المزمور الثالث والعشرون – سفر المزامير – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر المزامير – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

المزمور الثالث والعشرون (الثاني والعشرون في الأجبية)

كثير من مزامير داود مملوءة بالشكوى، أما هذا المزمور الرائع فمملوء بالتعزيات وبكلمات الفرح عن الله الراعي الذي يقوده فلا يخاف. وهذا المزمور من أروع تأملات داود عن رعاية الله. والمسيح هو الراعي الصالح (يو10) هو يبذل نفسه عن الخراف وفي المزمور السابق مباشرة (مز22) رأينا كيف يبذل المسيح نفسه عن كنيسته، وهنا نرى الراعي يُدخل قطيعه إلى مراعٍ خضراء باستحقاقات صليبه، هو تسبحة ثقة في الله وداود كان راعي غنم وغالباً قال هذا المزمور وهو يتأمل في علاقته بقطيعه وفي نفس الوقت يتأمل في عناية الله به في كل مراحل حياته، فوجد أن الله هو الراعي الحقيقي له.

الأعداد 1-2

الآيات (1 - 2): -

"1الرَّبُّ رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوِزُنِي شَيْءٌ. 2فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي. إِلَى مِيَاهِ الرَّاحَةِ يُورِدُنِي.".

هنا نرى الرب الراعي. ونلاحظ أن الراعي يلتصق اليوم كله برعيته ويعيش معها، يقوتها ويغذيها ويقودها ويحميها. فحينما نسمع أن الله ربنا وملكنا نشعر بقوته ومجده. لكن حينما نسمع أنه راعينا نشعر بحلاوته ورقته وعنايته. وإذا كان الرب راعىَّ فلن أعتاز شئ، بل هو يرعى حتى شعور رؤوسنا، يسد احتياجاتنا الروحية والمادية ويحمي القطيع من الذئاب (الأعداء الروحيين والجسديين). والله دبر لكنيسته رعاة يخدمون شعبه ويتشبهون بالراعي الأعظم ولكنه هو وحده الراعي الكامل الصلاح. الذي يعرف خرافه بأسمائها. ومهما كانت شدة الضيقة التي أجتازها لن يعوزني شئ. فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي = هذه المراعي هي كلمة الله (الكتاب المقدس). وهي الكنيسة نتعلم فيها ونسكن فيها ونأخذ من خيراتها. ونلاحظ أن إرمياء وحزقيال ويوحنا الرائي أكلوا كلمة الله فهي مشبعة، والأكل معناه أن نهضم الكلمة ونختبرها ونحيا بها، أي ننفذها. والتعاليم التي نحصل عليها في الكنيسة هي طعام نقي، أما ما هو خارج الكنيسة فطعام غير نقي والكنيسة نجد فيها أشهى مائدة (جسد الرب ودمه). إِلَى مِيَاهِ الرَّاحَةِ يُورِدُنِي = الراعي هو الذي يقود القطيع ليشرب ويرتوي من ينابيع الروح القدس. وهذا ما كنا نحصل عليه إلا بعد أن قدَّم الراعي نفسه عنا على الصليب (مز22) (يو37: 7، 38). هذا الماء يروي الشجرة المغروسة على مجاري المياه. والروح القدس هو معطي النعمة لكل مؤمن خلال الأسرار بدءاً بماء المعمودية.

الأعداد 3-4

الآيات (3 - 4): -

"3يَرُدُّ نَفْسِي. يَهْدِينِي إِلَى سُبُلِ الْبِرِّ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ. 4أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي.".

يرد نفسى. يهدينى = هنا نجد المسيح هو الطريق والقائد في هذا الطريق. ليرد النفوس التائهة إلى الكنيسة (بيت الآب)، كما عاد الابن الضال لبيت أبيه، وحينما نبتعد يدفعنا الروح القدس لنعود. وهذه العطايا ليست من أجل استحقاقنا لكن من أجل اسمه = أى ليتمجد الله فى المؤمنين الذين دُعِىَ إسمه عليهم، ويرى الناس أعمالهم الحسنة فيمجدوه.

