المَزْمُورُ الحَادِي وَالخَمْسُونَ – سفر المزامير – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر المزامير – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

المزمور الحادي والخمسون (الخمسون) حسب الأجبية

هو أشهر مزامير التوبة. وهو ملازم في الكنيسة القبطية لصلاة الشكر فيعطي حياة روحية متوازنة. ففي صلاة الشكر نسبح ونشكر الله على عطاياه ثم نصلي هذا المزمور فنذكر كل خطايانا ونطلب الرحمة. وبذلك لا نندفع في إتجاه دون الآخر.

وقد رتل داود هذا المزمور بعد إن إكتشف على يد ناثان النبي بشاعة خطيته مع بثشبع. وحقاً فالله رحيم لكنه يرحم من هو مستعد لقبول الرحمة بأعماله وتوبته مثلما فعل داود. إن داود حين إقتنع بأنه أخطأ لم يقدم تبريرات لما صدر منه ولكنه إنسحق وتاب. ومن يندم على خطيته ندامة حقيقية لا يخجل من أن يعترف بها. وصلاة هذا المزمور تشبه صلاة العشار الخاطئ التي علمها لنا السيد المسيح "اللهم ارحمني أنا الخاطئ" (لو13: 18).

  1. هذا المزمور نصليه في بداية كل صلاة بالأجبية.
  2. مع صلاة الشكر نصلي هذا المزمور دائماً فيعطي توازناً في المشاعر الروحية. ولا يمكن لمن يصلي أن يبدأ صلاته دون أن يشكر الله على عطاياه ويعترف بحاجته للمراحم الإلهية.
  3. بهذا المزمور تقدم لنا الكنيسة منهجاً صادقاً للتوبة.
  4. حينما نصلي به مراراً نتحذر لئلا نتهاون مع الخطية. فداود لم يسقط في خطيته وهو يحارب بل وهو متهاون، جالساً فوق سطح قصره متأملاً في العالم ناسياً مزاميره. بينما أنه حين كان هارباً من شاول، أو بينما كان يحارب مدافعاً ضد أعداء وطنه لم نسمع عن أي خطية في حياته.

ونرى في هذا المزمور توبة وإنسحاق ثم تسبيح وتمتع بأورشليم العليا حيث يَشتَّم الله حياتنا كرائحة بخور زكية وكمحرقات مبهجة تكون موضع سروره، هنا يشعر الخاطئ بأن الله قبل توبته فيتعزى. فالله لا يترك الخاطئ حتى ييأس، فاليأس يعني موت أكيد.

الأعداد 1-2

الآيات (1 - 2): -

"1اِرْحَمْنِي يَا اَللهُ حَسَبَ رَحْمَتِكَ. حَسَبَ كَثْرَةِ رَأْفَتِكَ امْحُ مَعَاصِيَّ. 2اغْسِلْنِي كَثِيرًا مِنْ إِثْمِي، وَمِنْ خَطِيَّتِي طَهِّرْنِي.".

اِرْحَمْنِي = لا توجد كلمة نرددها بكثرة في صلواتنا في الكنيسة قدر هذه الكلمة. فطلب مراحم الله هو المدخل الوحيد الذي ندخل به في صلواتنا أمام الله. وتعني هذه الكلمة أنني خاطئ ومعترف بخطيتي وليس لي يا رب سوى باب واحد أدخل به إليك وهو مراحمك. وهو قبل أن يذكر خطاياه يطلب المراحم "كرحمتك يا رب وليس كخطايانا" ويُذَكِّر الله بعظيم رحمته. والله لا يحتاج أن يذكره أحد إنما قولنا أذكر يا رب كذا وكذا... أننا نثق يا رب فى وعودك ومحبتك ورحمتك وأنك سترحم وتعمل معنا كما عملت من قبل. ورحمتك يا رب هى التي تقبل أن تغفر كل الخطايا لكل الناس في كل العصور. ويطلب أن يمحو الله إثمه مثل كثرة رأفته وتحننه وعطفه وطيبة قلبه. فإن لم يمح الرب إثم إنسان سيمحي اسمه من سفر الحياة. ولنلاحظ أن هناك عقوبتان فالله سامح داود على خطيته وبذلك لن تكون هناك عقوبة أبدية وهلاك. ولكن هناك عقوبة أرضية "لا يفارق السيف بيتك" وهذه كانت لتنقية قلب داود تماما فيعود قلبه نقيا كما كان.

