اَلأصحاح الرَّابِعُ – سفر ملاخي – القمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الرابع

في هذا الإصحاح يحدثنا عن يوم الرب العظيم المخيف ومجيئه الثاني.

العدد 1

آية (1): -

"1«فَهُوَذَا يَأْتِي الْيَوْمُ الْمُتَّقِدُ كَالتَّنُّورِ، وَكُلُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَكُلُّ فَاعِلِي الشَّرِّ يَكُونُونَ قَشًّا، وَيُحْرِقُهُمُ الْيَوْمُ الآتِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، فَلاَ يُبْقِي لَهُمْ أَصْلاً وَلاَ فَرْعًا.".

اليوم المتقد كالتنور = هو يوم غضب وغيرة نار والأشرار المستكبرين يكونون وقود هذه النار كالقش. أما الذين إتقوا الرب يكونون كالذهب يزداد لمعاناً. وهؤلاء المستكبرين هم الذين إشتدت أقوالهم على الرب وأبوا الخضوع لنير وصاياه. ولاحظ أنه في خروج الشعب من مصر كان الله نوراً لشعبه، وظلاماً لأعداء شعبه. فلا يبقي لهم أصلاً ولا فرعاً = أي يستأصلهم الله كلية في هذا اليوم. وفي هذا اليوم يتقد التنور ويحترق فيه أبناء هذا الدهر فاعلى الشر الذين تعلقت قلوبهم بمحبته.

الأعداد 2-3

الآيات (2 - 3): -

"2« وَلَكُمْ أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ اسْمِي تُشْرِقُ شَمْسُ الْبِرِّ وَالشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا، فَتَخْرُجُونَ وَتَنْشَأُونَ كَعُجُولِ الصِّيرَةِ. 3 وَتَدُوسُونَ الأَشْرَارَ لأَنَّهُمْ يَكُونُونَ رَمَادًا تَحْتَ بُطُونِ أَقْدَامِكُمْ يَوْمَ أَفْعَلُ هذَا، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ.".

هنا وعد للمتقين إسمه، هؤلاء يشرق لهم المسيح كالنور (رؤ5: 22) فالمسيح هو نور العالم. ويكون المسيح نوراً مبهجاً لكل من يعبدونه بأمانة فهو شمس البر. وكما أن هذا اليوم يكون مرعباً للأشرار هكذا سيكون يوماً جميلاً ومبهجاً لمتقي الله، ومنعشاً كما تنعش الشمس الأرض عند شروقها. وهو شمس البر فهو الرب برنا. وسينتشر بره فى العالم كما ينتشر ضوء الشمس سريعا فينير كل العالم "وهو صار لنا من الله براً" (1كو30: 1). والشفاء في أجنحتها = فنحن الآن في مرض الخطية والموت، والمسيح هو طبيبنا الأعظم، فالخطية قد شوهت صورتنا تماماً. ولكننا هناك سنشفى من كل مرض روحي وجسدي ونفسي. ويكون الشفاء سريعا جدا لذلك يقول فى أجنحتها، وهذا أسلوب القدماء للتعبير عن السرعة، فأسرع ما كانوا يعرفونه هو الطيور. والمسيح بفدائه بدأ شفاء طبيعتنا فصرنا خليقة جديدة وسيكمل الشفاء بحصولنا على الجسد الممجد. فتخرجون = سنخرج من هذا العالم كمن يخرج من سجن مظلم وضيق. كما يخرج الذين شفوا إلى حياتهم مرة أخرى، وستخرج الأجساد من قبورها عند القيامة من الأموات. تخرجون كما يخرج النبات من البذرة المدفونة (1كو35: 15 - 44). وتنشأون كعجول الصيرة = كلمة تنشأون في ترجمات أخرى "تطفرون" إشارة للحياة الفرحة المرحة الخالية من الهم والغم. إذ تعود إليكم الصحة الروحية والجسدية والنفسية، وتعود لكم الحيوية، فالصيرة هي المعلف، وتنمون في المعرفة والنعمة والقوة الروحية. وهذه العجول تسرح في حرية وتطفر في حرية ومرح، هذا دليل علي فرح القديسين الذين يفرحون بالرب يسوع. وفي (3) يكونون منتصرين على أعدائهم = تدوسون الأشرار. كان الأشرار يدوسونهم في العالم، أما هناك فيصبح الأشرار موطئاً لأقدام أولاد الله الذين غلبوا العالم وداسوه بالإيمان، وتسلطوا على أهوائهم وشهواتهم الفاسدة. ويكونون رماداً تحت بطون أقدامكم = فهم قد احترقوا بنيران التنور في اليوم الأخير (رؤ26: 2، 27).

