اَلأَصْحَاحُ الثَّانِي عَشَرَ – سفر أخبار الأيام الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي

هذا الفصل هو جزء من كتاب: 14- تفسير سفر أخبار الأيام الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

اَلأَصْحَاحُ الثَّانِي عَشَرَ

انحدار رحبعام المُحزِن.

بعد أن تَثَبَّتَت مملكة رحبعام، ترك هو وشعبه شريعة الرب. بلا شك صُدِمَ الكهنة واللاويون وأيضًا الأتقياء الذين جاءوا من مملكة الشمال لتركها عبادة الله، عندما وجدوا رحبعام بعد ثلاث سنوات انحرف عن شريعة الرب.

بعد خمس سنوات من تبوُّء رحبعام العرش غزا شيشق مؤسس الأسرة الثانية والعشرين لملوك مصر أورشليم، ونهب من الأرض المقدسة كل ما جذب عينيه، سواء في الهيكل أو القصر الملكي.

يُقَدِّم لنا هذا الأصحاح تفاصيل عن حياة رحبعام أكثر مما ورد في الملوك، وللأسف يُقَدِّم تاريخًا مُحزِنًا. يبدو كأننا عُدْنا إلى فترة القضاة.

1. رحبعام وشعبه يفعلون الشر 1.

2. تسليمهم لشيشق ملك مصر 2 - 4.

3. شمعيا يدعوهم للتوبة 5.

4. توبة الرؤساء والملك 6.

5. الرب يرجع عن غضبه 7 - 12.

6. شخصية رحبعام 13 - 16.

العدد 1

1. رحبعام وشعبه يفعلون الشر

وَلَمَّا تَثَبَّتَتْ مَمْلَكَةُ رَحُبْعَامَ وَتَشَدَّدَتْ،.

تَرَكَ شَرِيعَةَ الرَّبِّ هُوَ وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ. [1].

كثيرًا ما يتجاهل الإنسان الاتكال على الله متى شبع وتقوَّى، وعوض تسبيح الله على عطاياه ينشغل بالعطية عن العاطي نفسه.

عاش رحبعام وشعبه ثلاث سنوات سالكًا في طريق الرب، وكانت المملكة قوية بالرغم من انفصال عشرة أسباط عنهم. للأسف كل ما كان يشغل رحبعام تثبيت المملكة، وليس العِشْرَة مع الله. لم يعد يخاف من مصر، إذ اتكل على مدنه الحصينة، وترك الرب.

"وكل إسرائيل": يقصد هنا مملكة يهوذا التي تضم سبطين فقط مع جميع الكهنة اللاويين والأتقياء الذين جاءوا من مملكة إسرائيل. لم يقل مملكة يهوذا، بل "إسرائيل"، لأنه لا ينظر إلى المملكة الشمالية على أنها إسرائيل حتى وإن دعت نفسها هكذا، ودعتها الأمم المجاورة هكذا، لأنها سارت في طريق الشر حيث سحب يربعام الشعب إليه. ولعله يدعو مملكة يهوذا هنا إسرائيل، وإن كانت هي بدورها تركت الرب مثل مملكة الشمال.

تبرز خطورة القائد، فإذ انحرف رحبعام تبعه انحراف الشعب كله وراءه.

عندما اهتز رحبعام بسبب الانشقاق، لجأ إلى الله، وإذ تشدَّدت مملكته اتَّكل على قوته وإمكانياته وترك طريق الرب. هذا ما يحذرنا منه الرب، فحين يشبع الإنسان ويطمئن ويتمتع بكثير من البركات، ينسى خالقه ويجحد راعيه، عوض تقديم الشكر له. يقول الرب: "لأني أدخلهم الأرض التي أقسمت لآبائهم الفائضة لبنًا وعسلاً، فيأكلون ويشبعون ويسمنون، ثم يلتفتون إلى آلهة أخرى ويعبدونها، ويزدرون بي وينكثون عهدي" (تث 31: 20).

