اَلأَصْحَاحُ الْحَادِي عَشَرَ – سفر أخبار الأيام الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي

هذا الفصل هو جزء من كتاب: 14- تفسير سفر أخبار الأيام الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

اَلأَصْحَاحُ الْحَادِي عَشَرَ

محاولات رحبعام الفاشلة.

القصص الخاصة بأنبياء الشمال نابضة بالحياة وبارزة، مثل ميخا وإيليا وإليشع، لذلك يرى البعض أن خدمة الأنبياء كانت مُرَكَّزة في الشمال على الأقل إلى القرن الثامن ق. م. غير أننا هنا نسمع عن شمعيا رجل الله الذي قَدَّم رسالة لرحبعام ألا يحارب إخوته (مملكة الشمال المُنشقَّة). هذا أول دليل على وجود خدمة نبويّة في ذلك الحين في منطقة الجنوب. وقد جاء أخبار الأيام الثاني يروي لنا الكثير عن أنبياء مملكة الجنوب. تضم هذه القائمة عزريا بن عوديد (15: 1 - 7)، وحناني الرائي (16: 7 - 9)، وياهو بن حناني (19: 2 - 3)، وزكريا بن يهوياداع (24: 20—22)، ونبي غير معروف اسمه أرسله الله إلى الملك أمصيا (25: 7 - 9)، وبحسب أخبار الأيام أرسل إيليا التشبي إلى مملكة الجنوب رسالة إلى يهورام ملك يهوذا (21: 12 - 15) [101].

1. محاولة استعادة العشرة أسباط 1 - 4.

2. مساعي رحبعام لحفظ السبطين 5 - 12.

3. عودة الكهنة واللاويين 13 - 17.

4. زوجات رحبعام وأولاده 18 - 23.

الأعداد 1-4

1. محاولة استعادة العشرة أسباط

وَلَمَّا جَاءَ رَحُبْعَامُ إِلَى أُورُشَلِيمَ جَمَعَ مِنْ بَيْتِ يَهُوذَا وَبِنْيَامِينَ،.

مِئَةً وَثَمَانِينَ أَلْفَ مُخْتَارٍ مُحَارِبٍ لِيُحَارِبَ إِسْرَائِيلَ،.

لِيَرُدَّ الْمُلْكَ إِلَى رَحُبْعَامَ. [1].

غالبًا ما قام رحبعام بجمع المحاربين بناء على مشورة الشُبَّان الذين دفعوه للإجابة بعنفٍ مع الشعب، ففقد العشرة أسباط بكلماته العنيفة.

وجد رحبعام مُبَرِّرات دفعته للرغبة في محاربة يربعام والأسباط العشرة، وهي:

1. تطلعه إلى هذه الأسباط أنها مُنشقَّة ومُتمرِّدة يلزم تأديبها.

2. يلزمه كملكٍ شرعيٍ من بيت داود أن يؤكد سلطانه وقدرته العسكرية لجمع شمل الأسباط الاثني عشر معًا.

3. إنه يُحَقِّق رغبة سليمان أبيه الحكيم، الذي طلب قتل يربعام، لأنه رفع يده عليه (1 مل 11: 26، 40). هرب يربعام إلى مصر، وكان هناك إلى وفاة سليمان. أليس سليمان أحكم إنسان على الأرض في ذلك الوقت؟

4. قام العشرة أسباط بقتل هدورام الذي أرسله إليهم للمصالحة، وفي نظره أنهم قتلوا رجل سلام بريء لا ذنب له (2 أي 10: 18). إن كان داود قد أعلن الحرب على العمونيين لأنهم أهانوا رسله (2 صم 10: 7)، فإن يربعام قتل رسول رحبعام بلا ذنبٍ. ففي نظره يلزم تأديب يربعام والأسباط العشرة.

وَكَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى شَمَعْيَا رَجُلِ الله. [2].

كان خطأ رحبعام المتكرر هو عدم الرجوع إلى الرب واستشارته قبل التصرُّف. لذلك تركه الرب يُتَمِّم ما في فكره، فجمع مائة وثمانين ألف مختار ليُحارِب الأسباط العشرة، بعد ذلك أرسل إليه شمعيا رجل الله ليكشف له أنه قد أضاع وقته وجهده في جمع هذا الجيش، وعليه أن يطلقهم ليرجعوا إلى بيوتهم.

