعمال التي يعملها المؤمن ويتفاخر بها علي أنها السبب في خلاصه، وهذا يعتبر بر ذاتي، سقط فيه اليهود إذ كانوا يبحثون عن بر أنفسهم (رو3: 10) أما الرسول فلقد ركز علي الإيمان الحي العملي العامل بالمحبة (غل6: 5) والذي به يرتبط المؤمن بربنا يسوع ويتحد معه بالمعمودية (رو5: 6) ويصلب معه (رو6: 6) ويقوم معه (رو5: 6) ويحيا معه (رو8: 6) ويتمجد معه (رو17: 8) ويرث معه (رو17: 8) ويتألم معه (رو17: 8). لقد مات إبن الله عوضاً عنا لأجل غفران خطايانا والآن يحيا فينا لأجل تحريرنا من سلطان الخطية. نحن الآن نحيا بحياته فينا فنخلص (غل20: 2 + رو10: 5). حياته فينا هي التي تعطينا أن نصبح خليقة جديدة لا سلطان للخطية عليها.

  1. عمومية الخلاص:

إيمان الرسول بولس بالسيد المسيح زعزع أساسات فكره المتعصب، فبعد ما كان مثل كل اليهود يعتنق فكرة أن العالم كله قد خلق من أجل الرجل اليهودي ولخدمته، أدرك حب الله الشامل لكل البشر بغض النظر عن جنسيته أو جنسه أو إمكانياته أو سلوكه، جاء المسيح لليهودي كما للأممي، للرجل كما للمرأة، للطفل كما للشيخ، جاء يطلب الخطاة والفجار ليقدسهم له. جاء لأجل الجميع. لذا تكررت كلمة "الجميع" أو ما يماثلها حوالي 70 مرة في هذه الرسالة. وفند الرسول حجة اليهود أنهم أبناء إبراهيم أب الأباء، فطالبهم بالبنوة الروحية له بحمل إيمانه، بل رفعهم للبنوة لله وهذه تهب الحرية الداخلية. وفند حجتهم أنهم مستلمو الناموس معلناً أن غرض الناموس أنه كان فقط كمرآة تفضح الخطايا والعيوب ولكن لا قوة للناموس أن يغير طبيعتنا. الناموس أعلن الحكم عليهم بالموت، ولكن قادهم إلي المخلص واهب الحياة. وهذا هو هدف الناموس (رو4: 10). وأخيراً فند حجتهم أنهم شعب الله المختار ليعلن بسط الله ذراعيه للعالم كله ليضم له شعباً لم يكن يعرفه، ويجعل من الأمم التي كانت غير محبوبة، محبوبة له بإيمانها به بعد جحود طال زمانه... فالله خالق الكل والمهتم بخلاص الجميع.

10 - كلمات تكررت في الرسالة:

هناك مصطلحات تكررت في هذه الرسالة وهي "النعمة والبر والقداسة" والرسول لا يقدم تعاريف نظرية ومفاهيم فكرية، إنما تشعر وكأنه يود أن يدخل بكل مؤمن إلي التمتع بهذه النعم والعطايا الإلهية التي إختبرها هو.

أولاً: النعمة charisma.

إذ يعالج الرسول بولس موضوع "عمومية الخلاص" يكثر الحديث عن النعمة كمقابل لأعمال الناموس الحرفية، فقد أراد اليهود أن يتبرروا بأعمال الناموس لكن جاء السيد المسيح ليهب النعمة المجانية لكل البشر للتبرير (أف5: 2 - 9) ولقد استخدم الرسول كلمة "نعمة" مقابل كلمة "أجرة". فما نناله من الله ليس أجرة عن عمل نمارسه، إنما هو هبة مجانية قدمها الله خلال ذبيحة الصليب وهي نابعة عن فيض حبه الإلهي. ولاحظ أننا لو تكلمنا عن الأجرة في حديثنا مع الله، فمن صلي أو صام ثم يطلب أجرة يذكر له الله خطاياه.. وأجرة الخطية موت. أما من يشعر ويؤمن أنه حصل علي البنوة، صار إبناً لله وحصل علي النعمة التي غيرت طبيعته، تجده يصوم ويصلي عن حب إبن لأبيه غير طالباً اجرة من أبيه، ومن يطلب الأجرة فهو مازال يعيش بالفكر الضيق اليهودي. أمّا من عاش شاعراً بمحبة المسيح، متمتعاً بعمل النعمة فيه التي غيرت مركزه كإبن، لا كعبد يطلب أجرة عن أعماله، فهذا له حياة أبدية (رو23: 6 + رو15: 5).

ويلاحظ أن كلمة نعمة "خاريزما" هي تعبير عكسري، يستخدم عندما يتولي الإمبراطور العرش أو يحتفل بعيد ميلاده حيث يهب جنوده عطايا مجانية خلال كرم الإمبراطور وسخائه، هي ليست في مقابل عمل معين عملوه. وكأن السيد المسيح إذ إرتفع علي عرش الصليب وملك علي النفوس قدم نعمة لكل البشر، هي عمله الخلاصي الذي يتركز في حلوله في النفس لتثبيت المؤمن فيه بروحه القدوس فينعم بالأحضان الأبوية. هذه هي عطيته أن يتمتع المؤمن بالثالوث الأقدس في استحقاقات الدم الثمين، ليحمل الصورة الإلهية وينعم بسمات سماوية فائقة. والسؤال هنا.. أي عمل عمله الإنسان ليستحق كل هذا؟ بل كانت أعمال الإنسان كلها نجاسة!! لذلك نفهم أن فداء المسيح وإرسال الروح القدس للكنيسة هي نعمة مجانية ليست في مقابل أي عمل عمله إنسان ما.

ويري القديس البابا أثناسيوس الرسولي أن هذه النعمة الإلهية التي تجلت في كمال قوتها بالصليب ليست بالأمر الجديد، فعند الخلقة اقام الله بالنعمة الخليقة من العدم إلي الوجود وبنعمته ميّز الإنسان عن باقي الخليقة، بل خلقه علي صورته ومثاله. بل من نعمته وهبه الوصية حتي لا يفقد الفردوس. بل يحيا فيه للأبد بلا حزن ولا ألم ولا قلق بل في فرح دائم. وعندما فقد الإنسان النعمة الإلهية جاء إبن الإنسان متجسداً ليرد للإنسان ما فقده بتجديد طبيعته بنعمة أعظم.

وهناك تعريف لأحد الدارسين "النعمة هي قوة الله المودعة في يدي الإنسان مجاناً.. لكنها لا تُعطي بدون شرط، وهي تهيئ الإنسان بالروح القدس لتقدمة الخلاص للتمتع بالحياة الأبدية الجديدة النهائية، المعلنة والمدبرة في الكتاب المقدس.. بواسطة يسوع المسيح والمقدمة للعالم كله".

لذلك نفهم أن هناك نوعين من النعمة.

1. عمل المسيح وفدائه (تجسده وصلبه وقيامته) وإرسال الروح القدس هذه نعمة مجانية موجهة لكل العالم، وهي متاحة لكل من يؤمن.

2. النعمة التي هي قوة التغيير التي تغير المؤمن وتصيره خليقة جديدة وهي عمل الروح الذي يسكن في المؤمن، حتى يغيره إلي صورة المسيح (غل19: 4). هذه النعمة متوقفة علي جهادنا. فالنعمة لا تنزع حرية الإرادة. من هنا نفهم أن جهادنا الروحي (السلبي والإيجابي) نحن لا نقدمه كثمن للنعمة وإنما كإعلان عن جدية قبولنا وتجاوبنا مع نعمة الله المجانية، أما المقاومون والمعاندون فإنهم يخسرون عمل النعمة فيهم، الذين يمتنعون عن الجهاد الروحي، أو الذين يجرون وراء شهواتهم الحسية أو خطاياهم معاندين صوت الروح القدس، هؤلاء يخسرون عمل النعمة فيهم، بل ويشتكون من سطوة الخطية عليهم. إن الجهاد ضروري لخلاصنا حتي لا نخسر نعمة الله المجانية. لكننا لا نحسب جهادنا أو أعمالنا الصالحة براً ذاتياً من جانبنا. فالمؤمن لا يعرف شماله (الإفتخار بعمله) ما تفعله يمينه (جهاده وأعماله الصالحة).

إذاً لنقبل نعمة الله ومبادرته بالحب.. هذه النعمة تعمل فينا لتقديس مشيئتنا وأعمالنا. وبجديتنا في تقديس المشيئة والعمل ينفتح القلب أكثر لقبول العمل الإلهي، وهكذا نرتفع من مجد إلي مجد، ونمارس الحياة المقدسة بجهاد وتعب خلال النعمة المجانية.

النعمة إذاً هي عطية الله الآب وتدبيره الخلاصي التي يقدمها لنا في إبنه يسوع المسيح الذي بالصليب حملنا فيه لننعم بما له. ووهبنا روحه القدوس روح الشركة الذي يسكن فينا، الذي يرفعنا إلي الأحضان الأبوية كأبناء مقدسين في الحق. بهذا إرتبطت كلمة النعمة في ذهن بولس الرسول بعمل الله الخلاصي المجاني، غايتها أن ترفعنا من حالة ما تحت الناموس أي تحت أحكامه إلي حالة البنوة ومركزنا الجديد (رو2: 5).

وهناك حالات من عطايا الله ونعمته التي يعطيها للبعض مثل نعمة الرسولية التي وهبها الله لبولس الرسول (رو15: 15).

وفي الفقرة القادمة نري رسماً يوضح حالة الإنسان ما قبل الناموس وما بعد الناموس وما بعد النعمة نري فيه ضرورة الجهاد حتى تعمل النعمة عملها في كبح الشهوات الخاطئة وتجعل الخطية كأنها ميتة (رو3: 8). لكن إذا قَصّر الإنسان في جهاده تنطفئ النعمة (1تس19: 5) وبهذا تسود الخطية الإنسان.

عمل النعمة:

الضمير

ناموس

الخطية

.

* إنسان ما قبل المسيح وما قبل الناموس.

+ الضمير هو الناموس الطبيعي.

نجد هنا أن ناموس الخطية له قوة ضاغطة على الإنسان.

والضمير يقاوم الخطأ ولكن ناموس الخطية له سطوة.

* الإنسان في عهد ناموس موسى.

+ صار الناموس بما له من قوة تأديب وعقاب مساعداً للناموس الطبيعي ضد ناموس الخطية. لذلك قال بولس الرسول أن الناموس مؤدبنا إلى المسيح (رو24: 3) "أعطيتني الناموس عوناً".

* المؤمن المسيحي.

ثانياً: التبرير.

الخاطئ خاطئ بطبعه، وكلنا خطاة بالوراثة من أبينا آدم. فأنا كنت في آدم حين أخطأ. وحيث أنني ولدت من آدم فأنا جزء منه، جزء خاطئ مولود بالخطية (مز5: 51) وليس في سلطاني أي شئ لأفعله لكي أغيّر هذه الطبيعة أو هذه الحقيقة، حتى لو حاولت تحسين سلوكي. فلو كان جدي قد مات وهو في سن الثالثة، ما كنت أنا قد وجدت أصلاً بل كنت أنا قد مُتُّ فيه أيضاً، فأنا كنت في آدم حين أخطأ ففسدت طبيعته وورثت أنا منه طبيعته ونتائج خطيته. (هذا ما يسمي وحدة البشرية، فكل البشرية خارجة من شخص آدم). وصار مستحيلاً علي أي إنسان أن يحيا باراً. ليس فقط لا يصنع الشر بل أيضاً يصنع البر، صار مستحيلاً علي أي إنسان أن يمتنع عن السلبيات أو أن يفعل الإيجابيات. وشعر الإنسان بفشله في أن يتبرر أمام الله "ليس بار ولا واحد" (رو10: 3). وخلال الناموس الطبيعي صرخ أيوب التقي فكيف يتبرر الإنسان عند الله (أي2: 9 + أي14: 15 - 16 + 25: 4 - 6 + مز134).

والله أعطانا الناموس عوناً، لكن الناموس كشف الخطايا كالمرآة ولكن لم يكن ليستطيع أن يغير من طبيعتنا فنصنع البر، ولذلك لم يستطع أي إنسان في ظل الناموس الموسوي أن يلتزم به، فإنه إذ يكسر الإنسان وصية واحدة ولو بالفكر أو بالنية يحسب كاسراً للناموس ولا يتبرر. بل كان الناموس نير لم يستطع أحد من الآباء حمله (أع10: 15) لكن اليهود حاولوا أن يتبرروا في أعين أنفسهم، حاسبين أن البر يكمن في إنتسابهم لإبراهيم أبيهم جسدياً أو حفظهم حرفياً لأعمال الناموس أو إنتمائهم لشعب الله المختار إياً كانت حياتهم.. وكانت النتيجة انهم سعوا وراء بر الناموس الذي يقوم علي حفظه شكلياً (رو22: 10). ولم يفهموا أن الناموس كان غرضه أن يشعروا بضعفهم وعجزهم وإحتياجهم لمخلّص. وهذا ما أدركه داود إذ صرخ "قائلاً قلباً نقياً إخلقه فيّ يا الله وروحاً مستقيماً جدد في أحشائي" (مز51).

والبر في الكتاب المقدس يعني عمل الصلاح والخلو من الخطيئة. ولذلك فالبر هو صفة الله وحده القدوس الذي بلا خطية. لذلك حين سأل الشاب السيد المسيح قائلاً أيها المعلم الصالح، كان رد المسيح "ليس صالحاً إلا الله وحده" وهذا ليلفت نظره أن البر هو صفة الله وحده. أما اليهودي فكان يفتخر بأنه بار بحسب الناموس (في6: 3 + رو19: 3، 20). ومن هذا نفهم أن اليهود لم يكونوا فقط يفتخرون ببرهم، بل يحبون أن يعطوا أنفسهم ألقاباً رنانة تدل علي صلاحهم وبرهم. ونفهم أيضا من رد المسيح علي الشاب أنه يصحح هذه المفاهيم، فالبر في المفهوم اليهودي كان هو الإلتزام بوصايا الناموس، وكانوا يحاولون الإلتزام بها رغماً من فساد الداخل ووجود الكبت داخلهم وإشتهاء الخطية. وكان من يلتزم خارجياً بوصايا الناموس يسقط في خطية البر الذاتي وهي كبرياء أعمي إذ كانوا لا يروا فساد الداخل لذلك شبههم السيد بالقبور المبيضة من الخارج وداخلها عظام أموات ونجاسة، فاليهود إذ ظنوا أن التزامهم بحرفية الناموس يبررهم كان ذلك سبباً في إعجابهم بذواتهم، وبهذا فهم نسبوا البر لذواتهم. لذلك فهنا السيد المسيح يلفت نظر الشاب أن البر هو لله وحده. والمعني من وراء هذا.. لا تبحث عن البر والصلاح في تنفيذ وصايا بل في وجود الله داخلك. ويعني أنه لا داعي أن تقول عني صالح إن لم تؤمن بأنني الله، وإيمانك بأنني الله هو الذي سيعطيك الحياة الأبدية. وهذا ما أتي المسيح لأجله. فالمسيح أتي لا ليعطينا وصايا جديدة بل يعطينا حياته ويكسونا ببره بعد أن يطهرنا بفدائه، ألبسنا المسيح رداء بره فصار العدل الإلهي ينظر إلينا من خلال بر المسيح. بإختصار التبرير في المسيحية هو إكتساب بر المسيح، لأن الإنسان لم يستطع أن يكون باراً بالطبيعة (بالناموس الطبيعي) ولا بالناموس الموسوي. فناموس موسى لا يؤدي للخلاص، بل هو كان مؤدبنا إلي المسيح، بينما كان للخطية سلطان رهيب في ظل الناموس، ومن يمتنع عن الخطية يمتنع خوفاً من عقوبات الناموس مما يسبب كبت. أما بر المسيح فهو تجديد شامل للحياة وتطهير للضمائر بدم المسيح (عب14: 9 + 22: 10). ونري في رسالة رومية تبرير المسيح المجاني (24: 3، 25 + 9: 5 + غل16: 2). ومعني الخلاص المجاني والتبرير المجاني أن المسيح قدم نفسه ذبيحة عنا ليس لبر فينا، بل مات عنا ونحن بعد خطاة (رو8: 5) وقولنا أن الله بار فهذا يعني أنه قدوس، وأنه بار في وعوده لنا (رو3: 3، 4) رغم ان البشرية لم تتجاوب مع عمله الخلاصي.

كيف يتبرر الإنسان.

الله هو الذي يبرر أي يعطي بره للإنسان، وهذا ما عمله المسيح إذ مات عنا فإستوفي حق العدالة الإلهية عنا، فغفرت خطايانا، وقام ليقيمنا معه، معطياً لنا حياته وبره نحيا بهما، فالبر هو تجلي سمات المسيح في حياتنا. الحياة في بر مستحيلة علي الإنسان دون عمل المسيح ونعمته.

التبريئ والتبرير.

يبرئ: أي يصير الشخص بلا إتهام. وذلك لأن المسيح بموته عنا دفع الفدية وغفرت الخطايا السابقة.

يبرر: أي يحيا الإنسان يعمل أعمال بر عن شغف وحب وحرارة.

مثال: - رجل ضبط امرأته في وضع خيانة له فسلمها للقضاء ليحكم عليها. هذا كان وضعنا قبل المسيح. ولنتصور أن القضاء حكم علي المرأة بالبراءة (هذا عمل دم المسيح الغافر) لكن هذا لا يكفي المرأة إذ هي ما زالت محرومة من بيتها وأولادها. هنا يأتي المعني الكامل للتبرير، فهذا ليس معناه غفران الخطايا فقط بل أن المسيح أعطانا حياته متحداً بنا لنحيا في بر كأولاد الله، من أهل بيته (هذا يشبه رجوع المرأة لبيتها). التبرير إذاً ليس فقط هو غفران الخطايا، بل كون أن المؤمن يصير مزكي عند الله، من أهل بيت الله، إبنا لله، وأولاد الله يحيون ليصنعوا البر فهم علي صورة الله، وهذا لا يمكن أن يكون بقوة عمل الإنسان بل بأن يحيا المسيح الإله فينا معطياً لنا حياته. وهذه الأعمال البارة التي يقوم بها المؤمن هي التي تنفعه يوم الدينونة حيث يجازي الله كل واحد بحسب أعماله (رو6: 2 - 8). إذاً التبرير هو في معناه الكامل رفع الغضب عنا وسكب رضي الأبوة الإلهية بكل عطاياها، وهذا كان بأن المسيح غفر خطايانا بدمه والآب صالحنا في الحال لنفسه.

