الأصحاح الرابع – تفسير إنجيل لوقا – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: انجيل لوقا – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح الرابع

تجربة المسيح.

(مت1: 4 - 11) + (مر12: 1 - 13) + (لو1: 4 - 15).

نجد الإنجيليين الثلاثة الذين أوردوا قصة تجربة المسيح، أنهم يأتون بها بعد معموديته وحلول الروح القدس عليه. إذ أن حلول الروح القدس على المسيح يعني مسحه أي تكريسه لعمل الفداء وهذا يعني حتماً الدخول في صراع مع الشيطان.

وما الذي أثار الشيطان ليبدأ المواجهة مع المسيح؟

من المعروف أن الشيطان هو رئيس هذا العالم كما أسماه المسيح (يو30: 14). وهو يستخدم إغراءات وملاذ العالم في إبعاد أولاد الله عنه. الله خلق العالم بما فيه لنستعمله، ولكن إبليس حوَّل العالم إلى هدف عند الناس. والمسيح بدأ حربه ضد إبليس بأنه صام والصوم هو زهد في ملذات هذا العالم، وكأن المسيح يعلن لرئيس هذا العالم أنه لا يهتم بأسلحته وملذاته، وبهذا أثار الشيطان.

ولكن كما نفهم من أقوال السيد المسيح أن الصوم والصلاة أقوى أسلحة ضد الشيطان (مت21: 17). ولذلك فالكنيسة الأرثوذكسية تضع أصواماً كثيرة لتسلح أولادها ضد إبليس، فإن كان المسيح قد إحتاج للصوم فكم وكم أنا الخاطئ الضعيف.

نعود ونقول أن الصوم هو سلاح ضد الشيطان ولكننا نجد هنا أن الصوم أثار الشيطان ضد المسيح فحاربه، فهل نصوم ليحاربنا الشيطان؟ نقول نعم فنحن في حروبنا لسنا نحارب بقوتنا بل أن المسيح الغالب يغلب فينا (يو33: 16 + رؤ2: 6). والروح الذي فينا هو روح قوة ونصرة ضد إبليس، فلماذا الخوف من حروبه!! بل أننا إذا غلبنا إبليس برفضنا لملذات العالم وجهادنا في صلواتنا وأصوامنا نمتلئ بالروح أكثر، وهذا ما حدث مع المسيح إذ يقول الكتاب أن المسيح بعد التجربة رجع بقوة الروح إلى الجليل (لو14: 4). لذلك فالله يسمح بالتجارب الشيطانية ضدنا ولكن هذا لنغلب به، وحينما نغلب نمتلئ أكثر بالروح وبهذا يعظم إنتصارنا (رو37: 8) وهناك قصة من العهد القديم تشرح هذه الفكرة تماماً. فقد جاء يهوشافاط كملك قديس على يهوذا، فأثارت قداسته ثائرة إبليس فأهاج الأعداء ضده واجتمع عليه جيش عظيم. إذاً سمح الله بتجربة هذا الملك القديس. فماذا فعل يهوشافاط؟ نجده يصلي ويسبح ويصرخ لله، ونجد الله يتدخل ويزيل العدو من أمامه، ويعود يهوشافاط وشعبه ومعهم غنائم كثيرة، عادوا أعظم من منتصرين (2أي1: 20 - 30) (أي لم ينتصروا فقط بل عادوا ومعهم غنائم). والمسيح أتى ليفتتح ملكوت الله في صميم العالم وهذا معناه إقتحام سلطة الشيطان رئيس هذا العالم ونهب داره أولاً، داره الذي سلَّحه بأسلحة الخطية المتعددة من شهوات وملذات العالم (مت28: 12 - 29) إذن فقد لزمت المواجهة.

ولقد تقدم المسيح أعزل من سلطانه الإلهي، إذ تخلى عمداً عماَّ له ليستطيع أن يقف موقفنا ويأخذ دورنا، ففي كل ما انتصر فيه المسيح معناه أننا انتصرنا، لقد انتصرت البشرية فيه. ولنلاحظ أن المسيح بلاهوته لا قوة تقف أمامه ولا معنى أن نتكلم عن انتصاره بلاهوته على إبليس أو غيره، فقوة الله لا يفوقها قوة أخرى.

لقد أتى المسيح ليحارب الشيطان بعد أن حل عليه الروح القدس، والروح القدس هو قوة رادعة للشيطان، والمسيح أرسل لنا الروح القدس لنغلب الشيطان وندوسه، فالشيطان قوي وخداعاته قوية، لكننا بالروح القدس الذي فينا نكتشف ألاعيبه ونهزمه ونرفض عروضه الخبيثة.

ونكرر أنه علينا أن لا ننزعج إذا حاربنا الشيطان إذا زهدنا العالم وصمنا وصلينا وذهبنا للكنيسة وواظبنا عليها، فهو لا يحتمل كل هذا والله يسمح بهذه التجارب إذ نخرج منها ببركات كثيرة وغنائم عديدة، بل نمتلئ بالروح أكثر وأكثر. وهذا ما يحدث وحدث مراراً مع الرهبان والمتوحدين، إذ حينما تركوا العالم وذهبوا للبرية أثاروا الشيطان بزهدهم ورفضهم لأدوات إغراءاته وأسلحته، أي ملذات هذا العالم، فكان أن زادت حروبه ضدهم، حتى أنه كان يظهر لهم في صورة وحوش ضارية تحاربهم، ولكن لنراجع سيرة هؤلاء لنرى البركات التي حصلوا عليها، فعادوا أعظم من منتصرين.

والمسيح دخل التجربة وهو حامل البشرية فيه وممثلها بقصد مباشر، هو أن يجيز البشرية التي فيه كل تجارب الشيطان ثم يغلب الشيطان بجسده الضعيف، وبهذا فهو يحطم أسلحته وقوته لحساب الإنسان الجديد أو الخليقة الجديدة التي هو رأسها التي ستقوم به وفيه من بين الأموات.

بعد هذه التجربة ربط المسيح إبليس بعد أن هزمه، ثم بعد ذلك على الصليب جرده من كل سلطانه، ثم نزل ليهزم الشيطان في الناس ويشفيهم ويخرج الشياطين منهم إعلاناً لأنه أتي ليحرر البشرية من إبليس. المسيح بموته على الصليب كحامل لخطايانا أبطل أقوى أسلحة الشيطان أي الخطية، فالنعمة التى وهبها الله لنا أعظم وأقوى وقادرة أن تتغلب على شهوات الإنسان الخاطئة (رو6: 14 + يع4: 6). فصارت الخطية فينا ميتة أي مدانة (رو3: 8) صارت الخطية مدانة في المؤمنين إذ ماتوا مع المسيح، وجرد المسيح إبليس وتابعيه من رتبهم وسلطانهم ليوم الدينونة (كو15: 2). ولكن بقى لهم عمل يتناسب مع ضعفهم حتى إلى ذلك اليوم، فهم ما زالوا يحاربون المؤمنين ولكن في ضعف، وشرح هذه الفكرة نجده في عدة أماكن في العهد القديم:

(حز24: 30) فالله يكسر ذراعي فرعون (رمز إبليس) ولكنه لا يكسر رقبته. سيظل له رأس ولكن بلا قوة الذراعين. فإبليس مازال يستخدم رأسه في بث أفكاره المسمومة من تشكيك، وإثارة شهوات في المؤمنين، لكن لنثق أنه بلا ذراعين أي بلا قوة، الشيطان هو قوة فكرية ولكنه هو لا يستطيع أن يرغم أحد على قبول أفكاره، بل أن المؤمنين حين يصرخون لله يطردون هذه الأفكار سريعاً.

نسمع في قصة فرعون والخروج أن جيش فرعون قد غرق في البحر الأحمر، ولكننا لم نسمع أن فرعون نفسه قد غرق. وفرعون رمز لإبليس الذي بقي بعد معركة الصليب بلا قوة (بلا جيش).

المسيح كرأس للخليقة الجديدة دخل المعركة وغلب لأن آدم رأس الخليقة القديمة دخل المعركة وهُزِمَ.

بالمعمودية وحلول الروح القدس على المسيح تكرس المسيح للصليب، وهذا معنى قول السيد المسيح "هذا الذي قدسه الله الآب (كرسه أو خصصه)" (يو36: 10)، في التجارب عروض من إبليس على المسيح كما سنرى ليبتعد عن الصليب في خدمته.

ربما استخدم إبليس سلاح الأفكار ضد المسيح، فهو تارة يشككه في محبة الآب الذي تركه جائعاً ولم يحول له الحجارة إلى خبز، وتارة يثير فيه شهوة امتلاك العالم، وهذا ما يصنعه إبليس معنا. ولكن لنلاحظ أن التعرض للتجربة الفكرية ليس خطية وليس هو السقوط، بل أن انتصارنا على هذه التجارب يعقبه نصرة وبركة، لكن أن نتلذذ بالفكر فهذه هي الخطية، أن نتحاور مع إبليس، هذا هو الخطأ. لذلك قال الآباء "ليس الخطأ أن تحوم الطيور حول رؤوسنا، بل الخطأ أن تتخذ الطيور من رؤوسنا أوكاراً لها.

الله يسمح إذاً بالتجارب ويعيننا في أثنائها لنخرج مملوئين من الروح ونخرج منها أكثر قوة وصلابة وخبرة، واثقين في وعود الله، مختبرين قوته ونصرته، الله بهذا يكون كأم تعلم أولادها المشي، وكالنسر الذي يحمل أفراخه على جناحيه ويرتفع لأعلى ثم يتركهم ليتعلموا الطيران ولكنه يهبط ويصير تحتهم حتى لا يسقطوا على الأرض بل عليه.

بل نخرج من هذه التجارب أكثر تواضعاً إذ ندرك ضعفنا وندرك أيضاً قوة الله، بل ندرك أننا بالمسيح أقوى من الشيطان وأسلحته.

المسيح هو الطريق، ففيه اعتمدنا وفيه نلنا قوة الروح القدس وفيه نصوم ونزهد في العالم، وفيه نُقْتاد إلى التجارب غير هيابين وفيه نغلب ونخرج من التجارب أعظم من منتصرين.

نتعلم أيضاً من المسيح أن نستخدم كلمة الله في حروبنا للرد على إبليس وعلينا أيضاً أن نستخدم اسم يسوع، فحينما تهاجمك الأفكار أصرخ قائلاً "يا ربي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ، يا ربي يسوع المسيح أعني" فتهرب منك الأفكار. إرشم نفسك بعلامة الصليب التي يفزع منها إبليس، إستعن بالقديسين وشفاعتهم فيأتون لمعونتك.

إبليس هو المجرب ومن أسمائه أي صفاته أنه الشيطان أي المقاوم. وهو المعاند والمشتكي والمتمرد. هو خصم لا يكف عن الحرب.

كلمات السيد المسيح التي استخدمها مقتبسة من سفر التثنية (تث3: 8 + تث16: 6 + تث13: 6) بالترتيب.

ملحوظة: في طقس المعمودية نجحد الشيطان وهذا معناه أن المؤمن سيدخل في تحد مع الشيطان يرفضه ويرفض أعماله وإغراءاته. وكما أن التجربة للمسيح ارتبطت بالمعمودية هكذا نحن بالمعمودية ندخل في معركة مع إبليس العمر كله، لكنها معركة ستنتهي حتماً بانتصار أولاد الله الذين قبلوا المسيح رأساً لهم وحل عليهم الروح القدس. فالروح القدس هو الذي يقودنا بعد المعمودية.

التجربة بحسب إنجيل متى.

الآيات (مت 1: 4 - 11): -.

