الأصحاح السابع والعشرون – سفر أخبار الأيام الأول – القمص تادرس يعقوب ملطي

هذا الفصل هو جزء من كتاب: 13- تفسير سفر أخبار الأيام الأول – القمص تادرس يعقوب ملطي.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الأصحاح السابع والعشرون

بنو إسرائيل وأعدائهم.

تعيين الحكام وقادة الجيش (أصحاح 27):

في هذا الأصحاح سرد للحكام المدنيين وقادة الجيش:

1. العرفاء اثنا عشر لكل شهر من السنة (عدد 1، 15).

2. رؤساء الأسباط (عدد 16، 24).

3. مديري البلاط (عدد 25، 34).

* "وبنو إسرائيل حسب عددهم من رؤوس الآباء ورؤساء الألوف والمئات وعرفاؤهم يخدمون الملك في كل أمور الفرق الداخلين والخارجين شهرًا فشهرًا لكل شهور السنة كل فرقة كانت أربعة وعشرين ألفًا..." (1أيام 27: 1، 15).

وهنا نجد سردًا لتنظيم الميليشيا التي للمملكة، فداود نفسه كان رجل حرب وفعل أعمًالا عظيمة بالسيف وأنزل جيوشًا كثيرة في المعركة، والآن يقوم بتنظيمهم بعد أن أراحه الله من أعدائه، فلم يجمعهم كلهم معًا لأن ذلك قد يسبب أتعابًا لهم وللدولة ومع ذلك فهو لم يُسّرحهم أو يبعثرهم كلهم لأن ذلك قد يترك المملكة عارية وقد ينس الشعب فن الحرب الذي تعلّموه، لذا خطط للاحتفاظ بقوة مستديمة ولكن ليس جيشًا قائمًا، وهذا عين العقل:

1. احتفظ ب 24,000 مسلحين باستمرار ربما كفرقة مُنظمة واحدة في مكان واحد من المملكة، وهذه القوة كانت كافية لحفظ الأمان والسلام للشعب، ونحن كمسيحيين حقيقيين يجب أن نتعلم الحرب لأن لنا أعداء روحيين ويجب أن نتحفظ أن نقف دائمًا ضدهم.

2. كان يغيرّهم كل شهر وبذلك يكون مجموع الميليشيا 288,000 ربما خمس الرجال القادرين من المملكة، وبتوزيعهم على 12 فرقة فإنهم كانوا متعلمين ومدربين في الأمور العسكرية، ومع ذلك فلم يكن أحد ملزمًا أن يخدم أكثر من شهر في السنة على حسابه (وحتمًا كان هذا في طاقتهم) إلاَّ في الاحوال الطارئة فإنه كان من السهل أن يُجمعوا معًا بسرعة، وهذا من حكمة القادة أنه بينما يوفرون الأمن للشعب يخططون لأن يكون ذلك بطريقة سهلة وفعالة وبقدر الامكان أقل عبئًا على الشعب.

3. كل فرقة كان لها رئيس قواد بجانب قواد الألف والمئات والخمسين وهؤلاء الاثنا عشر مذكورون بين أبطال داود في (2صم 23؛ 1أيام 11).

وهم أوًلا اثبتوا جدارتهم بأعمالهم العظيمة وبعد ذلك ترقوا إلى هذه الدرجات الرفيعة، فخير للمملكة أن تكون الكرامة فيها مبنية على الجدارة.

- بنايا دعى هنا رئيس كهنة (عدد 5) ولكن حيث أن كلمة "كوهين" تعني كاهن أو قائد فيمكن أن يكون لقبه هنا رئيس قواد.

- داودي كان معه مفلوث (عدد 4) إما ليحل مكانه في وقت غيابه أو عجزه أو ليخلفه بعد موته.

- بنايا كان ابنه من فرقته (عدد 6) وعسائيل كان ابنه بعده (عدد 7) ومن هذا يتبين أن تنظيم الميليشيا وُضع في بداية ملك داود لأن عسائيل قد قتله ابنير بينما كان داود يملك في حبرون، وقد جدّد هذه الطريقة بعد أن انتهى من حروبه وجعل الأمور الحربية في هذا الوضع تمهيدًا للسلام في مُلْك سليمان، فحينما نظن أننا في أمان مادمنا في الجسد فيجب أن نكون مستعدين للحروب الروحية، فلا يفتخرنَّ من يشدَّ كند يحلّ (1مل 20: 11).

* "وعلى أسباط إسرائيل الرأوبيين الرئيس اليعزر بن زكري. للشمعونيين شنطيا بن معكة..." (1أيام 27: 16، 34).