اغْسِلْنِي = فالخطية قذارة تحتاج إلى غسيل (رؤ14: 7) وتطهير. وحتى أبسط خطية نرتكبها باللسان تنجس الإنسان (مت11: 15). ونلاحظ أن البار يشعر بثقل خطيته أما الشيطان فيقلل من قدر الخطية. وكانت هناك غسلات وتطهيرات في العهد القديم مبنية على دم الذبائح لكل خطية وكل نجاسة. أما في العهد الجديد فنحن نتطهر بدم المسيح عن طريق غسل المعمودية والتوبة والإعتراف ونلاحظ أنه حين طلب الرحمة لم يشر لأعماله العظيمة لأجل الله سابقاً بل إلى رحمة الله العظيمة.

إثمى = كلمة إثم تعنى أى خطأ يصنعه الإنسان تجاه الله أو البشر.

خطيتى = كلمة خطية فى أصلها اللغوى تعنى عدم إصابة الهدف وبالتالى ضياع المكافأة "الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله" (رو3: 23). وهدف الإنسان يجب أن يكون إرضاء الله الديان العادل، وحينئذٍ تكون المكافأة مجد وأفراح الأبدية. فمن يخطئ هو من يكون هدفه إرضاء شهوته غير عابئ بإرادة الله.

العدد 3

آية (3): -

"3لأَنِّي عَارِفٌ بِمَعَاصِيَّ، وَخَطِيَّتِي أَمَامِي دَائِمًا.".

اعتراف بالخطية والضعف، والله يطلب هذا الاعتراف. خَطِيَّتِي أَمَامِي دَائِمًا = من يتذكر خطاياه دائماً يخجل وبخجله يندم وبندمه يحترس من السقوط ثانية وباحتراسه يأخذ مغفرة. يقول القديس الأنبا أنطونيوس "إن ذكرنا خطايانا ينساها لنا الله، وإن نسينا خطايانا يذكرها لنا الله". وحينما نقول في القداس "ومن تذكار الشر الملبس الموت" أي لا نذكر شهوات الخطايا السابقة فنشتاق إليها ثانية كما اشتهى الشعب الكرات والبصل في سيناء بل نذكر أننا أحزننا قلب الله وننسحق، وأيضا يكون تذكار الشر ملبس للموت لو دخلنا فى حالة يأس من رحمة الله الغافرة. لكن لنذكر خطايانا ونشكر الله ونسبحه على الدم الغافر.

فهناك تذكار الشر بطريقتين يقودان للموت 1) إثارة الشهوة مرة أخرى 2) اليأس.

وهناك فائدتين لتذكار الشر يقودان للحياة 1) تسبيح الله على الفداء 2) التواضع.

العدد 4

آية (4): -

"4إِلَيْكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ، وَالشَّرَّ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ صَنَعْتُ، لِكَيْ تَتَبَرَّرَ فِي أَقْوَالِكَ، وَتَزْكُوَ فِي قَضَائِكَ.".

كل خطية هي موجهة ضد الله. فجسدنا هو ملك للرب وهكذا جسد من أخطأنا إليه. بل كل منا على صورة الله فكيف نهين صورة الله. والله وهبنا الكثير فنذكر هنا أننا أخطأنا ضد من أحبنا ووهبنا الكثير. لقد وهبنا الله كل وسائط النعمة التي بها نغلب ومع هذا سقطنا وخالفنا شريعة الله، وأخطأنا إليه. ربما لم يعرف أحد خطيتنا ولكن الله رآها فهو فاحص القلوب والكلي. وحين رأي الله حزِن وهذا ما أحزن داود. وقوله إذا حوكمت (فى الترجمة السبعينية) أي متى ناقشتك من جهة أحكامك (إر1: 12)، وكيف أتبرر وأنت فاحص القلوب ولقد ضبطتني ورأيت خطيتي.

