الأصحاح الثالث عشر – تفسير إنجيل لوقا – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: انجيل لوقا – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح الثالث عشر

وجوب التوبة.

الأعداد 1-5

الآيات (لو1: 13 - 5): -

"1 وَكَانَ حَاضِرًا فِي ذلِكَ الْوَقْتِ قَوْمٌ يُخْبِرُونَهُ عَنِ الْجَلِيلِيِّينَ الَّذِينَ خَلَطَ بِيلاَطُسُ دَمَهُمْ بِذَبَائِحِهِمْ. 2فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَتَظُنُّونَ أَنَّ هؤُلاَءِ الْجَلِيلِيِّينَ كَانُوا خُطَاةً أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الْجَلِيلِيِّينَ لأَنَّهُمْ كَابَدُوا مِثْلَ هذَا؟ 3كَلاَّ! أَقُولُ لَكُمْ: بَلْ إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذلِكَ تَهْلِكُونَ. 4أَوْ أُولئِكَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ الَّذِينَ سَقَطَ عَلَيْهِمُ الْبُرْجُ فِي سِلْوَامَ وَقَتَلَهُمْ، أَتَظُنُّونَ أَنَّ هؤُلاَءِ كَانُوا مُذْنِبِينَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ السَّاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ؟ 5كَلاَّ! أَقُولُ لَكُمْ: بَلْ إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذلِكَ تَهْلِكُونَ».".

سمع اليهود تأنيب السيد لهم في الآيات السابقة على عدم تمييزهم فبادروه بهذا السؤال. وربما يكون هدف السؤال:

ربما كانوا يصرفون نظره إلى مصيبة قتل الجليليين ليكف عن هجومه عليهم.

إذ أشار المسيح للحاكم والقاضي في مثله الأخير إشتكوا له من ظلم بيلاطس.

ربما أرادوا أن يوقعوا بالمسيح، فإن هو هاجم بيلاطس إشتكوه له وإن هو وافق بيلاطس لصار معادياً للشعب.

مشكلة الألم هي مشكلة واجهت البشر في كل مكان وزمان، والسؤال هنا، لماذا يتألم هؤلاء ويموتوا وهم يعملون خيراً أي يقدمون ذبائح.

ربما تصوروا أن المسيح هو الملك الآتي، فهم يشتكون له ظلم بيلاطس.

واليهود كان لهم رأي أن من يكابد ألماً فهو بالضرورة شرير، وهذا قد إتضح في حديث أيوب مع أصدقائه. والمسيح هنا ينكر هذا الفكر بل يزيد على الحادثة التي ذكروها أي قتل بيلاطس للجليليين، حادثة أخرى تمت بوقوع برج على 18شخصاً فقتلهم. فالحادثة التي أشاروا هم إليها تمت بيد بشرية هي يد بيلاطس، والحادثة الثانية تمت بيد إلهية مثل الكوارث الطبيعية كالزلازل. ورد السيد نلاحظ فيه:

أنه لم يقدم تفسير لهذه الحادثة أو تلك، فالله غير مطالب بأن يقدم لنا تفسير عن كل حادثة. فالطبيب الماهر لا يشرح لمريضه تفاصيل العملية الجراحية التي سيقوم بها، يكفي المريض ثقته في طبيبه، ويكفينا كأولاد الله أن نعلم أننا في يد الله، الذى هو ضابط الكل القوى وهو أبونا، وإذا سمح بأي حدث سيكون للخير، فالله صانع خيرات، وليس هناك عند أولاد الله ما يسمونه كوارث، فما نسميه كوارث سيكون علة دخولنا للسماء، المهم أننا لا نطالب الله بتقديم تفسير عن كل ما يسمح به، ثقة منّا في أنه صانع خيرات، وفى هذا يقول بولس الرسول "كل الأشياء تعمل معا للخير..." (رو8: 28).

أن النوازل والكوارث التي تصيب البشر سواء يهود أو جليليين أو أي من الشعوب في كل زمان ومكان على السواء، سواء هي بفعل إنسان أو كارثة طبيعية ليست بدليل على أن من نزلت بهم كانوا أشر من غيرهم، وأن الموت الزمني رمز للموت الروحي، وأن كل نازلة ما هي إلاّ إنذار بالهلاك المعد للباقين إن لم يتفادوه بالتوبة. إذاً هذه الحادثة يجب إعتبارها كإنذار فالموت يأتى كلص، بل وكل حادثة مماثلة عوضاً عن أن نحكم على المصاب بأنه خاطئ.

علينا أن لا نحكم على أن الآخرين مخطئين بالضرورة إن وقعوا تحت الآلام، وأن نقول أن الأصحاء والأغنياء هم أبرار بالضرورة وإلاّ لما تألم المسيح نفسه وصُلِب وهو البار.. وإلاّ لما ذهب لعازر للسماء، والغني إلى الجحيم. ولكن الخطية هي علة الهلاك الأبدي وليس الزمني.

علينا أن لا نحكم على أحد، وعلينا أن لا نهتم بخطايا الآخرين، بل بخطايانا نحن، ونقدم عنها توبة ولذلك يكرر المسيح مرتين في هذه الآيات إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون. إذاً علينا أن لا نتساءل عن الحكمة في كل تجربة، بل علينا أن نقدم توبة قائلين "إلهنا إله خَيِّر ولا يخطئ".

المسيح إعتبر أن هذه الآلام هي مجرد إنذار، وإن لم يقدم السامعين توبة سيهلكون. وهذا ما حدث، ففي سنة 70م أهلك تيطس أورشليم.

