الإصحاح الحادي عشر – تفسير رسالة كورونثوس الثانية – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: رسالة بولس الرسول الثانية إلى كورنثوس – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح الحادى عشر

العدد 1

آية (1): -

"1لَيْتَكُمْ تَحْتَمِلُونَ غَبَاوَتِي قَلِيلاً! بَلْ أَنْتُمْ مُحْتَمِلِيَّ.".

بولس أعلن أنه لا يريد أن يمدح نفسه، لكن الظروف أرغمته علي ذلك للدفاع عن صدق إرساليته. والإفتخار بدون داعٍ هو جهل وغباء، ولكن ما أجبر الرسول علي هذا هو داعٍ قوي ألا وهو غيرته عليهم لئلا يفسدهم الرسل الكذبة، وهو يريدهم عروس نقية للمسيح، فكأنه وعد المسيح بهم حين بشرهم. فبولس يعلم أنه ليس من الصواب أن يتكلم عن نفسه ولكنه مضطر. ويقول عن نفسه حين يفتخر بنفسه أنه غبي، وفي هذا درس لنا حتى لا نفتخر بأنفسنا أبداً، وأيضاً هو إتهام ضمني للرسل الكذبة بأنهم أغبياء إذ هم يفتخرون بأنفسهم. بل أنتم محتمليَّ = أنا واثق أنكم ستحتملون كلماتي.

العدد 2

آية (2): -

"2فَإِنِّي أَغَارُ عَلَيْكُمْ غَيْرَةَ اللهِ، لأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُل وَاحِدٍ، لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ.".

أَغَارُ عَلَيْكُمْ غَيْرَةَ اللهِ = قبل أن يتكلم الرسول عن أتعابه نراه هنا يظهر محبته فما يدفعه لإحتمال كل هذه الآلام محبته لله ولكنيسة الله. وقوله غَيْرَةَ اللهِ = تعني أنا أحبكم بغيرة شديدة تماماً كمحبة الله، والغيرة البشرية أنانية ولكن الغيرة الإلهية نقية. فهو إذاً لا يهدف لشيء إلاّ مصلحتهم، هو خائف أن تفقد الكنيسة ما حصلت عليه من بركات. وفي التعبيرات اليهودية حين يُضاف لفظ الله لكلمة ما فهذا يعني الضخامة، فقوله غيرة الله تعني غيرة شديدة جداً. وأيضاً قد يعني تعبير غيرة الله أن مصدر هذه الغيرة هو الله الذي وضع محبتكم في قلبي. فأنا أغار عليكم ليس من أجل نفسي بل من أجل المسيح لأنني خطبتكم له وأريد أن أقدمكم إليه كعذراء عفيفة نقية طاهرة السيرة، بعيدين عن كل ضلال أو خداع أو خطيئة. وما يحطم عذراويتنا هو أن ننجذب إلى أي محبة غريبة لخطية ننخدع بها كما إنخدعت حواء. وطالما أن المسيح هو رجل واحد فهو يريدكم كعروس أن تكونوا متحدين في الإيمان والمحبة. بولس هنا يُظهر نفسه كواسطة بينهم وبين المسيح، هو يريد أن يظهرهم في أجمل صورة، كخاطبة تريد أن تظهر العروس في أحلي صورة للعريس، حتى لا تخجل هى من صورتها أمام عريسها لو إستمروا فى خطيتهم، ولا يخجل هو أيضا من صورتها فهو الذى قدمها له. وتشبيه علاقة المسيح بالكنيسة كأنها علاقة عريس بعروسته. إستخدمها الرسول في (أف 5: 23 – 32). وبعد الخطبة يأتي العرس، وكمال الإتحاد بين العريس وعروسته سيكون في السماء (رؤ19: 7). راجع (رؤ 21: 2) أورشليم الجديدة... مهيأة كعروس مزينة لرجلها.

العدد 3

آية (3): -

"3 وَلكِنَّنِي أَخَافُ أَنَّهُ كَمَا خَدَعَتِ الْحَيَّةُ حَوَّاءَ بِمَكْرِهَا، هكَذَا تُفْسَدُ أَذْهَانُكُمْ عَنِ الْبَسَاطَةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ.".