كان يليق برحبعام أن يستشير الرب في كل شيءٍ مثل جده داود، الذي جاءت أغلب مزاميره تؤكد ثقته في مشورة الرب وقدرته ورعايته له (2 صم 2: 1). كان يسأل الرب في كل صغيرةٍ وكبيرةٍ، واثقًا أنه يقوده نحو النصرة، ويهبه النجاح في كل شيءٍ.

  • "أنقذني من أعدائي يا رب إليك التجأت".

أنا الذي هربت مَرَّة منك، الآن أَهربُ إليك.

فإن آدم هرب من وجه الله، واختفى بين أشجار الفردوس، فقيل عنه في سفر أيوب: "مثل عبدٍ هاربٍ من وجه سيده، ووجد ظلاً" (أي 7: 2 LXX).

ويل لي، إن بقيت تحت الظل، لئلا يُقال فيما بعد: "كل الأشياء تعبر مثل ظلٍ" (حك 5: 9).

لتحاربوا رؤساء هذا العالم، هذه الظلمة، رؤساء الأشرار (إبليس وجنوده).

عظيم هو جهادكم، فإنكم لا ترون أعداءكم ومع ذلك تغلبوهم! [102].

القديس أغسطينوس.

  • "وبرحمتك تستأصل أعدائي"، ليس لأني مستحق ذلك، وإنما من أجل رحمتك تُحَرِّرني من الذين يحاربونني.

أنقذني من الذين يُدَبِّرون المكائد، هَبْ لي أن تحررني من الضيق.

"وتبيد كل مضايقي نفسي، لأني أنا عبدك". لاحظوا مرة أخرى كيف تتحقق الطلبة. إنه ليس بسهولة ننال طلبتنا، إنما يلزمنا أن نجعل أنفسنا أهلاً لذلك، وأن نساهم من جانبنا ما يلزم أن نساهم به، وبهذا نُقَدِّم طلبتنا.

الصلاة (المجردة) غير كافية في ذاتها طبيعيًا. فاليهود صَلُّوا، وكانت الإجابة: "وإن أكثرتم الصلاة لا أسمع" (إش 1: 15). لماذا تندهشون لهذا إن كان (حزقيال) نفسه لم يُسمَع له. فقد قيل: "إن جاء نوح وأيوب ودانيال لا يخلصون أبناءهم وبناتهم" (راجع حز 14: 14).

لتدركوا هذا، فلا نصلي فقط، وإنما مع الصلاة نجعل أنفسنا أهلاً لنوال البركات الحاضرة والمستقبلة[103].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

  • من لا يلتجئ إلى بني البشر، يلتجئ إلى الله، وكل من يلتجئ إلى الله، ينقذه من أعدائه المنظورين وغير المنظورين.

الأب أنسيمُس الأورشليمي.

قُلْ لِرَحُبْعَامَ بْنِ سُلَيْمَانَ مَلِكِ يَهُوذَا وَكُلِّ إِسْرَائِيلَ فِي يَهُوذَا وَبِنْيَامِينَ: [3].

هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: لاَ تَصْعَدُوا وَلاَ تُحَارِبُوا إِخْوَتَكُمْ.

ارْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى بَيْتِهِ،.

لأَنَّهُ مِنْ قِبَلِي صَارَ هَذَا الأَمْرُ.

فَسَمِعُوا لِكَلاَمِ الرَّبِّ،.

وَرَجَعُوا عَنِ الذَّهَابِ ضِدَّ يَرُبْعَامَ. [4].

إذ حاول رحبعام أن يُعِيدَ العشرة الأسباط لطاعته، جاءت كلمة الرب له خلال شمعي رجل الله: "لا تصعدوا، ولا تحاربوا إخوتكم. ارجعوا كل واحدٍ إلى بيته، لأنه من قِبَلي صار هذا الأمر (11: 4). لقد رفضوا داود، فحسبهم الرب رافضين له شخصيًا!

لقد حرموا أنفسهم من اعتبارهم شعب الله، ولم يَقُمْ منهم ملك واحد صالح.