ولكن ليس معني أن المسيح أعطانا حياته لندخل إلي بره أن نتهاون أو يكون إيماننا لفظياً (فينطبق علينا قول الكتاب هذا الشعب يسبحني بشفتيه فقط أمّا قلبه فمبتعد عني بعيداً (مت8: 15). لكن الله يطلب الإيمان العامل بالمحبة (غل6: 5). ولنلاحظ أهمية الجهاد حتي يكون لنا هذا البر. ولاحظ الآية "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ" (غل20: 2) من هنا نفهم أن شرط ان يحيا المسيح فيّ أن أقبل صلب أهوائي وشهواتي الخاطئة. وكما أن الروح القدس يبكتنا علي خطية فهو يبكتنا علي بر أي يبكتنا لو لم نصنع البر. فالروح يبكت أولاً علي خطية أي يقنعنا بفساد طريق الخطية ثم يعطينا معونة حتي نترك خطيتنا ثم يبكت علي بر أي يقنع الإنسان المؤمن بأن يصنع البر وحين يقتنع يعطيه المعونة ليفعل البر "فالروح يعين ضعفاتنا" (رو26: 8). فالروح القدس الذي فينا يحولنا دائماً لصورة المسيح البار (غل19: 4) نرفض الشر ونصنع البر. فالبر في سلبيته هو توقف عن عمل الشر وفي إيجابيته هو حمل سمات المسيح عاملة فينا. ولاحظ أهمية أن نجاهد بأن نعمل أعمال بر، فالروح لا يعين المتراخين. لذلك فهذه الرسالة التي تكلمنا عن البر المجاني، تهتم بأن تظهر أهمية أن نجاهد لنعمل البر (إصحاحات12 - 15).

طريق التبرير والتقديس والتمجيد: هنا ننتقل لمرحلة العيان ونرى الله وجهاً لوجه.

(2كو18: 3)

القيامة والحصول علي الجسد الممجد (1كو43: 15) هذاهوالمجد العتيد ان يستعلن فينا (رو18: 8).

الموت بالجسد (رو24: 7).

من يسكن الله فيه فهذا هو المجد (زك5: 2) ولكن مالنا من المجد الآن فهو مخفي غير ظاهر.

من يتقدس يصير مسكناً للثالوث (يو23: 14) + (1كو16: 3).

التقديس هو أن نتخصص ونتكرس لله وتصير أعضائنا تعمل لحساب مجد إسمه.

كلما نسير في طريق التبرير تموت أعضائنا عن الخطية فلا تكون آلات إثم بل تتخصص لله وتكون آلات بر (رو13: 6).

التبرير طريق التقديس.

بهذا يتحقق "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ" (غل20: 2).

طريق التبرير

الروح يأخذ من بر المسيح وحياته ويعطي للمؤمن (2كو21: 5).

الروح يبكت علي بر (يو8: 16) أي يقنع المؤمن بأن يعمل أعمال بر إيجابية.

عمل الروح القدس (النعمة) يعطي للمؤمن قوة ليصلب شهواته فيُصلَبْ مع المسيح.

لروح القدس يقنع المسيحي بفساد طريق الخطية (أر7: 20).

الروح القدس يبكتنا علي كل خطية نرتكبها (يو8: 16) ثم سر الإعتراف.

بالمعمودية نصير أولاداً لله ثم بالميرون يحل علينا الروح القدس.

بالمعمودية غفران الخطايا وبهذا يتبرأ الإنسان من خطيته (رو7: 6). إذ دفع المسيح الثمن.

الخطوة الثانية هي المعمودية وهي موت وقيامة مع المسيح (رو3: 6 - 8).

المدخل للتبرير هو الإيمان "وإذ قد تبررنا بالإيمان" (رو1: 5).

التبرير والتقديس والتمجيد يسيروا معا وليس كالرسم، ولكن هذا الرسم هو للشرح فقط.

ثالثاً: التقديس.

القداسة سمة خاصة بالله نفسه الذي يدعو نفسه القدوس (لا44: 11، 45 + 26: 20 + 2: 22 + ابط16: 1). وهو يسكب هذه السمة علي خليقته المحبوبة لديه فيحسبهم قديسين ناسباً نفسه إليهم بدعوته قدوس القديسين (دا24: 9) ويسمي شعبه سواء في العهد القديم أو الجديد أمة مقدسة (خر6: 19 + ابط9: 2). والروح القدس يسمي روح القداسة هو الذي يهبنا الحياة المقدسة بأن يدخل بنا إلي الثبوت في المسيح القدوس، فنحمل سماته فينا ويتحقق القول أن نكون قديسين كما أنه قدوس (لا44: 11 + 1بط16: 1). هذه الهبة المجانية تُعطي للمجاهدين لا ثمناً لجهادهم، وإنما من أجل تجاوبهم مع فيض نعمة الله المجانية ليسلكوا في القداسة. والرسول يدعو المؤمنين المجاهدين "مدعوين قديسين" (رو7: 1) ليس لأنهم بلغوا الحياة المقدسة في كمالها وإنما لأنهم يسيرون فيها مشتاقين البلوغ إلي كمالها. وقولنا أن الله قدوس تعني أنه المرتفع عن كل العالم والأرضيات والماديات. والمكان الذي يحل فيه الله يصير مقدساً بمعني أنه لا يُقترب منه إلاّ بشروط (خر5: 3) لذلك ابتدأت تتسحب القداسة علي كل ما يخص الله علي الأرض، فالهيكل وأدواته والكهنة والأعياد والسبت، والشعب وأورشليم بل كل أرض فلسطين هي مقدسة. فالله نقول عنه قدوس بمعني الذي يتسامي عن الأرضيات، وما يقال عنه مقدس فهو الذي صار مخصصاً لله. والإنسان المقدس أي الذي يصير مخصصاً لله بفكره وحواسه وأعضاؤه، منشغلاً بالسماويات وبالله، مكرساً نفسه لله. والتقديس يأتي بعد التبرير فيستحيل أن يقال عن قديس أنه لم تغفر خطاياه. القديس تتحول أعضاؤه تدريجيا لآلات بر مخصصة لله بدلاً من أن تكون آلات إثم تعمل لحساب العالم.

ملخص لمقدمة رسالة رومية مع إيضاحات أكثر لفكرة الخلاص.

فكر بولس الرسول عن الخلاص ومقدمة لرسالة رومية.

الله خلقنا لحياة أبدية: -.

  1. أول آية فى الكتاب "فى البدء خلق..." فالله يعلن إرادته فى إعطاء حياة فهو لا يخلق موتا.
  2. الله خلق العالم فى مليارات السنين ليحيا الإنسان فى جنة جميلة، فهل يعقل بعد ذلك أنه يخلقه ليحيا عدة سنوات قليلة ثم يموت.
  3. كانت شجرة الحياة متاحة لآدم ولو إختار الأكل منها لما مات ولكنه إختار شجرة المعرفة بحريته.
  4. قوس قزح كان علامة لنوح أن الله لا يريد أن يهلك العالم مرة أخرى. ثم نسمع فى سفر الرؤيا أن يوحنا رأى قوس قزح حول العرش شبه الزمرد (وهو أخضر اللون) والمعنى أن الله يذكر ميثاقه مع الإنسان فى أنه لا يريد أن يهلكه، بل أن يحيا حياة أبدية (اللون الأخضر يشير للحياة).
  5. فداء المسيح كان لنحيا أبدياً.

الله خلقنا لنفرح: -.

  1. إسم الجنة عَدْنْ وهى كلمة عبرية تعنى فرح، فهذه إرادة الله أن نفرح.
  2. كان الفرح نتيجة حب متبادل مع الله، فالله محبة وآدم مخلوق على صورة الله. والفرح ينشأ عن المحبة.
  3. الله بارك الإنسان (تك1: 28).
  4. المسيح أعاد لنا المحبة والفرح.... (ثمار الروح القدس).

وسقط الإنسان إذ إختار بحريته إرادة غير إرادة الله فتذوق الشر فإنفصل عن الله ومات. كان الله يعرف أن آدم كان ضعيفا فلم يرد أنه يتذوق الشر قبل أن يختار الأكل من شجرة الحياة، لذلك نهاه عن الأكل من شجرة المعرفة. وكانت الوصية فى مقابل الحرية كحماية له. وكان آدم حرا فهو على صورة الله.

أنا إختطفت لى قضية الموت (القداس الغريغورى).

مخالفة الوصية أدت إلى: -.

  1. الموت بأنواعه (أدبى / روحى / جسدى / أبدى). والموت عكس الحياة. بل وقَصُرَ عمر الإنسان.
  2. العبودية (آخر كلمات سفر التكوين "فحنطوه ووضع فى تابوت فى مصر" ومصر هى أرض العبودية). والعبودية عكس الحرية. ولاحظ أن المصريين كانوا يحنطون موتاهم إذ كانوا يعتقدون أن الروح ستعود للميت فيعود للحياة. ويكون معنى الآية أن الله سمح بموت الإنسان وعبوديته لكن على رجاء.
  3. اللعنة (كلمة لعن هى آخر كلمات آخر كلمات العهد القديم "لئلا آتى وأضرب الأرض بلعن") وهى لعنة للأرض (ملعونة الأرض بسببك). ولعنة للإنسان (ملعون أنت من الأرض) واللعنة عكس البركة (والبركة تصاحب وجود الله، أما اللعنة فهى فى إنفصال الله عن الإنسان أو المكان). ولعنة الأرض لاندرى مداها إذ لا ندرى ماذا كانت ولكن ما نراه من زلازل وبراكين وأوبئة... هذا ما نراه من نتائج اللعنة. ولعنة الإنسان تسببت فى تحوله للطبع الوحشى مما إنعكس على الوحوش، فسمح الله للإنسان بأكل اللحم.
  4. إختفى الفرح إذ طرد الإنسان من جنة الفرح وخدع الشيطان الإنسان بأن اللذة الحسية هي الفرح.
  5. المرض بأنواعه (جسدية ونفسية....).
  6. فساد طبيعة الإنسان: كان الإنسان مخلوقا على غير فساد، والخطية أفسدته، وصارت للإنسان طبيعة فاسدة. صار الإنسان غير قادر أن ينفذ الناموس ولا أن يصنع البر.
  7. نزع الروح القدس من الإنسان.
  8. فقدان صورة الله وفقدان البنوة.

وكان هذا ناتجا عن أن الخليقة أخضعت للباطل لكن على رجاء (رو8: 20). وهذا من مراحم الله إذ يقول "لحيظة تركتك وبمراحم عظيمة سأجمعك. بفيضان الغضب حجبت وجهى عنك لحظة وبإحسان أبدى أرحمك قال وليك الرب" (إش54: 7، 8).

وإحتاج الإنسان إلى طبيب وكان هو المسيح الذى قدَّم لنا الفداء فماذا أخذنا بالفداء؟.... "أنا هو الرب شافيك" خر15: 26.

  1. الألم دخل نتيجة للخطية، والله حول العقوبة خلاصا فالموت تحول لقيامة أولى هنا على الأرض بالتوبة وفى النهاية قيامة ثانية لحياة أبدية.
  2. المسيح أتى لشفاء طبيعتنا (السامرى الصالح) فنعود لصورة المسيح (غل4: 19) وهكذا فى السماء (1يو3: 2). وتغيرت طبيعة الناس فشعب روما الدموى تغير وشاول الطرسوسى تغير والزناة وعبدة الأوثان تغيروا، بل إنعكس هذا على طبع الوحوش (الأنبا برسوم العريان والثعبان)، بل وعلى الطبيعة فالله كان يفيض ماء النيل بسبب الأنبا بولا. ورأينا كيف أن البركة والقداسة تنتقل كما تنتقل اللعنة.
  3. الكفارة = إذ تعرينا جاء المسيح ليسترنا ويغطينا (يكفر = يغطى). فلا يرانا الآب بل يرى إبنه. لذلك يقول لنا الرب "إثبتوا فىَّ".
  4. الفداء = يلخص بولس الرسول هذا بقوله "صولحنا مع الله بموت إبنه.... ونخلص بحياته" (رو5: 10).
  5. بموت المسيح.... دفنا معه فماتت الطبيعة القديمة وتم تنفيذ حكم الناموس فينا فغفرت خطايانا إذ دفع المسيح الثمن. فالمسيح لإتحاد لاهوته غير المحدود مع ناسوته كان فداءه غير محدود، وكافٍ لغفران خطايا الجميع فى كل زمان ومكان. "من يد الهاوية أفديهم، من الموت أخلصهم" (هو13: 14). بالمعمودية نموت مع المسيح فنتبرأ من خطايانا السالفة.

نخلص بحياته.... بالمعمودية نقوم مع المسيح متحدين به ويعطينا حياته، ولإتحادنا به ننال البنوة لله. وبهذه الحياة يمكننا أن نسلك فى بر، وإن سلكنا فى بر نتبرر، ولكنه بر الله الذى بالمسيح الذى إتحد بنا وأعطانا حياته (2كو5: 21). وتتحول أعضاءنا لآلات بر بدلاً من أن تكون ألات إثم راجع (رو6). وهذه الخليقة الجديدة فى المسيح هى التى تَخْلُص (غل6: 15). ولكن هذا لمن يصلب الجسد مع الأهواء الشهوات.. (غل5: 24). حينئذ يقول مع بولس الرسول "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىَّ" (غل2: 20).

  1. اللعنة تحولت إلى بركة، إذ صار المسيح لعنة لأجلنا (غل3: 13) "فملعون كل من عُلِّق على خشبة" (تث21: 23) فهو تحمل عنا كل نتائج الخطية (موت / لعنة / عرى / شوك / ....) هو حمل كل خطايانا.
  2. صار وارثا لأجلنا (عب1: 2)... بأن مجد ناسوته ليعطينا هذا المجد (يو17: 5، 22). وأما على الأرض هنا فلقد عاد لنا السلام والفرح وباقى ثمار الروح القدس. أما الأشرار فهم بلا سلام.

وهذه قصة الكتاب المقدس.

أسفار موسي: الله يعطى حياة ولكن يموت الإنسان ويرسل الله موسى ليخلص الشعب من عبودية فرعون ونرى كل قصة فداء المسيح كرموز.

الأسفار التاريخية: نرى أنه بدون ملك ساد الفساد (القضاة) ثم يُكَوِّن الله مملكة كرمز لمملكة المسيح.

الأسفار الشعرية: هى علاقة تصاعدية للمؤمن مع الله، وتبدأ بالتصادم مع الله (أيوب) ثم اللجوء لله بالصلاة والروح القدس يعين ويعزى ويضع كلمات على الفم (المزامير) والروح القدس يعطى حكمة (الأمثال) وتأتى قمة الحكمة فى قول سليمان أن العالم باطل (الجامعة) ولكن قمة الروعة تصل فى (النشيد) فى علاقة الحب مع الله.

الأنبياء: يتلخص كلام الأنبياء فى إظهار بشاعة حال الإنسان، وأنه يستحق الهلاك ولكن... يشير كل الأنبياء لأن الحل فى المسيح الذى سيأتى للفداء راجع مثلا (هو5: 8هو6: 3).

وينتهى العهد القديم بكلمة لعن.... إنتظاراً للمسيح الذى يحول اللعنة إلى بركة.

العهد الجديد: نرى تحقيق الوعد فيه "باركنا بكل بركة روحية فى السماويات فى المسيح (أف1: 3). وينتهى بقول يوحنا الرائى" آمين تعال أيها الرب يسوع "لتنتهى ألام الأرض ونحيا فى الفرح والمجد.

والمسيح ذراع الله (إش51: 9 – 11 + 59: 1، 16) وهو تمم الفداء وأرسل الروح القدس إصبع الله (قارن مت12: 28 مع لو11: 20) ليتمم تجديد طبيعتنا.

عمل الروح القدس معنا فى تجديد طبيعتنا.

  1. الله لم يعطنا روح الفشل بل روح القوة والمحبة والنصح (2تى1: 7).
  • القوة: قوة لنسلك فى البر وقوة تساند إرادتنا بالإقناع (إر20: 7) وهذا ما يسمى بالنعمة. ولكن لا بد من الجهاد كما يقول الرسول "فإذ نحن عاملون معه" (2كو6: 1). وهى قوة فى مواجهة أى شئ مخيف.
  • المحبة: الروح يسكب فينا محبة الله ومحبة الجميع حتى أعداءنا. وبهذه المحبة تكون لنا إمكانية حفظ الوصايا. وبالمحبة نثبت فى المسيح (يو15: 9). وبدون الروح القدس لا توجد محبة حقيقية. والروح يعرفنا بالمسيح ويعطينا رؤية حقيقية له فنحبه (يو16: 12 – 16)، وبهذا يسكب محبة الله فى قلوبنا (رو5: 5). والروح يعلمنا ويذكرنا بكل تعاليم رب المجد، ويفتح أعيننا على السماء (1كو2).
  • النصح: الروح يعطينا المشورة لإتخاذ القرار السليم. النصح فى الإنجليزية.

(sound mind). فالروح ينصح ويقنع المؤمن بأن يترك الخطية ويسلك فى البر (إر20: 7 + يو16: 8).