كان كثيرون من الجليليين ثواراً رافضين لملك قيصر، رافضين أن يقدموا ذبائح لسلامة قيصر وسلامة الدولة الرومانية، وكانوا أتباع ثائر إسمه يهوذا الجليلي. وربما ظن بيلاطس أن هؤلاء الجليليين الذين أتوا ليقدموا ذبائح أنهم من هؤلاء الثوار وهم أبرياء، فقتلهم بيلاطس وهم يقدمون ذبائحهم في الهيكل (أع7: 5). ويرى بعض الدارسين أن ما عمله بيلاطس هنا كان سبب العداء بينه وبين هيرودس، فهؤلاء الجليليين كانوا من رعاياه.

قد يسمح الله ببعض الضيقات ويكون ذلك ليدفعنا للتوبة، فإن لم نفهم ونتب، تكون هذه الضيقات رمزاً لضيقتنا وهلاكنا الأبدي.

كما نقول في القداس الغريغوري "أنا إختطفت لي قضية الموت" فالموت والألم والمكابدة (المعاناة) دخلت للعالم بسبب خطية البشر. لكن الله الحنون "يحول لي العقوبة خلاصاً" (القداس الغريغوري) فتكون لمن يحبون الله كل الأشياء تعمل معاً للخير (رو28: 8).

في الآية السابقة يقول بولس الرسول "نحن نعلم" وهذا من دراستنا للكتاب ومن خبراتنا مع الله نرى الله أب حنون "في كل ضيقهم تضايق" وبهذا لا يسمح الله بأي حدث إلاّ لو كان لخلاص نفسي. لكن لا داعي للتساؤلات فلن نفهم الآن.

(التينة غير المثمرة).

الأعداد 6-9

الآيات (لو6: 13 - 9): -

"6 وَقَالَ هذَا الْمَثَلَ: «كَانَتْ لِوَاحِدٍ شَجَرَةُ تِينٍ مَغْرُوسَةٌ فِي كَرْمِهِ، فَأَتَى يَطْلُبُ فِيهَا ثَمَرًا وَلَمْ يَجِدْ. 7فَقَالَ لِلْكَرَّامِ: هُوَذَا ثَلاَثُ سِنِينَ آتِي أَطْلُبُ ثَمَرًا فِي هذِهِ التِّينَةِ وَلَمْ أَجِدْ. اِقْطَعْهَا! لِمَاذَا تُبَطِّلُ الأَرْضَ أَيْضًا؟ 8فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُ: يَا سَيِّدُ، اتْرُكْهَا هذِهِ السَّنَةَ أَيْضًا، حَتَّى أَنْقُبَ حَوْلَهَا وَأَضَعَ زِبْلاً. 9فَإِنْ صَنَعَتْ ثَمَرًا، وَإِلاَّ فَفِيمَا بَعْدُ تَقْطَعُهَا».".

في الكلام السابق رأينا أهمية التوبة وإلاّ نهلك، وهنا السيد يشير لأن الله يبطئ في الدينونة على الخطاة ليعطيهم فرصة للتوبة ولكن هناك زمن، وإن تأخرت توبتنا تكون هناك ضربات. إذاً عليَّ ألا أبطئ. واحد = هو الله. ما هي هذه التينة وما هي الكرمة؟ وما هي الثلاث سنين؟

ترمز التينة لشعب اليهود. والثلاث سنين هي ثلاث حقب زمنية أ) من إبراهيم لداود ب) من داود إلى السبي ج) من السبي للمسيح. وهذا بحسب تقسيم (مت إصحاح 1). والله أعطى لليهود شريعته وأرسل لهم الأنبياء وأقام لهم كهنوتاً لعلهم يثمرون ولكن بلا جدوى. الثمر = أعمال الخير. والكرمة هي الكنيسة، وكان لابد من قطع التينة غير المثمرة فوجودها بطقوسها الناموسية سيعطل الكرمة (الإعتماد على الختان وطهارة الجسد يعطل عمل النعمة غل1: 5 - 6). وقد رأينا في الأسبوع الأخير للمسيح في أورشليم أنه يلعن التينة غير المثمرة فتجف رمزاً لما سيحدث للأمة اليهودية. ولكن الله بمراحمه سيظل يتعهد هذه التينة ويضع زبلاً فهناك بقية ستؤمن، ومن يؤمن سيثمر، ومن لن يؤمن سيهلك.

ترمز التينة لأي كنيسة وسط الكرمة أي الكنيسة في كل العالم، والله يطلب الثمر من كل كنيسة، والكنيسة التي بلا ثمر سيقطعها الله (رؤ5: 2).

ترمز التينة لكل نفس بشرية لمؤمن وسط الكرمة أي الكنيسة والله يتعهد كل نفس وكل كنيسة بمواهبه ونعمته وطول أناته ولكنه يطالب بالثمر. ولا ثمر بدون توبة.

لماذا سميت تينة؟ بينما الكنيسة تسمى كرمة. التينة تشير لما عمله آدم بأن ستر نفسه بأوراق تين (تك7: 3)، وهذه محاولة خادعة. فالخطية في الداخل، بينما محاولة النفس هي محاولة خارجية محكوم عليها بالفشل، هذا ما نسميه الرياء، فالنفس تدَّعي الطهارة لكنها ليست ملتحفة ولابسة الرب يسوع برها وسترها، بل هي ترتدي أعمال بر مظهرية تدعى بها القداسة، أما كنيسة الله فهي الكرمة التي تلبس الرب يسوع برها ودمه يسري فيها ويغطيها، وهذا هو ما يفرحه، خمر كنيسته أي كرمته (نش1: 5 + 2: 8 + 2: 1). فالخمر رمز للفرح. فالله يفرح بكنيسته التي بررها. ولاحظ أن كل قديسي العهد القديم (إبراهيم وإسحق.. وإيليا..) كانوا تابعين للكرمة فهم تغطوا بدم المسيح (رو3: 25).

الكرام = هو المسيح الذي يشفع في كنيسته شفاعة كفارية أو هم رعاة الكنيسة الذين يشفعون بصلواتهم في الكنيسة وعن كل نفس.