"فسمن يشورون (أي المحبوب) ورفس. سمنت وغلظت واكتسيت شحمًا! فرفض الإله الذي عمله، وغبيَ عن صخرة خلاصه" (تث 32: 15). هكذا يُشبِّه إسرائيل المحبوب بفرسٍ أكل وشبع وسمن وغلظ وامتلأ شحمًا، فبدأ يرفس صاحبه الذي أوجده، وفي غباوة استهان بالله صخرة خلاصه. قدَّم الله لهم من خيراته فعِوَض تقديم ذبيحة شكر له، يرفعون أقدامهم ليرفسوا الله نفسه. عندما يُوبِّخهم الله خلال أنبيائه يثورون كبقرة جامحة وثورٍ غير معتاد أن يحمل النير. بكبريائهم لا يحتملون كلمة توبيخ حتى إن صدرت من الله خالقهم.

قيل: "سمنوا لمعوا. أيضًا تجاوزوا في أمور الشر، لم يقضوا في الدعوى، دعوى اليتيم. وقد نجحوا، وبحق المساكين لم يقضوا" (إر 5: 28). بمعنى ظنوا أنهم صاروا عظماء أصحاب سلطان، أغنياء لا يعوزهم شيء، سمناء مملئون صحة، لامعين أو ملسو الشعر أي مملئون جمالاً، ولم يدركوا أنهم في واقع الأمر جمعوا لأنفسهم شرًا عظيمًا. هذا هو ما اقتنوه، لأن الأمور السابقة تتغيَّر وتنتهي ويبقى القلب فاسدًا بالشر.

  • هذه (الأحزان) تسحب الرحمة، وتُقَدِّم لنا الحنو، ومن الجانب الآخر فإن ذاك (الغنى) يرفعنا إلى كبرياء غبي، ويقودنا إلى الكسل، ويدفع الإنسان إلى مظاهر كثيرة تجعله متشامخًا. لهذا يقول المرتل: "خير ليّ يا رب أنك أذللتني، فأتعلَّم أحكامك" (مز 119: 71)... كما "الرب يعرف عندما يقضي أحكامًا" (مز 9: 16) [107].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

الأعداد 2-4

2. تسليمهم لشيشق ملك مصر

وَفِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ لِلْمَلِكِ رَحُبْعَامَ صَعِدَ شِيشَقُ مَلِكُ مِصْرَ عَلَى أُورُشَلِيم،.

لأَنَّهُمْ خَانُوا الرَّبَّ. [2].

في السنة الرابعة تركوا الرب، وفي السنة الخامسة سمح الله لشيشق ملك مصر أن يصعد إلى مملكة يهوذا، ويأخذ المدن الحصينة التي ليهوذا، وأتى إلى أورشليم. لقد أراد الله أن يوقظهم ويَرُدَّهم للتوبة قبل أن تتحجَّر قلوبهم.

حَلَّت الضيقة من دولة لا يتوقعون أنها تهاجمهم. فقد كانت العلاقة طيِّبة مع مصر في العهد السابق. جاء ملك مصر بقوة عظيمة حتى استولى على المدن المُحصّنة بالأسوار، والتي اعتمد عليها رحبعام لسلامة مملكته.

يرى الربيون، خاصة الحاخام Sol. Jarchi أن شيشق المذكور هنا هو فرعون نخو Necho الذي غزا إسرائيل للاستيلاء على العرش العاجي الذي لزوج ابنته سليمان، والذي طالما اشتهاه، وقد أخذه فعلاً. يبدو أنه قام بسلب الهيكل والقصر الملكي الخ، وباختصار أخذ كل ما سقط بين يديه دون مقاومة، خاصة وأن رحبعام لم يكن يُبالِي بالهيكل[108].

حسب الفكر البشري الظاهر أن شيشق هاجم مملكة يهوذا كنوعٍ من مساندة يربعام الذي التجأ إلى مصر، ولإبراز قوة مصر، لكن حسب خطة الله كان لتأديب رحبعام وشعبه.

