المزمور الثالث – سفر المزامير – مارمرقس مصر الجديدة

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر المزامير – كهنة و خدام كنيسة مارمرقس مصر الجديدة.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

المزمور الثَّالِثُ

خلاص الرب.

مزمور لداود حينما هرب من وجه أبشالوم ابنه.

"يا رب ما أكثر مضايقيَّ.." (ع1).

مقدمة:

كاتبه: داود النبي والملك عندما قام عليه ابنه ابشالوم ليقتله، فهرب حافيًا من أورشليم وكان يعانى من مشاعر الحزن؛ لأنه ما أصعب تمرد الأبناء وقيامهم على والديهم ليسيئوا إليهم، بل يحاولوا قتلهم. وهذا المزمور يعتبر أيضًا من المزامير المسيانية؛ لأنه يتنبأ بوضوح عن آلام المسيح وموته وقيامته، فمثلًا يقول في (ع5) "أنا اضطجعت ونمت واستيقظت".

ويناسب هذا المزمور كل من يعانى من آلام واضطهادات واحباطات من المحيطين، فيتجدد رجاؤه في الله مخلصه.

يعتبر الآباء أن المزمور الأول والثانى مقدمة لسفر المزامير؛ إذ يتكلم الأول عن الحياة مع الله والابتعاد عن الشر، والمزمور الثاني يعلن بوضوح أن هذه الحياة لا تتم إلا بالمسيح المخلص والخضوع لوصاياه.

أما المزمور الثالث هذا فيناسب كل إنسان يبدأ يومه بالصلاة، فبعد أن يضطجع وينام يقوم مع المسيح ويستيقظ معتمدًا على الله ناصره. ويليه المزمور الرابع الذي يرى الكثير من الآباء أنه مناسب للصلاة في نهاية اليوم؛ لأنه يقول إندموا عليه في مضاجعكم، ويقول أيضًا أنه بالسلام اضطجع أيضًا وأنام. ولذا رتبت الكنيسة أن يعاد المزمور الرابع في صلاة الستار التي تقال في نهاية اليوم.

ويعاد المزمور الثالث فيقال في الخدمة الأولى من صلاة نصف الليل؛ لأنه يحوى أنا اضطجعت ونمت ثم استيقظت وهذا ما يحدث مع من يصلى في نصف الليل.

يعتبر بعض الآباء هذا المزمور مرثاة شخصية لداود، يبث فيها أحزانه وآلامه من قيام أبشالوم ابنه عليه.

العدد 1

ع1:

1 - يَا رَبُّ، مَا أَكْثَرَ مُضَايِقِيَّ! كَثِيرُونَ قَائِمُونَ عَلَيَّ.

بينما كان داود هاربًا في ذل شديد أمام وجه ابنه أبشالوم، إذ كان يجرى حافيًا ورأسه مغطى ويبكى، كان يشعر بحزن شديد، فكتب هذه المرثاة.

والجميل أنه في ضيقه الشديد لم يحزن بينه وبين نفسه، بل التجأ إلى الله في صلاة متضعة، يعلن فيها ضعفه وكثرة مضايقيه ومقاوميه، لأن أبشالوم جمع وراءه جيشًا كبيرًا، بل وكل الشعب اليهودي، ليس فقط ليطرد داود من ملكه، بل محاولًا قتله.

ورغم أن الله كان قد أنبأ داود بما سيحدث (2 صم12: 11) على فم ناثان النبي بعد سقوطه في الزنا، لكن داود لم ييأس، أو يستسلم للشر، بل رفع صوته في إيمان نحو الله؛ لينقذه من مقاوميه، فتحنن عليه وخلصه.

وداود هنا رمز للمسيح، أي أن هذا المزمور - كما قلنا - يتكلم عن مشاعر المسيح عندما قبض عليه اليهود وعذبوه وصلوبه ويظهر التشابه بين داود والمسيح في هذا الموقف فيما يلي:

أ - قام على داود ابنه ابشالوم وقامت على المسيح ابنته الأمة اليهودية لقتله.

ب - خان داود صديقه ومشيره أخيتوفل، ثم بعد ذلك شنق نفسه. وخان المسيح صديقه وتلميذه يهوذا الأسخريوطى، ثم شنق نفسه.