لِكَيْ تَتَبَرَّرَ فِي أَقْوَالِكَ وَتَزْكُوَ فِي قَضَائِكَ = كل أحكام الله هي بر، وقد نرفض تنفيذ وصاياه ولكن سيتبين لنا بعد ذلك أن كل أقوال الله صادقة وحق وهي لصالحنا، ومن ينفذها يستريح ويحيا في سلام هنا على الأرض وله راحة أيضاً ومجد في الأبدية، أما من يرفض في كبرياء سماع وصايا الله فلن يجد راحة على الأرض ولن يقدر على مواجهة الله في الدينونة. تَزْكُوَ فِي قَضَائِكَ جاءت في الإنجليزية blameless in thy judgment وفي ترجمة أخرى جاءت blameless when you judge. فلن يقدر أحد أن يوجه لوم إلى الله في أي حكم من أحكامه. فعقوباته على الأرض كانت للتنقية ولإعدادنا للسماء، وفي الدينونة سنجد أن الله قد عمل معنا كل شئ يقودنا للخلاص، ونحن الذين رفضنا مشيئاته وتذمرنا عليه، ولن يستطيع أحد أن يلومه على أحكامه سواء هنا على الأرض وما حدث لحياتنا على الأرض أو يلومه على دينونتنا وأننا لم نأخذ فرصتنا، فلسوف نكتشف أن الله قد عمل كل شئ ممكن لخلاصنا ونحن بحريتنا قد رفضنا.

العدد 5

آية (5): -

"5هأَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي.".

الخطية لها جذورها في طبيعتي البشرية، فأنا ذو طبيعة فاسدة (الخطية الأصلية) هذا تقرير للحالة وليس تبرير للخطية. ولهذا نحتاج كلنا لغسل المعمودية.

العدد 6

آية (6): -

"6هَا قَدْ سُرِرْتَ بِالْحَقِّ فِي الْبَاطِنِ، فَفِي السَّرِيرَةِ تُعَرِّفُنِي حِكْمَةً.".

Behold, you desire truth in the inward parts, and in the hidden part you will make me to know wisdom.

هَا قَدْ سُرِرْتَ بِالْحَقِّ فِي الْبَاطِنِ = حيث أنك يا رب تحب أن تكون قلوبنا يملأها السرور والبحث عن الحق بأمانة. فَفِي السَّرِيرَةِ تُعَرِّفُنِي حِكْمَةً = علمني يا رب أسرار حكمتك.

فأنا لم أخطئ عن جهل، لأنك كشفت لي كل شئ في شريعتك وفي الضمير الذي وهبتني إياه، لم يعد شيئاً مخفياً أمامي عما تريده فماذا أقول الآن؟! وحينما تناسيت وصاياك وسقطت جاء ناثان وذكرني، فأنت لا تتركني أبداً، فيا رب علمني وعرفني دائما حتي أرضيك.

العدد 7

آية (7): -

"7طَهِّرْنِي بِالزُّوفَا فَأَطْهُرَ. اغْسِلْنِي فَأَبْيَضَّ أَكْثَرَ مِنَ الثَّلْجِ.".

ولكن إن علمتني وعرفتني أسرار حكمتك، فسأظل عاجزا عن تطهير نفسي فطهرني أنت يا رب. ولكن لا تطهير سوي بدم المسيح. والزوفا نبات كانوا يغمسونه في دم الذبيحة ويرشون بها للتطهير "فبدون سفك دم لا تحدث مغفرة" (عب22: 9). ولا غفران سوى بدم المسيح (1يو7: 1). وهذا الدم يبيض (رؤ14: 7). أي يمحو الخطية تماماً. والزوفا نبات صغير وضعيف جداً فهو يشير للمسيح في اتضاعه. وكانوا فى تطهير البرص يذبحون عصفورا على ماء حى ويرشون بالزوفا على الأبرص من الدم والماء (لا14: 6، 51، 52). وكان الماء رمزا للمعمودية، ونحن نغتسل بالمعمودية للخلاص. وقد خرج من جنب المسيح دم وماء بعد موته على الصليب. وحين صارت ثياب المسيح كالثلج في التجلي كان هذا إعلاناً عن الكنيسة المتطهرة بدمه (أف27: 5).