  1. الأسرار الكنسيــــــــة: وبواسطتها يبدأ عمل الروح القدس فينا: -.
  • المعمودية: - وبها نستفيد من موت المسيح وقيامته (رو6)، فيها نموت مع المسيح ونقوم متحدين معه وتكون لنا حياته الأبدية. ولكن علينا بعد ذلك أن نستمر كأموات أمام الخطية والروح يعين.
  • الميرون: - بهذا السر يسكن الروح القدس فى المعمد، ويعمل الروح القدس على أن يثبت المعمد فى المسيح (2كو1: 21، 22). وهذا يتم بأنه 1) يبكتنا على فعل الخطية. 2) يبكتنا على عدم فعل البر 3) يبكت على دينونة... فلماذا نلتمس لأنفسنا الأعذار إذا أخطأنا فالروح يعطى نعمة أعظم (يع4: 4 – 7) والروح يعين ضعفاتنا (رو8: 26) فلماذا نخطئ. ولاحظ أن المسيح داس الشيطان وأعطانا هذا السلطان، ودان الخطية فى الجسد (رو8: 3) أى أضعف سلطانها وأماتها ولكننا بحريتنا نرتد عن كل هذا. وهذا كله يعنى أن لنا سلطان على الخطية (رو6: 14)، ولهذا قال الكتاب "أعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله..." (يو1: 12) فما يفصلنا عن البنوة هو الخطية. توبنا يا رب فنتوب (إر31: 18). وكما رأينا فالروح القدس يسكب المحبة فى قلوبنا، وبالمحبة نحفظ الوصايا، وبالمحبة وحفظ الوصايا نثبت فى المسيح.
  • التوبة والإعتراف: - هو قرار بالموت عن الخطية لنحيا فى بر. والروح القدس فى سر الإعتراف ينقل الخطايا التى إعترفنا بها لله أمام الكاهن إلى المسيح فيغفرها دم المسيح فى ذبيحة الإفخارستيا.
  • الإفخارستيا: - "من يأكلنى يحيا بى" (يو6: 57).
  • مسحة المرضى: - ليست لشفاء الجسد فقط بل هى لشفاء الإنسان كله نفسا وجسدا وروحا بل قد يكون المرض عمل إلهى لشفاء الروح لتخلص أبديا. ولاحظ صلوات سر مسحة المرضى "إشف يا رب (فلان).... وإن كان قد فعل خطية تغفر له". وهذا ما علَّم به القديس يعقوب (يع5: 14 – 16).
  1. والروح القدس يعطى مواهب لبناء الكنيسة كجسد واحد ليقدم عروس واحدة لعريسها المسيح. ونلاحظ قول السيد المسيح...... "من آمن وإعتمد خلص".

من آمن وإعتمد خلص (مر16: 16).

ليقوم بحياة جديدة فى بر رافضــا، رو6: 11) وبهذا تثبت حياة المسيح فيه.

العالم وخطاياه.

إذن الإيمان ليس ترديد كلمات أو قبول المسيح كمخلص نظريا بل هو قبول الموت مع المسيح بالطبيعة القديمة،.

فيكون الخلاص هو حياة جديدة تعمل البر، وخليقة جديدة (2كو5: 17).

وأنا أريد أن أبرأ من الطبيعة القديمة...... والروح يعين.

هذا جهـــــــادى أنا وهذا عمل النعمة أى معونة الروح.

وهذا ما قاله الرسول.......

إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد (رو8: 13).

عمل النعمة التى تعين إماتة أعمال الجسد هى بالإرادة الحرة وهذا هو الجهاد.

والجهاد هو التغصب على عمل الصالح (مت12: 11).

ولهذا نقول أن الروح القدس هو الروح المحيى، فهو يثبتنا فى الإبن فتكون لنا حياة الإبن ومن له حياة تكون له ثمار. ومن يثبت فى الإبن يحصل على البنوة. والروح يشهد لأرواحنا قائلا يا آبا الآب. فهو روح التبنى.

الجهاد والنعمة.

الجهاد: هو ببساطة التغصب على فعل إرادة الله وهذا ما علَّم به الرب... "ملكوت السموات يغصب" (مت11: 12).

النعمة: هى معونة الروح القدس وهى عطية مجانية، ولكن بحسب فكر الأباء فهى تُعْطَى لمن يستحقها.

الجهاد والأعمال: نوعين 1 - جهاد سلبى 2 - جهاد إيجابى.

وكلا النوعين يحتاج للتغصب.

الجهاد السلبى: هو أن نقف أمام الخطية كأموات (رو6: 11 – 14 + كو3: 5) ونرى فى (رو12: 1) = تقديم الجسد ذبيحة حية، وهذا يعنى أن لا ننقاد لشهواتنا ثانية، فلا شركة للنور مع الظلمة. ويقول بولس الرسول "أقمع جسدى وأستعبده..." (1كو9: 27) وهذا صليب إختيارى. وهذا أيضا نراه فى كيفية التمتع بثمار الروح القدس فينا، لأن هذه الثمار هى لمن يصلب جسد مع الأهواء الشهوات (غل5: 24). بل الله يساعدنا بصليب من عنده كما أعطى لبولس الرسول شوكة فى الجسد. ويقول الرسول "مع المسيح صلبت فأحيا..." (غل2: 20) لذلك فبقدر ما نمارس صلب النفس بقدر ما نرى المسيح حيا فينا وبره ظاهرا فينا (2كو4: 10 – 16). فكلما يفنى "إنساننا الخارج بألام الصليب يتجدد الداخل يوماً فيوماً". إذن الجهاد السلبى هو قبول أن تموت الطبيعة القديمة التى فىَّ، وقبول الصليب الموضوع علىَّ والصليب الإختيارى بدون تذمر.

الجهاد الإيجابى: عمل البر كالصلاة والتسابيح والصوم... وبذل الذات فى الخدمة، وفى هذا يقول الرسول "جاهدت الجهاد الحسن...." (2تى4: 7) ويوصى تلميذه تيموثاوس بهذا (1تى6: 12). ويقول الرسول أيضا أنه تعب أكثر من جميعهم (1كو15: 10). ويقول "أما الذين بصبر فى العمل الصالح.... سيجازى كل واحد بحسب أعماله" (رو2: 6، 7). إذن الجهاد الإيجابى هو أن نقبل السلوك فى الحياة الجديدة التى على صورة المسيح (غل4: 19)، وبحياة المسيح التى فينا ….. "عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح" (فى1: 27).

إذن الحياة الجديدة هى قبول الموت عن الخطية والحياة فى بر بحياة المسيح التى فينا. فنستعيد صورة الله.

لكن هل الجهاد وحده يكفى؟ قطعا لا فلماذا: -.

  1. لو كان الجهاد وحده يكفى ما كان هناك داعٍ لموت المسيح.
  2. لو كان بالناموس بر إذاً المسيح مات بلا سبب (غل2: 21).
  3. يقول السيد المسيح "بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئا" (يو15: 5).
  4. يقول بولس الرسول "أستطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينى" (فى4: 13).

لذلك كان هناك إحتياج للنعمة وهى معونة إلهية لمن يجاهد.

النعمة: نوعين 1 - دون عمل منا 2 - نعمة تحتاج إلى جهاد منا.

  1. كان الصليب والفداء وإرسال الروح القدس ليس لإستحقاق أى مخلوق. ومهما عمل أى مخلوق ومهما بلغت درجة قداسته فما كان له إستحقاق فى الخلاص بدون عمل الفداء. وتقول السيدة العذراء والدة الإله وأطهر المخلوقات "تبتهج روحى بالله مخلصى" (لو1: 47) فهى، وهى والدة الله تحتاج للخلاص بدم إبنها. كان الفداء عطية مجانية من الله للبشر ليخلصوا.
  2. لكن هناك نعمة تحتاج إلى جهاد منا، وهى معونة الله لنا لنكمل وتتجدد طبيعتنا فنخلص. وهذه قيل عنها "ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد" فالروح يؤازر أعمال الجسد (رو2: 29) ويعين ضعفاتنا (رو8: 26). والنعمة تسندنا أمام خداعات قلبنا النجيس (إر17: 9). وعن هذا النوع من النعمة نقول أنها تحتاج إلى جهاد.

أمثلة للجهاد والنعمة.

فلك نوح: نوح عمل ما إستطاعه (جهاد) لكن الله أغلق عليه (نعمة) فلم يتسرب الماء للفلك (تك7: 16).

الخمس خبزات = (جهاد) فهذا كل ما إستطاعوا جمعه، و (بالنعمة) أشبع الرب 5000 نفس.

إقامة لعازر: ألم يكن الرب الذى أقامه (نعمة) قادرا على رفع الحجر ولكن كان هذا هو جهاد البشر.

تحويل الماء إلى خمر: ملأ الأجران (جهاد) و(بالنعمة) حَوَّل الرب الماء إلى خمر.

أستار فى بطن سمكة: مثل رائع للزوم الجهاد مع النعمة. لو الجهاد بدون النعمة لطلب الرب من بطرس أن يصطاد سمكا كثيرا ليبيعه ويدفع الجزية. ولو النعمة بدون جهاد كافية لأحضر الرب أستارا من السماء.

يقول الرسول إمتلئوا بالروح (وهذا بالنعمة فالروح هو عطية من الله مجانية) لكن هذا الإمتلاء يحتاج إلى جهاد يعلمه لنا الرسول بقوله "مكلمين بعضكم بمزامير ومرنمين ومسبحين وشاكرين على كل حال وخاضعين بعضكم لبعض..." (أف5: 18 – 21).

أحبوا أعدائكم (المحبة هى نعمة فهى عطية من الله) لكنها تعطى لمن يغصب نفسه على أن يتكلم حسنا على الناس = باركوا لاعنيكم + يحسن إليهم + يصلى لأجلهم، وهذا التغصب يسمى جهاد.

لو كان بالنعمة فقط فلماذا لا يتحول الكل إلى قديسين!! ولكن الرب يقول "كم مرة أردت لكنكم لم تريدوا" (مت23: 37).

ولاحظ قول الرسول "إننا عاملون معه" (2كو6: 1) + قوله "تعبت أكثر منهم (جهاد)... لا أنا بل (نعمة) الله التى معى (1كو15: 10).

وما زال يسأل كل منا "أتريد أن تبرأ" (يو5: 6).

الضمير والناموس والنعمة.

الضمير: - الله طبع وصاياه على قلب آدم بالمحبة إذ كان فى الجنة يحب الله فهو مخلوق على صورة الله، ومن يحب الله يحفظ وصاياه (يو14: 23). والضمير هو عطية إلهية لكل البشر.

الناموس: - بالسقوط فسدت طبيعة الإنسان ولم يعد يحب الله، فما عاد قادراً على حفظ الوصايا. فأعطاه الله الناموس عونا (القداس الغريغورى) ليكون مؤدبا للإنسان حتى يأتى المسيح (غل3: 24) وذلك لكبح جماح البشر بالخوف من عقوبات الناموس. وكانت الوصايا على لوحى حجر لتناسب حالة قلب البشر الذى تحجر. وكان الناموس هو عطية الله لليهود.

النعمة: - هى عمل الروح القدس فى الإنسان المعمد. ولكن من يطفئ الروح ويحزنه لا يعود يشعر بهذه النعمة.

وبهذا يتمتع الإنسان المسيحى بالضمير والناموس وعمل النعمة.

بولس الرسول يهاجم الأعمال.. فأي أعمال هذه التى يهاجمها؟!

  1. أعمال الناموس الطقسية من ختان وخلافه.
  2. الأعمال بفكر يهودى أى الذين يشعرون أن أعمالهم تبررهم وهى سبب خلاصهم، وهم يفتخرون بها ويفتخرون ببرهم الذاتى. هم لا يشعرون أنهم فى إحتياج لمعونة من الله. وهذه هي الفريسية.
  3. كل أعمال الإنسان قبل المسيح لاقيمة لها للخلاص بدون دم المسيح. (هذا ما يناقشه بولس الرسول).
  4. أما بعد الإيمان فالجهاد والأعمال شرط للحصول على النعمة (وهذا ما يناقشه يعقوب الرسول).
  5. وحتى الآن فكل من يشعر أنه بأعماله هو شئ، ويفتخر بأعماله، بل يطالب بأجر عن كل عمل يعمله فإن صلى يريد بركة مادية من الله وهكذا لو صام... إلخ. ويتصور أنه بأعماله يحاسب الله لو سمح له الله بتجربة قائلا.... لماذا هذا وأنا أصلى وأصوم... فهو ساقط فى البر الذاتى كالفريسيين.

بالنعمة أنتم مخلصون ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد (أف2: 5، 9).

هل تعنى هذه الآية حقا أن الخلاص هو بالنعمة فقط وبدون أعمال؟!

* لو قال بولس الرسول "بالنعمة أنتم مخلصون ليس من أعمال" وسكت لكانت الأعمال فعلا لا لزوم لها.

* ونلاحظ أن بولس الرسول يركز على الإيمان والنعمة، أما القديس يعقوب فيركز على الأعمال التى بدونها الإيمان يكون إيمان ميت. فما معنى هذا وهل هناك تعارض بين كلا الرأيين؟

* وما معنى الإيمان الميت والإيمان الحى فى رسالة القديس يعقوب؟

لنشرح هذا كله لنأخذ مثالا: -.

لو طلبت منك أن تنزل إلى البحر لترفع رجلا ضخم الجثة وأنت لا تعلم شيئا عن قوة دفع الماء، فسترفض قطعا لثقل وزن الرجل..... ومع محاولاتى لإقناعك سيكون أمامك أحد موقفين. الأول: - أن تقول أنا واثق فيك لكن لا أستطيع. والثانى: - أن تنفذ وتنزل إلى الماء. مع الموقف الثانى ستجد نفسك قادرا على حمل الرجل بسهولة فقوة دفع الماء حقيقة هى التى تحمل الرجل. لنرى الآن.... هل لو خرجت من الماء وبكبرياء شديد إفتخرت بقوتك، وبأنك رفعت هذا الرجل. أفلا يستهزئ بك من يعلم نظرية دفع الماء.

والآن لنفهم تفسير المثل: -.

  • الرجل الثقيل = الوصايا وهكذا قال تلاميذ المسيح (أع15: 10).
  • قوة دفع الماء = النعمة التى تساندنا دون أن يراها أحد. الروح يعين ضعفاتنا (رو8: 26). فمن يغصب نفسه على تنفيذ الوصية سيجدها سهلة فالنعمة تساند، وهذا معنى قول بولس الرسول "لنطرح كل ثقل، والخطية المحيطة بنا بسهولة، ولنحاضر بالصبر فى الجهاد الموضوع أمامنا" (عب12: 1).
  • الموقف الأول الرافض لنزول الماء والقول أثق فيك لكن لن أنزل = الإيمان الميت.
  • الموقف الثانى وهو قبول النزول للماء = الإيمان الحى.. وهذا بالضبط ما قاله القديس بطرس للسيد المسيح "على كلمتك ألقى الشبكة" (لو5: 5).
  • الإفتخار = البر الذاتى والكبرياء.
  • إستهزاء الناس بمن يفتخر = سخرية الشيطان بمن يسقط فى الكبرياء إذ أنه عملا.
  • تصديق الرجل وتنفيذ ما طلب منه بتغصب = الجهاد المطلوب وأن أغصب نفسى أن أنفذ الوصية.

إذاً الإيمان الحي هو قرار بحرية كاملة أن ننفذ الوصايا ونموت عن الخطية ونسلك فى البر واثقين أن النعمة ستساندنا. وسنجد حينئذ أن الوصية سهلة، فالمسيح حقيقة هو من يحمل الحمل، لذلك قال "إحملوا نيرى فهو هين وحملى فهو خفيف". الإيمان الحى هو أن يغصب الإنسان نفسه وينفذ الوصية فيجد التنفيذ سهلا (رو10: 1 – 11) + (عب12: 1) ولذلك يقول السيد "ملكوت السموات يغصب..." (مت11: 12). ولكنه يقول أيضا أن حمله خفيف، فمن يغصب نفسه يجد المسيح يحمل عنه. ولاحظ قول الرب "إن فعلتم كل ما أمرتم به فقولوا إننا عبيد بطالون" (لو17: 10) وذلك لمنع الإفتخار فبداية السقوط الكبرياء. وهذا هو دائما فكر بولس الرسول أن الله هو الذى يعطى فلماذا الإفتخار ومصدر النعمة هو الله "وإن كنت قد أخذت فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ" (1كو4: 7).

أهمية الإيمان الحى: - بدون إيمان لا خلاص. المسيح مات وبدمه غفران الخطايا ولكن هناك ما يسمَّى إستحقاق الدم، وأول الشروط هو الإيمان، وتأتى بعد هذا الأسرار وجهاد الإنسان. وأهمية الإيمان أن من آمن بالمسيح فقد عرف من هو المسيح وأحبه، وهذا يكون قد عرف الله، فالمسيح هو صورة الله ورسم جوهره (كو1: 15 + عب1: 3) فمن لم يعرف المسيح هو لم يعرف الله فالمسيح هو صورة الله (يو8: 19). والإيمان الحى يجعلنا مستعدين أن ننفذ وصايا الله، ونقدم أنفسنا ذبائح حية.

أهمية قرار الإنسان بأن ينفذ الوصية.

يقول القديس أغسطينوس "إن الله الذى خلقك بدونك لا يستطيع أن يخلصك بدونك" وفى هذا يقول السيد المسيح "كم مرة أردت... لكنكم لم تريدوا" (مت23: 37).

و "الله يريد أن الجميع يخلصون" (1تى2: 4) فهل يخلص كل الناس؟ قطعا لا.

ويقول الكتاب "هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له حياة أبدية" فهل يخلص كل الناس وتكون لهم حياة أبدية؟ قطعا لا.

اذاً المهم أن يكون هناك قرارا واضحا بالموت عن الخطية والطبيعة القديمة والحياة بحسب الحياة الجديدة.

وما زال سؤال الرب لكل واحد "أتريد أن تبرأ".

الأرثوذكسية هى موقف وسط بين إنحرافين فى التفكير: -.

الخلاص بالإيمان فقط دون أعمال: - قول بولس الرسول "بالنعمة أنتم مخلصون.." هو رد على اليهود والمتهودين ولكل من يفتخر بأعماله أمام الله حتى الآن ويطالب بثمن جهاده.

الخلاص بالأعمال فقط دون إيمان: - والرد على هذا "لو كان بالناموس بر (أعمال وتنفيذ وصايا) فالمسيح إذا مات بلا سبب".

تعريفات.

* النعمة: -.