"1ثُمَّ أُصْعِدَ يَسُوعُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ مِنَ الرُّوحِ لِيُجَرَّبَ مِنْ إِبْلِيسَ. 2فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، جَاعَ أَخِيرًا. 3فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْمُجَرِّبُ وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَقُلْ أَنْ تَصِيرَ هذِهِ الْحِجَارَةُ خُبْزًا». 4فَأَجَابَ وَقَالَ: «مَكْتُوبٌ: لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ». 5ثُمَّ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَأَوْقَفَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ، 6 وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ، فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ». 7قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «مَكْتُوبٌ أَيْضًا: لاَ تُجَرِّب الرَّبَّ إِلهَكَ». 8ثُمَّ أَخَذَهُ أَيْضًا إِبْلِيسُ إِلَى جَبَل عَال جِدًّا، وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدَهَا، 9 وَقَالَ لَهُ: «أُعْطِيكَ هذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي». 10حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ». 11ثُمَّ تَرَكَهُ إِبْلِيسُ، وَإِذَا مَلاَئِكَةٌ قَدْ جَاءَتْ فَصَارَتْ تَخْدِمُهُ.".

آية (مت 1: 4): -.

"1ثُمَّ أُصْعِدَ يَسُوعُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ مِنَ الرُّوحِ لِيُجَرَّبَ مِنْ إِبْلِيسَ.".

ثُمَّ = هذه الكلمة هنا بعد المعمودية تعني أن التجربة أمر طبيعي كان لزاماً على السيد أن يدخل فيه نيابة عنا، فاتحاً لنا طريق الملكوت. ولنلاحظ أن إبليس حارب السيد بعد حلول الروح عليه، فنحن أيضاً معرضين لحروب إبليس بعد كل نعمة ننالها (فهو يحسدنا).

أُصْعِدَ يَسُوعُ... مِنَ الرُّوحِ = الروح يقتاد المسيح وفق خطة إلهية ليهزم إبليس ويربطه، وتحسب إمكانياته إمكانيات البشرية بعد ذلك. والمسيح لم يقتاده الروح عنوة، بل أن المسيح كان في اشتياق لهزيمة إبليس. لكن نفهم من كلمة أصعد يسوع، أن الروح القدس يدفع الإنسانية التي في المسيح. حقاً الروح القدس والابن واحد مع الآب، ومشيئتهم واحدة، إلاّ أن هذا يعني أن الروح يحرك ويدفع الإنسانية التي في المسيح، وهذا ما يعمله الروح القدس فينا الآن فهو يحركنا ويدفعنا ويبكتنا ويتوبنا ويدفعنا دفعاً للأحضان الإلهية. ويعطينا القوة لرفض أفكار إبليس.

الْبَرِّيَّةِ = بحسب المفهوم اليهودي فالبرية هي مسكن للشياطين، فهي أماكن خربة وقبور، والمسيح ذهب بهذا للشيطان في عرينه ليحاربه.

والإنسان قبل المسيح كان كبرية خربة، حولها الروح القدس لجنة مثمرة. (الروح القدس يرمز له بالمياه). كان الإنسان مسكناً للشياطين، ميتاً كقبر، رائحته نتنة فصرنا رائحة المسيح الزكية. إذاً فالإنسان هو أرض المعركة بين المسيح وإبليس. ومن المؤكد أن الشيطان جرب المسيح كثيراً لكن الإنجيليين لم يذكروا سوى ثلاث تجارب.

آية (مت 2: 4): -.

"2فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، جَاعَ أَخِيرًا.".

نلاحظ أن الحرب بدأت أو اشتدت حينما جاع المسيح، ومع الجوع تشتد شهوة الإنسان للطعام، هي لحظة ضعف للجسد، والشيطان متمرس في إسقاط الإنسان بعراكه مع شهوة الجسد. لقد كان جوع المسيح أو زهده وتركه للطعام ولملذات العالم هو استدراج الشيطان لمنازلته. ولقد صار الصوم والزهد سلاحاً به نهزم إبليس مع الصلاة. بالصوم ننزع من إبليس رئيس هذا العالم سلاحه الذى هو ملذات العالم، والصلاة هى سلاحنا المخيف للشيطان، إذ بالصلاة تكون لنا صلة بالله الذى يرعب الشياطين. لذلك قال الرب أن "هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة والصوم".

ولنلاحظ أن المسيح بصومه قدس أصوامنا وشجعنا عليها، كالأم التي تتذوق الدواء أمام طفلها المريض حتى يشرب منه. بدون ضبط البطن طرد آدم من الفردوس. وبضبط البطن والصوم هزم المسيح إبليس.

وكان جوع المسيح إعلاناً وتأكيداً لحقيقة ناسوته، فهو ليس خيالاً. فجسد المسيح كان جسداً كاملاً حقيقياً يجوع ويعطش ويتألم.

أَرْبَعِينَ يوماً = رقم (40) يشير لفترة ما يعقبها خير أو عقوبة فموسى صام 40يوماً ليستلم شريعة العهد القديم، والطوفان كان 40 يوماً. وإسرائيل جُرِّب في سيناء 40 سنة لكنهم تذمروا، أما المسيح فذهب بإرادته ليجوع ويجرب ولم يتذمر. وهذه الأربعين يوماً تشير لمدة غربتنا على الأرض، إن قضيناها في زهد وأصوام وبلا تذمر نذهب للسماء.

الآيات (مت 3: 4 - 10): -.

"3فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْمُجَرِّبُ وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَقُلْ أَنْ تَصِيرَ هذِهِ الْحِجَارَةُ خُبْزًا». 4فَأَجَابَ وَقَالَ: «مَكْتُوبٌ: لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ». 5ثُمَّ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَأَوْقَفَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ، 6 وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ، فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ». 7قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «مَكْتُوبٌ أَيْضًا: لاَ تُجَرِّب الرَّبَّ إِلهَكَ». 8ثُمَّ أَخَذَهُ أَيْضًا إِبْلِيسُ إِلَى جَبَل عَال جِدًّا، وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدَهَا، 9 وَقَالَ لَهُ: «أُعْطِيكَ هذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي». 10حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ».".

لخص معلمنا القديس يوحنا في رسالته الأولى الخطايا التي في العالم في ثلاث فئات هي شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة (1يو16: 2) وهي بعينها نفس الثلاث التجارب التي قام بها إبليس ضد آدم الأول وضد المسيح آدم الأخير.

والسيد المسيح قهر الشيطان بعدم إبلاغه مراده واحتقاره لوسائل الإغراء التي اتبعها معه. ولاحظ أن المسيح يستخدم سلاح كلمة الله بقوله مكتوب. فالكلمة المقدسة هي سيف ذو حدين وهي سيف الروح (أف17: 6 + عب12: 4).

التجربة الأولى: تجربة شهوة البطن (الخبز) آيات (3 - 4).

ماذا يقصد إبليس بهذه التجربة؟

هو يشكك المسيح في محبة الآب، فهو يقصد أن يقول، إن كان الآب أي الله هو أبوك حقاً، وهو إله خير محب، فلماذا يتركك جائعاً. إذاً فليحول لك الحجارة إلى خبز. والمقصود من التشكيك هو تخريب العلاقة مع الله. وهذا ما يصنعه إبليس مع كل منا، فهو يأتي ليهمس في أذن من له مشكلة أو مصاب بمرض "أطلب من الله إن كان يحبك أن يصنع معك معجزة ويشفيك، أو يحل لك المشكلة. وهذا أسلوب يتبعه معنا فى حالات ضعفنا نتيجة تجربة أو مرورنا بأى ضيقة (فنجده هنا يحارب المسيح إذ وجده جائعاً). وإذا لم تحل المشكلة يأتي إبليس ليقول لك الله لا يحبك فهو يشفي كل الناس إلا أنت وهذا معنى تخريب العلاقة مع الله وكان رد المسيح لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ. وهذا يعني ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل إن أراد الله لي الحياة حتى بدون خبز فسأحيا. وعلينا أن نستخدم نفس الرد على إبليس" إن حاول أن يشككنا في محبة الله قائلين "ليس بحل المشكلة أو بالشفاء من المرض وحده يحيا الإنسان، بل بإرادة الله. ونتعلم من رد المسيح:

أن لا نطيع إبليس فيما يقترحه علينا.

أن لا نطلب ونلتمس المعجزات في أمورنا ومطالبنا. واثقين فيما يختاره الله لنا.

الجسد يطعم بالخبز ولكن لا ننسى أن لنا روحاً تطعم بكلمة الله. فالجسد المأخوذ من التراب يتغذي على ما تخرجه الأرض، أما الروح لأنها على صورة الله فهي تتغذى بكلمة الله. ومن لا يتغذى بكلمة الله هو ميت روحياً. لقد أراد إبليس أن يجذب المسيح للإهتمام بالماديات فحوَّل المسيح الكلام إلى الروحيات.

الشيطان رأي ولادة المسيح المعجزية وسمع الآب السماوي يشهد عن المسيح قائلاً "هذا هو ابني الحبيب" وهو يريد أن يتأكد من شخص المسيح فيقول له إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فهو تشكك فيه إذ رآه جائعاً.

إن كان المسيح هو ابن الله فليستخدم لاهوته لعمل معجزة، أو يطلب من أبيه عمل المعجزة، لكن المسيح أثبت هنا أنه لا يريد هذا لنفسه، لأن إرادته كإرادة أبيه أي خلاص النفوس، هو أتى لأجل هذا، وليس لعمل معجزات تفيده هو شخصياً. ولاحظ أن المسيح يُشبع الجموع بمعجزة ولا يعمل معجزة لأجل نفسه وهو جائع. فالمسيح لا يريد أن ينحصر في ذاته بل هو يسلم بكل ما يريده الآب، هو لا يريد أن يستخدم مشيئته بعيداً عن مشيئة الله ليكمل شهوة جسده. وبهذا انتزع سلاح الشيطان الذي يقوم على استخدام مشيئة الإنسان بعيداً عن مشيئة الله (يو38: 6).

وكانت التجربة الأولى هي تجربة الخبز، ولكن لنلاحظ أن النفس الشبعانة تدوس العسل، أي أن عدو الخير لن يجد له مكاناً داخلنا ما دامت نفوسنا شبعانة بالله.

آدم غلبه إبليس إذ أكل والمسيح هزم إبليس إذ امتنع عن الأكل.

التجربة الثانية: تجربة جناح الهيكل آيات (5 - 7):

كان رد المسيح على الشيطان في التجربة الأولى أنه بكلمة الله يحيا الإنسان أي أن المسيح استخدم كلمة الله. وهنا نجد أن الشيطان يتقدم بمشروعه الثاني القائم على الاعتماد على كلمة الله. هو يستخدم كلمة الله بطريقة مضللة ويجعلها أساساً للتجربة، وكان رد المسيح أيضاً بكلمة من كلام الله. ففي كلام الله كل الكفاية للرد على تشكيك إبليس ومحاولاته.

ما هو هدف إبليس من هذه التجربة؟

إما يموت المسيح فَيُسَّرْ إبليس بموته، أو على الأقل يتألم.

أو يفعلها المسيح وينجو فعلاً فيقع في الإفتخار والكبرياء. ولاحظ أن المسيح لو فعل هذا وقت احتشاد الجماهير لآمن الجميع به بسبب هذه المعجزة الخارقة ولكن طريق المسيح هو طريق الصليب وليس هذه الأساليب الصبيانية التليفزيونية. وعموما فالشيطان يريد أن يتأكد هل هذا هو إبن الله، وإن كان هو فليبعده عن الصليب عن طريق عمل المعجزات والخوارق مثل هذا العرض الذى يعرضه عليه بإلقاء نفسه. وهذا ما سوف يعمله الشيطان مع ضد المسيح فى الأيام الأخيرة إذ يزوده بالعجائب (رؤ13).

أو أن المسيح لا يجيب خوفاً من الموت فيعيره إبليس بأنه غير قادر.

إبليس يقنع المسيح باستخدام حقه كابن لله بطريقة فيها تهور، طريقة خاطئة وفيها تجربة للآب ولكن محبة الآب لنا لا تحتاج لإثبات بهذه الأساليب فهو يحفظنا في كل طرقنا الصالحة، ولا داعي أن نضعه موضع الامتحان.

