الإصحاح السادس – سفر الجامعة – القس أنطونيوس فكري

الإصحاح السادس

الأعداد 1-2

الآيات (1 - 2): -

"1يُوجَدُ شَرٌّ قَدْ رَأَيْتُهُ تَحْتَ الشَّمْسِ وَهُوَ كَثِيرٌ بَيْنَ النَّاسِ: 2رَجُلٌ أَعْطَاهُ اللهُ غِنًى وَمَالاً وَكَرَامَةً، وَلَيْسَ لِنَفْسِهِ عَوَزٌ مِنْ كُلِّ مَا يَشْتَهِيهِ، وَلَمْ يُعْطِهِ اللهُ اسْتِطَاعَةً عَلَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، بَلْ يَأْكُلُهُ إِنْسَانٌ غَرِيبٌ. هذَا بَاطِلٌ وَمُصِيبَةٌ رَدِيئَةٌ هُوَ.".

البخل هو إستخدام سييء لعطايا الله من المال والغني، فالمال سواء حصلنا عليه بعملنا أو كميراث من الأباء هو عطية من الله، ينبغي أن يعيش بها الشخص ويفرح بها ويفرح بها أولاده، والباقي هو للمحتاج ليفرح الكل. ولكن من يفرح بكنز أمواله وفي جشع لا يصرف على نفسه ولا أولاده، ويأتي غريب ويأخذ كل ما لديه، وهناك تفسير لهذا: -.

  1. إما أن هذا الغني الجشع أصبح لا يثق في أولاده، وأقام وكيلاً على أمواله فنهبه الوكيل. أتى لى شخصا يوما فى حالة إنهيار تام ليرينى بقايا محترقة لأوراق نقدية كان قد أخفاها عن أولاده، وحدث حريق ليلا فإحترق كل شئ، وتبقى أجزاء من بعض هذه الأوراق المالية، وكان ما أخبأه ثروة كبيرة لم يتمتع بها لا هو ولا أولاده. ومن الصدمة التى حدثت له إنهار صحيا ومات بعد أيام قليلة.
  2. يموت هو دون أن يتمتع بماله، ويترك كل شئ بعدما حرم نفسه من ماله في حياته.
  3. لو إنحرف إنسان لطريق الزنا يسلبه عدو الخير من كل عطايا الله فيذهب ماله للغريب (أم10: 5).

ونلاحظ أنه في وقت سليمان كثر الذهب والفضة أي صار الجميع أغنياء، وكانت أيام سليمان أيام سلام، ولا حرب يخاف منها الناس فيكنزوا أموالهم، ومع هذا لم يكف الناس عن جشعهم.

العدد 3

آية (3): -

"3إِنْ وَلَدَ إِنْسَانٌ مِئَةً، وَعَاشَ سِنِينَ كَثِيرَةً حَتَّى تَصِيرَ أَيَّامُ سِنِيهِ كَثِيرَةً، وَلَمْ تَشْبَعْ نَفْسُهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَلَيْسَ لَهُ أَيْضًا دَفْنٌ، فَأَقُولُ إِنَّ السِّقْطَ خَيْرٌ مِنْهُ.".

كان في العهد القديم أن كثرة البنين دليل البركة، فهذا إنسان له 100 إبن أي له خير كثير، لكنه لا يشعر بالشبع بل يشعر بالعوز وعدم الإكتفاء، ويبقي في حالة فراغ، مثل هذا الإنسان حتى وإن عاش سنين كثيرة بل لو عاش للأبد ولم يدفن = ليس له أيضاً دفن فهو لن يشعر بفرح، ولن ينعم بعذوبة الحياة بسبب شعوره الدائم بالحاجة إلى الإكتناز. السقط خير منه = السقط هو من يولد ميتاً. وهناك تفسير آخر للآية وهو أوقع ليس له أيضاً دفن = فالدفن كان مهماً جداً عند اليهود. ولكن هذا الإنسان الجشع بسبب حرمانه أولاده من حقهم في الحياة والتمتع بأمواله، هم تركوه وحيدا مع أمواله وإبتعدوا عنه، ومات دون أن يدرى به أحد فلم يدفن، أو أنهم أصبحوا لا يحبونه ولا يبالون بكرامته ولا يهتمون بدفنه، إنما إنصب اهتمامهم على البحث عن ثروته وتوزيع ميراثه عليهم وهم لم يدفنوه بعد (وهذا يحدث كثيراً حتى الآن).. (إر19: 22).

