المزمور التاسع والثلاثون – سفر المزامير – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر المزامير – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

المزمور التاسع والثلاثون

يقول القديس أثناسيوس وغريغوريوس الناطق بالإلهيات أن داود ألف هذا المزمور بإلهام الروح القدس وأعطاه ليدوثون الذي إنتخبه داود للتسبيح.

غالباً كان داود في ألم عظيم وهو يكتب هذا المزمور، ولكنه قرَّر أن يضبط عواطفه ويبقيها داخله، لا يتذمر ولا يشتكي أمام أعدائه، ولكن يتكلم ويفضي بما في داخله أمام الله فقط. ونجد داود هنا يشعر أن الإنسان كبخار يظهر قليلاً ثم يضمحل، فتساءل، ولماذا كل هذا الصراع على الدنيا والكل سينتهي سريعاً. وفي ألمه يردد ما قاله أيوب من قبل.. إذا كانت أيامي ستنتهي سريعاً فهل أحيا هذه الحياة القصيرة وأنا متألم بكل هذه التأديبات.

العدد 1

آية (1): -

"1قُلْتُ: « أَتَحَفَّظُ لِسَبِيلِي مِنَ الْخَطَإِ بِلِسَانِي. أَحْفَظُ لِفَمِي كِمَامَةً فِيمَا الشِّرِّيرُ مُقَابِلِي».".

نرى قرار داود بأنه لن يتكلم، فهو لن يتهم أعداؤه، ولن يبرئ نفسه أمام الأشرار، ومن يحفظ لسانه يحفظ نفسه (يع3). ولكنه لن ولم يصمت أمام الله.

داود هنا لم يرد أن يشكو ألمه أو يشكو من حكم الله ضده الذى سمح بهذه الألام، أمام الأشرار. فيتخذون من شكواه أداة لهجومهم على الله. وهذا هو نفس ما ردده مرنم آخر فى نفس المناسبة "لو قلت أحدث هكذا، لغدرت بجيل بنيك" (مز73: 15).

العدد 2

آية (2): -

"2صَمَتُّ صَمْتًا، سَكَتُّ عَنِ الْخَيْرِ، فَتَحَرَّكَ وَجَعِي.".

داود كان معتادا أن يسبح الله ويرنم له. وفى ألمه صمت ولم يشهد لله، فإزداد ألمه. وهناك تصور آخر، أنه امتنع عن كلمات الخير أمام الأشرار إذ هم يسخرون مما يقول، فقرر أن لا يلقي درره قدام الخنازير (مت6: 7). ولكن عدم شهادته لله أوجعته.

العدد 3

آية (3): -

"3حَمِيَ قَلْبِي فِي جَوْفِي. عِنْدَ لَهَجِي اشْتَعَلَتِ النَّارُ. تَكَلَّمْتُ بِلِسَانِي:".

نرى المرنم هنا في صراع بين أن يتكلم وأن يسكت، له حنين أن يشهد لله، ولكنه مقتنع أن كلامه سيزيد الشرير هياجاً وسخرية. فلجأ لله ليرشده = تَكَلَّمْتُ بِلِسَانِي.

الأعداد 4-6

الآيات (4 - 6): -

"4«عَرِّفْنِي يَا رَبُّ نِهَايَتِي وَمِقْدَارَ أَيَّامِي كَمْ هِيَ، فَأَعْلَمَ كَيْفَ أَنَا زَائِلٌ. 5هُوَذَا جَعَلْتَ أَيَّامِي أَشْبَارًا، وَعُمْرِي كَلاَ شَيْءَ قُدَّامَكَ. إِنَّمَا نَفْخَةً كُلُّ إِنْسَانٍ قَدْ جُعِلَ. سِلاَهْ. 6إِنَّمَا كَخَيَال يَتَمَشَّى الإِنْسَانُ. إِنَّمَا بَاطِلاً يَضِجُّونَ. يَذْخَرُ ذَخَائِرَ وَلاَ يَدْرِي مَنْ يَضُمُّهَا.".

إذ دخل المرنم في حوار مع الله إكتشف تفاهة الحياة البشرية وقصرها. عَرِّفْنِي يَا رَبُّ نِهَايَتِي = عرفني أنني لن أبقي هنا كثيراً في هذه الشدائد والضيقات وسخرية من يسمع (ما قاله في آية2). ومن يدرك ما أعده الله له في الأبدية يدرك تفاهة هذه الأيام الأرضية. الإِنْسَانٍ إِنَّمَا كَخَيَال = هل يستطيع أحد أن يمسك ظل الأشياء، هكذا كل من يحاول أن يتمسك بأمور هذا العالم = بَاطِلاً يَضِجُّونَ = باطلاً يتعبون ليكنزوا الماديات.،.