قول إبليس اطْرَحْ نَفْسَكَ يعبر عن شهوته لسقوط كل إنسان.

لاحظ أن إبليس يحارب المسيح في المدينة المقدسة وعلى جناح الهيكل أي في الأماكن المقدسة، والشيطان لا يكف عن أن يحاربنا حتى في أقدس الأماكن.

قد تكون حرب الشيطان هنا ذهنية فقط أي هو يغري المسيح بأن يذهب ويفعل هذا ليصير الكارز المشهور بالأعاجيب وهذا هو تعظم المعيشة أما المسيح فاختار طريق الصليب.

الشيطان استخدم آيات من (مز91) ولكنه لم يكملها، فالباقي ليس في مصلحته، إذ أن بقية الآيات تقول "تطأ الأفعي".. كناية عن إبليس.

ونرى في رد السيد المسيح.

[1] لم يسخط ولم يثور ولم يهتاج ضد إبليس بل يرد في ثقة وهدوء.

[2] الله يحفظنا من التجارب التي أتعرض لها وليس التي أصنعها بنفسي حتى أجرب محبته. وعلينا أن نثق في محبة الله دون طلب إثبات.

[3] المسيح اختار طريق الصليب ورفض طريق استعراض إمكانياته بطلب ملائكة تحفظه. وعلينا أن نختار طريق الألم واحتمال الألم دون أن نطلب معجزات تسهل لنا الطريق، أو بقصد المباهاة والمجد الباطل.

التجربة الثالثة: شهوة العيون آيات (8 - 10):

الشيطان هو رئيس هذا العالم، وهو يغوي المؤمنين بملذات وأمجاد هذا العالم الباطلة التي يملكها ويتحكم فيها والثمن هو للأسف السجود له أي التبعية الكاملة له التي تصل لحد عبادته. الشيطان يطبق المثل العامي "حسنة وأنا سيدك". وكون أن الرب يسميه رئيس هذا العالم (يو14: 30) فهذا يعنى أنه قادر أن يعطى من يخضع له كل الملذات الخاطئة.

وقد تكون التجربة هنا هي مجرد تجربة ذهنية فكرية في داخل العقل أي أن الشيطان يُصَوِّر للمسيح كل مباهج الدنيا وأنه قادر أن يعطيه ملك كل العالم، أي يسهل له تكوين مملكة من العالم كله دون الحاجة للصليب وكان هذا هو طلب اليهود.

هذه التجربة هي تجربة كل يوم للمؤمنين، أن يدخلوا من الباب الواسع لذلك ينبهنا الكتاب "لا تحبوا العالم.." ولاحظ أن إبليس "كذاب وأبو الكذاب" (يو44: 8) فهو يغوي المؤمنين بعالم فانٍ زائل.

ونجد المسيح هنا ينتهر إبليس وهذا يعلمنا أن لا نساوم الشيطان بل ننتهره صارخين "كيف نفعل هذا الشر أمام الله". نحن بالمسيح الذي فينا قادرين أن ننتهر الشيطان قائلين له اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ هذا معنى أن المسيح غلب ويغلب فينا، أنه أعطانا فيه هذا السلطان. والأفضل أن نقول حين نحارب "يا ربي يسوع المسيح أبعد الشيطان عني" فأنا لا سلطان لي على الشيطان مثل المسيح، لكن باسم المسيح نطرده.

خداع إبليس هنا خطير إذ يوهمنا أنه لا داعي للصليب أو للألم، بل يكفي الخضوع له أو السجود له، وهو سيعطينا الكثير، لكن على أولاد الله أن يرفضوا هذا الفكر وينتهروه، راضين بالصليب.

بعد أن هُزِمَ إبليس في التجارب الثلاث اتضح أن المسيح قد حطم سلاحه. وهذا ما يعنيه بأنه ربطه، إذ أن ربطه هو نتيجة حتمية لتحطيم سلاحه الكامل الذي اعتمد عليه وهو إغراءات العالم (التي رفضها السيد) وسلاح المراوغة والخداع لاسقاط الإنسان بعيداً عن الله ووصاياه (وهذه استخدم السيد ضدها سلاح كلمة الله).

والخطوة التالية للسيد هي نهب أمتعته (مت29: 12). وهذه تمت بخدمة المسيح وعمله طيلة ثلاثة سنوات ونصف، كان فيها يجذب النفوس لله ويحررها من سلطة إبليس ليؤسس ملكوت الله إذ كنا قبل المسيح أمتعة إبليس (كان يسكن فينا سكنى المتاع).

والمسيح هزم إبليس في التجارب الثلاث فلم يعد له قدرة أن يواجه المسيح. ثم نزل المسيح للعالم ليخرجه من البشر الذين كان قد استولى عليهم فبعد أن أكمل ردع الشيطان على الجبل نزل ليردعه في الناس. المسيح دائماً يخرج غالباً ولكي يغلب.

آية (مت 11: 4): -.

"11ثُمَّ تَرَكَهُ إِبْلِيسُ، وَإِذَا مَلاَئِكَةٌ قَدْ جَاءَتْ فَصَارَتْ تَخْدِمُهُ.".

الملائكة تخدم هذا المنتصر على إبليس، ربما هي أتت له بطعام والأغلب أن الملائكة جاءت تسبحه. فالملائكة تفرح بكل نصرة وتأتي لتخدم لتثبت كرامة المنتصر. وإذا غلبت إبليس تأتي الملائكة لتمدحك وتخدمك كحراس لك.

التجربة بحسب إنجيل مرقس.

الآيات (مر 12: 1 - 13): -.

"12 وَلِلْوَقْتِ أَخْرَجَهُ الرُّوحُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، 13 وَكَانَ هُنَاكَ فِي الْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يُجَرَّبُ مِنَ الشَّيْطَانِ. وَكَانَ مَعَ الْوُحُوشِ. وَصَارَتِ الْمَلاَئِكَةُ تَخْدِمُهُ.".

وَلِلْوَقْتِ = أي بعد العماد مباشرة، فالشيطان يحقد علينا ويحسدنا عقب كل بركة ننالها أَخْرَجَهُ الرُّوحُ = الروح القدس أخرجه ليغلب لحسابنا. إِلَى الْبَرِّيَّةِ.. وَكَانَ مَعَ الْوُحُوشِ = البرية القفرة الموحشة الخربة مكان الشياطين، وبها وحوش تخيف، ويخيف بها إبليس الإنسان كما كان يظهر للأنبا أنطونيوس على شكل وحوش مخيفة. والمسيح انتصر على كل ذلك حتى ننتصر نحن فيه. نحن نحمل في جعبتنا إمكانيات إلهية الآن بها نغلب. من يقوده روح الرب وهو مختفي في الرأس المسيح بلا شك تكون معركته رابحة.

وإذا كان المسيح قد عاش 40يوماً وسط الوحوش فهو بهذا قد أعاد السلطان للإنسان على الحيوان، ولذلك فالوحوش لا سلطان لها الآن على أولاد الله وهذا ما حدث مع مارمرقس والأنبا برسوم العريان. ونلاحظ أن مارمرقس هو الذي أشار لموضوع الوحوش في البرية لأن هدف مارمرقس في إنجيله إظهار قوة المسيح وسلطانه أمام الرومان الذين يحترمون القوة. ومارمرقس لم يشر لأن المسيح انتصر على الوحوش فهذا في رأيه أمر مفروغ منه ولكنه يضع اللمسة القوية أنه كان مع الوحوش. والملائكة التي صارت تخدمه صارت أيضاً تسند كل الخليقة بحراستها لنا وصلواتها عنا ومعنا.

وربما اختصر مارمرقس قصة التجربة في إنجيله لأن تجربة إبليس للمسيح كانت أصعب بدرجة تفوق خيالنا، وهذا ما لمَّح له القديس لوقا أن إبليس جربه بكل تجربة. أما متى ولوقا فأوردوا على قدر ما نحتمل من القصة.

التجربة بحسب إنجيل لوقا.

الأعداد 1-13

الآيات (لو 1: 4 - 15): -

"1أَمَّا يَسُوعُ فَرَجَعَ مِنَ الأُرْدُنِّ مُمْتَلِئًا مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَكَانَ يُقْتَادُ بِالرُّوحِ فِي الْبَرِّيَّةِ 2أَرْبَعِينَ يَوْمًا يُجَرَّبُ مِنْ إِبْلِيسَ. وَلَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَلَمَّا تَمَّتْ جَاعَ أَخِيرًا. 3 وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ، فَقُلْ لِهذَا الْحَجَرِ أَنْ يَصِيرَ خُبْزًا». 4فَأَجَابَهُ يَسُوعُ قِائِلاً: «مَكْتُوبٌ: أَنْ لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ مِنَ اللهِ». 5ثُمَّ أَصْعَدَهُ إِبْلِيسُ إِلَى جَبَل عَال وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْمَسْكُونَةِ فِي لَحْظَةٍ مِنَ الزَّمَانِ. 6 وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: «لَكَ أُعْطِي هذَا السُّلْطَانَ كُلَّهُ وَمَجْدَهُنَّ، لأَنَّهُ إِلَيَّ قَدْ دُفِعَ، وَأَنَا أُعْطِيهِ لِمَنْ أُرِيدُ. 7فَإِنْ سَجَدْتَ أَمَامِي يَكُونُ لَكَ الْجَمِيعُ». 8فَأَجَابَهُ يَسُوعُ وَقَالَ: «اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! إِنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ». 9ثُمَّ جَاءَ بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَأَقَامَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ مِنْ هُنَا إِلَى أَسْفَلُ، 10لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ، 11 وَأَنَّهُمْ عَلَى أَيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ». 12فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «إِنَّهُ قِيلَ: لاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلهَكَ». 13 وَلَمَّا أَكْمَلَ إِبْلِيسُ كُلَّ تَجْرِبَةٍ فَارَقَهُ إِلَى حِينٍ. 14 وَرَجَعَ يَسُوعُ بِقُوَّةِ الرُّوحِ إِلَى الْجَلِيلِ، وَخَرَجَ خَبَرٌ عَنْهُ فِي جَمِيعِ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ. 15 وَكَانَ يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهِمْ مُمَجَّدًا مِنَ الْجَمِيعِ.".

آية (لو 1: 4): -.

"1أَمَّا يَسُوعُ فَرَجَعَ مِنَ الأُرْدُنِّ مُمْتَلِئًا مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَكَانَ يُقْتَادُ بِالرُّوحِ فِي الْبَرِّيَّةِ.".

أَمَّا يَسُوعُ = هذا اسمه الإنساني، فهو جرب كإنسان، لذلك فيوحنا الذي تكلم عن لاهوت المسيح لم يورد هذه التجربة، وبهذا فهو صار مُجَرَّب مثلنا. فلو دخل التجربة بلاهوته لما كان قد جرب مثلنا.

هذه الآية نرى فيها ارتباط المعمودية بالتجربة.

آية (لو 2: 4): -.

"2أَرْبَعِينَ يَوْمًا يُجَرَّبُ مِنْ إِبْلِيسَ. وَلَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَلَمَّا تَمَّتْ جَاعَ أَخِيرًا.".

2أَرْبَعِينَ يَوْمًا = موسى يصوم 40يوماً ليتسلم شريعة العهد القديم كان فيها يحرم جسده لترتفع الروح حُرَّة من مشاغبات الجسد فيأخذ من الله الشريعة. وهكذا صام المسيح 40يوماً قبل البدء في خدمة العهد الجديد.

الآيات (لو 3: 4 - 12): -.