وضع رحبعام في قلبه أن يستعيد وحدة الشعب بالقوة. لكن الرب منعه من الدخول في معركة مع بقية الأسباط، وبالفعل توقَّف عن ذلك.

لماذا لم يسمح الله لرحبعام بالحرب ضد يربعام؟

1. لمعاقبة سليمان على عبادة الأوثان.

2. سمح الله بما حدث لتأديب رحبعام الذي لم يستشر الرب قبل إجابته على يربعام ومن معه.

3. لأن الله فصل بين الخراف والجداء حتى لا يُضَلِّل إسرائيل يهوذا. إن كان الشعب قد انقسم إلى مملكتين: عشرة أسباط تحت اسم "مملكة إسرائيل"، وسبطان تحت اسم "مملكة يهوذا"، فإن أخبار الأيام الذي يهتم بالهيكل والعبادة يكاد يحسب أن مملكة إسرائيل أو المملكة الشمالية المنشقة عن بيت داود لا وجود لها. ويعتبر ملك يهوذا هو المُعترَف به بكونه ملك يهوذا وبنيامين وكل إسرائيل الراجعين إلى يهوذا وبنيامين. في نفس الوقت يحسب شعب المملكة المنشقة هم إخوة شعب يهوذا وبنيامين، لا يجوز لهم أن يحاربوهم، فإنهم لا يزالون أبناء الله، يطلب خلاصهم لا هلاكهم[104].

3. ليؤكد لهم الله أن القوة ليست في اتحاد يهوذا مع إسرائيل، إنما في الالتجاء إلى الرب.

4. يقول الرب "لا تحاربوا إخوتكم"، إذ لا يليق بالإخوة تحت أيّة ظروف أن يدخلوا معًا في معارك. فعندما اختلف إبراهيم ولوط (تك 12)، ذكَّر إبراهيم ابن أخيه أنه لا يجوز لهما أن يدخلا في معركة لأنهما أخوان (تك 13: 8).

وعندما اختلف يعقوب وعيسو معًا ودخلا في شِبْهِ معركة دامت كل حياتهما، استمر نسلهما في عداوة شديدة لقرون عديدة (تك 27: 41 - 46؛ مز 137: 7؛ عو 10: 13). وإذ رفض داود أن يقتل شاول الذي كان يبذل كل جهده لقتل داود، كافأه الرب بأن سَلَّمه العرش وثبَّت كرسيه ومن نسله جاء المسيا مُخَلِّص العالم، وتكوَّنت صداقة حميمة بين سبطي يهوذا وبنيامين بعد موت داود وشاول، وصار الاثنان مملكة واحدة مُقابِل العشرة أسباط الأخرى.

يليق بالمؤمن في شوقه إلى خلاص الكل ألا يقوم بهذا بدافع تعصبي أعمى، بل في حبٍ، خلال الإحساس بالإخوة وإدراكه لحُبِّ الله القدوس الذي بذل ابنه الوحيد من أجل كل إنسانٍ، وحُبُّه أيضًا لزميله في البشرية. فالمؤمن يتوق أن يرتبط بكل بني البشر الذين يعرفهم والذين لا يعرفهم، يرتبط بالمعاصرين له والراحلين والآتين من بعده. يرتبط بهم في وحدانية الحُبِّ الحقيقي، في قرابة روحية تسمو فوق كل رابطة جسدانية أو دموية. يرتبط معهم في الرأس "يسوع المسيح"، ويكون الكل شركاء معًا في كل شيءٍ إلى الأبد، خاصة في القداسة بالله القدوس.

  • ليتنا نحن الذين تأهلنا لمثل هذه الأسرار نظهر حياة تليق بالعطية، أي نظهر سلوكًا غاية في الامتياز!...

فإن كان الإنسان أبًا أو ابنًا أو أخًا أو في أية قرابةٍ أخرى، فإنه لا يُحسَب قريبًا حقيقيًا مثلما تكون القرابة نابعة عن علاقات علوية. أي نفع للارتباط بعلاقات عائلية أرضية دون الارتباط بعلاقات روحية؟! أي فائدة إن كنا أقرباء على الأرض وغرباء في السماء؟! لأن الموعوظ غريب عن المؤمن، إذ ليس له ذات الرأس روحيًا، ولا نفس الأب، ولا عين المدينة، ولا ذات الطعام أو الثوب أو المائدة أو المنزل، إنما يكون مغايرًا له.