وهنا جاء سرد:

أ. لقادة الأسباط، فمازالوا يحتفظون بالنظام الذي رتبه موسى منذ القدم في البرية أن كل سبط يجب أن يكون له قائد أو رئيس، ومن المحتمل أنه استمر إما بالانتخاب أو بالخلافة في نفس الأسرة، والمذكورون هنا هم من وجدوا عندما تم سرد هذه الأحداث، فاليهو أو ألياب الذي كان رئيسًا ليهوذا كان أكبر أولاد يسى الذي جاء من نسل نحشون وسلمون الذين كانوا رؤساء السبط أيام موسى، ونفترض أن سلطتهم أصبحت الآن أقل عما كانت عليه حينما كان يتصرف كل سبط على حدة فالآن كل الأسباط تخضع ليس فقط للملك واحد، ومسيحيتنا تحضنا أن نخضع ليس فقط للملك كمن فوق الكل بل أيضًا للولاة المرسلين منه (1بط 2: 13 - 14) لتنفيذ العدالة.

ومن سبط بنيامين كان الرئيس يعسيئيل بن ابنير، وبالرغم من أن ابنير كان عدوًا لداود وعارض في اعتلائه العرش إلاَّ أن داود لم يعارض هذه الترقية بل ربما زكاه بنفسه لهذا المنصب الرفيع، وهذا يعلمنا أن نجازي الشر بالخير.

ب. عن إحصاء الشعب (عدد 23 - 24):

ذُكر هنا:

1. أنه عندما أمر داود باحصاء الشعب منع احصاء من هم تحت سن العشرين، وكان يظن بذلك أنه يرفع الشبهة على ما فعله بالنسبة للوعد أن عددهم سوف لا يُعد، ولكن هذا كان َتحُفّظًا ضعيفًا لأنه لم تكن هناك عادة أبدًا بإحصاء من هم تحت سن العشرين فالوعد بعددهم كان خاصًا بالرجال الفاعلين.

2. الاحصاء الذي أخذه داود للشعب من كبرياء قلبه لم يكن حسنًا فهو لم يُسْتكمل أبدًا ولم يعمل بدقة ولم يتم تسجيله كاحصاء حقيقي، فيوآب كان متضجرًا وأتمه جزئيًا، وداود كان خجلانًا منه وودّ أن يُنسى لأن العقوبة وقعت على إسرائيل بسببه، والإنسان الصالح بالرجوع إلى نفسه لا يستطيع أن يجد مسرة فيما يُغضب الله، ولا يستطيع أن يستخدم أيّ شيء حصل عليه عن طريق الخطية، فداود عمل احصاءًا في السابق في لحظة كبرياء وعدم إيمان، ولكن الآن لم يعمل احصاءًا بل اتكل على وعود الله.

ج. وعن موظفي البلاط:

1. رؤساء الأملاك التي للملك كما كانوا يُدعون (عدد 31) كان مهمتهم الأشراف على فلاحة الملك، كرومه، زيتونه، قطيعه، جماله، حميره، وغنمه، فهنا ليس وزراء دولة أو رياضة أو رؤساء تشريفات ولكن الكل في خدمة تتناسب مع بساطة تلك الأيام، فداود كان عسكريًا شديدًا، ومعلمًا كبيرًا وحاكمًا عظيمًا ولكنه كان وكيًلا أمينًا على ممتلكاته فأخذ الكثير تحت يده وخزن ليس لأجل المسرة ولكن للربح، لأن الملك مخدوم من الحقل (جا 5: 9) فالحكام الذين يريدون أن يكون رعاياهم مجتهدين يجب أن يعطوا نفسهم مثًالا في الأجتهاد وإدارة الأعمال. ولكننا نجد أنه فيما بعد أنهم جعلوا من مساكين الأرض كرّامين وفلاحين (2مل 25: 12) والآن داود أسند هذه الأعمال لعظمائه.

2. المشرفون على خاصة الملك كانوا معروفون بالحكمة وفن الحديث، فعمه كان مشيرًا ورجًلا مختبرًا وفقيهًا وليس فقط خبيرًا بالسياسة بل فقيهًا في الكتب المقدسة وقد جعله داود مشيرًا له (عدد 32)، وآخر كان بدون شك مميزًا في العلم ومحنكًا جعله مربيًا لأبنائه (عدد 32)، واخيتوفل وهو رجل ماكر كان أيضًا مشير لداود، ولكن حوشاي الأمين كان صديقه وكاتم أسراره، ويبدو أنه لم يكن عنده مشيرين كثيرين ولكن من كانوا لديه اتصفوا بقدرات عظيمة، فحكمة القادة تظهر في اختيار خدامهم، وداود بالرغم من ذوي الثقة والأقارب المحبوبين له والمشيرين حوله كان يُفّضل إنجيله على الجميع (مز 119: 24): "شهادتك هي لذتي أهل مشورتي".