الزبل = هو السماد المُعطَى للشجرة ويرمز للطعام الروحي الذي يعطيه الله لأولاده ليساعدهم على الإثمار.

أنقب حولها = ينقب تعني حفر الأرض لقلع الحشائش الضارة وهذه إشارة للتجارب التي يسمح بها الله لتنقية أولاده (مجاعة الإبن الضال). وبعد المسيح وبالذات بعد خراب أورشليم ترك الرب أمة اليهود في نجاسة وفي عار حتى الآن = والزبل يشير للحالة المتردية المزرية التي عاش فيها اليهود ألفي سنة ربما يتوبون. فالزبل هو روث الحيوانات ويؤخذ إشارة لنجاسة اليهود إذ صلبوا المسيح. وبالنسبة للنفس البشرية التي يعطيها الله فرصة ثانية للتوبة عليها أن تجلس على الرماد حاسبة كل الأشياء نفاية كما قال بولس الرسول (أي8: 2 + في8: 3) فكلمة أنقب حولها تشير لخراب أورشليم، وتشير للتجارب التي يسمح بها الله لتحيط بأولاده لعلهم يتوبون. إذاً الله حين يترك نفس ويعطيها فرصة أخرى يساعدها [1] بسماد أي يقويها بطعام روحي على أن تنسحق [2] ببعض التجارب لتساعدها على الإنسحاق (أنقب حولها). [3] إذا فهمنا أن الزبل هو إشارة للحالة المتردية التى كان عليها اليهود بعد صلب المسيح، فنتصور أن الله قد يسمح بأن تنكشف نجاسة الشخص ليخجل ويتوب. أتركها هذه السنة أيضاً = هي الفرصة التي يعطيها الله للخطاة ليتوبوا قبل أن ينفذ حكمه العادل فيهم "أعطيتها زماناً لكي تتوب" (رؤ21: 2) والله ترك الأمة اليهودية 40 سنة تقريباً بعد صلبه قبل أن يخربها ومازال يترك اليهود حتى يؤمن البقية. وبهذا تصبح الثلاث سنوات هي فترة عمرنا المتبقية، والسنة هي الفرصة التي يعطيها الله لنا ويساعدنا خلالها ببعض التجارب وبطعام روحي يسندنا.

لماذا تبطل الأرض أيضاً = هي بلا ثمر ولكنه تمتص فوائد الأرض فتعطلها، أو هي تأخذ مكاناً كان يمكن أن تزرع فيه شجرة مثمرة، لقد قطعت الأمة اليهودية لتخرج مكانها الكنيسة.

(شفاء امرأة منحنية).

الأعداد 10-19

الآيات (لو10: 13 - 17): -

"10 وَكَانَ يُعَلِّمُ فِي أَحَدِ الْمَجَامِعِ فِي السَّبْتِ، 11 وَإِذَا امْرَأَةٌ كَانَ بِهَا رُوحُ ضَعْفٍ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَتْ مُنْحَنِيَةً وَلَمْ تَقْدِرْ أَنْ تَنْتَصِبَ الْبَتَّةَ. 12فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ دَعَاهَا وَقَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، إِنَّكِ مَحْلُولَةٌ مِنْ ضَعْفِكِ! ». 13 وَوَضَعَ عَلَيْهَا يَدَيْهِ، فَفِي الْحَالِ اسْتَقَامَتْ وَمَجَّدَتِ اللهَ. 14فَأَجابَ رَئِيسُ الْمَجْمَعِ، وَهُوَ مُغْتَاظٌ لأَنَّ يَسُوعَ أَبْرَأَ فِي السَّبْتِ، وَقَالَ لِلْجَمْعِ: «هِيَ سِتَّةُ أَيَّامٍ يَنْبَغِي فِيهَا الْعَمَلُ، فَفِي هذِهِ ائْتُوا وَاسْتَشْفُوا، وَلَيْسَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ! » 15فَأَجَابَهُ الرَّبُّ وَقَالَ: «يَا مُرَائِي! أَلاَ يَحُلُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ ثَوْرَهُ أَوْ حِمَارَهُ مِنَ الْمِذْوَدِ وَيَمْضِي بِهِ وَيَسْقِيهِ؟ 16 وَهذِهِ، وَهِيَ ابْنَةُ إِبْراهِيمَ، قَدْ رَبَطَهَا الشَّيْطَانُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُحَلَّ مِنْ هذَا الرِّبَاطِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ؟ » 17 وَإِذْ قَالَ هذَا أُخْجِلَ جَمِيعُ الَّذِينَ كَانُوا يُعَانِدُونَهُ، وَفَرِحَ كُلُّ الْجَمْعِ بِجَمِيعِ الأَعْمَالِ الْمَجِيدَةِ الْكَائِنَةِ مِنْهُ.".

هذه القصة جاءت بعد أهمية التوبة وأهمية ألاّ نبطئ لتشرح أن من يقدم التوبة له راحة من الضعف والإنحناء، فالخطية تحني الظهر والمسيح أتى ليحرر من إبليس وعبوديته.

في موضوع الشفاء في السبت راجع (مت1: 12 - 13) كتاب متى (مت1: 12 - 8) + (مت9: 12 - 14).

لقد كان الرب يسوع يقصد أن يقوم بمعجزات الشفاء في السبت لأنه يريد أن يعطي راحة للمتألمين والمرضى في السبت، والسبت هو راحة، هو أراد أن يظهر معنى راحة السبت. فالسبت هو إشارة للراحة الأبدية حيث الشفاء النهائي لكل أمراض النفس والجسد والروح. وأيضاً لتصحيح مفاهيم اليهود الخاطئة.