والرب رسم لنا طريقاً ضيقاً، لكنه هو الذي يقودنا. بل يستخدم الله بعض التجارب والألام ليردنا للطريق إن لم نسمع لصوت التعزيات. وما هي سبل البر إلا بر المسيح فهو يقودني إلى ذاته بكونه الطريق الآمِنْ الذي يحملنا بروحه القدوس إلى حضن الآب. بل من يثبت في المسيح الطريق لا يخاف الموت فهو ذاقه لأجلنا من قبل ويعرف طريق الخروج منه بالقيامة. ولن نخاف مادام معنا، لأنه سيأخذنا معه في طريق القيامة، بل لن نخاف من أي ألم فهو قد إجتاز أصعب ألام وهي ألام الصليب وخرج منها منتصراً. إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ = وادي ظل الموت هو هذه الحياة بحروبها وضيقاتها، وآخر عدو لنا وأصعب ضيقة هي الموت، ولكنه يسميه هنا ظل الموت، فلم يَعُدْ للموت سلطان علينا، فلم يَعُدْ الموت موت أبدى، بل هو انتقال "من آمن بي ولو مات فسيحيا". عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي = الراعي يستخدم العَصَا في طرد الحيوانات المفترسة بعيداً عن قطيعه، وَالعُكَّازُ ليستند عليه، وبه يضرب الخروف الجامح الذي يحاول الهروب وهذا يشير لتأديب الأبوة الحانية الحازمة. وهذا ما يعزينا أنه لا يتركنا نبتعد فنتوه. فعصاته هذه تحمينا من الذئاب الخارجية وعكازه يحمينا من الذئاب الداخلية (ميولنا المنحرفة وراء شهوات الجسد).

الأعداد 5-6

الآيات (5 - 6): -

"5تُرَتِّبُ قُدَّامِي مَائِدَةً تُجَاهَ مُضَايِقِيَّ. مَسَحْتَ بِالدُّهْنِ رَأْسِي. كَأْسِي رَيَّا. 6إِنَّمَا خَيْرٌ وَرَحْمَةٌ يَتْبَعَانِنِي كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي، وَأَسْكُنُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ إِلَى مَدَى الأَيَّامِ.".

هنا نجد المسيح الصديق المضيف، الذي أعد وليمة بذبيحة نفسه ليشبعني ويهبني فرحاً. لقد وجد راعينا أن عدونا قائم ضدنا فأعد هو بنفسه المائدة لنجلس ونأكل دون أن نخاف العدو الذي يطرق أبوابنا. العدو يستغل ضعفنا ويغرينا بالخطايا الممهلكة والمسيح أعطانا جسده غفرانا لخطايانا فنحيا أبديا. وكما أعد الله المن لشعبه طعاماً في رحلة غربتهم أعد لنا مائدة التناول في رحلة غربتنا. فالأعداء حاولوا إعاقة رحلتنا إلى السماء مسكننا الإلهي، فأعطانا راعينا جسده نثبت فيه حتى نصل إلى مسكننا. ونلاحظ أن الله أعطى المن لشعبه بعد الخروج، والمسيح أعطانا جسده بعد أن حررنا بصليبه من عبودية إبليس. مَسَحْتَ بِالدُّهْنِ رَأْسِي = إشارة لسر الميرون وبه نصير مسكنا للروح؟ ومن ثماره الفرح الذي ملأ كأسي فإرتويت من محبة الرب (الخمر رمز للفرح). فقديماً كانوا في الحزن يلبسون المسوح ويجلسون في الرماد. وفي الفرح يَدَّهِنون بالزيت. وكان مسح الضيف بالزيت علامة تكريم وكأن المسيح يستضيفنا على مائدة ويدهنا بزيت ليفرحنا ويخزي أعدائنا بمحبته لنا. ونلاحظ أن الراعي يحمل معه زيتاً لترطيب جراحات قطيعه. وأما الكأس للرعية فهي كتلة حجرية منحوتة ومجوفة يملأها الراعي بالمياه العذبة كل اليوم ليشرب القطيع والراعي يملأها دائماً حتى تفيض، فيبرد الماء المنسكب جدرانها، فهو كراعي صالح كله حنان، لا يرضي أن يجد قطيعه هذا الكأس الذي يشرب منه القطيع وقد جعلته حرارة الشمس ساخنا، فيلتهب فم الخروف الذي يأتي ليشرب فهذا الماء المنسكب علي الحواف يبردها = كَأْسِي رَيَّا = أي مروية وفي هذا إشارة للبركات والتعزيات الدائمة. وهذه التعزيات والبركات نأخذها من داخل الكنيسة = مسْكُنُي فِي بَيْتِ الرَّبِّ مَدَى الأَيَّامِ. ونجد في مثل ناثان النبي لداود أن الحمل هنا سكن في بيت الراعي (2صم1: 13 - 3). وقوله مدى الأيام يشير لسكنانا هنا وفي الأبدية في بيت الرب.

ونصلي هذا المزمور في الساعة الثالثة، التي نذكر فيها صدور الحكم على مخلصنا الراعي الصالح في وادي الموت، ويعطينا الروح القدس بمسحته في مثل هذه الساعة.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

المزمور الرابع والعشرون - سفر المزامير - القمص أنطونيوس فكري

المزمور الثاني والعشرون - سفر المزامير - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير سفر المزامير الأصحاح 23
تفاسير سفر المزامير الأصحاح 23