عرفنى يا رب نهايتى = قطعا كل إنسان يعرف أن نهاية كل الخليقة هو الموت، ولكن أحد حروب الشياطين هو إخفاء هذه الحقيقة عن فكر الإنسان ومحاولة الشيطان أن يشغل فكر الإنسان بملذات العالم. لأننا لو وضعنا فكرة موتنا أمام عيوننا وأنها ستأتى كلص فى ساعة لا نتوقعها لما تجرأ إنسان وأخطأ. فيكون طلب المرنم لله أن يجعله واضعا هذه الحقيقة أمام عينيه دائما ولا تشغله إغراءات الخطايا فينساها.

الأعداد 7-13

الآيات (7 - 13): -

"7« وَالآنَ، مَاذَا انْتَظَرْتُ يَا رَبُّ؟ رَجَائِي فِيكَ هُوَ. 8مِنْ كُلِّ مَعَاصِيَّ نَجِّنِي. لاَ تَجْعَلْنِي عَارًا عِنْدَ الْجَاهِلِ. 9صَمَتُّ. لاَ أَفْتَحُ فَمِي، لأَنَّكَ أَنْتَ فَعَلْتَ. 10ارْفَعْ عَنِّي ضَرْبَكَ. مِنْ مُهَاجَمَةِ يَدِكَ أَنَا قَدْ فَنِيتُ. 11بِتَأْدِيبَاتٍ إِنْ أَدَّبْتَ الإِنْسَانَ مِنْ أَجْلِ إِثْمِهِ، أَفْنَيْتَ مِثْلَ الْعُثِّ مُشْتَهَاهُ. إِنَّمَا كُلُّ إِنْسَانٍ نَفْخَةٌ. سِلاَهْ. 12اِسْتَمِعْ صَلاَتِي يَا رَبُّ، وَاصْغَ إِلَى صُرَاخِي. لاَ تَسْكُتْ عَنْ دُمُوعِي. لأَنِّي أَنَا غَرِيبٌ عِنْدَكَ. نَزِيلٌ مِثْلُ جَمِيعِ آبَائِي. 13اقْتَصِرْ عَنِّي فَأَتَبَلَّجَ قَبْلَ أَنْ أَذْهَبَ فَلاَ أُوجَدَ».".

المرنم إذ أدرك تفاهة هذا العالم، وضع رجاؤه كله في الله، وليضمن نصيبه الأبدي صلَّي قائلا = مِنْ كُلِّ مَعَاصِيَّ نَجِّنِي، ويعترف أن الخطية تجعله عاراً عند الجاهل. وفي (9) صَمَتُّ = نجده يُسَلِّم نفسه تماماً بين يدي الله، ويقبل منه كل تأديب حتى يخلصه من خطاياه. ولكنه في ضعف وانسحاق يرفع عينيه إلى الله ليرفع عنه تأديباته = ارْفَعْ عَنِّي ضَرْبَكَ. ونلاحظ أن الله يسمح بهذه الضربات والتأديبات حتى يقتنع أولاده بتفاهة الأرضيات وأنها زائلة. فالله بتأديباته يفني شهواتهم مثل العث. ويقتنع الإنسان أنه نَفْخَةٌ أي هو زائل سريعاً فلماذا التمسك بالأرضيات. فآية (11) تشير لفائدة الآلام. وفي (12) صلاة لله حتى يقبله ويسمع صراخه ودموعه ويكتفي بهذه التأديبات، ويكون توقف التأديبات علامة على قبول الله ورضاه عليه، وهو يطلب هذا في (13) أن يكف الله عن تأديباته ويعلن قبوله قبل أن يموت، فبعد الموت لا توجد فرصة للتوبة. ولاحظ شعوره بالغربة في هذا العالم. أَتَبَلَّجَ = أفرح.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

المزمور الأربعون - سفر المزامير - القمص أنطونيوس فكري

المزمور الثامن والثلاثون - سفر المزامير - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير سفر المزامير الأصحاح 39
تفاسير سفر المزامير الأصحاح 39