هذه الأمور تكون للموعوظ على الأرض (أي ينشغل بأمورٍ عاديةٍ أرضيةٍ)، أما الآخر فيطلبها (كأمورٍ سماويةٍ) في السماء.

واحد له المسيح ملكًا، الآخر طعامه اللحوم التي تفسد وتنتهي!

واحد له ثياب يفسدها العث، الآخر له رب الملائكة!

واحد مدينته السماء، الآخر الأرض!

فإذًا ليس لنا شيء مُشترَك، ففي ماذا تكون لنا الشركة؟!

هل نحن توائم، ولدنا من رحمٍ واحدٍ؟! فإن هذا يعجز عن إقامة قرابة غاية في الكمال.

إذن لنجاهد أن نكون مواطنين للمدينة العلوية! [105].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

"ورجعوا عن الذهاب ضد يربعام": استجاب رحبعام لكلمات الرب على لسان شمعيا رجل الله، ربما لأنه كان يخشى الفشل، إذ لم يكن قائدًا حربيًّا مُتمرِّنًا مثل داود جده، إنما كان مثل أبيه سليمان الذي لا يحمل خبرة عسكرية قوية. ولعله بعد أن بنى الحصون وتأكد من قدرته العسكرية دخل في عدة معارك بعد ذلك ضد يربعام.

هذا ومن جانب آخر فقد بقي أمينًا في عبادته للرب لمدة ثلاث سنوات، انحرف بعدها إلى العبادة الوثنية.

الأعداد 5-12

2. مساعي رحبعام لحفظ السبطين

وَأَقَامَ رَحُبْعَامُ فِي أُورُشَلِيمَ،.

وَبَنَى مُدُنًا لِلْحِصَارِ فِي يَهُوذَا. [5].

بلا شك أن انقسام المملكة هزَّ صورة إسرائيل أمام الأمم والشعوب، غير أن رحبعام لم يبالِ بسخرية الأمم بهم، إنما اهتم بتحصين حدود دولته والكثير من المدن الرئيسية في مملكته. ففي عصر أبيه سليمان في أيام السلام، لم تكن هناك حاجة لتحصينها. كان أغلب عمل سليمان هو البناء والتعمير والإنتاج مع التجارة.

فَبَنَى بَيْتَ لَحْمٍ وَعِيطَامَ وَتَقُوعَ. [6].

قام بتحصين بيت لحم وهي تبعد حوالي عشر كيلومترات من أورشليم، اشتهرت بكونها مسقط رأس داود وابن داود يسوع المسيح.

تؤكد الحفريات الحديثة وجود حصون للمدن المذكورة هنا في ذلك الوقت[106].

اهتم رحبعام أن يبني حصونًا في الشرق والغرب، وأيضًا نحو الجنوب، تاركًا منطقة الشمال أشبه ببابٍ مفتوحٍ، وذلك لسببين رئيسيين:

1. كان رحبعام يَعْلَمُ أن يربعام على علاقة طيبة مع مصر، فخشي أن تهاجمه مصر من الجنوب كنوعٍ من التحالف مع يربعام الذي سبق أن التجأ إليها حين كان سليمان يطلب قتله.

2. ترك الشمال أشبه ببابٍ مفتوح، فمن جانب رجع إليه الكهنة واللاويون الذين كانوا في مملكة الشمال، حيث وجدوا مقاومة وإحلال كهنة الأوثان والمرتفعات مكانهم. هذا وقد رجع بعض الأتقياء من الشعب الذين رفضوا عبادة الأوثان وأرادوا العبادة لله الحيّ. كان رحبعام يأمل أن يحن الشعب إلى التمتُّع بالعبادة في أورشليم خاصة في الاحتفالات والمواسم.

وَبَيْتَ صُورَ وَسُوكُوَ وَعَدُلاَّمَ. [7].

وَجَتَّ وَمَرِيشَةَ وَزِيفَ. [8].

جت: مدينة أخذها اليهود من الفلسطينيين أيام صموئيل وداود الملك (1 صم 7: 14؛ 1 أي 18: 1).

وَأَدُورَايِمَ وَلَخِيشَ وَعَزِيقَةَ. [9].