يا مرائي = الرب يسوع هنا يفضح رياء الرجل، فالحقيقة أنه حسد يسوع على محبة الناس له وشهرته، وأن الناس تلتف حوله، ويستتر وراء حفظ شريعة السبت. وأصدر رئيس المجمع هذا أمراً للشعب أن لا يأتوا للإستشفاء يوم السبت، وهو بهذا يوبخ يسوع بطريقة غير مباشرة. ولو أنصف هذا المسكين لفهم أنه لا يمكن لناقض الناموس أن يعمل هذه المعجزة. وكان التلمود اليهودي يسمح للرجل أن يستقي الماء من البئر للحيوان العطشان يوم السبت على أن لا يحمل الماء للحيوان بل يجر الحيوان للماء. فإن كانت الوصية أن يريحوا البهائم يوم السبت فالأولى أن يريح الرب يسوع المرضى يوم السبت.

إستقامت ومجدت الله = هذه هي علامة الشفاء أن يمجد الإنسان الله.

الآيات التالية (لو18: 13 - 21) هى أمثال عن إنتشار ملكوت الله. فالمسيح أتى يشفي كل منحني ليمجد الله وينتشر الملكوت.

مثل حبة الخردل.

الآيات (لو18: 13 - 19): - 18فَقَالَ: «مَاذَا يُشْبِهُ مَلَكُوتُ اللهِ؟ وَبِمَاذَا أُشَبِّهُهُ؟ 19يُشْبِهُ حَبَّةَ خَرْدَل أَخَذَهَا إِنْسَانٌ وَأَلْقَاهَا فِي بُسْتَانِهِ، فَنَمَتْ وَصَارَتْ شَجَرَةً كَبِيرَةً، وَتَآوَتْ طُيُورُ السَّمَاءِ فِي أَغْصَانِهَا». ".

الآيات (مت 31: 13 - 32): -.

"31قَدَّمَ لَهُمْ مَثَلاً آخَرَ قَائِلاً: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ حَبَّةَ خَرْدَل أَخَذَهَا إِنْسَانٌ وَزَرَعَهَا فِي حَقْلِهِ، 32 وَهِيَ أَصْغَرُ جَمِيعِ الْبُزُورِ. وَلكِنْ مَتَى نَمَتْ فَهِيَ أَكْبَرُ الْبُقُولِ، وَتَصِيرُ شَجَرَةً، حَتَّى إِنَّ طُيُورَ السَّمَاءِ تَأْتِي وَتَتَآوَى فِي أَغْصَانِهَا».".

الآيات (مر30: 4 - 32): -.

"30 وَقَالَ: «بِمَاذَا نُشَبِّهُ مَلَكُوتَ اللهِ؟ أَوْ بِأَيِّ مَثَل نُمَثِّلُهُ؟ 31مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل، مَتَى زُرِعَتْ فِي الأَرْضِ فَهِيَ أَصْغَرُ جَمِيعِ الْبُزُورِ الَّتِي عَلَى الأَرْضِ. 32 وَلكِنْ مَتَى زُرِعَتْ تَطْلُعُ وَتَصِيرُ أَكْبَرَ جَمِيعِ الْبُقُولِ، وَتَصْنَعُ أَغْصَانًا كَبِيرَةً، حَتَّى تَسْتَطِيعَ طُيُورُ السَّمَاءِ أَنْ تَتَآوَى تَحْتَ ظِلِّهَا».".

فى مثل الزارع رأينا ثلاثة أقسام من البذار يهلك (ما نزل على الطريق / ما نزل على الأرض المحجرة / ما زرع وسط الشوك)، وقسم واحد يخلص (ما زرع فى الأرض الجيدة)، بل فى مثل الزوان رأينا أن جزءاً من القسم الرابع يهلك (ما تأثر بالزوان)، وحتى لا ييأس أحد يقدم السيد المسيح مَثَل حبة الخردل. هنا نرى حبة خردل صغيرة تنمو وتزداد وتصبح شجرة كبيرة وهذا يعنى..

يشير للمؤمن الفرد إذ تنمو كلمة الله فى داخله ويتحول لشجرة يأوى إليها الآخرون إذ يجدون سلامهم عنده وسط هموم العالم وإضطراباته. والملكوت ينمو فى القلب الهادئ وتدريجياً كنمو الحبة أو الخميرة.

يشير للكنيسة التى بدأت بشخص المسيح الذى ظهر فى صورة ضعف ومات على الصليب وترك 12 تلميذاً خائفين مضطهدين ولكنها نمت فى العالم كله وإنتشرت.

تشير للمسيح الذى تألم ودُفِنَ كما دفنت هذه البذرة (يو24: 12) ولكن قام وأقام كنيسته فيه، كنيسته هى جسده الذى إمتد فى كل العالم.

والبذرة فيها حياة تظهر بدفنها للموت، وهكذا الخميرة فى المثل القادم، فالحبة تدفن وتتحلل لتثمر، وهكذا كل من مات وصُلِبَ عن شهوات العالم، ويقبل المسيح فيه مصلوباً حاملاً شركة آلامه فيه، هذا ينعم بقوة قيامة المسيح فيه. حبة الخردل التى تُدفن فى الحقل إنما هى المسيح المتألم الذى يدفن فينا ويقوم شجرة حياة فى قلبنا. وحبة الخردل هذه الصغيرة لا تتحول لشجرة يأوى إليها الطيور ويستظل تحتها حيوانات البرية إلاّ لو دفنت فى الطين (موت عن شهوات العالم).

طيور السماء = إشارة للأمم الذين آمنوا ودخلوا تحت ظلال الكنيسة المريحة.

* ولكن فى آية (مت19: 13) نفهم أن الطيور تشير للشيطان، ونحن لا نندهش إذ يتسلل أبناء الشيطان إلى داخل الكنيسة (فهذا هو مثل الحنطة والزوان).