الكنيسة حواء الجديدة مخطوبة لآدم الأخير أي المسيح (1كو 15: 45). وعلى حواء الجديدة أن تحترس من سماع صوت إبليس (الحية) كما فعلت الحية مع حواء الأولي، فأفقدتها بساطتها وحرمتها هي وأولادها من الإتحاد بالله. الْبَسَاطَةِ = هي النقاوة وعدم الغش وهى الهدف الواحد للإنسان وأن يكون هو مجد الله. الْبَسَاطَةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ = أي فكر واحد مكرس للمسيح ومتجه له وحده، ولا تطلب سوى مجده، وعمل الحية هو توجيه فكر العروسة أي حواء الثانية (الكنيسة أو النفس البشرية) عن النظر لعريسها المسيح، فتهتم بالعالم كعريس آخر، فتفقد طهارة القلب ونقاوته وبساطته التي يجب أن تكون لنا تجاه المسيح، وتفقد التعاليم السليمة النقية الطاهرة والإيمان القويم الذي يجب أن يكون لدى المؤمنين نحو المسيح، الإيمان الذي لا تشوبه الحكمة العالمية الكاذبة (وهذا ما يعمله الرسل الكذبة معهم) بل يكون مستنيراً بنعمة الله.

العدد 4

آية (4): -

"4فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ الآتِي يَكْرِزُ بِيَسُوعَ آخَرَ لَمْ نَكْرِزْ بِهِ، أَوْ كُنْتُمْ تَأْخُذُونَ رُوحًا آخَرَ لَمْ تَأْخُذُوهُ، أَوْ إِنْجِيلاً آخَرَ لَمْ تَقْبَلُوهُ، فَحَسَنًا كُنْتُمْ تَحْتَمِلُونَ.".

إِنْ كَانَ الآتِي = إن أتاكم أحد ليعلمكم ويقدم لكم مسيحاً آخر غير المسيح الذي قدمناه لكم، وهذا لا يمكن فلا يوجد سوى مسيح واحد. والرسول هنا يقصد المعلمين الكذبة. والمعني أن إعتباركم للرسل الكذبة أكثر منا هو في غير محله لأنهم لم يعلموكم أكثر مما تعلمتم منا. ولو أنهم علموكم في المسيح تعليماً أوفي وأحسن من تعليمنا، أو أنفع من تعليمنا، أو قبلتم على يدهم من مواهب الروح القدس، مواهب أفضل من التي قبلتموها على يدنا، أو لو أنهم شرحوا لكم الإنجيل شرحاً أوضح من شرحنا، لحق لكم أن تفضلوهم علينا، وأن تحتملوهم في تعظيمهم لأنفسهم علينا، وإستغلالهم لكم مادياً. ولكن لا أرى شيئاً من ذلك. وأنتم لم تروا منهم سوي كلمات إدعاء وكبرياء، بل إن تعاليمهم مغشوشة ومشوشة.

العدد 5

آية (5): -

"5لأَنِّي أَحْسِبُ أَنِّي لَمْ أَنْقُصْ شَيْئًا عَنْ فَائِقِي الرُّسُلِ.".

في هذه الآية كما في أيات أخرى يحاول الرسول أن يدعم مركزه وأحقيته في الخدمة كرسول للمسيح، ويبين أنه لا ينقص شيئاً عن الرسل وخاصة عن هؤلاء المعتبرين أعمدة = فَائِقِي الرُّسُلِ = ويقصد بطرس ويعقوب ويوحنا، فهؤلاء ليسوا بأكثر أثراً في الكرازة من بولس الرسول. لذلك فعلى أهل كورنثوس أن لا يرفضوا رسالته وكرازته.

العدد 6

آية (6): -

"6 وَإِنْ كُنْتُ عَامِّيًّا فِي الْكَلاَمِ، فَلَسْتُ فِي الْعِلْمِ، بَلْ نَحْنُ فِي كُلِّ شَيْءٍ ظَاهِرُونَ لَكُمْ بَيْنَ الْجَمِيعِ.".

الرسل الكذبة إتهموا بولس بأنه لا يجيد الخطابة مثل الخطباء اليونانيين. وبولس يقبل هذه التهمة أنه عَامِّيًّا فِي الْكَلاَمِ = فربما كان بولس ليس خطيباً مفوهاً يملك موهبة الخطابة، أو هو كان لا يفضل إستخدام هذا الأسلوب في الوعظ، ويفضل إستخدام اللغة البسيطة في محبة. وهو يعني أنه وإن كان غير فصيح لكنه من ناحية أخرى ليس عامياً في المعرفة والعلم = فِي كُلِّ شَيْءٍ ظَاهِرُونَ = إنكم لمستم ما أقوله سواء في تعاليمنا أو أعمالنا، فهذه كلها كانت ظاهرة واضحة وليس فيها خفاء. وهذا يعني ضمناً أن الرسول يريد أن يقول أن الرسل الكذبة وإن كان لهم فصاحة في الكلام، إلاّ أنها مظاهر جوفاء.

