الأصحاح الرابع – تفسير الرسالة إلى العبرانيين – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح الرابع

العدد 1

آية (1): -

"1فَلْنَخَفْ، أَنَّهُ مَعَ بَقَاءِ وَعْدٍ بِالدُّخُولِ إِلَى رَاحَتِهِ، يُرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ أَنَّهُ قَدْ خَابَ مِنْهُ!".

إلى راحته = هناك 3 أنواع من الراحة:

  1. راحة الله يوم السبت، وهى راحة الله حين تمم الخلاص للإنسان فى منتصف اليوم السابع للخليقة. وبها حصلت الراحة الأبدية التى نالها البشر بالفداء وكعربون لها التعزيات والفرح والسلام الذى يعطيه الله بروحه القدوس لنا الآن على الأرض.
  2. دخول الشعب إلى أرض الراحة تحت قيادة يشوع وهذه راحة أرضية رمزاً للراحة السماوية فى كنعان السماوية.
  3. دخولنا إلى الراحة الأبدية فى المسيح يسوع سر راحتنا وكرمز لها دخولهم كنعان.

الراحة فى المسيح.

هذه تتم على 3 مراحل.

  1. ونحن على الأرض يعطينا الروح القدس تعزيات تكون كندى ينزل على أوراق الشجر وسط حرارة الشمس الحارقة (التجارب وألام هذا العالم) فلا تحترق الأوراق (راجع إش18: 4).
  2. بعد الإنتقال تبدأ راحة حقيقية فى الفردوس للروح والنفس والجسد.
  1. راحة الجسد = فلا أمراض ولا ألام فى الجسد.
  2. راحة النفس = فلا قلق ولا حزن ولا هم ولا اكتئاب.
  3. راحة الروح = وهذا فى قربها من الله لإنعدام فرص الخطية فما كان يبعد الإنسان عن الله هو الخطية الناشئة عن ضعف الجسد.
  1. الراحة فى المجد حين يلبس الإنسان الجسد الممجد بعد المجيء الثانى.

فالمسيح هو سر الراحة الحقيقية فيه يستريح الآب ونستريح نحن أيضاً. فى راحته نجد راحتنا بأن نستقر فى أحضان الآب السماوى. والآب إرتاح فى الإبن لطاعته. وكإشارة لراحة الآب بسبب طاعة الإبن الذى قدَّم نفسه ذبيحة فأعادنا إلى أحضان الآب نسمع: - 1) عند تقديم ذبائح المحرقات (لا1) يقول عنها "وقود رائحة سرور للرب". وعند تقديم نوح لمحرقته "تنسم الرب رائحة الرضا" (تك8: 21). فتقديم المسيح نفسه كمحرقة على الصليب فى طاعة كاملة نُحسب فيه طائعين.

2) عند معمودية المسيح فى الأردن، وبها نعود لأحضان الآب يقول الآب "هذا هو إبنى الحبيب الذى به سررت".

فكانت طاعة المسيح هى بداية عودتنا لأحضان الآب ودخولنا للراحة، لكن يلزمنا الاجتهاد حتى لا تفلت منا هذه الراحة = يرى أحد منكم أنه قد خاب منه كما حدث مع اليهود وحرموا من دخول أرض الميعاد. ولنلاحظ أن كل وعد بالراحة فى العهد القديم كان يرمز للراحة فى المسيح التى ستكمل فى الأبدية. لأن راحة السبت أو راحة كنعان لم تحقق الراحة الكاملة للشعب. لكن هذه الراحة ستكمل فى المسيح الذى يكمل كل أعواز الإنسان من جهة محبة الله ومقاصده الحلوة لنا. فلنخف = هو يكلم العبرانيين حتى يخافوا من ارتدادهم عن الإيمان.

ونلاحظ أن الرسول بعد ما قارن بين المسيح وموسى نجده هنا يقارن بين المسيح ويشوع، فيشوع أدخلهم للراحة الزمنية فى كنعان. ولكن هذه الراحة الزمنية ليست هى كل قصد الله لشعبه، بل الله يُعِّد لهم راحة أبدية.