أخذها إنسان وزرعها فى حقله = الإنسان هو المسيح وحقله هو العالم. وهذا المثل يشير لإزدهار الحق ونمو الملكوت بالرغم من مضايقات أهل العالم. فالحبة ألقيت فى الأرض، وأحاطت بها الظلمة، وضغط عليها الطين من كل جانب، ولكن الحياة الكامنة فيها إنطلقت لتصبح شجرة. ونلاحظ أن ملكوت الله يبدأ فى حياة الإنسان بمعرفة بسيطة عن الله مع بدايات التوبة، ولكن بعد ذلك يتحول ليشمل حب الله كل النفس فيعطى الإنسان حياته كلها لله.

ملحوظة: - هناك بذور أصغر من حبة الخردل، فلماذا إختار المسيح الخردل؟ لأن شجرة الخردل تنمو من بعد وضع البذرة فى شهور قليلة. وكأن المسيح أراد أن يشير ضمناً لسرعة إنتشار الملكوت، مع الهدف الأساسى الذى هو الفارق الهائل بين حجم حبة الخردل والشجرة التى ستنمو.

حبة الخردل ليست أصغر الحبوب فعلا ولكن السيد كان يستعمل ما يجعل كلامه مفهوما عند السامعين، وكان الربيين اليهود يستخدمون حبة الخردل للإشارة لأصغر شئ. وصار مثلا مشهورا لدى اليهود. إذاً كان الرب يسوع يتكلم عن ما يريده بطريقة تعبير ملائمة لفكر من يسمعه. وكانت حبة الخردل حينما تنمو تصير شجرة كبيرة بحسب ما أوضح القديس لوقا (13: 18). حقا ليست كالأشجار الضخمة ولكنها بالنسب للحديقة تكون شجرة كبيرة. والطيور تآوت فى أغصانها = هذا راجع لأن الطيور مغرمة بحبة الخردل. وحبوب الخردل تستخدم كغذاء للحمام فى فلسطين، وحبوب الخردل محبوبة لدى كثير من الطيور. وتشبيه الممالك الكبيرة التى تضم دولا كثيرة تحت حمايتها هو تشبيه معروف فى العهد القديم (راجع مثلا دانيال4)، وهنا الإشارة لملكوت المسيح. ولكن هذه المملكة ستبدأ صغيرة وسط العالم. إذاً إستخدام حبة الخردل فى المثل راجع إلى: -.

مثل متداول بين اليهود كأصغر شئ.

حينما تنمو تصير كبيرة جدا.

لأن الطيور تأتى إليها وتتآوى فيها وتشبع من حبوبها ففيها غذاء لها.

مثل الخميرة:

الأعداد 20-21

الآيات (لو 20: 13 - 21): -

"20 وَقَالَ أَيْضًا: «بِمَاذَا أُشَبِّهُ مَلَكُوتَ اللهِ؟ 21يُشْبِهُ خَمِيرَةً أَخَذَتْهَا امْرَأَةٌ وَخَبَّأَتْهَا فِي ثَلاَثَةِ أَكْيَالِ دَقِيق حَتَّى اخْتَمَرَ الْجَمِيعُ».".

آيه (مت 33: 13): -.

"33قَالَ لَهُمْ مَثَلاً آخَرَ: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ خَمِيرَةً أَخَذَتْهَا امْرَأَةٌ وَخَبَّأَتْهَا فِي ثَلاَثَةِ أَكْيَالِ دَقِيق حَتَّى اخْتَمَرَ الْجَمِيعُ».".

بنفس مفهوم المثل السابق فالخميرة صغيرة فى كميتها لكن فى داخلها قوة حياة، وهذه تمسك فى العجين كله وبسرعة تتفاعل معه وتهبه خواصها، فيتحول الدقيق إلى خمير، هكذا تعمل فينا كلمة الله بنفس الطريقة الخفية والسرية والقوية والمستمرة، فإذا وضعناها فى قلبنا تجعلنا قديسين وروحيين، على أن لا نغلق القلب أمامها، بل نتجاوب معها ولا نعاند صوت الله داخلنا. وكما تُحَوِّل الخميرة الدقيق إلى صورتها، تحولنا كلمة الله إلى صورة المسيح (غل4: 19) وبهذا تنتشر فينا رائحة المسيح وحبه ويسيطر الروح على الحياة كلها. وهذا العمل يتم فى الخفاء.

ثلاثة أكيال دقيق = رقم 3 هو رقم الأقنوم الثالث أى الروح القدس وهو رقم القيامة فالسيد قام فى اليوم الثالث. ولاحظ أنه فى اليوم الثالث خرجت الأرض من الماء وبدأ ظهور الحياة من شجر وثمار (تك 9: 1 - 13). وهذا عمل الروح القدس داخل نفس كل إنسان إذ يخرج حياة فيه من بعد موت، وهذه الحياة هى الحياة المقامة مع المسيح، نحصل عليها أولاً فى المعمودية إذ نموت وندفن مع المسيح ونقوم معه مولودين من الماء والروح وتبدأ ثمار الروح تظهر فينا، وثانياً مع الخطية نعود لحالة الموت، لكن عمل الروح القدس الذى يبكت على الخطية، يعمل فينا وبالتوبة والإعتراف يعطى الروح القدس غفراناً للخطية فنعود من حالة الموت للحياة "إبنى هذا كان ميتاً فعاش" (لو24: 15). والمرأة هى الكنيسة التى بأسرارها وبالروح القدس العامل فى هذه الأسرار تعطى حياة لأبنائها.

