الأصحاح السابع – سفر نشيد الأنشاد – القمص أنطونيوس فكري

الإصحاح السابع

العدد 1

آية (1): -

"1مَا أَجْمَلَ رِجْلَيْكِ بِالنَّعْلَيْنِ يَا بِنْتَ الْكَرِيمِ! دَوَائِرُ فَخْذَيْكِ مِثْلُ الْحَلِيِّ، صَنْعَةِ يَدَيْ صَنَّاعٍ.".

السيد المسيح عريس الكنيسة مازال يُعبِّر عن حبِّه لعروسته. ونلاحظ أن العروس حين وصفت عريسها فى (نش5) بدأت برأسه فهو النازل من السماء للأرض. أما حين يصفها العريس نجده مبتدئاً بقدميها. والسبب أن سر جمالها هو الطريق الذي تأخذه "سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي". إذاً هي بإتجاهها إختارت أن تصعد للسماء من الأرض. وهذا هو ما جعل عريسها يفرح بها، فهى حققت ما أراده إذ هو نزل من السماء إلى الأرض ليرفعها من الأرض إلى السماء، لكنه ترك لها حريتها فى الإختيار، وإذ إختارت العريس السمائى تاركة ملذات العالم فرح بعروسه.

بنت الكريم = كنا قد فقدنا بنوتنا وإنتسابنا لله بعد الخطية، وبالمسيح رجعت الكنيسة لبنوتها. ونحصل على هذه البنوة من الماء والروح في المعمودية. وهذه معنى البشارة التى حملها المسيح للمجدلية لتصل لتلاميذه وللعالم أن الله صار "إلهى وإلهكم وأبى وأبيكم". ما أجمل رجليك بالنعلين = قارن مع "حاذين أرجلكم بإستعداد إنجيل السلام" (أف15: 6). فنفهم أن سر جمال العروس أنها تسير في الطريق الملوكي، طريق الرجوع إليه، مستجيبة لندائه "إرجعي إرجعي" (13: 6) أي طريق التوبة، دائسة أشواك وتجارب وإغراءات العالم، كارزة بالإنجيل "ما أجمل على الجبال قدمي المبشر المخبر بالسلام" (إش7: 52 + رو15: 10). هنا العريس يبدأ بالرجلين اللتين سارتا في طريق المسيح بحسب الإنجيل (توبة / كرازة / دائسة أشواك العالم وخطاياه).

دوائر فخذيك = دوائر تعني مفاصل JOINTS والكلمة فى أصلها اللغوى تعنى "تدور حول" (أف16: 4 + كو19: 2) جمال الكنيسة في ترابطها ووحدتها التي يصنعها الروح القدس = الصنّاع. والمحبة عمل الروح القدس فى كل أولاد الله هى المفاصل التى تربط بيننا جميعا، كما ترتبط كل أعضاء الجسم بمفاصل. وهذه الوحدة في نظر الله كالحلي تترجم سلاسل تربط بين الجميع. والروح القدس يجمع بين أعضاء الجسد (الكنيسة) بالمحبة. وهذه المحبة التى تربط بيننا كشعب الله هى التى تفرح قلب الله.

ولماذا إهتم بمفاصل الفخذين بالذات؟ هذا لأنهما يربطان النصف الأعلى للجسد مع النصف السفلى. والنصف الأعلى للكنيسة جسد المسيح، هو الكنيسة المنتصرة فى السماء، والنصف السفلى يمثل الكنيسة المجاهدة التى ما زالت على الأرض، وهما كنيسة واحدة يرتبط نصفيها بالمحبة، فنحن على الأرض نصلى لمن هم فى السماء، وهم يشفعون فينا.

العدد 2

آية (2): -

"2سُرَّتُكِ كَأْسٌ مُدَوَّرَةٌ، لاَ يُعْوِزُهَا شَرَابٌ مَمْزُوجٌ. بَطْنُكِ صُبْرَةُ حِنْطَةٍ مُسَيَّجَةٌ بِالسَّوْسَنِ.".

