المزمور السابع عشر – سفر المزامير – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر المزامير – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

المزمور السابع عشر

رنم داود بهذه الصلاة الرائعة في فترة من حياته كان فيها مضطهداً وهو برئ فكان رمزاً للمسيح البرئ وقد أحاط به أعداؤه من كل جانب. وحينما يتكلم داود عن براءته فالموضوع نسبي فهو برئ من التهم التي لفقها له أعداؤه، أما في خطايا أخرى فهو بالتأكيد قد سقط. أما المسيح فهو برئ براءة مطلقة من كل خطية.

من هذا المزمور يتعلم كل منا كيف يصلي وهو في ضيقة أو وهو شاعر بظلم الآخرين له، فنخرج من الصلاة شاعرين بأننا في حماية الله فنطمئن، بل نتحول إلى صورة الله، نتشبه بالمسيح، ونتحول إلى صورته، فنحتمل في تسليم والقلب مملوء سلاماً.

الأعداد 1-2

آية (1): -

"1اِسْمَعْ يَا رَبُّ لِلْحَقِّ. أَنْصِتْ إِلَى صُرَاخِي. أَصْغِ إِلَى صَلاَتِي مِنْ شَفَتَيْنِ بِلاَ غِشٍّ.".

نرى فيها اللجاجة، داود يصلي ويصرخ لله بثقة فهو لا يجد سواه ملجأ يثق فيه مِنْ شَفَتَيْنِ بِلاَ غِشٍّ = هذا شرط للصلاة المقبولة، فكيف يقبل الله صلواتنا ونحن نصلي برياء، أو بقلب حاقد، أو قلب شهواني. وداود كان بريئاً مما يتهمونه به. ولكن الوحيد الذي بلا خطية هو المسيح ولذلك فشفاعته الكفارية مقبولة، أى أن يموت نيابة عن البشر أما من له خطية لا يمكنه فداء أحد فهو يموت عن خطاياه هو. ونحن إذا صلينا بهذه الكلمات فلنفهم أن برنا الذاتي لا يبررنا بل نحن مبررين في دم المسيح.

العدد 3

آية (3): -

"3جَرَّبْتَ قَلْبِي. تَعَهَّدْتَهُ لَيْلاً. مَحَّصْتَنِي. لاَ تَجِدُ فِيَّ ذُمُومًا. لاَ يَتَعَدَّى فَمِي.".

جَرَّبْتَ قَلْبِي. تَعَهَّدْتَهُ لَيْلاً.. لاَ تَجِدُ فِيَّ ذُمُومًا = ربما قصد المرتل أن يقدم قلبه أمام الله ليكتشف الله نقاوته وأنه لا يحمل حقداً ولا غشاً. والليل وقت الهدوء، بعيداً عن الانشغال بكلام الناس وعن الانشغال بالعالم، هناك يرى الله اشتياقاته المقدسة له. ولكن الأقرب لأفكار داود المنسحق والمتألم أن جَرَّبْتَ تشير لامتحان الذهب بالنار فيتنقى. وهذا ما يسمح به الله لأولاده فهو يجربهم ببعض التجارب لتنكشف أمام أعينهم حقيقة ما يدور في قلوبهم فيندمون ويبدأوا طريق التوبة. والليل هنا يشير لوقت التجارب، والليل أيضا يشير للخطية، ولكن داود يقول أن الله تعهده بالتجارب حتى تنقى قلبه من هذه الخطايا. وحينما يتنقى الإنسان لا يجد الله فيه ذموماً = أى شر يستحق أن يُذَّمْ بسببه، وهذه فائدة التجارب. ونرى نتيجة التمحيص أي التنقية = لاَ يَتَعَدَّى فَمِي. هو يقتل كلمات الشر فيتنقى قلبه بالتالي. بل نجد داود بهذا المفهوم يطلب أن يجربه الله أى يجعله يتعرض لبعض الألام ليزداد فى النقاوة "جرِّبنى يا رب وإمتحنى، صفِّ كُلْيتىَّ وِقلبى" (مز26: 2). وجاءت الآية فى السبعينية "أبلنى يا رب وجربنى. نَقِّ قلبى وكُلْيتَىَّ".