بِأَلْفٍ وَمِئَتَيْ مَرْكَبَةٍ وَسِتِّينَ أَلْفَ فَارِسٍ،.

وَلَمْ يَكُنْ عَدَدٌ لِلشَّعْبِ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَهُ مِنْ مِصْرَ:

لُوبِيِّينَ وَسُكِّيِّينَ وَكُوشِيِّينَ. [3].

لوبيون، أي شعب ليبيا، الذين كانوا محاذين لمصر.

سُكيون أو سكيوم Sukkiims: كانوا غالبًا من المصريين الساكنين غرب البحر الأحمر. جاء اسمهم في الترجمة السبعينية "ساكنو المغارات Troglodytes"، فغالبًا ما كانوا من سكان الجبال. يرى البعض أن اسمهم جاء مشتقًّا من الكلمة Cykiyiym أو Caakak، ويعني مُغطي أو مغمور، إذ كانوا كمن هم مغمورون تحت الأرض.

وَأَخَذَ الْمُدُنَ الْحَصِينَةَ الَّتِي لِيَهُوذَا،.

وَأَتَى إِلَى أُورُشَلِيمَ. [4].

يسمح الله للقائد كما للشعب بالتأديب (12: 2 - 4). لا نعجب إن رأينا الله الذي سبق فأنقذهم من عبودية مصر على يدي موسى النبي، الآن إذ انحرف شعبه يهوذا لم يُسَلِّمهم للتأديب على يديّ إخوتهم إسرائيل، بل سَلَّمهم كما للعالم الشرير ليؤدبهم. ما يشغل قلب الله هو خلاص المؤمنين به، لا مُتعتهم الزمنية أو كرامتهم الوقتية في العالم.

العدد 5

3. شمعيا يدعوهم للتوبة.

فَجَاءَ شَمَعْيَا النَّبِيُّ إِلَى رَحُبْعَامَ وَرُؤَسَاءِ يَهُوذَا،.

الَّذِينَ اجْتَمَعُوا فِي أُورُشَلِيمَ مِنْ وَجْهِ شِيشَقَ،.

وَقَالَ لَهُمْ: هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: أَنْتُمْ تَرَكْتُمُونِي،.

وَأَنَا أَيْضًا تَرَكْتُكُمْ لِيَدِ شِيشَقَ. [5].

جاء التأديب: "أنتم تركتموني، وأنا أيضًا تركتكم ليد شيشق".

اجتمع رؤساء يهوذا في أورشليم مع الملك بكونهم مجلس شورى حربي، لبحث الموقف في تلك الفترة الحرجة.

أرسل الله إليهم نبيًا، يوضح لهم سرَّ سقوطهم. وهو نفس النبي الذي سبق فأرسله إليهم ليمنعهم من القيام بحربٍ مع الأسباط العشرة (11: 2).

جاء النبي ليؤكد لهم أن ما حلَّ بهم هو بسماحٍ من الله لتأديبهم، وليس لإهمال في تدبير أمورهم العسكرية. ربما انشغل المجلس بدراسة سرِّ هزيمتهم بالرغم من المجهودات التي بُذِلَت من أجل سلامة البلاد من الأعداء. أَكَّد لهم النبي أن سرَّ فشلهم هو تركهم للرب.

العدد 6

4. توبة الرؤساء والملك

فَتَذَلَّلَ رُؤَسَاءُ إِسْرَائِيلَ وَالْمَلِكُ وَقَالُوا:

بَارٌّ هُوَ الرَّبُّ. [6].