جـ - تحنن داود على ابنه العاصى أبشالوم وأوصى جيشه أن يترفقوا به. والمسيح تحنن على صالبيه وصلى لأجلهم وهو على الصليب قائلًا "يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لو23: 34).

د - قامت على داود كل أسباط بني إسرائيل. وقام على المسيح كل اليهود للتخلص منه.

العدد 2

ع2:

2 - كَثِيرُونَ يَقُولُونَ لِنَفْسِي: «لَيْسَ لَهُ خَلاَصٌ بِإِلهِهِ». سِلاَهْ.

إذ تجمع الشعب الكثير وراء أبشالوم وهرب داود أمامهم قالوا له ليس له خلاص بإلهه؛ لأن معه عدد قليل، أما أبشالوم فمعه جيش كبير. وقد نسوا أن القوة لله وليست بالعدد الكبير. فداود المظلوم لابد أن يدافع عنه الله، وإن كان قد سمح بهذه الضيقة، تأديبًا له على خطيته، ولكنه رحيم ويقبل توبة أولاده ويخلصهم إن ظلمهم الأشرار.

وهذه الآية نبوة عن المسيح المظلوم مثل داود وقال اليهود عنه "فلينزل الآن عن الصليب فتؤمن به" (مت27: 42) وهذه الآية تنطبق على كل أولاد الله، عندما يمروا في ضيقة ويحاول الشيطان أن يسقطهم في اليأس، وهو أصعب خطية، ولكن بتضرعاتهم لله ينالون الإنقاذ والنصرة. وقد يحارب الشيطان الإنسان باليأس من كلام الناس؛ كما قالت زوجة أيوب له (أى 2: 9) وكما قال أقرباء طوبيا له (طوبيا2: 16). وقد يحارب الشيطان الإنسان بأفكار داخلية ولكن في جميع الأحوال بالرجوع إلى الله يجد الإنسان رجاءه وقوته.

بعد هذه الآية توجد كلمة سلاه، وهي وقفة موسيقية لتعطى للإنسان فرصة أن يفكر في الكلام السابق، أي مدى صعوبة الضيقة وتشكيكات البشر، حتى يدفعه هذا إلى الالتجاء نحو الله. وستأتي كلمه سلاه في هذا المزمور مرتين أيضًا.

† أسرع إلى الله في كل احتياجاتك وضيقاتك واثقًا أنه قريب جدًا منك ومستعد أن يحفظك مهما أحاطت بك الشرور. لا تصدق أفكار التشكيك واليأس مهما بدت منطقية، فهي كلمات الشيطان الكاذبة؛ لأنه يحاول أن ينسيك قوة الله معك.

العدد 3

ع3:

3 - أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَتُرْسٌ لِي. مَجْدِي وَرَافِعُ رَأْسِي.

ترس: آلة دفاعية في الحرب وهي عبارة عن قطعة خشبية مغطاة بالجلد ولها عروة من الخلف، يدخل فيها المحارب يده، فيستطيع بتحريك يده أن يحمى رأسه وجسده من سهام العدو.

أجاب داود على تشكيكات أعدائه بالالتجاء إلى الله، أىأنه لم يتكلم معهم؛ لأن كلامهم هو كلام الشيطان، بل تكلم مع الله وقال له أنت ترسى، أي حمايتى وحصنى، مهما أحاط بى الأعداء، بل أنت أيضًا ستفعل عملًا إيجابيًا معى، وهو أن تمجدنى وترفع رأسى. وهذا ما حدث فعلًا، إذ عندما تجاسر أبشالوم وهاجم داود، انكسر جيشه ومات وعاد داود بكرامة عظيمة إلى عرشه.

والترس هو ترس الإيمان (أف6: 16)، فبإيمان داود صلى إلى الله، واثقًا أنه يحميه من أبشالوم ومن معه.

وهذه الآية أيضًا نبوة عن المسيح، إذ يقول الابن للآب أنت ترسى وحمايتى، مهما حاول الأشرار أن يصطادونى بكلمة، أو يقتلوننى، ثم بعد هذا تمجدنى بالصليب، الذي به أحقق الخلاص والفداء للبشرية، وبموتى أرفع حكم الموت عن المؤمنين بى، ثم ترفع رأسى بالقيامة من الأموات.

العدد 4

ع4:

4 - بِصَوْتِي إِلَى الرَّبِّ أَصْرُخُ، فَيُجِيبُنِي مِنْ جَبَلِ قُدْسِهِ. سِلاَهْ.