العدد 4

آية (4): -

"4مِنْ جِهَةِ أَعْمَالِ النَّاسِ فَبِكَلاَمِ شَفَتَيْكَ أَنَا تَحَفَّظْتُ مِنْ طُرُقِ الْمُعْتَنِفِ.".

كما تحفظ المرنم على أقواله، نجده هنا يتحفظ في أعماله، ولا يعمل عملاً إلا لو كان بحسب وصايا الله = كَلاَمِ شَفَتَيْكَ. فهو يريد أن يسلك في حياته حسب مشيئة الله.

العدد 5

آية (5): -

"5تَمَسَّكَتْ خُطُوَاتِي بِآثارِكَ فَمَا زَلَّتْ قَدَمَايَ.".

لقد سلك المرنم الطريق الضيق، طريق الوصية، التي من يسلك فيها لا تزل قدماه.

العدد 6

آية (6): -

"6أَنَا دَعَوْتُكَ لأَنَّكَ تَسْتَجِيبُ لِي يَا اَللهُ. أَمِلْ أُذُنَيْكَ إِلَيَّ. اسْمَعْ كَلاَمِي.".

نرى هنا ثقة المرنم في استجابة الله. وهذا شرط للصلاة المستجابة أى الثقة في الله.

العدد 7

آية (7): -

"7مَيِّزْ مَرَاحِمَكَ، يَا مُخَلِّصَ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْكَ، بِيَمِينِكَ مِنَ الْمُقَاوِمِينَ.".

مَيِّز = المعنى كما جاء فى الترجمة الإنجليزية "إظهر يا رب مراحمك المميزة لمن إتكلوا عليك" فمراحم الله مميزة وتلاحظها كل عين وخاصة للإنسان المتكل عليه. ويسهل تمييز أعمال رحمة الله.

العدد 8

آية (8): -

"8احْفَظْنِي مِثْلَ حَدَقَةِ الْعَيْنِ. بِظِلِّ جَنَاحَيْكَ اسْتُرْنِي".

الله يحفظنا كحدقة العين (زك8: 2). فالجفون تحمي العين عند أي خطر. بل أن الله يحفظنا لأن من يمس أولاده كمن يمس عينه. وبظل جناحيه يسترنا (مت37: 23).

العدد 9

آية (9): -

"9مِنْ وَجْهِ الأَشْرَارِ الَّذِينَ يُخْرِبُونَنِي، أَعْدَائِي بِالنَّفْسِ الَّذِينَ يَكْتَنِفُونَنِي.".

أَعْدَائِي بِالنَّفْسِ = أي الذين يدفعونني للخطية ولأن أبتعد عن الله. وكلمة أعدائي بالنفس تترجم أعدائي القتلة فهناك قتل روحي.

العدد 10

آية (10): -

"10قَلْبَهُمُ السَّمِينَ قَدْ أَغْلَقُوا. بِأَفْوَاهِهِمْ قَدْ تَكَلَّمُوا بِالْكِبْرِيَاءِ.".

لقد أغلقوا قلوبهم لقساوتها فما عادوا يسمعون أي كلمة أو فعل رحمة ومحبة. وهم مملوءون كبرياء وغطرسة. وهكذا أحاط الأعداء بالمسيح ليفترسوه كالأسود.

الأعداد 11-12

الآيات (11 - 12): -

"11فِي خُطُوَاتِنَا الآنَ قَدْ أَحَاطُوا بِنَا. نَصَبُوا أَعْيُنَهُمْ لِيُزْلِقُونَا إِلَى الأَرْضِ. 12مَثَلُهُ مَثَلُ الأَسَدِ الْقَرِمِ إِلَى الافْتِرَاسِ، وَكَالشِّبْلِ الْكَامِنِ فِي عِرِّيسِهِ.".

راجع (1بط8: 5).

العدد 13

آية (13): -

"13قُمْ يَا رَبُّ. تَقَدَّمْهُ. اِصْرَعْهُ. نَجِّ نَفْسِي مِنَ الشِّرِّيرِ بِسَيْفِكَ،".