العدد 8

آية (8): -

"8أَسْمِعْنِي سُرُورًا وَفَرَحًا، فَتَبْتَهِجَ عِظَامٌ سَحَقْتَهَا.".

الخطية عقوبتها فيها بمعني أن أي خطية لها أثارها المدمرة للإنسان نفسا وجسدا وروحا. والله حين منعنا عن أي خطية فهو منعنا ليحمينا من هذه الأثار المدمرة. والله لايحمينا من أثار الخطية هذه، حتي نشعر بها وننسحق فلا نعود للخطية ثانية. ويصاحب هذه الأثار عدم رضا الله، وعدم الرضا هذا ينعكس علي الخاطئ فيفقد سلامه وفرحه. وداود خلال إنسحاقه وألامه إرتجفت عظامه، وفقد سروره وفرحه. وهو هنا يطلب من الله أن يغفر ويرضي عليه فيعود له السرور والبهجة، وبقدر الإنسحاق يكون السرور. فالله يسكن عند المتواضع القلب والمنسحق (إش 57: 15) فالخطية تبلي العظام والتوبة تقيم الإنسان الجديد. فَتَبْتَهِجَ عِظَامٌ سَحَقْتَهَا = أما الترجمة "فتبتهج عظامي المتواضعة" فترجمة غير دقيقة. وفي العظام المنسحقة نرى توبة وحزن على الخطية وإنسحاق. وقد لا يعطي الله هذا الشعور بسرعة لأن ما نناله سريعاً نفقده سريعاً. وذلك لأننا لم نتعب فيه. ولذلك فقد يترك الله الخاطئ التائب في أحزانه فترة. وقوله عظامي المنسحقة، لا يقصد عظام الجسد بل إنسحاق النفس. وبقدر ما تكون التوبة صادقة، فسريعا ما يعود السرور والفرح للإنسان.

العدد 9

آية (9): -

"9اسْتُرْ وَجْهَكَ عَنْ خَطَايَايَ، وَامْحُ كُلَّ آثامِي.".

هنا يذكر الوسيلة التي تبتهج بها عظامه (وتستمر الوسيلة حتى الآية11) وحتى لا يصرف الله وجهه عن الإنسان فليصلي الإنسان أن يصرف الله وجهه عن خطاياه. كل خطاياه، فلو بقيت خطية لما صرت مقبولاً. والتوبة هي الطريق الوحيد الذي به ينسى الله خطايانا.

العدد 10

آية (10): -

"10قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي.".

قَلْبًا نَقِيًّا = هي طلبة لكي يطهره الله من كل فكر نجس. ونحن بدون معونة من الله لن نقدر أن نحيا في نقاوة. وبدون نقاوة ستظل خطايانا أمام الله. وقوله إخلق هذا يعني أنه يطلب قلب جديد وخليقة جديدة لا علاقة لهما بالماضي. ويطلب رُوحاً مُسْتَقِيماً = أي إصلاح كل الداخل وليس مجرد التصرفات الخارجية، إذاً هو يطلب عمل روح الله فيه الذى يجدد طبيعتنا. جَدِّدْ = اليهود كانوا يسمون المياه إمّا.

1) مياها حية = وهي المياه الجارية كالنهر، وهذه تأخذ معها في جريانها أي قاذورات في مجري الماء فيتجدد الماء بإستمرار ويتنقى.

2) مياه ميتة = وهي المياه الراكدة والمملوءة قاذورات، وهذه من يشرب منها فبالتأكيد سوف يموت.

والمياه الحية التي نشرب منها، كما فهمنا من حديث السيد المسيح مع السامرية (يو4) + (يو7: 37 – 39) هي الروح القدس الذي أرسله السيد المسيح لنتوب وتتجدد طبيعتنا، ويثبتنا في المسيح فنصير خليقة جديدة فنحيا (2كو5: 17).

