الأصحاح الثاني – تفسير رسالة يعقوب الرسول – القمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الثاني

إستمراراً لمنهجه نجد الرسول هنا يظهر أنواع الإيمان المنحرف. فليس كل إيمان هو إيمان صحيح، وليس كل إيمان يخلص صاحبه.

العدد 1

آية (1): -

"1يَا إِخْوَتِي، لاَ يَكُنْ لَكُمْ إِيمَانُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، رَبِّ الْمَجْدِ، فِي الْمُحَابَاةِ.".

يا إخوتى = الرسول يظهر لهم هنا أن الجميع إخوة، فلا مجال للتمييز أو المحاباة، بل الكل أعضاء فى جسد واحد يتكامل أعضاؤه كما تتكامل أعضاء الجسم (العين والأذن واليد والرجل...) ويلزم على القوى أن يهتم بالضعيف، وعلى الضعيف أن يحترم القوى. بل قيل عن الفقراء أنهم إخوة الرب.

لا يكن لكم إيمان.. فى المحاباة = هم لهم إيمان ولكنه ليس إيمان حى صحيح، فهم يحترمون الأغنياء ويهينون الفقراء.

يسوع المسيح رب المجد = يلقب المسيح هنا برب المجد لكى يرفع أنظار المؤمنين إلى المجد السماوى الحقيقى، فأمام مجد المسيح يصير كل مجد بشرى تافه لا قيمة له. فالغِنى البشرى والمجد البشرى هو لا شئ أمام المجد الحقيقى فى السماء. فعليهم إذاً أن لا يحابوا الناس على أساس غناهم وكرامتهم الزمنية، بل يحبون الكل كإخوة لهم ميراث أبدى مرتبطون بإيمان الرب.

وما نراه بالأعين البشرية هو خداع. فلنرى من الذى كان فى مجد: -.

الغنى وجنازته مهيبة يسير وراءه كبار القوم. أو.

لعازر الفقير وهو ميت تلحسه الكلاب لكنه محمولا بالملائكة والموكب منطلق للسماء.

لذلك قال القديس يعقوب فى الإصحاح الأول أن الغِنى "كزهر العشب يزول" راجع تفسير (يع1: 10، 11).

الأعداد 2-4

الأيات (2 - 4): -

"2فَإِنَّهُ إِنْ دَخَلَ إِلَى مَجْمَعِكُمْ رَجُلٌ بِخَوَاتِمِ ذَهَبٍ فِي لِبَاسٍ بَهِيٍّ، وَدَخَلَ أَيْضًا فَقِيرٌ بِلِبَاسٍ وَسِخٍ، 3فَنَظَرْتُمْ إِلَى اللاَّبِسِ اللِّبَاسَ الْبَهِيَّ وَقُلْتُمْ لَهُ: «اجْلِسْ أَنْتَ هُنَا حَسَنًا». وَقُلْتُمْ لِلْفَقِيرِ: «قِفْ أَنْتَ هُنَاكَ» أَوِ: «اجْلِسْ هُنَا تَحْتَ مَوْطِئِ قَدَمَيَّ» 4فَهَلْ لاَ تَرْتَابُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَتَصِيرُونَ قُضَاةَ أَفْكَارٍ شِرِّيرَةٍ؟".

كانت عادة لبس الخواتم منتشرة بين الأغنياء لنوال الكرامة، وهى عادة رومانية. وكان رجل رومانى يلبس 6 خواتم فى كل إصبع لا يخلعها ليلاً ولا نهاراً. ويلوم الرسول هنا من يحابى الغنى ويكرمه ويحتقر الفقير. هل نفعل هذا للأغنياء وذوى المراكز لأننا نتوقع منهم المعروف، ولماذا لا نفعل هذا مع الفقير ونترجى الجزاء من الرب يسوع.

مجمعكم = إجتماعاتكم الدينية وربما يقصد الكنيسة.