العدد 4

آية (4): -

"4«اُذْكُرُوا شَرِيعَةَ مُوسَى عَبْدِي الَّتِي أَمَرْتُهُ بِهَا فِي حُورِيبَ عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ. الْفَرَائِضَ وَالأَحْكَامَ.".

أذكروا شريعة موسى = لاشك في أن هذه الآية بل هذه الآيات قصد بها أن تكون خاتمة ليس فقط لهذه النبوة، بل لأسفار العهد القديم. وهي دليل واضح على أنهم كان يجب أن لا ينتظروا أية نبوات أخرى إلى أن يجئ المسيح. والفرائض والأحكام = المقصود بها ليس فقط شريعة الوصايا العشرة، بل كل الفرائض والأحكام، وغيرها من الناموس الطقسي، ولاحظ أن نسياننا للشريعة هو أساس كل تعدي على الله. وهذه الآية تشبه (رؤ24: 2، 25) "إنما الذي عندكم تمسكوا به".

العدد 5

آية (5): -

"5«هأَنَذَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ إِيلِيَّا النَّبِيَّ قَبْلَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الْيَوْمِ الْعَظِيمِ وَالْمَخُوفِ،".

هأنذا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب = هنا يتكلم عن يوم الدينونة حينما يأتي المسيح في مجيئه الثاني. ولذلك يفسر أغلب مفسري الكنيسة أن أحد الشاهدين في (رؤ3: 11) هو إيليا (والثاني هو أخنوخ) فكلاهما لم يموتا حتى الآن. وهذين الشاهدين سيأتيان قبل مجيء المسيح الثاني وكون إيليا سيكون أحدهما، موضوع لا خلاف عليه، فالأوصاف المذكورة في (رؤ11) عن الشاهدين تنطبق على ما كان إيليا قد صنعه من قبل مثل [1] لابسين مسوحاً [2] تخرج نار من فمهما تأكل أعدائهما [3] يغلقا السماء حتى لا تمطر في أيام نبوتهما وهي 1260يوماً أي ثلاث سنين ونصف.

ولكن لأن ملاخي قد أنهى نبوته بنبوتين، واحدة عن مجيء يوحنا المعمدان كسابق للمسيح في مجيئه الأول ونبوة عن مجيء إيليا كسابق للمسيح في مجيئه الثاني (ملا1: 3 + ملا5: 4). وحيث أن اليهود لم يكن لهم علم بأن المسيح سيأتي مرتين، مرة للفداء ومرة للدينونة، فقد إلتبس عليهم الأمر وظنوا أن (ملا1: 3، ملا5: 4) متطابقان، وأن المسيح سيأتي مرة واحدة يسبقه فيها ملاكه الذي يهيئ الطريق أمامه، وأن هذا الملاك المذكور في (1: 3) هو هو نفسه إيليا المذكور في (5: 4). وكان التلاميذ لهم نفس هذا الفكر، وهم في بداية علاقتهم بالمسيح تصوروا أنه إيليا وأنه أتى كسابق للمسيح (مت14: 16) ولكن مع الوقت، وخصوصاً بعد حادثة التجلي تأكدوا أن المسيح هو المسيا المنتظر فتحيروا وتساءلوا "لماذا يقولون أن إيليا يجب أن يأتي أولاً" (مت10: 17). وكانت ردود المسيح مبهمة فهو لم يشأ أن يوضح أنه سيأتي مرة أخرى كديان "لأنهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد" (1كو8: 2). ولكن يفهم من ردود المسيح (مت10: 11، 14 + مت11: 17 - 13) أن يوحنا كان هو السابق للمسيح في مجيئه الأول وأنه أتى بنفس قوة وروح إيليا. ومعنى كلام السيد المسيح لتلاميذه "إن أردتم أن تقبلوا أي إن أردتم أن تفهموا أني أنا المسيح، فإن يوحنا أتي بنفس روح إيليا، أي إذا كان الشرط أن تؤمنوا بي أنني المسيا المنتظر، هو أن إيليا ينبغي أن يأتي قبلي، فهذا قد حدث. وأن يوحنا كان السابق لى فى المجئ الأول كما سيكون إيليا هو السابق لى فى المجئ الثانى. والإثنين يوحنا وإيليا لهم نفس الهدف ألا وهو الإعداد للمجئ. ويكون ذلك بالدعوة للتوبة، وهذا ما فعله يوحنا وسيفعله إيليا (الآية 6 القادمة). وأيضا فقد أتى يوحنا بروح إيليا أى نفس منهجه فى حياته.