أثمرت رسالة شمعيا بتوبة رؤساء إسرائيل والملك. لقد قَدَّموا توبة، وتذلَّلوا أمام الرب، واعترفوا أن انحرافهم هو السبب في هزيمتهم. "قالوا: بار هو الرب"، أي ليس لنا أن نلوم الله، بل نلوم أنفسنا. فصدّ الرب شيشق، فلا تزداد ضغوطه على أورشليم، إنما سمح لشعبه أن يصيروا عبيدًا لملك مصر. أراد لهم أن يختبروا الفارق بين التعبُّد لله واهب الحرية والسعادة، والعبودية للملك الوثني التي تُحَطِّم النفس، وتُفقد كل ثمينٍ بين أيديهم.

الأعداد 7-12

5. الرب يرجع عن غضبه

فَلَمَّا رَأَى الرَّبُّ أَنَّهُمْ تَذَلَّلُوا،.

كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى شَمَعْيَا:

قَدْ تَذَلَّلُوا، فَلاَ أُهْلِكُهُمْ، بَلْ أُعْطِيهِمْ قَلِيلاً مِنَ النَّجَاةِ،.

وَلاَ يَنْصَبُّ غَضَبِي عَلَى أُورُشَلِيمَ بِيَدِ شِيشَقَ [7].

إذ تذلل الملك والشعب، لم يسمح الله بإبادتهم إنما بتأديبهم، فكل ما صنعه أبوه في إقامة هيكل جميل للرب أفسده رحبعام، حيث سلب شيشق ملك مصر زخارفه وكل خزائنه، وأفسد مجد العبادة الماضية.

لم يسمح الله بدمار أورشليم وإفنائها تمامًا [7، 12]. لكن تركهم تحت ضيقٍ مؤقت، لأن توبتهم لم تكن كاملة تمامًا، إنما قيل: "وكذلك كان في يهوذا أمور حسنة" [12]. بمعنى أنه وُجِدَ في يهوذا خدام صالحون وشعب صالح وعائلات صالحة، الذين استجابوا لنداء النبي، وأدركوا ما وراء المصائب التي حَلَّت بالبلاد. يقول المرتل: "تأْديبًا أدَّبني الرب، وإلى الموت لم يُسَلِّمني" (مز 118: 18) [109].

  • "تأديبًا أدبني الرب، وإلى الموت لم يسلمني"... لا يشكر المرتل لأنه يتحرر (من الضيق)، وإنما يدرك أيضًا النعمة العظيمة التي حلَّت عليه، فأشار إلى فائدة التجربة. ما هي؟ يقول: "تأديبًا أدَّبني الرب". هذه هي قيمة المخاطر، فإنها تجعل الإنسان في حالة أفضل[110].
  • هكذا يعمل الله، بكونه الآب المُعتنِي بنا وليس المُنتقِم، إنما يُسَلِّمنا للتجارب كما لو كانت نظار مدارس ومدرسين، لتأديبنا وتمتعنا بالتعقُّل، فنُظهر الصبر، ونتعلم كل تدبيرٍ صالحٍ، ونرث ملكوت السماوات[111].
  • الأمراض والمصائب تُعَلِّمنا.

ألم يُعَلِّمك أب أو مُعَلِّم أو أمير أو مُشَرِّع أو قاضٍ أن تخاف؟... فإنه حين يحلُّ المرض الجسدي غالبًا ما يرد لك صوابك...

علاوة على هذا، فإن المصاعب المُرَّة التي تحل ليس فقط علينا، بل وحتى على الآخرين أيضًا لها منافع كبرى بالنسبة لنا. فقد لا نعاني نحن من ألمٍ، لكننا إذ ننظر الغير يُؤدَّبون نتعقَّل نحن أكثر منهم[112].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

  • التأديب (أو التوبيخ) هو دليل الرعاية المُحِبة، وهو يقود إلى الفهم.