فهل لا ترتابون = الإرتياب قائم على أساس أن الإيمان يظهر فى حضورهم للإجتماع فى الكنيسة، بينما تظهر العالميات فى الإزدراء بالفقراء. وهذا التقلب يشبه تقلب المرتاب أى الإنسان ذو الرأيين. تصيرون قضاة افكار شريرة = بهذا صرتم قضاة لأنكم حكمتم على الفقراء بالإهانة، ولم تعاملوا الفقراء والأغنياء بالمساواة. ولكنكم كنتم قضاة غير عادلين، كنتم منساقين بأفكار ومبادئ شريرة هى المحاباة.

العدد 5

آية (5): -

"5اسْمَعُوا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ: أَمَا اخْتَارَ اللهُ فُقَرَاءَ هذَا الْعَالَمِ أَغْنِيَاءَ فِي الإِيمَانِ، وَوَرَثَةَ الْمَلَكُوتِ الَّذِي وَعَدَ بِهِ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ؟".

هنا يقارن الرسول بين الفقراء الأغنياء روحياً وبين الأغنياء الفقراء روحياً الذين يتسلطون على المؤمنين، بل يجدفون على إسم المسيح.

فقراء العالم أغنياء فى الإيمان = إذن الفقر وحده ليس جواز مرور للسماء، بل من يدخل السماء هو الفقير مادياً لكن غنى بإيمانه وهكذا كان كل تلاميذ المسيح.

الأعداد 6-7

الأيات (6 - 7): - "

6 وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَهَنْتُمُ الْفَقِيرَ. أَلَيْسَ الأَغْنِيَاءُ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْكُمْ وَهُمْ يَجُرُّونَكُمْ إِلَى الْمَحَاكِمِ؟ 7أَمَا هُمْ يُجَدِّفُونَ عَلَى الاسْمِ الْحَسَنِ الَّذِي دُعِيَ بِهِ عَلَيْكُمْ؟ ".

فاليهود جردوا المسيحيين من ممتلكاتهم وبهذا إزداد اليهود غنى، ومع هذا فهم يكرمونهم، بينما هم يجدفون على إسم المسيح. كأن الرسول يقول.. لماذا تحابون الأغنياء مع أن أغلب المشاكل تنبعث منهم، وهم لا يعاملونكم معاملة طيبة، وإنما يظهرون سلطانهم عليكم بأن يجرونكم للمحاكم ويجدفون على إسم المسيح الذى أعطى لكم فسميتم مسيحيين، (ويظهر أن الإسم مسيحيين كان قد بدأ ينتشر). الرسول هنا غالباً يتكلم عن الأغنياء اليهود أو الوثنيين (لكن وسط الأغنياء المسيحيين أيضاً يوجد كثيرين من قساة القلوب). وإنه لحسن أن يعطى الإنسان الكرامة لمن له الكرامة وأن يحب الجميع ويلاطف الكل، لكن ليس بقصد المداهنة أو عن خوف ولا على حساب الآخرين.

الأعداد 8-9

الأيات (8 - 9): -

"8فَإِنْ كُنْتُمْ تُكَمِّلُونَ النَّامُوسَ الْمُلُوكِيَّ حَسَبَ الْكِتَابِ: «تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ». فَحَسَنًا تَفْعَلُونَ. 9 وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ تُحَابُونَ، تَفْعَلُونَ خَطِيَّةً، مُوَبَّخِينَ مِنَ النَّامُوسِ كَمُتَعَدِّينَ.".

القديس يعقوب هنا لا يطلب أن نهين الأغنياء بل نكرم الكل فقراء وأغنياء.

الناموس الملوكى = هو ناموس الملك العظيم المسيح، هو ناموس المحبة للكل.

المقصود أنه لو كان تكريمهم للأغنياء نابع عن الحب لكان فى ذلك تكميل للناموس الملوكى، ولكان عملهم هذا حسن جداً. ولكن إذا كان الدافع هو المحاباة فهم قد إنحرفوا وتعدوا الناموس وصار عملهم خطية لأن الناموس أوصى بعدم المحاباة. والحكم فى هذا هو هل من يكرم الأغنياء بدافع المحبة كما يقول، هل يفعل هذا مع الفقراء أيضاً. ونلاحظ أنه دعا المحبة بالناموس الملوكى فهى شريعة ملكوت السموات وقانونها الذى يسود السماء إلى الأبد. المحبة هى الطريق الذى يبلغ بنا إلى ملك الملوك ذاته.

