المزمور الثاني عشر – سفر المزامير – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر المزامير – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

المزمور الثاني عشر (الحادي عشر في الأجبية)

يقول البعض أن داود كتب هذا المزمور في أثناء فترة حكم شاول وإنتشار الأكاذيب ضده في القصر الملكي، فالكل يُداهِنْ الملك شاول وينشر إشاعات مغرضة ضد داود لإرضاء شاول، وداود يصرخ لله واثقاً في كلام الله ووعوده. ونحن هنا أمام ثلاث أنواع من الكلام.

  1. كلام الأشرار: كذب ورياء وكبرياء ينطقون بفم أبيهم إبليس الكذاب وأبو الكذاب.
  2. كلام الأبرار: تنهدات المساكين بسبب ما يعانوه من ضيق ومتاعب، والله يسمع لهم.
  3. كلام الله: كلام نقي، محل ثقة، مصدر الخلاص. كفضة مصفاة بلا شوائب.

وإن قيل هذا المزمور في أيام شاول أو غيره، فهذه حقيقة واقعة أن كلام الأشرار المتكبرين وأكاذيبهم تنتشر لفترة، وربما يتعالون وينتصرون لفترة ما بسماح من الله وخلال هذه الفترة يكون الأبرار المساكين يتنهدون ويصرخون لله واضعين وعوده بأنه يخلص نصب عيونهم، وتكون فترة إنتظار الرب هي فترة طول أناة على الأشرار لعل طول أناته تقتادهم للتوبة، وتكون فترة الانتظار هذه للأبرار فرصة تنقية فهي فترة صراخ لله وصلاة والتصاق بالله، وفي هذا يتنقون كما تتنقى الفضة من الشوائب في البوطة (فرن الصهر). ثم يتدخل الله وينصف الأبرار ويقطع شفاه الأشرار.

العدد 1

آية (1): -

"1خَلِّصْ يَا رَبُّ، لأَنَّهُ قَدِ انْقَرَضَ التَّقِيُّ، لأَنَّهُ قَدِ انْقَطَعَ الأُمَنَاءُ مِنْ بَنِي الْبَشَرِ.".

قد إنقرض التقى = "البار قد فني" (سبعينية) = داود رأي أن الكذب قد انتشر، والخيانة انتشرت، لم يرى واحد بار، فشاول يخونه ومعه رجاله وكذلك أهل زيف وقعيلة، ورأى مذبحة الكهنة بسببه فصرخ خَلِّصْ يَا رَبُّ، فلم يبق ولا بار. فمن كثرة الاضطهاد فنى الأبرار. ولأن الشر ساد العالم كله إحتاج العالم لمخلص، وكأن صرخة داود خلص يا رب هي بروح النبوة صرخة نداء لله ليتجسد المسيح إذ زاغ الجميع وفسدوا. داود هنا شابه إيليا حين تصوَّر أن الأبرار إنتهوا من الأرض ولم يبق سواه (1مل10: 19).

الأعداد 2-4

الآيات (2 - 4): -

"2يَتَكَلَّمُونَ بِالْكَذِبِ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ صَاحِبِهِ، بِشِفَاهٍ مَلِقَةٍ، بِقَلْبٍ فَقَلْبٍ يَتَكَلَّمُونَ. 3يَقْطَعُ الرَّبُّ جَمِيعَ الشِّفَاهِ الْمَلِقَةِ وَاللِّسَانَ الْمُتَكَلِّمَ بِالْعَظَائِمِ، 4الَّذِينَ قَالُوا: «بِأَلْسِنَتِنَا نَتَجَبَّرُ. شِفَاهُنَا مَعَنَا. مَنْ هُوَ سَيِّدٌ عَلَيْنَا؟ ».".

رأى داود قلة الأمانة والكذب ينتشران بين الناس. (ونرى في يع3 كيف أن اللسان عطية الله لو إستخدم في الباطل يكون كدفة سفينة تقودها للهلاك) ومن علامات الرياء إزدواج القلب = بِقَلْبٍ فَقَلْبٍ يَتَكَلَّمُونَ = هم غير أمناء ولا يقولون الحق والله سيقطع هذه الشفاه، كما قطع لسان فرعون الذي قال في تجبر "إني لست أعرف الرب" وقطع شعب اليهود ورؤسائهم الذين تجبروا على المسيح، وقطع لسان كل من تجبر على الكنيسة الذين قالوا مَنْ هُوَ سَيِّدٌ عَلَيْنَا.

بِقَلْبٍ فَقَلْبٍ يَتَكَلَّمُونَ = جاءت في الإنجليزية الآية هكذا "يتكلمون بشفاه غاشة وقلب مزدوج" ويعني هذا أن القلب زائغ منقسم بين الحق والباطل = قلب مرائي.

العدد 5

آية (5): -

"5«مِنِ اغْتِصَابِ الْمَسَاكِينِ، مِنْ صَرْخَةِ الْبَائِسِينَ، الآنَ أَقُومُ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَجْعَلُ فِي وُسْعٍ الَّذِي يُنْفَثُ فِيهِ».".