بولس الرسول تكلم عن النعمة كمقابل للأجرة بحسب الفكر اليهودى فى مقابل برهم الذاتى. وكلمة النعمة فى أصلها "خاريزما" وهى هبة مجانية يعطيها قيصر لجيشه ورجاله يوم ميلاده أو جلوسه على العرش، وكانت تعبيرا عن كرم قيصر وليست فى مقابل عمل معين. وقال أباء الكنيسة أن النعمة عطية مجانية لكنها تُعطى لمن يستحقها أى لمن يجاهد.

* التبرير: -.

الناموس يحكم بالموت على كل من أخطأ. أما المسيح فقد جاء ليموت فيغفر خطايانا فنتصالح مع الله. وقام ليعطينا حياته لنعمل أعمال بر. وأعضاءنا التى صارت أعضاء له تكون ألات بر.

غفران الخطايا = تبرئ.

تبرئ + عمل البر = تبرير.

* التقديس: -.

الله هو القدوس. والروح يكرسنا ويخصصنا لله فنصير قديسين مخصصين لله. لذلك نقول عن الروح القدس أنه روح القداسة. وكل ما يخص الله يقال عنه مقدس.

* الإيمان الميت: -.

هو من ظن الإيمان كلمات نرددها مثل أنا مسيحى وأؤمن بالمسيح أنه مخلصى ولكن دون أعمال. أو كمن يخطئ ويقول أن المسيح بدمه غفر كل خطايانا وخلصنا.... وبالتالى لى خلاص مهما أخطأت فأنا مؤمن.

الإيمان الحى: -.

هو قول ما سبق + أن تكون هناك أعمال تثبت هذا، ومن يحاول أن يعمل ولو بالتغصب سيجد هناك معونة هى النعمة = قوة من الروح القدس. وهذا تعليم بولس الرسول "إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد" (رو8: 13) وبنفس المعنى "ختان القلب بالروح" (رو2: 29) أي قرار بالإمتناع عن الخطايا المحبوبة بالتغصب والروح يعين.

إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد (رو8: 13).

النعمة التى تعين إرادتك الحرة + تغصبك = جهادك.

من يجاهد يختبر الإيمان الحي = تغصب + ثقة فى نعمة تعين.

هل المعمودية تعطى موتا كاملا عن الجسد (الإنسان العتيق).

  1. المقصود بالجسد = شهوات الجسد. والجسد يستمر فى مشاغباته بعد المعمودية.
  2. قطعا المعمودية لا تعطى موتا كاملا وإلا تعطلت الحرية.
  3. ويظل الجسد يشتهى ضد الروح والروح يشتهى ضد الجسد (أعمال الجسد) (غل5: 16 – 26)....... ولكن "الروح يعطى نعمة أعظم" (يع4: 9). ولكن هذا لمن يريد أن يسلك بالروح، أى يطيعه ولا يقاومه بأن يصر على مسلكه الخاطئ. مثل هذا سيجد معونة من الروح وهذه المعونة هى ما تسمى بالنعمة.
  4. وهذا الصراع بين الروح والجسد لن ينتهى سوي بالتخلص من هذا الجسد. لذلك نحن نقول مع بولس الرسول "ويحى أنا الإنسان الشقى من ينقذنى من جسد هذا الموت" (رو7: 24). ونقول معه أيضا "نحن أنفسنا أيضا نئن فى أنفسنا متوقعين التبنى فداء أجسادنا" (رو8: 23). فبالجسد الجديد الممجد الذى نلبسه فى السماء لن نستطيع أن نخطئ، وهذه هى البنوة الكاملة (1يو3: 9). أما ما حصلنا عليه حتى الآن من بركات الفداء فهو عربون، أو باكورة البركات الأبدية التى هى نصيبنا فى السماء (لنا باكورة الروح رو8: 23 + عربون الروح 1كو1: 22 + روح الموعد الذى هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى أف1: 14) وفداء المقتنى هو فداء الجسد أى حصولنا على الجسد الممجد.

هل يمكن للمؤمن أن يهلك؟

  1. سبق وقلنا أن المعمودية لا تلغى حرية أحد ومن يريد بإرادته الحرة أن يسلك بالروح هو من يجد معونة من النعمة. أما من يريد أن يرضى شهواته حتى آخر المدى، فهو له حريته وإن أصر على عدم التوبة فسيهلك.
  2. هلك شعب الله فى البرية بعد أن إعتمدوا فى البحر مع موسي وأكلوا طعاما روحيا وشربوا شرابا روحيا، وذلك لإصرارهم على الخطية (1كو10: 1 – 12).
  3. وديماس إذ أحب العالم الحاضر إرتد وترك بولس الرسول (2تى4: 9) وراجع أيضا (عب4: 1 + فى3: 17 – 19 + عب6: 4 – 8 + رو11: 17 – 22).
  4. يكفى أن نستمع لبولس الرسول وقوله "أقمع جسدى وأستعبده حتى بعدما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسى مرفوضا" (1كو9: 29).
  5. وننهى بقول الرب نفسه "بل إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون" (لو13: 5).

* المؤمن المسيحي وعمل النعمة معه لكنها تحتاج إلى جهاد.

الضمير

ناموس

الخطية

.

* إنسان ما قبل المسيح وما قبل الناموس.

+ الضمير هو الناموس الطبيعي.

نجد هنا أن ناموس الخطية له قوة ضاغطة على الإنسان.

والضمير يقاوم الخطأ ولكن ناموس الخطية له سطوة.

* الإنسان في عهد ناموس موسى.

+ صار الناموس بما له من قوة تأديب وعقاب، مساعداً للناموس الطبيعي ضد ناموس الخطية. لذلك قال بولس الرسول أن الناموس مؤدبنا إلى المسيح (رو24: 3) "أعطيتني الناموس عوناً".

* المؤمن المسيحي.

فى المسيــــــــــح.

الإتحاد بالمسيح ← نحن نجاهد لأجل هذا الإتحاد هنا...... أما هناك فاتحاد كامل.

هنا نسمي ”عروس المسيح” هناك نسمي ”امرأة الخروف.

االتجسد

.

فى المسيح.

قال السيد المسيح له المجد "إثبتوا فىَّ وأنا فيكم" فأخذ بولس الرسول هذه العبارة وجعلها أساس فكر الخلاص وأطلق الأباء على عبارة فى المسيح التى رددها بولس الرسول تقريبا فى كل رسائله مراراً "لاهوت بولس الرسول". فالخلاص عند الرسول هو لمن هو فى المسيح: -.

  • لا خلاص سوى بثباتنا فى المسيح.
  • كل بر هو فى المسيح.
  • حتى سلامنا ومحبتنا بعضنا لبعض هما فى المسيح وإلا كانت غشا مثل يهوذا. (1كو16: 19، 24).
  • وكل من هو فى المسيح هو قديس (طبعا هناك درجات).

اثبتوا فىَّ: -.

المسيح (آدم الأخير رأس الكنيسة) آدم رأس الخليقة الأولى.

قاعدة المثلث هى من هم في قاعدة المثلث هى كل البشرية أبناء آدم.

المسيح عبر العصور.

البشر كلهم جسد آدم: - فحواء هى من آدم، والأولاد من كلاهما.... إذاً البشرية كلها جسد واحد.

المؤمنين المعمدين: - يتحدون بالمسيح كخليقة جديدة ويصيرون أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه (أف5: 30). وصار كل منا عضو فى هذا الجسد، وبالتالى فكل عضو له عمله الذى يحدده له الروح القدس ويزوده بالمواهب (1بط: 4) فنحن "مخلوقين فى المسيح يسوع لأعمال صالحة سبق الله وأعدها لكى نسلك فيها" (أ ف2: 10). ولاحظ فى هذه الآية أننا لنا خلقتين.. نحن عمله (الخلقة الأولى).. مخلوقين فى المسيح (الخلقة الثانية).

وراجع (أف1: 1 – 14). وكون كل عضو له عمله فهذا هو ما يسمى بالتكامل بين أعضاء الجسد. والمسيح هو رأس الجسد (الكنيسة). ولكن من يصر على الخطأ بدون توبة لن يستمر فى الثبات فى الجسد (جسد المسيح) فلا شركة للنور مع الظلمة. لذلك يقول الرب "توبوا".... (لو13: 5). والتوبة قيامة أولى ومن يستمر فى حياة التوبة فله قيامة ثانية في المجد. وواضح طبعا أن كل هذا بسبب تجسد المسيح.

ونحن نصير فى المسيح بالمعمودية "لأننا جميعا بروح واحد إعتمدنا إلى جسد واحد" (1كو12: 13).

وأنا فيكم: - نخرج من المعمودية متحدين بالمسيح وتكون لنا حياته، وهى حياة أبدية "فالمسيح بعدما أقيم من الأموات لا يموت أيضا...." (رو6: 9). وهذه أيضا للمؤمن التائب الذى يحسب نفسه ميتا أمام الخطية (رو6: 11). فمن يقول مع المسيح صلبت.

(عن أهواء الخطايا)...... له أن يقول المسيح يحيا فيَّ (غل2: 20). وله أن يقول لى الحياة هى المسيح.... (فى1: 21).

وحينما صرنا فى المسيح، حل علينا الروح القدس (روح المسيح) والروح القدس يثبتنا فى المسيح، وكلما نثبت فى المسيح نمتلئ من الروح القدس. وكلما إمتلأنا من الروح القدس، كلما ثبتنا فى المسيح.

ما ذا حصلنا عليه من إتحادنا وثباتنا فى المسيح.

راجع الرسم الصفحة السابقة. فنحن نتحد بالمسيح 1) بالإيمان والأسرار 2) النقاوة 3) قبول الصليب بشكر.

ولأن المسيح حل فيه كل ملء اللاهوت جسديا (كو2: 9، 19) صار هذا لنا مصدرا لكل البركات التى نحن فى إحتياج إليها 1 - سكنى الروح القدس فينا 2 - قداسة 3 - بركات روحية ومادية 4 - حياة أبدية 5 - بنوة.

زيت

.

رؤيا زكريا النبى (زك 4) ورأى فيها منارة تستمد زيتها التى به تنير من كوز فوقها، وهذا له زيتونتان كمصدر للزيت. وليس مجال شرح المعنى الكامل للنبوة ولكن نقول أن المنارة إشارة للكنيسة المملوءة من الروح القدس فتكون منارة لكل العالم. والكوز إشارة للمسيح رأس الكنيسة فهو المملوء بجسده من الروح ويعطى للكنيسة كل إحتياجها.

مفهوم الصليب والألم فى المسيحية.

  1. مع كل هذه البركات فهناك صليب وألام للمؤمن، ولكن تغير مفهومها عن العهد القديم، فما عادت عقابا وغضبا من الله بل تأديب وشركة ألام مع المسيح ويليها شركة مجد (رو8: 17) بل قال الكتاب عن الصليب مجد (يو7: 37 – 39). وصار شرطا لنكون تلاميذ للمسيح فنتشبه به فى حبه الباذل. ومن تذوق حب المسيح حقيقة يشتهى أن يتألم معه بل قال عنه الرسول أنه صار هبة (فى1: 29).
  2. قيل أن المسيح تكمل بالألام (عب2: 10) = أى ليشبهنا فى كل شئ حتى الألام. ونحن نكمل بالألام لنقترب من صورته (غل4: 19). فمن تألم فى الجسد كُفَّ عن الخطية (1بط4: 1).
  3. بولس الرسول بالرغم من كل ألامه (شوكة فى الجسد + مقاومة من اليهود والوثنيين بل من المسيحيين الذين أشاعوا ضده شائعات وشككوا فى صحة رسوليته بل فى أمانته فى أموال التبرعات + 2كو11) نجده يقمع جسده ويستعبده. فهو الذى علَّم بأن ثمار الروح هى لمن يصلب شهواته (غل5: 24). والله شرح له سبب شوكته، وأنه معرض للكبرياء من (الإستعلانات والرؤى / إختطف إلى السماء / حسبوه إلها وأرادوا أن يذبحوا له / صنع معجزات وأقام موتى / محبة الكل له). فالألام صارت أدوية: - 1) إما للشفاء من مرض (مثال: - أيوب) أو 2) للحماية من مرض (مثال: - بولس). ربطتنى بكل الأدوية المؤدية للخلاص وليس معنى هذا أن الألام تغفر الخطايا بل دم المسيح فقط... لكن المجاعة أعادت الإبن الضال فغفر له. وبولس نفسه أدب زانى كورنثوس إذ أسلمه للشيطان ليؤذى جسده فتخلص روحه (1كو5: 5). وقال بولس أيضا حين يفنى الجسد الخارج يتجدد الداخل يوما فيوما (2كو4: 16).
  4. من لا يستطيع أن يصلب أهواءه يساعده الله بصليب من عنده، حتى لا ينجذب لمحبة العالم.
  5. يقول رب المجد "إحملوا نيرى فهو هيِّن..." (مت11: 30). وهو يعلم أنه "سيكون لنا فى العالم ضيق ولكنه غلب العالم" والمعنى = إرتبطوا بى فأنا الذى سأحمل الحمل حقيقة (سواء صليب أو تنفيذ وصية) بل روعة الصورة التى رسمها الكتاب "شماله تحت رأسى ويمينه تعانقنى" أى أنه يحتضن المتألم. وهو لا يدعنا نُجرَّب فوق ما نحتمل بل يعطى مع التجربة المنفذ (1كو10: 13) وكونه غلب العالم، إذاً ونحن فيه سنغلب التجربة ولكن ليس بالخروج منها بل يأتى هو ويحملها معنا فنشعر بعزاء وراحة (الثلاثة فتية فى الأتون)، وهذه هى النصرة فى المسيحية.

طريق التبرير والتقديس والتمجيد: هنا ننتقل لمرحلة العيان ونرى الله وجهاً لوجه.

(2كو18: 3)

القيامة والحصول علي الجسد الممجد (1كو43: 15) هذاهوالمجد العتيد ان يستعلن فينا (رو18: 8).

الموت بالجسد (رو24: 7).

من يسكن الله فيه فهذا هو المجد (زك5: 2) ولكن مالنا من المجد الآن فهو مخفي غير ظاهر.

من يتقدس يصير مسكناً للثالوث (يو23: 14) + (1كو16: 3).

التقديس هو أن نتخصص ونتكرس لله وتصير أعضائنا تعمل لحساب مجد إسمه.

كلما نسير في طريق التبرير تموت أعضائنا عن الخطية فلا تكون آلات إثم بل تتخصص لله وتكون آلات بر (رو13: 6).

التبرير طريق التقديس.

بهذا يتحقق "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ" (غل20: 2).

طريق التبرير

الروح يأخذ من بر المسيح وحياته ويعطي للمؤمن (2كو21: 5).

الروح يبكت علي بر (يو8: 16) أي يقنع المؤمن بأن يعمل أعمال بر إيجابية.

عمل الروح القدس (النعمة) يعطي للمؤمن قوة ليصلب شهواته فيُصلَبْ مع المسيح.

الروح القدس يقنع المسيحي بفساد طريق الخطية (أر7: 20).

الروح القدس يبكتنا علي كل خطية نرتكبها (يو8: 16) ثم سر الإعتراف.

بالمعمودية نصير أولاداً لله ثم بالميرون يحل علينا الروح القدس.

بالمعمودية غفران الخطايا وبهذا يتبرأ الإنسان من خطيته (رو7: 6). إذ دفع المسيح الثمن.

الخطوة الثانية هي المعمودية وهي موت وقيامة مع المسيح (رو3: 6 - 8).

المدخل للتبرير هو الإيمان "وإذ قد تبررنا بالإيمان" (رو1: 5).

التبرير والتقديس والتمجيد يسيروا معا وليس كالرسم، ولكن هذا الرسم هو للشرح فقط.

ما هو الخلاص.

خلقنا الله على صورته (تك1: 26). وبالخطية فسدت هذه الخلقة الأولى، وسكنت الخطية فى داخلنا (رو7: 20 + مز51: 5). فما عدنا نرى الله بسبب ذلك (1كو15: 1، 5 + خر33: 20). وكان الفداء ودفع المسيح ثمن خطايانا بل أعطانا أن نكون خليقة جديدة فيه (2كو5: 17) وبهذه الخليقة نخلص (غل6: 15). ومدخلنا لكل هذه البركات هو الإيمان ثم المعمودية..... أنظر الرسم العلوى.... إلى أن ننتهى فى المجد والأفراح الأبدية فى السماء. حقا لقد خسرنا الفردوس ومتنا بالخطية... ولكن عطية المسيح فاقت أضعاف ما خسرناه بشكل عجيب. فلقد حصلنا على جسد ممجد غير قابل للموت ولا يستطيع أن يخطئ، خسرنا جنة فحصلنا على مكان فى عرش الله (رؤ3: 21) ولخص الرسول هذا حين قال "ولكن ليس كالخطية هكذا أيضا الهبة" (رو5: 15).

إذاً الخلاص وهو بركات الفداء يعنى: -.

  1. غفران الخطايا السابقة بدم المسيح = صولحنا بموته (رو5: 10) وموت الطبيعة القديمة أى الإنسان العتيق (رو3: 4، 5) وقيام طبيعة جديدة فينا بالمسيح الذى يحيا فينا (فى1: 21). وحياة المسيح فينا أبدية وحينما نموت بالجسد نكون كبذرة تدفن لتثمر (1كو15: 35 – 38) + (رو6: 9).
  2. نعمل أعمال بر بحياة المسيح التى فينا فهو يستخدم أعضاءنا (2كو5: 21 + رو6: 13).
  3. صرنا جسد المسيح من لحمه ومن عظامه (أف5: 30) وبإتحادنا به وهو الإبن صرنا أبناء لله (مت6: 9 + رو3: 5) والإبن يرث (رو8: 17 + يو17: 22).
  4. آدم فى الجنة إذ كان يحب الله كان فى فرح (عدْن = فرح) وبالخطية فقدنا هذا. وخدعنا إبليس بأن اللذة الحسية هى الفرح. وبسكنى الروح القدس فينا عدنا للحالة الفردوسية الأولى فهو يسكب محبة الله فى قلوبنا فتكون ثماره (محبة فرح.......). (غل5: 22، 23). وكل ما حصلنا عليه هو مجرد عربون ما سنحصل عليه فى السماء فهناك فرح أبدى لا ينطق به ومجيد (1بط1: 8) وهناك يمسح الله كل دمعة من العيون وهناك لا عطش ولا جوع (سفر الرؤيا). والبنوة هناك ستكمل متوقعين التبنى (رو8: 23).... حقا المسيح أكمل الفداء لكن سنستفيد من كل بركات الفداء فى السماء. وهناك يقتادنا الخروف إلى ينابيع ماء حية (رؤ7: 17) أما هنا فنحن أخذنا عربون الروح.
  5. طالما يسكن الثالوث فينا فنحن فى مجد غير مستعلن وغير مرئى (راجع الرسم الصفحة السابقة).