ملاحظة: - هناك فرق واضح بين أسلوب يعقوب البسيط وأسلوب بولس الفيلسوف فالله لا ينزل كلاماً مكتوباً من السماء. بل هو بالروح القدس يعطى الكاتب فكرة والكاتب يصيغها بخبرته وبلغته، والروح القدس يحميه من الخطأ.

متعدين = من لايحب الفقير (قريبه) كنفسه فهو بهذا كسر الوصية.

الأعداد 10-11

الأيات (10 - 11): - "

10لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِمًا فِي الْكُلِّ. 11لأَنَّ الَّذِي قَالَ: «لاَ تَزْنِ»، قَالَ أَيْضًا: «لاَ تَقْتُلْ». فَإِنْ لَمْ تَزْنِ وَلكِنْ قَتَلْتَ، فَقَدْ صِرْتَ مُتَعَدِّيًا النَّامُوسَ. ".

من عثر فى واحدة = يقصد إكرام الغنى وإحتقار الفقير. وبهذا هو يحتقر قريبه ولم يحبه كنفسه وبذلك يكون قد تعدى الناموس.

فقد صار مجرماً فى الكل = من عثر فى واحدة فهذا يعنى الإستهانة بها، وبالتالى فمهما بدت الوصية قليلة الأهمية، فإن الإستهانة بها إنما هو إستهانة بواضع الوصية، هو إحتقر سلطان الله. ومن تكون له جرأة على كسر وصية واحدة ستكون له الإمكانية والجرأة أن يكسر أى وصية أخرى. ومن تعدى أو إستهان على وصية واحدة بغير إهتمام فقد إستهان بواضع الناموس. ولكن التوبة تغفر أى خطية لو تراجع عن موقفه.

وهنا يثار سؤال... هل كل الخطايا متشابهة، فهل من يقتل يتساوى مع من يكذب عن إكراه؟ شرح هذا أغسطينوس وقال إن الخطايا بالعمد مثل القتل ليست كالهفوات التى تصدر عن ضعف بشرى أو بغير إرادة أو عن جهل. غير أن جميع الخطايا عقابها الموت الأبدى، وكلها لا يمكن التطهير منها إلا بدم المسيح.

والرسول هنا يقصد أن خطية عدم المحبة والإستهانة بالفقير ومحاباة الأغنياء وإن بدت صغيرة إلا أنها تجعلنا نكسر الناموس كله. والرسول يريد منا أن نجاهد ضد الثعالب الصغيرة، لأن البشر غالباً ما يهتمون بالخطايا التى بحسب نظرهم تعتبر كبيرة ولكنهم لا يهتمون بما يحسبونه خطية صغيرة. وبهذا يغلق الرسول باب الخداع الذى تفتحه لنا الخطية لنستهين بها. ومهما كانت الخطية بسيطة علينا أن نقدم عنها توبة.

الأعداد 12-13

الأيات (12 - 13): -

"12هكَذَا تَكَلَّمُوا وَهكَذَا افْعَلُوا كَعَتِيدِينَ أَنْ تُحَاكَمُوا بِنَامُوسِ الْحُرِّيَّةِ. 13لأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ بِلاَ رَحْمَةٍ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ رَحْمَةً، وَالرَّحْمَةُ تَفْتَخِرُ عَلَى الْحُكْمِ.".

هكذا تكلموا = ليكن موضوع كرازتكم. وهكذا إفعلوا = وليكن أيضاً طريق سلوككم، أن تصنعوا الرحمة مع إخوتكم فتنالوا رحمة يوم الدينونة. ونحن متوقعون أن نحاكم بحسب الناموس الملوكى الذى حرر الإنسان ولم يجعله عبداً لغيره من البشر، فإن المحاباة ليست أكثر من عبودية إنسان لغيره من الناس.