العدد 7

آية (7): -.

"7أَمْ أَخْطَأْتُ خَطِيَّةً إِذْ أَذْلَلْتُ نَفْسِي كَيْ تَرْتَفِعُوا أَنْتُمْ، لأَنِّي بَشَّرْتُكُمْ مَجَّانًا بِإِنْجِيلِ اللهِ؟".

أَذْلَلْتُ نَفْسِي = 1) بمحبته وسلوكه بوداعة بينهم. 2) لم يطلب منهم أي مطالب مادية يعيش بها، بل عمل خياماً (أي في صناعة الخيام) ليعيش. وهم حولوا حتى هذا إلى مصدر تحقير لهُ = لأَنِّي بَشَّرْتُكُمْ مَجَّانًا = فالرسل الكذبة قالوا أنه أقل من باقي الرسل الذين تلتزم الكنائس بنفقاتهم. إن بعض الناس لا يُقَدِّرون ما يأخذونه مجاناً. والرسول يقول أنه أذل نفسه ليرتفعوا هم، فشابه بهذا المسيح (يرتفعوا أي يؤمنوا فصاروا أولاد الله) فهل يا ترى أنا أخطأت بعملي هذا، أي تواضعي وإنكاري لذاتي. ولاحظ أنه في تلك الأيام كان الخطباء اليونانيون عرضة للشك إذا لم يطلبوا أجراً. وربما كان بولس لا يطلب أجراً حتى يكون حراً في مقاومة المخطئين منهم.

الأعداد 8-9

الآيات (8 - 9):

- "8سَلَبْتُ كَنَائِسَ أُخْرَى آخِذًا أُجْرَةً لأَجْلِ خِدْمَتِكُمْ، وَإِذْ كُنْتُ حَاضِرًا عِنْدَكُمْ وَاحْتَجْتُ، لَمْ أُثَقِّلْ عَلَى أَحَدٍ. 9لأَنَّ احْتِيَاجِي سَدَّهُ الإِخْوَةُ الَّذِينَ أَتَوْا مِنْ مَكِدُونِيَّةَ. وَفِي كُلِّ شَيْءٍ حَفِظْتُ نَفْسِي غَيْرَ ثَقِيل عَلَيْكُمْ، وَسَأَحْفَظُهَا.".

ومن أجل ألا أثقل عليكم كنت أستكمل حاجات الجسد الضرورية من كنائس أخرى مثل كنيسة فيلبى (في 4: 15، 16). وذلك لأجل نَفعكم الروحي. وفي هذا تلميح أنه قبل من أهل فيلبى إذ أصلحوا أنفسهم، وقد يقبل من أهل كورنثوس إن أصلحوا أنفسهم هم أيضاً.

العدد 10

آية (10): -

"10حَقُّ الْمَسِيحِ فِيَّ. إِنَّ هذَا الافْتِخَارَ لاَ يُسَدُّ عَنِّي فِي أَقَالِيمِ أَخَائِيَةَ.".

هذَا الافْتِخَارَ لاَ يُسَدُّ عَنِّي = لا أحد سوف يمنعني no one shall stop me عن هذا الإفتخار (كما جاءت فى الترجمة الإنجليزية). حَقُّ الْمَسِيحِ فِيَّ = أنا لدىَّ الحقيقة التي أعطاها لي المسيح. وأنا ثابت في الحق الذي هو ليس خارجاً عنى، بل هو ساكن فيَّ لأن المسيح فيَّ، والمسيح هو الحق. ومعنى الآية أنني سوف أستمر في إعلان الحق الذي فيَّ في كل إخائية، ولن يمنعني أحد بأن أفتخر بأنني أقدم هذه الخدمة مجاناً، حتى لا أثقل على أحد.

العدد 11

آية (11): -

"11لِمَاذَا؟ أَلأَنِّي لاَ أُحِبُّكُمْ؟ اَللهُ يَعْلَمُ.".

أرجو ألا تفهموا عدم قبولي المساعدة منكم على أنه نقص في محبتي لكم.