العدد 2

آية (2): -

"2لأَنَّنَا نَحْنُ أَيْضًا قَدْ بُشِّرْنَا كَمَا أُولئِكَ، لكِنْ لَمْ تَنْفَعْ كَلِمَةُ الْخَبَرِ أُولئِكَ. إِذْ لَمْ تَكُنْ مُمْتَزِجَةً بِالإِيمَانِ فِي الَّذِينَ سَمِعُوا.".

قَدْ بُشِّرْنَا = بالأخبار السارة أى الوعد بالراحة فى السماء. كما أولئك = الله بشر شعب إسرائيل بأنه سيعطيهم الراحة فى أرض كنعان. كَلِمَةُ الْخَبَرِ = الإنجيل لنا والوعد بكنعان لهم. وكلمة الله قوية جداً (آية 12) ولكن هذه القوة تعمل فيمن له إيمان = مُمْتَزِجَةً بِالإِيمَانِ. فلنحذر إذن أن نقابل كلمة الموعد بعدم إيمان. لم تنفع = هلك الكثيرين من شعب إسرائيل فى برية سيناء مع أنهم سمعوا وعود الله.

العدد 3

آية (3): -

"3لأَنَّنَا نَحْنُ الْمُؤْمِنِينَ نَدْخُلُ الرَّاحَةَ، كَمَا قَالَ: «حَتَّى أَقْسَمْتُ فِي غَضَبِي: لَنْ يَدْخُلُوا رَاحَتِي» مَعَ كَوْنِ الأَعْمَالِ قَدْ أُكْمِلَتْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ.".

نص المزمور95: هلم نسجد ونركع ونجثو امام الرب خالقنا..... لانه هو الهنا ونحن شعب مرعاه وغنم يده. اليوم ان سمعتم صوته 8 فلا تقسوا قلوبكم كما في مريبة مثل يوم مسة في البرية 9 حيث جربني اباؤكم. اختبروني. ابصروا ايضا فعلي 10 اربعين سنة مقت ذلك الجيل وقلت هم شعب ضال قلبهم وهم لم يعرفوا سبلي. 11 فاقسمت في غضبي لا يدخلون راحتي.

داود هنا يحذر شعبه أن لا يُقَسُّوا قلوبهم فى الخطية بل يتوبوا حتى لا تضيع منهم الراحة.

نَدْخُلُ الرَّاحَةَ = نفهم من المزمور أن هناك راحة موعود بها ندخلها. ومن يؤمن بالمسيح يبدأ طريق الراحة، حقاً هى راحة يشوبها الآن ألام هذا العالم ولكنها بداية ثم تكمل بعد نهاية هذا العالم فى راحة بلا ألم حيث يمسح الله كل دمعة من العيون (رؤ7: 17).

حَتَّى أَقْسَمْتُ فِي غَضَبِي: لَنْ يَدْخُلُوا رَاحَتِي = (مز95: 11) يقصد بولس الرسول أن يقول لولا أن الله قد هيأ لشعبه راحة ما كان يقسم بأنه سوف يحرمهم منها. ويتساءل الرسول هنا عن ما هى الراحة التى يتكلم عنها داود فى المزمور 95 هل هى راحة السبت؟ ويجيب الرسول ويقول... لا قطعا... فالراحة التى إستراحها الله بعد أن أكمل الخليقة إنتهى موضوعها بنهاية الخلقة. هذه الراحة التى يعد بها الله ليست راحة يوم السبت. فالله أكمل خلقة العالم منذ زمان = الأَعْمَالِ قَدْ أُكْمِلَتْ.

العدد 4

آية (4): -

"4لأَنَّهُ قَالَ فِي مَوْضِعٍ عَنِ السَّابعِ هكَذَا: « وَاسْتَرَاحَ اللهُ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ جَمِيعِ أَعْمَالِهِ».".