"3 وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ، فَقُلْ لِهذَا الْحَجَرِ أَنْ يَصِيرَ خُبْزًا». 4فَأَجَابَهُ يَسُوعُ قِائِلاً: «مَكْتُوبٌ: أَنْ لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ مِنَ اللهِ». 5ثُمَّ أَصْعَدَهُ إِبْلِيسُ إِلَى جَبَل عَال وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْمَسْكُونَةِ فِي لَحْظَةٍ مِنَ الزَّمَانِ. 6 وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: «لَكَ أُعْطِي هذَا السُّلْطَانَ كُلَّهُ وَمَجْدَهُنَّ، لأَنَّهُ إِلَيَّ قَدْ دُفِعَ، وَأَنَا أُعْطِيهِ لِمَنْ أُرِيدُ. 7فَإِنْ سَجَدْتَ أَمَامِي يَكُونُ لَكَ الْجَمِيعُ». 8فَأَجَابَهُ يَسُوعُ وَقَالَ: «اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! إِنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ». 9ثُمَّ جَاءَ بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَأَقَامَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ مِنْ هُنَا إِلَى أَسْفَلُ، 10لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ، 11 وَأَنَّهُمْ عَلَى أَيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ». 12فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «إِنَّهُ قِيلَ: لاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلهَكَ».".

آية (لو13: 4): -.

"13 وَلَمَّا أَكْمَلَ إِبْلِيسُ كُلَّ تَجْرِبَةٍ فَارَقَهُ إِلَى حِينٍ.".

فَارَقَهُ إِلَى حِينٍ = فالشيطان لا يكف عن حروبه ضدنا، فإن لم نستجب لإغراءاته أشهر ضدنا اضطهاداً، وهذا ما فعله بالمسيح إذ أثار ضده الفريسيين وغيرهم، ثم انتهى بمؤامرة الصليب. وربما أن القديس لوقا أراد أن ينوه عن هذا إذ هو نقل التجربة الثانية، أي تجربة جناح الهيكل في أورشليم بحسب متى لتصبح في لوقا التجربة الثالثة، لأنه يريد أن يقول أن هزيمة إبليس هنا الأخيرة في أورشليم كانت تمهيداً لهزيمته النهائية على الصليب في أورشليم أيضاً.

كُلَّ تَجْرِبَةٍ = ربما كانت هناك تجارب أخرى لم يكشف عنها المسيح فهي فوق إدراكنا، بل حتى القديسين حاربهم إبليس بحروب فوق إدراكنا. ونشكر الله أن الله لا يدعنا نجرب فوق ما نحتمل.

آية (لو 14: 4): -.

"14 وَرَجَعَ يَسُوعُ بِقُوَّةِ الرُّوحِ إِلَى الْجَلِيلِ، وَخَرَجَ خَبَرٌ عَنْهُ فِي جَمِيعِ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ.".

رجوع يسوع بقوة الروح بعد هزيمته لإبليس وبعد صومه فيه درس لنا بأهمية الصيام وعدم الخوف من حروب إبليس. وهذا القول لا يعني أن يسوع لم يكن قوياً ثم صار قوياً، بل أن البشرية التي فيه صارت تحمل قوة جديدة هي لحسابي ولحسابك، هي رصيد نتمتع نحن به. وظهرت هذه القوة في السلطان الذي كان المسيح يعلم به ويصنع به المعجزات.

والآن بعد دراسة أحداث الميلاد والعماد والتجربة لنفهم لماذا تجسد المسيح؟

يقول القديس يوحنا "والكلمة صار جسدا" (يو1: 14). فالمسيح هو إبن الله الكلمة، وإتخذ له جسدا من بطن العذراء مريم. وقوله صار جسدا، فهذا لا يعنى تحول اللاهوت إلى جسد بل إتحاد اللاهوت بالناسوت مكونا طبيعة واحدة من طبيعتين بلا إختلاط ولا إمتزاج ولا تغيير.

كان مجد اللاهوت مختفيا فى جسده، كما سبق إشعياء النبى وتنبأ عن هذا "وجعل فمي كسيف حاد. في ظل يده خبأني وجعلني سهما مبريا، في كنانته أخفاني" (إش49: 2) وكان المسيح سهما مبريا موجها لمملكة إبليس (لو1: 51). ويقول أيضا "وعلى كل مجد غطاء" (إش4: 5). وكان هذا المجد يظهر جزئيا أحيانا، كما حدث فى التجلى وفى بعض المعجزات التى أثبتت لاهوته.

الله خلق آدم ليحيا للأبد، ولما سقط مات وفسدت الخليقة بالخطية. وأراد الله لآدم أن يخلص فيحيا أبديا. والحياة هى صفة لله وحده. فكان أن تجسد إبن الله ليموت ويقوم، وبالمعمودية نتحد بالمسيح فى موته وقيامته، فتموت الطبيعة القديمة التى فسدت وتقوم طبيعة جديدة يمكن لها أن تحيا أبديا لو ظلت متحدة بالمسيح. كان هو "حبة القمح التى وقعت فى الأرض وماتت لتأتى بثمر كثير" (يو12: 24).

وكان التجسد ليُمكن للمسيح أن يموت، فإبن الله بلاهوته كان لا يمكن أن يموت، فإتخذ له جسدا ليموت به وتموت فيه طبيعتنا الفاسدة. ثم يقوم ويصعد ويتمجد الجسد الإنسانى بجلوس المسيح عن يمين الآب، لنقوم معه ويكون لنا نصيبا فى هذا المجد، وهذا معنى قول الرب "أنا أمضى لأعد لكم مكانا" (يو14: 2).

وسبق الله وشرح فكرة موت الخليقة القديمة لتقوم خليقة جديدة فى المسيح بطرق عديدة فى العهد القديم. فرأينا الله يقول لموسى كرمز للمسيح حينما أخطأ الشعب فى موضوع العجل الذهبى "إذهب إنزل، لأنه قد فسد شعبك... والآن أتركنى ليحمى غضبى عليهم وأفنيهم، فأصيرك شعبا عظيما... فتضرع موسى أمام الرب إلهه وقال... إندم على الشر بشعبك... فندم الرب على الشر الذى قال أنه يفعله بشعبه" (خر32: 7 – 14). فلو فهمنا أن موسى هنا يرمز للمسيح فيكون المعنى "أن الآب يرسل الإبن للبشرية التى فسدت بالخطية، وبالمعمودية تموت الخليقة القديمة، وتقوم خليقة جديدة = شعبا عظيما هو كنيسة المسيح، ويكون تضرع موسى عن الشعب وقبول تضرعه هو إعلانا عن شفاعة المسيح الكفارية. وفكرة الخليقة الجديدة التى تقوم من الموت بالمعمودية شرحت فى قصة الطوفان والفلك (1بط3: 21).

إذاً موت المسيح عنا كان للفداء، فقد دفع الثمن نيابة عنا، وكان كفارة عنا فقد غطانا بدمه، وصار كل من يثبت فيه يتغطى بدمه ولا يعود الآب يراه بسقطاته بل يرى دم إبنه يغطيه (كفارة = cover) فيكون دم المسيح شفاعة كفارية عنه.

لم يكن الفداء والكفارة فقط هما فوائد الفداء، فقد رأينا فى المسيح الصورة الكاملة للإنسان كما يريدها الله. ورأينا فى المسيح أيضا صورة الآب، فنحن إذ كنا كخطاة غير قادرين على رؤية الله لئلا نموت، تجسد المسيح لنرى فيه صورة الآب، لذلك قال المسيح لفيلبس "الذى رآنى فقد رأى الآب" (راجع تفسير تث18: 15 – 19 + يو14: 9). فمحبة المسيح ووداعته وتواضعه... كلها هى نفس صفات الآب. وكل ما عمله المسيح من معجزات كان إعلانا عن إرادة الآب تجاه البشر فى أن تكون لهم حياة أبدية (معجزات إقامة الأموات). وتكون للبشر العين المفتوحة التى ترى مجد الآب وأفراح الأبدية (معجزات تفتيح أعين العميان).... وهكذا.

وكان المسيح بجسده فى فترة وجوده بالجسد على الأرض هو المعلم والمشرع لشريعة العهد الجديد. كان يُكمِل ولا ينقض.

كان تجسد المسيح ليؤسس كنيسته، التى هى جسده. فكل منا بعد المعمودية وبعد الإفخارستيا يصبح عضوا فى جسد المسيح، "لأننا أعضاء جسمه، من لحمه ومن عظامه" (أف5: 30). ونحن ننتمى لجسد المسيح ونصير من أعضاء جسمه ونثبت فيه بالمعمودية والإفخارستيا، ولكن بالخطية ينفك هذا الثبات فلا شركة للنور مع الظلمة. وبهذا الإتحاد بالمسيح إبن الله نصير نحن أبناء لله. ووضع الله سر التوبة والإعتراف والإفخارستيا لنعود للثبات فيه مرة أخرى. لذلك قال الرب أن "كل من يصنع إرادة الله يصير أمه وأخوه وأخته" أى من لحمه وعظامه (راجع مر3: 31) ويطلب منا المسيح "إثبتوا فىَّ وأنا فيكم" (يو15: 4). وهذا الثبات يتطلب حياة التوبة والجهاد.

ولقد شابهنا المسيح فى كل شئ "من ثم كان ينبغى أن يشبه إخوته فى كل شئ" (عب2: 17) ونضيف على ما قاله بولس الرسول قول القديس إغريغوريوس فى قداسه "شابهنا فى كل شئ ما خلا الخطية وحدها" فالرب قال "من منكم يبكتنى على خطية" (يو8: 46). ولكنه حمل خطايانا = "لأنه جعل الذى لم يعرف خطية، خطية لأجلنا" (2كو5: 21) بمعنى أنه وهو على الصليب كان حاملا لخطايانا، له منظر الخطية لكنه بلا خطية. وهذه شرحتها الذبائح الحيوانية البريئة التى كانت تذبح حاملة خطايا الشعب بالنيابة عن الشعب. وشرحتها الحية النحاسية، فلها شكل الخطية بدون سم بداخلها. ولذلك قال بولس الرسول أن "الله أرسل ابنه فى شبه جسد الخطية" (رو8: 3). فجسده مشابه لجسدنا فى كل شئ ما عدا الخطية، فلو كانت له خطية لما إستطاع أن يموت عنا بل كان يموت عن نفسه.

لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين.

كما قلنا أن المسيح شابهنا فى كل شئ، فهو كان يجوع ويعطش ويتألم ويبكى ويصرخ (عب5: 7)، ولم يسانده اللاهوت أبدا (لقد كان من الممكن أن يسانده اللاهوت فلا يعطش ولا يشعر بألام الصليب والمسامير، لكنه أراد أن يَكْمُل بالألام ليشابهنا فى كل شئ عب2: 10). بل فى ألامه فى بستان جثيسمانى جاءت ملائكة تقويه، فاللاهوت ترك الناسوت ليحتمل كل ألام البشر. وإحتاج لملائكة تخدمه وهو جائع بعد صومه أربعون يوما فى البرية وحربه مع إبليس (مر1: 13). [ولنلاحظ أن الله لا يحرمنا من مساندة الملائكة، فهم "أرواح خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب1: 14)].

لذلك نقول فى قانون الإيمان تجسد وتأنس.

فهو كان إنسانا كاملا مشابها لنا، ففى طفولته كان طفلا عاديا ولكنه متفوقا عمن كانوا فى سنه ولذلك أبهر الشيوخ فى حواره معهم فى الهيكل وعمره 12 عاما (لو2: 41 – 47)، وهكذا كان فى شبابه ورجولته.

ولكن لإتحاد لاهوته بناسوته كان فداءه لنا غير محدود فلاهوته لانهائى، فقدم كفارة وغفرانا لكل البشر فى كل زمان، ولكن لكل من يؤمن به ويثبت فيه.

ولإتحاد لاهوته بناسوته خرج من جنبه دم وماء عندما طعن على الصليب. وقام جسده من الأموات بقوة لاهوته الحى والمحيى.