السُرَّة = تقطع من جسد الأم حيث كان الطفل يحصل على غذائه من الأم، رمزاً لبدء حياة جديدة. وفي (حز4: 16) إستخدم تصوير عدم قطع السرة ليشير لبشاعة ما وصل إليه الإنسان من محبته للعالم التي أدت به للموت. وبالتالي فقطع السرة فى حزقيال لو كان قد حدث لكان معناه أن هذه العروس قطعت علاقتها بالعالم. ولكن نجد هنا لعروس النشيد سرة تتغذى من خلالها وليس من خلال فم، فهي مرتبطة بالله تتغذى وتشبع منه، وليست حرة في مصادر فرحها. والسرة ترشم بالميرون لأن الروح القدس يقدس الأحشاء الداخلية كما الخارجية ليكون الإنسان بكليته للرب. وهي مستديرة = بلا بداية ولا نهاية، أي حملت سمات السماء أي أن عطايا السماء لها بلا نهاية. ولا يعوزها شراب = لا تعوزها أفراح العالم. بطنك صبرة حنطة = صبرة أي كومة. فداخل الكنيسة مخازن غذاء روحي. والحنطة تشير لجسد المسيح "كفقراء ونحن نغني كثيرين" وتشير للشبع بشخص المسيح. مسيجة بالسوسن = عريسها يحميها فالسوسن صفة العريس، ولكنه صار صفة للعروس، وبهذا تشير الآية أن الكنيسة تصير قوية بأولادها الذين تلدهم ويصبحوا على صورة الله.

العدد 3

آية (3): -

"3ثَدْيَاكِ كَخَشْفَتَيْنِ، تَوْأَمَيْ ظَبْيَةٍ.".

راجع (5: 4).

العدد 4

آية (4): -

"4عُنُقُكِ كَبُرْجٍ مِنْ عَاجٍ. عَيْنَاكِ كَالْبِرَكِ فِي حَشْبُونَ عِنْدَ بَابِ بَثِّ رَبِّيمَ. أَنْفُكِ كَبُرْجِ لُبْنَانَ النَّاظِرِ تُجَاهَ دِمَشْقَ.".

عاج = ما أعطاها التلذذ بالسماويات هو موتها عن العالم. عنقك كبرج عاج = هناك عنق كعنق الحيوانات دائماً ينظر لأسفل، للأرض يشتهيها. وهناك عنق إنحنى بالأكثر وإنسحق زاهدا فى ملذات العالم، ودفن في التراب خطايا العالم. وهذا ما فعلته هذه العروس فقد داست على العالم ودفنت خطاياها، رافعة عنقها دائماً إلى فوق فهي، دائماً تتطلع لعريسها الذي من فوق، لا تنظر للتراب أي تحيا في طهارة وقداسة. وتشبيه العنق بالبرج هنا يدل على أنها في طهارتها هي راسخة قوية، وهذا راجع لثقتها وإيمانها بعريسها. والتشبيه بالعاج (الذي يحصلون عليه من الفيل بعد موته) يشير لإستعدادها للموت دفاعاً عن إيمانها وطهارتها، بل هى ماتت فعلا عن العالم "ام تجهلون اننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته، فدفنا معه بالمعمودية للموت" (رو6: 3، 4) + "أميتوا أعضائكم التى على الأرض" (كو3: 5) + "قدموا أجسادكم ذبائح حية... (رو12: 1). ولاحظ لون العاج الأبيض الذي يشير للطهارة والعفة حتى الموت (عب12: 4).