الأعداد 4-9

الآيات (4 - 9): -

"4لأَنَّهُ فِي الْبَاطِلِ يَجِيءُ، وَفِي الظَّلاَمِ يَذْهَبُ، وَاسْمُهُ يُغَطَّى بِالظَّلاَمِ. 5 وَأَيْضًا لَمْ يَرَ الشَّمْسَ وَلَمْ يَعْلَمْ. فَهذَا لَهُ رَاحَةٌ أَكْثَرُ مِنْ ذَاكَ. 6 وَإِنْ عَاشَ أَلْفَ سَنَةٍ مُضَاعَفَةً وَلَمْ يَرَ خَيْرًا، أَلَيْسَ إِلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ يَذْهَبُ الْجَمِيعُ؟ 7كُلُّ تَعَبِ الإِنْسَانِ لِفَمِهِ، وَمَعَ ذلِكَ فَالنَّفْسُ لاَ تَمْتَلِئُ. 8لأَنَّهُ مَاذَا يَبْقَى لِلْحَكِيمِ أَكْثَرَ مِنَ الْجَاهِلِ؟ مَاذَا لِلْفَقِيرِ الْعَارِفِ السُّلُوكَ أَمَامَ الأَحْيَاءِ؟ 9رُؤْيَةُ الْعُيُونِ خَيْرٌ مِنْ شَهْوَةِ النَّفْسِ. هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ.".

حالة السقط (آية 3) محزنة للغاية. لأنه في الباطل يجئ = فباطلاً حملت الأم وتعبت ثم خاب أملها. وفي الظلام يذهب = لا يكاد يشعر به أحد، يدفن قبل أن يحتفل بميلاده. اسمه يغطي بالظلام = فإن كان الوالدان قد أعدا إسماً لهذا المولود، يتوارى معه الإسم في الظلام. لم ير الشمس = لم ينظر نورها فقد خرج من ظلام الرحم إلى ظلام القبر. ولم يعلم = لم يعرف شيئاً عن الدنيا وملذاتها ولا عرف أبويه. فهذا له راحة أكثر من ذاك = فالسقط لم يصنع خطية ولم يحمل هماً وهو في بطن أمه، ولم يكرهه أحد بل أحبوه وأعطوه إسما قبل أن يولد، بينما الجشع خسر حياته على الأرض فهو قضاها مهموماً وخسر حياته الأبدية ومات مكروها ممن كانوا حوله. فهو والسقط ذهبا للقبر = إلى موضع واحد يذهب الجميع = ولكن هناك فروق تجعل السقط أفضل من الجَشِع الذي لا يشبع، الذي تحرمه محبة المال من رؤية المسيح شمس البر، عاش مهما عاش ربما لألف سنة ولم يفرح، ولم يعمل خيراً لأحد ولم يُسْعِد أحد ولم يحبه أحد.