ولإتحاد لاهوته بناسوته كان لعابه يشفى المرضى وإذا لمسهم أو لمسوه مثل المرأة نازفة الدم، يشفوا، بل بلمسته أقام إبن أرملة نايين. وجسده فى سر الإفخارستيا يعطى حياة أبدية لإتحاده بلاهوته المحيى.

كل ما صنعه المسيح بجسده كان لحسابنا.

رأينا فيما سبق أن المسيح جعلنا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه. ويطلب الرب منا قائلا "إثبتوا فىَّ وأنا فيكم" فيكون أن كل ما كان المسيح يعمله بجسده، نقدر نحن أيضا أن نعمله، لذلك يقول الرب "وهذه الآيات تتبع المؤمنين: يخرجون الشياطين بإسمى، ويتكلمون بألسنة جديدة... ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون" (مر16: 18). وكما تجلى جسد المسيح على جبل التجلى، فهذا سيحدث معنا ونأخذ صورة جسد مجده (فى3: 21) ونصير مثله لأننا سنراه كما هو (1يو3: 2) وهذا معنى أننا نجلس فى عرشه (رؤ3: 21) وهذا أيضا معنى أننا نرث الله نرث مع المسيح (رو8: 17).

يقول الرب ".. ليكون لكم فىَّ سلام. فى العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم" (يو16: 33). وهذا يعنى أننا كأعضاء جسد المسيح قادرين إن ثبتنا فيه أن نغلب كما غلب هو ولا يُنزع سلامنا من داخلنا طالما نحن ثابتين فيه.

حلَّ الروح القدس على جسد المسيح يوم العماد، وذلك لحسابنا، فكل من يثبت فى المسيح يحل عليه الروح القدس فى سر الميرون بعد أن يعتمد ويتحد بالمسيح. ولكن لنفهم أن الروح القدس يحل على المسيح بصورة أقنومية (لذلك كانت هيئة الحلول على شكل حمامة كاملة). أما على البشر فالروح يحل كألسنة منقسمة (أع 2)، وذلك بقدر ما يحتمل وبقدر ما يحتاج الإنسان من مواهب وثمار وسلطان. ولذلك قيل "مسحك الله إلهك بدهن الإبتهاج أكثر من رفقائك" (مز45: 7). وهذا تم شرحه فى طقس رسامة رئيس الكهنة فى العهد القديم، إذ كانوا يسكبون عليه دهن المسحة من قنينة الدهن ويمسحونه (خر29: 7)، وأما الكهنة فكانوا ينضحون (يرشون) عليهم من دم الذبيحة ومن دهن المسحة، ولكن لا يسكب عليهم. فرئيس الكهنة يمثل المسيح الذى حل عليه الروح القدس كأقنوم كاملا، أما الكهنة فيمثلون الشعب المسيحى كله، فكل مسيحى هو كاهن بالمفهوم العام (يقدم ذبائح التسبيح والإنسحاق... إلخ). وهذا المنظر صوَّره داود النبى فى (مز 133) "هوذا ما أحسن وما أجمل أن يسكن الإخوة معا. مثل الدهن الطيب على الرأس، النازل على اللحية، لحية هارون، النازل إلى طرف ثيابه" (المسيح هو الرأس) ثم ينزل على اللحية والقميص (الكنيسة). وفى طقس تقديم الدقيق كان يقدم عجين ملتوت بالزيت (إشارة للإتحاد الأقنومى بين الإبن والروح القدس) ثم يمسح بزيت إشارة لحلول الروح القدس على جسد المسيح.

المسيح غلب الشيطان فى التجربة على الجبل كإنسان بدون مساندة اللاهوت، وكان هذا حتى يعطى إمكانية لكل من يثبت فى المسيح أن يغلب إبليس.

"رجع يسوع بعد التجربة إذ غلب الشيطان بقوة الروح إلى الجليل" (لو4: 14). وبنفس الطريقة فكل من يغلب منا يمتلئ بالروح.

ولنرى ماذا حدث مع المسيح. فقد حلَّ عليه الروح وإمتلأ من الروح القدس، أى البشرية التى فيه إمتلأت لنمتلئ نحن فيه أى حينما نتحد به ونثبت فيه، ثم صام ليقاتل إبليس مقتادا بالروح ويغلب فيعود بقوة الروح إلى الجليل (لو4: 1، 2، 14) وهذا يعنى أن كل من يثبت فى المسيح يسهل أن يكون إنسانا روحيا أى ينقاد بالروح ويغلب الشيطان وتجاربه، ويمتلئ قوة. وسمعنا أن الروح حمل فيلبس إلى مركبة الخصى الحبشى (أع8: 44) وكان الروح يقود الرسل والكنيسة كلها (سفر أعمال الرسل).

ونفهم أن المسيح إحتاج أن يصوم ليغلب الشيطان، وقال هذا لتلاميذه "هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة والصوم" (مت17: 21).

قلنا أن اللاهوت لم يكن يساعد الناسوت ليكون جسد المسيح مشابها لنا تماما، لذلك علينا أن لا نقول أن المسيح غلب لأنه الله، بل هو غلب كإنسان، وكان ذلك أ) بالصوم. ب) بقيادة الروح القدس. ونرى أننا قد سكن فينا الروح القدس وهو يريد أن يقودنا فى موكب النصرة كما قاد جسد المسيح فغلب، وأننا بالصوم وتقديم أجسادنا ذبيحة حية (رو12: 1) قادرين أن نغلب فى المسيح فنحن صرنا أعضاء جسمه.

وقيل عن المسيح "وكان الصبى ينمو ويتقوى بالروح، ممتلئا حكمة، وكانت نعمة الله عليه" (لو2: 40). وقيل عنه "وأما يسوع فكان يتقدم فى الحكمة والقامة والنعمة، عند الله والناس" (لو2: 52). فنفهم من هذا أن يسوع كان إنسانا مشابها لنا تماما يقوده الروح ويسانده الروح، وبالغلبة على الشيطان يمتلئ قوة وهذا الإمتلاء من الروح هو معنى القول ينمو فى النعمة والحكمة فالروح القدس هو روح الحكمة. بل هذا يعطينا أن نفهم معنى أن المسيح يصلى قبل أن يختار تلاميذه (لو6: 12، 13)، فكان هذا ليمتلئ حكمة من صلته بالآب فيختار تلاميذه. ونرى أن المسيح قد طبق ما قاله وعلم به تماما... يصلى ويصوم فيمتلئ قوة ونعمة وحكمة.

وهكذا صار المسيح لكل من يثبت فيه طريقا لذلك يقول الرب "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو14: 6). كل من يجاهد ليثبت فى المسيح يصير له المسيح طريقا للمجد.

المسيح صام وصلى ورفض إغراءات الشيطان وإلتزم بكل وصايا الناموس، وكان الإنسان الكامل. وإمتلأ بالروح، وقبل الصليب حتى الموت، ليقوم ويتمجد بجسده = يجلس عن يمين الآب. والآن فكل من يقبل أن يجاهد ليسير فى نفس الطريق يصوم ويصلى ويرفض خطايا الشيطان ويقبل أن يميت جسده... يمتلئ بالروح ويقوده الروح ليغلب ويقوم من موت الخطية، ويُحسب فى المسيح كاملا وبلا لوم (كو1: 28 + أف1: 4). وفى النهاية يكون له الجسد الممجد.

لذلك تجسد المسيح ليكون جسده هو الطريق لنغلب.

ويكون لنا الطريق لنمتلئ بالروح الذى يعين والطريق للمجد.

وذلك لكل من يجاهد ليثبت فيه.

رفض الناصرة له.

الأعداد 14-22

الآيات (لو14: 4 - 22): -

"14 وَرَجَعَ يَسُوعُ بِقُوَّةِ الرُّوحِ إِلَى الْجَلِيلِ، وَخَرَجَ خَبَرٌ عَنْهُ فِي جَمِيعِ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ. 15 وَكَانَ يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهِمْ مُمَجَّدًا مِنَ الْجَمِيعِ. 16 وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ حَيْثُ كَانَ قَدْ تَرَبَّى. وَدَخَلَ الْمَجْمَعَ حَسَبَ عَادَتِهِ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَامَ لِيَقْرَأَ، 17فَدُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ السِّفْرَ وَجَدَ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ مَكْتُوبًا فِيهِ: 18«رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، 19 وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ». 20ثُمَّ طَوَى السِّفْرَ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْخَادِمِ، وَجَلَسَ. وَجَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ كَانَتْ عُيُونُهُمْ شَاخِصَةً إِلَيْهِ. 21فَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ: «إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ». 22 وَكَانَ الْجَمِيعُ يَشْهَدُونَ لَهُ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ كَلِمَاتِ النِّعْمَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ فَمِهِ، وَيَقُولُونَ: «أَلَيْسَ هذَا ابْنَ يُوسُفَ؟ ». 23فَقَالَ لَهُمْ: «عَلَى كُلِّ حَال تَقُولُونَ لِي هذَا الْمَثَلَ: أَيُّهَا الطَّبِيبُ اشْفِ نَفْسَكَ! كَمْ سَمِعْنَا أَنَّهُ جَرَى فِي كَفْرِنَاحُومَ، فَافْعَلْ ذلِكَ هُنَا أَيْضًا فِي وَطَنِكَ» 24 وَقَالَ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ مَقْبُولاً فِي وَطَنِهِ. 25 وَبِالْحَقِّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ أَرَامِلَ كَثِيرَةً كُنَّ فِي إِسْرَائِيلَ فِي أَيَّامِ إِيلِيَّا حِينَ أُغْلِقَتِ السَّمَاءُ مُدَّةَ ثَلاَثِ سِنِينَ وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ، لَمَّا كَانَ جُوعٌ عَظِيمٌ فِي الأَرْضِ كُلِّهَا، 26 وَلَمْ يُرْسَلْ إِيلِيَّا إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا، إِلاَّ إِلَى امْرَأَةٍ أَرْمَلَةٍ، إِلَى صَرْفَةِ صَيْدَاءَ. 27 وَبُرْصٌ كَثِيرُونَ كَانُوا فِي إِسْرَائِيلَ فِي زَمَانِ أَلِيشَعَ النَّبِيِّ، وَلَمْ يُطَهَّرْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إِلاَّ نُعْمَانُ السُّرْيَانِيُّ». 28فَامْتَلأَ غَضَبًا جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ حِينَ سَمِعُوا هذَا، 29فَقَامُوا وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، وَجَاءُوا بِهِ إِلَى حَافَّةَ الْجَبَلِ الَّذِي كَانَتْ مَدِينَتُهُمْ مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ حَتَّى يَطْرَحُوهُ إِلَى أَسْفَلٍ. 30أَمَّا هُوَ فَجَازَ فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى.".

سبق هذه الآيات أن الروح إقتاد يسوع 40 يوما فى البرية ليحارب إبليس، وكان يسوع خلالها صائما، وإنتصر على إبليس بزهده فى كل ملذات العالم فهذه أسلحة إبليس، وبرفضه لكل ما عرضه إبليس عليه فهو حرم إبليس من أسلحته (ملذات العالم)، وبهذا فهو ربطه أى قيَّد حركته، فبماذا يحاربه ويغويه وهو رافض لكل ما يعرضه عليه. والذى غلب الشيطان هنا هو يسوع الإنسان فلا معنى لأن نقول أن الله هو الذى كان يُجرَّب من إبليس وأن الله هزم إبليس. فالله قادر بلاهوته أن يسحق إبليس بكلمة. ولكن كانت هذه المعركة وهذا الإنتصار لحساب الإنسان. فكل منا إذا إتحد بالمسيح وثبت فيه يقتاده الروح كما إقتاد المسيح (لو4: 1) لينتصر على الشيطان. ومن ينتصر على الشيطان رافضا ملذاته الخاطئة يمتلئ بالروح كما حدث مع المسيح فى الآيات التالية. أما من يقاوم الروح القدس ويستجيب للشيطان ويتلذذ بإغراءات العالم يُطفئ الروح ويحزنه.