الحكم بلا رحمة لمن لم يعمل رحمة = شرح السيد المسيح هذا فى مثال العبد الذى سامحه سيده ولم يسامح هو العبد زميله (مت 18: 23– 34). فناموس الحرية يعنى أننا لن نتمتع بالتحرر الأبدى من الكثير ما لم نعتق إخوتنا مما هو قليل وزمنى. ولا نعاملهم بجفاء وقسوة قلب بسبب المحاباة. والرحمة تفتخر على الحكم = هذه فى تعاملنا مع بعضنا البعض. والحكم هو العدل. أى إرحم أخوك وتنازل عن حقك حتى لو كان لك الحق وأنت تطالبه بعدل، لكن الرسول هنا يقول الرحمة أهم من حقك العادل، فمن يفعل الرحمة لا يتعرض للدينونة. أما من يطالب بحقه حتى لو كان بعدل فسيتعرض للدينونة، لأن كل منا له أخطاءه. لذلك فالرحمة تفتخر على العدل فهى تنجى يوم الدينونة. "فطوبى للرحماء لأنهم يرحمون" (مت5: 7)، أما من يستعمل حقه حتى لو بعدل وبدون رحمة ويأخذ حقه من أخيه ولا يرحمه يخسر رحمة الله، فالله أيضاً سيعامله بعدل وبدون رحمة. هذا الإنسان لم يتشبه بالله الذى برحمته فدانا.

هرطقة الإتكال على الإيمان بدون أعمال.

هذه الهرطقة ظهرت غالباً نتيجة فهم خاطىء لرسالة بولس الرسول إلى أهل رومية (2بط3: 15، 16). إذ ظن البعض أن الإيمان وحده قادر أن يخلص الإنسان ويبرره دون الحاجة لأن تكون له أعمال. وأن دم المسيح يطهر وكافٍ لخلاصهم دون حاجة إلى الجهاد والمثابرة. وربما حدث هذا نتيجة لأن بولس الرسول هاجم الأعمال فى رسالته لكنه كان يهاجم أعمال الناموس (كالتطهيرات والختان... إلخ) ويهاجم أعمال البر الذاتى = وهذه تعنى أن أتصور أن الخلاص هو نتيجة لأعمالى فأفتخر بما أعمل. ولكن نلاحظ أن بولس كان واضحاً فى تأكيد أعمال الإيمان أى أن يكون للشخص أعمال وجهاد نابع عن إيمان سليم. والأدلة على ذلك: -.

  1. (رو6: 4) يقول بولس الرسول "هكذا نسلك أيضاً فى جدة الحياة" ومعنى نسلك أن تكون لنا أعمال فى حياتنا الجديدة.
  2. (رو6: 13) قدموا أعضاءكم ألات بر لله.
  3. (رو6: 19) قدموا أعضاءكم عبيداً للبر والقداسة.
  4. الإصحاح (رومية 12) كل الاصحاح صورة للسلوك المسيحى والأعمال المقدسة.
  5. الإصحاحات (13 - 16) من رسالة رومية هى وصايا عملية لعلاقتنا مع الحكام وإخوتنا الضعفاء وببعضنا البعض.

وهنا كما رأينا فيعقوب يركز على الأعمال "إفتقاد الأرامل وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس". بل رأينا فى هذا الأصحاح أهمية معاملة الفقراء حسناً وغير ذلك يكون إيماناً مريضاً، إيمان محاباة.

إذاً ليس هناك تناقض بين الرسالتين، فكلا الرسالتين يهتمان بالإيمان الذى يظهر فى الأعمال. ونوعية الإيمان تظهر فى الأعمال، هل هو إيمان صحيح أم مريض.

ولكن بولس الرسول يركز على الإيمان بينما يعقوب يركز على الأعمال. وذلك لأن المشكلة التى يقابلها بولس الرسول ويعالجها غير المشكلة التى يقابلها يعقوب ويعالجها. فبولس واجه جماعة من المتهودين الذين كانوا أصلاً يهوداً وينادون بضرورة تهود الأمم وضرورة ختانهم متكلين على أعمال الطقس اليهودى فى ذاتها أنها تبرر الإنسان. بالإضافة لتسلل الفكر اليهودى للمسيحييين. واليهود يفتخرون بأعمال برهم الذاتى حاسبين أنهم بأعمالهم يخلصون. لذلك حين يرفض بولس الرسول الأعمال فهو يرفض أعمال الناموس وأعمال البر الذاتى.