هنا مجد غير مستعلن.. وهناك مجد مستعلن ونرى الله وجها لوجه.. يكون لنا جسد ممجد.

بالإيمان رو8: 18 + 1كو13: 12 فى 3: 21 + 1يو3: 2.

وبهذا الجسد الممجد نرى الله.

الإتحاد بالمسيح نحن هنا نجاهد لأجل هذا الإتحاد وهناك إتحاد كامل.

تسمى الكنيسة هنا عروس المسيح وتسمى هناك إمرأة الخروف (رؤ19: 7).

  1. صارت الكنيسة كلها جسد واحد كعروس واحدة للمسيح، وكل منا عضو يعطيه الروح موهبة لبناء الكنيسة. وسنقوم كجسد واحد ونصعد للسماء فالمسيح كان باكورة وسابق لنا (عب6: 18 – 20) وهذا ما نصليه فى القداس الغريغورى "أصعدت باكورتى إلى السماء" = "أنا أمضى لأعد لكم مكانا" (يو14).
  2. كل من يثبت فى المسيح يحسب كاملاً وبلا لوم وبلا دينونة (كو1: 28 + أف1: 4 + رو8: 1) ولكن من هم الثابتين فى المسيح؟ هم السالكين بحسب الروح ومنقادين له بلا مقاومة للروح، وليسوا سالكين حسب الجسد (رو8: 1) وسنناقش الآية فى حينه. وهذا معنى ما ورد فى سفر النشيد حين قال العريس لعروسته حمامتى كاملتى فالحمام دائما يرجع لبيته، وإبن الله إذا إبتعد بالخطية وعاد بالتوبة يُحسب كاملا فيسمى الحمامة (لأنها عادت لبيتها عب3: 6 فنحن بيته) وكاملة (لأنها فى المسيح).
  3. لم يعد للموت الجسدى غلبة ولا شوكة فهو لا يمنعنا من أن نحيا للأبد (1كو15: 55). ولكن الشوكة ما زالت توجع وتؤلم دون أن تميت أبديا، لذلك ما زال عدو لأننا نحزن على فراق أحبائنا الذين يرقدون لكن ليس كالباقين الذين لا رجاء لهم (1تس4: 13) وكحزانى ونحن دائما فرحون (2كو6: 10) وهذا عمل الروح المعزى.... الدموع من خارج والتعزية من داخل (يو15: 26).
  4. الألم والصليب صارا لنَكْمُل ولكن هناك تعزية (راجع صفحة 11) عموما فالصليب ملازم للمؤمن فكل الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى فى المسيح يسوع يضطهدون (2تى3: 12) وإلهنا الذى يخرج من الجافى حلاوة جعل هذه الألام طريقا لنا إلى السماء. (راجع 1كو10: 13 + 2كو1: 3 – 7).

10 - الروح القدس صار يسكن فينا ويساندنا على حفظ الوصية، وأن نثبت فى المسيح، بل صار شريكا لنا فى كل عمل صالح (1كو3: 16 + 2كو13: 14 + 2كو1: 21).

11 - سكب الروح القدس المحبة لله فى قلوبنا (رو5: 5)، والمحبة تتحول إلى فرح (غل5: 22) ومن يحب الله يتحول قلبه الحجرى ليصير قلب لحم (حز11: 19). ومن يُحِّب يحفظ الوصايا (يو14: 23)، وهذا معنى أن الوصايا كتبت على قلوبنا (هذا تم بالحب) (عب8: 10). ومثل هذا الإنسان لا يحتاج إلى ناموس (غل5: 23). ولأن قلوبنا كانت حجرية كتبت الوصايا على ألواح حجرية، وبالحب كتبت على قلوبنا، وليس معنى هذا أن نلغى الناموس بل نثبته (رو3: 31)، فلماذا؟

  • هومرشد لنا، فهو كلمة الله وهذه لاتسقط أبداً.
  • هو يقودنا للمسيح ويُظهر إحتياجنا إليه فهو الذى يعين.
  • هو وسيلة إيضاح للعهد الجديد (الحروب مثلا هى شرح للحروب مع إبليس).
  • النبوات عن المسيح تثبت صحة الكتاب وتثبت محبة الله وخطته الأزلية فى الفداء.
  • حب الله الذى يمنعنا من عمل الشر هو درجة عالية. فلنسلك خطوة خطوة حتى نصل للحب الكامل.
  • الوصايا الأخلاقية لم تبطل. الطقوس فقط بطلت فهى كانت رمزاً للمسيح.
  • قال الأباء أننا يمكننا أن نجد العهد الجديد داخل القديم، وقالوا كان اليهود بحفظهم للناموس أمناء مكتبة المسيحية. وقصص العهد القديم نرى فيها معاملات الله مع شعبه والله لا يتغير. فهذه المعاملات هى نفسها معاملات الله معنا "يسوع المسيح هو هو أمسا واليوم وإلى الأبد" + "الله ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" (عب13: 8 + يع1: 17).

12 - وحَّد المسيح كنيسته فى جسد واحد وجعلها له عروس واحدة بل وحَّد السمائيين مع الأرضيين وصار لهما رأسا واحدا (أف1: 10، 22، 23 + 4: 1 – 6) + (1كو12). وحينما تجتمع الكنيسة كجسد واحد وفى محبة ينسكب عليها الروح القدس (مز133). والروح يثبتها فى المسيح الإبن فيحملها إلى حضن الآب (شكل بناء الكنيسة). والروح يصرخ فينا يا آبا الآب لنشعر بأبوة الله.

13 - أقامنا معه (الآن من موت الخطية) وأعطانا أن نحيا حياة سماوية ونحن ما زلنا فى الجسد = وأجلسنا معه فى السماويات (أف2: 6). وهذا معنى "طأطأ السموات ونزل" (مز18: 9). ألم يقل السيد أنه سيكون وسط أى إثنين أو ثلاثة يجتمعون بإسمه (مت18: 20). وحيثما يوجد المسيح يكون المكان سماء.

13 - يقول القديس بطرس أننا صرنا شركاء الطبيعة الإلهية (2بط1: 4) ويقول القديس بولس الرسول أن المسيح يحل فيه كل ملء اللاهوت جسديا ونحن مملؤون فيه (كو2: 9، 10) فما معنى هذا؟ هل نحن نمتلئ باللاهوت الذى إمتلأ به المسيح؟! حاشا...... قطعا لا فنحن أجساد محدودة ولن نصير آلهة. ولكن بتجسد المسيح وإتحادنا به بالمعمودية وثباتنا فيه، ولأن جسده مملوءاً من لاهوته، صار المسيح مصدرا لكل ما نحتاج إليه مما لا يوجد سوى عند الله. هو يملأنا على قدر إحتمالنا من كل البركات التى نحتاجها، وهذا قال عنه الرسول "كل ملء الله" (أف3: 19). لنتصور هذا... تصور أن هناك خزان ضخم جدا جدا وفى أسفل هذا الخزان ماسورة متصلة بكوز صغير (راجع الرسم تحت عنوان فى المسيح). فسنجد أن الكوز يمتلئ على قدر سعته المحدودة مما فى هذا الخزان. والخزان الكبير هو جسد المسيح المملوء من لاهوته، والكوز الصغير هو أنا وأنت، وتم الإتصال بتجسد المسيح وبالمعمودية (وقطعا بقية الأسرار...).

فماذا نأخذ من هذا الإتحاد من بركات لا توجد سوى عند الله؟

  • حياة أبدية: - ونقول هل لو وضع إنسان بعض الأموال فى بنك ليحيا من عائدها، فهل يصير البنك كله ملكا له بأمواله وممتلكاته وموظفيه بحجة أنه صار شريكا فى رأس مال البنك عن طريق المال الذى وضعه.... قطعا لا إنما هو يأخذ فقط ما يحيا به. "كما أرسلنى الآب الحى وأنا حى بالآب فمن يأكلنى يحيا بى" (يو6: 57).
  • قداسة: - بالروح القدس الساكن فينا ورش دم المسيح وبمقتضى علم الله السابق (1بط1: 2) ولذلك كان بولس الرسول يسمى المؤمنين قديسين (رو1: 7). ولنأخذ مثالا: - نحن ندخل الشمس إلى بيوتنا لتنظيف وتطهير البيوت من أى ميكروبات. فهل نحن ندخل قرص الشمس نفسه؟! وأين هو البيت الذى يسع هذا الكوكب أو يحتمل حرارته؟! بل كل ما نحتاجه هو شعاع من نور الشمس وهذا يكفى لتطهير الحجرة. وشعاع خارج من الشمس = الإبن المولود من الآب = نور من نور.
  • مجد: - المسيح تمجد بناسوته (يو17: 5) ليعطينا هذا المجد (يو17: 22). المسيح بناسوته صار وارثا (عب1: 2) لنرث نحن فيه (رو8: 17). والسؤال.... هل يكون لنا نفس مجده. حاشا. قطعا لا. فالمسيح صار له نفس مجد الآب = جلس عن يمين الآب = أجلس مع أبى فى عرشه (رؤ3: 21). أما نحن فنأخذ كل واحد بحسب جهاده = من يغلب يجلس معى فى عرشى = ينعكس عليه من مجدى بحسب حالته. فنجم يمتاز عن نجم فى المجد (1كو15: 41). المسيح له المجد فى ذاته، أما نحن فسوف نعكس هذا المجد حينما نراه كما هو (1يو3: 2).
  • حرية: - إن حرركم الإبن....... (يو8: 36).
  • سكنى الروح القدس: - الذى يشترك معنا فى كل عمل، ويعطينا نعمة تساندنا ويجدد طبيعتنا ويعطينا مواهب وثمار.... الخ. وكل بركة يجدنا فى إحتياج إليها.

رسالة رومية.

لمن كتبت الرسالة.

  • كان فى روما حوالى 16000 يهودى جاءهم من آمن وإعتمد يوم الخمسين فى أورشليم. كان هؤلاء هم الخميرة. بالإضافة لتأثرهم بمن أتى من هنا ومن هناك يشهد للمسيح، فروما مدينة مفتوحة.
  • كتبت سنة 57 م أى بعد عظة بطرس بحوالى 22 سنة. وكان الروح القدس يعمل بشدة فى الكنيسة الأولى.
  • بشر بولس فى تركيا واليونان. وهناك تجارة متبادلة بينهم وبين روما.
  • طرد كلوديوس قيصر اليهود من روما، وآمن البعض على يد بولس وعادوا مؤمنين.
  • لم يكن هناك كرازة للرسل ولا لبطرس وقت كتابة الرسالة.
  • بطرس لم يكن فى روما والدليل أن بولس يقول أنه يريد أن يذهب لهم ليمنحهم هبة روحية وهو مستعد لتبشيرهم، فهل يصح أن يقول بولس هذا الكلام وبطرس هناك، بل أن بولس يقول أنه لا يبنى على أساس آخر، بل فى إرساله السلام لمن يعرف أنهم هناك لم يذكر إسم بطرس.

كان مسيحيو روما قسمين: -.

1 - من أصل أممى: - فإحتقروا اليهود.. ونظروا إليهم كشعب جاحد أغلق الله الباب فى وجوههم وفتحه لهم.

وكان هذا كرد فعل لموقف اليهود منهم فكان اليهود يحتقرون الأمم.

2 - من أصل يهودى: - يشعرون بالإمتياز كأولاد لإبراهيم، وهم مستلمو الناموس، وهم شعب الله المختار وهذا أعطاهم شعورا بالكبرياء بل تأصل فيهم هذا الشعور.

وفى الرسالة هاجم بولس كلاهما وأظهر إحتياج الكل للمسيح = الخلاص هو لكل العالم... وطالب الكل بالمحبة.

الإصحاح الأول

العدد 1

آية (1): -

"1بُولُسُ، عَبْدٌ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الْمَدْعُوُّ رَسُولاً، الْمُفْرَزُ لإِنْجِيلِ اللهِ.".

بُولُسُ = هي كلمة لاتينية معناها الصغير، فمن عادة العبرانيين تسمية الشخص بإسمين. وبولس كان إسمه أيضا شاول وتعني مطلوب من الله. ويقول أغسطينوس أن بولس كان نحيف الجسم قصير القامة. وهو فضَّل استخدام إسم بولس من قبيل التواضع ومشيراً لأنه أصغر الرسل.

عَبْدٌ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ = كان معلمي اليهود يتفاخرون بألقاب مثل سيدي أو معلمي، واليهود عموماً يتفاخرون بيهوديتهم والأمم بفلسفاتهم، أما بولس فيعلمهم أنه يفتخر بكونه عبداً للمسيح. وإذا كان الكل عبيداً للمسيح فلماذا يتفاخر اليهودي علي الأممي أو الأممي علي اليهودي. وهو عبد للمسيح لأن المسيح إفتداه وإشتراه بدمه وفكه من الأسر وصار مِلْكاً لهُ. ونفهم أن العبودية للمسيح تحرر، ولا يمكن أن يكون الإنسان عبداً للمسيح حقيقة ما لم يختبر في الوقت نفسه الحرية الحقيقية. إن عبد المسيح لا يُستعبد لأي إنسان آخر ولا حتي لشهوات جسده الخاصة، ولا يستطيع أحد أن يبعده عن تأدية واجبه، ولا تسيطر عليه عادة معينة، ولا يستطيع العالم أن يغريه بمفاتنه أو أن يجذبه إليه. إنه يعيش في الأرض كإنسان سماوي، وبعد أن كان عبداً للخطية صار كاهناً وملكاً. هو يعيش في الجسد ولكن يسلك في الروح عبداً ليسوع المسيح. وهذا ما جعل حتى إخوة المسيح بالجسد يفتخرون بأنهم عبيد له، ولم يفتخروا بكونهم أقرباء له بالجسد (يه1 + يع1: 1). فبولس بعد أن ظهر له المسيح في الطريق شعر أنه صار مكرساً للمسيح يسوع من كل قلبه ونفسه وجسده.

الْمَدْعُوُّ رَسُولاً = كأن لا فضل له في إيمانه ولا إرساليته بل هي دعوة من الله. وهو يسمي نفسه رسولاً مثل الإثني عشر. وتظهر أهمية هذه العبارة خصوصاً في الرسائل التي حاول أهلها ان يتنكروا لأحقية بولس الرسول في الخدمة وبهذا يشككوا في تعاليمه. وكان بولس مضطراً لأن يثبت أنه مرسل من الله لإثبات صدق تعاليمه لتثبيت المؤمنين.

الْمُفْرَزُ لإِنْجِيلِ = مفرز تعني بريسي بالآرامية ومنها فريسي (فريزي) أي مختار أو معين. أي أن بولس إنتقل من فريسيته اليهودية إلي فريسية أخري بنعمة الله، هي فريسية الإنجيل، أي أن الله إختاره وأفرزه لكي يبشر بالإنجيل. وكان الفريسيون اليهود مفروزون لدراسة الناموس، وكلمة فريسي تناظر دكتوراه في اللاهوت. وكان بولس أحد هؤلاء الفريسيين. والله بسابق علمه أفرزه وعينه للتبشير بالإنجيل. وكانت تلمذته لغمالائيل نوع من الإعداد، ولكن الله سبق وأفرزه من البطن (غل15: 1 + أع2: 13 + أر4: 1، 5) لإِنْجِيلِ اللهِ = إنجيل تعني بشارة مفرحة. وهنا يقول إنجيل الله. وفي مواضع أخري يقول إنجيل يسوع المسيح، ويقول فى (رو9: 1) إنجيل ابنه. فالله هو مصدر الخلاص بيسوع المسيح، جوهر الإنجيل أو جوهر البشارة المفرحة هي في مجيء الرب يسوع وفدائه للبشرية. الله قد سبق منذ القديم وأعد برنامج الخلاص المفرح للبشر الذي تحقق بمجيء المسيح له المجد.

والقديس إمبروسيوس لاحظ أن إسم المسيح في هذه الآية قد إستخدمه الرسول قبل إسم الله في الترتيب، وإستخدم هذا في الرد علي آريوس أن الله والمسيح متساويان. وهذا يتضح أيضاً من كون أن الإنجيل هو إنجيل الله وإنجيل ابنه في نفس الوقت (آية1، آية9).

العدد 2

آية (2): -

"2الَّذِي سَبَقَ فَوَعَدَ بِهِ بِأَنْبِيَائِهِ فِي الْكُتُبِ الْمُقَدَّسَةِ.".

الكتاب المقدس موحى به من الله. وهذه الكرازة بالخلاص سبق الله فوعد بها في القديم بواسطة الأنبياء، فقبل أن يعمل الله أعمالاً عظيمة يسبق ويهيئ لها زماناً طويلاً، هذا بالإضافة إلي أن نبوات الأنبياء عن الخلاص بالمسيح تشير لأن هذا الخلاص هو خطة أزلية، وأن الله قد أعد خلاص البشر منذ الأزل. وبولس هنا يطمئن سامعيه أن إنجيله الذي يبشر به قد وضعت أساساته منذ البدء. وأن كرازة بولس لا تتعارض مع الكتاب المقدس لليهود بل هي تفسره وتشرحه.

العدد 3

آية (3): -

"3عَنِ ابْنِهِ. الَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ.".

عَنِ ابْنِهِ = عن راجعة للآية السابقة، فوعود الأنبياء كانت عن المسيح.