جبل قدسه: هيكله أو سماء السموات مكان سكناه.

إذ كان داود مطرودًا من أورشليم، بعيدًا عن هيكل الله المقام على جبل، لم ينزعج؛ لأنه كان واثقًا أن صلواته وصراخه نحو جبل الله سيستجيبها الله ويحفظه، بل يعيده إلى ملكه.

هذه الآية كنبوة عن المسيح تعنى أن المرنم - مثل كل مؤمن - يصرخ إلى المسيح المصلوب على جبل الجلجثة، فيستجيبه ويهبه الخلاص، والمسيح يُرمز إليه بالجبل، كما قال دانيال، أنه قد رأى حجر قد قطع بدون يد إنسان وصار جبلًا (دا2: 34، 35).

ونحن نصرخ في كل طلباتنا إلى الآب من خلال ابنه يسوع المسيح الفادى، المصلوب على الجبل، الذي نتكل عليه، فيخلصنا من جميع شدائدنا.

والمسيح صرخ على الصليب وأسلم الروح، فاستجاب له الله وأقامه من الأموات في اليوم الثالث.

والصراخ ليس فقط خارجيًا بالفم، بل يمكن أيضًا ان يكون داخليًا، كما صرخ موسى في داخله ولم يسمعه أحد إلا الله، الذي قال له "مالك تصرخ إلىَّ؟" (خر14: 15).

وهذه الآية تحمل معانى الصلاة والإيمان بالله ومحبته واستجابته لنا، لذلك نجد في نهايتها كلمة سلاه؛ لتعطى للإنسان فرصة أن يتأمل في كل هذا.

الأعداد 5-6

ع5 - 6:

:

5 - أَنَا اضْطَجَعْتُ وَنِمْتُ. اسْتَيْقَظْتُ لأَنَّ الرَّبَّ يَعْضُدُنِي. لاَ أَخَافُ مِنْ رِبْوَاتِ الشُّعُوب الْمُصْطَفِّينَ عَلَيَّ مِنْ حَوْلِي.

شعر داود أنه بتهاونه اضطجع ونام في الخطية، عندما أخطأ مع إمرأة أوريا الحثى، ولكنه بالتوبة ينقل الله عنه خطيته ويقيمه منها ويستيقظ ويعود إلى بنوته لله.

وهى نبوة واضحة عن المسيح الذي اضطجع على الصليب ونام، أي مات وباضطجاعه وموته أعطى راحة وخلاصًا لكل المؤمنين به؛ لأن النوم يعطى الإنسان الراحة. والمسيح مات، وكلنا فيه قد متنا؛ لننال الخلاص معه، كما يقول معلمنا بولس الرسول "قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله" (كو3: 3). ثم استيقظ، أي قام من الأموات في اليوم الثالث؛ ليقيمنا فيه. فكل مؤمن لا ييأس إن سقط في أية خطية واضطجع فيها ولكنه يؤمن أنه بالتوبة ينال التبرير منها ويقوم مع المسيح؛ ليبدأ حياة جديدة فيه.

هذه الكلمات تظهر مدى السلام القلبى، فرغم الضيقة الشديدة وتعرضه للموت اضطجع ونام بين يدى الله واثقًا من رعايته، ثم استيقظ في الصباح؛ لأن يد الرب تسنده وتعضده، فهو يشعر بالأمان، سواء في قصره داخل أورشليم، أو في البرية وهو مطارد من أبشالوم. وبالتالي لا يخاف من عشرات الألوف، الذين يتبعون أبشالوم من شعب بني إسرائيل، القائمين عليه ليقتلوه، فمهما كانوا مستعدين ومصطفين لمحاربته ومعهم أسلحة كثيرة، كل هذا بلا قيمة ما دام الله يحميه.

† ذكر نفسك بالله الذي معك، بترديد الصلوات؛ لتحتفظ بقلب هادئ، مهما كانت المشاكل المحيطة بك؛ لأن الله هو الذي يحميك منها.

العدد 7

ع7:

7 - قُمْ يَا رَبُّ! خَلِّصْنِي يَا إِلهِي! لأَنَّكَ ضَرَبْتَ كُلَّ أَعْدَائِي عَلَى الْفَكِّ. هَشَّمْتَ أَسْنَانَ الأَشْرَارِ.