أما المشكلة التى قابلت يعقوب فهى غير المشكلة التى قابلت بولس. فيعقوب يكلم أناساً مؤمنين ظنوا أن إيمانهم بالمسيح كاف لخلاصهم دون أن يعملوا أو يجاهدوا، أو مهما أخطأوا. وكان رد يعقوب أن مثل هذا يعبر عن إيمان ميت وما يظهر حقيقة إيمانك هو نوعية أعمالك.

بولس يهاجم الأعمال بدون دم المسيح = مهما عملنا، فبدون دم المسيح لا خلاص. ويعقوب يهاجم التكاسل والإعتماد على دم المسيح، والإنقياد فى طريق الخطية.

بولس يهاجم الإعمال السابقة للإيمان لإيضاح أهمية الإيمان. والمعنى أنه مهما كانت أعمالك بدون الإيمان بالمسيح فهى لن تخلصك. وبالتالى لا داعى لأعمال الناموس الطقسية كالختان والقول بأنها تخلص، فما قيمة الختان بجانب دم المسيح. ولا داعى للإفتخار بأعمالى ظاناً أنها تخلصنى، فيقول "وأما من إفتخر فليفتخر بالرب" (2كو10: 17) + (1كو1: 31).

أما يعقوب فيطلب الأعمال الصالحة من المؤمنين بعد إيمانهم، حتى لا يكتفوا بالإيمان النظرى فيحدث الإستهتار والتراخى بل والسقوط إعتمادا على دم المسيح الذى يغفر.

إذاً ليس هناك تناقض بين الرسالتين، ولكن الوحى قصد أن يركز الأضواء فى رسالة رومية على الإيمان، وفى رسالة يعقوب على الأعمال لتكتمل الصورة من كافة زواياها. وقدم يعقوب تشبيهاً جميلاً أن: -.

إيمان + أعمال = روح + جسد ولا يمكن فصلهما إطلاقاً.

أى من لا يعمل بعد إيمانه أى يتحرك حركة إيجابية هو ميت، فمن لا يتحرك هو جسد ميت.

ولاحظ أن هذا هو نفس فكر بولس الرسول "إن كان لى كل الإيمان حتى أنقل الجبال ولكن ليست لى محبة فلست شيئاً" (1كو13: 2). ولاحظ تعريف بولس للإيمان بأنه هو الإيمان العامل بالمحبة (غل5: 6). ولاحظ تعريف المحبة فى (1كو13). وبولس يؤكد أن المحبة أعظم من الإيمان، والمحبة يجب أن يكون لها تعب (جهاد) (1تس1: 3). وبولس لا يقف عند إظهار ضرورة الأعمال بل يؤكد أن الأعمال الشريرة تهلك الإنسان حتى لو كان مؤمناً (رو6: 1 - 12) + (1كو6: 7 - 10) + (1كو 10: 1 - 12) + (غل 5: 19 - 21) + (2تس1: 8، 9) + (تى 1: 16) + (عب 10: 26 - 30). أما عن يعقوب فأنه لا يتجاهل الإيمان (يع1: 6 + 5: 15).

ولقد ركز كل من الرسولين بولس ويعقوب على آية واحدة من العهد القديم.

"فآمن إبراهيم بالله فحسب له براً" (تك 15: 16).

ورأى فيها بولس أن إبراهيم تبرر بالإيمان وليس بالأعمال (رو4: 2، 3).

ويعقوب فهم من نفس الآية أن إبراهيم تبرر بالأعمال (يع2: 21 - 24).

وفى ضوء ما ذكرناه يتضح أنه لا تعارض لأن إبراهيم تبرر بإيمانه الحى الذى ظهر فى أعماله. فلولا إيمان ابراهيم بالله وأنه قادر أن يقيم اسحق (عب11: 19) ماكان قد تبرر. وهذا ما أشار له بولس. أما ما قاله يعقوب فهو أن إيمان ابراهيم ظهر فى أعماله وأنه قدم ابنه ذبيحة. إذاً ابراهيم تبرر بالإيمان الحى الذى ظهر فى أعماله العظيمة.