وَصَرْعَةَ وَأَيَّلُونَ وَحَبْرُونَ الَّتِي فِي يَهُوذَا وَبِنْيَامِينَ مُدُنًا حَصِينَةً. [10].

حبرون: هي الخليل اليوم ومذكورة كثيرًا، ففيها سكن إبراهيم وإسحق ويعقوب، ودُفِنَ فيها سارة وإبراهيم وإسحق ورفقة وليئة ويعقوب. وكانت من مدن الكهنة ومدن الملجأ وملك داود فيها سبع سنوات.

وَشَدَّدَ الْحُصُونَ، وَجَعَلَ فِيهَا قُوَّادًا وَخَزَائِنَ مَأْكَلٍ وَزَيْتٍ وَخَمْرٍ. [11].

وَأَتْرَاسًا فِي كُلِّ مَدِينَةٍ وَرِمَاحًا، وَشَدَّدَهَا كَثِيرًا جِدًّا،.

وَكَانَ لَهُ يَهُوذَا وَبَنْيَامِينُ. [12].

أقام رحبعام مدنًا للحصار في الجنوب لمواجهة أي هجوم من مصر [5 - 12].

المدن الحصينة المذكورة هي إلى جهة الجنوب والغرب، لأنه خاف من مصر، لكننا رأينا الغازي آتيًا من مصر، ولم تمنعه المدن الحصينة، فإنه إن لم يحرس الرب المدينة فباطلاً يسهر الحراس.

الأعداد 13-17

3. عودة الكهنة واللاويين

واضح أن هذه الأسباط العشرة قاوموا الله بإقامتهم كهنة للمرتفعات وللتيوس والعجول (11: 15)، واضطر كهنة الله واللاويون أن يتركوا الأسباط وينطلقوا إلى يهوذا وأورشليم (11: 14).

وَالْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّونَ الَّذِينَ فِي كُلِّ إِسْرَائِيلَ،.

مَثَلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ جَمِيعِ تُخُومِهِمْ [13].

لأَنَّ اللاَّوِيِّينَ تَرَكُوا مَرَاعِيَهُمْ وَأَمْلاَكَهُمْ، وَانْطَلَقُوا إِلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ،.

لأَنَّ يَرُبْعَامَ وَبَنِيهِ رَفَضُوهُمْ مِنْ أَنْ يَكْهَنُوا لِلرَّبِّ [14].

وَأَقَامَ لِنَفْسِهِ كَهَنَةً لِلْمُرْتَفَعَاتِ وَلِلتُّيُوسِ وَلِلْعُجُولِ الَّتِي عَمِلَ. [15].

ذكر سفر الملوك عبادة العجول، وهنا إشارة إلى نوعٍ آخر من العبادة الوثنية، وكان أصحاب هذه العبادة يؤمنون أن الشياطين أو الجن يأخذ شكل تيوس ويعيش في الأماكن الخربة. وأصل الكلمة العبري للتيوس هو الجن. وكانت الشعوب البدائية تعبد ما تخافه. وللأسف نرى هنا شعب الله يقلد هذه الشعوب ويعبد ما يخاف منه.

إذ نبذ يربعام عبادة الله الحيّ، وأقام لنفسه كهنة للمرتفعات والتيوس والعجول التي عملها، خشي أن يشتاق الشعب إلى الرجوع إلى أورشليم ليعبدوا في الهيكل، لذلك سمح للكهنة واللاويين أن يذهبوا إلى أورشليم. لقد تركوا مسارحهم وأملاكهم، فتشدَّد رحبعام بمثولهم مع أتقياء إسرائيل المُخلِصين للعبادة [17].

لا عجب أن الذي رفض الله، يرفض أيضًا خدامه، ويشتاق أن يتخلَّص منهم.

في نفس الوقت كان لصالح هؤلاء الكهنة واللاويين أن يتركوا إسرائيل، وينطلقوا إلى مملكة يهوذا، حيث يوجد هيكل الرب ومذبحه، ويَتخلَّصوا من المشاحنات والمضايقات التي قد يثيرها كهنة المرتفعات ضدهم.

ومما يلزمنا ألا ننكره أن رحبعام وشعبه رَحَّبوا بهم، ولم يشعروا أنهم يُمَثِّلون ثقلاً على مملكتهم بعد أن فقدوا مسارحهم وممتلكاتهم والحقول.