ابْنِهِ. الَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ = وقارن مع (رو3: 8) لنرى سبق وجود الإبن قبل التجسد. ويلاحظ في كلمة إبنه انها في أصلها اليوناني مسبوقة بأداة تعريف، إشارة إلي بنوة المسيح الوحيدة الفريدة، التي بالطبيعة وليست بالتبني مثلنا. وهذا الإبن الأزلي الذي هو إبن الله صار إبناً للإنسان = مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ = فالمسيح له بنوتان، بنوة لله وبنوة للإنسان، هو إبن الله وإبن الإنسان. مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ = فالعذراء مريم من نسل داود. وقيل عن المسيح أنه من ذرية داود (رؤ16: 22).

صَارَ = أخذ حالة جديدة علي حالته، إتحد لاهوته بناسوته كإتحاد الحديد بالنار، ولكن لاهوته لم يتأثر ولم يتحول إلي ناسوت، وناسوته كان ناسوتاً كاملاً، شابهنا في كل شئ ماعدا الخطية وحدها. لقد إنتقل من حالة إبن الله غير المنظور (بلاهوته) إلي حالة إبن الله المنظور في الجسد. ولم يظهر للناس سوي أنه إنسان عادي. حينما أخذ جسداً أخفي لاهوته، ولكن لاهوته ظل كاملاً دون أن يزيد أو ينقص، فهو كامل مطلق لأنه الكل. ولكن بقيامته ظهر أنه إبن الله. وكإنسان كان من نسل داود الملك.

العدد 4

آية (4): -

"4 وَتَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ الْقَدَاسَةِ، بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ: يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا.".

تَعَيَّنَ = أي ظهر ما كان مخفياً. هذه لا تعني أنه صار فيما بعد إبن الله. بل لقد ظهرت لنا بنوته لله وشهد لها قيامته من الأموات بقوة فائقة للطبيعة. كلمة تعَّين تعني إتضح أنه / ظهر / شُهِدَ لهُ / صدق علي أنه / تبين أنه / إعتُرِف بأنه / تحقق بأنه ابن الله.

بِقُوَّةٍ = الإعلان عن بنوة المسيح لله وإثبات لاهوته جاء بقوة. فالقيامة كانت بقوة بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ = فالقيامة من الأموات والإنتصار علي الموت عمل قوي جداً.

مِنْ جِهَةِ رُوحِ الْقَدَاسَةِ = روح القداسة ليس هو الروح القدس. فالروح القدس لم يكن هو الذي أقام المسيح، لأن المسيح كان لاهوته متحداً بناسوته، والذي أقامه هو لاهوته. ولماذا قال روح القداسة؟ هذا يعني أن سبب قيامة المسيح هو إنتصاره علي الخطية، إذ كان بلا خطية، فالخطية هي التي تأتي بالموت، ولأن المسيح كان بلا خطية "من منكم يبكتني علي خطية" ولأنه إنتصر علي إبليس في حروبه ولأنه قال "رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شئ" لهذا إنتصر علي الموت بسبب قداسته. المسيح كان وهو علي الأرض مخفياً لاهوته في ناسوته، ولم يظهر لاهوته إلا في إنتصاره علي الموت وعلي الجحيم الذي فتحه وأخرج منه نفوس الأبرار. فقوله روح القداسة هذا يشير لأن الذي أقام المسيح لاهوته، ولكن ذلك راجع لقداسة المسيح بالجسد وكلمة تعيَّن هنا هي في مقابل كلمة صار في الآية السابقة. فـ "صار" تشير للهيئة والشكل الذى ظهر لنا به، وتعيَّن تشير لحقيقته التى ظهرت وإنكشفت لنا حين إنتصر على الموت فعرفنا من هو، وأنه إبن الله.

العدد 5

آية (5): -

"5الَّذِي بِهِ، لأَجْلِ اسْمِهِ، قَبِلْنَا نِعْمَةً وَرِسَالَةً، لإِطَاعَةِ الإِيمَانِ فِي جَمِيعِ الأُمَمِ.

الَّذِي بِهِ، لأَجْلِ اسْمِهِ = قارن مع (أف1: 5، 6، 12). الَّذِي بِهِ = نحن لا نحصل علي شئ من الآب إلا من أجل المسيح. لذلك يطلب منا المسيح أن نطلب من الآب بإسمه (يو16: 24، 26). ولذلك تضيف الكنيسة علي الصلاة الربانية "بالمسيح يسوع ربنا" فنحن لا يمكن قبولنا أمام الآب ولا قبول طلباتنا إلاّ بالمسيح أو الأدق فى المسيح. ومعني كلام الرسول هنا أنه أخذ ما أخذ من خلاص ورسولية بالمسيح. وما الهدف؟ لأَجْلِ اسْمِهِ = أي ما أخذناه فلنعمل به ونتاجر به لأجل مجد إسمه. وماذا أخذ بولس الرسول؟ نِعْمَةً وَرِسَالَةً = نعمة (إرجع للمقدمة) وَرِسَالَةً = أي إرساليته كرسول للأمم.

نِعْمَةً = هنا بولس يشير لعمل النعمة فيه التي حولته من مضطهد للكنيسة إلي مسيحي حصل علي الخلاص، بل وإلي رسول. إن الله دعاه ويداه ملوثتان بالدماء ليغير طبيعته فيصير في المسيح خليقة جديدة (2كو17: 5). وعمله كرسول كان من أجل الأمم ليطيعوا الإيمان: لإِطَاعَةِ الإِيمَانِ = نري بولس الذي يشعر بنعمة الله التي غيرته، يري أن الله قادر أن يغير الأمم أيضاً فيؤمنوا ويطيعوا الله. إِطَاعَةِ الإِيمَانِ = تعني أننا يجب أن نتقبل قضايا الإيمان وحقائقه بكل خضوع، فحقائق الإيمان هي أمور موحى بها وليست للمناقشات العقلية، علينا أن نخضع الذهن لإعلانات الله بالصلاة، أى نجعل الروح هو الذى يقود العقل، ولا نترك العقل يعمل بالإنفصال عن الروح فيضل.

فِي جَمِيعِ الأُمَمِ = الرسالة هي لكل الأمم بلا إستثناء.

العدد 6

آية (6): -

"6الَّذِينَ بَيْنَهُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا مَدْعُوُّو يَسُوعَ الْمَسِيحِ.".

ومن بين هؤلاء الأمم فإنكم يا أهل رومية مدعوين لكي تكونوا من خاصة المسيح. ولا فضل لأحد في هذه الدعوة بل هي نعمة الله المجانية التي لو قبلها أحد لآمن بالمسيح. وهذه النعمة هي به ولأجل إسمه (آية 5).

العدد 7

آية (7): -

"7إِلَى جَمِيعِ الْمَوْجُودِينَ فِي رُومِيَةَ، أَحِبَّاءَ اللهِ، مَدْعُوِّينَ قِدِّيسِينَ: نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.".

مَدْعُوِّينَ قِدِّيسِينَ = المسيحية عند بولس هي قداسة، والإيمان بالمسيح هو تقديس، والمؤمنين بالمسيح قديسين، أي مفروزين عن العالم ليلتصقوا بالله، ويكونوا مخصصين له. وقد قبلوا روح الله ليعينهم علي ذلك، وعلي أن يحيوا بالتقوي والطهارة والقلب العابد. والقداسة هي سلم نصعد عليه فليس الكل قد وصل للكمال، بل القداسة درجات. وقوله مَدْعُوِّينَ = إذاً هم مثله، فهو أيضاً مدعو (آية1). ولكن لكل منا عمل مختلف. فهو يفتخر بخدمة أحباء الله المدعوين.

نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ = كلمة نعمة هي تحية اليونانيين وكلمة سلام هي تحية اليهود، فهو يكتب للإثنين. ولكن بمعني آخر فالنعمة هي عمل الروح القدس في المؤمن والذي نتيجته السلام، لذلك فالنعمة تسبق السلام رو 1: 5 والنعمة هي أعمال رحمة الله عموماً، الفداء وإرسال الروح القدس، وكل الخير الذي أعطاه الله لنا، والخير الأعظم هو إرسال الروح القدس، ومن نعمة الله غفران خطايانا ومنحنا رتبة البنوة. مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ = هذه تشير لتساوي الآب والإبن فالنعمة والسلام يصدران عن كليهما.

العدد 8

آية (8): -

"8أَوَّلاً، أَشْكُرُ إِلهِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنْ جِهَةِ جَمِيعِكُمْ، أَنَّ إِيمَانَكُمْ يُنَادَى بِهِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ.".

الرسول يبدأ بالجانب الإيجابي ليشجعهم، فهو هنا يمدح إيمانهم قبل أن يبدأ الهجوم. وبولس لم يراهم، ولكنه فرح بنمو الكنيسة في كل مكان، لذلك علينا ان نصلي لنمو الكنيسة وإنتشار الإنجيل. ولنتعلم من بولس أن نبدأ دائما بالشكر علي ما يعطيه لنا الله، وما يعطيه من خير للآخرين كأنه أعطاه لنا. إِلهِي = جميل جداً أن يقول إلهي. هذه مثل "أنا لحبيبي وحبيبي لي" هو يشعر بالعلاقة الخاصة التي تربطه بالله، هو إلهي وقد إمتلكني، وأنا عبده الذي يشعر بمحبته فأُسَلِّم نفسي له كعبد لثقتي في محبته. والله يرد في المقابل ويقول أنا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب.

بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ = فنحن غير مقبولين أمام الآب إلا بالمسيح موضع سروره.

إِيمَانَكُمْ = هم لهم إيمان ولكننا سنري أن بولس يريد أن يصحح مفاهيمهم ويخلصهم من تعاليم الناموس. ولكن واضح أن إيمانهم ذاع وانتشر في كل العالم.

العدد 9

آية (9): -

"9فَإِنَّ اللهَ الَّذِي أَعْبُدُهُ بِرُوحِي، فِي إِنْجِيلِ ابْنِهِ، شَاهِدٌ لِي كَيْفَ بِلاَ انْقِطَاعٍ أَذْكُرُكُمْ.".

أَعْبُدُهُ بِرُوحِي = وقارن مع قول الرسول "عبادتكم العقلية" (رو1: 12). وطالما نسمع هنا عن عبادة بالروح، فقطعاً توجد عبادة بالجسد. هذه هي عبادة الفروض والواجبات، هي ممارسات بدون قلب. كمن يصوم ويتباهي أمام الناس أو حتى أمام نفسه بأنه صام أكثر من الجميع، وهكذا في مطانياته وصلواته ولكن مثل هذا يُعَرِّفْ شماله ما تفعله يمينه. وخطورة هذا النوع من العبادة أنه لو صادفت هذا الإنسان تجربة، سريعاً ما يلوم الله أنه سمح له بهذه التجربة، ولم يذكر له خدمته وعبادته وأصوامه وصلواته.. وهذه جربها بولس الرسول في يهوديته (فهذه طريقة الفريسيين في العبادة) ولم تشبعه ولم تعطه فرحاً وسلاماً.

أمّا العبادة بالروح، فهي عبادة يقودها الروح، هي عبادة في القلب، ولا تظهر أمام الناس، بلا مظاهر ولا إدعاء، بل في إنسحاق للقلب وخضوع لصوت الروح القدس، والروح القدس لا يجبر أحد علي شئ، بل هو يقنع الإنسان المؤمن إقناعاً عقلياً بكل ما سيقوم به في عبادته (لذلك فلقد سميت عبادة عقلية رو1: 12) وبهذا تكون العبادة بحرية الإرادة أي بكامل حريتنا، وبإرادتنا، وبإختيارنا، من كل القلب وبكل رغبة وشوق ويضع الإنسان كل طاقاته الروحية والنفسية والجسدية في خدمة الله والروح يقود كل شئ، والإنسان يكرس كل شئ لله.

فمثلاً يفتح الروح عيني المؤمن علي صورة المسيح المصلوب، ويقنع المؤمن قائلاً هل تتمتع بالطعام اللذيذ والمسيح متألم بسبب خطاياك وخطايا كل البشر وألام كل البشر، هنا يقدم الإنسان صوماً لا ليتباهي به بل ليشترك مع المسيح في ألمه، هنا يكون كأم رفضت أن تأكل لمرض إبنها، وذلك عن حب، ليس طمعاً في أجر ستحصله منه لذلك فمن يقدم هذا النوع من العبادة، لن يطالب الله حين وقوعه في تجربة، بأن يرفع عنه التجربة مذكراً الله بأعماله وأصوامه...، فمن يعبد بالروح هو يقدم عبادته لله عن حب ليس طمعاً في أجر. ومثل هذا يتلذذ بعبادته ويشبع بها، فالحب مشبع. وهكذا في الصلاة، فالإنسان يبدأ بأن يغصب نفسه (جهاد) تم تبدأ النعمة عملها فيتلذذ الإنسان بصلاته ولكن في مرحلة التغصب، يسمع المؤمن صوت الروح القدس، معلناً له حب المسيح له، لقد بذل المسيح لأجلك، أفلا تقف للصلاة وتفرح قلب الله بك. ولو إستجاب وإقتنع بصوت الروح القدس لوجد لذة في صلاته. فهل لو كان يتلذذ في صلواته سيطالب الله بأجر مع أن الله قد أعطاه هذه اللذة. لاحظ أن بولس الرسول في مسيحيته قد إختبر هذا النوع من العبادة، فإختبر الفرح والسلام الذي يفوق كل عقل. بل أن الروح القدس في هذا النوع من العبادة يعطي للمؤمن أن يشعر بمشاعر وأحاسيس حب الله فيبادله حباً بحب، وربما لا يجد كلمات يعبر بها عن هذا الحب الذي ملأ قلبه فيئن فقط (رو26: 8). والعبادة بالروح لا تكون بالضرورة باللسان فقط، بل في شركة عميقة مع الله، هي شركة بلا إنقطاع تنفيذاً لقول الرسول "صلوا بلا إنقطاع" (1تس17: 5). هي شركة في اليقظة، وهي أيضا في النوم "أنا نائمة وقلبي مستيقظ" (نش2: 5) وهي في المنزل وفي الكنيسة، في العمل وفي الطريق.

ولكن من قصة إيليا (1مل19: 12، 13) نسمع أن إيليا إستمع لصوت الله في الهدوء، فكيف نسمع صوت الله وسط ضجيج العالم (نش3: 2). * لابد لنا من وقفة هادئة في المخدع يومياً، في صلاة وفي تأمل للكتاب حتى نسمع صوت الروح القدس في داخلنا. وكيف نسمع صوت الروح القدس ونحن غارقين في الخطايا التي تغلق حواسنا الروحية، إنما لأنقياء القلب فقط إمكانية رؤية الله وسماع صوته (مت8: 5) فلن نسمع صوت الروح في داخلنا * ما لم نقدم توبة أولاً. وكيف نسمع صوت الروح القدس إن كنا في صلاتنا نتكلم طوال الوقت، * لذلك علينا ان نصمت بعض الوقت لنعطي فرصة للروح القدس أن يتكلم. * وحساسية أذاننا تزداد مع الوقت، وتضيع الحساسية إذا عاندنا صوت الروح القدس، * وتزداد الحساسية حين نخضع لصوته. * = كيف نسمع صوت الروح القدس.

وإذا استمعنا لصوته يعطينا الإقناع العقلي. إذاً العبادة بالروح هي عبادة عقلية.

ومن يقدم عبادة بالجسد لا يري في نفسه غير أنه كامل، إذ أنه يفعل كذا وكذا، أما من يقدم عبادة بالروح، فإن الروح القدس يفتح عينيه علي خطاياه وعدم إستحقاقه، لذلك يقول بولس الرسول "الخطاة الذين أولهم أنا" (1تي15: 1). وبينما من يقدم عبادة بالجسد نجده يلوم الله إذا وقعت له تجربة، نجد من يعبد الله بالروح، إذا جاءت عليه تجربة يقول أنا أستحق هذا وأكثر، لأنه يري خطاياه، بل سيشعر بفرح لأنه طالما أن الله يؤدبه، إذاً هو يحبه (عب6: 12). بل إن أتاه خير يشعر بأنه لا يستحقه، كما صرخ بطرس "أخرج يارب من سفينتي" (لو8: 5) إذ شعر بأنه خاطئ لا يستحق كل هذه الخيرات.

بِلاَ انْقِطَاعٍ أَذْكُرُكُمْ = الذي يصلي بالروح لا يهتم بنفسه بل هو مشغول بألام وخلاص نفوس الآخرين، يشكر علي توبة فلان، ويبكي علي خطية فلان، لأنه سيهلك بسببها، ويصرخ لشفاء فلان، يطلب السلام للعالم المضطرب المتألم. مثل هذا سيتشبه بالله في إهتمامه بالناس.

فِي إِنْجِيلِ ابْنِهِ = هذه العبادة بالروح تظهر أيضاً في كرازتي وخدمتي وتبشيري بإنجيل المسيح.

العدد 10

آية (10): -

"10مُتَضَرِّعًا دَائِمًا فِي صَلَوَاتِي عَسَى الآنَ أَنْ يَتَيَسَّرَ لِي مَرَّةً بِمَشِيئَةِ اللهِ أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ.".

هو يشعر بالمسئولية تجاه روما، فهو خائف علي الكنيسة من التهود. ولكن لنتعلم أن ليس كل ما نريده يوافق مخططات الله.

العدد 11

آية (11): -

"11لأَنِّي مُشْتَاقٌ أَنْ أَرَاكُمْ، لِكَيْ أَمْنَحَكُمْ هِبَةً رُوحِيَّةً لِثَبَاتِكُمْ.".

أَمْنَحَكُمْ هِبَةً = سؤال.. هل لو كان بطرس موجوداً في روما منذ 16 سنة وقد أسس كرسيها كما يقول الإخوة الكاثوليك، هل كان يصح أن يقول بولس هذا وأين بطرس؟ ولماذا لا يمنحهم بطرس هذه الهبة؟.

والهبة التي يريد بولس أن يمنحها هي هِبَةً رُوحِيَّةً = لأنها من عمل الروح القدس، وهي تثبيتهم في الإيمان الصحيح وإبعادهم عن التهود، وهي أيضاً البركة الرسولية.

العدد 12

آية (12): -

"12أَيْ لِنَتَعَزَّى بَيْنَكُمْ بِالإِيمَانِ الَّذِي فِينَا جَمِيعًا، إِيمَانِكُمْ وَإِيمَانِي.".