كما إستراح الله بعد أن أنهى كل أعماله الخاصة بالخلقة، هكذا سيحدث للبشر، فبعد أن ننهى الأعمال التى خلقنا الله لنعملها (أف2: 10) سندخل إلى الراحة التى أعدها الله لنا.. والله لم يتعب إذ خلق العالم فقرر أن يستريح في اليوم السابع. لكننا نحيا الآن في اليوم السابع للخليقة، والله إستراح فيه بأن تمم الفداء، وبه عادت لأبنائه الحياة الأبدية معه.

والله لا يرتاح إذ أنه لا يتعب. ولكنه إستراح بكمال خلاصنا وفدائنا الذى تم بالصليب وكان هذا فى اليوم السابع. والله مازال يعمل حتى الآن (يو5: 17). فموضوع السبت إنتهى ونحن نحفظ السبت لنذكر السماء التى نذهب إليها والتى أعادنا لها المسيح بفدائه بعد أيام غربتنا هنا على الأرض. فنحن نرتاح يوم السبت ونسبح ونفرح بخلاصنا كما فرح الله بعودتنا له بالصليب. والنتيجة التى توصل لها الرسول أن الراحة التى يتكلم عنها داود ليست هى راحة السبت، فمنذ دخول اليهود لأرض الميعاد وهم كل أسبوع يرتاحون كل يوم سبت، إذاً إن كان هناك وعد براحة فهى قطعا غير يوم السبت.

العدد 5

آية (5): -

"5 وَفِي هذَا أَيْضًا: «لَنْ يَدْخُلُوا رَاحَتِي».".

ما زال الرسول فى بحثه عن الراحة التى يتكلم عنها داود. ويتساءل هل هى أرض كنعان. فالله هيأ الراحة لشعبه فى كنعان ودعاهم إليها ولكن هناك من فشل فى الوصول إليها، وذلك بسبب عدم الإيمان. والله أعد لنا راحة فى السماء فلنحذر حتى لا نفشل وتضيع منا.

الأعداد 6-7

الآيات (6 - 7): -

"6فَإِذْ بَقِيَ أَنَّ قَوْمًا يَدْخُلُونَهَا، وَالَّذِينَ بُشِّرُوا أَوَّلاً لَمْ يَدْخُلُوا لِسَبَبِ الْعِصْيَانِ، 7يُعَيِّنُ أَيْضًا يَوْمًا قَائِلاً فِي دَاوُدَ: «الْيَوْمَ» بَعْدَ زَمَانٍ هذَا مِقْدَارُهُ، كَمَا قِيلَ: «الْيَوْمَ، إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ».".

سبق الرسول وقال إن الراحة المقصودة فى مز 95 ليست هى السبت.

والرسول هنا يريد أن يثبت أن المقصود فى المزمور ليست الراحة الأرضية فى كنعان. وأن الراحة المقصودة هى راحة ما بعد الزمان. ودليله فى هذا أن داود يكلم شعبه أن لا يقسوا قلوبهم فيخسروا الراحة، فأى راحة يتكلم عنها داود وهم فى أرض كنعان فعلاً، أرض الراحة، إن لم تكن راحة ما بعد الزمان. فَإِذْ بَقِيَ أَنَّ قَوْمًا يَدْخُلُونَهَا فهذا يعنى أن من لا يتقسى قلبه سيدخل، كل من يسمع داود فى (مز8: 95 - 11) ولا يقسى قلبه سوف يدخل سواء من شعب داود أو من المسيحيين فكلام داود هو لنا أيضاً. فإن ضاعت من بنى إسرائيل الراحة بسبب العصيان، تكلم الله على لسان داود بوعد براحة أخرى مازال أمامنا فرصة لدخولها.

العدد 8

آية (8): -

"8لأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَشُوعُ قَدْ أَرَاحَهُمْ لَمَا تَكَلَّمَ بَعْدَ ذلِكَ عَنْ يَوْمٍ آخَرَ.".