لقد حققوا ما قاله فيما بعد إشعياء النبي: "افتحوا الأبواب لتدخل الأمة البارة الحافظة الأمانة" (إش 26: 2).

وَبَعْدَهُمْ جَاءَ إِلَى أُورُشَلِيمَ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ،.

الَّذِينَ وَجَّهُوا قُلُوبَهُمْ إِلَى طَلَبِ الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ،.

لِيَذْبَحُوا لِلرَّبِّ إِلَهِ آبَائِهِمْ. [16].

وُجِدَ أناسٌ في هذه الأسباط أمناء للرب. عندما انطلق الكهنة واللاويون إلى أورشليم، تبعهم كل الإسرائيليين الأبرار الأتقياء، الذين وَجَّهوا قلوبهم إلى طلب الرب إله إسرائيل ". تركوا ميراث آبائهم، وذهبوا ليسكنوا في يهوذا، لتكون لهم الحرية الكاملة للذهاب إلى مذبح الرب، ويبتعدوا هم وأبناؤهم من أية غواية لعبادة التيوس.

يُقَدِّم هؤلاء الأتقياء مثالاً جميلاً لنا:

1. أعطوا الأولوية لعبادة الله والاهتمام بخلاص نفوسهم ونفوس أبنائهم قبل أية منفعة مادية أو راحة وسعادة زمنية.

2. التصقوا بكهنة الرب الأمناء. جاء في يشوع: "عندما ترون تابوت العهد الرب إلهكم والكهنة اللاويين حاملين إيَّاه، فارتحلوا من أماكنكم، وسيروا وراءه" (يش 3: 3).

وَشَدَّدُوا مَمْلَكَةَ يَهُوذَا،.

وَقَوُّوا رَحُبْعَامَ بْنَ سُلَيْمَانَ ثَلاَثَ سِنِينَ،.

لأَنَّهُمْ سَارُوا فِي طَرِيقِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ ثَلاَثَ سِنِينَ. [17].

تشدَّدت مملكة يهوذا، ليس فقط بزيادة التعداد، ولا بما أحضروه معهم من ممتلكاتهم الشخصية، وإنما حَلَّت بركة الرب على المملكة بتقواهم وصلواتهم والتصاقهم بالرب.

الأعداد 18-23

4. زوجات رحبعام وأولاده

وَاتَّخَذَ رَحُبْعَامُ لِنَفْسِهِ امْرَأَةً:

مَحْلَةَ بِنْتَ يَرِيمُوثَ بْنِ دَاوُد، َ.

وَأَبِيجَايِلَ بِنْتَ أَلِيآبَ بْنِ يَسَّى. [18].

ضعف رحبعام بانغماسه في ملذَّاته، فطلب نساء كثيرات كما فعل أبوه. مع هذا كان أحكم من أبيه، إذ يبدو أنه لم يتَّخِذْ نساء من الوثنيات. إحداهن كانت من نسل اليآب أخي داود [18]، وأخرى من نسل أبشالوم بن داود [20]، وثالثة من يريموث بن داود [18].

لم يُذكَرْ من قبل اسم يريموث بن داود، وربما كان ابن إحدى سراري داود.

فَوَلَدَتْ لَهُ بَنِينَ: يَعُوشَ وَشَمَرْيَا وَزَاهَمَ [19].

ثُمَّ بَعْدَهَا أَخَذَ مَعْكَةَ بِنْتَ أَبْشَالُومَ.

فَوَلَدَتْ لَهُ أَبِيَّا وَعَتَّايَ وَزِيزَا وَشَلُومِيثَ. [20].

وَأَحَبَّ رَحُبْعَامُ مَعْكَةَ بِنْتَ أَبْشَالُومَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ نِسَائِهِ وَسَرَارِيهِ،.

لأَنَّهُ اتَّخَذَ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ امْرَأَةً وَسِتِّينَ سُرِّيَّةً،.

وَوَلَدَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ ابْنًا وَسِتِّينَ ابْنَةً. [21].

تَشَبَّه رحبعام بأبيه حيث كان له زوجات وسراري كثيرات. ومع هذا لم يُشِرْ السفر إلى أنه تَشَبَّه بأبيه.