كل تعب الإنسان لفمه ومع ذلك فالنفس لا تمتلئ = الإنسان جسد ونفس وروح. الجسد يشبع بالطعام والنفس تشبع بالعواطف البشرية والروح تشبع بمعرفة الله إذ هى مخلوقة على صورته. ونتيجة عمل الإنسان يذهب كله لفمه ويكون له فيشبع الجسد. أما النفس فهى تشبع بالمحبة، ويقول علماء النفس أن الإنسان حتى يكون إنسان طبيعى يجب أن يحيا فى حب متبادل، يحب الآخرين ويحبه الآخرين. لكن الروح لا تشبع إلا من معرفة الله وتبادل الحب مع خالقها الذى خلقها على صورته. فكل عنصر فى الإنسان له ما يشبعه، فالعواطف لا تشبع بطنا جائعة وهكذا. إلا أن من يشبع بالله يشبع جسدا ونفسا وروحا. وهذا ما يعطى الشبع للإنسان فلا يشعر بالإحتياج والدليل بقاء الجموع مع المسيح 3 أيام دون أن يشعروا بالجوع (مت15: 32)، ومثال آخر الأباء السواح الذين ينطلقوا للصحراء لا يروا إنسانا لعشرات السنوات. لكن من إنشغل عن الله لاتشبع روحه، أضف لهذا أن الإنسان الذى عاش مكروها لا تشبع نفسه، ولو كان بخيلا فحتى جسده لن يشبع فهو يبخل حتى على نفسه. مثل هذه النفس لا يكفيها شئ بل هي دائماً تقول هات هات (أم15: 30) فنفوسنا لا يملأها شئ إلا الله نفسه، العالم كله لا يكفي أن يشبع النفس التي تشتهي العالم "من يشرب من هذا الماء يعطش". ولنعلم أن ما وهبنا الله إياه فلكي نستخدمه لا لكي يستخدمنا ويستعبدنا. فليملأ الغني فمه بالطعام وليدرك أن نفسه لن تشبع مطلقاً مهما كنزت، لأن من يحب الفضة لا يشبع من الفضة (10: 5). فالفم محتاج للطعام والنفس تحتاج لمحبة الناس والروح تحتاج إلى حب الله والقريب، و "ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله". لأنه ماذا يبقي للحكيم أكثر من الجاهل = كلاهما سيترك ماله ويمضي للقبر. ولكن الحكيم الذي عاش في محبة للجميع سيترك ذكرى طيبة لمحبته للناس ومحبة الناس له، عاش فرحاً بما أعطاه الله وأسعد من حوله، أما الجاهل فعاش حزيناً لا يشبع، بل أن الفقير الحكيم يعيش سعيداً مكتفياً بما لديه من قوت وكسوة (1تي8: 6) ويحمل معه الحب إلى أبديته بينما يفقد من يظن نفسه حكيماً وغنياً سعادته هنا ومجده الأبدي.

ماذا للفقير العارف السلوك أمام الأحياء سؤال إجابته رؤية العيون خيرُ من شهوة النفس.

الفقير العارف السلوك هو من قال عنه بولس الرسول أنه قانع بما لديه من قوت وكسوة. مقتنع بما تراه عينه مما أعطاه الله له فعلاً، شاكراً الله على ما أعطاه له، هذا من يقال عنه أنه شبعان نفسا وجسدا وروحا، والشبعان لا يريد شيئا من العالم، وقال سليمان عن هذه النفس "النفس الشبعانة تدوس العسل" (أم27: 7)، هذا خير له من أن يعيش على أوهام شهوات لن تتحقق يعذب بها نفسه إذ لا يجدها بل هو لا يريدها. الإنسان الفقير الذي يشعر بالشبع مكتفياً بما لديه، أو بما هو حاضر أمامه، يراه بعينيه، خير من ذاك الذي تجول نفسه في طمع، يشتهي الأمور التي قد لا يستطيع نوالها. وسليمان يسمى من لا يشبع في شهواته أحمقاً، أما الحكيم فهو من لا يوجد أسيراً لتلك الشهوات.

الشعب في سيناء لم يفرحوا بالله السائر معهم، فهم لم يروه لأنهم كانوا بشهواتهم هناك في مصر في أرض العبودية فاشتهوا الكرات ولحم مصر. فالجاهل الأحمق لا يرى الله ولا يرى الخير الذى بين يديه الذى هو عطية الله فيشكره عليه، وهذا لأن عينيه متجهة للعالم ولا يرى سوى العالم فيشتهيه، وعينيه متجهة لما عند الآخرين ويحسدهم عليه. هو يشتهي أيضاً ما ليس له فيعيش دائماً تعيس (يع1: 4 - 4). أما الحكيم فهو يرى الله، ويرى العالم لكنه لا يشتهيه، هو يستعمله ولا يطلب أكثر مما له. يشكر الله ويفرح بما أعطاه له الله، ولا يطلب ولا يشتهي ما ليس له. الفقير الحكيم يعيش محبوباً محترماً، أما الغني الجاهل فيعيش بلا محبة من أحد وموته صعب. ويكمل سليمان أن إطلاق الإنسان لشهواته، بما فيها شهوة الاقتناء هو أيضاً باطل وقبض الريح = فهو كلما نال شيئاً يزداد بالأكثر لهيب الشهوة عنده فيطلب المزيد فيدخل في مضايقة الروح.