العدد 11

آية (11): -

"11لاَ تَطْرَحْنِي مِنْ قُدَّامِ وَجْهِكَ، وَرُوحَكَ الْقُدُّوسَ لاَ تَنْزِعْهُ مِنِّي.".

هو يعترف أنه بخطيته قاوم روح الله الذي يدعو للتوبة ولكنه يصلي حتى لا ينزع الله الروح القدس منه، فالروح القدس هو الذي ينقي القلب. ونزع الروح معناه قطع الصلة مع الله (ربما يذكر داود هنا ما حدث لشاول الملك).

العدد 12

آية (12): -

"12رُدَّ لِي بَهْجَةَ خَلاَصِكَ، وَبِرُوحٍ مُنْتَدِبَةٍ اعْضُدْنِي.".

الخطية أفقدت المرتل التمتع بوجه الله واهب البهجة بالخلاص. ويصلي ليعيدها الله له. وَبِرُوحٍ مُنْتَدِبَةٍ = أي أنك تعطي عطايك يا رب بالكرم وبسخاء ولا تعير، بل أنت تسر بأن تعطي من تلقاء ذاتك وحتي دون ان نسأل = وهذا معني كلمة مُنْتَدِبَة. وفي الترجمة السبعينية ترجمت "وبروح رئاسي أعضدني" أي فليسود روحك القدوس علي مشاعري وعلى النفس والجسد بكل طاقاتهما ويرأس ويقود فلا أنحرف ثانية. بل يقود ويعين = اعْضُدْنِي.

العدد 13

آية (13): -

"13فَأُعَلِّمَ الأَثَمَةَ طُرُقَكَ، وَالْخُطَاةُ إِلَيْكَ يَرْجِعُونَ.".

هنا يربط المرتل بين عودته بالتوبة والشهادة للمخلص كما قال الرب لبطرس "ولكنى طلبت من أجلك لكى لا يفنى إيمانك. وأنت متى رجعت ثبت إخوتك" (لو32: 22). والشهادة هنا هي رجوعه لله وإمتناعه عن الخطية وتسبيحه لله دائماً على قبوله ثانية، والسعى مع كل نفس خاطئة ليردها لطريق الحياة.

العدد 14

آية (14): -

"14نَجِّنِي مِنَ الدِّمَاءِ يَا اَللهُ، إِلهَ خَلاَصِي، فَيُسَبِّحَ لِسَانِي بِرَّكَ.".

الدِّمَاءِ = تشير لكل نفس كنا سبباً في عثرتها وسقوطها. وربما بالنسبة لداود فهو يذكر خطيته تجاه أوريا. وداود يعد الله أنه حينما يخلص من هذه الخطية لن يكف عن تسبيحه. والله خلصنا وغفر خطايانا بعدله الذي ظهر في موت المسيح على الصليب. لذلك يقول فَيُسَبِّحَ لِسَانِي بِرَّكَ = "فيبتهج لساني بعدلك" (سبعينية). أي صليبك الذي نجاني من خطاياي. فعدل الله رحيم. ونلاحظ أن كلمة عدل وكلمة بر هما كلمة واحدة فى العبرية. فعدل الله ظهر على الصليب إذ قبل المسيح حكم الموت عنا وبدمه تبررنا، وظهر على الصليب بر الله وتحققت وعوده فى خلاصنا.

العدد 15

آية (15): -

"15يَا رَبُّ افْتَحْ شَفَتَيَّ، فَيُخْبِرَ فَمِي بِتَسْبِيحِكَ.".

حينما يفتح الله فمنا سيخرج منه كلام طيب، كلام تسبيح. أما لو كان المتكلم هو الذات سيخرج كلام كبرياء لا يخلو من معصية (أم19: 10). ولنلاحظ أن الإنسان المستعبد لخطية لا يستطيع أن يسبح (مز 137: 1 - 4). والشعب سبح تسبحة موسى بعد أن حرره موسى وخرجوا من عبودية فرعون. وهكذا نسبح في السماء (رؤ3: 14). وكما غفرت خطايانا بالصليب، فنحن أيضا تحررنا من عبودية الشيطان، ومن تحرر يسبح.