رجع يسوع بقوة الروح = الجسد كان ضعيفاً من الصوم، ولكن الروح كان قوياً لكن الإنسانية التي في المسيح يسوع إمتلأت بقوة الروح حينما غلب إبليس وهذا لكى يعطى لكل من يتحد به من البشر إمكانية أن يمتلئ بالروح هو أيضا. ومن منهج المسيح نفهم كيف نصبح أقوياء بالروح أو كيف نمتلئ بالروح [1] صوم وصلاة كما صام المسيح هذه الأربعين يوماً [2] رفض إقتراحات إبليس [3] قطعاً يسبق كل هذا المعمودية والميرون. ومن المؤكد سننتصر لأن غلبة المسيح على الشيطان كانت لحسابنا.

خرج خبرٌ عنه في جميع الكورة المحيطة = بدأ السيد معجزاته وتعاليمه في كفرناحوم، وخرجت أخباره لكل منطقة الجليل، مما أثار غيرة أهل الناصرة، فالناصرة هي وطنه، وآخذوه على ذلك (23: 4). حيث كان قد تربى = هذه تشير لدقة لوقا، فالمسيح وُلِدَ في بيت لحم لكنه تربى في الناصرة.

ممجداً من الجميع = لقد إنبهروا بتعاليمه ومعجزاته، ولكن وياللعجب فبعد قليل نجدهم يثورون ضده ويحاولون قتله (29: 4)، فهم لا يريدون أن يسمعوا كلمات تأنيب، هم يريدون المعجزات ولكن لا يريدون التعاليم التي تقود للحياة، يريدون شفاء الأجساد ولكن لا يريدون شفاء الأرواح. ولاحظ كبريائهم فما أعثرهم فيه أنه من أصل بسيط أليس هذا إبن يوسف فهم في كبريائهم يريدون أن من يعلمهم يكون إبن ملوك. وسنرى سبباً آخر بعد ذلك لثورتهم أن السيد أشار لإستحقاق الأمم للشفاء (26: 4 - 27) وهم كانوا يشعرون أنهم أبناء الله أمّا الأمم فكانوا يسمونهم كلاباً.

إن إنتقالهم هكذا من الإعجاب بالمسيح إلى محاولة قتله كان يشير أنهم فقدوا الحس والبصيرة (تث28: 32 - 33). (آية16): وقام ليقرأ = كان الشعب يجتمع في المجامع للصلاة ولسماع الكتاب المقدس والوعظ والتعليم. وكان من الممكن أن يُدعى للقراءة والوعظ أي شخص يمكنه أن يتكلم، وهذا إستغله رُسُل المسيحية فعلموا من خلال المجامع اليهودية المنتشرة في العالم كله عن المسيح. والمجامع بدأ إنشاؤها بعد السبي. وكانوا يجتمعون أيام السبت والإثنين والخميس. وكانت هناك قراءات محددة لكل يوم. (بنظام القطمارس القبطي حالياً). فكان يقرأ جزء من ناموس موسى أي التوراة وجزء من الأنبياء (أع14: 13 - 16). حسب عادته = إذاً فالمسيح كان قد تعود حضور المجامع في المكان الذي يوجد به. وهكذا عمل بولس الرسول.

وبالرجوع للآية (15): -.

نجد أن المسيح قد ظهر في مجامع اليهود كواعظ مشهور. وقام ليقرأ = كانت العادة أن يقرأوا الكتاب وهم وقوف، ويجلسون عند الوعظ والتعليم (نح5: 8). ومن كان يريد أن يتكلم ويعظ يقف، لذلك وقف السيد.

(آية17): كانت القراءة من أسفار النبوات في هذا اليوم مأخوذة من سفر إشعياء (إش1: 61 - 2). وكان هذا بتدبير إلهي فليس هناك مكان للصدف في تدبيرات الله، وكان النص يتحدث عن المسيح.

(آيات 18 - 20): وطوى السفر = بعد أن قرأ وأكرز بسنة الرب المقبولة ولم يُكِمل باقي الآية من سفر إشعياء، والتكملة هي "وبيوم إنتقام لإلهنا" لكن المسيح في مجيئه الأول أتى ليخلص لا لينتقم، لذلك طوى السفر تعني أن الوقت ليس هو وقت الإنتقام. هو جاء ليُمْسَحْ من الروح القدس يوم الأردن ويخصص كرئيس كهنة يقدم ذبيحة نفسه ليخلص المساكين، المطحونين في عبودية لإبليس، جاء كطبيب سماوي ليشفي المنكسري القلوب. وليكرز بسنة الرب المقبولة = هي سنة اليوبيل التي تأتي كل 50 سنة وكان يتم فيها تحرير العبيد وتحرير الأرض، وهذا رمز لما سيقدمه المسيح بصليبه للبشرية، فهو أتى ليهب المؤمنين الحرية الروحية، ويعيد للبشر ما فقدوه من ميراث البر وملكوت السموات. وليعيد لنا البصيرة الروحية. إذاً سنة اليوبيل، السنة المقبولة، هي مجيئه الأول، أما "يوم إنتقام إلهنا" فهذه إشارة لمجيئه الثاني كديان للأرض كلها. والمسيح في كلامه أشار صراحة أنه هو المقصود بهذه النبوة. وكان يتكلم بقوة وسلطان جذبا السامعين إليه، ولكن ياللأسف فكبريائهم قد أعمى عيونهم فلم يعرفوه ولم يؤمنوا.. لماذا؟ لأنه إبن يوسف النجار البسيط.

الأعداد 23-30

الآيات (لو23: 4 - 30): -

"23فَقَالَ لَهُمْ: «عَلَى كُلِّ حَال تَقُولُونَ لِي هذَا الْمَثَلَ: أَيُّهَا الطَّبِيبُ اشْفِ نَفْسَكَ! كَمْ سَمِعْنَا أَنَّهُ جَرَى فِي كَفْرِنَاحُومَ، فَافْعَلْ ذلِكَ هُنَا أَيْضًا فِي وَطَنِكَ» 24 وَقَالَ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ مَقْبُولاً فِي وَطَنِهِ. 25 وَبِالْحَقِّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ أَرَامِلَ كَثِيرَةً كُنَّ فِي إِسْرَائِيلَ فِي أَيَّامِ إِيلِيَّا حِينَ أُغْلِقَتِ السَّمَاءُ مُدَّةَ ثَلاَثِ سِنِينَ وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ، لَمَّا كَانَ جُوعٌ عَظِيمٌ فِي الأَرْضِ كُلِّهَا، 26 وَلَمْ يُرْسَلْ إِيلِيَّا إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا، إِلاَّ إِلَى امْرَأَةٍ أَرْمَلَةٍ، إِلَى صَرْفَةِ صَيْدَاءَ. 27 وَبُرْصٌ كَثِيرُونَ كَانُوا فِي إِسْرَائِيلَ فِي زَمَانِ أَلِيشَعَ النَّبِيِّ، وَلَمْ يُطَهَّرْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إِلاَّ نُعْمَانُ السُّرْيَانِيُّ». 28فَامْتَلأَ غَضَبًا جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ حِينَ سَمِعُوا هذَا، 29فَقَامُوا وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، وَجَاءُوا بِهِ إِلَى حَافَّةَ الْجَبَلِ الَّذِي كَانَتْ مَدِينَتُهُمْ مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ حَتَّى يَطْرَحُوهُ إِلَى أَسْفَلٍ. 30أَمَّا هُوَ فَجَازَ فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى.".

هم تساءلوا لماذا لم يبدأ المسيح معجزاته في بلده الناصرة ولماذا بدأ في كفرناحوم. والمسيح عرف ما يجول في ذهنهم فهو الله فاحص القلوب والكلى، فقال لهم تقولون لي هذا المثل، أيها الطبيب إشف نفسك = أي إذا كنت طبيباً وقادر أن تشفي أهل كفرناحوم، كان الأولى بك أن تشفي نفسك = أى أهلك في الناصرة. وبهذا تثبت نفسك كطبيب شافي ولست إبن يوسف النجار فقط (طبعاً المثل يقال أصلاً إذا أصاب الطبيب أي مرض). وكان رد المسيح عليهم وعلى تساؤلاتهم أنه لم يصنع آيات في وسطهم لأنهم لا يستحقون.. الحق أقول لكم ليس نبي مقبولاً في وطنه = (هذا مثل شائع عندهم). فالمشكلة أنكم لا تقبلونني ولا تؤمنون بي، بل كل ما تفكرون فيه بساطة عائلتي وأن أبي نجار. وأيضاً فالمثل يشير إلى أنهم رافضين للمسيح كما رفض أباؤهم الأنبياء وقتلوهم، وذلك بسب الحسد، فأهل النبي إذ يعرفون أهله وبيته وسيرته يستكثرون عليه أن يصير نبياً، إذ يحسبونه كواحد منهم أو أقل. فرؤية إنسان كثيراً يفرغ المهابة من حول شخصه. وهذا حقيقي دائماً فالحسد يجعل كل واحد، لا يحتمل تفوق جاره الذي يعرفه ويظن أنه الأجدر بهذه الكرامة.

بل أن السيد أشار أن موقفه هذا تكرر من قبل مع إيليا وإليشع إذ تمتع بمعجزاتهم الأمم وليس أبناء وطنهم الذين لا يستحقون، بل كان الله يؤدبهم لعبادتهم الوثنية. وهنا نفهم أسلوب الله، أن الله يمنع نعمه وبركاته عمن لا يستحقها. وهل كان في إسرائيل إيمان مثل إيمان المرأة. وطبعاً فقصتي إيليا وإليشع، إشارة واضحة لقبول الأمم ورفض اليهود فيما بعد لصلبهم المسيح. ولكن المعنى القريب هو إستحقاق كفرناحوم للمعجزات لإيمانهم وعدم إستحقاق أهل الناصرة لعدم إيمانهم. ولكن إشارة المسيح لإستحقاق الأمم أكثر من اليهود لمعجزات إيليا وإليشع، أثارت اليهود الحاضرين لكبريائهم وقاموا بمحاولة لقتل المسيح. عموماً لا أحد يريد أن يسمع حقيقة نفسه ويكره من يظهر له حقيقة خطاياه (رؤ10: 11). إلاّ أن المسيح لم تكن ساعته قد جاءت بعد فجاز في وسطهم وتركهم، فلا سلطان لأحد عليه (يو11: 19)، بل هو يضع ذاته من نفسه حين يريد (يو17: 10 - 18) إذاً هو جاز وسطهم بسلطان لاهوته. وهنا السيد إستغل مقاومة أهل بلده له ليعلن قبوله لكل البشرية.

راجع نظام الصلوات والوعظ فى كتاب إدرشيم. وبإختصار: -.

نجد الرب يسوع حسب عادته يتوجه للمجمع يوم السبت (لو4). وفى يوم السبت هذا دعا رئيس الشيوخ الرب يسوع ليقوم بطقوس الصلوات. وبحسب المشناة كان الشخص الذى يقرأ النبوات كان مسئولا عن القيام بأكبر قسم فى خدمة العبادة. ولذلك حين دُعى يسوع كان عليه أن يتوجه إلى البيما (العرش أى منبر الوعظ = وقال عنه المسيح كرسى موسى) ويذهب إلى المنبر ويبدأ الصلاة والتسابيح. ثم تقرأ النبوات المقررة لهذا اليوم (وهذا النظام نجده فى كنيستنا فى كتاب القطمارس). وبعد قراءة جزء النبوات مباشرة يأتى الدور على من يقوم للوعظ أو الخطبة أو من يدير حوارا. وهذا يكون لو وُجِد رابى متمكن من الشرح أو ضيف مميز. وشروط من يتقدم للوعظ أن تكون سمعته الأخلاقية لا غبار عليها، وتكون قدراته تؤهله لذلك (وهنا كان المسيح هو من سيقوم بالوعظ). وقد يتكلم المتكلم بالعبرية أو يهمس للمترجم ويقوم المترجم بترجمة ماقيل إلى الأرامية أو اليونانية أو اللاتينية أو لأى لغة يفهمها السامعين.