عيناك كالبرك = البرك بلا أمواج أو إضطرابات والبرك فيها عمق وصفاء، هما مفتوحتان وترى بهما السماء، خصوصاً هذا بسبب عنقها المرفوع لأعلى لأنه من عاج. فهي لها نظرة روحية هادئة راجعة لثقتها فى 1) قدرة إلهها ضابط الكل. 2) واثقة فى محبته لها. 3) واثقة أنه صانع خيرات. في حشبون حشبون إحدى مدن الملجأ وهذا يشير لأن هدوءها وسلامها راجع لأنها محتمية في ملجأها الرب يسوع، بل تصير النفس التي لها هذه الصفات كالملجأ لمن يريد أن ينعم بالهدوء. هذه النفس المملوءة سلاماً صارت مصدر جذب للآخرين يجدون سلامهم لديها، باب بث ربيم = أي باب بنت الجماعة، إشارة للجموع الكثيرة التي تدخل من هذا الباب. هذه النفس في سلامها صارت مصدر جذب لكثيرين ليتذوقوا حالة السلام التي تحياها. أنفك كبرج = الأنف للشم أي التمييز فهي تستطيع أن تميز أعداءها القادمين من إتجاه دمشق = ودمشق تشير للعالم والزمنيات (عدد مدينة دمشق 444) وهي بلد تجاري. وغالباً برج لبنان كان برجاً شهيراً للمراقبة. وكأن الكنيسة أو النفس التي لها البصيرة الروحية تستطيع أن تنظر للعالم وتحكم على كل شئ (1كو15: 2)، هي تستطيع أن تميز بين رائحة المسيح الزكية ورائحة العالم وأطايبه الزائلة، وهي تستطيع أن تواجه كل تيار زمني.

العدد 5

آية (5): -

"5رَأْسُكِ عَلَيْكِ مِثْلُ الْكَرْمَلِ، وَشَعْرُ رَأْسِكِ كَأُرْجُوَانٍ. مَلِكٌ قَدْ أُسِرَ بِالْخُصَلِ.".

الكرمل = هو جبل عالٍ مثمر، إمتاز بالخضرة الكثيفة والغابات ذات الثمار الكثيرة.

رأسكِ عليك مثل الكرمل = الرأس هو المسيح السماوي العالي المثمر في كنيسته فالكرمل جبل عالٍ جداً وكله خضرة مثمرة. والمسيح هو جبل بيت الرب الثابت فى رأس الجبال (إش2: 2). ولاحظ أن إشعياء النبى يشبه المؤمنين بالجبال لأن رأس الكنيسة المسيح هو أيضا جبل.

شعر رأسكِ كأرجوان = الشعر يشير لأفراد الكنيسة الملتصقين بالرأس المسيح. والأرجوان هو لبس الملوك، فعروس الملك تصير ملكة. ملك أسِرَ بالخصل = الملك هو العريس وقوله أسر أي هو لا يريد أن يترك كنيسته (الخصل) من محبته لها.

العدد 6

آية (6): -

"6مَا أَجْمَلَكِ وَمَا أَحْلاَكِ أَيَّتُهَا الْحَبِيبَةُ بِاللَّذَّاتِ!".

باللذات = الله يتلذذ بشعبه المحب له الملتف حوله "لذاتي مع بني آدم" (أم31: 8).

العدد 7

آية (7): -

"7قَامَتُكِ هذِهِ شَبِيهَةٌ بِالنَّخْلَةِ، وَثَدْيَاكِ بِالْعَنَاقِيدِ.".

النخلة = تمتاز بطولها وإستقامتها وبأن لها جذور قوية تحصل بها على الماء من العمق. ولذلك شبه القديسين بالنخل "الصديق كالنخلة يزهو" فهو يعيش مستقيماً ويدخل للعمق، وكلما دخل للعمق يرتوي من مياه الروح القدس. ونلاحظ أن السبعين رسولاً رُمِزَ لهم بسبعين نخلة في العهد القديم (خر27: 15). ولذلك كان بيت الله مزين بالنخيل (1مل29: 6، 32، 35 + 36: 7). ورأينا في سفر الرؤيا السمائيين وقد حملوا سعف النخيل (رؤ9: 7) علامة النصرة. وهكذا قابل الشعب المسيح بسعف النخيل في دخوله لأورشليم (يو13: 12)، إذ كانوا يستقبلونه كملك منتصر. وثدياك بالعناقيد = الثديان بهما يُطعمون الأطفال. والثديان يرمزان للعهد القديم والجديد، بهما تُشبع الكنيسة أولادها. ولاحظ أن الثديان هنا مشبهان بالعناقيد فهما مملوءان خمراً رمز الفرح لذلك يقول بولس "إن كان وعظ ما تسلية ما ففي المحبة في المسيح" فبدون المسيح لا فرح (في1: 2).