العدد 6

آية (6): -

"6فَيَرُدُّ قَلْبَ الآبَاءِ عَلَى الأَبْنَاءِ، وَقَلْبَ الأَبْنَاءِ عَلَى آبَائِهِمْ. لِئَلاَّ آتِيَ وَأَضْرِبَ الأَرْضَ بِلَعْنٍ».".

مجيء إيليا سيكون ليرد قلب الآباء على الأبناء = كان مجئ يوحنا المعمدان داعيا الناس للتوبة، لتهيئتهم ليعرفوا المسيح فيؤمنوا به. فمن يتوب يتنقى قلبه فيري الله، اي يعرف المسيح. وهذا سيكون عمل ايليا قبل المجئ الثاني، فلقد فسدت العلاقات الأسرية، علاقات الأباء بأبنائهم بسبب فساد الزواج، وطلاق الأباء للأمهات جرياً وراء شهواتهم. وإيليا سيأتي ليعيد المحبة المفقودة، فبدونها سيحترق الناس عند مجيء المسيح. والمعنى الأشمل أنه سيقف في وجه تيار الخطية الذي تسبب في فساد العلاقات الأسرية.

أضرب الأرض بلعن = آخر كلمة في العهد القديم هي لعن، لأن مسيح العهد الجديد سيأتي ليزيل اللعنة. وآخر كلمات العهد الجديد نعمة وبركة. واللعنة ستكون على اليهود رافضي المسيح.

1) هى آخر نبوات العهد القديم سنة 445 ق. م.

2) نموذج واضح لعمل الأنبياء، ومعنى النبوة. ويتلخص عمل النبى فى: -.

1 - إظهار عيوب وخطايا الشعب التى تُغضب الله.

2 - الوعد بمجئ المسيح المُخلص. الذي يعطي السلطان على الخطية ويصالحنا مع الله.

3) ملاخى تعنى ملاكى أو رسولى.

والمسيح هو ملاك العهد:

"هاأنا أرسل ملاكى فيهيئ الطريق أمامى" (يوحنا المعمدان كسابق للمسيح).

"ويأتى بغتة إلى هيكله السيد الذى تطلبونه، وملاك العهد الذى تسرون به" (ملا1: 3) (عن المسيح له المجد).

وفى إنجيل معلمنا القديس مرقس جاءت هذه الآية هكذا:

"كما هو مكتوب فى الأنبياء، هاأنا أرسل أمام وجهك ملاكى الذى يهيئ طريقك قدامك، صوت صارخ فى البرية" (مر2: 1، 3).

إذاً نستنتج أن المسيح هو يهوه إله العهد القديم، فهو يقول فى ملاخى يهيئ الطريق أمامى، والمتكلم هنا هو يهوه، ويكررها مارمرقس هكذا "هاأنا أرسل أمام وجهك (أمام وجه المسيح) ملاكى (المعدان كمُرسل من يهوه)".

4) ولاحظ أن هناك ملاكين: 1) المعمدان يُرسله يهوه ليُعِّدْ الطريق للمسيح.

2) المسيح يُرسله يهوه لخلاص البشر.

ولقد إستخدم السيد المسيح تعبير: "الآب أرسلنى" عدة مرّات (يو36: 5، 37)، لإستعلان الآب، فهو أتى لإظهار محبة الآب الذى لا نراه وإرادته من ناحية البشر "الإبن الوحيد الذى هو فى حضن الآب هو خبَّر" (يو18: 1)، هذا بالإضافة للفداء.

5) ويقول ملاخى فى (5: 4) "هاأنذا أرسل إليكم إيليا النبى قبل مجئ يوم الرب العظيم والمخوف"، ولأن اليهود لم يكونوا يُدركون أن هناك مجئ أول للمسيح فى التجسد، ومجئ ثان للمسيح للدينونة، ظنوا أن كلا السابقين هما واحد فقالوا أن كليهما هو إيليا. ولذلك حين رأى التلاميذ المسيح فى التجلى سألوه بإندهاش: فلماذا يقول الكتبة أن إيليا ينبغى أن يأتى أولاً (مت10: 17)، ولأن المسيح لم يرد أن يكشف كل شئ رد قائلاً:

"أن إيليا يأتى أولاً ويرد كل شئ (هذه عن المجئ الثانى)، ولكن أقول لكم أن إيليا قد جاء ولم يعرفوه بل عملوا به كل ما أرادوا (وهذه عن المعمدان الذى أتى بنفس روح وقوة إيليا وقتلوه).