وعادة ما ينهى الواعظ كلامه ووعظه بالإشارة لرجاء إسرائيل الكبير فى العصر المسيانى. وتنتهى الخدمة بصلاة قصيرة. وواضح طبعا الترتيب الإلهى الذى حدد هذه القراءات فى هذا اليوم فكانت القراءة التى وضعت أمام المسيح ليقرأها هى (إش61: 1، 2).

فلا توجد آيات تعطى رجاء لإنسان بقدر هذه الآيات "روح الرب علىَّ، لأنه مسحنى لأبشر المساكين، أرسلنى لأشفى المنكسرى القلوب، لأنادى للمأسورين بالإطلاق وللعمى بالبصر، وأرسل المنسحقين فى الحرية، وأكرز بسنة الرب المقبولة" (إش61: 1، 2). بل ولا توجد أنسب من هذه الآيات ليبدأ بها المسيح رسالته. وكان النظام المتبع كما سبق شرحه أن يصمت الحاضرون تماما إلى أن ينتهى الواعظ من وعظته ثم تبدأ الأسئلة والحوار. ويجيب الواعظ على الأسئلة أو يواجه الإعتراضات.

أول زيارة للمسيح لمجمع الناصرة بلده "حيث كان قد تربى" لخصت تاريخ عمل المسيح مع اليهود "إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله". وكما لم تقبله خاصته فى مجمع الناصرة لم يُقبل فى هيكل أورشليم (يو2: 18 - 21). بل إتخذت كلماته شهادة ضده عند محاكمته. أما فى الناصرة فأخرجوه من المجمع وحاولوا قتله. وغالبا فقد تمت دعوة المسيح لكى يعظ بسبب شهرته التى سبقته، وما عمله فى كفر ناحوم ومعجزة قانا التى تبعد عنهم 4 أميال. بل وحمل الناصريين فى عودتهم من أورشليم أخبار ما عمله فى الهيكل. وربما أراد أهل الناصرة وطنه أن يختبروا هل يستحق كل ما سمعوه عنه أو أرادوه أن يصنع ما صنعه فى كفر ناحوم.

وتعجب الجميع من كلمات النعمة التى قالها والتى لم يسمعوا مثلها من أىٍ من الربيين من قبل. وإنتظر المسيح أن يكون هنا أسئلة أو حوار روحى حول "كيف نبدأ أو ما هو المطلوب منا لنحصل على هذا الخلاص" أو أسئلة عما وعظ به. لقد كانت عظة المسيح بحرارة قلب راجيا إيمانهم لأجل خلاص نفوسهم. فهذا المكتوب فى إشعياء قد تحقق فيه. ومن العجيب أن من يصلى ويعظ فى وسطهم هو إبن الله نفسه والذى لا بد أن تشعل حرارة صلواته قلوب الحاضرين، ولكن كان تعليقهم "أليس هذا إبن يوسف النجار الذى نعرفه". وهذا ما أثار فى السيد غضبا مقدسا. والقول القديم المعروف أن "أعمال الخير تبدأ من بيتك ووطنك" أو كما يقول اليهود "أيها الطبيب إشف نفسك". ولكن كيف يعمل المسيح لهم أعمال خير وهو فى حالة الغضب هذه. فهو أتى لأجل خلاص النفوس ولهدم مملكة الشر وليس لعمل معجزات. ولكنهم لم يلتفتوا إلى كل ما قاله فى عظته، لكنهم بحثوا عن معجزات. فكان تعليقه أنه غير مقبول فى وطنه. وأشار الرب لعدم إستحقاقهم لعمل أعمال معجزية وسطهم إلى ما حدث أيام إيليا وإليشع. وواضح من إشارة المسيح إلى أرملة نايين ونعمان السريانى أن الأمم هم الأولى بأعماله وأنه سيتجه للأمم. وهذا ما أثار المجمع ضده فقاموا ودفعوه خارج المجمع ليرجموه. وحاولوا إلقاءه من فوق صخرة إرتفاعها حوالى 40 قدم (حوالى 13 متر). ولكن هيبته الإلهية أوقفتهم ومر فى وسطهم دون أن يمسه أحد.

وتنفيذ عقوبة الرجم عند اليهود كانت بإلقاء المتهم من فوق صخرة عالية وكان من يلقيه هو الشاهد الأول. وإن لم يمت يلقى الشاهد الثانى على قلبه حجرا ثقيلا. وإن لم يمت يقوم باقى الجماعة بإلقاء الحجارة عليه. وهذا يفسر لماذا وضع اليهود عند قدمى شاول الطرسوسى ملابسهم ليقوموا برجم الشهيد إسطفانوس، فالحجارة التى يلقونها تكونة ثقيلة.

وإتجه الرب يسوع بعد ذلك إلى كفر ناحوم ليستقر هناك، وتصير كفر ناحوم وطنه فى الجليل. هناك على الأقل أصدقاءه وتلاميذه الأوائل بطرس وأندراوس ويعقوب ويوحنا إبنا زبدى. والأهم وهذا هو ما يبحث عنه المسيح أن هناك فى كفرناحوم الكثيرين الذين سيقبلون عمله ويؤمنون به ويملأون كنيسته مثل قائد المئة الذى بنى المجمع فى كفرناحوم وهناك يايرس.

سلطان الرب على الشياطين.

الأعداد 31-37

الآيات (لو31: 4 - 37): -

"31 وَانْحَدَرَ إِلَى كَفْرِنَاحُومَ، مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ، وَكَانَ يُعَلِّمُهُمْ فِي السُّبُوتِ. 32فَبُهِتُوا مِنْ تَعْلِيمِهِ، لأَنَّ كَلاَمَهُ كَانَ بِسُلْطَانٍ. 33 وَكَانَ فِي الْمَجْمَعِ رَجُلٌ بِهِ رُوحُ شَيْطَانٍ نَجِسٍ، فَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ 34قِائِلاً: «آهِ! مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ؟ أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا! أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ: قُدُّوسُ اللهِ! ». 35فَانْتَهَرَهُ يَسُوعُ قَائِلاً: «اخْرَسْ! وَاخْرُجْ مِنْهُ! ». فَصَرَعَهُ الشَّيْطَانُ فِي الْوَسْطِ وَخَرَجَ مِنْهُ وَلَمْ يَضُرَّهُ شَيْئًا. 36فَوَقَعَتْ دَهْشَةٌ عَلَى الْجَمِيعِ، وَكَانُوا يُخَاطِبُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَائِلِينَ: «مَا هذِهِ الْكَلِمَةُ؟ لأَنَّهُ بِسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ يَأْمُرُ الأَرْوَاحَ النَّجِسَةَ فَتَخْرُجُ! ». 37 وَخَرَجَ صِيتٌ عَنْهُ إِلَى كُلِّ مَوْضِعٍ فِي الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ.".

الآيات (مر21: 1 - 28): -.

"21ثُمَّ دَخَلُوا كَفْرَنَاحُومَ، وَلِلْوَقْتِ دَخَلَ الْمَجْمَعَ فِي السَّبْتِ وَصَارَ يُعَلِّمُ. 22فَبُهِتُوا مِنْ تَعْلِيمِهِ لأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ كَمَنْ لَهُ سُلْطَانٌ وَلَيْسَ كَالْكَتَبَةِ. 23 وَكَانَ فِي مَجْمَعِهِمْ رَجُلٌ بِهِ رُوحٌ نَجِسٌ، فَصَرَخَ 24قَائِلاً: «آهِ! مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ؟ أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا! أَنَا أَعْرِفُك مَنْ أَنْتَ: قُدُّوسُ اللهِ! » 25فَانْتَهَرَهُ يَسُوعُ قَائِلاً: «اخْرَسْ! وَاخْرُجْ مِنْهُ! » 26فَصَرَعَهُ الرُّوحُ النَّجِسُ وَصَاحَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَخَرَجَ مِنْهُ. 27فَتَحَيَّرُوا كُلُّهُمْ، حَتَّى سَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَائِلِينَ: «مَا هذَا؟ مَا هُوَ هذَا التَّعْلِيمُ الْجَدِيدُ؟ لأَنَّهُ بِسُلْطَانٍ يَأْمُرُ حَتَّى الأَرْوَاحَ النَّجِسَةَ فَتُطِيعُهُ! » 28فَخَرَجَ خَبَرُهُ لِلْوَقْتِ فِي كُلِّ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالْجَلِيلِ.".

كفرناحوم = كفر النياح أو الراحة وجغرافياً فهي أوطى من الناصرة لذلك يقول إنحدر.

فى السبت = يوم الراحة فالقديس مرقس بدأ معجزات السيد المسيح بهذه المعجزة، وهو يكتب للأمم ليعلن لهم أن السيد المسيح أتى ليعطي الراحة للمتعبين إذ يحررهم من الأرواح النجسة التي سيطرت عليهم زماناً وأتعبتهم بل استعبدتهم. الرومان كانوا أقوياء عسكريا ولكن لا حول لهم ولا قوة أمام الأرواح والقوى الخفية. ومرقس هنا يبرز سلطان المسيح عليها. وكأن مرقس يقول أيهما أجدر بالخضوع، المسيح أم ملككم بقوته العسكرية. كمن له سلطان وليس كالكتبة = كان الكتبة يقولون، الناموس يقول.. أو المعلم فلان يقول، أما السيد المسيح فكان يقول.. أما أنا فأقول كذا وكذا.. والكتبة كانت كلماتهم جوفاء بلا قوة، أمّا المسيح فكلماته كلها قوة وجذابة للنفس.

آه ما لنا ولك يا يسوع الناصري.. أنا أعرفك = الشياطين عرفت المسيح ولكن ليس كمعرفة الملائكة والقديسين الذين يجدون في معرفته فرحاً وحياة وشركة أبدية (يو3: 17). أمّا الشياطين فتعرفه دياناً لها يأتي ليهلكها، وترتعب منه. من يفرح بالمسيح هو من إمتلأ قلبه محبة، أمّا هؤلاء الشياطين فمملوئين كراهية وحقد. هم يعرفون الله لكنها معرفة بلا حب ولا رجاء، يؤمنون ويقشعرون (يع19: 2) وهم يحاولون إبعاد البشر عن الله. والله لا يقبل شهادة هؤلاء، فهم إذا شهدوا يكون هذا بنية خبيثة، فمثلاً هم أقنعوا الفريسيين أن السيد يخرج الشياطين بواسطة بعلزبول، وربما يريدون بشهادتهم إثبات هذه العلاقة. المهم أن المسيح في غنى عن شهادة الأشرار عنه. والسيد المسيح كان لا يريد في البداية الإعلان عن أنه المسيا المنتظر حتى لا تحدث ثورة سياسية إذ يظن الشعب أنه جاء ليحررهم من الرومان. والمسيح رفض شهادة الشياطين. فشهادتهم له هي نوع من الخداع. فهم يريدون إثبات أن لهم علاقة بالمسيح، واليوم يشهدون له وغداً يهاجمونه فيضللون السامعين.

ولاحظ أن الشيطان لم يحتمل وجود المسيح الذي كان يعلم بسلطان فبدأ يهتاج. ولكن الشيطان مهما كانت قوته فهو بلا حول ولا قوة أمام سلطان رب المجد. ولاحظ أنهم عرفوا كثيراً عن المسيح، لكن الشياطين لم يدركوا أنه الله المتجسد، ولكن الشيطان فزع منه كما تفزع الظلمة من النور. ولاحظ أن السيد المسيح قبل أن يخرج الشياطين من الناس سبق وهزم الشياطين في البرية. فهو إن لم يكن قد هزمه، ما كان يقدر أن يكون له هذا السلطان. فهو هزمه لحسابنا ليحررنا من سلطانه.