العدد 8

آية (8): -

"8قُلْتُ: «إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى النَّخْلَةِ وَأُمْسِكُ بِعُذُوقِهَا». وَتَكُونُ ثَدْيَاكِ كَعَنَاقِيدِ الْكَرْمِ، وَرَائِحَةُ أَنْفِكِ كَالتُّفَّاحِ،".

عذوقها = هو جريد النخلة والمقصود هنا الرخص الضعيف، والعريس بفرحته بعروسه المثمرة يشتاق أن يمسك به حتى لا يخطفه أحد (الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك "(يو12: 17). فالجريد الرخص إشارة لأعضاء الكنيسة. وقوله أصعد إلى النخلة = يشير لإشتياقه واستعداده لتحمل أي ألام ليحمي أولاده. فهو نزل وتجسد وصلب ومات ليحمي أولاده ويفديهم. وقوله أصعد يعبر عن فرحته بأن كنيسته إرتفعت. نحن نمسك بالسعف لأننا بالرب ننتصر، وهو يمسكنا كعذوق (سعف أخضر) ونحن نمسك بالسعف رمز إنتصارنا (رؤ9: 7). والمسيح يمسك بنا كسعف ليحمينا." هذا يقوله الممسك السبعة كواكب فى يمينه "(رؤ2: 1) +"... وعلى الايدي تحملون وعلى الركبتين تدللون "(إش66: 12). ولأن إنتصارنا هو لحساب مجد إسمه، فهو يفرح بكل إنتصار لنا. إذاً إنتصارنا كان لأنه يمسكنا. تكرار يكون ثدياك كعناقيد (بينهما نسمع أن المسيح يمسك بعذوقها) =" بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً "فبعد أن أمسك بعذوقها صار لها أن تكون فعلاً مصدر فرح لأولادها.

رائحة أنفك كالتفاح = دائماً تشتم التجسد. فالتفاح يشير للتجسد (3: 2). أوهي تتنفس المسيح دائماً والتنفس هو حياة أي المسيح حياتها.

أصعد إلى النخلة وأمسك = قارن مع "لانه حقا ليس يمسك الملائكة بل يمسك نسل ابراهيم" (عب16: 2) وفيها نرى المسيح يتجسد ليمسك بأولاد الله الذين ضلوا بعيداً عنه فماتوا وهلكوا أى ذرية آدم. ولكنه لم يتجسد لأجل الملائكة الساقطين الذين صاروا شياطين.

العدد 9

آية (9): -

"9 وَحَنَكُكِ كَأَجْوَدِ الْخَمْرِ. لِحَبِيبِي السَّائِغَةُ الْمُرَقْرِقَةُ السَّائِحَةُ عَلَى شِفَاهِ النَّائِمِينَ.".