الله له سيوف كثيرة يستخدمها ضد أعدائه وأعداء كنيسته، تبدأ بسيف كلمته لعلهم يتوبون وتنتهي بالسيف الحقيقي أي نهاية حياتهم بالجسد على الأرض لمن لا يتوب. وهنا المرنم يلجأ إلى الله ليعينه إذ أدرك بطلان كل معونة بشرية.

العدد 14

آية (14): -

"14مِنَ النَّاسِ بِيَدِكَ يَا رَبُّ، مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا. نَصِيبُهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ. بِذَخَائِرِكَ تَمْلأُ بُطُونَهُمْ. يَشْبَعُونَ أَوْلاَدًا وَيَتْرُكُونَ فُضَالَتَهُمْ لأَطْفَالِهِمْ.".

من الناس = هذه عائدة على الآية السابقة، ويعنى "نَجِّ نَفْسِي من الناس = الشرير.

مِنَ النَّاسِ بِيَدِكَ يَا رَبُّ = هناك من الناس الذين خلقتهم أنت يا رب بيدك، لكنهم إنفصلوا عنك وإختاروا أن يكونوا من أهل الدنيا، بينما أنك أفضت عليهم من خيراتك.

عداوة الأشرار وعنفهم ليس عن إحتياج، فالله لم يحرمهم من عطاياه الأرضية "فهو يشرق بشمسه على الأبرار والأشرار". وهم يعيشون في ترف وبطونهم مملوءة من خيرات الله ويتركون فضلاتهم لأطفالهم. وقد تعني يتركون فضلاتهم لأطفالهم أن شرورهم تبقى ميراثاً لأطفالهم "دمه علينا وعلى أولادنا".

العدد 15

آية (15): -

"15أَمَّا أَنَا فَبِالْبِرِّ أَنْظُرُ وَجْهَكَ. أَشْبَعُ إِذَا اسْتَيْقَظْتُ بِشَبَهِكَ.".

الإنسان المتكل على الله ينجو من بطش الشرير، فالأشرار ينتهون، ولكن البار يستيقظ أي يقوم بعد موته ويعاين وجه الرب (في21: 3 + 1يو2: 3). بل كل من يصلي بإيمان لن يحرم من التمتع برؤية الله، إن كان قلبه نقياً كما جاء في أول المزمور. أَمَّا أَنَا فَبِالْبِرِّ أَنْظُرُ وَجْهَكَ = وجه الآب هو الإبن الذي خبَّرنا عن الآب (يو1: 18) وبه ندخل للأحضان الأبوية. والأبرار أنقياء القلب يعاينون الله. فكل من يحيا بالبر يرى الإبن الذي هو وجه الآب. ويرى هنا ليست الرؤية السطحية بل معناها يراه بقلبه رؤية المعرفة، وهذه المعرفة هي التي تشبع = أَشْبَعُ إِذَا اسْتَيْقَظْتُ بِشَبَهِكَ وهذه الأخيرة لها ترجمتين بالإنجليزية.

When I awake I shall be satisfied with beholding thy form. (Revised) وترجمتها... حينما أستيقظ أشبع بالتأمل في شكلك وهيئتك وصورتك.

I shall be satisfied when I awake in your likeness (Kjv).

وترجمتها... أشبع حينما أستيقظ بشبهك كما جاءت في ترجمة بيروت.

وكلا الترجمتين يتكاملان. فالأولى تكلمنا عن الشبع بالتأمل في المسيح الذي هو صورة الآب، فلاحظ أن داود كان يكلم الله، الذي رأينا صورته في المسيح "من رآني فقد رأى الآب". والثانية تشير لكل من يقدم توبة ويستيقظ من نوم الغفلة، غفلة موت الخطية (أف14: 5)، فيأخذ شكل المسيح (غل19: 4). ولاحظ أن من يستيقظ يستطيع أن يرى المسيح كلمة الله بالتأمل في الكتاب المقدس كلمة الله، ولاحظ قول بولس الرسول "أيها الغلاطيون.. الذين أمام عيونكم قد رُسِم يسوع المسيح بينكم مصلوباً" (غل1: 3).

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

المزمور الثامن عشر - سفر المزامير - القمص أنطونيوس فكري

المزمور السادس عشر - سفر المزامير - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير سفر المزامير الأصحاح 17
تفاسير سفر المزامير الأصحاح 17