عموماً من يؤمن بالمسيح، يحيا المسيح فيه (غل2: 20) فيستطيع هذا المؤمن أن يعمل أعمال بر، مصدرها المسيح الذى يحيا فيه. ولكن من الذى يعطيه المسيح أن يعمل أعمال بر؟

هو من يجاهد أن يعمل وليس للكسلان. لذلك يقول بولس الرسول...

ولكن بنعمة الله أنا ما أنا ونعمته المعطاة لى لم تكن باطلة، بل أنا تعبت أكثر من جميعهم. ولكن لا أنا بل نعمة الله التى معى (1كو15: 10).

فبولس تعب أكثر من جميعهم، ولذلك عملت النعمة فيه. فعلىَّ أن أعمل ولكن لابد أن أعلم أن نعمة الله هى التى تعمل فىَّ. ومن يفهم هذا فلن يقف أمام الله إذا حدث له فشل أو وقع فى تجربة ويقول لله أنا عملت كذا وكذا وخدمتك، فلماذا لم تعطنى كذا وكذا من النجاح. ولذلك يقول يعقوب أن علينا أن نفهم "أن كل عطية صالحة هى من عند الله" (يع 1: 17) فلماذا ننسب النجاح أو العمل الصالح لأنفسنا ولا ننسبه لنعمة الله التى عملته فينا. من ينسب العمل لنفسه فهذا ما يسمى بالبر الذاتى، والبر الذاتى هو ما يقودنا للكبرياء فلا يسكن فينا الله فالله يسكن عند المنسحق والمتواضع الروح (اش57: 15) وبهذا نخسر عمل النعمة فينا. وبنفس المفهوم يقول بولس الرسول "وإن كنت قد أخذت فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ (1كو4: 7). ومن يفعل هذا قال عنه السيد المسيح" أنه يعرف شماله ما تعمله يمينه ".

وحينما قال بولس الرسول بالنعمة انتم مخلصون بالايمان ليس من أعمال لم يقف بولس عند هذا الحد بل أكمل قائلاً كيلا يفتخر احد فهذا الافتخار هو البر الذاتى الذى يقود للكبرياء، والكبرياء بداية السقوط.

إذاً النعمة تعمل فيمن يجاهد ويعمل ولذلك قال بولس الرسول "جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعى... أخيراً وضع لى إكليل البر" (2 تى 4: 7، 8) فلم ينم بولس الرسول معتمداً على إيمانه، بل نراه مجاهداً يسعى والرب يعمل به أعمالاً عظيمة. وبولس الذى يشعر بعمل الرب فيه ويشعر بعمل نعمته، يقول "وأما من إفتخر فليفتخر بالرب".

يرجى مراجعة مقدمة رسالة رومية.

العدد 14

آية (14): -

"14مَا الْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِي إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَانًا وَلكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ، هَلْ يَقْدِرُ الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟".

إن قال أحد أنه له إيمان = لاحظ أنه لم يقل إن كان أحد له إيمان. لأن من يقول أن له إيمان وليس له أعمال فإيمانه ميت، هو إيمان خيالى غير واقعى وغير موجود، هى مجرد فكرة فلسفية. وفى (مت7: 21–23) يذكر لنا الرب من بين الهالكين أناساً مؤمنين بل وأصحاب مواهب ومعجزات. لكن إذ ليس لهم أعمال يقول لهم إنى لا أعرفكم قط، إذهبوا عنى يا فاعلى الإثم. إذن فالإيمان وحده دون أعمال لا يخلص. ويشير أثناسيوس الرسولى لأن بولس الرسول يبدأ أحاديثه دائماً بالإيمان ثم يكمل الحديث عن الوصايا والأعمال. فلا خلاص لنا بدون إيمان، ولا نفع لإيمان نظرى بغير أعمال.