العدد 12

آية (12): -

"12 وَلكِنْ مَا أَفْعَلُهُ سَأَفْعَلُهُ لأَقْطَعَ فُرْصَةَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ فُرْصَةً كَيْ يُوجَدُوا كَمَا نَحْنُ أَيْضًا فِي مَا يَفْتَخِرُونَ بِهِ.".

هذه الآية لها تفسيران: -.

الأول: - هؤلاء الرسل الكذبة يُعَلِّمون ولكنهم يستغلونكم جداً، فلو أخذت منكم سيقولون، وماذا عملناه من خطأ فنحن نأخذ مثل بولس، وأنا أريد أن أقطع عليهم الطريق فلا أكون مثلهم، أنا أريد أن تصل إليكم كلمة الله وبلا أجر. وهذا هو التفسير الأدق.

الثاني: - الرسل الكذبة كانوا لا يأخذون أجراً، وكانوا يريدون أن يتفاخروا على بولس ويتهمونه بالمادية والطمع إذا أخذ أجراً، فقطع بولس عليهم الطريق. ويبدو أن التفسير الأول هو الأقرب للصحة لأنه في آية 20 يشير لأن هؤلاء المعلمين الكذبة يأكلونهم أي يستغلونهم، ويستعبدونهم.

العدد 13

آية (13): -

"13لأَنَّ مِثْلَ هؤُلاَءِ هُمْ رُسُلٌ كَذَبَةٌ، فَعَلَةٌ مَاكِرُونَ، مُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ إِلَى شِبْهِ رُسُلِ الْمَسِيحِ.".

هؤلاء ليسوا رُسُلاً حقيقيون بل يتكلمون بالغش والخداع والكذب ويعملون بالمكر والدهاء فيظهرون كما لو كانوا رُسُلاً حقيقيون. هؤلاء يستغلون كل فرصة للتشكيك في رسولية بولس الرسول ليشوهوا الحق.

العدد 14

آية (14): -

"14 وَلاَ عَجَبَ. لأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ!".

الإنسان من السهل عليه أن يغير شكله، ويتظاهر، بل أن الشيطان هكذا أيضاً يستطيع أن يغير شكله.

العدد 15

آية (15): -

"15فَلَيْسَ عَظِيمًا إِنْ كَانَ خُدَّامُهُ أَيْضًا يُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ كَخُدَّامٍ لِلْبِرِّ. الَّذِينَ نِهَايَتُهُمْ تَكُونُ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ.".

إن كان إبليس يغير شكله فخدامه يصنعون هكذا أيضاً ويظهرون كَخُدَّامٍ لِلْبِرِّ = وخدمة البر تقال عن خدمة العهد الجديد في مقابل خدمة الدينونة التي تقال عن خدمة العهد القديم. حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ = نهاية الرسل الكذبة ستكون باطلة كما أن أعمالهم كانت باطلة.

العدد 16

آية (16): -

"16أَقُولُ أَيْضًا: لاَ يَظُنَّ أَحَدٌ أَنِّي غَبِيٌّ. وَإِلاَّ فَاقْبَلُونِي وَلَوْ كَغَبِيٍّ، لأَفْتَخِرَ أَنَا أَيْضًا قَلِيلاً.".

من يفتخر بنفسه يكون غبياً وأنتم ألزمتموني أن أسلك هكذا. فبولس يحاول إثبات صدق رسوليته ففي هذا إثبات لصدق تعاليمه.

العدد 17

آية (17): -

"17الَّذِي أَتَكَلَّمُ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ بِحَسَبِ الرَّبِّ، بَلْ كَأَنَّهُ فِي غَبَاوَةٍ، فِي جَسَارَةِ الافْتِخَارِ هذِهِ.".

كَأَنَّهُ فِي غَبَاوَةٍ = كما يحسبها الناس إذا تكلم أحد عن نفسه، ولكن بولس هنا يتكلم كوضع إستثنائي. وفى هذا فهو يقطع الطريق على الرسل الكذبة حتى لا يفتخروا هم أيضاً بأنفسهم. لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ بِحَسَبِ الرَّبِّ = أي الرب لا يريدنا أن نفتخر بأنفسنا أو بما نعمله، ولكن فلنلاحظ أن بولس وهو فى دائرة الروح ووحي الروح القدس يتكلم بهدف إثبات صدق رسوليته وبالتالي تعاليمه، وذلك ليخلص على كل حال قوماً. والروح القدس يعطى دروس بما قاله بولس، فمما قاله يتعلم الخدام إلى أي مدى عليهم أن يتحملوا صليب الخدمة.