لم يذكر عن أبناء سليمان سوى شخص واحد وهو رحبعام، والبقية لم يستحقُّوا حتى ذِكْر عددهم. أما أبناء رحبعام، فذكر عددهم ثمانية وعشرين ابنًا وستين ابنة.

وَأَقَامَ رَحُبْعَامُ أَبِيَّا ابْنَ مَعْكَةَ رَأْسًا وَقَائِدًا بَيْنَ إِخْوَتِهِ لِيُمَلِّكَهُ. [22].

وَكَانَ فَهِيمًا، وَفَرَّقَ مِنْ كُلِّ بَنِيهِ فِي جَمِيعِ أَرَاضِي يَهُوذَا وَبِنْيَامِينَ،.

فِي كُلِّ الْمُدُنِ الْحَصِينَةِ،.

وَأَعْطَاهُمْ زَادًا بِكَثْرَةٍ.

وَطَلَبَ نِسَاءً كَثِيرَةً. [23].

يرى البعض أن رحبعام تصرف بحكمةٍ عندما قام بتوزيع أراضي يهوذا وبنيامين على كل بنيه، لكي يتجنَّب التآمر ضده كما فعل أدونيا وأبشالوم، فيحدث شقاق في المملكة، لكي يكونوا غرماء لأخيهم أبيّا الذي أقامه رأسًا وقائدًا بينهم. ومن جانب آخر، إذ ينتشر أبناؤه في كل المدن، يحفظون سلامة الشعب ويهتمون بالمدن التي حَصَّنها بأسوارٍ ومخازنها، فيسندون أخاهم إن حدث غزو أجنبي، كما يتفادى قيام أية ثورة في البلاد ضد أبيّا.

من وحي 2 أي 11.

عجيبة هي محبتك يا أيها القدوس!

  • عجيب هو حبك، وعجيبة هي تدابيرك يا مخلصي!

من أجل خلاص العالم كله اخترت إبراهيم البار!

وَعَدتَه أن يكون أبًا لأممٍ كثيرةٍ!

واخترت إسحق ابنه ويعقوب حفيده.

من نسله أقمت لك شعبًا لا عن محاباة،.

إنما لتأتي متجسدًا من نسله،.

وتبذل ذاتك فداءً عن كل البشرية.

  • في عصيانه انحرف إسرائيل، وتَمرَّد عليك يا أيها القدوس.

من بين الاثنى عشر، عزلت سبطين هما يهوذا وبنيامين،.

أَقَمْتَ منهما مملكة يهوذا، لعلهما يسلكان بالحُبِّ والقداسة.

لم تسمح لهما بمقاومة الأسباط العشرة المتمردة.

لأنك تطلب الحب الأخوي مع القداسة!

  • انحرف كثيرون حتى من السبطين،.

لكنك كنت تحتفظ ببقية باقية مقدسة.

بتدبيرك العجيب أَوْجدتَ في كل جيلٍ بقية مقدسة لك!

من هذه البقية، تجسدتَ من القديسة مريم لأجل فدائنا.

تطلب أن تتقدَّس البشرية كلها ويسودها الحب.

عجيبة هي محبتك، يا أيها القدوس العجيب!

  • هَبْ لكنيستك أن تتحد بك على الدوام.

تسلك فيك، فتمتلئ حبًّا وقداسة.

تصير أيقونة لك، وتتأهل للعُرْسِ السماوي.

يفرح بها الآب القدوس،.

وتتعجَّب منها الطغمات السماوية!

أَعطني قلبًا نقيًّا مملوء حبًا وقداسة!


[101] Cf. Patrick Henry Reardon: Chronicles of History and Worship. Orthodox Reflections on Chronicles, 2 Chapter 11.

[102] On Psalm 143 (142).

[103] On Psalms 143.

[104] Celine Mangan, P. 94.

[105] In loan. hom 25.

[106] Celine Mangan, P. 96.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

اَلأَصْحَاحُ الثَّانِي عَشَرَ - سفر أخبار الأيام الثاني - القمص تادرس يعقوب ملطي

الأصحاح العاشر - سفر أخبار الأيام الثاني - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفاسير أخبار الأيام الثاني الأصحاح 11
تفاسير أخبار الأيام الثاني الأصحاح 11