الأعداد 15-17

الأيات (15 - 17): -

"15إِنْ كَانَ أَخٌ وَأُخْتٌ عُرْيَانَيْنِ وَمُعْتَازَيْنِ لِلْقُوتِ الْيَوْمِيِّ، 16فَقَالَ لَهُمَا أَحَدُكُمُ: «امْضِيَا بِسَلاَمٍ، اسْتَدْفِئَا وَاشْبَعَا» وَلكِنْ لَمْ تُعْطُوهُمَا حَاجَاتِ الْجَسَدِ، فَمَا الْمَنْفَعَةُ؟ 17هكَذَا الإِيمَانُ أَيْضًا، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ، مَيِّتٌ فِي ذَاتِهِ.".

إذ أراد الرسول أن يشرح أن الإيمان بدون أعمال هو شىء أجوف قال هذا المثل. أية منفعة يجنيها الأخ والأخت العريانين من مجرد معرفة أحدكم بحالهما. إن مجرد المعرفة لا تفيدهما شيئاً فهما يحتاجان لعمل ما يدفئهما، هذه المعرفة بدون عمل تشبه الإيمان بدون أعمال، الذى هو إيمان ميت بلا ثمر. الإيمان هنا يكون أشبه بفكرة منحصراً فى مجال العقل، لكن لا توجد أى حركة خارجاً، لذلك فالإيمان بلا حركة هو إيمان ميت فالميت لا يتحرك. وفى هذه الحالة كيف يكون التصرف إذا رأينا أخ عريان، لابد من الحركة والبحث له عن مكان أو عن ما يدفئه وهذا يتطلب عمل وجهاد، وربما نقود ننفقها على هذا المحتاج. الإيمان الحى بالله يظهر فى هذا العمل. مثال آخر: - هل من يؤمن إيمان حى بميراث أبدى يتصارع مع إخوته على ميراث أرضى وتضيع المحبة فى المحاكم؟!

العدد 18

آية (18): -

"18لكِنْ يَقُولُ قَائِلٌ: «أَنْتَ لَكَ إِيمَانٌ، وَأَنَا لِي أَعْمَالٌ» أَرِنِي إِيمَانَكَ بِدُونِ أَعْمَالِكَ، وَأَنَا أُرِيكَ بِأَعْمَالِي إِيمَانِي.".

الأعمال الحية برهان على وجود الإيمان "من ثمارهم تعرفونهم" (مت7: 16) وبالأعمال يكون أولاد الله ظاهرون وأولاد إبليس (1يو3: 10) والأعمال ليست فقط أمام الناس، بل والله سيجازينا بحسبها (مت16: 27).

العدد 19

آية (19): -

"19أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللهَ وَاحِدٌ. حَسَنًا تَفْعَلُ. وَالشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ!".

هذا هو المثال الثانى للإيمان الميت، فالشياطين يعرفون أن الله موجود ومتأكدون، ولكن كل أعمالهم شر. لذلك هم لا يعاينون الله، فلا يعاين الله سوى أنقياء القلب. فإيماننا الحى ينقى القلب وإيمانهم الميت يجعلهم مذنبين إذ هم بلا أعمال صالحة.

الأعداد 20-24

الأيات (20 - 24): -

"20 وَلكِنْ هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الْبَاطِلُ أَنَّ الإِيمَانَ بِدُونِ أَعْمَال مَيِّتٌ؟ 21أَلَمْ يَتَبَرَّرْ إِبْرَاهِيمُ أَبُونَا بِالأَعْمَالِ، إِذْ قَدَّمَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ؟ 22فَتَرَى أَنَّ الإِيمَانَ عَمِلَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَبِالأَعْمَالِ أُكْمِلَ الإِيمَانُ، 23 وَتَمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: «فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرًّا» وَدُعِيَ خَلِيلَ اللهِ. 24تَرَوْنَ إِذًا أَنَّهُ بِالأَعْمَالِ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ، لاَبِالإِيمَانِ وَحْدَهُ.".