هنا نسمع صراخ الأبرار في ظلمهم وألمهم. يتدخل الله في الوقت الذي يراه صالحاً = هذا معني الآنَ، وهذا الوقت المناسب أطلق عليه بولس الرسول (ملء الزمان). وأَجْعَلُ فِي وُسْعٍ الَّذِي يُنْفَثُ فِيهِ = وجاءت في الترجمة السبعينية "اصنع الخلاص علانية" وجاءت في ترجمات عربية أخرى "لأفرج كربة المتضايقين". وفي اللغة العربية نْفَثُ = النفث شبيه بالنفخ وهو أقل من التفل. ومنها الطائرات النفاثة. والمعنى بهذا يكون أن الله سيعطي راحة لمن نفث فيهم الناس وملأوهم ظلماً، كما ينفث الثعبان السم فى الناس. وجاءت الآية في الإنجليزية "أضع المسكين في أمان تطول مدته".

ولكن لماذا لا يتدخل الرب ويرفع الظلم عن المظلوم فوراً؟

1) الله يطيل أناته على الشرير لعله يتوب (رو2: 4). 2) الضيقة تدفع المظلوم ليرتمى فى حضن الله ويصلى فيتنقى ويتزكى. 3) الله لا يترك المظلوم وحيدا بل يسانده بتعزياته، كما قال الرسول "يجعل مع التجربة المنفذ" (1كو10: 13) وهذا يجعله فى وسع. 4) لو كان الله ينتقم فورا من الشرير سأكون أنا من هؤلاء فمن منا بلا خطية.

العدد 6

آية (6): -

"6كَلاَمُ الرَّبِّ كَلاَمٌ نَقِيٌّ، كَفِضَّةٍ مُصَفَّاةٍ فِي بُوطَةٍ فِي الأَرْضِ، مَمْحُوصَةٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ.".

هنا نسمع عن كلمة الله التي هي كفضة مصفاة نقية، والكتاب المقدس كلمة الله منزه عن كل خطأ وشبه خطأ أو تضاد أو كلمة بشرية ساقطة، فالكتاب كله موحى به من الله. والأبرار يثقون في وعود الله التي لا تسقط أبداً، فليس في وعوده غش، ففى الآية السابقة الله وعد المظلوم بالراحة، فلا بد أن يوفى بوعده. وهنا نرى التناقض بين غش ورياء البشر وصدق كلمة الله النقية ووعوده التي لا تسقط. بل كلام الله ينقي النفس "أنتم أنقياء من أجل الكلام الذي كلمتكم به" فالرب حين يعطينا من مواهب الروح القدس تنقي حياتنا 7 أضعاف ورقم (7) رقم كامل. وهناك من رأى أن رقم 7 يشير لقول أشعياء روح الرب. وروح الحكمة والفهم.... (إش2: 11). مُصَفَّاةٍ = الكتاب المقدس هو كلمة الله مكتوبة بلسان وحروف بشرية. واللغة البشرية يشوبها النقص. ولكن كلمة الله غير خاضعة لهذا النقص الانساني. بل كاملة لا يشوبها نقص.

الأعداد 7-8

الآيات (7 - 8): -

"7أَنْتَ يَا رَبُّ تَحْفَظُهُمْ. تَحْرُسُهُمْ مِنْ هذَا الْجِيلِ إِلَى الدَّهْرِ. 8الأَشْرَارُ يَتَمَشَّوْنَ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ عِنْدَ ارْتِفَاعِ الأَرْذَالِ بَيْنَ النَّاسِ.".

نرى هنا خلاص الرب لعبيده وأنه سينجيهم في هذا الجيل وكل جيل وإلى نهاية الدهر رغم أن الأشرار ينجحون = إن الأَشْرَارُ يَتَمَشَّوْنَ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ ويرتفعون = والمعنى أن الأشرار منتشرين في كل مكان على الأرض بل أقوياء مرتفعين وبالرغم من أنهم محيطين بنا، إلاّ أنك تحفظ كل أولادك. عِنْدَ ارْتِفَاعِ الأَرْذَالِ بَيْنَ النَّاسِ = تعني أن هؤلاء الأشرار بالرغم من شرهم تجدهم مرتفعين وسط الناس، لكن الله يحرس اولاده منهم ويحفظهم.

نصلي هذا المزمور في باكر فنبدأ يومنا بالثقة في حماية الله رغماً عن كل المؤامرات حولنا. ونرى فيه أنه بالرغم من مؤامرات اليهود على المسيح وصلبه إلا أنه سيقوم ويصنع الخلاص علانية فنذكر القيامة في بدء يومنا = الآنَ أَقُومُ يَقُولُ الرَّبُّ = السيد المسيح قام ليعطينا حياة وخلاص.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

المزمور الثالث عشر - سفر المزامير - القمص أنطونيوس فكري

المزمور الحادي عشر - سفر المزامير - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير سفر المزامير الأصحاح 12
تفاسير سفر المزامير الأصحاح 12