وقد تشير المرأة لليهود الذين صلبوا المسيح، وبموته وقيامته أعطى الحياة لكل البشرية (الدقيق). والدقيق يشير للكنيسة كلها (1كو17: 10). ونرى هنا فى هذا المثل دور الكنيسة التى من خلال حياة الشركة، ومن خلال الأسرار تعلن ملكوت السموات، فهى تقدم المسيح (الخميرة)، والخميرة هنا تكون واهبة للحياة وتعطى صفاتها للعجين (الكنيسة) ليتشبه العجين بالخميرة، أى تحمل الكنيسة سمات المسيح. ولاحظ أن الخميرة مأخوذة من الدقيق، والمسيح أخذ جسده من العذراء أى جسد بشريتنا، وأعطانا بعد ذلك جسده لنتحد به ونصير خبزاً واحداً (1كو 17: 10). وقد تكون الخميرة هى تلاميذ ورسل المسيح، هو أعدهم ونشروا الإيمان فى العالم كله بسرعة، فأقاموه من موت الخطية إلى قيامة الحياة (رقم 3)، وبعمل الروح القدس الأقنوم الثالث. وهذا ينطبق على أى مجموعة خدام نشطين روحياً يغيرون حياة الآخرين.

مثل حبة الخردل يشير للنمو الظاهر من الخارج، أما مثل الخميرة فيشير للنمو الداخلى، وكلاهما يشيران لعمل نعمة الله فى النمو، ولكن مثلى الوزنات (مت 25) والأَمْناء (لو 19) فهما يشيران لجهاد الإنسان. ولا معنى للخلط بين النعمة والجهاد ولا معنى لإغفال ضرورة الجهاد، فنحن نرى فى مثل العشر عذارى أن الخمس الجاهلات كان معهن مصابيح ونعسن ولم يسهرن على ملإها بزيت النعمة فلم يدخلوا، ولم يستطعن أن يأخذن من الحكيمات، فالسهر والجهاد هو أمر شخصى لا يمنحه شخص لآخر. ونلاحظ أن الجاهلات كن عذارى أى مؤمنات بالمسيح وها هن يطلبنه كعريس ولكن بسبب إهمالهن الجهاد لم يقبلوا فلم يخلصوا.

الباب الضيق.

الأعداد 22-30

الآيات (لو22: 13 - 30): -

"22 وَاجْتَازَ فِي مُدُنٍ وَقُرًى يُعَلِّمُ وَيُسَافِرُ نَحْوَ أُورُشَلِيمَ، 23فَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ: «يَا سَيِّدُ، أَقَلِيلٌ هُمُ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ؟ » فَقَالَ لَهُمُ: 24«اجْتَهِدُوا أَنْ تَدْخُلُوا مِنَ الْبَابِ الضَّيِّقِ، فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَطْلُبُونَ أَنْ يَدْخُلُوا وَلاَ يَقْدِرُونَ 25مِنْ بَعْدِ مَا يَكُونُ رَبُّ الْبَيْتِ قَدْ قَامَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ، وَابْتَدَأْتُمْ تَقِفُونَ خَارِجًا وَتَقْرَعُونَ الْبَابَ قَائِلِينَ: يَارَبُّ، يَارَبُّ! افْتَحْ لَنَا. يُجِيبُ، وَيَقُولُ لَكُمْ: لاَ أَعْرِفُكُمْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ! 26حِينَئِذٍ تَبْتَدِئُونَ تَقُولُونَ: أَكَلْنَا قُدَّامَكَ وَشَرِبْنَا، وَعَلَّمْتَ فِي شَوَارِعِنَا! 27فَيَقُولُ: أَقُولُ لَكُمْ: لاَأَعْرِفُكُمْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ، تَبَاعَدُوا عَنِّي يَا جَمِيعَ فَاعِلِي الظُّلْمِ! 28هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ، مَتَى رَأَيْتُمْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ فِي مَلَكُوتِ اللهِ، وَأَنْتُمْ مَطْرُوحُونَ خَارِجًا. 29 وَيَأْتُونَ مِنَ الْمَشَارِقِ وَمِنَ الْمَغَارِبِ وَمِنَ الشِّمَالِ وَالْجَنُوبِ، وَيَتَّكِئُونَ فِي مَلَكُوتِ اللهِ. 30 وَهُوَذَا آخِرُونَ يَكُونُونَ أَوَّلِينَ، وَأَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ».".

الآيات (مت13: 7 - 14): -.

"13«اُدْخُلُوا مِنَ الْبَاب الضَّيِّقِ، لأَنَّهُ وَاسِعٌ الْبَابُ وَرَحْبٌ الطَّرِيقُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْهَلاَكِ، وَكَثِيرُونَ هُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مِنْهُ! 14مَا أَضْيَقَ الْبَابَ وَأَكْرَبَ الطَّرِيقَ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْحَيَاةِ، وَقَلِيلُونَ هُمُ الَّذِينَ يَجِدُونَهُ!".

الآيات (مت21: 7 - 23): -.

"21«لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَارَبُّ، يَارَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. 22كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَارَبُّ، يَارَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ 23فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!

الآية (مت 30): -.

30 وَلكِنْ كَثِيرُونَ أَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ، وَآخِرُونَ أَوَّلِينَ.

الباب الضيق: - تكلم الرب فى (مت7: 13) عن ضرورة الدخول من الباب الضيق فى العظة على الجبل، وهنا أيضا فى إنجيل القديس لوقا يتكلم عن الدخول من الباب الضيق، والفارق كبير فى تطبيق مفهوم الباب الضيق. ففى إنجيل متى كان كلام الرب موجها لتلاميذه ولكل الشعب عن ضرورة الإبتعاد عن شهوات العالم وملذاته، والجهاد والتغصب. أما هنا فالكلام موجه للفريسيين المتكبرين ويظهر صعوبة خلاص هؤلاء الفريسيين الذين يريدون الدخول بطريقتهم الخاصة. وكان مثل الباب الضيق الذى قاله الرب يسوع هنا عقب سؤال من أحد الفريسيين كمندوب عنهم "أقليل هم الذين يخلصون". وكان سؤال الفريسى للسيد عقب مثل إنتشار ملكوت الله كشجرة الخردل حينما تنمو (لو13: 18) وتبعه الرب بمثل الخميرة وإنتشارها. وفى ضوء مفهوم الفريسيين نفهم أن سؤال هذا الفريسى لا يقصد به الحياة الأبدية للروح بل المميزات التى سيحصلون عليها. فهم يطبقون ما حدث عند دخول أرض الميعاد مع ملكوت المسيا، فلم يدخل أرض الميعاد سوى يشوع وكالب. علمت فى شوارعنا = هنا هم يعتمدون على وجود الأباء والأنبياء فى الملكوت الذين أرسلهم الله لإسرائيل لكن كبريائهم كان السبب فى إغلاق الباب أمامهم. بل قال لهم "لا أعرفكم، من أين أنتم". هم إعتمدوا على أبائهم الذين أكلوا وشربوا أمام الله (خر24: 11) ولكن قول الرب يعنى أنتم لستم مثلهم، لا تشبهونهم. أما الممنوعين فى العظة على الجبل (مت7) فهؤلاء كان يُعلِّمون ولكن لا يعملون بما يقولونه.