إن كان داود مطمئنًا لمساندة الله لكنه يرى كثرة الأعداء وقوتهم؛ لذا يطلب من الله، الذي أطال أناته على أبشالوم أن يقوم الآن؛ ليوقف هجومهم الذي اقترب منه. ويطلب من الله أن يخلصه من أيدي أعدائه، أي يكمل خلاصه ويبعدهم عنه. فهو يثق في قوة الله فيطلب منه أن يقوم ويوقف الشر.

ويتذكر داود قوة الله، التي ضربت أعداءه قبلًا وكل من حاولوا قتله، أي شاول وكل من يتبعه، وضربهم الله على فكهم وهشم وكسر أسنانهم، أي أزال قوتهم وهذا يعنى:

أ - كلامهم الردئ الذي يطلقونه من أفواههم ضده.

ب - قوتهم التي تتمثل في أسنانهم، التي تريد أن تفترسه، فيحطمها ويكسرها الله، فتصبح بلا قيمة.

جـ - يرمز الفك والأسنان إلى قوة المحيطين بالمسيح، الذين اضطهدوه وصلبوه ولكنهم لم يستطيعوا أن يمنعوا قوته التي قيدت الشيطان، ثم قيامته من الأموات.

د - يرمز الفك والأسنان إلى البدع والهرطقات والتجاديف على الروح القدس، التي حاربت الكنيسة، ولكن الله حطمها وأوقفها بقوته في المجامع المسكونية وبقوة أولاده القديسين.

هـ - يرمز أيضًا الفك والأسنان إلى قوة الشياطين المحيطة بأولاد الله في كل جيل، والله ينقذ أولاده منهم.

والله يضرب الأعداء على الفك؛ لعلهم يتوبون ولكن إن أصروا على شرهم، فهو يحمى أولاده وكنيسته بتهشيم أسنانهم، أي يفقدهم قوتهم التي يسيئون بها إلى أولاد الله.

العدد 8

ع8:

8 - لِلرَّبِّ الْخَلاَصُ عَلَى شَعْبِكَ بَرَكَتُكَ. سِلاَهْ.

في النهاية يعلن داود أن الخلاص من الله وحده وليس من قوة البشر؛ حتى لا يعتمد أحد على إمكانياته، أو علاقاته، فلن يخلصه من الشر إلا الله.

ويقرر أيضًا أن الله يبارك شعبه وأولاده، وما دام الله يباركهم لا يستطيع أحد أن يؤذيهم.

وداود يطلب الخلاص له من الله وأيضًا الخلاص والبركة لشعبه الذي ساقه أبشالوم في طريق الشر، فالله قادر أن يعيدهم إلى سلامهم وحياتهم معه. وهذا ما حدث فعلًا؛ إذ قتل أبشالوم في الحرب، وعاد الشعب إلى الله وخضعوا لداود وأعادوه إلى عرشه.

وينسب داود الشعب لله، فيقول "شعبك"؛ إذ يرى باتضاع أنه مجرد أداة صغيرة في يد الله، وهو الذي أقامه ملكًا على هذا الشعب، فهو يطالب الله بدالة أن يبارك شعبه المنتسب إليه ويخلص داود بقوته، فيستطيع أن يعود لقيادة شعب الله.

"سلاه" كما قلنا تمثل وقفة موسيقية وهي فرصة للتأمل في الرب المخلص لأولاده.

وهكذا نرى أن هذا المزمور يبدأ بالضيق وينتهى بالخلاص؛ لذا يرتله المصلى في بداية اليوم؛ حتى لا ينزعج من أية مشاكل يمكن أن تقابله في هذا اليوم، أو التي مازالت معه من الأيام السابقة، ولكن الله قادر أن يخلصه منها وأثنائها. ويقال أيضًا هذا المزمور في نهاية صلوات الجمعة العظيمة، بعد أن حمل المسيح كل آلامنا على الصليب، ولكنه بموته يخلصنا من كل خطايانا.

† أطلب الله بإيمان وألح عليه، فهو قادر أن يخلصك، بل ويباركك فترفع قلبك بالشكر له دائمًا.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

المزمور الرابع - سفر المزامير - مارمرقس مصر الجديدة

المزمور الثاني - سفر المزامير - مارمرقس مصر الجديدة

تفاسير سفر المزامير الأصحاح 3
تفاسير سفر المزامير الأصحاح 3