العدد 18

آية (18): -

"18بِمَا أَنَّ كَثِيرِينَ يَفْتَخِرُونَ حَسَبَ الْجَسَدِ، أَفْتَخِرُ أَنَا أَيْضًا.".

كَثِيرِينَ يَفْتَخِرُونَ حَسَبَ الْجَسَدِ = أي يفتخرون بالبنوة الجسدية لإبراهيم أو بالختان كعلامة في الجسد إثباتاً لأنهم من شعب الله، أو بأعمالهم الجسدية.

العدد 19

آية (19): -

"19فَإِنَّكُمْ بِسُرُورٍ تَحْتَمِلُونَ الأَغْبِيَاءَ، إِذْ أَنْتُمْ عُقَلاَءُ!".

هذا كلام مملوء بالمرارة منهم وفيه تهكم = إِذْ أَنْتُمْ عُقَلاَءُ = والمعنى أنا سأفتخر وأنتم سوف تحتملون هذا الفخر، لأنكم وأنتم عقلاء يجب أن تحتملوا غباوة الأغبياء، أي تحتملوا إفتخاري الذي هو فى نظركم غباوة، كما إحتملتم هؤلاء الرسل الكذبة إذ إفتخروا بأنفسهم ونادوا بضرورة التهود والختان... الخ.

العدد 20

آية (20): -

"20لأَنَّكُمْ تَحْتَمِلُونَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَسْتَعْبِدُكُمْ! إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْكُلُكُمْ! إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْخُذُكُمْ! إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَرْتَفِعُ! إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَضْرِبُكُمْ عَلَى وُجُوهِكُمْ!".

عليكم أن تحتملوا غباوتي (آية 19) كما تحتملون المعاملة السيئة من الذي يَسْتَعْبِدُكُمْ = بان يعيدكم لأحكام الناموس الذي تحررتم منه. والذي يَأْكُلُكُمْ أي يستغلكم مادياً بطلباته الكثيرة، والذي يَأْخُذُكُمْ = أي يسلب ما لديكم من أموال إغتصاباً أو بالعنف. والذي يَرْتَفِعُ = أي يضع نفسه كسيد لكم ويتفاخر عليكم ببنوته الجسدية لإبراهيم ويمدح نفسه لأنه من شعب الله المختار الذين لهم المواعيد والعهود. والذي يَضْرِبُكُمْ عَلَى وُجُوهِكُمْ = المعنى المجازى يعنى يذلكم ويهينكم فاليهود يعتبرون الأمم كلاب. وقد تعنى الضرب فعلاً بإدعاء الغيرة الإلهية على حق الله.

العدد 21

آية (21): -

"21عَلَى سَبِيلِ الْهَوَانِ أَقُولُ: كَيْفَ أَنَّنَا كُنَّا ضُعَفَاءَ! وَلكِنَّ الَّذِي يَجْتَرِئُ فِيهِ أَحَدٌ، أَقُولُ فِي غَبَاوَةٍ: أَنَا أَيْضًا أَجْتَرِئُ فِيهِ.".

عَلَى سَبِيلِ الْهَوَانِ = TO OUR SHAME. إنه من المخجل أن أتكلم عن ضعفاتي، ولكن إحتملوني على إفتراض أن الضعف الذي يعيرونني به هو أمر حقيقي، فأنا لم أستغلكم ولا أهنتكم، ولا مارست سلطاني ضدكم مثلهم، بل كنت كمن هو ضعيف بينكم. ومع ذلك فما يستطيعون أن يفتخروا به أستطيع أن أفتخر أنا أيضاً بمثله، فأنا لست أقل منهم، أنتم ألزمتموني أن أفتخر. ولكننا نجد الرسول هنا يفتخر بضعفاته هذه، فهم بل العالم كله يفتخر بالقوة والمراكز، أما أولاد الله صاروا يفتخرون بالآلام التي يحتملونها لأجل المسيح (أع 5: 41). ولذلك نفهم قوله عَلَى سَبِيلِ الْهَوَانِ أَقُولُ = أنه سيتكلم عن ضعفاته التي يعتبرها العالم شيئاً مخجلاً مهيناً، لكن الرسول يفتخر بها فهي شركة في صليب المسيح. العالم يظن أن ضعف أولاد الله علامة تخلى الله عنهم، أما أولاد الله فيفتخرون بهذا الضعف فهو شركة صليب مع المسيح ومن ثم فهو شركة مجد معه. لذلك نسمع بولس الرسول في (2كو 12: 9، 10) يعلن إفتخاره بالضعفات.