ما قاله السيد هنا هو شرح لمثل العشر عذارى.

الباب الضيق = قول مستعار من العرف الذي كان متبعاً في الأعراس في ذلك الوقت، فقد كانت الأعراس تقام ليلاً، وكانت البيوت تزين بالمصابيح، ويدخلها المدعوون من باب صغير يغلق عقب دخولهم جميعاً. ثم يتمتعون بالأفراح والأنوار، أما الذين يُرفضون فكان لا يفتح لهم الباب مهما قرعوا ويستمروا في الظلمة الخارجية. والسيد هنا يعلن هلاك المتهاونين الذين لا يدخلون من الباب الضيق أي لا يحتملوا الضيقات المتعلقة بالحياة المقدسة ويبين خلاص المجاهدين الذين يحتملونها. والباب الضيق معناه أن نتخلى عن الشهوات الجسدية، ونقبل الإضطهاد لأجل إسم المسيح. والباب الضيق ضيق في بدايته على الأرض، ولكنه في الداخل مملوء تعزيات والنهاية مجد أبدي. وإجابة رب المجد لا تهتم بعدد الذين يخلصون بل بكيفية الخلاص. فهو لم يجيب على سؤال "أقليل هم الذين يخلصون". بل أجابه كيف يخلص الناس.. أي بالدخول من الباب الضيق وهذا يعني الجهاد والتخلي عن الملذات الزمنية. والباب الضيق هو حفظ أوامر الإنجيل والثبات على الإيمان مهما كانت الشدائد. الباب الضيق هو طريق الصليب وبهذا أتحد بالمسيح فتكون لي حياة وأكون في نور. ولاحظ في آية (22) قوله وإجتاز.. ويسافر نحو أورشليم = وهذا هو السفر الأخير حيث سيصلب هناك وبهذا نفهم أنه إختار الطريق الضيق، طريق الصليب. وأغلق الباب = بعد أن أدخل القديسين بعد الدينونة، أو بنهاية الحياة الآن. تقفون خارجاً وتقرعون = بعد أن رأوا المجد المعد يشتاقون للدخول لكنهم يبقون في الظلمة الخارجية، خارج أورشليم السماوية. لا أعرفكم = ليس بمعنى أنه يجهلهم بل هم غير مستحقين أن يكونوا في معرفته. أكلنا قدامك وشربنا = هناك من يظن أن مجرد التناول من الجسد والدم يخلصه. من أين أنتم = هؤلاء ليسوا من الله، وهم لم يحبوا الله، بل أحبوا العالم. علمت في شوارعنا = لكن تعاليمه ذهبت صرخة في وادٍ فهم لم يقبلوا أن ينفذوها. ويأتون من المشارق ومن المغارب = إشارة لقبول الأمم في الكنيسة.

آخِرون يكونون أولين = الأمم الوثنيين صاروا أولين في ملكوت الله. أولون يكونون آخِرين = اليهود أبناء الله أولاً صاروا مرفوضين لرفضهم المسيح. وكم من أشخاص نظن نحن أننا أفضل منهم الآن وسنجدهم يسبقوننا في الملكوت.

المسيح يرثى أورشليم.

الأعداد 31-35

الآيات (لو31: 13 - 35): -

"31فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَقَدَّمَ بَعْضُ الْفَرِّيسِيِّينَ قَائِلِينَ لَهُ: «اخْرُجْ وَاذْهَبْ مِنْ ههُنَا، لأَنَّ هِيرُودُسَ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَكَ». 32فَقَالَ لَهُمُ: «امْضُوا وَقُولُوا لِهذَا الثَّعْلَبِ: هَا أَنَا أُخْرِجُ شَيَاطِينَ، وَأَشْفِي الْيَوْمَ وَغَدًا، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ أُكَمَّلُ. 33بَلْ يَنْبَغِي أَنْ أَسِيرَ الْيَوْمَ وَغَدًا وَمَا يَلِيهِ، لأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَهْلِكَ نَبِيٌّ خَارِجًا عَنْ أُورُشَلِيمَ! 34يَا أُورُشَلِيمُ، يَاأُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا! 35هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا! وَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَنِي حَتَّى يَأْتِيَ وَقْتٌ تَقُولُونَ فِيهِ: مُبَارَكٌالآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! ».".

إذ تحدث السيد عن الباب الضيق، يأتي لوقا بهذه القصة ليشير أن المسيح بإرادته يدخل من الباب الضيق ويذهب للصليب في أورشليم تقدم بعض الفريسيين = هؤلاء لم يأتوا ليحذروا الرب حباً فيه، بل هم خافوا على مكاسبهم المادية إذ رأوا الجموع قد إلتفت حوله، هم أرادوا أن يخيفوه ليترك المكان. ولقد صوروا له هيرودس كأسد سيفتك به = يريد أن يقتلك أمّا السيد فرآه لا يزيد عن كونه ثعلباً ماكراً لكنه غير قادر أن يؤذي، فلا سلطان لأحد أن يؤذي سوى بسماح من الله (يو10: 19 - 11).