نلاحظ هنا رقة وإتضاع بولس الرسول، فهو يظهر هنا إحتياجه لهم، وأنه سيتعزي بإيمانهم (فالمُروِي هو أيضاً يُروَي أم25: 11) وهم سيتعزون أي يفرحون بإيمانه. ولكننا نلمح هنا أن الرسول يقول أن إيمانهم مختلف عن إيمانه، فإيمانهم إستلموه من مسيحيين من أصل يهودي ومتأثرين بيهوديتهم. لذلك ففي (15: 1) يقول أنه مستعد لتبشيرهم أي تصحيح إيمانهم. فحتي الأمم منهم إستلموا الإيمان علي يد يهود، وهو يريد أن يصحح الإيمان ويلغي ما هو متهود فيه مثل لزوم الختان للخلاص.. الخ.

العدد 13

آية (13): -

"13ثُمَّ لَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنَّنِي مِرَارًا كَثِيرَةً قَصَدْتُ أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ، وَمُنِعْتُ حَتَّى الآنَ، لِيَكُونَ لِي ثَمَرٌ فِيكُمْ أَيْضًا كَمَا فِي سَائِرِ الأُمَمِ.".

الرسول لا يريد الخدمة السهلة، بل هو يريد أن يذهب ليصحح لهم إيمانهم. ولنلاحظ أنه كثيراً ما نطلب طلبات جيدة، كما طلب الرسول هنا والله يؤجل الإستجابة لوقت مناسب يراه الله (هذا أسماه ملء الزمان). ثَمَرٌ = حيثما يزداد الشر يريد الرسول أن يذهب ليكون له ثمر أي مؤمنين إيماناً صحيحاً، وهذا لكي تُعلَن قوة الإنجيل بالأكثر.

العدد 14

آية (14) - :

"14إِنِّي مَدْيُونٌ لِلْيُونَانِيِّينَ وَالْبَرَابِرَةِ، لِلْحُكَمَاءِ وَالْجُهَلاَءِ.".

الرسول يشعر أن الله وكَّله علي وكالة وأعطاه نعمة لأجل كل الأمم، وهو شعر بأن هذا دين في رقبته يود لو صفَّى حسابه معهم بأن يجعلهم يؤمنون. وهو شعر بأن هناك ديناً في رقبته:

1. فهو مقدِّر لعظمة ما أخذه من نعم وأنه صار مديونا لله. ويريد أن يرد الجميل لله الذى أعطاه كل هذا، ولكن كيف؟ فليكن هذا بتبشير الناس فإرادة الله أن الجميع يخلصون.

2. لمحبته لكل الناس وإشتياقه لخلاصهم.

3. هو يشعر بأن ما أخذه لا يستحقه إذ يشعر ببشاعة ماضيه ومع كل هذا أخذ. لذلك شعر بنوع من الإلتزام نحو الذين لم يتذوقوا حريته التي في المسيح والمجد الذي أخذه. لذلك قال "إذ الضرورة موضوعة عليَّ فويل لي إن كنت لا أبشر" (1كو16: 9). البرابرة = كان اليونانيين والرومان يعتقدون انهم هم الحكماء وباقي الناس برابرة.

عموماً فمن يتذوق يشعر بأنه يريد أن الكل يتذوق. بل يشعر بحزن إن حُرِمَ أحد من نعمة الله "من يعثر وأنا لا ألتهب، من يضعف وأنا لا أضعف".

العدد 15

آية (15): -.

"15فَهكَذَا مَا هُوَ لِي مُسْتَعَدٌّ لِتَبْشِيرِكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ فِي رُومِيَةَ أَيْضًا.".

مَا هُوَ لِي: أي أنني مكلف بهذا، أن أكرز بالإنجيل بين الأمم، ما هو لي أي أن هذا هو عملي الذي خلقني الله لأجله. أَنْتُمُ الَّذِينَ فِي رُومِيَةَ = هو يريد أن يبشر في روما مركز الوثنية والخطية ومستعد لإحتمال أي ألم في سبيل ذلك. أَيْضًا = هو تعبير يشير لصعوبة التبشير في روما التي تمجد القوة، وهو سيذهب ليبشر بنجار مصلوب وهو موت العبيد الذين إرتكبوا أبشع الجرائم، قال أحد فلاسفة الرومان: "أتمني أن لا تخطر فكرة الصلب علي بال إنسان روماني شريف".

لِتَبْشِيرِكُمْ = إذاً فإيمانهم محتاج لمراجعة جذرية، بسبب التقاليد اليهودية التي دخلت لإيمانهم. ولشعوره بالدين نحوهم هو مستعد للذهاب إليهم.

العدد 16

آية (16): -

"16لأَنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، لأَنَّهُ قُوَّةُ اللهِ لِلْخَلاَصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ: لِلْيَهُودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ لِلْيُونَانِيِّ.".

لَسْتُ أَسْتَحِي = قال في غلاطية حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع.. (غل14: 6). والرسالة هنا موجهة للرومان أغني وأعظم دولة في العالم. وهم في رومية يفتخرون بالقوة والعظمة ويعيشون في زهو وكبرياء. لكن بولس لا يستحي بالإنجيل الذي يبدو في ظاهره ضعفاً، هو لا يستحي بأن يبشر بأن نجاراً مات مصلوباً بين لصين، وهذا يدعو لإشمئزاز الرومان، وربما كان مسيحيو روما يشعرون بالإستحياء من هذه الفكرة شاعرين بالزهو أنهم من سكان روما القوية سيدة العالم والرسول أراد ان يكسر من زهوهم، وحتي لا يستحوا قال: لا أَسْتَحِي وهو لا يستحي لأنه شاعر بقوة عمل الله. أما أهل غلاطية فهم بؤساء وفي مذلة لذلك يقول لهم أفتخر. عموماً فالطريق الذي يبدأ بلا أستحي ينتهي بأفتخر. ولو سألني أحد... أتعبد المصلوب؟ أقول نعم فهذا الصليب علامة محبته الإلهية غير المتناهية لي وعنايته بي.

لأَنَّهُ قُوَّةُ اللهِ لِلْخَلاَصِ = هو لا يخجل من إنجيل الله لأنه يشعر بقوة هذا الإنجيل. فالإنجيل ليس رسالة نظرية أو فلسفة فكرية تعليمية، إنما هو عمل إلهي جبار، وحركة حب إلهي لا تتوقف لتبلغ بالإنسان إلي شركة الأمجاد الإلهية. هو قوة يشعر بها بولس الرسول وسيشعر بها كل مؤمن. هو قوة مجالها خلاص الإنسان، قوة تعمل في الفكر والإرادة والنفس والشعور والجسد. بعظة واحدة من بطرس آمن 3000 لأن الكلمة لها قوة جبارة غيرت الدولة الرومانية نفسها للمسيحية. فالإنجيل قائم علي عملية تغيير كبري بواسطة المسيح، تعطي الخلاص وتهبه للذين يؤمنون بالمسيح. لِلْيَهُودِيِّ أَوَّلاً = زمنياً فقط، فاليهود كانوا أسبق في إرتباطهم بالله. وقد أخذوا المواعيد بالخلاص وإئتمنوا علي ناموس الله أولاً. وخدمة المسيح بدأت معهم، وهكذا بدأت خدمة الرسل معهم ثم وصلت الدعوة لكل العالم. ولهذا فعليهم واجبات أكثر فلا محاباة، هم عليهم الإيمان بالمسيح أولاً، ثم أن يبشروا هم الأمم. ثُمَّ لِلْيُونَانِيِّ: فالأمم أيضا مدعوين.

العدد 17

آية (17): -

"17لأَنْ فِيهِ مُعْلَنٌ بِرُّ اللهِ بِإِيمَانٍ، لإِيمَانٍ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا».".

فِيهِ مُعْلَنٌ بِرُّ اللهِ = هذا الإنجيل الذي أبشر به هو قوة الله للخلاص (آية 16) وكيف يُخَلِّص؟ هذا بأن يجعل المؤمن باراً. وهل يستطيع كل مؤمن أن يصبح باراً؟ قطعاً، فعمل نعمة الله التي تبرر عمل قوي جداً جداً. الله يعطي للمؤمن المعمد والممسوح بزيت الميرون، أن يحل عليه الروح القدس الذي له قوة جبارة في تغيير حياة المؤمن، من حياة الخطية إلي حياة البر، وتغيير شاول الطرسوسي نفسه إلي بولس الرسول خير شاهد لذلك (راجع معني التبرير في المقدمة). ولنفهم أنه علينا أن نغصب أنفسنا كمؤمنين لنفعل البر (جهاد إيجابي) والنعمة تعطينا أن نتلذذ ونتعزي بعمل البر. ولاحظ أننا نصير أبراراً بحياة المسيح فينا. ولاحظ أن بر الناموس كان "إعمل فتحيا" أمّا في المسيحية فالتبرير يبدأ بالإيمان بالمسيح، فلا بر خارج عن الإيمان بالمسيح. وبعد الإيمان يأتي دور المعمودية التي فيها نموت ونقوم مع المسيح بحياته. ويأتي بعد ذلك دور حلول الروح القدس الذي يثبتنا في المسيح (سر الميرون)، وبقدر ما نثبت في المسيح ننمو في البر. ونحن نثبت في المسيح بقدر ما نصلب أنفسنا مع المسيح ونجاهد (جهاد سلبي وجهاد إيجابي) لذلك فمدخل التبرير في المسيحية هو الإيمان.

مُعْلَنٌ بِرُّ اللهِ بِإِيمَانٍ، لإِيمَانٍ = الإيمان ينمو ويزداد (2تس3: 1 + لو5: 17). والله قسم لكل منا قدر من الإيمان (رو3: 12) ونحن أمّا نُنَمِّي هذا القدر أو ننقصه وكل إيمان نبلغه يعبِّر عن مستوانا الروحي الذي وصلنا إليه، وطوبي للجياع والعطاش إلي البر.. (مت6: 5). مثل هؤلاء ينمو باستمرار مستواهم الروحي وبالتالي ينمو إيمانهم من إيمان لإيمان أعمق وأعلي وهذا متوقف علي جهادنا (سلبي وإيجابي) فندخل للعمق فى معرفة ومحبة المسيح، وأيضا علي خضوعنا وتسليمنا الحياة بين يدي الله بشكر وبلا تذمر (كو2: 7)، بهذا ينمو الإيمان، بل ننمو في المجد، ومن مجد إلي مجد (2كو18: 3). وقطعاً فكلما نزداد في درجتنا الإيمانية سنزداد في عمل البر وحياة البر. ولاحظ أن الإيمان هو ثمرة للإمتلاء من الروح القدس (غل22: 5، 23) والإمتلاء من الروح يأتي بالجهاد (راجع المقدمة). والروح القدس هو الذى يخبرنا عن المسيح (يو16: 14) فنحب المسيح ونثق فيه فيزداد إيماننا.

أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا = هذه من نبوة حبقوق 4: 2. وكان حبقوق يقصد بها أن بابل ستؤدب شعب الله فقط لكنها لن تبيده لسبب بسيط هو أن هذا الشعب شعب الله. والذين عبدوا الأوثان ستبيدهم بابل، أمّا الأبرار الذين يؤمنون بالله فسيحيون، بابل ستؤدبهم فقط لَيكْملوا، لكنها لا تستطيع أن تبيدهم. لكن بولس فهم الآية على أن البر يكون بالإيمان وليس بالأعمال (أعمال الناموس) كما فهم اليهود. وبولس عاش في يهوديته يمارس أعمالاً جيدة لكنه لم يتذوق حياة البر النابعة عن إصلاح الداخل الذي حدث له بالإيمان. خلال أعمال الناموس كان يشعر بفساد الداخل، وأنه يعمل أعمالاً صالحة ولكن مع وجود كبت، وحنين للخطية. أما في ظل الإيمان فوجد نفسه يعمل البر بسهولة وبرغبة صادقة.

تأمل: - في الآية كما قصدها حبقوق وبنفس مفهومه، فمن يقع في تجربة الآن. عليه أن ينظر لله بإيمان بأن الله سيرحمه ويتحنن عليه، ويحول الضيقة لخيره فهو صانع خيرات. وهذا عكس من يخاصم الله وقت التجربة. في هذه الآية نجد أن المؤمن ينمو بإستمرار في بر المسيح، ولكن هذا لا يعني أننا نصير بلا خطية، فطالما نحن في الجسد فنحن معرضون لأن نخطئ ولكن التوبة والإعتراف يغفران الخطية.

العدد 18

غضب

الله

آية (18): -

"18لأَنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ، الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الْحَقَّ بِالإِثْمِ.".

لأَنَّ = هذه تعني أن هذه الآية متعلقة بما قبلها. والمعني أن خطايا الناس أغضبت الله = غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ = لذلك كان هذا التبرير بالإيمان ضرورياً. هذا الغضب ظهر ضد كل من لا يسلك في صلاح ووقار من نحو الله. وضد من خالف الناموس الطبيعي الأخلاقي ولكل من تنكر للحق وضل وراء العبادة الوثنية وحياتها وممارساتها الفاجرة. وبولس هنا يرسم في الآيات التالية صورة للعالم بدون بر الله أي بدون المسيح، والإنحدار الذي وصلت إليه البشرية مما إستوجب غضب الله. وكانت البشرية بحالها هذا تستحق الإفناء كما حدث في الطوفان، ولكن الله وعد نوح بأنه لا يكرر الطوفان إذ هو يريد حياة العالم. والرسول بدأ بشرور الأمم في هذا الإصحاح قبل أن يذكر شرور اليهود حتى لا يُتهَم بأنه معادي لليهود.

لكن كان الأمم قد كسروا الناموس الطبيعي واليهود قد كسروا الناموس الموسوي لذلك صار الكل في حاجة لتدخل إلهي كي يتبرروا بالإيمان بالمسيح. وبهذا صار هناك طريقين للبشر، إمّا الإيمان بالمسيح للتبرير، وهذا الإيمان ينمو يوماً فيوم، والنهاية مجد، أو السير في خطايا تغضب الله، والإنحدار يوماً فيوم، والنهاية هلاك (أنظر الرسم). الله أعلن البر في المسيح ليبطل الغضب. ومن يؤمن يتبرر ومن لا يؤمن ينصب عليه الغضب. وكان البر بالمسيح معلن في الكتاب (آيات 16، 17).

الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الْحَقَّ بِالإِثْمِ. = هذه الخطايا التي كان الوثنيون يمارسونها حجزت الحق أي جعلته غير ظاهر ولا واضح، تَعَبُّدهم للأوثان الباطلة وعدم تعبدهم لله الحق عطل ظهور الحقيقة. عموماً طريق الخطية يقود للعمي (مت5: 8)، أمّا طريق النقاوة فهو طريق الإمتلاء من الروح القدس الذي يفتح الحواس الروحية، ومن حواسه الروحية مفتوحة فهو حي، والعكس. لذلك قيل "لك إسم أنك حي وأنت ميت" (الخطية أغلقت حواسك الروحية) (رؤ1: 3). وعكس ذلك إذ عاد الإبن الضال تائباً قيل "ابني هذا كان ميتاً فعاش". والروح القدس أيضاً هو روح النصح (2تي37: 1). وهو الذي يعلمنا كل شئ (عب11: 8) لذلك حين جاء المسيح وهو الحق لم يعرفه اليهود بسبب خطاياهم، لكن كان هناك من عرفه من البسطاء. فحب المال والحسد أعمي عيون رئيس الكهنة. وما يقال علي العينين يقال عن بقية الحواس. وفي قصة القديس أغسطينوس، يقول في إعترافاته أنه في خطيته قبل أن يؤمن وجد أن الكتاب المقدس، كتاباً عادياً أقل من باقي الكتب (كانت عينه مغلقة عن رؤية الحق، كانت خطاياه تحجز عنه رؤية الحق). أما بعد الإيمان والتوبة كان يقرأ الكتاب المقدس وهو يبكي. والسيد المسيح يقول "تعرفون الحق والحق يحرركم" (يو32: 8). فمن لا يختار المسيح الحق سيختار العالم والخطية أي الباطل، ويكون مستعبداً له، يكون هذا الباطل سيداً وإلهاً له (كالمال مثلاً). أما من عرف المسيح تنفتح عينيه علي مجد المسيح فيحسب كل الأشياء التي في العالم نفاية (في8: 3) والبداية نقاوة القلب بالتوبة. والعكس فمن ملأت الخطية قلبه ورفض الله ينحدر لمستوي متردي، فالمصريين وغيرهم عبدوا الحيوانات، واليونانيون عبدوا الأمراض.

العدد 19

آية (19): -

"19إِذْ مَعْرِفَةُ اللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ، لأَنَّ اللهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ.".

إنهم يحجزون الحقيقة بسبب إنكارهم لله وعبادتهم الفاجرة للأوثان فهل لهم أن يعتذروا بأنه لم يكن لهم ناموس؟ الإجابة لا عذر لهم.

لأن المعرفة الحقيقية عن الله يستطيع العقل البشري أن يتوصل لها. فالله أعد عقول البشر ليهتدوا إليه، الله غرس بذرة الإيمان في كل إنسان. والله أعطي أيضاً لكل إنسان ضمير يعرف به الحق (رو2: 14، 15). فمجرد التأمل في خلقة الإنسان أو العالم أو الكون يثبت ضرورة وجود هذا الإله. وكثيرون من الفلاسفة شعروا بهذا وقالوا أن الأوثان خرافة وأنه لابد أن يكون هناك إله وراء هذه الطبيعة ينبغي أن نعبده. وهذا الشعور بوجود إله ندركه من خلال أعماله هو ما يميز الإنسان عن الحيوان. ولاحظ قبول الأطفال لله ومحبتهم له وتصديقهم للحقائق الإلهية. إذاً إن كان الله قد أعطي لليهود ناموس موسي، فهو أعلن عن نفسه للوثنيين خلال الطبيعة المنظورة (مز1: 19) فالله لا يبقي نفسه بلا شاهد.