6) كيف هيأ المعمدان الطريق للمسيح؟

بدعوته الناس للتوبة. والتوبة تنقى الأعين فتعرف المسيح وتؤمن به "طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" وهذا ماحدث للتلاميذ فآمنوا بالمسيح.

7) كان ملاخى أخر الأنبياء، وبإنتهاء نبوته خُتِمت النبوة فى إنتظار ملاك العهد أى المسيح. وهذا هو الإرتباط بين موضوع النبوة وإسم النبى.

8) تتميز نبوة ملاخى بأنه يكتُب بطريقة أنه يضع سؤالاً ويجيب عليه "أحببتكم قال الرب". "وقلتم بما أحببتنا" ثم يأتى برد الله على سؤالهم.

9) خطايا الشعب:

أ - الكهنة لا يهابون الله ويُقدمون لله خبزاً نجساً على المذابح، وإذا وجدوا شيئاً حقيراً يُقدمونه لله ليحتفظوا لأنفسهم بالجيد.

ب - الكهنة يُطالبون بثمن عن كل خدمة. ويتأففون من خدمة الله فعائدها المادى قليل، والله يُنذر بأنهم لو إستمروا فى هذا ستنزل عليهم اللعنات.

ج - الكهنة أعثروا الشعب، ولذلك جعلهم الله مُحتقرين عند الشعب.

د - الرجال غدروا بزوجاتهم، وتزوجوا بوثنيات، وحين بكت المُطلقات لم يعُد الله يقبل صلوات الأزواج ولا ذبائحهم مُغطين مذبح الرب بالدموع بالبكاء والصراخ.

هـ - كل من يفعل الشر يُتعب الرب "حِدتم عن فرائضى ولم تحفظوها... ولا يدفعوا العشور".

و - يقولون أنه لا منفعة فى عبادة الرب، بل يُطوِّبون الأشرار على أنهم هم الرابحين.

10) وعود الله لهم:

أ - المسيح يأتى ليُنقى الشعب: - 1) فهو مثل نار المُمحِّص وهذا هو عمل الروح القدس روح الإحراق فى المعمودية والمبنى على فاعلية دم المسيح (رؤ14: 7).

2) وهو لشعبه كأب يؤدب إبنه بأشنان (صابون) القصَّار (الذى يُبيِّض الملابس) وهذه عن التأديبات الإلهية لتقويم إعوجاج وتمرد الإنسان نتيجة الخطية الجدية "ومن يحبه الرب يؤدبه" (عب12: 6).

ب - المسيح شمس البر وفى أجنحتها الشفاء أتى ليشفى طبيعتنا ويبررنا.

ج - إرجعوا إلىَّ أرجع إليكم = أى التوبة.

د - هاتوا جميع العشور إلى الخزنة ليكون فى بيتى طعام وجربونى قال رب الجنود إن كنت لا أفتح لكم كوى السموات...

ه - "الرب أصغى وسمع وكُتِب أمامه سِفر تذكره للذين إتقوا الرب"، "يكونون لى قال الرب"، "أشفق عليهم كما يُشفق الإنسان على إبنه".

11) وعيد الرب بيوم الدينونة:

"هوذا يأتى اليوم المُتَّقِد كالتنور (الفرن)".

"وكل المُستكبرين وكل فاعلى الشر يكونون قشاً ويُحرقهم اليوم الآتى قال رب الجنود.

12) أمَّا الأبرار فى ذلك اليوم:

"ولكم أيها المُتقون إسمى تُشرق شمس البِرْ، والشفاء فى أجنحتها" = إتمام شفاء طبيعتنا الساقطة إذ نحصل على الجسد الممجد، ويكمل المسيح عمله الذى أعطانا عربونه ونحن هنا على الأرض. لذلك يقول بولس الرسول "متوقعين التبنى فداء أجسادنا" (رو8: 23) ولكن هذا لمن يطيع وصايا الله "أذكروا شريعة موسى".

والرب سيساعد الناس بإرسال إيليا لإصلاح كل من فيه أمل فهو "قصبة مرضوضة لا يقصف".

"هاأنذا أرسل إليكم إيليا... فيرد قلب الأباء على الأبناء" ومن يُصر على الرفض يُلعن "لئلا آتى وأضرب الأرض بلعن"، وبهذا ينتهى العهد القديم بكلمة (لعن)، فى إنتظار المسيح الذى سيُبارك العالم ويحمل اللعنة عنه ويبدأ شفاء الإنسان.

No items found

اَلأَصْحَاحُ الثَّالِثُ - سفر ملاخي - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير سفر ملاخي الأصحاح 4
تفاسير سفر ملاخي الأصحاح 4