لذلك على الإنسان أن يفهم أن كل العالم سيزول فمهما إقتني فهو باطل أي عدم ومصيره للزوال. فلا نضع قلوبنا على أي شئ في هذا العالم.

الأعداد 10-12

الآيات (10 - 12): -

"10الَّذِي كَانَ فَقَدْ دُعِيَ بِاسْمٍ مُنْذُ زَمَانٍ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ أَنَّهُ إِنْسَانٌ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخَاصِمَ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ. 11لأَنَّهُ تُوجَدُ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ تَزِيدُ الْبَاطِلَ. فَأَيُّ فَضْل لِلإِنْسَانِ؟ 12لأَنَّهُ مَنْ يَعْرِفُ مَا هُوَ خَيْرٌ لِلإِنْسَانِ فِي الْحَيَاةِ، مُدَّةَ أَيَّامِ حَيَاةِ بَاطِلِهِ الَّتِي يَقْضِيهَا كَالظِّلِّ؟ لأَنَّهُ مَنْ يُخْبِرُ الإِنْسَانَ بِمَا يَكُونُ بَعْدَهُ تَحْتَ الشَّمْسِ؟".

الذي كان فقد دعي باسم منذ زمان = الاسم هو آدم ويعني المأخوذ من تراب الأرض. والاسم يميز الشخص ويشير لصفاته وأعماله. ومعروف أن الإنسان ضعيف ومهما زادت ثروته فسيستمر إنسان ضعيف محدود قابل للموت في أي لحظة، وهذا دُعِيَ على الإنسان منذ الأزل، لا يستطيع أن يخاصم من هو أقوى منه = يعجز الإنسان عن أن يقاوم ويخاصم الله القوي، وعادة فالإنسان الذي يشتهي ولا يجد، يخاصم الله لأنه لم يعطه، والله قسم لنا ما عندنا فلنقبل ونكتفي ولا نخاصمه، حينئذ سنكتشف أنه أعطانا كفايتنا وأعطانا معها الشبع والإكتفاء والرضا. أمور كثيرة تزيد الباطل = الشهوة والهموم مع الغني، وعدم الاكتفاء، ومخاصمة الله، وحسد الناس على ما عندهم يزيد ألام الإنسان، وزيادة المعرفة يزداد معها الشعور بالضعف والعجز. وعبثاً يظن الإنسان أن أشياء هذا العالم فيها راحة. فأي فضل للإنسان = لا يمكن لإنسان أن يوفر لنفسه ظروفا أفضل مما وفره الله له، وهذا ينطبق على ثروة الإنسان وملذاته وأمجاده العالمية حتى تجاربه وألامه (1كو3: 22 + رو8: 28). وسليمان يوجه هذا لكل من يعترض على ما أعطاه له الله، فلا يجب على أحد أن يطلب تغيير وضعه. قطعا هذا ليس ضد الطموح ولكن المقصود عدم التذمر إن لم يستطع الإنسان تغيير وضعه. وفي آية (12) يختم الجامعة حديثه بالنتيجة النهائية أن ما يجمعه الإنسان لن يزيده سعادة، خاصة أن أيام حياته على الأرض مهما طالت فهي كالظل لذلك أسماها أيام حياة باطلة التي يقضيها كالظل. وطالما لا نعرف ما هو لصالحنا علينا أن نسلم بأن كل الأمور تعمل معاً للخير فلا نضطرب فأحسن إختيار لحياتنا هو ما أعطاه الله لنا. نحن لا نعرف ماذا سيحدث في المستقبل لنا أو لعائلاتنا بعد موتنا، الكل في يد الله وهو يدبر كل الأمور للخير. وإذا كان لنا ثقة في الله وفي محبته وتدبيره سنحيا سعداء لا نحمل هماً للغد.

No items found

الإصحاح السابع - سفر الجامعة - القس أنطونيوس فكري

الإصحاح الخامس - سفر الجامعة - القس أنطونيوس فكري

تفاسير سفر الجامعة الأصحاح 6
تفاسير سفر الجامعة الأصحاح 6