الإصحاح التاسع – تفسير رسالة كورونثوس الأولى – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: رسالة بولس الرسول الأولى إلى كورنثوس – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح التاسع

إعتاد الرسول ألاّ يقدم وصايا ما لم يختبرها في حياته، لذا إذ طالب أصحاب الضمير القوى بالتنازل عن حقوقهم في أكل لحم إن كان سيكون سبب عثرة لإخوتهم، وذلك بدافع المحبة. قَدَّمَ الرسول نفسه مثالاً في ذلك، فمع أنه رسول للمسيح بدليل: - 1) أنه رأى المسيح 2) هو بشرهم وهم عمله. إلاّ أنه لمحبته لهم تنازل عن حقوقه الرسولية فلم يتركهم ينفقوا عليه حتى لا يثقل عليهم، بل إستعبد نفسه للجميع ليربح الجميع. وبينما كان من حقه أن تكون له زوجة تخدمه، فإنه رفض ليتفرغ تماماً للخدمة. وهو هنا يرد بالمناسبة على من شكك في رسوليته قائلآً.. إنه لم يكن من تلاميذ الرب بينما كان الرب على الأرض. وهو يدافع عن رسوليته حتى يطيعوه إذ طلب منهم الإمتناع عن الأكل في الهياكل الوثنية، فعليهم أن يلتزموا بما يقوله فهو رسول للمسيح. والإمتناع عن ذلك لسببين: -.

  1. عدم إعثار الضعفاء (إصحاح 8).
  2. الأكل فيه إشتراك في مائدة الشياطين (إصحاح 10).

ومع أنه رسول فهو حر مثلهم ولكنه بحريته إمتنع حتى لا يعثر أحداً فلا يقولوا نحن أحرار نأكل في المكان الذي نريده فهو رسول ومَثَلْ لهم.

العدد 1

آية (1): -

"1أَلَسْتُ أَنَا رَسُولاً؟ أَلَسْتُ أَنَا حُرًّا؟ أَمَا رَأَيْتُ يَسُوعَ الْمَسِيحَ رَبَّنَا؟ أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ عَمَلِي فِي الرَّبِّ؟".

هنا يؤكد رسوليته، فالمسيح إختاره حين ظهر له وصار شاهداً على القيامة وأنهم كما هم أحرار فهو أيضاً حر، وبحريته قبل خدمة المسيح وتنازل عن حقوقه.

العدد 2

آية (2): -.

"2إِنْ كُنْتُ لَسْتُ رَسُولاً إِلَى آخَرِينَ، فَإِنَّمَا أَنَا إِلَيْكُمْ رَسُولٌ! لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ خَتْمُ رِسَالَتِي فِي الرَّبِّ.".

إن جاز لأحد أن يشكك في رسوليتى، فإنه لا يجوز لكم أنتم هذا لأَنَّكُمْ خَتْمُ رِسَالَتِي =.

1) فالورقة لا تصلح أن تكون مستنداً ما لم يكن عليها ختم وأنتم ختم إثبات وصحة وصدق رسوليتى، إذ تركتم الوثنية وآمنتم وصارت لكم كنيسة في كورنثوس وصارت لكم مواهب. 2) ما رأيتم فيَّ ومنى من قوات وعجائب آمنتم بواسطتها.

العدد 3

آية (3): -

"3هذَا هُوَ احْتِجَاجِي عِنْدَ الَّذِينَ يَفْحَصُونَنِي:".

هنا يوقف الرسول نفسه في محكمة ليرد على إتهاماتهم وعلى من يشكك في محبته لهم.

العدد 4

آية (4): -

"4أَلَعَلَّنَا لَيْسَ لَنَا سُلْطَانٌ أَنْ نَأْكُلَ وَنَشْرَبَ؟".

سُلْطَانٌ = حق. من هنا يوضح لهم الرسول حقوقه الرسولية، وأنهم يجب أن يتكفلوا بإعاشته، ومطالبه ليست كثيرة = نَأْكُلَ وَنَشْرَبَ. فإذا كنت قد تنازلت عن حقوقي فكيف تشككوا فيَّ فأنا لا أسعى وراء ربح ولست بمخادع.

العدد 5

آية (5): -

"5أَلَعَلَّنَا لَيْسَ لَنَا سُلْطَانٌ أَنْ نَجُولَ بِأُخْتٍ زَوْجَةً كَبَاقِي الرُّسُلِ وَإِخْوَةِ الرَّبِّ وَصَفَا؟".