حنكك كأجود الخمر = حنكها أي سقف حلقها. فهي في فرحها تسبح من العمق وليس بالشفتين فقط بينما القلب مبتعد بعيداً. سائغة = ساغ الشراب في الحلق أي يسهل دخوله فيه. مرقرقة = يجري جرياً سهلاً. سبق للنفس وقالت لا تيقظن الحبيب حتى يشاء (7: 2 + 5: 3 + 4: 8) وهنا نرى الحبيب نائماً وهي لا تريد أن توقظه أو تزعجه. وهل ينام الحبيب حقاً؟ الله لا ينام ولا ينعس (مز4: 121) ولم يذكر الكتاب سوى مرة واحدة أن المسيح نام، وكان ذلك في السفينة والبحر هائج. وذهب التلاميذ ليوقظوه وهم في حالة خوف من الأمواج قائلين "يا رب أما يهمك أننا نهلك" (مر38: 4). وقام المسيح وانتهر الريح وقال لهم، ما بالكم خائفين هكذا. "كيف لا إيمان لكم" إذاً قلة الإيمان هذه هي التي تزعج المسيح. فكيف تغرق السفينة وكيف نهلك طالما المسيح موجود. المسيح لا ينام بل يبدو في بعض الأحيان أنه نائم إذ لا يتدخل، بينما الأمواج تشتد والتجارب تزداد.

وما الذي يفرح الحبيب؟

حنكك كأجود الخمر – لحبيبي السائغة = أي تسابيح النفس في وسط التجارب واثقة أن الرب سيتدخل في الوقت المناسب. أما عدم إيماننا واضطرابنا فهذا يزعجه لأنه علامة عدم الثقة فيه وفى حمايته لنا بحسب وعوده. والخمر ترمز للفرح. وأجود أنواع الفرح بالنسبة لله هو تسبيح نفس متألمة واثقة في عريسها وفي محبته غير مهتمة بالأمواج. وهذه النفس التي أحبت عريسها تطلب من الجميع ألا يوقظوه بعدم إيمانهم = لا تيقظن الحبيب حتى يشاء. أي اتركوا المسيح يتدخل لينتهر الأمواج وقتما يشاء ولا تزعجوه بصياحكم وعدم إيمانكم. وقولها "لا تيقظن الحبيب حتى يشاء" في آية (4: 8) موجه للخدام حتى لا يضطربوا وييأسوا من مشاكل الخدمة.

العدد 10

آية (10): -

"10أَنَا لِحَبِيبِي، وَإِلَيَّ اشْتِيَاقُهُ.".

بعد أن سمعت النفس هذه الأوصاف قالت أنا لحبيبي وإليَّ اشتياقه. النفس هنا إنفتحت عيناها وأدركت كم يحبها عريسها المسيح لدرجة الإشتياق لها. أما ذوى العيون التى لم تنفتح لتدرك حب المسيح فهذه يخدعها الشيطان فى كل تجربة بأن المسيح يكرهها، فيثير النفس ضد المسيح. أما هذه النفس التى إنفتحت عيناها فصارت مثل القديس بولس الرسول حينما قال "محبة المسيح تحصرنا" (2كو5: 14). فهي إذ سمعت أن عريسها فرح بسبب فرحتها قالت "إن كل ما وصفتني به إنما هو منك ولك = أنا لحبيبى.

العدد 11

آية (11): -

"11تَعَالَ يَا حَبِيبِي لِنَخْرُجْ إِلَى الْحَقْلِ، وَلْنَبِتْ فِي الْقُرَى.".

لنخرج إلى الحقل = العروس لا تكتفي بفرحها، فمن تشبهت بعريسها لا تنغلق على ذاتها بل تخرج من ذاتها وراحتها الشخصية إلى مجال خدمة شعب المسيح، وتهتم بأنهم يتذوقوا ما تذوقته هي. النفس أدركت عظم ما أعطاه لها عريسها فشعرت أنها مديونة بالكثير له، وهى قررت فى الآية السابقة أنها تعطى نفسها للمسيح إذ قالت "أنا لحبيبى"، فكيف تنفذ هذا عمليا؟ هى تساءلت ما الذى يفرح عريسها؟ وأدركت أن إرادته خلاص نفوس الجميع... إذاً فلأُفرِح قلبه وأنطلق لخدمة أولاده. وهذا نفس ما حدث مع بولس الرسول فقال "اني مديون لليونانيين والبرابرة للحكماء والجهلاء. فهكذا ما هو لي مستعد لتبشيركم انتم الذين في رومية ايضا" (رو1: 14، 15). وقولها لنخرج = إذ كيف تخرج للخدمة بدونه (يو35: 4 + 1كو6: 3 - 9) وربما أيضاً تريد النفس أن تخرج من العالم ومسراته لتشترك مع عريسها في خدمة النفوس. لنبت في القرى = أي نسهر على خدمة النفوس. والقرى تشير لمكان البسطاء والفقراء.