العدد 22

آية (22): -

"22أَهُمْ عِبْرَانِيُّونَ؟ فَأَنَا أَيْضًا. أَهُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ؟ فَأَنَا أَيْضًا. أَهُمْ نَسْلُ إِبْرَاهِيمَ؟ فَأَنَا أَيْضًا.".

عِبْرَانِيُّونَ = يتكلمون العبرانية، وبولس كان يتكلم العبرانية مع أنه مولود في طرسوس. إِسْرَائِيلِيُّونَ = من شعب الله المختار، مختونون في اليوم الثامن.

العدد 23

آية (23): -

"23أَهُمْ خُدَّامُ الْمَسِيحِ؟ أَقُولُ كَمُخْتَلِّ الْعَقْلِ، فَأَنَا أَفْضَلُ: فِي الأَتْعَابِ أَكْثَرُ، فِي الضَّرَبَاتِ أَوْفَرُ، فِي السُّجُونِ أَكْثَرُ، فِي الْمِيتَاتِ مِرَارًا كَثِيرَةً.".

كَمُخْتَلِّ الْعَقْلِ = من يفتخر بنفسه ويعتبر نفسه أفضل من الباقين يكون هكذا فبولس لا يحب أن يعمل هذا ولكنه ملزم لإثبات صدق رسوليته. هم ألزموه.

فِي الأَتْعَابِ = كثير الترحال من بلد إلى بلد. فِي الْمِيتَاتِ = كان من شدة الضرب يصل لدرجة الموت تقريباً. ولكن الله كان يقيمه.

العدد 24

آية (24): -

"24مِنَ الْيَهُودِ خَمْسَ مَرَّاتٍ قَبِلْتُ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً إِلاَّ وَاحِدَةً.".

أقصى عقوبة للجلد 40 جلدة، واليهود لأنهم خافوا أن تزداد عن 40 فيكسروا الناموس لو أخطأوا العد، كانوا ينقصونها لتصبح 39 جلدة.

العدد 25

آية (25): -

"25ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ضُرِبْتُ بِالْعِصِيِّ، مَرَّةً رُجِمْتُ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ انْكَسَرَتْ بِيَ السَّفِينَةُ، لَيْلاً وَنَهَارًا قَضَيْتُ فِي الْعُمْقِ.".

لَيْلاً وَنَهَارًا = أي قضى يوماً كاملاً في المياه وحفظه الله. في العمق أي متعلقاً بألواح السفينة الغارقة. هذه الأتعاب تعنى كرازة الرسول المستمرة.

العدد 26

آية (26): -

"26بِأَسْفَارٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، بِأَخْطَارِ سُيُول، بِأَخْطَارِ لُصُوصٍ، بِأَخْطَارٍ مِنْ جِنْسِي، بِأَخْطَارٍ مِنَ الأُمَمِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْمَدِينَةِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْبَرِّيَّةِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْبَحْرِ، بِأَخْطَارٍ مِنْ إِخْوَةٍ كَذَبَةٍ.".

سفر أعمال الرسل مملوء من الأهوال التي لاقاها الرسول على يد اليهود والوثنيين، وكيف كان اليهود والإخوة الكذبة يحركون الوثنيون ضده. بِأَسْفَارٍ = للكرازة. لُصُوصٍ = كان قطاع الطرق منتشرون في كل مكان. مِنْ جِنْسِي = أي اليهود الذين إعتبروه كأخطر مرتد ودبروا مؤامرات لقتله. فِي الْمَدِينَةِ = فقد حدثت فتن ضده في أورشليم وأفسس ودمشق.

العدد 27

آية (27): -

"27فِي تَعَبٍ وَكَدٍّ، فِي أَسْهَارٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، فِي جُوعٍ وَعَطَشٍ، فِي أَصْوَامٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، فِي بَرْدٍ وَعُرْيٍ.".

فِي جُوعٍ وَعَطَشٍ = خلال أسفاره. أَسْهَار = كان يصلى ويعظ فيها.