أليس لنا سلطان أن نكون مثل باقي الرسل وتكون لي زوجة تخدمني وعليكم أن تعولوني وتعولوها، لكنني فضلت البتولية لأتكرس تماماً لخدمتكم. فبطرس كان متزوجاً وكذلك إخوة الرب يعقوب ويوسى ويهوذا وسمعان.

العدد 6

آية (6): -

"6أَمْ أَنَا وَبَرْنَابَا وَحْدَنَا لَيْسَ لَنَا سُلْطَانٌ أَنْ لاَ نَشْتَغِلَ؟".

كان بولس وبرنابا وحدهما يشتغلون بأيديهم حتى لا يتضايق أحد.

العدد 7

آية (7): -

"7مَنْ تَجَنَّدَ قَطُّ بِنَفَقَةِ نَفْسِهِ؟ وَمَنْ يَغْرِسُ كَرْمًا وَمِنْ ثَمَرِهِ لاَ يَأْكُلُ؟ أَوْ مَنْ يَرْعَى رَعِيَّةً وَمِنْ لَبَنِ الرَّعِيَّةِ لاَ يَأْكُلُ؟".

يتحدث الرسول عن نفسه وعن رفقائه في الخدمة كجنود للمسيح يجاهدون من أجل أن يمتد وينتشر ملكوت السموات ويقول من ذا الذي يدافع عن بلده ويُلْزَمْ بنفقة الحرب. ومثال آخر فالكنيسة هي كرم روحي يغرسه الرسول أفلا يأكل الغارس من عمل يديه، ومثال آخر يشبه نفسه به كراعٍ لنفوس رعيته، أفلا يشرب من لبن رعيته. فالكرام والراعى لهما أجرة على تعبهما. وأجرة الراعى عادة في الشرق يأخذها كمية لبن من رعيته.

الأعداد 8-9

الآيات (8 - 9): -

"8أَلَعَلِّي أَتَكَلَّمُ بِهذَا كَإِنْسَانٍ؟ أَمْ لَيْسَ النَّامُوسُ أَيْضًا يَقُولُ هذَا؟ 9فَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ مُوسَى: «لاَ تَكُمَّ ثَوْرًا دَارِسًا». أَلَعَلَّ اللهَ تُهِمُّهُ الثِّيرَانُ؟".

هذه من (تث 25: 4) ومع أن الله تهمه الثيران ويعولها لكنه يهتم بالأولى بخدامه. فكما أنه يجب أن يترك الثور وقت الدراس ليأكل مما يدرسه، على الخادم أن تلتزم رعيته بنفقاته. أَلَعَلِّي أَتَكَلَّمُ بِهذَا كَإِنْسَانٍ = ما أقوله ليس رأيي كإنسان بل هو رأى الناموس. وهو يستشهد بالناموس فالمعترضين عليه كان أكثرهم من أصل يهودي.

العدد 10

آية (10): -

"10أَمْ يَقُولُ مُطْلَقًا مِنْ أَجْلِنَا؟ إِنَّهُ مِنْ أَجْلِنَا مَكْتُوبٌ. لأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْحَرَّاثِ أَنْ يَحْرُثَ عَلَى رَجَاءٍ، وَلِلدَّارِسِ عَلَى الرَّجَاءِ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا فِي رَجَائِهِ.".

الله إهتم أن ينبه شعبه في القديم بأن يهتموا بخدامه فيقدموا لهم ما يحتاجونه لمعاشهم، كما أن الحراث والدراس يعملان على رجاء الحصول على ثمار عملهم. مُطْلَقًا = بلا شك.

العدد 11

آية (11): -

"11إِنْ كُنَّا نَحْنُ قَدْ زَرَعْنَا لَكُمُ الرُّوحِيَّاتِ، أَفَعَظِيمٌ إِنْ حَصَدْنَا مِنْكُمُ الْجَسَدِيَّاتِ؟".

فالروحيات (الكرازة بالإنجيل) لا تقارن بالجسديات. والجسديات التي يطلبها هي قوت جسده. وهكذا فالباقيات لا تقارن بالفانيات.

العدد 12

آية (12): -

"12إِنْ كَانَ آخَرُونَ شُرَكَاءَ فِي السُّلْطَانِ عَلَيْكُمْ، أَفَلَسْنَا نَحْنُ بِالأَوْلَى؟ لكِنَّنَا لَمْ نَسْتَعْمِلْ هذَا السُّلْطَانَ، بَلْ نَتَحَمَّلُ كُلَّ شَيْءٍ لِئَلاَّ نَجْعَلَ عَائِقًا لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ.".