العدد 12

آية (12): -

"12لِنُبَكِّرَنَّ إِلَى الْكُرُومِ، لِنَنْظُرَ: هَلْ أَزْهَرَ الْكَرْمُ؟ هَلْ تَفَتَّحَ الْقُعَالُ؟ هَلْ نَوَّرَ الرُّمَّانُ؟ هُنَالِكَ أُعْطِيكَ حُبِّي.".

لنبكرن = هذه أمانة الخدمة، لقد تخلت عن كل أنانية وإنغلاق لتبكر للخدمة. فنصيحة لكل خادم "لا تتأخر وإلا ضاع المخدوم". هناك أعطيك حبي = النفس الأمينة في الخدمة تعطي ببذل ناتج عن الحب لعريسها ولأولاده وشعبه. هل أزهر الكرم.. = هل ظهرت ثمار الخدمة في المخدومين. هناك أعطيك حبي = الحب العامل في الخدمة.

العدد 13

آية (13): -

"13اَللُّفَّاحُ يَفُوحُ رَائِحَةً، وَعِنْدَ أَبْوَابِنَا كُلُّ النَّفَائِسِ مِنْ جَدِيدَةٍ وَقَدِيمَةٍ، ذَخَرْتُهَا لَكَ يَا حَبِيبِي.".

اللفاح = نوع من أجمل الزهور وأبهاها. يشير للحب الزيجي بين رجل وزوجته. وكان القدماء يتصورون أن فيه شفاء للعقم. (تك14: 30 - 16). والمعنى هنا أن الحب بين العروس وحبيبها المسيح فاحت رائحته. وهذه الوحدة لها ثمار كلها نفائس = هي ثمار عمل كلمة الله في النفس. وما هو نوع الثمار؟ الثمار نوعين 1) شفاء هذه النفس فيكون لها ثمار الروح. 2) شفاء النفس العقيمة فتصبح خادمة ولود متئم (نش4: 2) لها أولاد أتت بهم لله، والله إعتبرهم نفائس فهم نفوس مات عنها فهى غالية جدا عليه، فاللفاح يشير لولادة البنين، كما قال بولس الرسول "يا أولادى الذين أتمخض بكم إلى أن يتصور المسيح فيكم" (غل4: 19). وتقول هذه النفس للمسيح فى النهاية "ها أنا والأولاد الذين أعطانيهم الرب" (إش8: 18 + عب2: 13). جديدة = فكل يوم هناك نفوس جديدة تعرف المسيح عن طريقها. وهي قديمة = البداية كانت بأن النفس دخلت إلى العمق فإمتلأت بالروح فأثمرت. ذخرتها لك يا حبيبي = قارن بين هذه النفس التي ذخرت لحبيبها نفائس جديدة وقديمة وحينما تقابله في السماء يجد معها هذا الكنز من النفائس فيفرح بها. وبين نفس أخرى تذخر لنفسها غضباً في يوم الغضب يوم الدينونة (رو5: 2). فمن يتقبل عمل المسيح وعمل الروح القدس فيه يذخر نفائس تكون له كنوزاً في السماء. ويكون اليوم الأخير له هو يوم عرس ومن لا يتقبل عمل الروح القدس فيه ويقاومه ويحزنه يصير هذا اليوم يوم دينونة له.

تعليق على آية 10 أنا لحبيبى وإلىَّ إشتياقه.