يظهر المعلِّم هذا التوبيخ حين يقول في الكتاب: "كم مرَّة أردتُ أن أجمع أولادك، كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا" (مت 23: 37). ويقول الكتاب أيضًا: "زَنوا وراء الأصنام والحجر، وقرَّبوا مُحرَقاتهم للبعل". إنه لدليل عظيم على حُبِّه، فمع أنه يعرف خزي الذين رفضوه، وأنهم جروا بعيدًا عنه، مع ذلك يحثَّهم على التوبة. ويقول لحزقيال: "أما أنت يا ابن آدم، لا تخف أن تكلِّمهم، فربَّما يسمعون" (راجع حز 2: 6). ويقول لموسى: "اذهب وقُلْ لفرعون أن يُطلِقَ شعبي. ولكن أنا أعلم أنه لن يُطلقهم." هنا يظهر كلا الأمرين: أُلوهيَّته، التي تظهر من سابق علمه بالذي سوف يحدث، وحبُّه، بإتاحته الفرصة لهم أن يختاروا التوبة لأنفسهم.

باهتمامه بالشعب وَبَّخهم في إشعياء، قائلاً: "هذا الشعب أكرمني بشفتيه، وأما قلبه فمُبتعد عنِّي" (إش 29: 13). ويقول أيضًا: "باطلاً يعبدونني، وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس" (مت 15: 9). هنا رعايته المُحِبَّة تظهر خطاياهم والخلاص جنبًا إلى جنب[113].

القدِّيس إكليمنضس السكندري.

  • كل من يؤمن يقبله الرب، لكنه يؤدب كل ابن يقبله (عب 12: 6). وفي تأديبه له لا يُسَلِّمه للموت. لأنه مكتوب: "أَدَبًا أَدَّبني الرب، وإلى الموت لم يُسَلِّمني" (مز 118: 18) [114].

القديس أمبروسيوس.

  • من يَقْبَلُ تأديب الرب بنشاطٍ ينتفع منه، ويصلح رأيه وأعماله، ولا يُسَلَّم للموت الذي يلحق ملازمي القبائح. لهذا يسمح الرب بسقوط أخصائه في شدائدٍ، ليكسبوا من المحن والتجارب البرء من موت الخطية. يقول الرسول: "الذي يحبه الرب يؤدبه، ويجلد كل ابنٍ يقبله" (عب 12: 6). إن صبرتم على التأديب بأن الله يعاملكم كبنين، لأن من هو الابن الذي لا يؤدبه أبوه. وإن كنتم خالين من التأديب... فأنتم إذن نغول لا بنين.

الأب أنسيمُس الأورشليمي.

  • انظروا كيف يختم (أيوب) كل ما شعر به بحق بمباركته الرب. بهذه الطريقة فإن العدو يدركه الخزي، ويحسب ذلك كعقوبة له وهزيمة. فإنه هو نفسه، وإن كان قد خُلق في بركة إلا إنه تمرد على الرب، بينما ذلك الذي هو مائت ينطق بتسبحة المجد حتى وهو تحت تأديباته...

بكلمات الصبر سبَّح الله عندما ضُرِبَ. لقد صوَّب سهامًا كثيرة في صدر خصمه، وأصابه بجراحات أكثر مرارة من التي سقط هو تحتها. فإنه بمحنته فقد الأرضيات، وباحتماله لها بتواضع ضاعف بركاته السماوية.

البابا غريغوريوس (الكبير).

لَكِنَّهُمْ يَكُونُونَ لَهُ عَبِيدًا،.

وَيَعْلَمُونَ خِدْمَتِي، وَخِدْمَةَ مَمَالِكِ الأَرَاضِي. [8].

إن كان الله من أجل تَذَلُّلهم لم يسمح بتدمير أورشليم وقطع بيت داود، إلا أنه سمح لهم بالسقوط في العبودية لخدمة ملك مصر، ليدركوا مرارة ثمر الخطية.

إذ تركوا الرب مُحَرِّر النفوس من عبودية إبليس، سمح لهم أن يكونوا عبيدًا تحت رحمة ملك مصر، يلتزمون بدفع جزيةٍ ثقيلةٍ، حتى يدركوا أن وصية الرب ليس ثقيلة، إنما تركهم للرب ثقيل للغاية.