إِنْ كَانَ آخَرُونَ شُرَكَاءَ فِي السُّلْطَانِ عَلَيْكُمْ =.

1) الولاة وجباة الضرائب 2) اليهود الذين علموكم الناموس 3) المعلمين الحقيقيين أو الكذبة. كل هؤلاء يستفيدون منكم وتدفعون لهم صاغرين. أَفَلَسْنَا نَحْنُ بِالأَوْلَى = لأننا ولدناكم في الإيمان، ولأننا نَتَحَمَّلُ كُلَّ شَيْءٍ = أنظر (2كو 11: 7 – 12) لترى ما تحمله الرسول). لكن الرسول لم يلزمهم بنفقاته حتى لا تتعوق الخدمة، مع أن هذا حقه.

العدد 13

آية (13): -

"13أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ فِي الأَشْيَاءِ الْمُقَدَّسَةِ، مِنَ الْهَيْكَلِ يَأْكُلُونَ؟ الَّذِينَ يُلاَزِمُونَ الْمَذْبَحَ يُشَارِكُونَ الْمَذْبَحَ؟".

هنا يستعمل الرسول معلوماته اليهودية. فاللاويين الذين يخدمون الهيكل يأكلون مما يقدم للهيكل. والكهنة يأكلون مما يقدم للمذبح، فهم يحصلون علي أنصبتهم من ذبائح الخطية والسلامة. هو يقول هذا حتى لا يسيء إلي من يحصل علي حقوقه من رعيته من بقية الرسل، فهم بهذا لا يخطئون.

العدد 14

آية (14): -

"14هكَذَا أَيْضًا أَمَرَ الرَّبُّ: أَنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَ بِالإِنْجِيلِ، مِنَ الإِنْجِيلِ يَعِيشُونَ.".

حتى لا يظنوا أن هذا هو تعليم العهد القديم، فها هو يستشهد بأقوال السيد المسيح = الرَّبُّ (مت 10: 10 + لو 10: 7، 8) "الفاعل مستحق أجرته".

العدد 15

آية (15): -

"15أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَسْتَعْمِلْ شَيْئًا مِنْ هذَا، وَلاَ كَتَبْتُ هذَا لِكَيْ يَصِيرَ فِيَّ هكَذَا. لأَنَّهُ خَيْرٌ لِي أَنْ أَمُوتَ مِنْ أَنْ يُعَطِّلَ أَحَدٌ فَخْرِي.".

أما أنا فلم أكتب لكم هذا حتى أحصل منكم علي أموال بل لتتشبهوا أنتم بي وتتركوا بعضاً من حقوقكم في أكل ما ذبح للأوثان، محبة للضعفاء. وأنا أخدمكم وأتعب في عمل يديَّ (أع 20: 34) لأنفق علي نفسي حتى أفتخر بكم أمام الرب. وخَيْرٌ لِي أَنْ أَمُوتَ (جوعاً وعطشاً) من أن تتعثروا إذ تنفقوا عليَّ = مِنْ أَنْ يُعَطِّلَ أَحَدٌ فَخْرِي = فخري أن يكون الكل مؤمنين وتمتلئ الكنيسة. هذا أفضل من أي أموال.

العدد 16

آية (16): -

"16لأَنَّهُ إِنْ كُنْتُ أُبَشِّرُ فَلَيْسَ لِي فَخْرٌ، إِذِ الضَّرُورَةُ مَوْضُوعَةٌ عَلَيَّ، فَوَيْلٌ لِي إِنْ كُنْتُ لاَ أُبَشِّرُ.".

أنا أحس بإلتزام في التبشير فالرب أمرني بهذا (رو 1: 14). ولن يعطلني شيء عن هذا حتى إن لم تنفقوا شيئاً عليَّ. ففي هذا مجدي الأبدي. وَيْلٌ لِي = 1) من توبيخ ضميري 2) من ضياع المكافأة السماوية. فَلَيْسَ لِي فَخْرٌ = فأنا مكلف ولا أطلب مقابل مادي لذلك، لا أفتخر بخدمتي وأطلب عنها أجراً.

العدد 17

آية (17): -

"17فَإِنَّهُ إِنْ كُنْتُ أَفْعَلُ هذَا طَوْعًا فَلِي أَجْرٌ، وَلكِنْ إِنْ كَانَ كَرْهًا فَقَدِ اسْتُؤْمِنْتُ عَلَى وَكَالَةٍ.".