لو كانت أرض كنعان هى الراحة الحقيقية لما قال داود ما قاله فى مزمور95.

العدد 9

آية (9): -

"9إِذًا بَقِيَتْ رَاحَةٌ لِشَعْبِ اللهِ!".

هناك راحة أبدية محفوظة لشعب المسيح فى الأبدية.

رَاحَةٌ = إستخدم بولس الرسول هنا ولأول مرة كلمة جديدة للراحة وهى سباتزموس وهى كلمة مركبة من اليهودية العبرية (سبت) ومضاف لها مقطع يونانى. والكلمة تشير للراحة السبتية إشارة للراحة الأبدية. وكان اليهود لو أتى عيد الفصح يوم سبت يطلقون عليه السبت العظيم وهم لا يدرون أنهم فى المستقبل سوف يكون هنا يوم سبت عظيم (يو19: 31) فيه سيموت المخلص. فالسبت يعنى راحة، وموت المسيح بداية الراحة الحقيقية. وراحتنا الحقيقية هى فى السبت الأبدى حصلنا عليها بموت المسيح وندخلها بعد إنتهاء أعمالنا الأرضية.

العدد 10

آية (10): -

"10لأَنَّ الَّذِي دَخَلَ رَاحَتَهُ اسْتَرَاحَ هُوَ أَيْضًا مِنْ أَعْمَالِهِ، كَمَا اللهُ مِنْ أَعْمَالِهِ.".

لأَنَّ الَّذِي دَخَلَ رَاحَتَهُ = كلمة راحة هنا سباتزموس أيضاً، ولم تذكر ثانية فى أى مكان. والمقصود أن أول من أكمل عمله كان هو المسيح وكان عمله الفداء والصليب وبعدهما دخل لهذه الراحة كباكورة. ونحن نبدأ فى دخول هذه الراحة لحظة إيماننا بالمسيح وستكمل فى الأبدية. وكما إستراح الله بعد الخلقة إستراح الإبن بعد تجديد الخلقة بالفداء.

العدد 11

آية (11): -

"11فَلْنَجْتَهِدْ أَنْ نَدْخُلَ تِلْكَ الرَّاحَةَ، لِئَلاَّ يَسْقُطَ أَحَدٌ فِي عِبْرَةِ الْعِصْيَانِ هذِهِ عَيْنِهَا.".

فَلْنَجْتَهِدْ = الرسول هنا يوجه الدعوة لنعمل كل الجهد حتى لا تضيع منا الراحة واضعين أمام أعيننا صورتين:

  1. صوت عويل من مات فى البرية وهذا للتخويف.
  2. صوت تهليل وتسبيح سحابة القديسين (عب12: 1) وهذا للتشجيع.

والإجتهاد المستمر يعنى ثبوتنا فى الراحة الأبدية. الإيمان وحده لا يكفى، بل علينا أن نعمل كل الجهد لكى نسلك فى الفضيلة.

كلمة ختامية عن الراحة.

هناك راحة معدة لنا يحذرنا أن لا نفقدها وهذه الراحة الموعودة فى مز 95 ليست هى راحة السبت التى إرتاحها الله وليست هى راحة دخولهم كنعان بل هى راحة ما بعد الزمان والدليل الذى يسوقه بولس الرسول كما رأينا:

  1. ليست هى راحة السبت: - لأن داود يتكلم عنها بعد أن أنهى الله أعماله راجع آية3 مع كون الأعمال قد أكملت منذ تأسيس العالم.
  2. ليست هى راحة كنعان: - فداود يتكلم عنها وهم فى كنعان (مز95).

العدد 12

آية (12): -

"12لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ.".