أيها الإنسان الباطل = يقول الإنسان الباطل لأنه يوجه كلامه لمن يقول أنا لى إيمان لكنه بدون أعمال. إبراهيم خليل الله. (2أى20: 7 + إش41: 8) ولقد قدم إبراهيم إبنه على المذبح طاعة لما فهمه أنه إرادة الله، وإيماناً بأن الله الذى وعد قادر أن يقيم إسحق بعد ذبحه، فهو إبن المواعيد، فهو آمن أن الله وعد وهو قادر أن يتم الوعد (عب11: 18، 19). هل لو كان إبراهيم قال أنا أؤمن ولم يقدم إبنه ذبيحة، هل كان قد تبرر؟

العدد 25

آية (25): -

"25كَذلِكَ رَاحَابُ الزَّانِيَةُ أَيْضًا، أَمَا تَبَرَّرَتْ بِالأَعْمَالِ، إِذْ قَبِلَتِ الرُّسُلَ وَأَخْرَجَتْهُمْ فِي طَرِيق آخَرَ؟".

ربما قال أحد أين أنا من إيمان إبراهيم. والرسول يرد عليه... فلتكن على مثال هذه المرأة البسيطة التى بإيمانها خلصت. كان شعب أريحا كله يعرف قوة شعب الله وأن الله إله قوى (ولكن إيمانهم هذا أو معرفتهم هذه تشبه الإيمان الميت إذ لم يكن لهم عمل). ولم يخلص سوى من كان لها عمل أظهر أن إيمانها حى.

العدد 26

آية (26): -

"26لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ بِدُونَ رُوحٍ مَيِّتٌ، هكَذَا الإِيمَانُ أَيْضًا بِدُونِ أَعْمَال مَيِّتٌ.".

الإيمان كالجذور والأعمال كالثمار، ينبغى أن يكون لدينا كليهما. المسيحية ليست فلسفة فكرية بل حياة فى نور الرب يسوع.

ما هو الايمان الحى وما هو الايمان الميت.

مثال: - انسان واقف في البحر وزنه ضخم جداً. وسألت إنسان عادى أن ينزل ويحمله، وكان هذا الانسان جاهلا بقانون الطفو. ماذا سيقول. أتريدنى أن أموت أنا لا أقدر؟! وهب أننى حاولت اقناعه بأنه سيقدر وهناك قوة غير منظورة ستعينه (قوة دفع الماء)... هناك موقفين الآن: -.

الأول: - أن يصدقنى هذا الانسان وينزل فيحمل ثقيل الوزن هذا بسهولة، فقوة دفع الماء ستساعده. هذا يسمى الايمان الحى. وثقيل الوزن هذا هو الوصية (أع15: 10). وقوة الدفع هذه هى النعمة. فقبول تنفيذ الوصية هو الجهاد المطلوب منى. لأنه ضد شهوة جسدى. والايمان الحى هو الثقة فى الله وأنه بنعمته سيعطى معونة. وهل هناك داعٍ لأن يفتخر هذا الانسان بقوته الجسمانية. هذا لا معنى له، كل ما يحسب لهذا الانسان أنه قبل أن ينفذ، لكن القوة جاءت من النعمة، والنعمة هى قوة خفية تعين مثل قوة دفع الماء فهى أيضا غير مرئية. وبتصديق وعد الله فى عمل النعمة وجهادنا فى تنفيذ الوصايا، وتنفيذها يبدأ بتغصب، ولكن مع التنفيذ سنختبر عمل النعمة التى تعين. ومع زيادة الإختبار ينمو الإيمان.

ولكن من يفتخر هنا فهذه هى الكبرياء، هذا هو شمال الانسان. بهذا يُعَرِّف الانسان يساره (عمل البر الذاتى) ما فعلته يمينه (عمل البر). وهذا ما قصده بولس الرسول بقوله...... "لأنكم بالنعمة مخلصون بالايمان وذلك ليس منكم. هو عطية الله. ليس من اعمال حتى لا يفتخر احد" (أف 2: 8، 9).

الثانى: - أن يقول هذا الإنسان أنا أصدقك لكن أنا غير قادر، فبداخله رغبة لطريق الخطية. وهذا ما يسمى الإيمان الميت.

No items found

الأصحاح الثالث - تفسير رسالة يعقوب الرسول - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح الأول - تفسير رسالة يعقوب الرسول - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير رسالة يعقوب الأصحاح 2
تفاسير رسالة يعقوب الأصحاح 2