العدد 20

آية (20): -

"20لأَنَّ أُمُورَهُ غَيْرَ الْمَنْظُورَةِ تُرىَ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ، قُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةَ وَلاَهُوتَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ.".

أُمُورَهُ غَيْرَ الْمَنْظُورَةِ = invisible nature أي قدراته الإلهية. فالله أظهر قوته في خليقته التي صنعها من أجل محبته لنا. لكن تظل طبيعته الإلهية غير منظورة للإنسان، ولا يمكن بعيوننا الجسدية أن ندرك كماله، ولكن يمكن أن ندركه من خلال أعماله = بِالْمَصْنُوعَاتِ. قُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةَ = أزلية أبدية، أي بلا بداية ولا نهاية، والمعني أن الله لم يخلقه أحد، هو واجب الوجود، هو القوة وراء كل المخلوقات والمصنوعات.

حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ = هذه عن الوثنيين. وهم بلا عذر لأنه إذا كان يمكن إدراك الله بعقولنا فلا عذر لهم ولا لأي إنسان يُنكر وجود الله. ونلاحظ أن بولس الرسول كرر هذا القول بالنسبة لليهود في الإصحاح الثاني، فلا عذر للوثنيين ولا عذر لليهود. لا عذر للوثنيين الذين عبدوا المخلوق وتركوا الخالق، ولا عذر لليهود الذين أخطأوا في حق الله. وكم وكم نحن بلا عذر نحن المسيحيين ونحن هياكل للروح القدس.

العدد 21

آية (21): -

21 "لأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا اللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلهٍ، بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ، وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ الْغَبِيُّ.".

هم بلا عذر لأنهم علي الرغم من أنهم بواسطة ما في المصنوعات وما في الخليقة من عجائب، وهذه أعطتهم أن يدركوا ويعرفوا أن وراء كل هذا لابد من وجود إله = لأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا اللهَ = كلام الرسول يعني أنهم أو أن الإنسان أولاً عرف الله، وأدرك وجوده، وعرف حكمته التي خلق بها هذه الأشياء. فما الذي حدث؟ كيف بدأ الإنهيار؟

لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ = من أجل هذه المراحم العديدة التي وهبها لهم. فشكر الله وتمجيده يرفعني في طريق النمو، والعكس فالتذمر وتمجيد النفس (الذات) عوضاً عن تمجيد الله تجعلني أنحدر. ويظل الإنحدار حتى يصل الإنسان لظلام القلب = أَظْلَمَ قَلْبُهُمُ الْغَبِيُّ ومن هنا تظهر أهمية التسابيح الكثيرة في الكنيسة وكثرة ترديد صلاة الشكر في كل الأوقات وكل المناسبات. وكما يقول ماراسحق السرياني "كل عطية بلا شكر هي بلا زيادة". وحينما شفي المسيح العشرة البرص عاد واحد منهم فقط ليشكر، فقال المسيح فأين التسعة (لو12: 17 - 19). ولاحظ أن المسيح لم يكن يريد عودتهم لأنه محتاج لشكرهم بل حتى يعطيهم ما هو أكثر، كما حدث مع هذا الأبرص الذي عاد، إذ حصل علي الخلاص الروحي بجانب الشفاء الجسدي. فالله يفرح بمن له روح الشكر ليزيده من بركاته. والعكس فالتذمر أهلك اليهود في برية سيناء. الشكر يجعل القلب طيعاً في يد الله، فيقوده للخلاص. فمثل هذا القلب الشاكر الطيِّع يسهل علي الله أن يتعامل معه ويعطيه إستنارة ليعرف أكثر فيمجد أكثر وهكذا. فالشفاء الروحى الذى يعطى الإستنارة يستلزم فى بعض الأحيان أن يسمح الله ببعض التجارب والآلام، ومن هو الذى يحتمل التجارب سوى القلب الشاكر الذى إكتشف محبة الله، وأن هذه التجارب دليل محبته وهى طريقه للخلاص. أما التذمر فهو يقسى القلب، فإن سمح الله بتجربة يرفضها ويتذمر، ويظلم هذا القلب، ومثل هذا لا يعود يري الله ولا يدرك محبته. وهؤلاء يسيرون وراء الأكاذيب فهم لا يرون الطريق لعماهم، ومن ثم يتشبثون بالباطل. ويفقد القلب وعيه ويصير بلا تمييز ويغيب عنه نور الله. فالله يعطي المعرفة بطرق شتي لتنتهي إلي شكره وتمجيده علي مراحمه. وعدم الإحساس بمراحم الله هو أصل كل الشرور. فإن لم يكن للمعرفة ثمر، يرفع الله هذه المعرفة، فيكون هذا وبالاً علي الإنسان، فيبدأ يمجد نفسه عوضاً عن أن يمجد الله. بل إنحدر الإنسان فصار يمجد العجول والقرود والفئران… والآن هناك من يمجد المال والشهوات.

العدد 22

آية (22): -

"22 وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلاَءَ.".

بينما هم يعتقدون في أنفسهم أنهم حكماء، فإنه لسبب عدم إدراكهم الحقيقة إدراكاً صحيحاً قد أصبحوا أغبياء وجهلاء. فالمصريين أصحاب كل علم عبدوا العجل. واليونانيين عبدوا الأمراض والشهوات البشرية بل أن هناك الآن من يعبد الشيطان. ولاحظ أن هذا الكلام موجه لمن آمن من الوثنيين وظل يفتخر بفلسفات الوثنيين، وكأن الرسول يقول لهم إلي أين قادتكم فلسفاتكم؟ لقد قادتكم للإنحطاط.

العدد 23

آية (23): -

"23 وَأَبْدَلُوا مَجْدَ اللهِ الَّذِي لاَ يَفْنَى بِشِبْهِ صُورَةِ الإِنْسَانِ الَّذِي يَفْنَى، وَالطُّيُورِ، وَالدَّوَابِّ، وَالزَّحَّافَاتِ.".

من يعبد الله يكون له كرامة، ويقابل هذا الهوان لمن يعبد الأوثان والحيوانات. فعوضاً عن الإلتصاق بالله الذي له كل المجد - وهذا يقود الإنسان للخلود - إنحط الإنسان وعبد الفانيات فصار مصيره الزوال.

العدد 24

آية (24): -

"24لِذلِكَ أَسْلَمَهُمُ اللهُ أَيْضًا فِي شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ إِلَى النَّجَاسَةِ، لإِهَانَةِ أَجْسَادِهِمْ بَيْنَ ذَوَاتِهِمِ.".

ولأجل أنهم سلكوا هذا السلوك المشين وأهانوا الله لذلك فقد نزع الله منهم نعمته وتركهم ليسلكوا بحسب شهواتهم الرديئة في كل نجاسة. أَسْلَمَهُمُ اللهُ من يده لشهواتهم. الله لم يجعلهم يفعلون هذا، بل هو تركهم وتخلت نعمته الحافظة عنهم فإنحطوا لهذه الدرجة، هم صاروا كمريض رفض علاج الطبيب فتدهورت حالته. الله أسلمهم أي تركهم لما إشتهته قلوبهم ولما أرادوا أن يعملوه، رفع الله عنهم يده فأكملوا شهوة قلوبهم في النَّجَاسَةِ = أي عدم الطهارة في العلاقات الجنسية والتي تصل للشذوذ الجنسي فأهانوا أجسادهم. ولنلاحظ أن الخطية لها أضرار بدنية فضلاً عن الأضرار الروحية.

العدد 25

آية (25): -

"25الَّذِينَ اسْتَبْدَلُوا حَقَّ اللهِ بِالْكَذِبِ، وَاتَّقَوْا وَعَبَدُوا الْمَخْلُوقَ دُونَ الْخَالِقِ، الَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ.".

اسْتَبْدَلُوا حَقَّ اللهِ = هؤلاء إستبدلوا الإله الحقيقي بالأوثان، إستبدلوا الحق الذي إستعلن لهم في وعيهم العام، بالآلهة الوثنية الكاذبة غير الحقيقية. ثم كرسوا قلوبهم ووجهوا عبادتهم إلي الخليقة والمخلوقات. وهكذا بدلاً من أن يكرموا ويعبدوا الخالق الذي خلق وكوَّن كل المخلوقات، والذي يلزم أن نقدم له التمجيد إلي الأبد، عبدوا المخلوقات. لقد ظهر تقدير الله للإنسان في أنه خلقه علي شبهه وعلي صورته بينما ظهرت حماقة الإنسان وظلام قلبه في أنه صنع الله علي حسب صورٍ فانية. ولاحظ إنحدار الإنسان الذي جعل آلهته بهذه الصور، فإذا كانت هذه صورة الآلهة فكم تكون قيمة الإنسان الذي يعبدها. ولاحظ أنه يطلق علي الآلهة الوثنية الْكَذِبِ فهي شخصيات وهمية غير حقيقية، بل هي تخفي الحق ولا تفيد ولا تضر. وأنظر لمن يتصور أن أي شهوة خاطئة قادرة أن تشبعه فيجري وراءها العمر كله ولكنه لا يشبع، كمن يبحث عن ماء لا يروي أو عن آبار مشققة لا تضبط ماء تاركاً الله المشبع ينبوع المياه الحقيقي (إر13: 2) فهذه المياه التي لا تروي هي الكذب.

الذي هُوَ مُبَارَكٌ = حينما ذكر إهانات الوثنيين لله لم يحتمل إهانتهم له وبارك الله.

العدد 26

آية (26): -

"26لِذلِكَ أَسْلَمَهُمُ اللهُ إِلَى أَهْوَاءِ الْهَوَانِ، لأَنَّ إِنَاثَهُمُ اسْتَبْدَلْنَ الاسْتِعْمَالَ الطَّبِيعِيَّ بِالَّذِي عَلَى خِلاَفِ الطَّبِيعَةِ.".

من أجل أنهم عبدوا المخلوقات دون الخالق فقد منع الله نعمته عنهم إذ هم لا يستحقونها. لاحظ قول المزمور "الرب يعطك حسب قلبك" (4: 20)، فالله نزع عنهم حمايته بسبب قساوة قلوبهم فتسلطت عليهم الأهواء الجسدية المخجلة غير الشريفة.

أهواء الهوان = كل إنحرافات الشهوة، شهوات الخزي والعار، الذي وصل للزنا مع الحيوانات، وهذا ما حذَّر الله الشعب منه (خر19: 22) (إذ هو منتشر في كنعان) قبل أن يدخلوا كنعان. غالباً كان هذا ما يقصده الرسول هنا وإستحي من ذكره.

العدد 27

آية (27): -

"27 وَكَذلِكَ الذُّكُورُ أَيْضًا تَارِكِينَ اسْتِعْمَالَ الأُنْثَى الطَّبِيعِيَّ، اشْتَعَلُوا بِشَهْوَتِهِمْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَاعِلِينَ الْفَحْشَاءَ ذُكُورًا بِذُكُورٍ، وَنَائِلِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ جَزَاءَ ضَلاَلِهِمِ الْمُحِقَّ.".

الْفَحْشَاءَ = الفعل القبيح كالشذوذ الجنسي. ونلاحظ أن الشذوذ الجنسي لا ترتكبه الحيوانات. نَائِلِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ جَزَاءَ = هم ضروا أنفسهم وإنحدرت كرامتهم، وهم يستحقوا هذا فهم الذين إختاروا طريق الإنفصال عن الله. ونري الآن وباء الإيدز يحصد هؤلاء الشواذ جنسياً.

العدد 28

آية (28): -

"28 وَكَمَا لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا اللهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ، أَسْلَمَهُمُ اللهُ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ لِيَفْعَلُوا مَا لاَ يَلِيقُ.".

هم لم يرغبوا أن تكون لهم المعرفة الحقيقية عن الله، لذلك تركهم الله فصار عقلهم عاجزاً عن أن يميز بين الحق والكذب. وكان نتيجة ذلك أن فعلوا ما لا يجب وما هو غير لائق أخلاقياً. إن النعمة هي عطية الله للإنسان فإذا أساء الإنسان التصرف وأفسد سلوكه إستحق أن يرفع الله عنه نعمته ويسلمه إلي أهوائه وفضائحه. والمسئولية لا تقع علي الله بل علي الإنسان، كالمريض الذي رفض الإنصياع لنصائح طبيبه واختار أن يعالج مرضه بنفسه علي الرغم من جهله بذلك. فإذا ساءت حالة المريض لا يلام الطبيب. وكما يتخلي الطبيب عن تقديم النصائح لمريض يخالفه دائماً هكذا يتخلي الله عن الخاطئ المصِّر علي خطيته.

العدد 29

آية (29): -

"29مَمْلُوئِينَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَزِنًا وَشَرّ وَطَمَعٍ وَخُبْثٍ، مَشْحُونِينَ حَسَدًا وَقَتْلاً وَخِصَامًا وَمَكْرًا وَسُوءًا.".

الإِثْمٍ = الشر علي وجه العموم، كما يشار بكلمة البر للصلاح علي وجه العموم.

شَرّ = يشار هنا إلي الإضرار بالغير دون أن يحصل المرء علي كسب شخصي.

خُبْثٍ = الميل النفسي الآثم نحو الآخرين. حَسَدًا = يقود للقتل (قايين وهابيل).

الخصام = هو الإضرار بالغير دون أن يصل الأمر للقتل بل السعي لتكدير الآخرين.

ثالبين = من ثلب = عاب شخصاً في غيابه وشهَّر به ليفسد سمعته.

الأعداد 30-31

الآيات (30 - 31): -

"30نَمَّامِينَ مُفْتَرِينَ، مُبْغِضِينَ ِللهِ، ثَالِبِينَ مُتَعَظِّمِينَ مُدَّعِينَ، مُبْتَدِعِينَ شُرُورًا، غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْوَالِدَيْنِ، 31بِلاَ فَهْمٍ وَلاَ عَهْدٍ وَلاَ حُنُوٍّ وَلاَ رِضىً وَلاَ رَحْمَةٍ.

مُدَّعِينَ = أي متعاظمين في أقوالهم ينسبون لأنفسهم ما ليس لهم.

مُفْتَرِينَ = المفتري هو مختلق الكلام. مُبْتَدِعِينَ شُرُورًا = يبتكرون أنواع جديدة من الشر. والمبتدع هو من يأتي ببدع جديدة في الشر كالهرطقات.

بِلاَ فَهْمٍ = يرفضون كل نصيحة. لاَ عَهْدٍ = لا يلتزمون بعهودهم مع الآخرين.

العدد 32

آية (32): -

"32الَّذِينَ إِذْ عَرَفُوا حُكْمَ اللهِ أَنَّ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِثْلَ هذِهِ يَسْتَوْجِبُونَ الْمَوْتَ، لاَ يَفْعَلُونَهَا فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا يُسَرُّونَ بِالَّذِينَ يَعْمَلُونَ.".

الرسول هنا يشير إلي الأمميين الذين عرفوا أن حُكْمَ اللهِ هو بموت من يفعل هذه الخطايا. ومع هذا فهم يرتكبونها. وهذا دليل علي قساوة القلب، بل هم يفرحون بأن غيرهم يرتكبها، وهذا الفرح هو فرح بنمو مملكة الشيطان. وهم يفعلون هذه الخطايا بكل رغبة وشوق ورضي، إذاً فخطأهم خطأ متعمد يصدر عن نية وقصد لا عن غفلة وجهل. هنا نري أن الإنسان إستمر في الإنحدار والإنحطاط لدرجة تشبَّه فيها بالشيطان الذي يفرح بأن يخطئ إنسان ما. بل صار الآن بعض الناس يعبدون الشيطان.

تعليق: قيل إن من أعظم الفلاسفة اليونان من كانوا يرتكبون الشذوذ الجنسي، بل أن منهم ما جعله شريعة محرماً إياه علي العبيد، كأن فيه فضل يمتاز به الأحرار دون العبيد. إلي هذا المدي إنحدر هؤلاء الفلاسفة ولم تنفعهم فلسفتهم.

هذا الإصحاح نري فيه أن الإنسان إما ينمو في الروح أو ينحدر لأسفل: -.

إنحدار

1. من ينمو في الروح: - هذا من يجاهد فينمو إيمانه، وينتقل من درجة إيمانية لدرجة أعلي (آية17) هو يعبد الله بالروح (آية9) وهو يعمل أعمال بر (آية17). ونهاية هذا الصعود، نجد الإنسان يتشبه بالله الذي يفرح بإيمان وبر أولاده. وهنا نجد الرسول يفرح ويشكر الله علي إيمان أهل رومية (آية8).

2. الإنحدار: حالة الإنسان كمن يصعد علي منحدر في سيارة، فهو إما يصعد، وإما ينحدر لو رفع قدمه عن دواسة البنزين = (هذا هو من أهمل جهاده).

والإنحدار هنا يصل بالإنسان لأحط الدرجات (آية27) وهؤلاء يظلم قلبهم (آية21) وينحدروا إلي مستوي أقل من الحيوانات وفي النهاية نجد هؤلاء وقد تشبَّهوا بالشيطان.

ملحوظة: هو نوع من خداع النفس أن يتصور إنسان أنه وصل إلي مرحلة روحية معقولة، وأنه أحسن من كثيرين فيكف عن جهاده، مثل من تصور وهو يقود سيارته أنه وصل علي المنحدر لإرتفاع معقول، فيرفع قدمه عن البنزين ويكف عن القيادة، مثل هذا لابد وأن يبدأ في الإنحدار سريعاً.

بإيمان لإيمان: - هذا هو النمو (آية17) فالإيمان ينمو كما قلنا. ولكنه كيف ينمو؟

1. بالعشرة مع الله، وتطبيق وصاياه فنعرفه (مت24: 7 - 27). وكلما عرفناه وإختبرناه يزداد إيماننا به. والعشرة هي بالصلاة والتسبيح ودراسة الكتاب.

2. بالشكر وسط الضيقات التي يسمح بها الله لنري يده ونعرفه (كو7: 2) كما سمح الله لبني إسرائيل في سيناء ببعض التجارب كالماء المر حتى يروا يده.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الثاني - تفسير الرسالة إلى رومية - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير الرسالة إلى رومية الأصحاح 1
تفاسير الرسالة إلى رومية الأصحاح 1