مَا هذِهِ الْكَلِمَةُ؟ لأَنَّهُ بِسُلْطَانٍ = يقصدون بقولهم الكلمة أن المسيح ليس كمن لهم موهبة إخراج الشياطين بالصلاة والتضرعات، لكن هم وجدوا المسيح بكلمة واحدة يأمر الشيطان فيخرج فوراً. كلام المسيح ووصاياه يصاحبه قوة للتنفيذ. قوة شعر بها كل من كان يسمع المسيح، وقوة لم يتمكن الشيطان أن يصمد أمامها فأطاع وخرج فورا.

أنا أعرفك = الشيطان يعرف الله جيداً، عرفه وهو ملاك وإختبر محبته. وعرفه بعد سقوطه وأدرك عدله. وهو يعرف قوة الله وسلطانه. وحين رأى قوة المسيح وسلطانه أدرك أن هذه القوة قد إختبرها وعرفها من قبل، وأنها فى الله فقط، فبدأ يشك أن المسيح هو الله.

شفاء حماة بطرس.

الأعداد 38-41

الآيات (لو38: 4 - 41): -

38 وَلَمَّا قَامَ مِنَ الْمَجْمَعِ دَخَلَ بَيْتَ سِمْعَانَ. وَكَانَتْ حَمَاةُ سِمْعَانَ قَدْ أَخَذَتْهَا حُمَّى شَدِيدَةٌ. فَسَأَلُوهُ مِنْ أَجْلِهَا. 39فَوَقَفَ فَوْقَهَا وَانْتَهَرَ الْحُمَّى فَتَرَكَتْهَا! وَفِي الْحَالِ قَامَتْ وَصَارَتْ تَخْدُمُهُمْ. 40 وَعِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، جَمِيعُ الَّذِينَ كَانَ عِنْدَهُمْ سُقَمَاءُ بِأَمْرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ قَدَّمُوهُمْ إِلَيْهِ، فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَشَفَاهُمْ. 41 وَكَانَتْ شَيَاطِينُ أَيْضًا تَخْرُجُ مِنْ كَثِيرِينَ وَهِيَ تَصْرُخُ وَتَقُولُ: «أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ! » فَانْتَهَرَهُمْ وَلَمْ يَدَعْهُمْ يَتَكَلَّمُونَ، لأَنَّهُمْ عَرَفُوهُ أَنَّهُ الْمَسِيحُ. ".

الآيات (مت 14: 8 - 17): -.

"14 وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ بُطْرُسَ، رَأَى حَمَاتَهُ مَطْرُوحَةً وَمَحْمُومَةً، 15فَلَمَسَ يَدَهَا فَتَرَكَتْهَا الْحُمَّى، فَقَامَتْ وَخَدَمَتْهُمْ. 16 وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ قَدَّمُوا إِلَيْهِ مَجَانِينَ كَثِيرِينَ، فَأَخْرَجَ الأَرْوَاحَ بِكَلِمَةٍ، وَجَمِيعَ الْمَرْضَى شَفَاهُمْ، 17لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الْقَائِلِ: «هُوَ أَخَذَ أَسْقَامَنَا وَحَمَلَ أَمْرَاضَنَا».".

الآيات (مر 29: 1 – 34): -.

"29 وَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الْمَجْمَعِ جَاءُوا لِلْوَقْتِ إِلَى بَيْتِ سِمْعَانَ وَأَنْدَرَاوُسَ مَعَ يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، 30 وَكَانَتْ حَمَاةُ سِمْعَانَ مُضْطَجِعَةً مَحْمُومَةً، فَلِلْوَقْتِ أَخْبَرُوهُ عَنْهَا. 31فَتَقَدَّمَ وَأَقَامَهَا مَاسِكًا بِيَدِهَا، فَتَرَكَتْهَا الْحُمَّى حَالاً وَصَارَتْ تَخْدِمُهُمْ. 32 وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ، إِذْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ، قَدَّمُوا إِلَيْهِ جَمِيعَ السُّقَمَاءِ وَالْمَجَانِينَ. 33 وَكَانَتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا مُجْتَمِعَةً عَلَى الْبَابِ. 34فَشَفَى كَثِيرِينَ كَانُوا مَرْضَى بِأَمْرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَأَخْرَجَ شَيَاطِينَ كَثِيرَةً، وَلَمْ يَدَعِ الشَّيَاطِينَ يَتَكَلَّمُونَ لأَنَّهُمْ عَرَفُوهُ.".

هنا نرى السيد المسيح يشفى حماة بطرس، فالسيد يهتم ببيت خادمه أو تلميذه، فعلى الخادم أن يقدم عمره كله للمسيح ولا يفكر فى أموره الخاصة، والمسيح يتكفل بإحتياجات بيته. وكلما خدمنا المسيح يخدمنا المسيح. فقامت وخدمتهم = دليل الشفاء الفورى والكامل (لم توجد فترة نقاهة). ونرى هنا أن دليل الشفاء الروحي هو خدمة الآخرين، حينما حل المسيح في بطن العذراء ذهبت لتخدم أليصابات. فلمس يدها = المسيح كان يمكن أن يشفى بمجرد كلمة منه. ولكن كان يلمس فى بعض الأحيان المرضى ليعلمنا أن جسده المقدس كان به قوة الكلمة الإلهى وهذا لنفهم أنه إذا إتحدنا بجسده المقدس يمكن للنفس أن تُشفى من أمراضها وتقوى على هجمات الشياطين.

وهذه المعجزة جذبت كثيرين فأتوا، والسيد شفى كثيرين. وربما من لم يحصل على الشفاء، كان هذا بسبب عدم إيمانه. والشياطين إذ رأت قدرته عرفته فلم يدعهم ينطقون فهو يرفض شهادتهم. ولوقا وحده إذ هو طبيب يصف الحمى بأنها شديدة.

ونلاحظ أن بطرس لم يسأل السيد بنفسه، إنما الموجودين سألوه، وهذه الصورة محببة لدى السيد وهى تطبيق لقول يعقوب صلوا بعضكم لأجل بعض. هى صورة حية لشفاعة الأعضاء بعضها لبعض أمام رأسنا يسوع.

لماذا أسكت السيد الشياطين أن تنطق بأنه إبن الله؟ لقد تصور اليهود أن المسيح أتى كمخلص من الرومان، فهموا بعض الآيات كما فى المزامير مثل تحطمهم بقضيب من.

حديد (مز 9: 2 + مز 6: 79) بطريقة خاطئة، لذلك حرص السيد أن لا ينتشر خبر أنه المسيا اولاً، حتى لايفهم الشعب أنه آتٍ ليحارب الرومان، لذلك كان يوصى تلاميذه أن لا يقولوا إنه المسيا، وأيضاً المرضى وكل الذين أخرج منهم شياطين أمرهم أن لا يقولوا لأحد، وهنا ينتهر الشياطين حتى لا تقول وتتكلم وتكشف هذه الحقيقة أمام الجموع لأن الجموع كان لها فهم سياسى وعسكرى لوظيفة المسيح. ولكن حينما أعلن بطرس أن المسيح هو إبن الله تهلل المسيح وطوب بطرس، ولكنه وجه تلاميذه للفهم الصحيح والحقيقى للخلاص وأن هذا سيتم بموته وصلبه وقيامته وليس بثورة سياسية أو عمل عسكرى (مت 15: 16 - 23). فالمسيح يود أن يعرف الناس حقيقته ولكن لمن له القدرة على فهم حقيقة الخلاص. وفى أواخر أيام المسيح على الأرض إبتدأ يعلن صراحة عن كونه إبن الله (مت 63: 26 - 64) ولكن نلاحظ أنه تدرج فى إعلان هذه الحقيقة بحسب حالة السامعين، فإن من لهُ سيعطى ويزاد (مت 12: 13) فبقدر ما ينمو السامع فى إستيعاب أمور وأسرار الملكوت يرتفع التعليم ويزيد وينمو ليعطى الأكثر والأعلى، فمستوى السامع فى نموه هو الذى يحدد مستوى التعليم الذى يقدمه المسيح، أما النفس الرافضة فينقطع عنها أسرار الملكوت والحياة مع الله. الله يعطينا إذاً أن نكتشف أسراره بقدر ما نكون مستعدين لذلك. السيد أيضاً إنتهر الشياطين لعلمه بأن الشيطان مخادع، فهو اليوم يشهد للمسيح وغداً يشهد ضده فيضلل الناس لذلك أسكتهم حتى لا ينطقوا بأنه إبن الله. ولنفس السبب أخرج بولس الرسول الشيطان الذى فى الجارية (أع 16: 18).

ملحوظة: - يبدو أن المسيح كان قد إعتاد أن يأتى لبيت بطرس لتناول الطعام وأنه أتى فى هذا اليوم لهذا الغرض، بدليل أن حماة بطرس قامت وأعدت الطعام وكان السيد يأخذ معهُ تلاميذه الأخصاء يوحنا ويعقوب (مر 29: 1). عموماً حماة سمعان ترمز لكل نفس أصيبت بالخطية فأقعدتها عن الحركة والخدمة فجاء المسيح ليشفيها. ونلاحظ أيضاً أن شفاء حماة سمعان كان فورياً بدون فترة نقاهة.

التبشير فى الجليل.

الأعداد 42-44

الآيات (لو42: 4 - 44): -

42 ولما صار النهار خرج وذهب الى موضع خلاء وكان الجموع يفتشون عليه. فجاءوا اليه وامسكوه لئلا يذهب عنهم. 43 فقال لهم: «انه ينبغي لي ان ابشر المدن الاخر ايضا بملكوت الله لاني لهذا قد ارسلت». 44 فكان يكرز في مجامع الجليل.

الآيات (مر35: 1 - 39): -.

"35 وَفِي الصُّبْحِ بَاكِرًا جِدًّا قَامَ وَخَرَجَ وَمَضَى إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ، وَكَانَ يُصَلِّي هُنَاكَ، 36فَتَبِعَهُ سِمْعَانُ وَالَّذِينَ مَعَهُ. 37 وَلَمَّا وَجَدُوهُ قَالُوا لَهُ: «إِنَّ الْجَمِيعَ يَطْلُبُونَكَ». 38فَقَالَ لَهُمْ: «لِنَذْهَبْ إِلَى الْقُرَى الْمُجَاوِرَةِ لأَكْرِزَ هُنَاكَ أَيْضًا، لأَنِّي لِهذَا خَرَجْتُ». 39فَكَانَ يَكْرِزُ فِي مَجَامِعِهِمْ فِي كُلِّ الْجَلِيلِ وَيُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ.".

وكان يصلي = هي علاقة النور بالشمس، هي صلة الإبن بأبيه، هي المحبة المتبادلة، وإن كان المسيح يصلي فكم وكم إحتياجنا نحن للصلاة. فبدون الصلاة أي الصلة بالله فلا سلطان لنا على إبليس. ولا حماية من الله لنا بدون علاقتنا بالله. ولاحظ أنه إذ عَلِمَ بأن الجموع تطلبه ذهب ليكرز ويخرج شياطين، فهو لم يأتي لراحته بل ليريح الناس = لأني لهذا خرجت. والمسيح لم يكتفي بمدينة واحدة بل هو يريد أن يذهب للجميع = ينبغي لي أن أبشر المدن الأخر. فهو يريد أن الجميع يخلصون. فنحن نرى أن سكان كفر ناحوم حاولوا أن يمسكوه ويحتفظوا به لكنه في محبة شرح لهم أنه أتى للكل. يريد أن يحرر الكل من سلطان إبليس.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الخامس - تفسير إنجيل لوقا - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح الثالث - تفسير إنجيل لوقا - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير إنجيل لوقا الأصحاح 4
تفاسير إنجيل لوقا الأصحاح 4