الأعداد 16-17

الآيات (16 - 17): -

"16لأَنَّكَ لاَ تُسَرُّ بِذَبِيحَةٍ وَإِلاَّ فَكُنْتُ أُقَدِّمُهَا. بِمُحْرَقَةٍ لاَ تَرْضَى. 17ذَبَائِحُ اللهِ هِيَ رُوحٌ مُنْكَسِرَةٌ. الْقَلْبُ الْمُنْكَسِرُ وَالْمُنْسَحِقُ يَا اَللهُ لاَ تَحْتَقِرُهُ.".

الله لا يسر بالمحرقات إن لم يشترك فيها القلب (إش11: 1، 12)، والله لا يسر بمظاهر العبادة الخارجية والقلب مبتعد بعيداً، فالله يقول "يا إبنى إعطني قلبك" (أم23: 26) وراجع أيضا (إش13: 29). والله يطلب القلب المنسحق والمتواضع والتائب عن خطيته (إش15: 57).

الأعداد 18-19

الآيات (18 - 19): -

"18أَحْسِنْ بِرِضَاكَ إِلَى صِهْيَوْنَ. ابْنِ أَسْوَارَ أُورُشَلِيمَ. 19حِينَئِذٍ تُسَرُّ بِذَبَائِحِ الْبِرِّ، مُحْرَقَةٍ وَتَقْدِمَةٍ تَامَّةٍ. حِينَئِذٍ يُصْعِدُونَ عَلَى مَذْبَحِكَ عُجُولاً.".

لقد بدأ داود مزموره بالاعتراف بخطاياه وينهيه بالتمتع بحياة شركة كنسية قوية فبنزع خطايانا نعود للشركة مع الكنيسة مقدمين ذبائح عجول شفاه أي تسابيح (هو2: 14). وصهيون وأورشليم رمز للكنيسة أو النفس. وما هي أَسْوَارَ أُورُشَلِيمَ = هي العودة لحماية الله والدخول في حمايته فيكون سوراً لنا (زك5: 2).

قد تكون هذه الآيات الأخيرة قد وضعت بعد سبى بابل، وقد أضافوها على أشهر مزامير التوبة، كأنهم يدعون المسبيين فى بابل للتوبة ليعيدهم الله إلى أورشليم ويعيد لهم بناء الهيكل فيعودون لحياة العبادة والشركة مع الله.

وقد يكون داود قد كتب هذه الأيات كتائب يطلب من الله أن يعيده لشركة العبادة ويحميه من السقوط ثانية ويحمى أورشليم التى كانت مهددة بسبب خطيته إذا كانت ثورة إبشالوم إبنه قد نجحت.

وبالنسبة لنا فنحن نصليها ليحمى الله الكنيسة، ويحمى ويحافظ على أولاده بداخلها ويفرحون بعبادتهم فى الكنيسة، ويفرح الله بهم ويكون فى وسطهم، وهم يقدمون أنفسهم ذبائح حية، صالبين أجسادهم مع الأهواء والشهوات (غل5: 24) = تُسَرُّ بِذَبَائِحِ الْبِرِّ، مُحْرَقَةٍ وَتَقْدِمَةٍ تَامَّةٍ وقارن مع (رو12: 1).

حِينَئِذٍ يُصْعِدُونَ عَلَى مَذْبَحِكَ عُجُولاً = هذه تعنى تقديم التسبحة والشكر لله فى كل حال وعلى كل حال حتى فى الضيقات ثقة منا أن الله صانع خيرات، وهذه الثقة التى بها نسبح الله وسط الضيقة هى الإيمان الى به يرضى الله "بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه" (عب11: 6).

وهذه الآيات مناسبة تماما لأشهر مزامير التوبة، فالتائب الحقيقى لا يمكن له أن يحيا حياة مسيحية بعيدا عن شركة الكنيسة.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

اَلْمَزْمُورُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ - سفر المزامير - القمص أنطونيوس فكري

المزمور الخمسون - سفر المزامير - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير سفر المزامير الأصحاح 51
تفاسير سفر المزامير الأصحاح 51