إذ رفضوا الخضوع للرب وخدمته، صاروا يخدمون أعداءهم في جوعٍ وعطشٍ وعارٍ وخزيٍ. بهذا ترجع كل نفسٍ إلى الله بكونه رجلها الأول الذي هجرته لتسلك في الفساد. جاء في هوشع: "تقول: أذهب وأرجع إلى رجلي الأول، لأنه حينئذٍ كان خير لي من الآن" (هو 2: 7).

لقد رفضوا فرائض الرب واهبة الفرح، فسقطوا تحت فرائض شيشق ملك مصر غير الصالحة.

تبدو وصية الرب فيها حرمان من اللذات، وفقدان لبهجة الحياة الزمنية، لكن الهروب من الوصية الإلهية هو عبودية لإبليس ومحبة العالم وملذات الجسد.

فَصَعِدَ شِيشَقُ مَلِكُ مِصْرَ عَلَى أُورُشَلِيمَ،.

وَأَخَذَ خَزَائِنَ بَيْتِ الرَّبِّ وَخَزَائِنَ بَيْتِ الْمَلِكِ، أَخَذَ الْجَمِيعَ،.

وَأَخَذَ أَتْرَاسَ الذَّهَبِ الَّتِي عَمِلَهَا سُلَيْمَانُ. [9].

تركهم الله يخدمون ملك مصر، لكي يختبروا عمليًا الفرق بين خدمة الله التي رفضوها وخدمة ملك مصر الذي يستعبدهم، بكونه رمزًا لإبليس.

نهب ملك مصر خزائن الهيكل والقصر الملكي التي تركها سليمان مملوءة. ما جمعه داود وابنه سليمان خلال التصاقهما بالرب، أضاعه رحبعام بتركه للرب.

فَعَمِلَ الْمَلِكُ رَحُبْعَامُ عِوَضًا عَنْهَا أَتْرَاسَ نُحَاسٍ،.

وَسَلَّمَهَا إِلَى أَيْدِي رُؤَسَاءِ السُّعَاةِ الْحَافِظِينَ بَابَ بَيْتِ الْمَلِكِ. [10].

جاء الانحدار من سليمان إلى ابنه رحبعام، من عصر ذهبي مجيد إلى عصر مَذَلَّة؛ إذ أخذ ملك مصر أتراس الذهب، وعمل الملك رحبعام أتراس نحاس [9]. تم الانحدار في جيلٍ واحدٍ وبصورة مُرَّة، لم يحدث مثلها من قبل في إسرائيل.

تكرر كثيرًا الانحدار المُفاجِئ في عصور كثيرة وأخيرًا سقطت أورشليم في السبي البابلي.

يقول يوسيفوس المؤرخ عن رحبعام: "إنسان متكبِّر وأحمق" [115].

فقدان الأتراس الذهبية واستخدام أتراس نحاسية، يشير إلى عمل الخطية في حياتنا حيث تُحَوِّل ما هو سماوي بين أيدينا إلى ما هو أرضي.

وَكَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَلِكُ بَيْتَ الرَّبِّ يَأْتِي السُّعَاةُ وَيَحْمِلُونَهَا،.

ثُمَّ يُرْجِعُونَهَا إِلَى غُرْفَةِ السُّعَاةِ. [11].

وَلَمَّا تَذَلَّلَ ارْتَدَّ عَنْهُ غَضَبُ الرَّبِّ فَلَمْ يُهْلِكْهُ تَمَامًا.

وَكَذَلِكَ كَانَ فِي يَهُوذَا أُمُورٌ حَسَنَةٌ. [12].

مع أخطاء رحبعام الخطيرة، قيل: "كان في يهوذا أمور حسنة" (12: 12).

الأعداد 13-16

6. شخصية رحبعام

فَتَشَدَّدَ الْمَلِكُ رَحُبْعَامُ فِي أُورُشَلِيمَ وَمَلَكَ،.

لأَنَّ رَحُبْعَامَ كَانَ ابْنَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ،.

