إنسانية يسوع – الأستاذ بيشوي فخري

كارت التعريف بالمقال

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب الأستاذ بيشوي فخري
التصنيفات الحياة الروحية المسيحية - اللاهوت الروحي, مفاهيم في الحياة الروحية
آخر تحديث 8 أكتوبر 2022


إنسانية يسوع

يسوع هو الإنسان الكامل الذي جاء أنسان مثلي، ليجعلني أنسان مثله!

جاء ألهًا متجسدًا، ليعلمني كيف أتعامل مع الله ومع الناس!

عاش أنسان كامل وإله كامل، كنموذج أسعى لملء قامته!

قّدس جسدي وبشريتي وأنسانيتي وعلمنّي الحب بحياته، فأحببت الحياة، وعشت بالحب!

لم يصدر تعليمات سماوية من بعيد، بل أعطى من حياته نموذج نتبع خطواته!

عندما أشكو له ألمي، أثق أنه يفهمني ويشعر بي، لأنه تألم وتجرب!

لما يجرحني ظلم المقربين، أجده في نفس موقفي مصلوب ومجروح بيد أحبابه!

وعندما يطردني البعض، أول من أجده في الخارج هو يسوع الإنسان!

هو إله، ألجأ إلى قوته لتحررني... وأنسان ألجأ إلى أنسانيته لتشعر بي!

عاش يسوع إنسان لا يرثي لضعفات الفقير والمرذول والمحتاج والمتألم... بل عاش حياتهم مختبرًا الإنسانية في ضعفها، ليصل بالأنسان إلى عظمته أنسانيته!

عاش أنسان رقيق مرهف الحس..

يذرف دموعه على قبر صديقه...

ويعترض موكب جنازة ابن الأرملة،.

يتدخل بأنسانية رجولية ليقيم الميت، ويثني على إيمان قائد المئة الأممي!

يصحح مفاهيم الطقس، ويتعاطف مع الأنسان الذي لأجله جعل السبت!

كأم يجمع في أحضانه خراف لا راعي لها، وكابن لأمه يتعاطف مع أصحاب عرس قانا الجليل ويحل أزمته!

كصديق يستقبل أصحابه بالقبلات، ويقبل عزوماتهم في بيوتهم... يعمل كنجار بسيط وهو مصمم الكون.. ولا يجد أين يسند رأسه وهو الذي تستند عليه كل الخليقة!

يرفض الخطيئة ويُحبّ الخاطئين... لا يقبل الظلم ويحتمل الظالمين!

أوصانا أن نعيش في العالم كنور، ولا يعيش العالم فينا!

بلمسة واحدة منه يتوقف النزيف، وبنظرة واحدة يشعر الشاب بحبه ويطلب تبعيته!

إلهي إنسان.. عاش طفلاً واستمر نقي، وجعل شرطًا لدخول ملكوته أن نرجع أطفال!

إلهي أنسان.. عاش شابًا، قويًا منتصرًا على الموت، فيه نضرة القيامة والحياة، بذل ذاته، ليبذر بذور الحياة الأبدية في إنسانيتنا فنحيا إلى الأبد دون شيخوخة!

إلهي فنان... أبدع الكون والجمال ونسج خيوط الإنسان بحبه، ونفخ فيه نسمه الوجود، جعل من حنجرته آله تنشد نغمات التسبيح، لتعزف مع الخليقة أصوات الحمد!

إلهي شاعر... عبّر عن الأحساسيس بأعمق الكلمات،.

ووصاياه أسست حضارات الشعوب...

تكلّم بأمثال ليفهم القارئ..

وبلغت حكمته أرتفاع السموات..

يسوع إنسان تكلّم لغتنا وهو "كلمة الله"،.

يسوع هو المُلهم لكل إنسان، وغارس المواهب في قلوب الأنسانية، منه كل.

يسوع شاعر حسّاس، يفرح برجوع البعيد.. ويحزن ويكئتب في صلاته ويخرج منها مُقدمًا الأنسانية للآب، ومقُدمًا الآب للبشرية!

يسوع الإنسان المثالي كان لا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته، وهو أيضًا الذي انتابته مشاعر الثورة والغضب حين رأى بيت أبيه قد تحوّل إلى مغارة لصوص، لأنه رجل حق!

دافع عن المرذولين وعاش معهم، وربّت على أكتاف البائسين... ستر الزانية بعطفه، ووبخ المتسترين بالتدين، وأعطى الويل للمرائيين!

قد هرب يسوع من المجد البشري المزيف الذي قُدِّم له في معظم معجزاته... ولم ينتابه الغرور حين دخل المدينة المقدسة وهم له خاضعون... ولم يخَفْ أمام محنة الألم والموت بل قدم نفسه للموت بسلطان... ولم يستسلم لعواطف الحقد السلبية أمام صالبيه بل غفر لهم عندما سكب غفرانه الألهي في القدرة الأنسانية ليمنحها من صلاحه غفران سبعين مرة سبع مرات!

لقد هرب من هيرودس، فأسس لاهوت الهروب من وجه الشر... ولكنه صمد أمام الصليب،.

لقد أعطانا الحياة فيه ومعه،.

ووهبنا أن نتألم معه ولأجله!

إنسانية الله ليست شيئًا ضد جماله وكماله، بل هى مجال حبه وإعلانه؛ لم يشأ الله أن يكون متغرب عن الأنسان، فتجسد وتأنسن.. وظهرت عظمة قدرته في إخلاؤه، وأعلن كمال حبه في إشراقه في الجسد.

يسوع هو الذي مَجّد الأنسانية لما أتحد بطبيعتنا، وباركها فيه. إذ صار أنسانًا من أجل خلاصنا لذلك تجسده حقيقة وليس خيال أو مظهرية Docétisme.. فلو كانت أنسانيته مظهرية لكان خلاصنا مظهريًا وغير حقيقي، لأنه وهو الأنسان الكامل أحتمل الآلام حقيقةً ولذلك هو يقدر أن يقوينا في آلامنا (ق. أغناطيوس الأنطاكي إلى سميرنا).

أنسانيته كاملة وليست شبه جسد... إذ روحه الأنسانية المتحدة بلاهوته استطاعت أن تنزل الجحيم وتسبي سبيًا وترد المحبوسين فيه إلى الفردوس، لقد مات وهو الحياة... ونزل إلى الجحيم وهو ساكن في النور...

لقد فاقت محبته منطق الإنسان فلم يستوعب البعض أفعال "أنسانية الله"، لكن خلاصنا لم يتحقق إلا بأنسانيته كما بلاهوته. ووجودنا فيه ما هو إلا لأن الله دخل جسدياً في لحمنا ودمنا البشريين وأفتدانا أيضاً في بشريتنا. إنه جمع فيه كياننا البشري ومنذ ذلك الحين لم يعُد أي بعد بشري خارجاً عن الله أو بعيداً عنه.

ففي أنسانية يسوع، تتحقق عظمة خلاصنا، وندرك قيمة بشريتنا!

المحتويات