العدد 28

آية (28): -

"28عَدَا مَا هُوَ دُونَ ذلِكَ: التَّرَاكُمُ عَلَيَّ كُلَّ يَوْمٍ، الاهْتِمَامُ بِجَمِيعِ الْكَنَائِسِ.

بجانب أتعابه كان عليه الإهتمام بكل الكنائس التي بشرها من الجانب الروحي والعقيدي والسلوكي.

العدد 29

آية (29): -

"29مَنْ يَضْعُفُ وَأَنَا لاَ أَضْعُفُ؟ مَنْ يَعْثُرُ وَأَنَا لاَ أَلْتَهِبُ؟".

وَأَنَا لاَ أَضْعُفُ = هو شعور بشرى حينما يسمع عن ضعفات الآخرين أو إرتدادهم ولكن الله سريعاً ما يعوضه بقوة من عنده. هو شعور فيه تذبل نفس الخادم إشفاقاً على من ضَعُفَ وخشية عليه. فالخادم الحقيقي يشارك وجدانياً من يضعف ويسقط، وإن تألموا يتألم لألامهم. مَنْ يَعْثُرُ = يرتد عن الطريق الصحيح. وَأَنَا لاَ أَلْتَهِبُ = أشعر كأن اللهيب إندلع في صدري. هنا نرى متاعب الخادم الحقيقي.

العدد 30

آية (30): -

"30إِنْ كَانَ يَجِبُ الافْتِخَارُ، فَسَأَفْتَخِرُ بِأُمُورِ ضَعْفِي".

ما إعتبره الناس ضعفاً وحقارة تسبب الخجل، أي الألام والتجارب التي وقعت عليه وقاسى منها، وهذه لم يحتمل مثلها الرسل الكذبة. هذه الضعفات أظهرت عمل الله فيه بالرغم من ضعفه، وهذا يدل على سمو فضله وكونه رسولاً حقيقياً، إذ أن الله يعمل فيه وليس بقوته الخاصة. ولاحظ أنه يفتخر بآلامه ولم يفتخر بالمعجزات التي صنعها ولا بمواهبه.

العدد 31

آية (31): -

"31اَللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ إِلَى الأَبَدِ، يَعْلَمُ أَنِّي لَسْتُ أَكْذِبُ.".

هنا يثبت كلامه الماضي والآتي بأن يشهد الله الآب أنه لا يكذب ليصدقوه.

الأعداد 32-33

الأيات (32 - 33): -

32فِي دِمَشْقَ، وَالِي الْحَارِثِ الْمَلِكِ كَانَ يَحْرُسُ مدِينَةَ الدِّمَشْقِيِّينَ، يُرِيدُ أَنْ يُمْسِكَنِي، 33فَتَدَلَّيْتُ مِنْ طَاقَةٍ فِي زَنْبِيل مِنَ السُّورِ، وَنَجَوْتُ مِنْ يَدَيْهِ. ".

راجع (أع 9: 9 – 25). ونجد هنا تطبيق لما قاله في آية 30 أنه يفتخر بأمور ضعفه، فها هو يهرب في سل من على السور، ولم يكن له قوة إعجازية يواجه بها جنود الحارث، ولكن تظهر هنا عناية الله التي أنقذته، فالله يريده أن يكرز ويبشر. والرسول يضع هذه الحادثة هنا في آخر سلسلة ألامه، إذ هي أول إضطهاد وقع ضده. والحارث هو ملك البتراء العربية. وكان هيرودس أنتيباس متزوجاً من إبنة الحارث وتركها ليخلو له الجو مع هيروديا، فحاربه الحارث وهزمه سنة 36 م في حرب دُمِّرَ فيها جيش هيرودس. وإنتهز الحارث فرصة صداقته مع كاليجولا الإمبراطور الروماني ليضم دمشق إلى ولايته. وأقام الحارث على دمشق والياً من قبله، وهذا الوالى عَلِمَ أن اليهود كانوا يريدون القبض على بولس فأراد الوالي أن يقبض هو عليه ليرضيهم، لكن بولس الرسول هرب منه في سلٍ من على السور.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الإصحاح الثاني عشر - تفسير رسالة كورونثوس الثانية - القمص أنطونيوس فكري

الإصحاح العاشر - تفسير رسالة كورونثوس الثانية - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير كورونثوس الثانية الأصحاح 11
تفاسير كورونثوس الثانية الأصحاح 11