الثعلب = هو هيرودس أنتيباس (راجع المقدمات) الذي قتل يوحنا المعمدان وحاكم المسيح. والثعلب لايفترس بل يأكل بقايا الفريسة التى إلتهمها الأسد. ومعركة المسيح الحقيقية ليست مع الثعالب من أمثال هيرودس وقيافا بل مع الأسد الزائر = إبليس (1بط5: 8). وما هذه الثعالب سوى أذناب يحركها هذا العدو الحقيقى إبليس.

ها أنا أخرج شياطين وأشفي.. اليوم وغداً = اليوم وغداً هو إصطلاح يهودي دارج بمعنى فترة قصيرة محدودة. والمعنى أن هناك يوم محدد للصلب، وأيامي صارت محدودة على الأرض ولن يستطيع هيرودس أن يزيدها أو ينقصها. ولكن أنا لي عمل جئت لأعمله أخرج شياطين وأشفي = فالسيد هنا يعلن إصراره على مواصلة خدمته وعمله غير عابئ بأي آلام تقع عليه من هيرودس أو غيره. هو ملك سماوي يعمل لبنيان النفوس فيطرد الشياطين ويشفي، مقدماً نفسه للموت برضاه، وهو عالمٌ بساعته وبمكان صلبه أنه في أورشليم.

وقوله ينبغي = أنني سأتمم عملي بكامل حريتي، وسأذهب للصلب بكامل حريتي.

في اليوم الثالث أُكَمَّلْ = المسيح سيكمل بالآلام (عب10: 2) أي هو سيشابهنا، ويصير مشابهاً لنا في كل شئ بإحتماله الآلام. فالآلام قد صارت من نصيب البشر، والموت أيضاً بسبب الخطية، وحقاً فالمسيح بلا خطية، ولكنه صار حاملاً لخطايانا، وبالتالي معرضاً للآلام التي نتحملها، وبهذا شابهنا في كل شئ حتى تحمل الآلام والموت.

أمّا بالنسبة لنا فالله يسمح ببعض الآلام لنَكْمُل ونكف عن الخطية (1بط1: 4) فإن كان المسيح قد تَكَمَّلَ بالآلام، أفلا نحتمل الآلام لكي نَكْمُلْ. وقوله في اليوم الثالث قد يكون تابعاً لقوله اليوم وغداً كتعبير دارج عن أن المدة التي يقضيها على الأرض محددة وستنتهي بصلبه وآلامه، ولكنها أيضا هى نبوة بقيامته في اليوم الثالث حيث يُكَمِّل كل شئ، ونقوم معه.

لا يمكن أن يهلك نبي خارجاً عن أورشليم = هذه لا يمكن تفسيرها حرفياً فإرمياء قتلوه في مصر مثلاً ودانيال مات في بابل. ولكن بمقارنة هذه الآية بما بعدها نفهم:

أن المسيح يحدد مكان صلبه بأنه في أورشليم.

أورشليم وصلت لدرجة خطيرة من القسوة والفساد أكثر من أى مكان حتى أصبحت لا تطيق رجال الله. فإن وُجِدَ نبى الآن فى أورشليم لا بد وأنهم سيقتلونه. ولو وجد هذا النبى فى أى مكان آخر لن يقتله أحد، لذلك لن يهلك نبى خارج أورشليم. والمسيح أعلى من الأنبياء. ولكنه يقول نبي إشارة لكل رجال الله. وبالتالى سيقتلونه.

لقد قتلت أورشليم الكثير من الأنبياء، وإضطهدت الباقين عبر الزمن، وقد وصلت الآن لأسوأ حالاتها عبر التاريخ.

مع كل قسوة أورشليم، فالمسيح في محبته أتى ليموت عن أورشليم.

إذاً المعنى أن أغلب الأنبياء قتلهم أهل أورشليم القساة القلوب وهذا ما سيعملونه بي الآن خصوصا فى حالة الفساد والوحشية التى وصلوا لها.

(آيات34 - 35): هنا المسيح يصور نفسه في محبته التي ظهرت عبر العصور من نحو أورشليم، وإرساله الأنبياء والرسل ليجمع أولادها ويظللهم بمحبته الإلهية. ولكنهم رفضوا كل هذه المحاولات وقتلوا هؤلاء الأنبياء. كم مرة أردت.. ولم تريدوا = فعدم إرادتي يمكن أن يعطل إرادة الله من ناحية خلاص نفسي، فالله يريد أن الجميع يخلصون (1تي4: 2) والعجيب أن بولس الرسول يقول "الله هو العامل فيكم أن تريدوا" (في13: 2) أي يحفز وينشط إرادتنا. ولكنه لا يجبرنا على شئ رغماً عنا. لذلك قال القديس أغسطينوس (الله الذي خلقني بدوني لا يقدر أن يخلصني بدوني) يا أورشليم يا أورشليم = التكرار فيه رنة حزن فهي حين ترفضه ستهلك. هوذا بيتكم يُترك لكم خراباً = البيت يشير للهيكل ويشير لأورشليم نفسها وكلاهما خَرِب تماماً سنة 70م على يد تيطس. إنكم لا ترونني = بعد أن أصلب لن ترونني إلاّ حينما آتي للدينونة. حتى تقولون مبارك الآتي باسم الرب = هذه نبوة برجوع إسرائيل في آخر الآيام، ويشير بولس الرسول لنفس المعنى (رو25: 11 + 26 + 30 + 31) ويشير زكريا لنفس الشئ (زك10: 12 + هو5: 3).

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الرابع عشر - تفسير إنجيل لوقا - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح الثاني عشر - تفسير إنجيل لوقا - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير إنجيل لوقا الأصحاح 13
تفاسير إنجيل لوقا الأصحاح 13