لاحظ تطور عمق العلاقة والمحبة والعطاء عند العروس لعريسها: -.

  1. فهى قالت فى (16: 2) حبيبى لى وأنا له أى هى بعد أن إكتشفت عمله فى التجسد قررت أن تهب نفسها له فى مقابل عطائه.
  2. ثم إرتقت النفس فى (6: 3) وقالت أنا لحبيبى وحبيبى لى هنا نجد النفس وقد صارت حياتها كلها للمسيح عريسها. فى (2: 6) كان عطائها نفسها للمسيح مجرد نية أو قرار بعد أن عرفته كفادى يبررها. لكن هنا نجد أن قرار عطائها نفسها وبذل ذاتها للمسيح تم تنفيذه بل صار حياتها. فهى بدأت بقولها أنا لحبيبى ثم قالت لأنه أعطانى نفسه.
  3. ووصلت هنا فى (7: 10) أنا لحبيبى وإلىَّ إشتياقه لقمة الحب وعمق العلاقة مع عريسها، إذ إكتشفت شخصه فوجدته شخصية حلوة تُحَّبْ، وما عادت تذكر عطاياه بل محبته وإشتياقه لها، بعد أن إنفتحت عيناها وأدركت محبته العجيبة لها كنفس بل إشتياقه الدائم لها = إلىَّ إشتياقه، محبته العجيبة جعلته يشتاق لها، بل إشتاق للصليب ليعيدها إليه (إش27: 2 – 5). هى أحبته لأنه أحبها أولا (1يو4: 10). هنا تحولت العلاقة بين النفس وبين عريسها لعلاقة حب إذ أنها إكتشفت حلاوة شخص المسيح وحلاوة عشرته والجلوس معه.

وترجمت هذا عملياً بإشتياقها لخدمة الآخرين. وهذا ما قاله بولس الرسول "إنى مديون لليونانين..." (رو14: 1) + "كنت أود لو أكون محروما من المسيح لأجل إخوتى" (رو3: 9) فهو يشتاق أن يخدم الجميع يهوداً وأمم ليعرف الكل المسيح كما عرفه هو. رأينا من قبل أن هذه النفس نائمة لا تريد أن تتعب لأجل حبيبها (نش5: 3). ولكنها بعد أن إشتعلت حبا صارت تشتاق لخدمته والعمل معه (نش7: 11، 12 + 8: 6) ففى حالة الفتور لا تود النفس أن تتعب والعكس.

نلاحظ أن بذل الذات وعطاء النفس فى خدمة الآخرين هو المحبة الحقيقية هى حب صادر من الشخص تجاه الآخر. وهذا النوع يشبه محبة المسيح لنا. وإذا شابهنا المسيح نعمل مثله ويكون المسيح فينا وهذه هى الحياة. فبذل الذات = حياة. والعروس هنا التى إنعكس جمال المسيح عليها صارت لها صفاته (السوسن وخمائل الطيب) بل إسمه (شولميث)، صارت لها صفاته فى المحبة الباذلة وخدمة الآخرين وذلك لأن عريسها.

يحيا فيها فتقول "لى الحياة هى المسيح".

وهناك حالة عكسية يسمونها خطأ حب لكنها شهوة ونمثلها هكذا. وهنا يريد الإنسان لا أن يبذل من أجل من يحبه ولكن أن يتلذذ به ويمتلكه. وطالما هى محبة متجهة للداخل فهى تكون كمن ينغلق على نفسه كالشرنقة ويموت.

أما العروس هنا فوصلت لقمة المحبة لعريسها وهذا ما سنراه فى إصحاح (8).

No items found

الفصل السادس العروس العاملة الأصحاح الثامن - سفر نشيد الأنشاد - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح السادس - سفر نشيد الأنشاد - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير سفر نشيد الأنشاد الأصحاح 7
تفاسير سفر نشيد الأنشاد الأصحاح 7