فى آية (11) قال الرسول فلنجتهد. وقد يتساءل إنسان لماذا نجتهد فيجيب الرسول هنا بأن كلمة الله لها خطورتها فهو وَعَدَ بالراحة ووعده لابد سيتم، كلمته لها هيبتها والله يعلم خبايا النفوس. وكلمة الله تدين أى إنحراف فى المشاعر والميول (يو 12: 48) فكلمة الله لها قدرة على تمييز ما هو داخل النفس لأن كل شئ مكشوف أمامه فى الخليقة. كلمة الله الآن هى للتعليم وللإنذار وللتقويم ولكنها هى نفسها التى سنقف أمامها عرايا فى اليوم الأخير مكشوفى الضمائر والأفكار. ولكنها الآن هى سلاحنا الذى يسندنا فى جهادنا للدخول إلى الراحة سواء الكلمة المكتوبة أم الكلمة المتجسد الذى يدخل إلى حياتنا الخفية، يعمل فى القلب والحواس ويقدس كل أعضائنا مهيئاً إيانا بروحه القدوس لينطلق بنا إلى حضن أبيه. هو الكاشف أسرارنا الداخلية وعارف بأعماقنا وقادر على تجديدها. وبكلمة الله المكتوبة ندخل للقاء المسيح المختفى وراء الحروف. فيالسعادة من ينقاد لكلمة الله ووصاياه ويتعلم من الإنجيل ويالشقاء من يقاوم. فلأن الله يعلم النيات فيستحيل أن يضمر الإنسان عدم طاعة لله والله لا يعلم.

حَيَّةٌ = كلمة الله لها قوة الحياة حينما نسمعها. فهى حية ومحيية (يو5: 24 + 6: 68) تقيم من موت الخطية (يو5: 25) بل هى تخرج من القبور (يو28: 5، 29).

فَعَّالَةٌ = لها ثمر فى حياة من يسمعها، هى تكشف للإنسان طبيعته وأعماقه وتظهر ما هو ردئ فيه، لذلك إرتعب فيلكس أمام كلمات بولس الرسول (أع24: 24، 25) ومن ثم تقود النفس أسيرة لجلالها فى طريق الفضيلة.

وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ = الكلمة أمضى من أمضى سيف الذى هو ذو حدين.

لكلمة الله حدين:

الحد الأول: - يقطع به الله محبة الخطية من القلب وهذا يسميه الكتاب ختان القلب بالروح (رو2: 29). وبهذا يولد الإنسان ولادة جديدة "مولودين ثانية لا من زرع يفنى بل مما لا يفنى، بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد" (1بط1: 23). وهذا ما قاله السيد المسيح "وأنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذى كلمتكم به" (يو15: 3). فكلمة الله حية وقادرة أن تنقى وتحيى وتلد.

أما الحد الثانى: - فهو حد إدانة. فمن لا يتجاوب مع كلمة الله ويولد ثانية ويتنقى تدينه كلمة الله "فتب وإلا فإنى آتيك سريعاً وأحاربهم بسيف فمى" (رؤ2: 16)، الكلام الذى تكلمت به هو يدينه فى اليوم الأخير (يو12: 48). وأما من يهمل دراسة كلمة الله فهو يدفن وزنته وينطبق عليه "هلك شعبى من عدم المعرفة" (هو4: 6).

خَارِقَةٌ = تصل لكل ما هو خفى داخل النفس. إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ = من الأشياء المخفية أين تلتقى النفس مع الروح وأين يفترقان. ولكن كلمة الله تصل لهذا المفرق وتفصل بينهما للتطهير لتعد الإنسان للراحة العليا. فالإنسان لا يسهل علية أن يفرق بين ما هو للنفس وما هو للروح أما كلمة الله فتميز أفكار الإنسان بسهولة وتكشفها له. فهناك أشياء تبدو لنا أنها روحية ولكنها هى أصوات رغباتنا داخلنا. والجلوس أمام كلمة الله يكشف لنا هذا من ذاك.

وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ = أى ما هو ظاهر (المفاصل) وما هو خفى فى الإنسان (المخاخ) فهناك سلوك ظاهر للإنسان، ولكن هناك أشياء باطنية خفية فيه تكشفها كلمة الله.