لأنه إن كنت أكرز بدافع من رغبتي وبإختياري دون إضطرار بل في حرية فسيكون لي الحق في مكافأة. أما إذا كنت أكرز عن كره وإلزام كأن أمر الخدمة قد فرض علىَّ فرضاً، فأنا أباشر عملي كشخص إستؤمن على وكالة ما. علي أي الأحوال فأنا لن أكف عن الكرازة فالرب أمرني. وهنا نري نوعين من الخدام 1) من يخدم بتغصب 2) من يخدم بفرح.

المهم سواء هذا أو ذاك المهم أن يخدم. ولا يعمل عمل الرب برخاوة، فالخدمة تكليف من الله.

العدد 18

آية (18): -

"18فَمَا هُوَ أَجْرِي؟ إِذْ وَأَنَا أُبَشِّرُ أَجْعَلُ إِنْجِيلَ الْمَسِيحِ بِلاَ نَفَقَةٍ، حَتَّى لَمْ أَسْتَعْمِلْ سُلْطَانِي فِي الإِنْجِيلِ.".

فَمَا هُوَ أَجْرِي = الرسول يشرح في 17، 18 أنه لا ينتظر عائداً أو أجراً علي خدمته منهم، فهو مستأمن علي رسالة ومسئولية، وهو سعيد بأنه يعمل مع المسيح لمجده ولإنتشار ملكوته. وربما هم يتعجبون سائلين... وما هو أجره؟ أو ما هو الذي ينتظره من تعبه؟.. هو إنتشار الإنجيل. وهذا ما قاله في (19) لأربح الكثيرين إستعبدت نفسي للجميع.

العدد 19

آية (19): -

"19فَإِنِّي إِذْ كُنْتُ حُرًّا مِنَ الْجَمِيعِ، اسْتَعْبَدْتُ نَفْسِي لِلْجَمِيعِ لأَرْبَحَ الأَكْثَرِينَ.

الرسول ضحي بكل شيء حتى أنه مثلاً لا يثور لكرامته = اسْتَعْبَدْتُ نَفْسِي هو يقدم خدماته ولا يطلب شيء كأنه عبد ليكسب الجميع، وهذا هو المسيحي الخادم. فلنحرص في معاملة الآخرين ألاّ نطلب حقوقنا بل نكسب نفوس الآخرين.

العدد 20

آية (20): -

"20فَصِرْتُ لِلْيَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لأَرْبَحَ الْيَهُودَ. وَلِلَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ كَأَنِّي تَحْتَ النَّامُوسِ لأَرْبَحَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ.".

قطعاً ليس المقصود علي حساب ضميره وعقيدته، بل هو يكلم كل واحد بلغة يفهمها، يظهر محبته لليهود محترماً الناموس فيما لا يتعارض مع المسيحية، لذلك ختن الرسول تلميذه تيموثاوس، حتى يستطيع الخدمة وسط اليهود، وأوفي النذور وحلق شعره. والرسول لا يدعو للتلون، بل أنه علينا أن نكلم كل واحد بالأسلوب الذي يلائمه. حبه للناس جعله يعمل هذا ليجتذبهم للإيمان. فكان من غير المعقول أن يكلم اليونانيين من الناموس وهم لا يعلمون عنه شيئاً. إنما حين كلمهم إستشهد بشعر قاله شاعرهم المشهور أبيمينيدس "لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد. كما قال بعض شعرائكم أيضاً لأننا أيضاً ذريته" (أع 17: 28). ولكن لماذا التكرار؟ فَصِرْتُ لِلْيَهُودِ... وَلِلَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ. لأن هناك يهود آمنوا بالمسيح وتحرروا من الناموس. لكل واحد لغة يكلمه بها.

العدد 21

آية (21): -

"21 وَلِلَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ كَأَنِّي بِلاَ نَامُوسٍ ­ مَعَ أَنِّي لَسْتُ بِلاَ نَامُوسٍ ِللهِ، بَلْ تَحْتَ نَامُوسٍ لِلْمَسِيحِ ­ لأَرْبَحَ الَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ.".

الَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ = الأمم مثلاً. فهو أظهر للأمميين أنه لا يرتبط بطقوس الناموس والتقاليد. ولكن هذا لا يمنعه من أن يلتزم بالناموس الأخلاقي، كَأَنِّي بِلاَ نَامُوسٍ = لم يلزمهم بناموس موسى، بل أظهر لهم أنه تحرر منه. نَامُوسٍ لِلْمَسِيحِ = لا يفهم من هذا أنه صار بلا قانون ولا ناموس. فالحياة مع المسيح لها إلتزاماتها وقوانينها. هو ناموس حب الله، ولا يخالف وصاياه بسبب هذا الحب (يو14: 23).

العدد 22

آية (22): -

"22صِرْتُ لِلضُّعَفَاءِ كَضَعِيفٍ لأَرْبَحَ الضُّعَفَاءَ. صِرْتُ لِلْكُلِّ كُلَّ شَيْءٍ، لأُخَلِّصَ عَلَى كُلِّ حَال قَوْمًا.".

حرصت أن أعامل الضعفاء في المعرفة والإيمان بمحبة ورفق، فهو كان مستعداً أن يمتنع عن أكل اللحم تماماً حتى لا يعثرهم، هو لا يشاركهم ضعف إيمانهم، بل هو يسايرهم بالطريقة التي لا يتعثرون بها حتى يجذبهم إلي الإيمان. خلاصة الكلام أنه علي الخادم أن يكون حكيماً في معاملة كل واحد، فليس ما يصلح لفرد يصلح لآخر. قصة: - راهب يأس من خطية إستعبدته، وكان سيترك الدير. فقال لهُ آخر نقى بلا خطية، وأنا مثلك فنفس الخطية تحاربنى، تعال نصوم ونصلي ليرحمنا الله وظل هكذا حتى ترك خطيته = صِرْتُ لِلضُّعَفَاءِ كَضَعِيفٍ.

العدد 23

آية (23): -

"23 وَهذَا أَنَا أَفْعَلُهُ لأَجْلِ الإِنْجِيلِ، لأَكُونَ شَرِيكًا فِيهِ.".

الرسول يعمل كل هذا ويخدم كل هذه الخدمة لا سعياً وراء مكسب مادي بل ليكون شريكاً في مجد وبركات الإنجيل الأبدية، أي التي وَعَدَ بها الإنجيل.

العدد 24

آية (24): -

"24أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يَرْكُضُونَ فِي الْمَيْدَانِ جَمِيعُهُمْ يَرْكُضُونَ، وَلكِنَّ وَاحِدًا يَأْخُذُ الْجَعَالَةَ؟ هكَذَا ارْكُضُوا لِكَيْ تَنَالُوا.".

هنا يستشهد بأمثلة من المباريات الرياضية 1) الجري في هذه الآية. 2) والملاكمة في آية 26. يَرْكُضُونَ = الكلمة تشير لجهاد وعرق وتعب وصراع مرير وفي هذا إشارة لخدمة بولس وجهاده في الكرازة، وهو يركض ليحصل علي إكليل المجد = الْجَعَالَةَ = هي مكافأة الفوز. وهذا الكلام موجه لكل واحد منا. فالحياة الروحية ليست هي حياة الكسل والخمول والتخاذل. ولكن هناك فرق بين السعي في ميدان الرياضة وفي الميدان الروحي، ففي الأول يأخذ المكافأة شخص واحد هو البطل وربما إثنين. أما في المجال الروحي فكل من يجاهد يحصل علي المكافأة، جميعنا مدعوون للحصول علي الإكليل ولكن هناك درجات في السماء لمن يجاهد أكثر "فنجماً يمتاز عن نجم في المجد" (1كو 15: 41).

العدد 25

آية (25): -

"25 وَكُلُّ مَنْ يُجَاهِدُ يَضْبُطُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. أَمَّا أُولئِكَ فَلِكَيْ يَأْخُذُوا إِكْلِيلاً يَفْنَى، وَأَمَّا نَحْنُ فَإِكْلِيلاً لاَ يَفْنَى.".

يَضْبُطُ نَفْسَهُ = رياضياً، فاللاعبون كانوا يمتنعون عن الطعام والشراب ويلتزمون بنظام صعب ليحافظوا علي أوزانهم. ويمتنعون عن المعاشرات الجنسية حتى لا يستهلكوا قواهم، وروحياً مطلوب الصوم والجهاد في الصلاة والخدمة ومراقبة حواس الجسد من الطياشة في الخطية وغصب الإرادة علي السير في الطريق الصحيح، (2تي 2: 5 + 4: 7، 8). إِكْلِيلاً يَفْنَى = كانوا يضعون علي رأس الفائز إكليل من نباتات، وكان هذا يفني بعد يوم أو يومين.