وَمَلَكَ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ الْمَدِينَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا الرَّبُّ لِيَضَعَ اسْمَهُ فِيهَا،.

دُونَ جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ.

وَاسْمُ أُمِّهِ نَعْمَةُ الْعَمُّونِيَّةُ. [13].

تثبَّتت مملكته إلى حدٍّ ما، واهتَّم بتحصين مدينة أورشليم.

وَعَمِلَ الشَّرَّ، لأَنَّهُ لَمْ يُهَيِّئْ قَلْبَهُ لِطَلَبِ الرَّبِّ. [14].

وَأُمُورُ رَحُبْعَامَ الأُولَى وَالأَخِيرَةُ،.

مَكْتُوبَةٌ فِي أَخْبَارِ شَمَعْيَا النَّبِيِّ وَعِدُّو الرَّائِي عَنِ الاِنْتِسَابِ.

وَكَانَتْ حُرُوبٌ بَيْنَ رَحُبْعَامَ وَيَرُبْعَامَ كُلَّ الأَيَّامِ. [15].

لم يثبت في علاقته بالرب؛ غالبًا لم يصل إلى حد نبذ عبادة الرب تمامًا، غير أنه عمل الشرّ، َ ولم يُهَيِّئ قلبه لطلب الرب.

غالبًا ما كان يُعَرِّج بين الرغبة في عبادة الرب والتمتُّع باللذّات الزمنية. لم يُسَلِّمْ قلبه وفكره وحياته للرب بالتمام.

تكرر التحرش بين الشعبين: يهوذا وإسرائيل مما أدى إلى قيام حروب مستمرة.

ثُمَّ اضْطَجَعَ رَحُبْعَامُ مَعَ آبَائِهِ وَدُفِنَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ،.

وَمَلَكَ أَبِيَّا ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ. [16].

من وحي 2 أي 12.

بحُبِّك تؤدب لكي تُخَلِّص!

  • حَصَّنَ رحبعام مدنه، وتثبتت مملكته.

اطمأنت نفسه، واعتزَّ بقدراته وإمكانياته.

حسب في وصاياك حرمانًا فتركها.

دفع شعبه للعصيان والبُعد عنك.

  • ظن شيشق ملك مصر أنه بحكمة يتحرك.

غزا مملكة يهوذا ليُرضِي يربعام صديقه،.

ويعلن قوته وعظمته أمام الدول المحيطة.

لم يدرك أن الله يسمح له بذلك لتأديب رحبعام.

  • سمح له الرب بالنصرة لكن في حدود.

فإنه يؤدب رحبعام وشعبه،.

ولكن ليس لهلاكهم بل لرجوعهم إليه.

إنه يسمح بتأديبنا حتى بأيدي الأشرار.

لكن إلى الموت لا يُسَلِّمنا.

إنه أب يود رجوع أولاده إليه.

إنه طبيب، يمسك بالمشرط ليشفي لا ليقتل.

تأديباته تشع حبًا ورعاية خفية.

خير لي أنك أذللتني.

ففي وسط مرارتي، تعزياتك تُلَذِّذ نفسي!


[107] In Hebr. hom. 33: 8.

[108] Cf. Adam Clarke: Commentary on 1 Kings 14: 31.

[109] راجع تفسير مز 118.

[110] On Ps. 118.

[111] On Statues, homily 18.

[112] On Statues, hom. 13.

[113] Paedagogus, 1: 9. ترجمة دكتورة إيفا إدوارد بدمياط.

[114] On Repentance, 1.

[115] Antiq. 8: 10: 4.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

اَلأَصْحَاحُ الثَّالِثُ عَشَرَ - سفر أخبار الأيام الثاني - القمص تادرس يعقوب ملطي

اَلأَصْحَاحُ الْحَادِي عَشَرَ - سفر أخبار الأيام الثاني - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفاسير أخبار الأيام الثاني الأصحاح 12
تفاسير أخبار الأيام الثاني الأصحاح 12