العدد 13

آية (13): -

"13 وَلَيْسَتْ خَلِيقَةٌ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ قُدَّامَهُ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ لِعَيْنَيْ ذلِكَ الَّذِي مَعَهُ أَمْرُنَا.".

كلمة الله لها قدرة على تمييز ما هو خفى داخل النفس. والمسيح هو كلمة الله فاحص القلوب والكلى.

العدد 14

آية (14): -

"14فَإِذْ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ عَظِيمٌ قَدِ اجْتَازَ السَّمَاوَاتِ، يَسُوعُ ابْنُ اللهِ، فَلْنَتَمَسَّكْ بِالإِقْرَارِ.".

يشوع وحده لم يكن قادراً على عبور الأردن إلى كنعان الراحة إلا لو كان معه رئيس الكهنة والكهنة حاملى التابوت. ونحن لنا رئيس كهنة يحملنا فيه ليعبر إلى كنعان السماوية ونستقر فى حضن الآب. رَئِيسُ كَهَنَةٍ عَظِيمٌ = فهرون وباقى رؤساء الكهنة خلفاءه كانوا يجتازون الحجاب إلى داخل قدس الأقداس الأرضى فقط. أما المسيح رئيس كهنتنا فإجتاز السماء أى دخل إلى اللا منظور ودخل إلى الفائق السمو. هو دخل إلى الراحة الأبدية.

فَلْنَتَمَسَّكْ بِالإِقْرَارِ = أى بالإيمان. لا ننكر إيماننا.

العدد 15

آية (15): -

"15لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ.".

يَرْثِيَ = يشترك بمشاعره كما بكى المسيح على قبر لعازر ويشفق علينا، بل أن بطرس الرسول يطلب منا أن نفعل هذا (1بط 8: 3).

فكم وكم يفعل المسيح. فلا يخطر على بالنا أن المسيح طالما هو فى السماء فهو لا يهتم بنا. بل لأنه تعرض لما نتعرض له فهو شاعر بألامنا. هو يشعر بالظلم الواقع علينا وبكل ألم نتألم به، فلم يُظلَم أحد أو تألم أحد كما ظُلِم هو وتألم. لذلك هو قادر أن يرفع هذا الظلم أو الألم وإن لم يرفعه فهو يعد لنا مكافأة سماوية إن إحتملنا وعزاءً أرضياً الآن فهو يشترك معنا بمشاعره.

بَلْ مُجَرَّبٌ = الإنسان يجرب من الخارج بالظلم والألام ويجرب من الداخل من شهوته (يع14: 1، 15). أما المسيح فقد جُرِّب من الخارج فقط وليس من الداخل فالخطية ليست فيه. وإبليس جربه وفشل (مر12: 1، 13) ولما فشل فى تجربته بالخطايا من الداخل جربه بالألام من الخارج والخيانة (يهوذا) وإهانات وشتائم الناس.

بِلاَ خَطِيَّةٍ = وفى هذا يختلف عن رؤساء الكهنة العاديين.

العدد 16

آية (16): -

"16فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْنًا فِي حِينِهِ.".

نَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ = كان من يتقدم ويقترب من الأقداس يقطع أما الآن فنحن نتقدم واثقين أنه حسب وعده الأمين والعادل من يعترف يطهره بدمه من كل خطية (1يو7: 1 - 9). فلنتقدم إذاً بكل ثبات وإيمان إلى عرشه الذى تنبع منه النعمة لنحصل على غفران خطايانا.

ونجد مراحمه عونا لنا حين تدهمنا التجارب = فِي حِينِهِ.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الخامس - تفسير الرسالة إلى العبرانيين - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح الثالث - تفسير الرسالة إلى العبرانيين - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير الإلى العبرانيين الأصحاح 4
تفاسير الإلى العبرانيين الأصحاح 4