أيام داود الأخيرة.

(1 أي 28 - 29).

في الأصحاحيْن الأخيريْن من سفر أخبار الأيام الأول، طلب داود مع قُرْبِ نهاية أيامه على الأرض الالتقاء بجميع قادة إسرائيل في اجتماعٍ عظيمٍ، ليُقَدِّمَ رسالة لإسرائيل وأخرى لسليمان، تسمعهما الأمة كلها، قدَّمهما بحكمةٍ عجيبةٍ.

كاد أن يُكَرِّسَ داود الفترة الأخيرة من حياته للإعداد للعمل لبناء الهيكل، لكن كان بالأكثر ما يشغله أن يُعِدَّ قلب سليمان ابنه والقادة والشعب للعمل بقلبٍ ناريٍ أمين ومُخْلِص.

لم يشغل قلب داود أن يستعرض أمر بناء الهيكل والإعداد له أمام القيادات لمجده الخاص، بل بروح الحكمة والحب والتواضع، أوضح أن هذا العمل هو من قِبَلِ الرب، وهو موضوع مَسرَّة إسرائيل كلها، قادةً وشعبًا.

كما وجد سعادته في إيجاد مكان راحة لتابوت عهد الرب، أراد من القادة والشعب أن يكون لهم ذات مشاعره، وأن يَتَبَنُّوا الفكرة كأنها صادرة منهم، وبروح الغيرة يجتهدون في إتمامها.

لقد عَبَّرَ في المزمور 132: 3 - 5 عن ما يشتهيه من جهة بناء بيت لاستقرار أو راحة تابوت العهد، وأراد أن يكون للكل ذات شهوته وغيرته المقدسة.

ونحن أيضًا نجد راحتنا حين يسكن الرب فينا بكوننا هيكله المقدس.

  • حقًا لن نكف عن السهر والصلاة والجهاد والعمل حتى يُسَرَّ الرب بنفوسنا، ويختارها مسكنًا يقيم فيها، قائلاً: "هذا هو موضع راحتي إلى دهور أبدية. ههنا أسكن، لأني اشتهيتها[313]".

الأب مرتيروس السرياني.

  • أين بَحَثَ عن موضعٍ للرب؟ إذ كان وديعًا بَحَثَ عن الموضع في نفسه. إذ كيف يكون الشخص موضعًا للرب؟ اسمع النبي: "أين تستريح روحي؟ على المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامي" (راجع إش 66: 2). أتريد أن تكون موضعًا للرب؟ كن مسكينًا بالروح، ومنسحقًا، ومرتعدًا من كلمة الله، وعندئذٍ تصير أنت ما تطلبه[314].
  • اطلب صداقة المسيح بدون خوفٍ، فإنه يريدك أن تستضيفه في بيتك، أعدد له موضعًا. ماذا يعني أن تعدد له موضعًا؟ لا تحب ذاتك، حبه هو. فإن كنت تحب ذاتك تغلق الباب أمامه. إن كنت تحبه، تفتح الباب له. وإن فتحت يدخل، ولا تضيع أنت بحبك لذاتك، إذ تجد نفسك معه، مع ذاك الذي يحبك[315].

القديس أغسطينوس.

  • لا تتبع راحة الجسد، ولكن صلِّ وصلَّ بجد واهتمام حتى ولو كنت طول النهار تكد وتتعب. لا تكن مهملاً في الصلاة المقدسة، بل انتصب وقُلْ صلاتك من قلبك حتى نهايتها، لأنها واجب عليك نحو الله. "لا أصعد على سرير فراشي، ولا أعطي لعيني نومًا، ولا أجفاني نعاسًا، ولا راحة لصدغي، إلى أن أجد موضعًا للرب (مز 132) أما إذا سمحت لنفسك أن تصلي بدون اعتناء، وليس من كل قلبك، فلن تجد راحة في صلاتك أو بعد صلاتك، فإن أردت أن تستريح حقًا، فاغسل خطاياك بالدموع أمام الله." أُعَوِّم كل ليلة سريري، وبدموعي أبل فراشي "(مز 6). إذن احترس أن لا تمدد جسدك أمام الله، وتزدري بالصلاة من أجل راحة الجسد.

القديس مار إسحق السرياني.


[313] Book of Perfection.

[314] On Psalm 132 (131).

[315] On Psalm 132 (131).

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأَصْحَاحُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ - سفر أخبار الأيام الأول - القمص تادرس يعقوب ملطي

اَلأَصْحَاحُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ - سفر أخبار الأيام الأول - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفاسير أخبار الأيام الأول الأصحاح 27
تفاسير أخبار الأيام الأول الأصحاح 27