العدد 26

آية (26): -

"26إِذًا، أَنَا أَرْكُضُ هكَذَا كَأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ غَيْرِ يَقِينٍ. هكَذَا أُضَارِبُ كَأَنِّي لاَ أَضْرِبُ الْهَوَاءَ.".

كَأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ غَيْرِ يَقِينٍ = ففي المجال الرياضي آلاف يركضون وواحد فقط يأخذ الإكليل. أمّا نحن المؤمنين فكل من يجاهد يأخذ إكليل، هذا عن يقين. والمعني أنه عليكم أن تتمثلوا بي فأنا إذ أجاهد وأركض فأنا أعرف ما هو الهدف الذي أسعي وراءه وأعرف الكيفية والوسيلة التي أحقق بها الجعالة، أي أنني لا أجاهد باطلاً كمن يضرب الهواء = هكَذَا أُضَارِبُ كَأَنِّي لاَ أَضْرِبُ الْهَوَاءَ = أضارب الهواء هو مثل يشير للملاكم الذي يخطئ الهدف، بسبب مهارة الملاكم المنافس الذي يفلت من ضربات خصمه. وبهذا تتبدد قواه في الهواء وليس ضد الخصم. أما نحن ففي جهادنا نسدد ضربات حقيقية لإبليس بقيادة ومعونة وإرشاد الروح القدس فأنا أعرف أنني أحارب أعداء حقيقيين (أف 6: 11، 12) وهم ليسوا خيال أو وهم. ولذلك إستخدم الرسول ألفاظ أضارب وأصارع، فلا هوادة في هذه الحرب بل علينا بالسهر فخصمنا إبليس كأسد زائر (2بط 5: 8، 9). وأعداءنا هم إبليس والعالم والجسد. في مجال الألعاب الرياضية هناك من يبذل جهداً ولا يفوز ولكن في المجال الروحي كل من يبذل جهداً يحصل علي إكليل لا يفني.

العدد 27

آية (27): -

"27بَلْ أَقْمَعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ، حَتَّى بَعْدَ مَا كَرَزْتُ لِلآخَرِينَ لاَ أَصِيرُ أَنَا نَفْسِي مَرْفُوضًا.".

هنا نجد الرسول يطبق علي نفسه ما قاله في (غل 2: 20) "مع المسيح صلبت فأحيا..." فنراه يفعل ما يفعله الرياضي، ويجاهد ويضبط نفسه في كل شيء، وهذا كما قلنا يكون بالإنقطاع عن الطعام والشراب والجنس للرياضيين، أمّا بالنسبة للرسول ولحياتنا الروحية فعلينا أن نقمع أهواء الجسد ونصلب الأهواء والشهوات (غل 5: 24) في أصوام، في سهر، في مطانيات، في خدمة، صالبين أهواء الجسد كالزنا والطمع والحسد فهذه تميت الحياة الروحية. إذاً علي الجسد أن يكون خاضعاً للروح. لقد شعر الرسول بالرغم من كل كرازته أن نصيبه السماوي أو إكليله معرض للضياع إن لم يقمع جسده ويستعبده ويضبط نفسه ويقمع شهواته. إذاً الحياة الروحية هي جهاد متواصل لئلا يفقد المؤمن المتواني ما سبق وكسبه. والرسول يذكر هذا لئلا يظن السامعون أن الرسول يفتخر متكبراً بسبب التنازلات التي ذكرها لأجل الخدمة، لذلك يؤكد أنه لا يضمن شيء بل هو يصارع ويجاهد حتى النفس الأخير.

تأمل: - إذا ثار الجسد ضد الإرادة وطلب لذته يصبح أخطر عدو للإنسان، فهو بهذا يرفض الخضوع لتوجيهات الروح. ومن لا يركب جسده سيركبه جسده، ومن لا يذل جسده سيذله جسده. إن كنت تريد أن تنتصر علي عدو في خندق حصين، إقطع عنه الإمدادات، هذه فائدة الصوم والمطانيات والجهاد في الصلاة والخدمة، وإعتبار الجسد ميتاً أمام شهواته.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الإصحاح العاشر - تفسير رسالة كورونثوس الأولى - القمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الثامن - تفسير رسالة كورونثوس الأولى - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير رسالة كورونثوس الأولى الأصحاح 9
تفاسير رسالة كورونثوس الأولى الأصحاح 9